حَاشِيةُ
اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ كتاب الطهارة
[1/ 38] (1) قوله: "وهي رفع الحَدَث" الأولى أن يقول: "وهي ارتفاع الحدث
الخ" لأنه تفسير للطهارة، [3ب]، وأما الرفع فهو تفسير للتطهير، لأنه فعل
الفاعل، فيحصل التطابق بين المفسَّر والمفسَّر.
(2) قوله: "ولا يرفع الحدث" قال المصنف في "الغاية": ويتجه: ولو للناسي؛
لكن ناقشه شارحها (1) بما في "المبدع" من أنه كالصلاة بثوبٍ محرّم، وهو تصح
الصلاة به لناسٍ. ومثله في "شرح الإقناع" للبهوتي، لكن عارضه العلاّمة
النجدي (2) بالفرق بينهما بأن الماء يتلف، بخلاف الثوب. وأجاب عن ذلك شيخ
مشايخنا الشطّي بان الماء مضمون عليه فكأنه لم يتلف.
(3) قوله: "ولو كافرة": كذا قالوا. واعترضه المحقق السفاريني (3) بما
ملخّصه: أن الكافرة لا طهارة لها كاملة، لفقْدِ النيّة، فلا تؤثّر
خَلْوَتُها. وأجابوا عن
__________
(1) المصنف: المراد به في هذه الحاشية، وبقوله: "المؤلف" أيضًا: الشيخ مرعي
الكرمي مصنف دليل الطالب، وربما أريد بعبارة "المصنف" في هذه الحاشية غير
الشيخ مرعي، بدلالة السياق. والغاية هي كتابُهُ "غاية المنتهى في الجمع بين
الإقناع والمنتهى" وشارحها هو الشيخ الرُّحَيْبَانيّ، شرحها بكتابه المسمى
"مطالب أولي النُهى" ولها شرح آخر لابن العماد (- 1089هـ) ولم يكمله وأكمله
بعده من باب الوكالة الشيخ إسماعيل بن عبد الكريم الجراعي (- 1202هـ) و
"المبدع شرح المقنع" هو للشيخ برهان الدين ابن مفلح (- 884هـ) وهو إبراهيم
بن محمد بن مفلح الراميني (ورامين من قرى نابلس) ثم الدمشقي.
(2) مراده بالعلامة النجدي، الشيخ عثمان بن أحمد بن سعيد النجدي (- 1097هـ)
ذكره في السُّحُبِ الوابلة (ص 292) أَخَذ عن علماء الشام ثم علماء مصر،
واشتهر بها وأفتى. وله حاشية على المنتهى.
وصنّف "هداية الراغب شرح عمدة الطالب" من أنفس كتب المذهب. وله رسائل.
(3) السفاريني (1114 - 1189هـ)، هو الشيخ محمد بن أحمد بن سالم
السَّفَّاريني أبو العون.
من أهل سَفَّارين من قرى نابلس دَرَسَ بدمشق، علاّمة في فنون كثيرة، له:
"العقيدة" و "شرح منظومة الآداب" وغيرهما.
(1/10)
ذلك بان طهارتها صحيحة ولا تشترط لها
النية، للحاجة، ولو لم تصح طهارتها لما [1/ 39] جاز لزوجها المسلم وطؤها.
قلت: لكن يشكل على هذا قولهم فيما يكره استعماله عند قولهم: "أو استعمل في
غسل كافر" فإنهم قالوا: "وشمل الذّمّيّة التي تغتسل لحلّ وطئها لزوجها
المسلم" فجعلوه لم يرفع حدثًا مع أن الحكم مُنَاط (1) برفع الحدث،
فلْيُتأمل.
(4) قوله: "بأن لا يشاهدها الخ" المراد بالمشاهدة الحضور، لما أنهم ذكروا
أن الأعمى يزيل الخلوة. لا يقال: المراد بها الرؤية ولو إمكانًا، أي
فالأعمى لولا المانع لرأى، لما أنه يترتب على ذلك أنه لو كان بين المتخلّي
وبين من تزول به الخلوةُ حائلٌ كجدار ونحوه، لكان لا يعد ذلك خلوة، إذ لولا
المانع لحصلت الرؤية، وهو باطل. وظاهر كلامهم أن النائم لا تزول به الخلوة
لعدم إحساسه، بخلاف الأعمى. لكن إن كان أصم فالظاهر أنه كالنائم وأولى، فلا
تزول به خلوة، فحرِّر.
(5) قوله: "وشمل الذّميّة الخ" مع أنهم قالوا: يصح غسلها من الحيض والنفاس
بدون نيّة، لحاجة زوجها. وإذا صح غُسلها يكون قد ارتفع حدثها، فيكون ما
استعملتْهُ في غسلها مَسْلوبَ الطهورية. فإن قيل: إنّ هذا الغسل مخفَّف
ومبيح للوطء للحاجة، وليس رافعًا للحديث، كوضوء الجُنُب للُّبث في المسجد،
قلت: يدفع هذا قولهم إن خلوتها بالماء لهذا الغُسل تؤثر فيه. ومن أنها لا
تؤثر (2) إلا إذا كانت رافعة لحدثٍ، كما تقدم.
(6) قوله: "تشريفًا له": أي فعِلّةُ كراهة إزالة الخَبَث به تشريفه
وتعظيمه. وقيل إن سبب ذلك اختيار الواقفِ وشرطه (3). قال في الفروع: فعلى
هذا اختَلَف
__________
(1) قوهل: "مُنَاطَ" الصواب من حيث اللغة "مَنُوط لا أي معلّق.
(2) قوله "من أنّها لا تؤثر" كذا في الأصل، ويبدو أن صوابه: "ولا تؤثر".
(3) يشير إلى ما روي أن العباس بن عبد المطلب، وكانت إليه سقاية زمزم، قال:
"إني لا أُحِلُها لمغتسلٍ، وهي لشاربِ حِلٌ وبلّ". ذكره صاحب المغني (1/ 8
ط ثالثة) ولكن ليس العباس عن احتفرها، بل أبوه عبد المطلب جدّ النبي - صلى
الله عليه وسلم -.
(1/11)
الأصحاب: لو سَبَّل ماءً للشرب هل يجوز
الوضوء به مع الكراهة أم يحرم، على وجهين. اهـ.
أقول: سيأتي في الوقف أن الصحيح من المذهب: لا يجوز الوضوء به.
فعلى ذلك لا يجوز الوضوء بماء زمزم. وعمل الناس على خلافه [4أ].
(7) قوله: "مطلقاً" أي لا في رفع الحدث، ولا في زوال الخبث، ولا فيما هو
بمعناهما، وغير ذلك، ومع الاحتياج إليه وعدمه.
(8) قوله: "مُنْطَبع": أي نحاس أو حديد ونحوهما.
(9) قوله: "في غير رفع الحدث وزوال الخبث" أي ونحوهما، فلا يصح أن يغسل به
ميت، ولا غسل يديْ قائم من نوم ليل، ولا أنْثَيَيْ من نزل منه مَذْي، ولا
غسلٌ مستحب، كغسل الجمعة، ولا وضوء مسنون، ونحو ذلك، مع أن هذا ليس رفعَ
حدث ولا إزالةَ خبث. ففي عبارته قصور.
(10) قوله: "بمخالطة شيء طاهر": إنما قَدّر الشارح المضاف لأن التغيير لا
يسلب الطهورية إلا إذا كان بمخالطة المغيِّر وممازجته للماء. وأما إن كان
غير ممازج، كقطع الكافور ونحوه، فقد تقدّم أنه لا يسلب الطهورية، إلا أن
الماء يكون مكروها. وان تغيّر الماء بمَقَرّ أو مَمَر فلا كراهة أيضاً. ومن
هنا يعلم أن البئر إذا قُصِرتْ بجصّ واختلف ماؤها من الجص يكون ماؤها
طهورًا غير مكروه.
(11) قوله: "بنفسه" ليس بقيد، بل إن زال تغيّره بإضافةٍ ونحوها عاد إلى
طَهُوريّتهِ.
(12) قوله: "لأنه أزال مانعًا الخ" هذا أحد أقوالٍ ستة. ثانيها: لأنه أسقط
واجبًا. ثالثها: لأنه رَفَع حدثًا. رابعها: لأنه أدّى به عبادة. وخامسها:
لما تخلَّلَهُ من الأدران والأوساخ. وسادسها: لأن المحدث يثبت بأعضائه
نجاسة حُكْميّة.
وينبني على هذا الاختلاف فوائد كثيرة. اهـ. هكذا رأيته بهامش الفروع.
(13) قوله: "أو انغمست فيه الخ" أي وكذا لو صُبّ الماء عليها كلها يكون
مسلوب الطهورية، إذ لا فرق بين ورودِها على الماء وورود الماء عليها. فعلى
هذا لو استنجى مثلاً قبل غسلها من نوم الليل، وكان صب الماء يعمّها كلها لا
يصح
(1/12)
الاستنجاء، لأن الماء يصير مسلوب
الطهوريّة. وإن كان لا يجري على جميعها [1/ 43] صحّ. فتنبّه.
(14) قوله: "إذا غَمَسَ بعضها بنية الخ" أي بنيّة غسلها من نوم الليل "فيه"
أي في الماء القليل. ويتجه أنه لو نوى الاغتراف بها وغسل يديه خارج الماء
لا يضر. فتأمل.
(15) قوله: "أكثر من قُلّتين" الأولى أن يقول: قُلّتين فأكثر، لأنه يوهم أن
القلّتين غير كثير. وليس بجيد.
(16) قوله: "كثير" أي لا بدّ من كون الطهور المضاف كثيرًا، أي قُلَّتيْنِ
فصاعدًا. جزم به في "المنتهى" وغيره. وفي "الإنصاف": لو كوثر بماءٍ يسيرٍ،
أو بغير الماء، لم يطهر على الصحيح من المذهب. اهـ. وقال العلامة المصنّف
في "الغاية": ويتجه صحة عدم اشتراط كثير في إضافةٍ ونزح. اهـ. قلت: وهو
ظاهر كلامه هنا أيضًا. وهو قوي من حيث الدليل، وإن كان مخالفًا لما عليه
أكثر الأصحاب، وذلك لأنه لو زال التغير بدون إضافة شيء صار الماء طهورًا،
فعَوْدُهُ إلى الطهورية بإضافة يسيرٍ من الماء أولى. فتنّبهْ، ولا تكن أسير
التقليد.
(17) قوله: "تقريبًا": الأولى أن يأتي بهذه اللفظة بعد قوله: "وهما خمسمائة
رطلٍ بالعراقي لأن الكثير قلّتان تحديدًا. فلو نقص عن القلتين يسيرًا صار
دونهما. ومناط الحكم بلوغُ الماء قفتين، أو عدمه. وأما كون القلّتين
خمسمائة رطلٍ بالعراقي، فتقريبٌ لا تحديد. فلو نقص هذا القدر رطلًا أو
رطلين فلا يضر. ويسمى قلّتين، لأن هذا التقدير بالنص، وذلك لأن المراد
بالقلّتين من قلال هَجَر [4ب] وكانت القلّة تسع قربتين وشيئًا. والقربة
تسعمائة رطل. فاحتاطوا وجعلوا "الشيء" نصفًا. وهو يمكن أن يكون أقل من
النصف، بل ومن الربع.
فاغتفروا النقص اليسير من هذا العدد. وهذا ظاهر لا غبار عليه، لا يحتاج
لتأمّل.
(18) قوله: "ذراع طولاً الخ" فيه أن الأذرع في المربّع أربعة إلا ربع ذراع
وفي المدوَّر ثلاثة ونصف. فكيف يستويان في
(1/13)
[1/ 44] القدر؟ (1).
(19) قوله: "توضأ منهما وضوءًا واحدًا الخ" فُهِم منه أنه لو توضأ منهما
وضوءين، من كل واحد وضوءًا، أنه لا يصح واحد منهما. وهذا المذهب. وقيل يصحٍ
ذلك. وهل إذا اشتبه المحرّم بالمباح، وتوضا منهما وضوءًا واحدًا، من هذا
غَرفةً ومن هذا غرفة، يصحّ وضوؤه، وكذا لو توضأ منهما وضوءين، قياسًا على
اشتباه الطهور بالطاهر؟ الظاهر: نعم. لكن يشكل على هذا قولهم فيما تقدم،
فيما إذا اشتبه محرم بمباحٍ، أو طهور بنجس: لم يتحرّ، ويتيمّم. والله
سبحانه وتعالى أعلم.
(20) قوله: "إعلام من أراد أن يستعمله إلخ": فإن أعلمه وكان ثقةً لزمه
قبوله إن بيّن له السبب. ومن وقع عليه ماء ونحوه من سطح ونحوه يجهل حاله لم
يلزمه أن يسأل عنه، بل عدم سؤاله أولى.
باب الآنية
ترجم لشيء، وزاد عليه، وهذا ليس بعيب (2).
(1) قوله: "ويحرم استعمال إناء الذهب ولو ميلاً": فيه أن الميل ليس بإناء.
فلو قال: ويحرم استعمال آلة من ذهب أو فضة ولو ميلاً، لكان أولى.
(2) قوله: "يعني إذا فارقنا شيئًا طاهرًا الخ" هذا ليس بقيد، بل المقصود:
إذا جهلنا حال شيء من إناءٍ ونحوه فهو طاهر. وقوله: "لا نوجب بالشك الخ "
أي فلو شكّ في حصول الحدث، لا نوجب عليه الوضوء، ونحوإ لك. وكذا لو وجدنا
حيوانًا مذبوحًا في بلدٍ وفيها من لا تحل ذبيحته، وغيره، فلا نحرّمها
__________
(1) قوله: "فكيف يستويان في القدر" هذا غفلة من المحشّي رحمه الله، فإن
المسألة ليست مسألة جَمْعٍ للاطوال، بل هي مسألة ضرب، لأن المراد الحجم.
وما قاله الشارح صحيح.
(2) مراده بالزيادة أن المصنف ذكر في آخر الباب حكم ثياب الكفّار، والتنجيس
بالشكّ، وحكم الشعر والصوف ونحوها، وليست من الآنية. وليس ذلك معيبًا، لأنه
استطراد للمناسبة.
(1/14)
بالشك، باحتمال كون ذابحها من لا تحل
ذبيحته. نعم أوجبوا صوم يوم الثلاثين [1/ 47] من شعبان إذا كان مانع من
رؤية الهلال، كما يأتي.
(3) قوله: "مُطْلَقًا" أي سواء كان جلد حيوان مأكولٍ أم لا، طاهرٍ في
الحياة أم لا. وعنه (1): يطهر جلد مأكول اللحم بالدبغ. اختارها جماعة.
ويحرم استعمال جلدِ آدميّ إجماعًا. قال بعضهم: ولا يطهر بدبغه. وأطلق بعضهم
وجهين.
وجعلُ المُصْران وترًا دباغ، وكذا الكَرِش. قال في الفروع: ذكره أبو
المعالي. ويتوجّه: لا.
أقول: جزم في الإقناع وغيره بما قاله أبو المعالي. وهو المذهب.
تتمّة: اختلف علماؤنا، فقالت طائفة: الدبغ إحالةٌ لا إزالة. وقال آخرون:
إزاله.
باب
الاستنجاء وأداب التخلي
(1) قوله: "ويستفاد من الإقناع الخ" مُحصَّل شروط الاستجمار التي ذكرها أنه
لا بدّ أن يكون بطاهرٍ مباحٍ منقّ، ولا بدّ من حصول الإنقاء، وثلاثُ
مَسَحاتٍ إن أنقت وإلا فحتّى تنقي، وأن تعمّ كل مَسْحَةٍ المحلّ، وأن يكون
الفرجُ أصليًّا، وأن يكون المخرج معتادًا، وأن يكون تنخسه من الخارج، وأن
يكون الخارج من غير أجزاء الحقنة، وأن يكون المستجمَر به غير منهىٍّ عنه،
وأن لا يتعدى الخارج موضع العادة. فهذه اثنا عشر شرطًا لصحة الاستجمار.
(2) قوله: "لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء الخ" وهذه يُعَايَا بها، يقال:
استجمر بما لا يجزئ، وأتبعه بما يجزئ، هل يجزئ أو لا؟ والجواب: إن كان لا
يجزئ لحرمته، كالروث والعظم ونحوهما فلا يجزئ أن يتبعه بما يجزئ من حجر
ونحوه،
__________
(1) أي عن الإمام أحمد. وقوله "اختارها": أي اختار هذه الروايةَ عن أحمد.
(1/15)
[1/ 51] بل لا بدّ من الماء. وإن كان لا
يجزئ لملاسته، كالرخام، فيجزئ أن يتبعه بحجرٍ بالشروط المتقدمة، ويصح
استجماره.
(3) قوله: "كما لو تعدى الخارج موضع العادة الخ" فلو تعدّى بول المرأة إلى
مخرج الحيض لزمها الغَسل، ولا يكفي الاستجمار، لأن مخرجهما مختلف.
وذكر في المغني احتمالاً أنه لا يجب الغسل، بل يكفي الاستجمار، وأقره في
الشرح والرعاية، لأن هذا عادةٌ في حقها، كالمعتادة في غيرها. قلت: وهذا هو
الصواب إن شاء الله، ويرشد لذلك قولهم: "موضع العادة" ولو كان مرادهم ما
تقدّم لقالوا: "موضع الخروج" أو: "المخرج" مثلاً. ويلزم عليه أن لا يصح
استجمار أنثى أصلاً لأنه لا بدّ من التعدي المذكور، وهذا لا قائل به. والله
أعلم.
فصل في آداب الخلاء
(1) قوله: "ومريدَ لقضاء حاجة الخ": أي كذلك يسن لمريد قضاء الحاجة في
الصحراء تقديم رجله اليسرى إلى المحلّ الذي يقضي حاجته فيه. وإذا قام منه
قدّم اليمنى، وقال: "غفرانك الخ".
(2) قوله: "أي أسألك غفرانك الخ" قال في الحاشية (1): والسّرّ في هذا
الدعاء أنه لما خلَص من النَّجْوِ والبول المثقِلينِ للبدن سأل الخلاص مما
يُثقِل القلب، وهو الذنْب، بالغفران، لتكمل له الراحةُ الحسّيّة والمعنوية.
اهـ.
(3) قوله: "خشية أن يرد عليه البول الخ" يؤخذ مثه أنه لا يكره استقبال
الريح وهو يتغوّط فقط، لعدم المحذور.
(4) قوله: "ويكره الكلام الخ" أي إلا إذا كان لتحذير معصومٍ من مهلكةٍ،
فيجب. وقال في الحاشية: لما قيل إن الملكين الموكّلين به ينعزلان عن دخول
الخلاء، فإذا تكلم أحوجهما إلى العود، فيلعنانه. اهـ.
__________
(1) لعل المراد بها حاشية دليل الطالب لابن عوض (- 1101هـ) ذكره في السحب
الوابلة وهو أحمد بن محمد بن عوض المرداوي من تلاميذ الشيخ محمد
الخَلْوَتي، ثم الشيخ عثمان النجدي، وحاشيته هذه في نحو ثلاثين كرّاسًا.
(1/16)
(5) قوله: "والاستتار بدابةٍ وجدار الخ"
الظاهر أنه لا بدّ من قربه من السُّترة [1/ 53] نحو ثلاثة أذرع، كسترة
الصلاة.
(6) قوله: "وأن يلبث الخ" أي لما فيه من كشف العورة بلا حاجة. وقيل إنه
يدمي الكبد، ويورث الباسور. قال في "الفروع" (1): وفي تحريمه وكراهته
روايتان، اختار القاضي (2) وغيره الكراهة، واختار صاحب "المحرّر" (3) وغيره
التحريم. اهـ.
باب السواك
(1) قوله: في "يُسَنُّ السواك" أي التسوّك. فإن "السواك" يطلق على التسوّك.
وقوله: "ليّن" الأولى تصير "رطبٍ " بها. ولو عبّر المصنّف بها لكان أولى،
ليشمل اليابس المُنَدَّى.
(2) قوله: "إلا بعد الزوال لصائمٍ فيكره" هذا المذهب. وقيل بل يُسَنّ
للصائم أيضًا مطلقًا. وجزم به المحقق م س (4) وألف رسالة في ذلك وأقام عليه
البراهين والأدلّة. وكان السواك واجبًا على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
ويسن السِّواك باليسرى على أسنانٍ ولِثَةٍ ولسان.
__________
(1) "الفروع " هو للشيخ شمس الدين محمد بن مفلح بن مفرّج الرّامينيّ
المقدسي، ثم الصالحي - صالحية دمشق (- 763هـ) وهو من أشمل كتب المذهب لفروع
الحنابلة.
ويشير فيه إلى المذاهب الأخرى بالرموز.
(2) مراد الحنابلة بالقاضي: القاضي أبو يعلى (- 458 هـ) وهو محمد بن الحسين
بن علي الفراء الحنبلي. كان قاضي دار الخلافة في بغداد. كان إمامًا في
الفروع والأصول. له شرح الخرقي، والأحكام السلطانية، وغيرهما.
(3) "صاحب المحرّر" هو الشيخ أبو البركات عبد السلام بن الخَضرِ بن تيمية،
مَجْدُ الدين (- 652 هـ) هو جد شيخ الإسلام ابن تيمية. وكتابه المحرر في
الفقه مطبوع، وله أيضًا: "الأحكام الكبرى" و"المنتقى من أحاديث الأحكام"
وغيرهما.
(4) "م. س" رَمَز بهذا للشيخ محمد السفاريني. وقد تقدم ذكره. واسم رسالته
"تحفة النُسَّاك في فضل السواك" ذكرها في ذيل كشف الظنون (ص 262) وصاحب
السحب الوابلة (ص 342) وغيرهما.
(1/17)
فصل في سنن الفطرة
[1/ 57] (1) قوله: "ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها" وعبارة الإقناع:
"ولا يكره أخذ ما زاد الخ " أقول: حاصل كلام المصنف كغيره أن حلقها، ومثله
قصُّها كلها ونتفها ونحو ذلك، حرام، وأن السّنّة عدم أخذ شيء منها، وأن أخذ
ما زاد على القبضة لا بأس به، ولا يكره، وأما أخذ ما دون قبضتِهِ بحيث لا
يستأصلها فلم أجد أحدًا تعرّض له. إلا أني رأيتُ بعض الحنفية صرّح بالإجماع
على عدم إباحته.
وكذا مفهوم نص الإمام أحمد. وعبارة "الإقناع" فليس دالًّا على التحريم ولا
على الكراهة، بل هو محتملهما. وإنما يدل على عدم الإباحة فقط. وغالب أهل
هذا الزمان يحلقون لحاهم، ومن لم يحلقها يقصها ويبالغ في قصّها، ويُعْفُون
شواربهم حتى تسدَّ أفواههم، حتى رأيت بعض القضاة كذلك. وهل هذه إلا مضادّةٌ
للشرع الشريف الذي أمر بإِحْفَاءِ الشوارب وإعفاء اللحى. فلا حول ولا قوة
إلا بالله العليّ العظيم. (2) قوله: "فيعايا بها" أي يقال: في أي موضع تكون
السنّة أفضل من الواجب؟ فيقال: هنا. وكذا إنظار المعسر واجب وإبراؤه مندوب،
وهو أفضل. وكذا ردّ السلام واجب وابتداؤه سنة، وهو أفضل. فيكون هذا ونحوه
مستثنًى من قاعدةإ "الفرض أفضل من النّفل". وقد يقال: لا استثناء في
الحقيقة، لاختلاف جهة الأفضلية. بيان ذلك أن الختان قبل البلوغ يساوي ما
بعده في امتثال الأمر وسقوط الواجب به، ويزيد فضيلة المتقدم وغيره. وكذا
إنظار المعسر واجب لدفع أذاه بالمطالبة، ففي إبرائِه وجود ذلك، وزيادة
إسقاط الدين عنه بالكليّة. ففيه فضيلة الإسقاط. وكذا ردّ السلام واجب لما
يلزم على تركه من العداوة والتباغض، فهو مطلوب للتّوادّ بين المسلمين، وهو
حاصل بابتدائه ويزيد فضيلة المتقدم. فقد فَضَل النّفلُ الفرضَ لا من جهة
الفرضية، بل من جهةٍ أخرى. وإلا فإنا إذا حكمنا على ماهيّةٍ بأنها خير من
ماهيّةٍ أخرى، كالرجل خير من المرأة، لم يمكن أن تفضلها الأخرى بشيء من تلك
الحيثيّة، فالرجل من حيث إنه رجل لم يمكن أن تفضلَهُ المرأة من حيث إنها
غير الرجل، دالاّ تتكاذبِ القضيتان. وهذا بديهي. نعم قد
(1/18)
تفضل المرأة الرجل من جهةٍ غير الذكررة
والأنوثة. اهـ من كلام بعض المحققين [1/ 58] فليُعلم.
باب الوضوء
(1) قوله: "وواجباته": صوابه: "وواجبه"، لأنه ليس للوضوء إلا واجبٌ واحد،
وهو التسمية. والأولى أن يزيد: "وصفته وسننه وما يتعلق بذلك".
(2) قوله: "وعلى الوجوب الخ": أي وأما على القول بانها فرض فلا تسقط. وهما
روايتان، كما في الفروع.
(3) قوله: "وقال في الإقناع الخ": واتجه العلامة المصنف (1) أنه إذا كان
الوقت متسعًا والماء كثيرًا سمّى وابتدأ، وإذا كان الوقتُ ضيّقًا، أو الماء
قليلاً، سمّى وبنى. وهو توسّطٌ بين القولين. وهو تفصيل حسن.
(4) قوله: "فلو لم تجب لأجزأ غسل اللمعة فقط": يشير إلى ما روي "أن رجلاً
توضأ وفي رجله لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي - صلى الله
عليه وسلم - أن يعيد الوضوء" وفي رواية: "والصلاة" (2). فهذا يدل على
اشتراط الموالاة، وإلا لأمره بغسل اللمعة فقط. وأيضًا لم ينقل عنه - صلى
الله عليه وسلم - أنه توضأ إلا متواليًا.
(5) قوله: "فإن قيل: الإسلام عبادة الخ": هذا السؤال وارد على أبي البقاء
(3)، لما قال: العبادة ما أمرنا به شرعًا من غير [6أ]، اطّرادٍ عُرْفيّ،
ولا اقتضاءٍ عقلي، فقيل له: الإسلام والنية عبادتان، ولا يفتقران إلى
النيّة. فقال: الإسلام ليس بعبادة، لصدوره من الكافر، وليس من أهلها.
سلَّمْنا، لكن للضرورة، لأنه لا
__________
(1) قوله: "واتجَه" أي رأى أن هذا القول متجه. ولعله أورد ذلك في "الغاية".
(2) الحديث مرويّ بالمعنى. فقد أخرج أبو داود بسنده عن قتادة، قال: "حدثنا
أنس أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد توضّأ وترك على
قدمه مثل موضع الظفر. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ارجع
فأحسن وضوءك" وأخرجه ابن ماجه بزيادة "والصلاة".
(3) لعل مراده بهذه الكنية أبو البقاء الحسيني الكَفَوي (1093) وهو أيوب بن
موسى الحنفي صاحب "الكليات" في اللغة.
(1/19)
[1/ 60] يصدر إلا من كافر. وأما النيّة،
فلقطع التسلسل. اهـ.
فإن قلت: السترة والاستقبال من شرط الصلاة، فلم اعتُبرت النيّة للوضوء
دونهما، مع أنه شرط أيضًا؟ فالجواب كما في الفروع: أن نيّة الصلاة
تضمْنتْهُما لوجودهما فيها حقيقةً، ولهذا لو حلف لا يستتر، وأدام الستر، أو
حلف لا يستقبل، وهو مستقبل، فاستدامه، حنث، بخلاف الوضوء، فاستدامته ليست
بوضوء، لأن الوضوء عبارة عن الهيئة المعروفة.
فصل في النية
(1) قوله: "وتتعيّن نيّة الاستباحة" أي فلا يجزئ نيّةُ رفع الحدث، لأنه
دائم، أي فينافي نيّة رفعه، لأن شرط رفعه انقطاعُ ما يوجبه، ولم يوجد. هذا
معنى ما قرروه هنا. والأشبه أنه يجزئ نيةُ رفع الحدث. لأن الانقطاع ليس
شرطًا، للحاجة. ويؤيده قولهم: "ويرتفع حدثه" وإلا لزم أن الذمّيّة التي
تغتسل للوطء أنها تنوي الاستباحة، لأن الحدث لا يرتفع بدون نيّة، وهي ليست
من أهلها، فلم يقله أحد.
فإن قيل: ما الحكمة في غسل الأعضاء المذكورة في الوضوء، دون غيرها؟
فالجواب: لأنها أسرع حركة للمخالفة من غيرها، فأمر بغسلها ظاهرًا، تنبيهًا
على طهارتها باطنًا. ورتّب غسلها على ترتيب سرعة حركتها، فبدأ بالمضمضة،
لأن اللسان أكثر الأعضاء حركة، وأسرعها مخالفة. فهو كثير العطب، قليل
السلامة. ثم الأنف، ليتوب مما شمّه، ثم الوجه ليتوب مما نظر، ثم اليد لتتوب
مما بَطَشت.
ثم خصّ الرأس بالمسح لأنه مجاور لما تقع منه المخالفة، ثم الأذن لتتوب مما
سمعت، ثم الرجل لتتوب مما مشت. ثم أرشده بعدإ لك إلى تجديد الإيمان
بالشهادتين. والله أعلم.
فصل في صفة الوضوء الكامل
(1) قوله: "من منابِتِ شعر الرأس المعتاد الخ": فيدخل فيه عِذار، وهو
(1/20)
الشعر النابت على العظم الناتى المجاور
صِمَاخَ الأذن، وعارِض، وهو ما تحت [1/ 62] العذار إلى الذقَن. ولا يدخل
صُدعٌ، وهو الشعر الذي بعد إنتهاء العذار، يحاذي رأس الأذن، وينزل عنه
قليلاً، ولا تَحْذيفٌ، وهو الشعر الخارج إلى طرفي الجبين في جانبي الوجه
بين النزعة ومنتهى العذار، ولا النزعتان، وهما ما انحسر الشعر عنه من
فَوْديِ الرأس. فيُمْسح. اهـ إقناع.
(2) قوله: "ولا يضرّ وَسَخٌ يسير الخ": كثيرًا ما سمعنا من إخواننا الطلبة،
بَل ومن المشايخ، أن ذلك لا يعفى عنه في الغسل من الحدث الأكبر، بل في
الوضوء فقط. ولعلهم أخذوه من اشتراط غسل باطن الشعر ولو كثيفًا، في الغسل
دون الوضوء، وإلا فلم أره صريحًا في كلامهم. ويتجه عندي أنه يعفى عنه في
الغسل أيضَا، لوجود مشقة التحرز عنه، بخلاف غسل باطن الشعر، فلا مشقة فيه.
ولو كان لا يعفى عنه لصرّحوا به في باب الغسل. وإنما لم يصرّحوا بالعفو عنه
هناك اعتمادًا على ما ذكروه هنا، إذ لا فرق بين الطهارتين في ذلك. هذا ما
ظهر لي. والله أعلم.
(3) قوله: "حيث كان من البدن": أي في أي محل كان من البدن.
(4) قوله: "يمسح جميع ظاهر رأسه الخ": أي فلا يجب مسح ما نزل من شعر رأسه
عن حدّ الفرض، بخلاف شعر الذقن، فيجب غسله وإن طال.
(5) قوله: "من مفصل مرفق": متعلق بالأقطع. وقوله: "طرف" مفعول به ليغسل.
فصل في سنن الوضوء
(1) قوله: "ثمان عشرة" وفي أكثر النسخ: "ثمانية عشر" والصواب الأول، كما هو
معلوم من أن العدد من ثلاثة إلى عشرة يذكّر مع المؤنث، ويؤنث مع المذكر.
واثنان، وواحد، وعشرة، يذكر مع المذكر، ويؤنث مع المؤنث [6ب] لكن قد يقال:
إنّ هذا ما لم يكن المعدود محذوفًا، وإلاّ جاز الأمران.
(2) قوله: "حتى لقائم من نوم ليل، وبين الأذنين": قال في الإقناع" قاله
(1/21)
[1/ 65] الزركشي (1). وقال الأزجيّ (2):
يمسحهما معه.
(3) قوله: "قال القاضي الخ" الأولى أن يقول: "وقال القاضي الخ " لأنه مخالف
لكلام المصنّف، لأن المصنّف جعل الثانية أيضًا سنة.
(4) قوله: "والنطق بها الخ" هذا ما جزم به في المنتهى تبعًا للتنقيح. وقال
في الإقناع تبعًا لتقي الدين ابن تيمية: والتلفظ بها وبما نواه هنا وفي
سائر العبادات بدعة. واستحبّه سرًّا مع القلب كثير من المتأخرين. ومنصوص
أحمد وجمع محقّقين خلافه إلا في إحرام، ويأتي وفي الفروع والتنقيح (3):
يسنّ النطق بها سرًّا. فجعلاه سنّة. وهو سهو. ويكره الجهر بها" وتكرارها.
أقول: وشنّع في حاشيته على التنقيح (4) على القائل بأنه سنّة.
مسألة: يجوز عمل مكانٍ للوضوء في المسجد لمصلحةٍ، بلا محذور، ولكن لا يجوز
غسل نجاسةٍ في ذلك المكان. فإن كان في المسجد بركة ماءٍ عليها بابُ
المسجدِ، وحولها بالوعات لا يصلَّى حولها، كجامع الأزهر وأكثر جوامع مصر:
هل يحرم البول عندها والاستنجاء بالماء؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا
يشبه البول في المسجد في قارورة. والأشبه أن هذا إذا فعل للحاجة جاز. وأما
اتخاذ ذلك مَبَالاًومستنجًى فلا. اهـ. أقول: ومن هنا يعلم أنه يجوز لحاجةٍ
غسلُ عضوٍ نجِسٍ في محل الوضوء، على وجه لا تتعدى فيه النجاسة إذا كان في
المسجد.
__________
(1) الزركشي (- 774 هـ) هو شمس الدين محمد بن عبيد الله بن محمد الحنبلي
المصري. له شرح على مختصر الخرقي، مطبوع. وشرح على المحرر لمجد الدين ابن
تيمية.
(2) الأزجي: هو يحيى بن يحيى الأزجي (- 616هـ) الفقيه الحنبلي، صاحب "نهاية
المطلب" قال ابن مفلح في "المقصد الأرشد": هو كتاب كبير جدا حذا فيه حذو
"نهاية المطلب" للجوينه الشافعي - فيه أشياء ساقطة لا يعتدّ بها.
(3) "التنقيح المُشبع في تحرير أحكلام المُقنع" للمرداوي، مصحِّح المذهب،
وهو مختصر كتاب الإنصاف لمؤلفه. والمرداوي (- 885هـ) هو علي بن سليمان،
علاءُ الدين، من أهل (مَرْدَا) من قرى نابلس.
(4) للتنقيح حاشيتان: إحداهما لابن النجار الفتوحي صاحب المنتهى، ولعلها
المرادة هنا.
والأخرى للحجاوي صاحب الإقناع.
(1/22)
فتأمل. [1/ 65]
(5) قوله: "وقول أشهد أن لا إله إلا الله الخ": زاد في الإقناع: "اللهم
اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. سبحانك اللهم وبحمدك. أشهد أن لا
إله إلا أنت. أستغفرك وأتوب إليك" (1). قال: وكذا بعد الغسل. قاله في
الفائق (2).
قلت: وفي الفروع: "ويتوجه ذلك بعد الغسل ولم يذكروه" اهـ.
فائدة: هل ورد أذكارٌ وأدعية عند غسل الأعضاء في الوضوء أوْ لا؟ لم يرد شيء
من ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين
والأئمة الأربعة.
وفيه حديثٌ كذب لا يُعْمل به. اهـ. منه.
باب
مسح الخفين
(1) [قوله]: "وهو رخصة": الرخصة لغةً السهولة. وشرعًا ما ثبت على خلاف
دليلٍ شرعي لمعارضٍ راجح. بخلاف العزيمة [فهي] لغةً القصدُ المؤكد.
وشرعًا: ما ثبت بدليل شرعي خال عن معارضٍ راجح. والمسح أفضل من الغسل.
(2) قوله: "ولا لرَجُلٍ على حرير": أي: ولو في حال الضرورة. لا يقال: لبس
الحرير في حال الضرورة مباح فيجوز المسح عليه، لأنّا نقول: إن جواز مسح
الخف مشروط بكونه مباحًا مطلقًا. والحرير [مباح] في بعض الحالات، لا
مطلقًا.
__________
(1) وذلك لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا: "من توضأ فأحسن
الوضوء، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله ... الحديث إلى قوله: من المتطهرين
فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" أخرجه الترمذي (ح 55) وابن
ماجه (ح 470) وأخرجه مسلم وأبو داود. قال الترمذي: وهذا حديث في إسناده
اضطراب.
(2) "الفائق في المذهب" لابن قاضي الجبل (693 - 771هـ) وهو أحمد بن الحسن
بن عبد الله بن قدامة، شرف الدين أبو العباس. دمشقي، ممن أخذ عن شيخ
الإسلام ابن تيمية. كان إمامًا عظيم القدر، في كثير من العلوم. وله أيضًا:
"المناقلة بالأوقاف" مطبوع في الكويت بتحقيقنا.
(1/23)
[1/ 67] (3) قوله: "بلياليهن: أي الأيام.
وكان الأولى أن يقول: "بلياليها" ولو أنه يجاب عنه.
(4) قوله: "مع الخف": الصواب: "مع أعلاه". ومفهومه أنه يباح مسحهما مع أعلى
الخف، ولا يكره. وهو كذلك. بل قيل يستحب، كما في الفروع.
باب
نواقض الوضوء
(1) قوله: "جمع ناقضة" أي بمعنى ناقض. وإنما لم يقل "جمع ناقض" لأن فاعلًا
إذا كان وصفًا ولو لغير عاقلٍ لا يجمع على فواعل. وقيل بلى. وقوله:
"مفسداته" أشار إلى أن النقض هنا مجاز، لأن حقيقته إنما تكون في الحسّيات،
كالبناء ونحوه (1).
(2) قوله: "الخارج من السبيلين" أي إلى ما هو في حكم الظاهر ويلحقه حكم
التطهير إلا لمن حدثه دائم. ولو احتمل في قُبُلٍ أو دُبُر قطنًا أو ميلاً
ثم خرج ولو بلا بَلَلٍ، أو قُطّر في إحليله دهن ثم خرج، أو خرجت أجزاء
الحقنة من الفرج، أو ظهر طرف مصرانٍ أو رأس دود، أو وطئ دون الفرج فدب ماؤه
فدخل فرجها، أو أدخلته، أو منيَّ امرأة أخرى، نقض ولم يجب عليها الغسل. فإن
لم يخرج من الحقنة أو المني شيء لم ينقض. لكن إن كان المحتقِنُ قد أدخل رأس
الزرّاقة ثم أخرجه نَقَض. ولو ظهرت مقعدته فعَلِمَ [7أ]، أن عليها بَلَلاً،
انتقض، لا إن جَهِل. اهـ. إقناع. قلت: وكذا من به باسور إذا كان داخلَ
المقعدة، أو خارجَها، وأدخله، ثم خرج فإنه ينتقض وضوؤه إذا عَلِم بَلَلاً،
وإلا فلا. ويتجه فيما إذا أدخله: ينقض مطلقًا. لكن لم أر من صرّح بذلك.
وربّما فُهِم من
__________
(1) أقول: ليس هنا تجوّز، بل هو حقيقة عرفية، إذ قد اصطلح الفقهاء عليها،
فلا ينظر إلى
معناها اللغوي، وإلا لقيل مثل هذا في جميع المصطلحات الشرعية، كالوضوء،
والمسّ، والتيمم، وغيرها.
(1/24)
كلامهم. [1/ 69]
وقوله: "السبيلين" ظاهره: ولو كان أحدهما زائدًا. واتجه في الفروع إذا خرج
سوى البول والغائط من أحد فرجي خنثى مشكل، وكان يسيرًا، لا ينقض.
(3) قوله: "ولو انسد المخرج الخ" أي فيكون المنْفَتحُ لا حكم له، فلا نقض
بلمسه، ولا غسل بإيلاجٍ فيه، ونحو ذلك. وقال في "النهاية" (1): إلا أن يكون
سُدّ خلقة، فسبيل الحدثِ المنفتحُ، والمسدود كعضوِ زائد. قاله في الحاشية.
(4) قوله: "أو نوم" وفي الفروع: وعن أحمد لا ينقض نوم مطلقًا. قال: واختاره
شيخنا (2) إن ظن بقاء طهره. اهـ.
(5) قوله: "فلا نقض بمسّ أحد فرجي خنثى مشكل الخ" لاحتمال كونه زائدًا.
وكذا لو خرج من أحدهما نجاسة يسيرة غير بول فلا ينتقض وضوؤه. وإن مسّ فرجيه
اثنان انتقض وضوء أحدهما لا بعينه. فلا يأتُّم أحدهما بالآخر.
(6) قوله: "للجمع بين الآية والأخبار" أي فالآية ظاهرها أن اللمس ينقض
الوضوء مطلقًا. وما رُوِي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقعت يد عائشة
على قدميه وهو يصلي، ومن أنها قالت: "كان إذا سجد غمزني فقبضت رجلى" ظاهره
أنه لا ينقض مطلقًا.
فأنيط الحكم بالشهوة للجمع بين ذلك.
تنبيه: المراد بالشهوة اللذة. فمتى حصل التلذذ باللمس كان لشهوة.
(7) قوله: "ولا نقض بلمس امرأةٍ امرأةً ولو بشهوة" (3). قلت: وكذا لمس رجلٍ
رجلاً ولو أمرد. هذا مما ظهر لي. ثم رأيته مصرّحًا به في "الإقناع" وغيره.
فائدة: "المسّ" باليد خاصّةً، و"اللمس" بجميع البدن. فهو أعم.
(8) قوله: "استُحِبّ الوضوء" أي خروجًا من خلاف من أوجبه، كالشافعي
__________
(1) النهاية: لعل مراء بها "النهاية في تصحيح الفروع، لجمال الدين أبي
المحاسن يوسف بن ماجد المرداوي (- 783هـ).
(2) قوله:"شيخنا" مراد صاحب الفروع بهذه العبارة شيخه شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمهما الله.
(3) قوله "ولو بشهوة" ليست هذه الكلمة في نسخ شرح الدليل التي بين يدي.
(1/25)
[1/ 71] ومن تبعه.
(9) قوله: "غسل الميت" وعنه (1): لا ينقض الوضوء. واختاره جماعة، كما في
"الفروع".
(10) قوله: "لو غسل يد السارق الخ": ظاهره ولو مات بعد قطعها وقبل غسلها.
(11) قوله: "قال القاضي: لا معنى لجعلها الخ": يعني أن الإسلام - كما يأتي
- يوجب الغسل، وكل ما أوجبَ الغُسْلَ أوجب الوضوء، غير الموت، فلا فائدة
لجعل الردّة من النواقض، لا أن القاضي ينكر كونها ناقضة حتى يعترض عليه
بكلام الشيخ. لكن قد يقال إن المقام يقتضي استيعاب ذكر النواقض، ودخول
الردّة ضمنًا لا يكفي. ونظير ذلك: جعلوا خروج المنيّ والحيض موجبًا للغسل،
بعد أن جعلوا الانتقال موجبًا، فالخروج بالأولى. على أن هذا يرد لو جَعَلَ
الإسلام من نواقض الوضوء، وهو إنما جعل الردّة، وهي غير الإسلام، فلا توجب
الغسل حتى يقال: كل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء. والله أعلم.
مسألة: يجوز تقبيل المصحف. وعنه يستحب. ونقل جماعة الوقف فيه لعدم التوقيف،
وإن كان فيه رفعة وإكرام. فما طريقُهُ القُرْبةُ ولم يكن للقياس فيه مدخل،
لا يشرع فعله ولو كان فيه تعظيم إلاّ بتوقيف. ولهذا قال عمر رضي الله عنه
عن الحجر الأسود: "لولا أني رأيت رسول الله يقبّلك ما قبّلتُك". ولما قبّل
معاوية الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس.
وظاهر ذلك أنه لا يقام له، لعدم التوقيف. لكن قال شيخ الإسلام: إذا اعتاد
الناس قيام بعضهم لبعض فهو أحق. اهـ.
وأما استفتاح الفأل فيه فقد فعله ابن بطة، ولم يرهُ غيره. وذكر بعض
الشافعية أنه يكره. ونقل عن بعض المالكية أنه يحرم. والله سبحانه وتعالى
أعلم.
__________
(1) قوله: "وعنه" أي في رواية عن الإمام أحمد. وهذا اصطلاحٌ للحنابلة.
(1/26)
فصل فيما يحرم على
المحدث [1/ 73]
(1) قوله: "من المحل الخالي من الكتابة": وعنه: يجوز أيضًا مسّ المكتوب
[7ب]. وذكر القاضي روايةً: ومسّ المصحف. اهـ. فروع. قلت: وهذا "يسع الناس
غيره، فإنه يشق تحرّز الأولاد الذين في المكاتب عن مسّ اللوح أو المصحف
بدون وضوء. والحاجة داعية لذلك، فالقول بجوازهِ حينئذ وجيه.
(2) قوله: "قال الشيخ: وحينئذ يجوز الخ" هذا التفريع مبني على محذوف، وهو
أن هذا الوضوء يخفّف الحدث، فيزول بعض ما منعه، أي ليس رافعًا لحدثٍ،
وحينئذ فيجوز للجنب إذا توضأ أن ينام في المسجد حيث ينام فيه غيره، أي فلا
ينتقض هذا الوضوء بالنوم، لأنه مخفّف للحديث لا رافع. هذا ما ظهر. والله
سبحانه وتعالى أعلم.
باب
ما يوجب الغسل
(1) قوله: "خروجه من مخرجه" هكذا في المنتهى وغيره. ولم يظهر لفهم كاتبه
السقيم اشتراطهم خروج المني من مخرجه، مع قولهم إن الانتقال موجب للغسل،
وأنه إن أحسّ بالانتقال ولم يخرج وجب الغسل، فمقتضاه: إن انتقل المني وخرج
من غير مخرجه أنه يجب الغسل، لأنه حصل الانتقال الموجب.
فخروجه من غير مخرجه المعتاد لا يمنع وجوب الغسل بعد حصوله. نعم يظهر هذا
الشرط إن قلنا لا يجب الغسل إلا بخروج المني. فنقول لا بد من خروجه من
خروجه (1) لمعتاد.
(2) قوله: "أحكام": قال في "الإقناع": وجمعها بعضهم فبلغت أربعمائة إلا
ثمانية أحكام. ذكره ابن القيم في "تحفة الودود في أحكام المولود".
(3) قوله: "وتغييبها الذي يوجب الغسل الخ" أي يوجبه على المغيِّب فيه،
__________
(1) هكذا في الأصل، والصواب "من مخرجه المعتاد".
(1/27)
[1/ 76] أما المغيّب، فيجب عليه الغسل إذا
غيبها في فرج مطلقًا، كما يأتي في المتن، بشرط كونه ابن عشر. وأما المغيّب
فيه فهل يشترط أن تكون الحشفة لآدمي ولو طفلاً، أو يعمّم، بحيث لو استدخلت
امرأة ذكر غير آدميّ في فرجها ولم تنزل منيًّا يجب عليها الغسل؟ فيه نظر،
والظاهر أنه يجب. فإن قلتَ: " يدخل هذا في عموم "إذا التقى الختانان" لأن
غير الآدمي لا خِتانَ له. قلتُ: وكذلك إذا كان الموطوء غير آدميّ، مع أنهم
صرّحوا بوجوب الغسل إذن. فتامّل.
(4) قوله: "إذا أراد ما يتوقف على غُسل أو وضوء الخ": وكذا لو مات قبل غسله
شهيدًا. قال في الفروع: وعدّ بعضهم هذا قولاً، والأولى أنه مراد المنصوص،
أو يغسل له لو مات، ولعله مراد الإمام.
(5) قوله: "ولا يلزمه الوضوء إلخ": ظاهره، بل صريحه، أنه يجوز له اللبث في
المسجد بغير وضوء إذا كان ابن عشر، وليس بجيّد. قال في المنتهى: فيلزم -أي
الغسل- إذا أراد ما يتوقف على غسل أو وضوءٍ لغير لُبْثٍ في مسجد.
قال م ص في شرحه عليه: فإن أراده كفاه الوضوء، كالبالغ، ويأتي. اهـ. وعبارة
الإقناع كالمنتهى.
أقول: ومعنى ذلك أنه أراد شيئًا يتوقف على الغسل لزمه الغسل، وكذلك إذا
أراد ما يتوقف على وضوء لزمه الغسل، إلا اللبث في المسجد، فإنه وإن كان
يتوقف على الغسل أو الوضوء، لا يلزمه إذا أراده الغسل، بل يكفيه الوضوء،
كالبالغ. وكان الشارح رحمه الله تعالى سها عن ذلك. وهو ظاهر.
فصل في شروط الغسل وآدابه وسننه
(1) قوله: "وشروط الغسل سبعة": أسقط من شروط الغسل الاستنجاء أو الاستجمار،
فيصح الغسل بدون ذلك. وهل إذا نوى رفع الحدثين، وكان غير مستنجٍ أو غير
مستجمِرٍ، يرتفعان ولا يضر فقد شرط الوضوء لاندراجِهِ مع الغسل، كالترتيب
ونحوه، ثم إذا أراد الصلاة غَسَل النجاسة، فإن مسَّ بيده ذكَرَهُ أو حلقة
دُبُرِهِ بلا حائلٍ أعاد الوضوء، وإذا أراد مسّ المصحف فيجوز قبل إزالة
النجاسة
(1/28)
لأنها ليست شرطًا له، أو لا يرتفع سوى
الحدث أكبر؟ فليحرّر. [1/ 77]
(2) قوله: "وبه يخرج من الخلاف" أي من خلاف الإمام مالكٍ ومن تبعه، فإنهم
أوجبوا الدَّلْك، أي بدَلْكِ ما ينبو عنه الماء وعَرْكه. وكذا في الوضوء.
(3) قوله: "وهو مقتضى قولهم الخ": أي تقييد المسألة بالنسيان هو مقتضى
قولهم الخ. أي فإطلاق كلام المصنف، كغيره، مقيّد بكونه ناسيًا للحديث،
لأنهم جعلوا تلك، أي مسألة التجديد أصلاً لهذه، أي مسألة الغسل المسنون،
فقاسوها عليها. أي لمّا ذكروا مسألة التجديد قالوا: وكذا لو نوى غسلاً
مسنونًا، وعليه واجب أجزأ عنهما. فأطلقوا الإجزاء هنا، وفي مسألة التجديد
قيّدوا بكونه ناسيًا للحديث. فيحمل المطلق على المقيّد، إذ لا فرق بينهما.
فكلام العلاّمة منصورٍ منصورٌ.
(4) قوله: "ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة الخ": وهل إذا اغتسل بدون استنجاء
ونوى رفع المحدثين يرتفع الأصغر، لاندراجه في أكبر، أوْ لا، لأن ذلك شرط
للوضوء فلا يصح بدونه؟ لم أَرَ من صرّحَ به ولا من أشار إليه. ينبغي أن
يحرر.
(5) قوله: "وهو خمسة [8أ]، أرطال. إلخ": وفي مذهب أبي حنيفة: ثمانية أرطال
عراقية. والرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم.
فيكون الصاع على ذلك (1) ألف درهم وثمانيةً وعشرين درهمًا وأربعة أسباع
درهم.
وقوله: "نقله الجماعة": أي وهم صالح، وعبد الله، وحنبل، والمَرُّوذي،
وإبراهيم الحربي، والميموني. هذا ما كان في حفظي قديمًا (2).
(6) قوله: "ما لم يؤذِ بِهِ الخ": أي فيجوز جعل مكانٍ مُعَدًّا للوضوء في
المسجد، وكذا الغُسل، للحاجة. ولا يجوز غسل نجاسةٍ في المسجد، ولو في
__________
(1) أي على قول أبي حنيفة. ويلاحظ أن الشارح قدّر الصاع بالدراهم، مع أن
الصاع كيل، والدراهم وزن. ومرادهم بمثل هذا التقدير بالوزن لما يتسع له
الصاع من البُرِّ الرزين. وقال بعضهم: من العدس. وهكذا في نظائر الصاع.
(2) الجماعة في اصطلاحهم سبعة: هؤلاء الستة وأبو طالب.
(1/29)
[1/ 81] محل الوضوء، كاستنجاء ونحوه.
(7) قوله: "ويكره إراقة ماء الوضوء وماء الغسل في المسجد" أي إن توضأ في
طستٍ ونحوه فلا يريق الماء في المسجد، ظاهره: ولو في محلّ وضوء معتاد.
وقوله: "تنزيهًا للماء الخ": تعليل لكراهة إراقته في مكان يداس فيه. وأما
كراهة إراقته في المسجد فلأنه إنما أبيح الوضوء في المسجد مع عدم الضرر،
للحاجة، ولا حاجة إلى إراقته في المسجد، بخلاف الوضوء والغسل. هذا ما ظهَرَ
لي. والله أعلم.
(1) قوله: "وتكره القراءة فيه" أي الحمام، في المنصوص. ونَقَل صالح: "لا
يعجبني" وقوله: "ولو خَفَضَ صوته" أي خلافًا لأبي حنيفة. وقوله: "وكذا
السلام" أي خلافًا لأبي حنيفة. وسطحه ونحوه كبقيّتِهِ. اهـ. فروع.
فصل في الأغسال المستحبة
(1) قوله: "ثُمَّ لغسل ميت": لم يذكروا وقته، والظاهر أنه بعد غسل الميت،
دون بقية الأغسال، فإنها تستحبّ قبل فعلِ ما تُسنُ له، فليُتأمل. وليحرّر.
(2) قوله: في "لعدم تمييزه الخ": تعليل لاستحباب الغسل، أي فيحتاط بالغسل
لئلا يكون أحدَثَ وهو لا يشعر، بخلاف النائم، فإن عدم شعوره بالحدث نادر،
فلا يناط به حكم. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(3) قوله: "ولم أو من تعرّض لذلك. الخ." قال ابن عوض في الحاشية: أفاد ابن
نصر الله (1) على الكافي أنه يتكرر غسل رمي الجمار بتكررها، فيكون في يومي
التشريق للتعجيل، وفي الثلاثة لغيره، فيكون ثلاثة أغسال. وربّما زِيدَ في
قولهم غسل رمي جمرة العقبة يوم النحر، فيكون غسل رمي الجمار أربع مرّات.
__________
(1) ابن نصرالله: المراد به القاضي أحمد بن نصرالله الكرماني الحنبلي، (765
- 844هـ) ولد ببغداد، ثم انتقل إلى مصر. مكثر من التصنيف. له حواشٍ على
الكافي. وحواشٍ على كل من المستوعب، والرعاية، والمحرر، والوجيز، وقواعد
ابن رجب.
والكافي هو كتاب شامل في الفقه الحنبلي لموفق الدين بن قدامة صاحب المغني.
مطبوع.
(1/30)
فهو نص فيما ذكره الشارح رحمه الله تعالى.
(4) قوله: "أي لكلّ الأغسال المستحبّة": فيهِ تَسَمُّح، فلو قال: أي لكل ما
يسنّ له الغسل، لكان أصوب، لأن التيمم لما يسن له الغسل، لا للأغسال
المستحبّة. واختار الموفق (1) وصاحب الفائق عدم استحباب التيمّم بدل
الأغسال المستحبّة. وهو وجيه، لأن الغسل شرع للتنظيف، وهو غير موجود في
التيمم، إلاّ نحو غُسلٍ لغَسْلِ الميّت، ولجنون وإغماء، فاستحباب التيمم
بَدَلَه للحاجة له وجه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب التيمم
(1) قوله: "والاستنجاء الخ": ظاهره: ولو كان التيمم عن حدثٍ أكبر، أو عن
نجاسةٍ على بدن. وهو كذلك. صرح به م ص في شرح المنتهى. وقوله:
"المستوفيان": صوابه: "المستوفيينِ" بالقطع، إذ "يجوز: "جاء زيدٌ أو عمرٌو
العاقلان" بل يتعيّن القطع، فتأمّل.
(2) قوله: "ويصح لركعتي طوافٍ كل وقتٍ الخ": ويتجه: "يصح التيمم لهما قبل
الطواف لعدم دخول وقتهما. ولا يصليهما بتيمُّمِهِ للطواف، لما يأتي آخر
الباب. ينبغي أن يحرّر.
مسألة: ومن خرج إلى أرض بلده لحرثٍ أو صيدٍ أو احتطابٍ ونحوه لزمه حمل
الماء إن أمكنه. فإن لم يمكنه حمْلُه، ولا الرجوع للوضوء إلا بتفويت حاجته،
تيمَّمَ وصلى ولا يعيد، كما لو كانت حاجته في أرض قريةٍ أخرى، ولو كانت
قريبة. قاله في الإقناع.
__________
(1) الموفق هو عبد الله بن محمد بن أحمد موفق الدين بن قدامة المقدسي
الجماعيلي ثم الصالحين - صالحية دمشق- قال ابن غنيمة: ما أعرف أحدًا من
زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق. اشتهر بكتابه "المغني" في أعظم كتب
الفقه الإسلامي، لاشتماله على الأدلة، وعرض مذاهب الفقهاء بأدلتهم، وحسن
ترتيبه. وله غيره: الكافي، والمقنع، والعمدة، وغيرها.
(1/31)
[1/ 86] (3) قوله: "ويجب بذله الخ" ظاهره:
ولو لم يخف التلف. لكن مقتضى ما ذكروه في الأطعمة أنه يجب بذلُهُ بثمن
مثله، ولو في ذمّةِ معسر، لا مجانًا، كما هو ظاهر عبارته هنا. وقول الشارح:
"يستغني عن شربه": مفهومه أنه إن كان غير مستغنٍ عنه لا يجب بذله لغيره ولو
خاف الضرر، لأنه لا يُزَالُ بضرره. وهو كذلك.
(4) قوله: "من آدميًّ أو بهيمة محترمين" مفهومه أنه إذا كانا غير محترمين
لا يجب بذله (1). ثم إن بَذَلَهُ لغير محترم، كزانٍ محصنٍ، ومرتد، وكلبٍ
أسوَدَ بهيمٍ، وكان بعد دخول وقت الصلاة، أثم. ثم إن تيمّم وصلّى لم يُعِد،
لأنه عادِمٌ للماء، كما يأتي فيمن أراقه، ونحوه.
(5) قوله: "ولم يصح البيع ولا الهبة": فيكون الآخذ إن علم ذلك آثممًا، وإن
توضأ به فوضوؤه غير صحيح.
(6) قوله: "ظاهره أن شرطه الخ": أقول: الحكم كذلك، لكن لا يؤخذ من كلام
المصنف حتى يقال "ظاهره الخ". أما لو كانت العبارة: "وإن وجد محدث بثوبه
نجاسةٌ ماءًا يكفي لأحدهما وجب غسل ثوبه الخ" لساغ له أن يقول: "ظاهره أن
شرطه الخ" فتنبه.
مسألة: ظاهر كلامهم أن تراب المسجد كمغصوب، لا يصح التيمم به. قال في
"الفروع": ولعله غير مراد، فإنه لا يكره بتراب زمزم، مع أنه مسجد. قال:
"ولأنه لو تيمم بتراب الغير جاز، في ظاهر كلامهم، للإذن فيه عادة وعرفًا،
كالصلاة في أرضه. ولهذا قال أحمد لمن استأذنه في الكتابة من دواته: "هذا من
الورع المظلم" واستأذن هو في مكان آخر، فحمله القاضي وابن عقيل على الكتابة
الكثيرة.
وعن محمد بن طارق البغدادي، قال: كنت جالسًا إلى جنب أحمد بن حنبل فقلت: يا
أبا عبد الله أستمدّ من محبرتك؟ فنظر إلي وقال: لم يبلغ ورعي وورعك
__________
(1) أي ولكن يستحب للحديث: "في كل ذات كبدٍ حرّى أجر" أخرجه أحمد وابن ماجه
من حديث سراقة، وأحمد من حديث عبد الله بن عمرو.
(1/32)
هذا. وتبسّم. وقال رجل لأبي داود
السجستاني: أستمدّ من محبرتك؟ فقال: لا. [1/ 88] فانخذل الرجل حياءً. فقال:
أما علمت أنه من شرع في مال أخيه بالاستئذان فقد استوجب الحرمان؟
ثم قال في "الفروع": وقد يتوجه أن تراب الغيو يأذن فيه مالكه عادة وعرفًا
بخلاف تراب المسجد. اهـ.
وذكر عن الإمام أحمد أنه كان لا يترّب الكتاب من تراب المسجد.
(7) قوله: "بتراب الخ": ويتجه عندي أنه يصح التيمم بالرمل ونحوه عند عدم
التراب، وهو أولى من صلاته حينئذ على حسب حاله، بل يجوز التيمم إذًا بما
تصاعد على الأرض من حجر وغيره.
(8) قوله: "ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ": أي استحبابًا كما في "الغاية"
للمصنف، إلا القراءة لجنب فلا يزيد على ما يجزئ منها وجوبًا.
(9) قوله:"فإن لم يجر أعاد": أي لزمه مسح أعضائه به، ولا يصح أن يتيمّم
إذن، ولزمه إعادة الصلاة.
(10) قوله: "الترتيب في الطهارة الصغرى": أي فيلزمه إذا تيمم عن حدث أصغر
الترتيب، بأن يمسح وجهه أولاً ثم يديه. فإن نكّس لا يصح تيممه، بخلاف ما
إذا تيمم عن حدث أكبر، أو عن نجاسة على البدن، فإنه لا يلزمه ترتيب، بل يصح
مسح يديه قبل وجهه.
وقوله: "فيلزم من جرحه الخ": الأولى أن يقول: "ويلزم الخ" لأنه غير مفرّع
على ما قبله، بل هو حكم آخر، وربما أوهمت عبارته أن هذا، أي قوله "فيلزم
الخ" هو المراد من اشتراط الترتيب في التيمم، وليس كذلك، بل كما ذكرنا
أولاً.
نَعَمْ لا يصح التيمم عن عضو قبل محل غسله، لأنه بدل عن غسله، والترتيب شرط
لصحة الوضوء، فلم يصح قبله، لا أنه مبني على اشتراط الترتيب في التيمم.
فليفهم.
(11) قوله: "الموالاة": أي وهي أن لا يؤخر مسح اليدين عن الوجه مدة زمن
تفوت فيه الموالاة في الوضوء. وتقدم ذلك.
(1/33)
[1/ 91] وقوله: "فيلزمه أن يعيد الخ"
الأولى أن يقول: "ويلزمه الخ" لأن هذا غير مبني على. ما قبله من اشتراط
الموالاة في التيمم، بل هذا مبني على اشتراطها في الوضوء، فإنه إذا تيمم عن
عضو وبطل التيمم لنحو خروج وقتِ بعد مضيّ زمن تفوت فيه الموالاة، بطل وضوؤه
أيضاً لاشتراط الموالاة فيه. فهذه العبارة، كالتي قبلها، موهمة.
(12) قوله: "أحدهما": أي المحدثين.
(13) قوله: "هذا إذا كان الخ": يشير إلى أن في عبارة المصنف قصورًا.
وإن كان الأولى أن يقول: "ما أبطل ما تيمم عنه" فيشمل ما يبطل الوضوء وما
يوجب الغسل.
(14) قوله: "قبل الصلاة": أي قبل إتمامها.
(15) قوله: "فيعايا بها": أي يلغز بها، فيقال: رجل تيمم، وخرج الوقت، ولم
يبطل تيممه.
(16) قوله: "في وقت": متعلق بالجمع، لا بنوى.
(17) قوله: "فتستحب الإعادة": أي خروجًا من الخلاف.
(18) قوله: "وخَلَع ما مَسح عليه": هكذا عبارة غيره، مع أن هذا داخل في
قوله "ما أبطل الوضوء" فلا حاجة لجعله قسمًا بحدته. وقال في "الإقناع":
"وخلع ما يجوز المسح عليه الخ" فعلى هذا: إذا كان عليه عمامة يجوز المسح
عليها، بأن كان لها ذؤابةٌ، وتيمم ثم خلعها، يبطل تيممه، ولو لم يكن له
عادةٌ بمسحها. ولي فيه وقفة، بل لا أظن أحدًا يقول به، فليحرر.
(19) قوله: "إلى المرفقين": أي خروجًا من الخلاف.
(20) قوله: "يرجو وجود الماء": أي يظن، كذا فهم الشارح، بدليل قوله:
وعالِمِ وجوده الخ. ومفهومه أنه لو تردد عنده الوجود والعدم، لكن ترجح
العدم، لا يسن له التأخير. فتفطن.
(21) قوله: "لو تيمم للنفل لم يستبح الفرض": مفهومه أنه لو تيمم لتحية مسجد
استباح راتبةً أو صلاة كسوف أو وترًا ونحوه مما هو أعلى منها. وظاهر
(1/34)
تعليلهم خلافه، فتأمل.
(22) قوله: "فطواف نفل": الأولى كما يعلم مما يأتي من كلام الشيخ تقي الدين
أن يقول: "فطواف فرض، فطواف نفل" ومقتضى كلامهم: إذا تيمم للطواف لا يصلي
ركعتين بذلك التيمم، بل يتيمّم ثانيًا. فإن أراد أن يطوف ويصلي ركعتي
الطواف بتيمم واحد فليتيمم للركعتين ابتداءً. لكن الذي يظهر لي عدم صحة
لهذا التيمم، لأن وقت مشروعية الركعتين بعد الطواف، فلا يصح التيمم لهما
قبله.
باب
إزالة النجاسة الحكمية
احترز بذلك عن النجاسة العينيّة، كعظم ميتة ونحوه، فإنها لا تطهر بحال.
(1) قوله: "حتى ذيل امرأة الخ" إشارة إلى الخلاف في هذه الثلاثة، فقد قيل
إنه لا يشترط لها غسل، بل يكفي دلكها بالأرض. واختار ذلك شيخ الإسلام
وتلميذه ابن القيم، كما في "الإغاثة" (1).
(2) قوله: "سبع غسلات الخ" أي لعموم قول ابن عمر "أُمِرنا أن نغسل الأنجاس
سبعًا" فيكون الآمر هو النبي - صلى الله عليه وسلم - (2).
(3) قوله: "مع حتٍّ وقرصٍ" أي ما لم يتضرر بذلك. وكذا يشترط عصره إن كان
يتشرب بالماء في كل غسلة. وعصر كل شيء بحسبه، فإن كان خفيفًا لا بد من عصر
كثر مائه، وإن كان ثقيلاً فبدقّه وتقليبه أو تثقيله ما أمكن. ولا يكفي
تجفيفه كل مرة.
__________
(1) يعني كتابه "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان"، وانظر كلامه في ذلك في
(ص 154) منه نشر دار ابن زيدون ببيروت. وفلك لحديث أم سلمة أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال: "يطهره ما بعد" أخرجه أحمد وأبو. داود.
(2) أثر ابن عمر "أُمِرْنا أن نغسل الأنجاس سبعًا" أورده في المغني (1/ 54)
ط ثالثة. ولم يذكر من أخرجه، ولم نجده بعد البحث.
(1/35)
[1/ 97] مسألة: فإن كان المغسول لا يتشرب
الماء، كبدن الإنسان ونحوه، اشترط في كل غسلة عدم التقاطر إلا نقطًا يسيرة.
فلو واصل السبع غسلات بحيث لا ينعدم التقاطر الكثير فغسلةٌ واحدة، فإن عدم
التقاطر بمنزلة العصر فيما يعصر. هذا ما ظهر لي في هذه المسألة، وإن لم أرَ
من صرح بذلك، والناس عنها غافلون. فإن الواحد منهم يتابع صبّ الماء على يده
ونحوها بحيث لا ينعدم التقاطر، وذلك لا يكفي (1). والله أعلم.
(4) قوله: "طهور" هكذا عبارة "المنتهى" و"الإقناع" ومفهومه أنه لا يكفي
الطاهر، أي المتناثر عن وجهِ أو يدي متيمم. وفي نسخةٍ: "طاهر"، فيراد منه
ما قابل النجس. ومقصوده الطهور، موافقةً لغيره. لكن قد يقال: لا وجه
لاشتراط طهوريته لأن المقصود منه قوة الإزالة، ولذلك يجزئ الصابون والأشنان
والنخالة وما كان في معنى ذلك. والقوة التي في الطهور توجد في الطاهر.
فإن قلت: والنجس كذلك؟ فالجواب أن التراب ونحوه له دخل في التطهير، والنجس
ينافي ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(5) قوله: "ويضر بقاء طعم النجاسة": يفهم منه ومن قوله: "لا لونها أو ريحها
أو هما عجزًا، أن بقاء طعم النجاسة يضر ولو عجزًا، وهو كذلك. لكن هل يلزمه
أن يذوق المتنجس بعد غسله ليعلم ويتيقن ذهاب طعمها، أو يكفي غلبة ظنه في
ذلك؟ الظّاهر أنه يكفي غلبة الظن، لما له من النظائر. والله سبحانه وتعالى
أعلم.
(6) قوله: "وقال الشافعي: لم يظهر لي فرق الخ": المشهور من مذهب الشافعية
كمذهبنا، وإنما قال بعدم الفرق بينهما أبو حنيفة ومالك، وقالا بالغسل
__________
(1) هذا من المُحشِّي رحمه الله تشدّد، وفتح بابٍ للتشدّد. وإلا فإن
الإنسان متى غسل الشيء النجس، وعَصَره، ثم صب عليه الماء مرةً أخرى، فهي
غسلة ثانية، ولو لم ينقطع التقاطر. على أن الصحيح أن التسبيع في نجاسة غير
الكلب والخنزير لا يشترط، بل يشترط الإنقاء فقط، وهذا لكثرة الأدلة الواردة
في التطهير مع إطلاق العدد، أوردها في المغني، ولجهالة حديث التسبيع، كما
تقدم.
(1/36)
فيهما مطلقًا، وتأولا النضح الوارد فيه
بالغسل. ورد بأن الحديث: "فنضحه ولم [1/ 98] يغسله" (1) فهو نص فيما عليه
المذهب. ولعل ما ذكر عن الشافعي من بعض الروايات عنه. فليراجع.
(7) قوله: "بحيث يذهب لون النجاسة الخ": أي وكذا طعمها، بل هو بالأولى
لأنها لا تطهر مع بقائه ولو عجزًا، بخلاف اللون والرائحة، كما يعلم مما
تقدم قريبًا.
ولا يطهر دُهْنٌ تنجس بغسلٍ، وكذا أرض تنجست بشيء له أجزاء متفرقة، كالرمم
إذا جفّت، والروث إذا اختلط بأجزاء الأرض، ولا باطن حبّةٍ، ولا إناء عجين
ولحم تشرَّب النجاسة، ولا سكين سقيت النجاسة، ولا يطهر صقيل بمسح (2).
مسألة: الذي كنا نسمعه من أفواه مشايخنا الكرام، ونَعِيهِ من تقرير ساداتنا
الأعلام، أن الوشام نجس، لأنه مختلط بالدم، وتجب إزالته، ولا يطهر بالغسل
لبقاء عين النجاسة. فإن لم تمكن إزالته، أو خيف منها ضرر، لزمه التيمم عنه،
كمن خاط جرحه أو جبر ساقه ونحوه بنجس من خيط أو عظم، وخاف بنزعه الضرر ولم
يستره اللحم فإنه يتيمّم له. وإن غطاه اللحم فلا. لكن [9ب] لم أر من نصّ
على مسألة الوشام. والذي يظهر لي عدم لزوم التيمّم له، لأن الظاهر لون
النجاسة لا عينها، وبقاء اللون مع العجز عن إزالته لا يضر، فهو كالصبغ
بنجس، وما تحت الجلدة لا يلزم التيمم له كما تقدم. فليحرر.
ومما سمعته من المشايخ، ولم أره مسطرًا في كتاب، أن النار إذا أوقدت بنجس،
كبعر حمار ونحوه، يكون جميع ما تحرقه نجسًا، ولو أحرقت أراضي متسعة مسافة
أيام، فرماد جميع ما أحرقته نجسٌ. وإذا عمل بها فريك ونحوه يكون نجسًا.
ولعل هذا من قول الفقهاء بنجاسة دخان النجس ورماده.
__________
(1) حديث "فنَضَحَهُ بماء ولم يغسله" أخرجه البخاري ومسلم.
(2) أكثر ما ذكره المحشي في هذه الأسطر الثلاثة، فيه نظر، وقد ذُكِر عن
أحمد: "ماء المطر لا يأتي على شيء إلاطهّره".
(1/37)
[1/ 101] وعندي [أن] هذا غير سديد، فإن
دخان النجس إذا وقع على ماء ونحوه ينجسه. أما إذا وقع على جاف فلا. وشعلة
النار لا تنجِّس. وفيه خطر عظيم فليتأمل.
(8) قوله: "أو غيره" أي كالنبيذ إذا وصل لحدٍّ يسكر.
فصل في النجاسات
(1) قوله: "ظاهره أُميعَتْ أوْ لا": قال بعضهم: والمراد بعد علاجها، وإلا
فهي قبله نبات طاهر. اهـ.
(2) قوله: "والبغل والحمار": وذكر في "الفروع" رواية أنهما طاهران،
واختارها الشيخ الموفق في "المغني" وغيره.
(3) قوله: "ولم أرها لغيره": وفي حفظي قديمًا أنه صرح بها في "الإنصاف"
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(4) قوله: "غير ميتة الآدمي": أي والمَلَك، والجن خصوصًا منيهم بعموم "إن
المؤمن لا ينجس" أفاده بعضهم.
(5) قوله: "وما لا نفس له سائلة الخ": قال في "الإقناع": وللوزغ نفسٌ سائلة
نصًّا، كالحية والضفدع والفأرة.
(6) قوله: "ولا يعفى عن يسير شيء منها": ظاهره سواء كان بمائع أو لا، وسواء
كانت النجاسة يدركها الطَّرْفُ أو لا، كرشاش البول الذي مثل رؤوس الإبر،
وكالذي يعلق بأرجل الذباب ونحوه. وهو كذلك، على المذهب.
(7) قوله: "إلا منيّ الآدميّ": وهل مثله منّي الجنّي؟ الظاهر نعم، فإن بوله
أيضًا طاهر على المذهب، فمنيه أولى.
فائدة: قال في "شرح الغاية": إن ما طار من ماءٍ يسير بسبب وقع حافر حيوان
نجس العين، أو انتفض عن حافره، معفوّ عن يسيره قياسًا، على طين شارع تحققت
نجاسته. اهـ.
أقول: لكن ينظر ما المراد هنا باليسير؟ ولعله الذي لا يفحش في النظر.
(1/38)
فليحرر. [1/ 102]
(8) قوله: "ولو من دم حائض الخ": أشار بلو للخلاف فيه، فقد قيل إنه لا يعفى
عن شيء منه. ولعل هذا القائل تمسّك بقوله - صلى الله عليه وسلم - للتي قالت
له: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: "تحتُّه، ثم تَقْرُصُه
بالماء، وتنضحه، وتصلي فيه" فإنه أمرها بغسله، ولم يسْألها عن كثرته وقلته،
فدل على عدم العفو عن يسيره.
أقول: لكن قد يقال: إن دم الحيض غالبًا يكون كثيرًا في ثوب الحائض، فأطلق
أمرها بالغسل لذلك، فالتمسك بظاهره غير وجيه. ولأنه دم طاهرٍ في الحياة كدم
شاة ونحوها، وكدم فِصَادَةٍ ونحوها، بل أولى في العفو عن يسيره، لمشقة
التحرز عنه، فهو كدم دمّل ونحوه، فلا وجه لعدم العفو عن يسيره، فليحرر.
(9) قوله: "وطين شارع الخ" وكذا تراب الشوارع إن سَفَتْهُ الريح إلى ثوبٍ
رطبٍ أو بدن، أو علق بالثياب ونحوها، فحكمه حكم الطين، إن ظُنَتْ نجاسته
طاهر، وإن تحققت يعفى عن يسيره. ولا فرق بين أيام الشتاء وغيرها كما هو
ظاهر.
باب الحيض
خلق الله تعالى دم الحيض لحكمةٍ تربية الولد وغذائه. والولد خلق من ماء
الأبوين. فإذا حملت انصرف حيضها بإذن الله تعالى إلى غذائه، ولذلك لا تحيض
الحامل. فإذا وضعت قَلَبَهُ الله تعالى لَبَنًا يتغذى به الولد. ولذلك قلَّ
أن تحيض المرضع. فإذا خلت منهما بقى الدم لا مصرف له، فيستقر في مكان ثم
يخرج. فسبحان اللطيف الحكيم.
(1) قوله: "ولا بعد خمسين سنة": وقيل ستين سنة، وقيل: خمسين في العجم وستين
في العرب. وقيل بعد الخمسين إن صلح حيضًا فحيض، وإلا فلا.
وقيل: حيض مشكوكٌ فيه، تدع الصلاة والصوم، ثم تقضيهما للشك.
(2) قوله: "ولا يمنع وطأها إن خاف العنت": هكذا قيَّده. في "الإقناع". قال
(1/39)
[1/ 104] م ص في شرحه عليه: هذا القيد لم
أره في كلام غيره من الأصحاب. وقال بعضهم: لعله مراد من أطلق، بل هو أمين
على نقله. اهـ.
أقول: ولعل هذا للخلافِ في أنه حيض، فعند الشيخ تقي الدين يكون الحيض مع
الحمل أيضًا، فإذا رأت الحاملُ دمًا فهو حيض عنده. والله سبحانه وتعالى
أعلم.
(3) قوله: "وأقل الحيض يوم وليلة": وعند مالك لا حدَّ لأقله، فلو رأته لحظة
وانقطع فحيض.
(4) قوله: "بلياليهن": الأولى: بلياليها.
(5) قوله: "الوطء في الفرج": أي: وما دونه، كمباشرةٍ يدها أو فخذيها ونحو
ذلك، فجائز إن وثق من نفسه. وإلا فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
(6) قوله: "إلا لمن به شبق الخ" أي ولا كفارة عليه إذن.
(7) قوله: "والطلاق": أي ما لم تسأله ذلك، كما يأتي (1).
(8) قوله: "لكن تقضي الصوم الخ": أي بالأمر السابق، لا بأمر جديد، في
الأشهر، كسائر المعذورين. وفي "الرعاية": يقضيه مسافر بالأمر الأول على
الأصح، وحائض ونفساء بأمر جديد على الأصح. قال في "الفروع": كذا قال. اهـ.
(9) قوله: "أي صحة فعله": هذا لا يصح مع كون الفعل يحرم، لأن المعنى يصير:
"ويحرم بالحيض صحة فعل الطواف" وهو ركيك جدًا. فالأولى أن يقول: أي فعله.
نعم لو كانت العبارة "ويمنع الحيض أشياء الخ" لكان لقول الشارح، أي "صحة
فعله"، وجه، وكان العبارة التبست عليه بذلك. والله أعلم.
(10) قوله: "بالوطء فيه": أي إذا كان الواطىء ابن عشر، ولو لفّ ذكره بحائل،
بخلاف ما يوجب الغسل.
__________
(1) أي في كتاب الطلاق. ويأتي إن شاء الله التنبيه على ما في ذلك.
(1/40)
(11) قوله: ولا فرق بين الوطء في أوله أو
آخره". وكذا لو نزل الحيض [1/ 107] حال الوطء، ولو نزع في الحال، لأن النزع
جماع على المذهب.
(12) قوله: "غير الصوم الخ": أي فيبقى على تحريمه الصلاة والطواف وقراءة
القرآن والوطء. والمشهور عن أبي حنيفة أنه يباح، تمسُّكًا بقوله تعالى {حتى
يطهرن} وبعد الانقطاع تكون طاهرًا، لكن قوله تعالى {فإذا تطهرن فأتوهن}
[البقرة: 222] يدل على أن المراد: يتطهرن، وعلى كلٍّ فلا كفارة بالوطء بعد
إلانقطاع وقبل الغسل أو التيمم حتى على المذهب القائل بتحريمه.
(13) قوله: "ولو أقل": أي ولو لحظةً، بخلاف ما إذا كان الانقطاع بين
الحيضتين، فإنّ أقله ثلاثة عشر يومًا. ولا يكره وطؤها زمن الانقطاع، وإن
عاد الدم في العادة فهو حيض.
(14) قوله: "لتكرُّرِه الخ": أما الحيض فمسلم، وأما النفاس فلا يتكرر أكثر
من تكرر الصوم في حق الحائض. فكان القياس أن النفساء تقضي الصلاة أيضاً،
لأنه لا يوجد في السنة سوى مرة، وقد لا يوجد في السنتين أو أكثر إلا مرة،
فلا مشقة في قضاء صلاةِ مدة النفاس، بل هو كالصوم وأولى، إلا أن يقال إن
مدة النفاس غالبًا تزيد على مدة الحيض، فمشقة قضاء صلاة مدة النفاس أكثر من
مشقة قضاء صوم مدة الحيض، فوجَبَ قضاء الصوم، لا الصلاة، في النفاس أيضاً.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(15) قوله: "إلا ركعتي الطواف": لأنها نُسُكٌ لا آخر لوقته. فيعايا بها.
وفي الحقيقة إن ركعتي الطواف غيرُ قضاء، بدليل قوله "لا آخر لوقته" فعلى
هذا لا معاياة بها.
فصل
والمعتادة إن جاوز دمها أكثر الحيض فتجلس عادتها ولو كان لها تمييز صالح.
هذا إن علمت عادتَهَا، بأن تعرف وقت حيضها ووقت طهرها وعدد أيامها.
وإلاّ تعلمْ شيئاً من ذلك، أو جهلت شيئاً منه، عملت بتمييزٍ صالح،
كالمبتدأة. فإن
(1/41)
[1/ 108] لم يكن لها تمييزٌ وجهلت عادتها
فهي متحيّرة لا تفتقر استحاضتها إلى تكرار، بخلاف المبتدأة.
ثم إن نسيت العدد فقط تجلس غالب الحيض بالتحري في موضع حيضها.
فإن لم تعلم إلا شهرها، وهو ما يجتمع لها فيه حيضة وطهر صحيحان، تجلس فيه
ستًا أو سبعًا إن اتسع له، وإلا جلست الفاضل بعد أقل الطهر.
وتجلس العدد به إن ذكرته ونسيت الوقت من أول مدةٍ عُلِم الحيض فيها وضاع
موضعه، كنصف الشهر الثاني. وإلا فمن أول كل هلال.
وإن نسيت العدد والوقت معًا جلست غالب الحيض من أول كل مدة علم الحيض فيها
وضاع موضعه، كنصف الشهر الأول أو الثاني أو العشر الأوسط منه.
وإن جهلت مدة حيضها فلم تدر أكانت تحيض أول الشهر أو وسطه أو آخره جلست
غالب الحيض من أول كل شهر هلالي كالمبتدأة. ومتى ذكرت عادتها رجعت إليها
وقضت الواجب زمنها وزمن جلوسها في غيرها.
وان تغيرت عادة معتادةٍ بزيادة أو تقدم أو تأخر فكدم زائد على أقل حيض من
مبتدأة، أي تصوم وتصلي وتغتسل عند انقطاعه، حتى يتكرر ثلاثاً، ثم يصير
عادَتَها. فتقضي الصوم الواجب الواقع فيه.
ومن ترى دمًا متفرقًا يبلغ مجموعه أقلَّهُ، وترى نقاء متخللًا لتلك الدماء
لا يبلغ أقل الطهر، فحيض. ومتى انقطع قبل بلوغ الأقل وجب الغسل. فإن جاوز
أكثره، كمن ترى يومًا دمًا ويومًا نقاء إلى ثمانية عشر يومًا مثلاً، فهي
مستحاضة ترد إلى عادتها إن علمتها، وإلا فإلى تمييز إن كان، وإلا فمتحيّرة
على ما تقدم. هذا ملخص ما في "المنتهى" وشرحه الصغير (1).
(1) قوله: "ويرتفع الحدث عمن حدثه دائم الخ": لم أره في "المنتهى" ولا في
"شرحه الصغير" ولا في "الإقناع" ولا في "الفروع" بل جَزَمَ في "الإقناع"
بأنه
__________
(1) لم يتبين لعلمنا القاصر المراد بالشرح الصغير للمنتهى. وقد عرفت له
خمسة شروح، لكن لم نعرف أيها المراد.
(1/42)
يبطل بخروج الوقت كالتيمم. [1/ 111]
(2) قوله: "لكن يكره وطؤها فيه": أي في زمن النقاء الذي في زمن النفاس.
وأما النقاء زمن الحيض فلا يكره وطؤها فيه. وقد يفرق بينهما بان يقال إن
النفساء ضعيفة جدًا بسبب الولادة، فعظمها ولحمها في غاية الوهن والضعف،
بسبب ما اعتراها من المرض، وهو النفاس مع التألّم، فلا تتحمل الوطء زمن
الطهر، بخلاف الحائض اهـ. دنوشري (1). لكن مقتضى تعليلهم الكراهة بقولهم
"لأنه لا يؤمن الخ" يفيد عدم الفرق بينهما. فليحرر.
(3) قوله: "لإلقاء نطفة": ذكره في "الوجيز" (2). وفي "أحكام النساء" لابن
الجوزي: يحرم قطعًا. وسماه بعضهم (3) "المؤودة الصغرى" وأنكر عليٌّ ذلك،
وقال: إنما الموءودة بعد التارات السبع، وتلا: {ولقد خلقنا الإنسان ... }
إلى {ثم أنشأناه خلقًا آخر} [المؤمنون: 12، 13] قال في "الفنون" (4): وهذا
فقهٌ عظيم وتدقيق حسن [10ب] وكان يقرأ {وإذا المؤودة سئلت. بأي ذنب قتلت}
[التكوير: 7، 8] وهذا لما حلَّتْهُ الروح، لأن ما لم تحله لا يبعث. فقد
يؤخذ منه:
__________
(1) الدنوشري: هو الشيخ عبد القادر الدنوشري (- بعد 1030هـ) وهو أحد تلاميذ
الشيخ منصور بن إدريس البهوتي. له حواشٍ على المنتهى لشيخه، على شرح
الخطبة.
(2) الوجيز: متن مختصر في المذهب أثنى عليه صاحب الإنصاف وغيره. وهو لسراج
الدين الحسين ابن يوسف بن أبي السّري الدُّجَيْلِي البغدادي (- 732هـ)
اشتهر (بالدجيلي) نسبة إلى دُجَيْل، ببغداد.
(3) الذي سماه "الموءودة الصغرى" هم اليهود في عهد النبي - صلى الله عليه
وسلم -، كما في سنن أبي داود (ح 2171) ومسند أحمد (3/ 33، 51) بسندهما عن
أبي سعيد الخدري. وورَد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع ذلك
قال:"كذَبَ اليهود. لو أراد الله أن يخلُقَه ما استطعت أن تصرفه".
(4) الفنون: كتاب لابن عقيل. وهو أبو الوفاء، علي بن عقيل بن محمد بن عقيل،
البغدادي الحنبلي (- 513هـ) الفقيه الأصولي المتفنن المجتهد. وكتابه
"الفنون" شامل لأنواع من العلوم. قال ابن الجوزي: جعله مناطًا لخواطره
وواقعاته. وضمّنه الفوائد الجليلة في العلوم المختلفة، وله "الواضح" في
أصول الفقه. وله في الفقه "الفصول" و"التذكرة" وغيرهما.
(1/43)
[1/ 111] لا يحرم إسقاطه. وله وجه. اهـ
باختصار.
(4) قوله: "من النسل": يدل على أن ما يقطع الحيض يقطع النسل. وقد ذكر هنا
عن "الإقناع" أنه لا يجوز ما يقطع الحمل، مع أنهم صرحوا كما هنا بجواز شرب
ما يقطع الحيض. وقيده القاضي بإذن الزوج. فليحرر. ويتجه عندي جواز شرب ما
يقطع الحمل بإذن الزوج أخذًا مما مر. وإن كان صريح ما في "الإقناع" بل
"والفائق" يخالفه (1).
باب
الأذان والإقامة
فائدة: الأصل في مشروعية الأذان هو أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما
قدموا المدينة كانوا يحبون أن يعملوا شيئًا يعلمون به دخول وقت الصلاة،
فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخِذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى.
وقال بعضهم: بل بوقًا مثل قرن اليهود. فافترقوا. فرأى عبد الله بن زيد في
منامه هاتفًا يعلّمه الأذان. فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقص
عليه رؤياه، فصدّقه. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال، قم
فنادِ بالصلاة" (2). ويروى أن عمر لما سمع الأذان خرج فقال للنبي - صلى
الله عليه وسلم -: رأيت مثل الذي رأى، أي عبد الله بن زيد (3).
__________
(1) نفرّق الآن بين ما "يمنع" الحمل، وبين ما "يقطعه". فإن كان العلاج يمنع
الحمل مؤقتًا. وارتضاه الزوجان، فلا بأس. وأما ما يقطعه نهائيًّا فلا نرى
جواز المصير إليه لغير ضرورة، وذلك كإزالة الرحم، أو المبيضين، أو قطع
قناتي "فالوب" من الأنثى، أو إزالة الخصيتين من الذكر، وهو ما يسمى
"الخِصاء" وذلك لأن هذه قوّة من القوى التي خلقها الله تعالى في الإنسان
لعمران الكون، فلا يجوز إزالتها، كما لا يجوز للإنسان أن يعمي نفسه أو يقطع
يده، أو نحو ذلك.
(2) حديث رؤيا عبد الله بن زيد في الأذان: حديث حسن، أخرجه أبو داود (ح
499) والدارمي (1/ 269) وهو بأطول مما هنا. والشيخ عبد الغني ذكره بالمعنى.
(3) الخبر عن عمر رضي الله عنه أنه رأى مثل ما رأى عبد الله بن زيد: أخرجه
الترمذي (ح =
(1/44)
فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا
رجل ولم يكن بوحي؟ [1/ 112] فالجواب: لما فيه من التنويه بالنبي - صلى الله
عليه وسلم -، والرفع لذكره، لأنه إذا كان على لسان غيره، كان أرفع لذكره،
وأفخم لشأنه. على أنه روي أنه نزل الوحي بالأذان بعد لهذه الرؤيا (1).
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1) قوله: "والأذان أفضل من الإقامة والإمامة": أما الإقامة فلأنه أكثر
ألفاظًا منها وأبلغ في الإعلام، وأما الإمامة فلحديث "الإمام ضامن والمؤذن
مؤتمن.
اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" (2) والأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة
أعلى من الإرشاد. ولما روي "أطول الناس أعناقًا يوم القيامة المؤذنون" (3).
وإنما لم يتولَّ الأذانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه من بعده
لضيق وقتهم. قال عمر "لولا الخلافة لأذّنت" (4) كذا قالوه.
وهو عندي غير ظاهر، لأن الاشتغال بالخلافة لا يشغل عن الأذان دائمًا.
وأيضًا فلم ينقل عن الخلفاء أنهم اشتغلوا بالأذان قبل الخلافة، بخلاف
الإمامة.
وبالجملة فالذي يتوجه عندي أن الإمامة أعلى مقامًا من الأذان، فان كبار
العلماء يتولون الإمامة دون الأذان، كما عليه عمل الناس في سائر الأمصار
والأعصار.
وقول سيدنا عمر "لولا الخلافة لأذّنت" ربما كان معناه أن وظيفة الخلافة
الإمامة، والأذان ليس من وظيفتها. فالإمامة في حقه وحق من مثله أفضل من
الأذان، كما أن الأذان في حق بعض الناس أفضل من الإمامة، فلكل مقام مقال.
هذا ما ظهر،
__________
= 189)، وابن ماجه (ح 706) من حديث عبد الله بن زيدٍ نفسه. وحسنه الترمذي.
(1) لم نجد هذا في كتب الحديث، ولكن في المعجم الأوسط للطبراني أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - أُرِيَ الأذان في ليلة الإسراء. ذكره في كنز العمّال
(8/ 329).
(2) حديث "الإمام ضامن إلخ" اختلف الأئمة في صحته: وقد أخرجه من حديث أبي
هريرة مرفوعًا: أبو داود (ح 517) والترمذي (1/ 250).
(3) حديث "أطول الناس أعناقًا ... " أخرجه أحمد من حديث أنس مرفوعًا.
(4) في لسان العرب: "وروي أن عمر قال: لولا الخِلِّيفى لأذنت، وفي رواية:
لو أطقْتُ الأذان مع الخلافة لأذنت". ولم نجد لشيء من ذلك سندًا.
(1/45)
[1/ 112] والله أعلم بالصواب.
(2) قوله: "على الرجال": أي اثنين فأكثر.
(3) قوله: "وأن يكونا الخ": أي يكون كل واحد منهما من واحدٍ، بدليل قوله في
ما بعد "ويسن أن يتولاهما واحد".
(4) قوله: "ناطقًا": لا فائدة لهذا الشرط، فإن غير الناطق لا يتأتى منه
الأذان، كما هو ظاهر. ولم أره لغيره.
[5] قوله: "بعد نصف الليل": المراد من الليل حينئذ من غروب الشمس إلى
طلوعها، لا إلى طلوع الفجر فقط.
(6) قوله: "واشترطه أبو المعالي" (1). وهو فيما يظهر لي أصوب، لأن الأذان
عبادة يشترط له الوقت، فلا بد من أدائه مع معرفة الوقت، كما أنه إذا صلى
وهو غير عالم بدخول الوقت لا تصح صلاته. ويكفي في علمه بالوقت إخبار ثقة.
مسألة: ويكره أن يقرأ قبل الأذان: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ... }
الآية: [الإسراء: آخرها] وكذلك إن وصله بعده بذكرٍ. وقوله: قبل الإقامة:
اللهم صل على محمد" ونحو ذلك، فينبغي أن يقتصر على الأذان: لا يتقدمه بشيء
ولا يصله بشيء. قال في "الإقناع": وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح
والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك في المَوَاذِنِ فليس بمسنون. وما أحد
من العلماء قال إنه يستحب، بل هو من جملة البدع المكروهة، فليس لأحد أن
يأمر به، ولا ينكر على من تركه، ولا يعلق استحقاق الرزق به، ولا يلزم فعله
ولو شرطه واقف. وقال ابن الجوزي في كتاب "تلبيس إبليس": قد رأيت من يقوم
بقيلٍ كثير على المنارة، فيعظ ويذكِّر ويقرأ سورةً من القرآن بصوت مرتفع،
فيمنع الناس من نومهم، ويَخْلِط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من
المنكرات
__________
(1) أبو المعالي: هو أسعد بن المُنَجّا وجيه الدين التنوخي الحنبلي
الدمشقي، (519 -
616هـ) عُرف له من المؤلفات: "الخلاصة" كتاب محرّر، بيّن فيها الصحيح من
الرواية
والوجه. هذب فيها كلام أبي الخطاب في "الهداية". ووجدت في "المدخل المفصل"
(ص
713) أن له على الهداية شرحًا اسمه "النهاية في شرح الهداية" في بضع عشرة
مجلدًا.
(1/46)
اهـ (1). كلام "الإقناع". [1/ 116]
مسألة: يصح أذان من يَلْحَنُ، مع الكراهة، إن لم يُحِلِ المعنى. فإن أحاله
كقوله: "الله وَاكْبَرُ" و"الله أقبر" و"أشبر" و"أكبل" أو"يشحد أن لا إله
إلا الله" أو "أسهد" بالسين المهملة، أو لم يبيّن الهاء من لفظ الجلالة، أو
من "الصلاة" أو لم يبين الحاء من "الفلاح" فأذانه غير صحيح. فقولي "كقوله
الله واكبر" أي بزيادة الواو قبل "أكبر" لا إن أبدل الهمزة واوًا، فقال
"الله وَكْبَر" فإنه يصح لأن الهمزة إذا تقدمها ضمة قد تقلب واوًا [11أ]،
كما في كثير من القراءات. وما ذكر من أن بلالًا كان يقول "أسهد أن لا إله
إلا الله" بالسين المهملة، فَغير صحيح، كما ذكره العلامة الشيخ مرعي
الكرمي، مع أنه ذكره شارح "الغاية" وغيره. فليحرر.
(7) قوله: "يلتفت يميناً الخ": وهل مثله في الإقامة؟ قال في "الفروع": فيه
وجهان. قاله أبو المعالي. وجزم الآجري (2) وغيره بعدمه اهـ. كلام "الفروع".
(8) قوله: "ما لم يشق الخ": في العبارة حذف، وهو أنه يسن له أن يجيب نفسه.
فيكون المراد من حدر الإقامة فيما تقدم عدم التأني الطويل، بل يكون دون
الأذان، لا ما عليه الناس الآن من الإسراع المفرط، إذ لا يتصور معه أن يجيب
نفسه. فليتأمل.
(9) قوله: "أذن للأولى الخ": أقول: فإذا نوى جمع التأخير فهل يؤذن للأولى
في وقتها أو حتى يدخل وقت الثانية؟ لم أره صريحًا. ثم رأيت على هامش.
__________
(1) فكيف لو شاهد فعل ذلك بمكبرات الصوت يتبع الواحد منها الآخر بالأصوات
القوية. وما أحسن ما عُمِل في بعض البلاد الإسلامية من توحيد الأذان
بالمكروفونات في المدينة الواحدة، تخفيفًا، ولأن الأذان الموحّد كافٍ في
البلاغ، وما زاد فإنه قد يزعج بعض الناس من المرضى ونحوهم لتتابع الأصوات
الشديدة إذا سمع الأذان بالمكروفونات الضخمة من مسجد بعد مسجد بعد مسجد.
(2) الآجري (- 360) هو محمد بن الحسن بن عبد الله، أبو بكر الآجري البغدادي
ثم المكّي الحنبلي. وقيل: الشافعي. محدث فقيه. قال في البداية والنهاية
(11/ 270): "له مصنفات مفيدة" اهـ. له: "النصيحة" في الفقه، و"أحكام
النساء" وغير ذلك.
(1/47)
[1/ 117] "الفروع" ما نصه: قال شيخ الإسلام
ابن تيمية: لما ذهبت على البريد كنا نجمع بين الصلاتين، فكيف أؤذن عند
الغروب وأنا راكب؟ ثم تأملت فوجدت النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جمع
ليلة جمع لم يؤذنوا للمغرب في طريقهم، بل أخر التأذين حتى نزل. فصرت أفعل
كذلك، لأنه في الجمع صار وقت الثانية وقتًا لهما، والأذان إعلام بوقت
الصلاة. ولهذا قلنا: يؤذن للفائتة كما أذن بلال لما ناموا عن صلاة الفجر،
لأنه وقتها، والأذان للوقت الذي تفعل فيه، لا للوقت الذي تجب فيه، والله
أعلم.
فائدة: ورد كما في صحيح البخاري وغيره "أن ابن عباس أمر المؤذن في يوم
مطيرٍ أن يقول بدل الحيعلتين: "الصلاةَ في الرحال" أو "صلوا في رحالكم"،
فنظر القوم بعضهم إلى بعض كأنهم أنكروا ذلك. فقال ابن عباس: فَعَلَهُ من هو
خير مني، النبي - صلى الله عليه وسلم -".
أقول: لكن ذكر في البخاري أيضاً عن ابن عمر أنه قال ذلك بعد فراغ الأذان.
وأخبر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بذلك كذلك في الليلة
الباردة أو المطيرة في السفر (1). وقد يجمع بينهما بجواز الأمرين. والله
سبحانه وتعالى أعلم.
(10) قوله: "الهيثم": بالمثلثة لا بالمثناة.
(11) قوله: "والفضيلة": وقول بعضهم "والدرجة الرفيعة" غير ثابت (2)، كما
بينه بعض الحفاظ.
(12) قوله: "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" (3): أي وعند صعود الخطيب
المنبر وبين الخطبتين، وعند نزول الغيث، وبعد العصر يوم الجمعة.
باب
شروط الصلاة
(1) قوله: "إلا النية": أي فإنها شرط ولا تجب قبل الصلاة، بل يستحب
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (كنز العمال 8/ 308).
(2) أي "والدرجة الرفيعة أما "والفضيلة" فهو ثابت في البخاري وغيره.
(3) قوله: "الدعاء لا يرد ... إلخ" روي مرفوعًا. أخرجه أحمد والترمذي
وحسّنه (ش المنتهى).
(1/48)
قرنها بالتكبير، كما يأتي. فهو مستثنًى من
قوله: "تجب لها قبلها". وخرج به الأركان، فإنها من أجزائها.
(2) قوله: "فوقت الظهر الخ": بدأ بالظهر لبداءة جبريل عليه السلام، فإنه
أول ما صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر، إشارة لظهور الدين.
وختم بالفجر إشارة إلى ضعفه في آخر الزمان. وبدأ بعض العلماء بالفجر لأنها
أول اليوم. ولكل وجهة.
(3) قوله: "وهي الوسطى": أي المذكورة في قوله تعالى {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] لحديثٍ ورد في ذلك
(1). قال في "الإنصاف ": بلا خلاف عن الإمام والأصحاب فيما أعلمه اهـ.
ومعنى "الوسطى" الفضلى، وقيل المتوسطة، لتوسطها بين نَهَاريّة وليليّة، أو
بين رباعيتين وهما الظهر والعشاء.
(4) قوله: "الشفق الأحمرد": أي لا الأصفر ولا الأبيض. وقيل حتى يغيب
الأصفر، وقيل الأبيض. قلت: وهذا الذي عليه عمل الناس الآن.
(5) قولى: "إلا ليلة جمع": أي المزدلفة. وسميت جمعًا لاجتماع الناس بها.
(6) قوله: "ما لم يؤخر المغرب": أي حيث جاز تأخيرها.
(7) قوله: "والنوم قبلها": ظاهره ولو كان له من يوقظه. وقوله: "ومع أهلٍ":
أي وكذا مع ضيف أو لتعليم ولد.
(8) قوله: "وهم النهاية في إتيان الفضائل": وأما حديث "أسفروا بالفجر فإنه
أعظم للأجر" رواه الإمام أحمد وغيره، فقد حكى الترمذي عن الشافعي وأحمد
وإسحق رضى الله تعالى عنهم أن معنى الإسفار أن يضيء الفجر بحيث لا يشك فيه.
ويسن جلوسه لصلاةٍ بعد عصرٍ إلى الغروب، وبعد فجر إلى الشروق،
__________
(1) وهو ما أخرجه البخاري ومسلم عن عليّ قال: "كنا نراها الفجر، حتى سمعت
النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى
صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارَا". وأخرج مسلم والترمذي عن ابن
مسعود مثله (تفسير الشوكاني).
(1/49)
بخلاف بقية الصلوات. ويكره الحديث في أمر
الدنيا بعد صلاة الفجر إلى الشروق كما في "الإقناع". وتأخير الكل مع أمن
فوات وقتٍ لمصلي كسوف، ومعذور كحاقن وتائق إلى طعام [11 ب] ونحوه أفضل.
ولو أمره والده بالتأخير ليصلي به مع سعة الوقت أخّر. قال المصنف م ص (1):
وظاهره: وجوبًا، لوجوب طاعته اهـ.
ويجب التأخير لتعلّم الفاتحة، وذكرٍ واجبٍ.
ويقدّر للصلاة أيّام الدجّال الطوال، وهي يومٌ كسنةٍ، ويومٌ كشهرٍِ، ويوم
كجمعةٍ، قدرُ الزمن المعتاد (2)، لا أنه للظهر بالزوال، ولا للعصر بمصير ظل
الشيء مثله وهكذا. والليلةُ في ذلك كاليوم. قال م ص: قلت: وعلى قياسه الصوم
وسائر العبادات اهـ.
باب العورة
فائدة: يكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر والأحمر المُصْمَت، أي الذي ليس
فيه ما يخالف لونه. ونقل عن الإمام أنه كره المعصفر كراهيةً شديدة. ومذهب
الأئمة الثلاثة عدم كراهة لبس ذلك كله. قال في "الفروع": واختاره الشيخ،
وهو أظهر اهـ.
أقول: ظاهر كلامهم أن ما صُبغَ بلونٍ أصفر غيرِ عُصْفُرٍ أو زعفرانٍ لا
يكره لبسه، وإلا لقالوا يكره لبس الأصفر كالأحمر. ولعل مرادهم أيضاً
بالأحمر: القاني، فتأمل.
(9) قوله: "ويكفي الستر بغير منسوج الخ": أي ولو كان بمتّصل به، كيده، إذا
وضعها على خرقٍ في ثوبه، وكلحيته المسترسلة على جيب قميصه الواسع
__________
(1) مراده بقوله "المصنف": الشيخ مرعي الكرمي مصنف "دليل الطالب" فوضْعُ
رمز "م ص" بعده فيه ما فيه، لأنه رمز لمنصور البهوتي في هذه الحاشية وغيرها
من كتب متأخري الحنابلة.
(2) أي لحديث ورد في ذلك، أخرجه مسلم في الفتن (ح 110).
(1/50)
ولولاها لبانت عورته.
(10) قوله: "فعورة الذكر البالغ عشرًا الخ ": لهذا صريح كلام كثر أئمتنا من
أن الذكر إذا تمَّ له عشر سنين كالبالغ. ومقتضاه أن البنت إذا بلغت تسعًا
تكون كالبالغة. ولذا قال أبو المعالي: هي بعد تسع، والصبىّ بعد عشر، كبالغ
اهـ. وهو خلاف كلامهم. لكن يطلب الفرق منهم بينهما. والظاهر أن لا فرق، بل
لو قيل بأن بنت تسع كالبالغة، وابن عشر ليس كالبالغ، لكان له وجه. وحديث
"لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" يشملها، لأن المراد: من يمكن حيضها.
(11) قوله: "والأمة": أي البالغة، فيما يظهر. ويتجه: بنت تسع فصاعدًا، فلا
تكون عورتها دون عورة الذكر، بل الظاهر أنهما سواء.
قوله: "من دون السبع إلخ": أي سواء كان ذكرًا أو أنثى.
قوله: "الرجل البالغ": ومثله الخنثى المشكل كما في "شرح المنتهى" وغيره.
(12) قوله: "الذكر" أى: وكذا الخنثى. وقال المجد: الاحتياط للخنثى المشكل
أن يستر كالمرأة اهـ.
(13) قوله: "في مغصوب": ظاهره سواء كان هو الغاصب أم لا. وهل يشمل ذلك
مالكها، أو من أذن له مالكها في الصلاة فيها؟ ينبغي أن يحرر. بالثوب
المغصوب الذي لا تصح الصلاة به، أو الحرير، ما كان ساترًا للعورة، أو لولا
غيره لكان ساترًا لها، لا نحو عمامةٍ وتكةٍ وخفٍّ غير ممسوح عليه، ونحوهما،
لا يلي العورة. وإن كان ظاهر كلام بعضهم يدل على أن هذا التفصيل في الحرير
دون الغصب ونحوه، فإنه لا فرق، إذ كل منهما منهيٌّ عن لبسه، فالتفريق
تحكُّمٌ. والله أعلم.
(14) قوله: "على غير أنثى الخ": شمل الخنثى المشكل وشمل الصبيّ، فيحرم على
وليه أن يلبسه ذلك. ولضرورةٍ يجوزُ لبس الحرير كعدم غيره، ولحكّةٍ وجَرَبٍ؛
ولحرب ولو بلا حاجة، ولقمل ونحوه.
(15) قوله: "ويباح ما سُدِّيَ بالحرير الخ": قال ابن [عوض] في الحاشية: "أي
شرط أن يكون الحرير مستترًا. وغير الحرير هو الظاهر" اهـ وهو تابع في ذلك
(1/51)
لشيخه الشيخ عثمان النجدي. فعلى لهذا: لا
يجوز لبس الدَّلاَّجة والكَرْسُوت (1) ونحوه. لكن أنكر على الشيخ عثمان
علماءُ عصره، فكان ذلك سَبَبَ خروجه من دمشق إلى مصر، وردُّوا عليه بما
يطول ذكره. وكذلك الشيخ عثمان أطنب في الاستدلال لما قال (2).
(16) قوله: "وبقعته": أي محلّ بدنه وثوبه، كما صرّح به في الإقناع وغيره.
فلو كان طرف ثوبه وهو جالس مثلاً على نجاسة، كمن يبسط بساطًا طاهرًا على
محل متنجس وتكون أطراف ثوبه نازلةً عنه إلى المحل النجس، لم تصحّ صلاته.
وقوله: "فتصحّ من حاملٍ مستجمِرًا إلخ": مفرّعٌ على قوله "حيث لم يعف عنها"
أي فإن أثر الاستجمار معفو عنه.
(17) قوله: "فأن حُبِسَ الخ": مفرع على قوله "مع القدرة".
(18) قوله: "من غير متعلق يَنْجَرُّ به الخ ": أي وأما إن كان متعلقًا به،
كمن شَدّ في وسطه حبلاً طاهراً متصلاً بنجاسة أو بحيوان نجس ككلب وحمار
وبغل، فإن كان الحيوان ينجرّ معه ولو استعصى لا تصح صلاته، وإن كان لا
ينجرّ إذا استعصى صحَّت.
(19) قوله: "لا تصح إلخ": وعنه تصح. قال في الإقناع: وهو الصحيح عند أكثر
المتأخرين.
فائدة: وإن خاط جرحه أو جَبَرَ ساقه ونحوه بنجس من خيط أو عظمٍ، فَجَبَرَ
وصحّ، لم يلزمه إزالته إن خاف الضرر. ثم إن غطاه اللحم لم يتيمم له، وإلا
تيمم له، وقيل لا. وهذا والله أعلم إذا كانت نجاسة الخيط بغير دمٍ ... (3)
وإلا فلا يكفي [12أ]، التحرز عن نجاسته. فليحرر.
__________
(1) قوله: "الدلاّجة والكرسوت" كذا في الأصل، ولم نعرفهما. ويظهر أنهما من
أنواع الملابس التي كانت دارجة في عصرهم. والله أعلم.
(2) ذكر طرفًا من ذلك صاحب السحب الوابلة (في ص 282) في ترجمة الشيخ عثمان
بن أحمد النجدي.
(3) في الأصل كلمة خفية لم تمكن قراءتها.
(1/52)
ولو قلعت سنه، فأعادها أو جعل موضعها سن
شاة مذكاة ونحوها، صحت صلاته، لأنها طاهرة.
وإن شرب خمرًا ولم يسكر غَسَلَ فمه وصلّى، ولا يلزمه القيء. قال في الفروع:
ويتوجَّه: يلزمه، لإمكان إزالتها. وأما عدم قبول صلاة السكران، كما في
الحديث (1)، فأجاب عنه صاحب المحرر بنفي ثوابها، لا صحتها.
قال بعضهم: إذا قيل: ما شيء فعله حرام وتركه حرام؟ فالجواب: صلاة السكران،
فعلها حرام للنهي عن ذلك، وتركها محرم عليه. وهذا على أنه مكلف، كما نقله
عبد الله (2). وقاله القاضي وغيره.
(20) قوله: "أي مرمى الزبالة الخ": أي الكناسة والقمامة. وأما المحل المعدّ
لادّخار السرجين، المسمّى بالزبل في بلادنا، لأجل وقوده وتسجير التنور به
المسمى بالطابون، ويسمى ذلك المحل بالمزبل، فإنها تصح الصلاة فيه وعليه،
لأنه ليس بمرمى الزبالة، بل مخزن للسّرجين ونحوه من تبن وحثالة زيتون
وغيرهما. وهذا مما يكاد يخفى فاحفظه.
(21) قوله: "وأسطحة هذه مثلها": هذا إن قلنا إن المنع تَعبُّديّ، وهو أحد
الوجهين (3). وأما إن قلنا إنه معلّل بمظنة النجاسة، فلا يظهر معنى المنع
من صحة الصلاة على أسطحة هذه الأماكن، أعني المقبرة وما بعدها. ينبغي أن
يحرر.
(22) قوله: "والحِجْرُ منها": أي فيصح التوجه إليه مطلقا من مكّى وغيره،
ولا يصح الفرض فيه، كالكعبة. وقيل لا يصح التوجه إليه، وفاقًا للثلاثة.
(23) قوله: "كذا في الإقناع": وقال في شرح المنتهى: ولو لم يكن بين
__________
(1) أي حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا "من شرب الخمر لم تقبل له صلاة
أربعين يومًا ... الحديث" أخرجه أحمد والنسائي. وأخرجه الترمذي من حديث ابن
عمر مرفوعًا.
(2) أي نقله عن والده الإمام أحمد.
(3) قوله:، أحد الوجهين لا أي أحد الوجهين في المذهب. و"الوجه" لا في
اصطلاحهم هو القول
من أقوال أئمة مذهب أحمد بعده. وأما ما عن أحمد نفسه فيسمى "الرواية" أو
"النص".
(1/53)
[1/ 130] يديه شاخص متصل بها، لكن ما لم
يسجد على منتهاها، فلا تصحّ.
(24) قوله: "استقبال القبلة": أي الكعبة. لكن فرضُ من قَرُبَ منها إصابة
عينها. والمراد من أمكَنَهُ مشاهدتها وفرض من بَعُدَ، وهو من لم يمكنه
مشاهدتها، ولو في مكة، لوجود حائل، ولم يجد من يخبره عنها يقينًا:
التوجُّهُ إلى جهتها، ولا يضر علوه عن الكعبة أو نزوله عنها.
قال في "الإقناع": صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس عشر
سنين بمكة، وستة عشر شهرًا بالمدينة، ثم أمر بالتوجه إلى الكعبة اهـ.
[فائدة]: درجات الإخلاص ثلاث: عليا، وهي أن يعمل امتثالاً لأمر الله،
وقيامًا بحق عبوديته (1)؛ ووسطى، وهي أن يعمل طمعًا في ثواب الآخرة، وخوفًا
من عقابها، ودنيا، وهي أن يعمل للإكرامِ في الدنيا والسّلامة من آفاتها.
وكل ذلك سالم من الرياء.
(25) قوله: "قبل الصلاة شرطٌ وفيها ركن": قال صاحب النظم "فيلزم في بقية
الشروط مثلها". اهـ. من "الفروع".
(26) قوله: "ولا يمنع صحتها الخ": أي ولكن ينقص الأجر. ومثله لو قصد بنيّةِ
الصوم هضم الطعام، وبالحج رؤية البلاد البعيدة.
(27) قوله: "أو قبلها بيسير": أي خلافا لمالك والشافعي. وقيل: وبزمن كثيرٍ.
نقل أبو طالب (2) وغيره: إذا خرج من بيته يريد الصلاة فهو نيّة، أتُراهُ
كبَّرَ وهو لا ينوي الصلاة؟ واحتج به الشيخ وغيره على أن النية تتبع العلم،
فمن علم ما يريد فِعْله قَصَدَهَ ضرورةً. وعند الحنفية له تقديمها ما لم
يوجد ما يقطعها، وهو
__________
(1) هذا منه رحمه الله جريٌ مع أوهام بعض الصوفية وما رتبوه لأنفسهم، مما
لم يشرعه الله تعالى. وإلا فمن طَلَب فضل الله تعالى وثوابه في الدنيا
والآخرة لا يقل درجة عمن قبله، وقد أثنى الله تعالى على أنبيائه الكرام
بانهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعونه رغبًا ورهبًا.
(2) أبو طالب: هو أحمد بن حُمَيْد، أبو طالب المُشْكاني، أحد النقلة عن
أحمد مسائله، وإذا قيل: روى الجماعة عن أحمد كذا، فابو طالب أحدهم كما
تقدم.
(1/54)
عمل لا يليق بالصلاة. وقوله: "لا قبل دخول
وقت" أي للخلاف في أنّها ركن وهو لا يتقدم، فليست كسائر (1) الشروط.
(28) قوله: "فبان وقتها قد خرج الخ": أي إذا كان جاهلاً به، وأما إن كان
عالمًا بخروج الوقت، ونوى أداءً، أو بقاء الوقت ونوى قضاءً، لا تصح، لأنه
متلاعب، كما صرّحوا به. فإن ائتم مسبوقٌ بمثله في قضاء ما فاتهما في غير
جمعة صحّ، وأما إن ائتم بمسبوقٍ من لم يدرك شيئًا من صلاة إمامه، أو في
جمعة، لم يصح.
(29) قوله: "فله الدخول": وفي "الفصول": ويلزمه لزوال الرخصة. قاله في "شرح
المنتهى".
(30) قوله: "وكره بغيره غرض": أي ولغرضٍ صحيح لا كراهة، وذلك كمن يحرم
منفردًا ثم تقام الجمعة. وقال بعضهم لو قيل بالوجوب هنا لكان حسنًا.
__________
(1) في الأصل هنا جملة خفية، وهذا أولى ما تقرأ عليه.
(1/55)
|