حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ

سجود السهو
(1) قوله "غيرَ سلامٍ": أي وأما السلام إذا أتى به في غير محله فيجب له أنه لا تبطل الصلاة بتركه كما يأتي.
(2) قوله: "مَسْنونًا": سواء كان قوليًا أو فعليًا كما يعلم من قوله: قال في المقنع الخ.
(3) قوله "أو سلم قبل إتمامها الخ ": ثم إن ذكَر قريبًا عرفًا، ولو انحرف من المسجد، أَتمَّ وسجد للسهو وسلم، وإلا استأنفها. وكذا لو فإن شك بعد أن [14ب]، سها هل يجب لهذا السهو سجود أو لا يباح؟ فالذي يظهر لي أنه يسجد له بعد السلام، فإن كان
__________
= "التلخيص" في الفرائض.
(1) العسكري: هو أحمد بن عبد الله بن أحمد العسكري (-910 هـ) فقيه حنبلي دمشقي، من تلاميذ العلامة المرداوي صاحب الإنصاف. له كتاب "التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح" لم يتمّه، وأتمه بعده الشويكي الآتي.
(2) الشويكي: هو أحمد بن محمد بن أحمد، شهاب الدين أبو الفضل (- 939 هـ) ولد في قرية شويكة من أعمال نابلس وقدم دمشق، وبها طلب العلم وبرّز وأفتى، وأكمل كتاب "التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح" عمله بالمدينة المنورة. وبها توفي.

(1/65)


مشروعًا فقد أتى به، وإلا فقد فعل خارج الصلاة فلا يضرها.
(4) قوله: "ولا يسجد لشكه إذا زال الخ": لهذا ما صححه في الإنصاف، وتبعه في الإقناع، وخالفه الفتوحي (1) في شرح المنتهى كما ذكره م ص.
(5) قوله: "إلا إن ترك ما وجب بسلامه الخ ": فإن قلت ما معنى قولهم بوجوبه، وتركه عمدًا لا يبطل الصلاة، فهل إلاَّ صَارَ في معنى المسنون أو المباح؟ قلت: معناه أنه يأثم بتركه، ولا يبطل الصلاة، لكونه خارجًا عنها، فهو، كما ذكره الشارح، كالأذان. ومقتضى إطلاقهم أن ما محله قبل السلام تبطل الصلاة بتعمّد تركه ولو تأخر بعد السلام، فلو آخره بنيةِ أن يفعله بعد السلام، ثم تركه عمدًا، بطلت صلاته. كما أن ما محله بعد السلام تركه لا يبطلها، ولو نواه قبل السلام.
هذا هو ظاهر كلامهم. ولا يعوّل على من فهم فيه غيرإ لك. فتدبر.
(6) قوله: "تشهد وجوباً": وقيل لا يتشهد، واختاره ابن تيمية، كسجوده قبل السلام. ذكره في الخلاف إجماعًا اهـ. فروع.
(7) قوله: "ولسهوِهِ معه الخ": أي في الصور الثلاث يسجد بعد إتمام صلاته. وإن سها إمام المسبوقِ، وسجد للسهو، فسجد معه المسبوق، وقد سها في صلاته أيضًا، فلا يجزيه هذا السجود عن سهوِهِ، بل يسجد أيضًا عقب صلاته.
(8) قوله: "لزمه الرجوع الخ": وكذا لو ترك واجبًا غيره، كتسبيح ركوع أو سجودٍ، فيلزم الرجوع إليه قبل الاعتدال، ويحرم بعده. فإن رجع عالمًا عمدًا بطلت صلاته، لا سهوًا أو جهلاً فتصح، ولكن لا يعتدّ به مسبوق أدركه فيه.

باب صلاة التطوع
وأفضل التطوعات بعد الصلاة ما تعدى نفعه، نحو صدقةٍ وعيادة، ويتفاوت:
__________
(1) الفتوحي: هو العلامة محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي بن إبراهيم، الشهير بابن النجار (- 972 هـ) فقيه حنبلي مصري، رحل إلى دمشق وألف بها كتابه "منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات" ثم رجع إلى مصر وشَرَحَ كتابه المذكور.

(1/66)


فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق أجنبي، وهو أفضل منها على أجنبي، زمن غلاءٍ وحاجةٍ فهي أفضل مطلقًا، ثم حج، ثم صوم. أفاده في المنتهى وغيره.
(1) قوله: "إذا لم يكن المصلي أتمّها": أي بأن نقص شيئًا من سننها، أو فعل شيئًا ينقص ثوابها، كما لو كان يَدَعُ من يمرّ بين يديه، أو يصلي منفردًا، أو يفعل مكروهًا، أو نحو ذلك، لا أنه نقص شيئًا يُخل بصحتها كما قد يتوهّم، فافهم.
(2) قوله: "أفضل تطوع البدن": أي الجوارح.
ولم يتعرض لعمل القلب. والذي مال إليه صاحب الفروع أنه أفضل من عمل الجوارح، كما يؤخذ من شرح المنتهى.
(3) قوله:"من تعلُّمٍ وتعليم": يفيد أن المعلم والمتعلم في الأجر سواء.
وهو كذلك، كما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه (1).
وشرف العلم بحسب شرف متعلَّقِهِ، فأفضله ما يتعلق بمعرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته، ثم التفسير والحديث وعلم الفقه، ثم ما يستعان به على فهم ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(4) قوله: "ونصّ أن الطواف الخ ": أىِ لأن الاشتغال بمفضولٍ يختص ببقعةٍ أو زمنٍ أفضل من فاضلٍ لا يختصّ، كذا قالوا.
(5) قوله: "ما سُن جماعةً": أي ثم الرواتب، وتتفاوت، ويأتي.
(6) قوله: "أو سرد الأحد عشر الخ": صوابه: الإحدى عشرة كما هو ظاهر. وهذا من حيث اللفظ. وأما من حيث الحكم فلم أو من ذكر ذلك غيره (2)، فقد سبرتُ عبارات كثيرين ولم أجد صريحًا ولا مفهومًا يفيد ما ذكره. قال في
__________
(1) لعله يعني حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة ... الحديث" أخرجه أبو داود (ح 3641) والترمذي في (العلم باب 19) وابن ماجه (المقدمة 17).
(2) سبحان الله!! فالأمر قريب، ففي شرح الإقناع (1/ 416): "أو سَرَد الجميع، أي الإحدى عشرة، ولم يجلس إلا في الأخيرة، جاز".

(1/67)


شرح المنتهى بعد قول المتن: "يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة" ما نصه "وله أيضًا أن يسرد عشرًا، ثم يجلس فيتشهد ولا يسلم، ثم يأتي بالأخيرة، ويتشهد، ويسلم. والأولى أفضل، لأنها أكثر عملاً" انتهى. وقال في الفروع: "وأكثره أي الوتر إحدى عشرة وفاقًا للشافعي، يسلّم بستٍّ. وقيل كالتسع اهـ. ومن المعلوم أن من أوتر بتسع يسرُدُ ثمانيًا ويجلس يتشهد، ثم يأتي بالتاسعة، ولم يذكرا غير ذلك مع شدة اعتناء صاحب الفروع بنقل الأقوال والخلافات.
(7) قوله: "وكذا إن أوتر بثلاث الخ": لا يخفى ما فيه من الركاكة.
(8) قوله: "وهما ضدّان": أي إذا لجأ الإنسان إلى ما له ضدٌّ لا يتحقق النجاة خشية أن يغلبه ضدّه، فيهلك هو ومن التجأ إليه. ولهذا التفت، فلم يجد نجاةً، فلجأ إلى ما لا ضدّ له، وهو الباري تعالى.
(9) قوله: "لقوله تعالى الخ": استدلال للمعنى اللغويّ، أي معنى "أحْصى" أطاق، كما في الآية. فافهم.
(10) قوله: "وكذلك إذا اقتدى بشافعي الخ،: وفي حفظي قديمًا أنه لا يرفع يديه. ولم أعلم الآن من ذكره.
(11) قوله: "فيسن لإمام الوقت خاصة الخ": وقال العلامة الكَرْمِي: ويتجه: ويباح لغيره، أي الإمام كنوّابه. وقال شيخ مشايخنا في المنحة (1): وفي الإنصاف يقتضي أنه مطلوب، [15 أ]، حيث قال وعنه يقنت إمام جماعة. وعنه: وكل مصلٍّ،
__________
(1) قوله "شيخ مشايخنا": يريد الشيخ عبد الغني بهذه العبارة الشيخ حسن الشطي، كما صرح به في غير موضع من هذه الحاشية منها ما في (باب صلاة الجماعة ح 9) وهو حسن بن عمر بن معروف بن شطّيّ الحنبلي (1205 - 274هـ)، بغدادي الأصل، دمشقي المولد والوفاة. كان من أعيانها في الدين والدنيا، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وقُصِد من البلاد للإفادة من علمه. قال في السحب الوابلة (ص 152): "وانتفع به أهل دمشق والنابلسيّون الواردون إليها" قلت: لعل هذا منشأ كونه شيخ مشايخ عبد الغني. للشطي: "مِنْحَةُ مُولي الفتح في تجريد زوائد الغاية والشرح" مجلد حافل. ومراده بالشرح: شرح غاية المنتهى لابن العماد". أفاده د. بكر أبو زيد.

(1/68)


اختاره الشيخ تقي الدين اهـ.
قلت: قد صرّح باستحبابه، أي لكل إمام جماعةٍ، ولكل مصل، صاحب الفروع، فراجعه. وتأمّل.
وقوله: "في غير الجمعة": أي وأما الجمعة فيقوم الدعاء في آخر خطبتها مقام القنوت. والله أعلم.
(12) قوله: "والرواتب الخ": قال في شرح المنتهى: "ويكره تركها وتسقط عدالة مداومٍ عليه". وقال الإمام أحمد رضي الله عنه فيمن داوم على تركها: "رجل سوء" وهو يشير إلى أنه محرم. وربما أيّد ذلك قول القاضي أبي يعلى: من داوم على ترك السنن الراتبة أثم اهـ.
(13) قوله: "فيخيّر الخ": مفهومه أن الرواتب في السفر غير مندوبة، وفعلها وتركها سواء، سوى سنّة الفجر، وإلا فما معنى التخيير هنا؟ إذ الرواتب ليست لازمة سفرًا وحضراً. فتأمل.
(14) قوله: "لتأكُّدها": أي حضرًا وسفرًا، أو لمزيد تأكُّدها. وإلا فالرواتب كلها مؤكدة.
(15) قوله: "فرض العشاء": علم منه أنها تصح بعد الفرض وقبل السنة الراتبة، وهو كذلك، كما صرح به في شرح المنتهى وغيره. ولكن الأفضل: بعد الراتبة. وعبارة المنتهى توهم خلاف ذلك.
(16) قوله: "محدثًا": أي وكان قد صلى التراويح بوضوء.

فصل في قيام الليل
(1) قوله: "وصلاة الليل": أي النفل المطلق.
وقوله: "أفضل من صلاة النهار": أي النفل المطلق.
(2) قوله: "قال أحمد الخ": أي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" (1) ولأنه محل الغفلة، ومن عمل السِّرِّ، وهو أفضل من العلانية، ولأنه
__________
(1) حديث "أفضل الصلاة ... " أخرجه مسلم في كتاب الصيام من صحيحه (ح 203) من =

(1/69)


وقت تجليات الباري سبحانه وتعالى، خصوضا في النصف الثاني منه. ولذلك قال: والنصف الأخير أفضل من الأول. قال في المنتهى: والثلث بعد النصف أفضل مطلقًا، أي كما كان يفعل سيدنا داود عليه السلام: كان ينام نصف الليل، ويقوم الثلث الذي يليه، وينام السدس الباقي. وفي الحديث: "أفضل الصلاة صلاة داود" (1)، لما في ذلك من المشقة. وهل الأفضل من تشق عليه العبادة فيفعلها بمجاهدة نفسه، أو من لا تشق عليه لاعتيادها، فيفعلها في طمأنينة وسهولة؟ الصحيح الأول، واختار الثاني جماعة.
(3) قوله: "ولو يسيرًا": قلت: فظاهره ولو لم ينقض الوضوء.
(4) قوله: "ويسن قيام الليل": قال في المنتهى وغيره: وتكره مداومته، لحديث ورد في ذلك. وحمله بعضهم على مداومة قيامه كله، ذكره م ص. وكان واجبًا على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، لقوله تعالى (قم الليل) الآية [المزّمل: 2].
وهل الوتر قيام الليل أو غيره؟ احتمالان، والأظهر الثاني. قاله في الإقناع اهـ. شرح المنتهى م ص.
(5) قوله: "كتب له ما نواه": أي ولو لم يقم حيث كان بنيّةٍ خالصةٍ صادقة.
وهذا من محض فضل الله تعالى، حيث يثيب المرء من غير عمل، بل على نومه، كما يُعَنْوِنُ عنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وكان نومه صدقة عليه".
قوله: "بركعةٍ ونحوها": أي قياسًا على الوتر. وفي الإقناع: مع الكراهة اهـ. م ص.
(6) قوله: "فرضًا ونفلاً": يعني أن المعذور إذا صلى الفرض قاعداً، أجره كمن صلى قائمًا.
(7) قوله: "بمحل قيام": أي لا بمحل تشهد أو جلوس بين السجدتين، فإنه
__________
= حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ "أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل" وأخرجه أصحاب السنن.
(1) هو في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرِو مرفوعَا بلفظ "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه". (اللؤلؤ والمرجان ح 720).

(1/70)


يفترش، كما تقدم.
(8) قوله: "يجوز له القيام الخ": أي إذا ابتدأ الصلاة جالسًا له أن يقوم فيركع وهو قائم، أو يصلي ركعة جالسًا، والثانية قائمًا، وله إذا ابتدأها قائمًا الجلوس ليركع وهو جالس، أو يصلي الأولى قائمًا والثانية جالسًا.
(9) قوله: "وكثرة الركوع الخ": أي في غير ما ورد عنه عليه السلام من تطويله لصلاة الكسوف. ولله دَرُّ الهُمام الشيخ محمد الخَلْوَتي حيث قال:
كأنّ الدّهرَ في خفضِ الأعالي ... وفي رفع الأسَافلة اللئامِ
فقيهٌ عنده الأخبارُ صحّتْ ... بتفضيل السجود على القيام
وقوله: "أفضل من طول القيام": وقيل عكسه. وقال الشيخ تقيّ الدين: التحقيق أن ذكر القيام، وهو القراءة، أفضل من ذكر الركوع والسجود، وهو التسبيح والدعاء، وأما نفس الركوع والسجود فأفضل من نفس القيام، فاعتدلا.
قال: ولهذا كانت صلاته - صلى الله عليه وسلم - معتدلةً، فكان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود بحسب ذلك حتى يتقاربا اهـ.
(10) قوله: "غِبًّا": أي بأن يصليها في بعض الأيام دون بعض.
وقوله: "لأن النبي الخ": بل في حديث أبي سعيد الخدريّ أنه "كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها" رواه الإمام أحمد والترمذي، وقال: حسن غريب. ولأنها دون الفرائض والرواتب، فلا تُشبّه بها، وهل تكره المداومة عليها أو لا؟ تأمل.
أقول: ذكر العلامة الكرمي في باب صلاة الجمعة عند قولهم: تكره [15 ب] مداومة قراءة "آلم السَّجدة"،"وهل أتى" في فجر الجمعة ما نصه: "ويتجه: وكذا كل سُنَّةٍ خَيَّل اعتقادها وجوبًا" اهـ والمراد غير راتبة. وذكر كراهة ترك سنة غير راتبة دوامًا حيث خيف إنكارها. ولذلك كان يجهر ابن عباس بقراءة الفاتحة في الجنازة أحيانًا. واختار الشيخ الجهر بالبسملة والتعوذ والفاتحة في الجنازة ونحو ذلك أحيانًا. وقال: إنه المنصوص عن أحمد.
(11) قوله: "وأكثرها ثمان": أي يسلّم من كل ثنتين. وتصح بسلام واحد

(1/71)


[1/ 146] سرداً كما ورد. قال العلامة الكرمي: ويتجه جواز صلاة الضحى والتراويح بتسليمةٍ واحدة. قال شارح الغاية: وهو متّجه. اهـ. قال شيخ مشايخنا: وهو صريح في الإنصاف وغيره اهـ.
(12) قوله: "علت": أي قيد رمح.
(13) قوله: "وقَيِّمه": ومثله مجاور يتكرر دخوله. قاله الكرميّ اتجاهًا.
(14) قوله: "قطع به في المنتهى وغيره": قال في شرح المنتهى: هو كما لو اغتسل ينوي الجنابَةَ والجمعة اهـ.

فصل في سجود التلاوة
(1) قوله: "لا يقصد الاستماع": صوابه: "السّماع"، لأن الاستماع لا يكون إلا مقصوداً.
(2) قوله: "فيما يعتبر لها": أي من طهارة واجتناب نجاسة وستر عورة واستقبال قبلة. وفي كلام الشارح تسمُّح.
وقوله أيضًا: "فيما يعتبر لها": أي يشترط لها. يعني أنه يشترط لسجدة التلاوة ما يشترط لصلاة النافلة. فقول الشارح "من عدم وجوب ستر أحد العاتقين والقيام" فيه نظر، إذ ليس عدم وجوب ذلك شرطًا لصحة النافلة. فلو قال: لا أي من شروط الصلاة وفيما لا يعتبر لها من عدم وجوب الخ" لاستقام كلامه كما هو ظاهر، فتدبر.
وسجوده عن قيام أفضل، كما ورد عن السيدة عائشة (1).
(3) قوله: "يكبر": أي وجوبًا فإذا تركه عمدًا بطل، وسهوًا يسقط. هذا ما ظهر ولم أره صريحًا، لكن قد يؤخذ من كلامهم. تأمل وحرِّر.
(4) قوله: "فلم يشرع الخ": أي فلم يجب، بدليل قوله بعد: "ولا يُسَنّ"،
__________
(1) قوله: "كما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها" أخرج إسحاق بن راهويه لإسناده عنها "أنها كانت تقرأ في المصحف. فإذا انتهت إلى السجدة قامت فسجدت" كذا في "شرح الإقناع" (1/ 449).

(1/72)


وإلاّ كان في العبارة نوع ركاكة وتكرار.
(5) قوله: "وإن سجد المأموم لقراءة نفسه الخ " فلو قال: وإن سجد المأموم لقراءة غير إمامه الخ" لكان أخصر، فإن ذلك يشمل قراءة نفسه.
(6) قوله: "ويكره الخ": قال في شرح المنتهى: وردّه في المغنى بفعله عليه الصلاة والسلام.
وقوله: "خُي": أي لأن المأموم فيها ليس بتالٍ ولا مستمع، بخلاف الجهرية. كذا في شرح المنتهى لـ م ص.
(7) قوله: "ويعتبر الخ": مفهومه أنه لا يسجد المستمع لقراءة فاسق، لأنه لا يصح أن يكون إمامًا. وهو كذلك، اتَّجَهَهُ المصنف في الغاية، وأقره شارحها (1)، وأيده شيخ مشايخنا. تأمل.
(8) قوله: "اولا قُدَّامَهُ ال": قلت: الظاهر: ولا خلفه منفردًا. ولم أر من صرّحَ به ولا أشار إليه. نعم تسجد المرأة خلف الرجل ولو منفردة، لصحة اقتدائها به إذًا. والله أعلم.
قوله: "الظاهر: ولا خلفه الخ" (2): ذكره المصنف في الغاية اتجاهًا. وقال
شيخ مشايخنا: صرّح به الخلوتي (3) اهـ. ولم أره إلا بعد كتابتي. فلله الحمد والمنة.
(9) قوله: "وسجود سجدة التلاوة من النوافل": اعلم أن سجدة التلاوة اسم
__________
(1) قوله: شارحها، لعله يريد الشيخ عبد الحي بن أحمد الشهير بابن العماد (-1089 هـ) فله شرح على "غاية المنتهى". سماه "بغية أولي النهى شرح غاية المنتهى" لم يتمّه، وصل فيه إلى باب الوكالة. فإن هذا الشرح هو الذي اعتنى به الشيخ حسن الشطي، وهو المراد بقول المحشي "شيخ مشايخنا" كما تقدم.
(2) ليست هذه القولة في نسخ نيل المآرب التي بين أيدينا.
(3) الخلوتي: هو الشيخ محمد بن أحمد بن علي البهوتي الحنبلي المصري (-1088 هـ) من تلاميذ الشيخ منصور البهوتي صاحب "شرح المنتهى" و "شرح الإقناع". للخلوتي المذكور حاشية على "المنتهى" جمعت بعد موته.

(1/73)


"لما يشتمل على التكبيرة والسجود وتسبيحِِِهِ وتكبيرة الرفع والتسليم". فهذه من النوافل، وأما سجودها فليس نفلاً بل ركنًا لها (1)، كما قدّمه آنفا. فتأمل وتنبه.
(10) قوله: "والسجدات أربع عشرة الخ": أي سجدة في آخر الأعراف، وسجدة في الرعد عند {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}، وأخرى في النحل عند {يَفْعَّلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وفى الإسراء عند {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}، وفي مريم عند {خَرُّوا سُجَّدًا وبكيّا}، وفي الحج ثنتان، الأولى عند {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}، والثانية عند {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وفي الفرقان عند {وَزَادَهُمْ نُفُورًا}، وفي النمل عند {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وفي الم السجدة {لَا يَسْتَكْبِرُونَ}، وفي فصلت {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}، وفي آخر النجم، وفي الانشقاق {لَا يَسْجُدُونَ}، وفي آخر اقرأ. وإنما صرح بسجدتي الحج وسجدة (ص) لما فيهما من الخلاف.
(11) قوله: "بحضوره": أي لكي ينزجر عمّا هو مرتكبه. وقوله "بغير حضور" لئلا يكسر خاطره.

فصل في أوقات النهى
(1) قوله: "ثلاثة": وعدها بعضهم خمسة.
(2) قوله: "من طلوع الفجر": ظاهره ولو لم يصلّ فرض الفجر، وهو كذلك. وقيل بل النهي متعلق بفراغه من الصلاة، كالعصر، وفاقًا للشافعي، أفاده المحقق السَّفَّاريني في "شرح عمدة الأحكام". وقال بعد ذكر الخلاف: والمختار من جهة الدليل أن النهي في الفجر كالنهي في العصر لا يتعلق بالوقت، بل بفعل الصلاة.
وقوله: "الثاني ": لا الأول.
(3) قوله: "وتفعل سنة الظهر بعدها": لا حاجة لذكره، فقد ذكره في المتن.
(4) قوله: "فتحرم عليه الاستدامة": وقال الزركشي: يتمّها خفيفة. وقال
__________
(1) كذا في الأصل، وصوابه "بل ركنٌ" بالرفع.

(1/74)


صاحب الغاية: ويتجه جلوسه فورَا ليتشهد ويسلم اهـ. قال الرحيباني: أي على ما يجزئ من تسبيح وتشهد، فيصدق عليه أنه أتم نفله مع التخفيف اهـ. والظاهر أنه لم يرد ذلك، بل ظاهره أنه يجلس مطلقَا سواء صلى ركعة أو أكثر، كما ذكره شيخ مشايخنا. تنبه.
(5) قوله: "ما له سبب": وعنه جواز ذات السبب، وفاقًا للشافعي.
(6) قوله: "لأنها الخ": أي وتقدم أنه لا يصح قضاء سنة راتبة في وقت نهي.
(7) قوله: "إذا جمع": وقيل مطلقًا.
(8) قوله: "وعلم منه الخ": أي من قوله: "إذا أقيمت وهو بالمسجد" فإنه جملةٌ حاليّة، فتكون قيدًا. ومفهومه أيضَا أنه إذا حضر إقامة الصلاة في غير مسجدٍ لا يعيد. وهو كذلك. وصرح به م ص في شرح المنتهى.
(9) قوله: "ويجوز فيها الخ": أي خلافًا لأبي حنيفة.
(10) قوله: "بوقت": متعلق بيقيّد. وقوله: "في أيّ وقت": متعلق بِفِعْل أي ويجوز فعلها في أيّ وقت الخ. ولو كان النذر غير مقيّد بوقت.
(11) قوله: "فقال: فلم يف بنذره": أقول: الظاهر أنه ليس كذلك، لأن تعيين المكان للصلاة بالنذر غير معتبر، إلا في المساجد الثلاثة، كما صرحوا به.
فلو صلى في هذه المسألة في غير المكان الغصب فقد وفي بنذره، أشبه ما لو نذرها في مكان مباح غير المساجد الثلاثة وصلاها في غيره. في عجبًا للإمام القاضي ولصاحب الفروع في قوله: "ويتوجه الخ" لأنه يقتضي أنه يلزمه أن يصلي في غير المكان الغصب ويكفّر كفّارة يمين، لفوات المحل. وقد ظهرَ لَكَ مما قررناه أنه يلزمه أن يصلي في غير الغصب، ولا شيء عليه. فتأمل وأنصِفْ، ولا تكن أسير التقليد.
(12) قوله: "كصومِ يوم العيد": أي فلا يجوز الوفاء به، بل يجب عليه أن يصلي في مكان مباح، ويكفّر.
(13) قوله: "وماشيًا": قال م ص في شرح المنتهى: ومضطجعًا اهـ. وكذا

(1/75)


[1/ 169] قال مثله في الفروع.
وقوله: "في الطريق" خلافًا للمالكية.
(14) قوله: "ومع حدثٍ أصغر": أي لا أكبر، فقد تقدّم: تحرم.
(15) قوله: "فرض كفاية": أي والمراد أن يحفظه جميعَهُ شخص واحد، لا جماعة كل واحد يحفظ جانبًا.
(16) قوله: "ما يجب في الصلاة": أي وهو الفاتحة فقط. ونقل الشالَنْجِيُّ: وسورتان (1). قال في الفروع: وهو غلط اهـ.
(17) قوله: "فيه احتمالان": التحقيق أن الصغير يقدِّم حفظه بقيّة القرآن، والمكلّف يقدم العلم، لأنه واجب، وحفظ باقي القرآن نفل. على أن المكلف يقدِّم نفل العلم على نفل القرآن، كما يفهم من كلام صاحب الفروع. تأمل (2).
(18) قوله: "وكره فوق أربعين": أي لأنه يفضي إلى نسيانه، وفيه وعيد شديد. قاله الإمام أحمد.
فائدة: يندب إذا ختم القرآن أن يكبّر لآخِرِ كل سورة، من الضحى (3)، وأن
__________
(1) أي نقل الشالَنْجِيُّ عن أحمد أنه يجب حفظ الفاتحة وسورتين، واسمه "إسماعيل بن سعيد الشالنجي" (- 256 هـ) وقيل (230 هـ)، وهو من النقلة للمسائل المباشرين للرواية عن الإمام أحمد، لكن سماعه منه قديم. وكان من أهل الرأي ثم انتقل إلى مذهب أهل الحديث.
(2) قوله: "يقدم نفل العلم على نفل القرآن": عندي في هذا نظر. بل ينبغي له تقديم نفل القرآن على نفل العلم، لأن القرآن علم، بل هو أصل العلم، ولما في تلاوته من الأجر، ولأن الحفظ في الصغر أثبت. على أن ما جرت عليه دور القرآن من جمع الطلبة بين القرآن وبين علم الشرع في وقت واحد أولى. ثم وجدت الميموني نقل أنه سأل أحمد: أيُّما أحب إليك: أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث؟ قال: لا: بالقرآن القرآن. قلت: أعلِّمه كله؟ قال: إلا أن يعسر فتعلّمه منه. ثم قال: إذا قرأ أولًا تعوَّد القراءة ولَزِمَهَا.
(3) أي ابتداء من سورة الضحى حتى الناس. هذا يتناقله أهل علم التجويد. قال الشيخ عماد الدين ابن كثير رحمه الله: "لم يُرْوَ ذلك - أي التكبير لقراءة الضحى وما بعدها - بإسنادٍ يحكم عليه بصحة ولا ضعف" (النشر في القراءات العشر 1/ 406).

(1/76)


يكون الختم في الشتاء أوّل الليل، وفي الصيف أول النهار، وأن يجمع أهله عند [1/ 170] ختمه لتحصل لهم البركة.

باب
صلاة الجماعة
(1) قوله: "المؤدّاة": أي لا المقضيات فتسن.
(2) قوله: "فلا تجب الخ": في نشره تشويش.
(3) قوله: "لا شرط": أي في غير جمعة وعيد، وأما فيهما فشرط، كما سيأتي.
وقوله: "فتصح من منفردٍ لا عذر له": أي ويأثم. وفيها فضل. ولكن صلاة الجماعة تفضلها بسبع وعشرين درجة. والمعذور لا ينقص من أجره شيء، لما له من النظائر. تأمل.
(4) قوله: "في غير جمعة وعيد": أي لاشتراط الأربعين فيها.
(5) قوله: "ولا تنعقد بالمميّز الخ": أي إمامًا كان أو مأمومًا حيث لم يكن معه مكلّف. وفي النفل تنعقد مطلقًا.
(6) قوله: "وتسن": أي والسنة أن تكون الجماعة في المسجد، لا أن الجماعة في المسجد تكون سنة أي غير واجبة.
(7) قوله: "الشعار": أي العلامات الدالة على قوة المسلمين ونحوها.
(8) قوله: "كان فعلها في المسجد أولى": أي تحصيلًا لفضيلة البقعة.
واعلم أن المساجد تتفاوت، فأفضلها العتيق، ثم ما كان أكثر جماعة، ثم الأبعد كذا في الإقناع. والصحيح أن الأبعد يقدم على الأكثر جماعةً، جزم به في الوجيز والمنوّر (1).
__________
(1) الوجيز للدجيلي تقدم ذكره. وأما "المنوّر" فهو للآدمي. وتمام اسمه "المنوّر في راجح المحرر" والآدمي هو تقي الدين أحمد بن محمد، البغدادي الحنبلي، توفي بعد 700 هـ. وله أيضًا "المُنْتَخَب".

(1/77)


[1/ 171] (9) قوله: "إمام راتب": أي وكان أهلاً لها. والمراد قبله أو معه لا بعده، كما هو ظاهر. وفي الإقناع: إلا لمن يعادي الإمام (1). وقوله: لأن الراتب الخ مفهومه أنّ صاحب البيت حيث كان أهلًا للإمامة لا تصح إمامة غيره فيه بدون إذنه، لا أنه حرام فقط، خصوصًا وقد قاسوا الراتب عليه. وهو كذلك. كما حققه شيخ مشايخنا الشيخ حسن الشطّي رحمه الله. وقال: والإمام الراتب هو من ولاّه الإمام أو نائبه. قاله الخلوتي. انتهى كلامه.
(10) قوله: "فلا تصح إلاَّ مع إذنه الخ": وقدّم في "الرعاية" (2) الصحّة.
(11) قوله: "وإن لم يعتدّ بما أدركه الخ": أي إذا أدرك المأموم الإمام بعد الركوع فيسن له الدخول معه، ولكن لا يعتد بما أدركه من السجود ونحوه. قال في الإقناع: وعليه متابعته قولاً وفعلًا اهـ. ومثله في غاية العلامة الكرمي، لكن قال: "ويتجه: وتبطل بترك متابعةِ فعلٍ لعالمٍ عمدًا، لا قولٍ، كتسبيح" اهـ. قال العلامة عبد الحي: وفيه نظر، لتصريحهم بوجوب المتابعة عليه. قال في شرح الإقناع: والمراد بمتابعته في الأقوال أن يأتي بتكبيرات الانتقال عمّا أدركه فيه، وما في السجود من تسبيح، وما بين السجدتين. وأما التشهد إذا لم يكن مَحَلاٍّ لتشهده فلا يجب عليه اهـ كلام عبد الحيّ.
أقول: لم يظهر لي فرق بين تسبيح السجود الذي لا يعتد به ونحوه وبين التشهد، إذ كلّ من ذلك غير معتدٍّ به، وكما أن المتابعة في السجود واجبة فالمتابعة في الجلوس للتشهد كذلك، فلِمَ وجب التسبيح ولم يجب التشهد؟ يثبغي أن
__________
(1) أي فإن كان الذي يؤم بعد انتهاء صلاة الإمام الراتب، معاديًا للإمام، حرمت إمامته، لقصده إيذاء الإمام، فيشبه ما لو تقدّمه (شرح الإقناع 1/ 457).
(2) "الرعاية": هي كتاب ابن حمدان (- 695 هـ) في فروع الفقه الحنبلي. وفي الحقيقة: له "الرعاية الكبرى" و"الرعاية الصغرى" قيل: حشاهما بالروايات الغريبة. واخِذَ عليه فيهما طريقتُهُ في إيراد الأقوال، فحصل الخوف من كتابيه، وعدم الاعتماد عليهما، فهما غير محررين (المدخل لابن بدران ص 446 بتصرف) وابن حمدان هو نجم الدين أحمد بن حمدان بن شبيب النميري الحراني (- 695 هـ) فقيه أصولي.

(1/78)


يحرر. والحاصل: أن قولهم بوجوب المتابعة في تسبيح سجود غير معتد به وعدم [1/ 172] وجوب تشهد لا يعتد به، مع قولهم: وعليه متابعته قولًاوفعلًا، لا يصح. وقول شارح الإقناع: "والمراد الخ" تبيينًا لمرادهم قولًا غير ظاهر. ثم إن كان الحامل له على ذلك قولهم: "فإن سلّم إمامه قبل إتمامه، أي التشهد، قام ولم يتمه" فإنه لو كان واجبًا لوجب إتمامه، فيذا غير [16ب]، صريح في ذلك، لأنا نقول: إنما وجب عليه التشهد للمتابعة فقط، وبسلام الإمام انقطعت المتابعة، فلزمه النهوض لقضاء ما فاته وترك بقية التشهد بخلاف ما لو كان التشهد في محله فلا يقطعه بل يتمه، لأنه واجب لا على سبيل المتابعة. فتفطن لهذه المسألة، وأَجِلْ مرآةَ فِكرِكَ فيها، تجد أنّ الصواب وجوب التشهد، كالتسبيح، كما هو ظاهر قولهم: وعليه متابعته قولًا وفعلًا واستحبابًا كما اتجهه صاحب الغاية. لكن الأول أصوب. وإلى الرجحان أقرب. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(12) قوله: "جالسًا الخ": وكذا ساجدًا.
وقوله: "به" أي التكبير.
(13) قوله: "وإن قام المسبوق الخ": أي ما لم يكن نحو شافعيّ تركها رأسًا، فيقوم بعد يأسه منها، وبعد ثانية يقوم فورًا، وإلا بطلت صلاة عامدٍ إن لم يكن بموضع تشهُّدٍ، وإلا فبعد فراغه منه. أفاده الكرمي.
(14) قوله: "التي يريد أن يصلي مع إمامها الخ": أي وأما لو لم يرد ذلك انعقدت نافِلتُهُ، ثم إن بدا له في أثنائها الدخول مع الإمام أتمّها ودخل، ولا يضره ذلك. قاله الكرمي اتجاهًا. قال شيخ مشايخنا: وهو ظاهر كالصريح في كلامهم اهـ.
وقوله: "لم تنعقد نافلته": أي ولو راتبة، أو في بيته، أو جاهلاً.
(15) قوله: "سُن أن يعيد": أي غير المغرب، فلا تسن إعادتها، لأنها وتر والتطوع به مكروه، كما في الإقناع.
وقوله: "سُنَّ أن يعيد": أي في غير وقت نهي، حيث كان في غير المسجد.
وفيه يعيد مُطْلقًا إن أقيمت وهو فيه كما تقدم، خلافًا للمصنف في الغاية.

(1/79)


وقوله: "والأولى فرضه": أي فينوي الثانية نفلًا، أو مُعَادةً، لا فرضًا. قال [1/ 172] العلامة: ويتجه: الأَوْلى التفويض اهـ. أي عدم تقييد النية بشيء. فيترتب عليه أنه لو كانت الأولى فاسدة أجزأت الثانية عنها، بخلاف ما لو نواها نفلًا، فلا تجزئه. أفاده شيخ مشايخناح ش (1).
فائدة: اتفق العلماء على أن الجماعة من آكد العبادات، وأجلّ الطاعات، ومن ظن من المتنسِّكة أن صلاته وحده أفضل في خلوته، أو غير خلوته، فهو مخطئ ضال. وأضلُّ منه من لم ير الجماعة إلا خلف الإمام المعصوم، فعطّل المساجد عن الجُمَع والجماعات. وإنما تنازع الناس في كونها واجبة على الأعيان كما هو المنصوص عن الإمام أحمد، أو على الكفاية كما هو الراجح من مذهب الشافعية وقول للمالكية والحنابلة، أو سنة مؤكدة كما هو المعروف عن أصحاب أبي حنيفة وكثر أصحاب مالك وكثير من أصحاب الشافعي، ويحكى عن الإمام أحمد رواية. والذين قالوا بوجوبها على الأعيان اختلفوا فمنهم من قال: تصح الصلاة بدونها بلا عذر، وهو المعتمد. ومنهم من قال لا تصح الصلاة بدونها إذن. والله أعلم. أفاده السفاريني عن شيخ الإسلام اهـ باختصار.
(16) قوله: "في الركعة الأولى": أي ولو أدركه راكعًا. وقوله: "بها": أي بتلاوة آية السجدة.
(17) قوله: "قدّامه الخ": أي فالمراد من السترة ما يضعه المصلي أمامه ليمرّ المارّ من خلفها، لا سترة العورة. فلا يتوهم.
وقوله: "لأن سترة الإمام الخ": أي من حيث إنه لو مرّ ما يقطع الصلاة من بين أيديهم لا يضر. كذا قالوا. مع أنهم صرّحوا ببطلان صلاة من مرّ بينه وبين سترته كَلْبٌ أسود بهيم. وهذا قد مرّ بينه وبين سترته اهـ. قال في الفروع: ولمسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: "إنما الإمام جنة": أي التُّرْس، يمنع من نقص صلاة المأموم، لا أنه يجوز المرور قُدَّام المأموم، على ما سبق.
__________
(1) ح ش: أي حسن الشطي. تقدم.

(1/80)


(18) قوله: "رباعية فقط": أي لا مغرب، فالمسبوق فيها بركعةٍ يكون تشهّده [1/ 172]
الأول في محل التشهد الأخير للإمام. وعبارة الإقناع والمنتهى توهم بخلاف ذلك.
(19) قوله: "والثامن الخ": ظاهر صنيعه أن قول: "ملء السماء الخ" من جملة الثامن، ولو أدخل السابع في كلامه في جملة الثالث فجعلهما شيئًا واحدًا، وأفرد قوله: "ملء السماء" الخ لكان أظهر. وإن كان هذا مما لا يترتب عليه حكم.
(20) قوله: "حيث شرعت الخ": فإن قيل: كيف يتصوّر عدم مشروعيتها في موضع يجهر فيه الإمام؟ قلنا: إذا كان مسبوقًا بركعة فالتي تليها آخر صلاته حُكْمًا، فلا يقرأ فيها بسورة.
وقوله: "في سكتات إمامه لا: فإن لم يسكت كرهت قراءة المأموم، نصًّا. كما في الإقناع. قال في الفروع: وعنه لا يسكت لقراءة مأموم مطلقًا، وفاقًا للحنفية والمالكية، حتى في كلام الحنفية يحرم سكوته، لأن السكوت بلا قراءة حرام اهـ.
(21) قوله: "ولا يضرّ تفريق الفاتحة": أي في حق المأموم، بخلاف الإمام والمنفرد إذا قطعاها بسكوت طويل عرفًا، وكان القطع غير مشروع، لزمهما استئنافها. تأمل.
(22) قوله: "بعد تكبيرة الإحرام": أي وهي الأولى، وذكر بقيتها هناك.
(23) قوله: "إن لم يشغل من بجَنْبِه": فإن شغله فيتجه التحريم. قاله الكرمي، أي لإيذائِهِ من بجنبه. وهو متجه اهـ رحيباني.

فصل في متابعة المأموم للإمام
(1) قوله: "أو قبل إتمامه الخ": أي بأن ابتدأ المأموم التكبير [17أ]، قبل فراغ الإمام من الراء في "أكبر"، وتقدم في أول كتاب الصلاة.
(2) قوله: "فإن وافقه فيها الخ": أي غير تكبيرة الإحرام كما تقدم.
(3) قوله: "أو في السلام": أي وإن سبقه به عمدًا بطلت صلاته، وسهوًا لزمه أن يرجع ليأتي به بعد إمامه. وتقدم في مبطلات الصلاة. فلا تغفل.
وقوله: "لزمه أن يرجع": محله فيما يظهر: ما لم يدركه الإمام فيما سبقه هو

(1/81)


[1/ 174] به وكان جاهلاً أو ناسيًا، ولم يذكر إلاّ بعد لحوق الإمام له، فحينئذ يعتدّ بالركن
المسبوق به، ولا يلزم الرجوع إليه ليأتي به بعد إمامه. تأمل.
(4) قوله: "بطلت صلاته": مفهومه أن مجرد السبق ولو عمدًا لا يبطلها، بل الامتناع من الرجوع إلى ما قبله عمدًا. وهو كذلك حيث كان السبق بركنٍ غير ركوعٍ، أو إلى ركن ولو ركوعًا. وأما إن كان السبق بركن الركوع، بأن ركع ورفع منه قبل أن يرفع الإمام، عمدًا، فإنها تبطل صلاته إن لم يكن الرفع رجوعًا لمتابعة الإمام. وإن كان ناسيًا أو جاهلًا فإنها تلغو الركعة. ومثل السبق في الحكم التخلف عن الإمام، وفيه من التفصيل ما في السبق. وتقدم. هذا ملخص ما حققه خاتمة المحققين شيخ مشايخنا الشيخ حسن الشطي طَيَّب الله ثراه آمين.
وقوله: "لا صلاة ناس الخ": أي ولا تلغو ركعته إن كان السبق بركنٍ غير ركوعٍ، أو إلى ركن مطلقًا. تأمل.
(5) قوله: "ما لم يؤثر المأموم التطويل": أي وكان المامومون محصورين، ولا يأتيهم غيرهم، وإلا خفَّفَ لئلا يحضر من لا يريد التطويل. تنبّه.
(6) قوله: "وانتظار داخل الخ": أي سواء كان ذا حرمة أو لا، ولكن بنيّة تقرُّب، لا تودّد، قاله المصنف في الغاية.
(7) قوله: "وبيوتهن خير لهن" (1): أي لخبر وَرَدَ في ذلك. فصلاة المرأة في بيتها أفضل منها في المسجد، للخبر. قال البهوتي: وظاهره: حتى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - اهـ. قلت: حتى المسجد الحرام، بل ظاهر إطلاقهم في كون فعل الرواتب في البيوت أفضل أنه ولو بالمسجد الحرام. تنبّه وتدبَّر. ويفهم منه: إذا لم يأذن لها زوجها أو سيدها لا يجوز لها الخروج، وإن أذن لها تخرج، ولكن تَفِلَةً غير مطيّبةٍ ولا لابسةٍ ثياب زينة. وهذا في غير الحسناء، وأما هي فتمنع. لهذا ما ظهر، والله
__________
(1) في نسخ نيل المآرب التي بين أيدينا "وبيتُها خير لها" والحديث عن ابن عمر مرفوعًا، أخرجه أحمد (2/ 76) بلفظ "لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن" قال الشيخ شعيب: صحيح عدا قوله: "وبيوتهن خير لهن". وأخرجه أبو داود (567) وابن خزيمة (1684).

(1/82)


تعالى أعلم. [1/ 175]
(8) قوله: "ومن الانفراد عنه": أي أبيها أو وليها المحرم.

فصل فيها الإمامة
(1) قوله: "ويقدم قارئ الخ": مفهومه أنه إذا اجتمع قارئ لا يعلم فقه صلاته وفقيه أمّيّ أن تقديم القارئ على الفقيه حالتئذٍ في الأولوية مثل الأفقه مع الفقيه ونحوهما، مع أن الأمّيّ لا تصح إمامته رأسًا إلا بمثله، اللهم إلا أن يقال: ويقدم قارئ الخ أي وجوبًا. تأمل.
قوله: "الأشرف" أي فيقدم بنو هاشم على باقي قريش. تنبّه.
(2) قوله: "الأورع": الورع اجتناب الشبهات خوفًا من الله تعالى.
(3) قوله: ثم يقرع، أي مع التساوي.
(4) قوله:"وصاحب البيت الخ": أي فهو أحق من مستعيره أيضًا، لا من مستأجره.
وقوله: "ولو كان في الحاضرين من هو أقرأ": أي فيكون مستثنى من قولهم الأولى بها أولاً الأجود قراءة الأفقه. لكن يستحب لصاحب البيت وإمام المسجد تقديم من هو أفضل منهما، كما في الفروع. تأمل.
(5) قوله: "والحرّ أولى": أي في غير إمام المسجد كما تقدم.
وقوله: "أولى من العبد": أي ومن المبعض، وهو أولى من العبد. قلت: ويتجه: ما كان أكثر حريّةً أولى في مُبَعّضَيْنِ.
(6) [قوله: "الفاسق"]: الفاسق من يأتي كبيرة أو يدمن على صغيرة.
وقوله: "ولو مستورًا": هذا المذهب. ويتجه صحة الصلاة خلف من ظاهره
الصلاح، عملاً بالظاهر، وتحسينًا للظنّ بأهل القبلة. وهذا لا يسع النّاس غيره.
وقد سئل الإمام أحمد: يصلّى خلف من يغتاب الناس؟ فقال: لو كان كل من عصى الله لا يصلي خلفه من يؤم الناس؟ اهـ ملخصًا من الغاية وشرحها. فتفطّن.
(7) قوله: "وتصح خلف الأقلف": أي ما لم يكن تاركًا للاختتان بلا عذر،

(1/83)


[1/ 177] وإلا فيكون فاسقًا فلا تصح إمامته. هذا ما ظهر لي والله أعلم. ثم رأيت في "الغاية" ما نصه: "وتكره إمامة الأقلف"، ويتجه: لا إن تَرَكَ الختان بالغًا مُصِرًّا بلا عذر، لفسقه" اهـ. وقال شيخ مشايخنا: وهو مصرَّح به في الإنصاف وغيره اهـ. فلله المنّة.
(8) قوله: "كثير لحن": فهم منه أنه إن كان [17ب]، قليل لحن لم يُحِلِ المعنى لا كراهة، وهو كذلك، صرّح به البهوتي في شرح المنتهى. وظاهره أنها تصح صلاته ولو كان اللحن عمدًا، حيثُ لم يُحِلِ المعنى، ولكن يحرم. والله أعلم.
(9) قوله: "فقط": أي دون غيره من الأركان، بخلاف ما لو كان عاجرًا عن الركوع والسجود ونحوهما، فلا تصح إمامته إلا بمثله، ولو راتبًا بشرطِهِ. فتدبر.
وقوله: "بمسجد": قال المؤلف في الغاية: وراتِبُ أعرابٍ لا مسجد لهم كراتب مسجدٍ.
(10) قوله: "وتصح قيامًا": أي هذا فيما إذا ابتدأها جالسًا. وأما إذا ابتدأها قائمًا ثم اعتلَّ في أثنائها فإنه يلزمهم أن يتمّوها خلفه قيامًا. وذكر الحلواني (1): ولو غير إمام حيّ اهـ من الغاية للمؤلف.
(11) قوله: "فلا إعادة على الإمام ولا على المأموم الخ": أي لأن العبرة بعقيدة الإمام. قال في الغاية: ويتجه: والمراد: فيما يتعلق بأركان الصلاة وشروطها بعد توفر شروط إمامةٍ اهـ. قال شيخ مشايخنا في شرحها: وهو اتجاه جيّد. وقال عبد الحي: وفيه نظر بل الأولى العموم، فكل ما لا يراه الإمام مؤثرًا لا ينبغي أن يؤثر في صلاة المأموم. قال: ويؤيده قول شارح الإقناع: ومثله لو صلّى شافعي قبل الإمام الراتب، فتصح صلاة الحنبلي خلفه اهـ. مع أن ذلك ليس من شروط الصلاة ولا من أركانها. وفي كلام شيخ مشايخنا ما يشعر بالفرق بين كون
__________
(1) الحلواني: هو محمد بن علي بن عثمان بن مراق أبو الفتح الحلواني (- 505 هـ) له "كفاية المبتدي" في الفقه، مجلد واحد، وكتاب مختصر في أصول الفقه (المدخل لابن بدران ص 418).

(1/84)


المتروك من متعلقات الإمامة في بعض الأحيان، كما لو كان قبل الإمام الراتب فيما [1/ 178] ذكره شارح الإقناع فيصح، وكونهِ من متعلّقات الإمامة دائمًا كالعدالة، فلا تصحُّ خلف فاسقٍ شافعي، وإن كان لا يراه مؤثرًا. وهو الصَّواب الذي يجب المصير إليه إن شاء الله تعالى.
(12) قوله: "فإن جهل هو والمأموم الخ": أي وإن تعدّد المأمومون، فجهل بعضهم دون بعض، بطلت صلاة الجميع. وقيل العالِمُ فقط، جزم به جماعة.
وقوله: "صحّتْ صلاة المأموم وحده": أي ولو لم يقرأ الفاتحة، خلافًا لابن قندس (1) في حواشي الفروع.
واعلم أن الجهل هو الذي لا يسبقه علم، كمن استيقظ من نومه فتوضأ وصلّى، ثم وَجَدَ في ثوبه منيَّا ولم يشعر باحتلامٍ. فهذا جاهلٌ الحَدَثَ. وكذا من أصابته نجاسَة وهو لا يعلمها حتى فرغ من صلاته. وأما الناسي للحديث أو النجاسة، بأن كان علم لك ثم نَسِيه ولم يذكره حتى فرغ من صلاته، فلا تصح صلاة من صلى خلفه. فتفطن فقد غلط في ذلك كثيرون من الطلبة الكبار. والله أعلم.
(13) قوله: "إلاّ ضاد المغضوب الخ" أي فتصح إمامة من يبدل ضاد المغضوب والضالين بظاءٍ عجزًا، ولا يصير أميًّا، بخلافِ من يبدل الراء غينًا، أو الذال زايًا، أو الكاف قافًا، أو عكسه ونحو ذلك، فهذا أميّ لا تصح إمامته إلا بمثله. ومن قدر على إصلاح ذلك كله لم تصح صلاته فتنبه. ثم رأيته في الإقناع صرح بذلك.

فصل في موقفه الإمام والمأموم
(1) قوله: "فَوَسَطًا وجوبًا": قال في الغاية: ويتجه: لا بظُلْمَةٍ. قال شيخ
__________
(1) ابن قُنْدُس: هو أبو بكر بن إبراهيم بن قندس؛ تقئ الدين، البعلي (809 - 861 هـ) كان متفنّنَا في علوم الفقه وأصوله والتفسير والعربية، مشاركًا في أكثر الفضائل. له حاشية على الفروع لابن مفلح، وحاشية على المحرّرّ للمجد (السحب الوابلة ص 124 عن الضوء اللامع).

(1/85)


[1/ 180] مشايخنا: صرح به الشيخ منصور في شرح المنتهى اهـ.
قلت: ومثله لو كانوا عُمْيًا.
(2) قوله: "محاذيًا له": أي مُسَامِتًا ومسامِيًا لإمامه، ولا يضر تخلّفه قليلًا خلافًا لمفهوم الإقناع، بل يندب التخلف قليلًا كما في المبدع.
(3) قوله: "وتقف خلفه": أي خلف الإمام، أي حيث كان رجلًا ولو وجد من النساء من يصافُّها. وأما إذا كان الإمام امرأة أو خنثى فتقف عن يمينه. وإن وقفت خلفه أو خلف صفّ النساء حينئذ فصلاتها فذٌ. هذا المذهب. وقدّم في الكافي الصحة مطلقًا. وجزم به جماعة. اهـ ملخصًا.
(4) قوله: "وإن صلى الرجل ركعةً الخ": مفهومه أنه لو لم يصل ركعة بل وقف معه آخر قبل ركوع الإمام، أو أدركه قبل الرفع من ركوع الأخيرة، فأحرم خلف الصّفّ واستمر إلى سلام الإمام، أنه يصح. وهو كذلك.
(5) قوله: "إن رأى الإمام الخ": قال م ص: الظاهر إمكان الرؤية لولا المانع، فلو كان بالمأموم عمىً، أو كان في ظلمة، وكان بحيث يرى الإمام لولا المانع، صح الاقتداء حيث أمكنت المتابعة اهـ. قُلت: قطع به المصنف في الغاية.
قال في شرحها: وجزم به في الفروع. وفي حواشي ابن قندس عليه وشرح الهداية وشرح المنتهى وغيرهم. وقال الشيخ عثمان [18أ]، بل لا بد من الرؤية بالفعل كما يؤخذ من كلام الإقناع اهـ.
قال شيخ مشايخنا: والذي يظهر كلام م ص، لما له من النظائر. قال: وقول شيخنا، يعني شارح الغاية: جزم به الخ لم أره. فتدبر اهـ. مع أن م ص قد ذكره أيضًا عن الفروع وحواشيه وشرح الهداية وشرح المنتهى. فتأمل.
(6) قوله: "أو كانت مما لا يمكن الخ": ظاهر كلامهم أنه إذا كان بين الإمام والمأموم جدار، وهما أو أحدهما خارج المسجد، أن الصلاة صحيحة إذا أمكنت المتابعة وحصلت الرؤية، ولو من طاق شباك أو كؤة. وهذا إذا كان البناء خلف الإمام، أما لو كان عن يمينه أو شماله، وكان لا يمكن العبور من أحد البنائين إلى الآخر، وأمكنت المتابعة، وحصلت الرؤية من كوة ونحوها، فهل تصح أيضًا؟ لم

(1/86)


أو من تعرّض له. وظاهر إطلاقهم أنها تصح. فليحرر. [1/ 181]
(7) قوله: "وإن كان الإمام الخ": ملخص كلامه أنه إن كان الإمام والمأموم خارج المسجد، أو أحدهما، اشترط لصحة الاقتداء شرطان: أحدهما: إمكان المتابعة. والثاني: رؤية الإمام أو من وراءه. وإن كانا في المسجد اشترط إمكان المتابعة فقط. وانظر لو كان الإمام في مسجد والمأموم في آخر، ولا مانع بينهما، هل يكفي سماع التكبير. تأمل.
(8) قوله: "وكفى سماع إلخ": ظاهره: سواء كان من الإمام أو من أحد المأمومين. وهو كذلك، للحاجة. وانظر لو كان المبلّغ غير ثقةٍ هل يرجع إليه ويتابع؟ الظاهو: نعم. تأمل.
(9) قوله: "وكره علو الإمام الخ": قال ابن نصر الله: فإن كان مع الإمام من هو مساوٍ له أو أعلى منه فلا كراهة اهـ.
(10) قوله: "وكره لمن أكل بصلاً الخ": وقيل يحرم. ويؤخذ من كلامهم هنا أن آكل ذلك إن لم يجد ما يُذْهِبُ رائحته معذور بترك الجمعة والجماعة. قاله المصنف في الغاية. قال شيخ مشايخنا: ولم أو من صرّح به، وهو ظاهر اهـ. فتدبر.

فصل في ذكر الأعذار المبيحة ترك الجمعه والجماعة
(1) قوله: "والمدافع أحد الأَخْبَثَيْنِ": ظاهره ولو كان قادرًا على الطهارة إن انتقض وضوؤه. ومثله غلبة نعاس. تأمل.
فرع: لا ينقص أجر تارك جمعة وجماعة لعذر شيئًا.
ومن مرض أو سافر كتب الله تعالى له أجر ما كان يعمل صحيحًا أو مقيمًا.
ومخالطة الناس أولى من اعتزالهم، مع أمن الفتنة، لاكتساب فضائل دينية أو دنيوية. قاله العلامة م ص في الغاية (1).
__________
(1) لعل هنا وهمًا من الشيخ عبد الغني: فليس للشيخ منصور كتاب اسمه "الغاية"، أو لعله أراد بهذا الرمز (م ص) في لهذا الموضع "المصنف" أي مصنف دليل الطالب.

(1/87)


[1/ 183]

باب
صلاة أهل الأعذار
(1) قوله: "ويومىء بالركوع وبالسجود من عجز عنهما": فإن عجز عنهما: وقدر على القيام لزمه أن يومئ بالركوع قائمًا وبالسجود قاعدًا. وإن قدر على تقريب رأسه من الأرض لزمه. كذا قالوا. اهـ. مكرر (1).
(2) قوله: "انتقل إليه": أي فورًا. فلو أبطأ متثاقلاً، فإن كان بمحلّ قعودٍ، كتشهدٍ، صحتْ صلاته، وإلا بطلت، سواء عاد العجْزُ أو لم يَعُدْ. وإن كان مضطجعًا وقدر على الجلوس أو القيام، وأبطأ، بطلت صلاته مطلقًا. لكن قال شيخ مشايخنا: محل البطلان فيهما حيث تعمد اهـ.
(3) قوله: "ولا تصح صلاة الفرض على الراحلة الخ": محله ما لم يعجز عن الركوب لو نزل، إذ يكون هذا عذرًا في غير المريض كما تقدم، فكيف مع المرض. والذي يظهر لي أنه إن حصلت له مشقة وأذًى من النزول تصح صلاته على الراحلة، وأنه لا فرق بينه وبين من يتأذى بنحو مطرٍ ونحوه، وما فرّقوا به غير ظاهر. تدبّر.
(4) قوله: "على متن الماء": أي على ظهره.

فصل في صلاة المسافر
(1) قوله: "فيدخل فيه الواجب": أي ويخرج المحرّم والمكروه، فلا يترخّص فيهما. وفي المنتهى والإقناع وغيرهما: يترخص إن سافر لزيارة مشهدٍ أو قبر نبيٍّ أو غير المساجد الثلاثة اهـ (2).
__________
(1) قوله "مكرر" لم يظهر لي مراده به، فينظر.
(2) يقول المحقق: هذا مردود لأن مثل هذا السفر غير مشروع إن فُعِل على وجه التقرّب، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" فلا ينبغي لمثل هذا السفر المنهي عنه شرعًا أن يكون سببًا للرخصة.

(1/88)


(2) قوله: "أربعة برد": بريد 4؛ فرسخ 16؛ ميل 48؛ ذراع 288000؛ [1/ 186]
قدم 576000؛ إصبع 6912000 (1)؛ شعيرة 41472000؛ شعرة 248832000.
الميل: إصبع 144000؛ شعيرة 864000؛ شعرة 5184000.
قوله: "والهاشمي اثنا عشر ألف قدم" فعلى هذا يكون الميل الأموي 14400 قدمًا؛ و 7700 ذراعًا بذراع اليد؛ وبذراع الحديد 5 و 6087.
فتكون مسافة القصر على حسب ما ضبطناه هنا بالذراع مائتي ألف وثمانية وثمانين ألفًا؛ وبالقدم خمسمائة ألف وستة [18ب]، وسبعين ألفًا؛ وبالإصبع ستة آلاف ألف وتسعمائة واثني عشر ألفًا، وبالشعيرة واحدًا وأربعين ألف ألف حبّة وأربعمائة ألف واثنين وسبعين ألفًا؛ وبالشعرة مائتي ألف ألف وثمانية وأربعين ألف ألف وثمانمائة ألف واثنين وثلاثين ألفًا. وذلك حاصل من ضرب البرد في الفراسخ ثم هي في الأميال ثم هي في الأذرع وهكذا الخ (2).
(3) قوله: "فنقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن" فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور: خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعًا.
(4) قوله: "تزوج فيه الخ" أي قبل مروره. وعلى كلٍّ فيلزمه الإتمام ولو بعد طلاقِ زوجته التي مرّ بالبلد وهي في عصمته. فلا بد من مفارقة البلد. لا إن كان طلقها قبل مروره بالبلد فإنه يقصر، هكذا ينبغي أن يفهم.
وقوله أيضًا: "ولو بعد مفارقة الزوجة": كذا قال عامة علماء المذهب، مع أنهم نقلوا أنه - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة أقام فيها تسعة عشر يومًا وهو يقصر الصلاة. فهو
__________
(1) في الأصل بدل رقم (6) هذا كُتِبَ رقم (4) وهو خطأ، كما يتبين من كلامه الآتي حيث كتب الأعداد بالحروف.
(2) هذه الطريقة التي درج عليها بعض المؤلفين غير مستقيمة، وهي أنه ضَبَطَ المسافات الكبيرة بالأشياء الصغيرة غير المنضبطة، كالشعيرات والشعرات. وهي تختلف بنسبة كبيرة، فقد تصل نسبة الخطأ فيها إلى 15% أو 20% كما يعرفه من يلاحظ حجم الشعير، إذ منه كبير وصغير. ولو اتخذ المسلمون شيئًا كبيرًا ثابتًا محددًا مبدأ للقياس، كأحد جدران الكعبة مثلاً، لكان أولى بالثبات.

(1/89)


[1/ 187] قد أقام ببلد تزوج فيه، فضلاً عن كونه مرّ به. ومع ذلك قصر. فهل هو معارض لنصوصهم؟ توقف فيه شيخنا (1). فتأمل. فإن قلت: يحتمل أن هذا من خصوصياته. قلت: لم ينقل ذلك. وأيضًا في حديث أنس: "أقمنا بمكة عشرًا نقصر الصلاة" وهو من المهاجرين. تأمل.
وقوله: "ولو بعد مفارقته الزوجية": الذي يظهر لي أن معنى هذه العبارة أن المسافر إذا مر ببلد له فيه زوجة وجب عليه الإتمام حتى يفارق البلد، وليس له القصر قبل ذلك، ولو فارق زوجته بطلاق ونحوه، لا أنه إذا مرّ ببلدٍ كان تزوج فيه وفارق زوجته قبل مروره بالبلد، لما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المهاجرين أقاموا بمكة يوم فتحها وكانوا يقصرون الصلاة، مع أنها بلدهم وتزوّجوا فيها. وهكذا ينبغي أن يقال في العبارة والله أعلم.
(5) قوله: "بعلامة": أي إن كان عليه علامة سفر ينوي القصر، ثم إن قصر إمامه قصر معه، أو أتَمَّ تابعه. ويصح لو نوى: "إن قصر قصرت وإن أتمّ أتممتُ" كما في الغاية.
(6) قوله: "إذا شكّ إمام": أي أو غيره، كما ذكره م ص. وظاهره أنه ولو ذكر بعدُ أنه نوى القصر، وهو كذلك كما هو مصرح به في الغاية.
(7) قوله: "يلزمه إتمامها": صفة ثانية لصلاة، بأن ائتم فيها بمقيم أو نحوه، ففسدت، لزمه الإتمام في الإعادة، لأنها وجبت كذلك، فلا تعادُ مقصورةً. وأما إن ابتدأها جاهلاً حَدَثَهُ مثلاً فله إعادتها مقصورةً. والله أعلم. تنبه.
(8) قوله: "إذا جهل أن إمامه نواه": قال العلامة في الغاية: ولا يضر جهله أن إمامه نواه؛ أي القصر، عملاً بالظن، خلافًا للمنتهى فيما يوهم اهـ. وعبارة المنتهى كعبارة الشيخ. تأمل.
(9) قوله: "وكان نوى القصر الخ": أي هذا إذا كان جاهلاً عدم جواز القصر
__________
(1) قوله "شيخنا": لعله يريد بهذه العبارة شيخه الشيخ يوسف البرقاوي، كما صرّح به فيما يأتي في كتاب الرهن. والشيخ يوسف البرقاوي ترجمنا له في مقدمة التحقيق.

(1/90)


له، وأما إن كان عالمًا فلا تنعقد. [1/ 188]
(10) قوله: "حتى ضاق وقتها عنها": أي وكذا لو أخرها مسافر عمدًا حتى خرج وقتها. قاله في المحرّر وغيره. وقيل يقصر فيهما، وفيما إذا ذكر صلاة حضر في سفر اهـ من بعض الهوامش، نقلاً عن المبدع.
(11) قوله: "أو حُبِسَ ظلمًا" الخ: قلت ويؤخذ من هذا أن المسافر إذا عرض له ما يسمونه "الكورَنْتِينَا" (1) وأقام فيها، ولو مدة طويلة، له القصر. ولو علم بطول المدة، كالمحبوس ظلمًا، فإنه يقصر. ولو علم أنه لا يخلص من الحبس إلاَّ بعد مدة طويلة.
وكذلك إذا جاء الحجاج ونحوهم إلى جدة مثلاً وهم راجعون إلى بلادهم، فلم يجدوا سفينة تحملهم، وعلموا أنها لا تحضر إليهم إلا بعد أيام كثيرة، فلهم القصر ما أقاموا، لأنهم لا حاجة لهم في الإقامة أصلاً، بل يحصل بها غاية الكدر والمشقة، ولولا العذر الذي ليس لهم فيه غرض ما أقاموا ولا ساعة، بخلافِ من يقيم لغرضه وعلم أنه لا يحصل إلا بعد الأربعة أيام. هذا الذي يفهم من كلامهم ولا يعوّل على غيره. وقد عرض لنا هذا الأمر فقصرنا، وأفتينا الناس بجواز القصر. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في الجمع بين الصلاتين
(1) قوله: "مطلقًا": أي بين الظهرين والعشائين.
(2) قوله: "فليس بمكروه [19أ] ولا مستحب": أي وتركه أفضل خروجًا من الخلاف، غير جَمْعَي عرفةَ ومزدلفة، فيسن. قال المصنف في الغاية: ويتجه غير خائف فوت الجماعة، أي فيسن له الجمع، قال شارحها: وهذا ضعيف عبّر عنه صاحب الفروع بقيل إشارة إلى أنه لم يرتضه اهـ.
__________
(1) الكورَنْتِينَا: هو ما يسمّى الآن "الحجر الصحي" أي حجز القادمين من خارج البلاد إذا حُجِزوا في مكانٍ أيامًا لتحصل الطمأنينة بخلّوهم من الأمراض السارية، كالملاريا والكوليرا ونحوهما، قبل انتشارهم في البلد.

(1/91)


[1/ 189] وقال شيخ مشايخنا: والذي يظهر أن بحث المصنف وجيه، إذ لا يأباه كلامهم، واستدل له فراجعه اهـ.
(3) قوله: "العشاءين وهما الخ": أي فهو من باب التغليب. وقيل إن المغرب تسمى العشاء الأولى، فلا تغليب.
(4) [قوله]: "ونحوها": كذي سَلَسٍ وجرحٍ لا يرقأ دمُه.
(5) قوله: "ولعاجزٍ عن الطهارة الخ": وانظر هل مثله من عجز عن السترة أو اجتناب النجاسة لكل صلاة ولا فرق، أوْ لا وفيه فرق؟ فحقِّقْ وتدَّبرْ.
(6) قوله: "ولعذر الخ": مفهومه حتى نحو غلبة نعاس، ومدافعة أحد الأخبثين، وأكل نحو بصل، وتمريض مريض، ونطارة بستان، وتطويل إمام، ونحو ذلك. فحررِّه وتفطَّنْ.
(7) قوله: "لا ليلة مظلمة": أي لا يشترط ذلك. وعلم مما تقدم في الأعذار أنه يجوز الجمع أيضًا فيما إذا وجد ريح باردةٌ بليلة مظلمة وإن لم تكن شديدة.
تنبه.
(8) قوله: "والأفضل فعل الأرفق الخ": أي في غير جمعي عرفة ومزدلفة.
فالأفضل في عرفة التقديم، وفي مزدلفة التأخير، مطلقًا، خلافًا لما في الأقناع.
(9) قوله: "سواء نسيه الخ": وفي الإقناع يسقط الترتيب بالنسيان، كقضاء الفوائت.
(10) قوله: "وأن لا يفرق الخ": أي ولو سهوًا أو جهلاً على الصحيح من المذهب.
(11) قوله: "في غير جمعٍ مطرٍ": أي وأما فيه ففيه التفصيل الآتي. تنبه.
(12) قوله: "فإن حصل وحل الخ": ومثله لو حصل ثلج أو برد أو ريح شديدة. قاله العلامة اتجاهًا، ونظَّر فيه عبد الحيّ، وردَّه شيخ مشايخنا بأن الثلج ونحوه منعقد من الماء فكأنَّ المطر لم ينقطع فهو كالوحل، بخلاف المرض ونحوه. وأطال فر اجعه.
وقوله: "وإلاّ بطل الخ": أي ولو خَلَفَهُ مرض ونحوه، ثم انقطع العذر في

(1/92)


الصلاة الأولى أتّمها فرضًا وأخّر الثانية إلى وقتها. وإن انقطع في الثانية أتمها نفلاً، [1/ 191] والأولى وقعت موقعها اهـ ملخّصًا من المنتهى وشرحه.
ومثله لو بطل الجمع بترك شرط، كما لو فصل بينهما بنحو نافلةٍ مثلاً، فإن الأولى تقع الموقع، ويبطل الجمع. وكذا لو رفض نية الجمع في الأولى، أو بعد فراغه منها، أو في الثانية، فإن الأولى صحيحة ولا تلزم إعادتها. فتنبه.
(13) قوله: "أعادها فقط": هذا في جمع التأخير، أما في التقديم فيبطل الجمع لفوات الموالاة كما هو ظاهر. تأمّل.

فصل في صفة صلاة الخوف
(1) قوله: "ولو حضرًا": هذا التركيب يفيد صحّتها سفرًا بالأولى، فلا موقع حينئذ لقوله "وتصح سفرًا" لما فيه من الركاكة. فلو أبقى عبارة المتن على حالها لكان أولى، أو قال: "سواء كان القتال آلمباح حضرًا أو سفرًا الخ".
(2) قوله: "من وجوهها": أي وهي ستةُ أوجُهٍ أو سبعة، وهي مذكررة في المطوّلات فراجعها.
(3) قوله: "هدفًا الخ": الهدف هو ما ينصب ويرمى بالنبل ليُعْرَف الحاذق بإصابته. وفي الإقناع ما يفيد أن هذا يسمى "غرضًا" وما يوضع الغرض فيه فهو "هدف".
(4) قوله: "عند المسايفة": أي الضرب بالسيف من كلا الفريقين.
(5) قوله: "لم يجز": أي الهرب، فلا تصح صلاته صلاة خائف.
(6) قوله: "مقدار ما": أي وقت. ولا بد من علمة أنه إن صلى صلاة خائف أدرك الوقت، فله أن يصلي صلاة خائف. وهو مرادهم وإن لم أره في كلامهم.
وانظر لو ظن إدراك الوقوف بصلاة الخوف فصلاها كذلك، ثم إنه لم يدركه، فهل لا إعادة عليه؟ الظاهر نعم. تدبر.
(7) قوله: "لم يعد": ومثله لو رأى عدوًّا فهرب منه، وصلى صلاة خائف، ثم بان له أنه لم يقصده، فإن صلاته صحيحة. وهذا بخلاف ما لو رأى سوادًا ظنّه

(1/93)


[1/ 193] عدوًّا، فبان حجرًا أو شجرًا، أو رأى عدوًّا وبينهما مانع كبحر ونحوه، فصلى صلاة خائف، فإنها لا تصح. فتنبه.
(8) قوله: "وكذا المتقدم والتأخر": فلو قال "وهو التقدم والتأخر" لكان أصوب، كما هو ظاهر. وهذا بخلاف الصِّياح فإنه يبطلها، لأنه لا حاجة به إليه، بل السكوت أهيب في نفوس الأقران.

باب
صلاة الجمعة
اعلم أن صلاة الجمعة فرض مستقل، لا ظهرٌ مقصورةٌ، فلا تجوز أربعًا، ولا تقصر الظهر خلفها.
وهي فرض الوقت، فلو صلى الظهرَ أهلُ بلدٍ [19ب]، تلزمهم، مع بقاء وقتها، لم تصح إلا بعد اليأس من فعلها.
فائدة: صلاة الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة. وقال الشيخ: فعلت بمكة على صفة الجواز، وفرضت بالمدينة. انتهى إقناع.
(1) قوله: "عاقل": الأَولى الاقتصار على قوله "مكلف" لأنه البالغ العاقل كما هو ظاهر.
وقوله: "لأن الإسلام والعقل الخ": كذا في الحاشية، وشرح زاد المستقنع لـ م ص. وفيه نظر، لأن الإسلام ليس شرطًا للتكليف لأن الكافر مكلف، وإلا لما كان مؤاخذا بترك الإسلام وفروعه. فلو قال بعد قول المصنف: مكلف "أي بالغ عاقل لأن البلوغ والعقل شرطان للتكليف" الخ لكان صوابًا.
(2) قوله: "وقت فعلها": لم أر هذه العبارة لغيره، ولم يظهر في معناها. فتأمل.
(3) قوله: "أجزأته عن صلاة الظهر": بل هي في حقّه أفضل من الظهر، كما هو مصرح به.
(4) قوله: "ولا يحسب هو الخ": اعلم أن من لا تجب عليه الجمعة لغير

(1/94)


عذر كالعبد والمرأة ونحوهما، لا يحسب من العدد، ولا تصح إمامته فيها، وإن [1/ 196] كان لعذرٍ غير سفرٍ كالمطر والمرض ونحوهما وحضر الصلاة وجبت عليه، وحسب من العدد المعتبر، وصحت إمامته فيها.
فائدة (1): إذا كان يوم الجمعة كاملةً الأربعين رجلاً أو أكثر، وكان في الجملة رجل غريب، فلا يصح له أن ينوي إلا أن ينوي أربعون رجلاً، وإن كانت كاملةً الأربعين فقط فلا يصح له أن ينوي إلا أن ينوي الجميع منهم اهـ.
(5) قوله: "أحدها الوقت": إنما لم يقل "دخول الوقت" كبقيّة الصلوات لأن الجمعة لا تصح قبل الوقت ولا بعده، بخلاف غيرها، فتصح بعد الوقت.
(6) قوله: "من أول وقت العيد": أي من ارتفاع الشمس قدر رُمْح.
(7) قوله: "ولأن الناس الخ": في كلامه إيجاز مُخِلّ، أي: والأولى فعلها عقب الزوال، ولو في شدة الحر، لأن الخ.
(8) قوله: "أن تكون بقرية الخ": أي بخلاف من استوطن غير بناء، كبيوت الشعر والخيام والخَرَاكي (2) ونحوها، أو في بناءٍ ولكن بعضَ السنة دون بعض، فلا تجب عليهم، ولا تصح منهم.
(9) قوله: "وتصح فيما قارب البنيان الخ": قال ابن عوض في الحاشية: بأن يكون بينهما فرسخ فأقل، كالاستيطان بموضع قريب من إقامتها اهـ. قلت: وهو يحتاج لدليل، وإلا فهو مردود. وبالجملة فلم أرَ مَنْ قدر هذه المسافة، لكن ذكروا أن أسعد بن زُرارة صلى الجمعة بحّرة بني بياضة (3)، وهي على ميل من المدينة.
(10) قوله: "بدل ركعتين": لا من الظهر، كذا في المنتهى. ومثله في
__________
(1) هذه الفائدة موضوعة بهامش الأصل، ولا يبعد أن تكون من الناسخ لا من صاحب الحاشية.
(2) الخَراكي: لم نجد هذه الكلمة في اللسان ولا في القاموس، ولعلها البيوت التي تصنع من بعض الأنسجة الثقيلة.
(3) في الأصل هنا كلمة لم تمكن قراءتها، ونحن صححناها من سيرة ابن هشام (1/ 435 تحقيق محمد السّقا وزميله).

(1/95)


[1/ 197] الإقناع. فهذا يدل على أن الجمعة فرضت أربع ركعات، فقامت الخطبتان مقام ركعتين. وقال الكرمي: الأظهر لا بدلية اهـ. قلت: وقد صرح في الرعاية الكبرى بان القول بان الخطبتين بدل ركعتين مبني على أن الجمعة بدل عن الظهر.
والصحيح خلافه.
(11) قوله: "كقراءة": أي لا تصح الخطبة بغير العربية لقادر عليها، وتصح لعاجزٍ عن العربية بغيرها. لكن الظاهر أنه لا بدّ أن يكون فيهم من يفهم لغته، وإلا لم تصحّ، وإن صرح في الإقناع بصحة الخطبة من عربيٍّ لمن كلهم عجم لا يفهمون قوله، ومن سميعٍ لمن كلهم صمّ، ومن ناطقٍ لمن كلُّهم خُرْس. وهو عندي غير ظاهر، لعدم حصول المقصود منها. والله أعلم.
(12) قوله: "وأن يكون الخ": أي المنبر أو المحل المرتفع. وإن خطب على غير علوٍّ فليكن عن يسار مستقبل القبلة بالمحراب.
(13) قوله: "وإشارة إلى أن الدين فتح به": وقال ابن القيم في الهدي (1): "وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف، ولهذا جهل قبيح من وجهين: أحدهما: أن المحفوظ الاتكاء على العصا أو القوس. الثاني: إنما قام الدين بالوحي، وأما السيف فلمحق أهل الفساد والشرك. ومدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كانت خطبته فيها إنما فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف. وقال أيضًا: ولم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه توكأ على سيف في الخطبة" كذا رأيت بهامشه معزيًّا لـ م خ. اهـ.

فصل في إنصات المأمومين للخطبة
(1) قوله: "يحرم الكلام الخ": وقد يجب الكلام والإمام يخطب، كما إذا كان لتحذير ضريرٍ أو غافلٍ عن هلكةٍ وبئرٍ ونحوه.
تتمّة: إذا كان العيد يوم الجمعة سقطت الجمعة عمّن صلى العيد مع الإمام،
__________
(1) أي في كتابه المسمى "زاد المعاد في هدي خير العباد" وهو من خير ما كتب في فقه السيرة.

(1/96)


سقوط حضورٍ لا سقوط وجوبٍ، بمعنى [20أ]، أنه لا يجب عليه الحضور لصلاة [1/ 200] الجمعة، َ وإن حضرها وجبت عليه، إلا الإمام فيجب عليه الحضور لها أيضًا. ثم إن حضر العدد المعتبر صلى بهم وإلا فلا.
(2) قوله: "الأعظم": أي الذي يجمع الخلق الكثير.
(3) قوله: "وأقل السنة الخ": أي وفعلها في المسجد أفضل، بخلاف غيرها كما تقدم.

باب
صلاة العيدين
(1) قوله: "لأنه يعود ويتكرر": وإنما قيل في جمعِهِ "أعياده" بالياء، وحقُّه بالواوِ، للفرق بينه وبين أعواد الخشب. لكن قد يقال: يمكن التفرقة بجعل الياء في جمع أعواد الخشب دون جمع عيد. فالأولى أن يقال: جمع العيد بالياء للزومها في الواحد.
(2) قوله: "إذا اتفق أهل الخ": أي وتركوها، فلا بد من الترك مع الاتفاق عليه. تأمل.
(3) قوله: "كشروط الجمعة، من استيطان وعدد": يعكّر عليه قوله فيما يأتي، كعامّتهم: "وسُنّ لمن فاتته ولو منفردًا قضاؤها على صفتها" فقد قال في الفصول: ولو كان العدد مشروطًا لأدائها لم يصح قضاؤها منفردًا، ألا ترى أن الجمعة لا تصلى إلا جماعة، أي بالعدد المعتبر اهـ.
وقال الحجاوي (1): ويمكن على اشتراط العدد أن يقال: الصلاة الأولى سقط
__________
(1) الحجاوي: هو موسى بن أحمد بن موسى بن سالم (- 968 هـ) ولد في "حَجّة" من قرى نابلس، ثم ارتحل إلى دمشق. ولازم طلب العلم، وانفرد في عصره بتحقيق مذهب الإمام أحمد، حتى صار إليه المرجع فيه. اشتهر بكتابه "الإقناع" جرّد فيه الصحيح من المذهب، وكتابه الآخر "زاد المستقنع مختصر المقنع" للشيخ الموفق. وله "منظومة في الآداب الشرعية".

(1/97)


[1/ 204] بها فرض الكفاية فصار ما بعدها سنّة، ولأن صلاة الجمعة أدخل في الفرضيّة من صلاة العيد، فسومح فيها ما لا يتسامح في العيد.
(4) قوله: "ما عدا الخطبتين": يرد عليه أن من شروط الجمعة الوقت، فلا تصح بعده، بخلاف العيد فإنه يمضى كما يأتي. تأمل.
(5) قوله: "في غير العيدين": وقال في المبدع: الظاهر أن المخالفة فيه شرعت لمعنى خاص، فلا يلتحق به غيره اهـ.
(6) قوله: "ستًّا": وفاقًا لمالك. وقال الشافعي: سبعًا في الأولى وخمسًا في الثانية. وقال أبو حنيفة: ثلاثاً في الأولى قبل القراءة، وثلاثًا في الثانية بعدها، ليوالى بين القراءتين اهـ. م ص. اهـ. حاشية.
(7) قوله: "وإن أحب قال غير ذلك": أي كأنْ يقول "سبحان الله. والحمد لله. ولا إله إلا الله. والله أكبر" أو نحو ذلك.
(8) قوله: "فلا سجود للسهو": أي مشروع، وإلاّ فيباح السجود لتركه السهو كما تقدم، لأنه سنة قولية.
(9) قوله: "كمدرك الإمام في التشهد": أي فإنه يتمّها على صفتها، بخلاف الجمعة.

فصل في التكبير في العيدين
(1) قوله: "عقب كل فريضة": فيؤخذ منه أنه يقدم على الاستغفار وعلى قوله اللهم أنت السلام الخ وهو كذلك.
(2) قوله: "لأن التلبية تقطع الخ": أي وإنما لم يكبر المحرم من فجر عرفة لأنه مشغول بالتلبية، وإذا رمى جمرة العقبة ضحى يوم العيد تنقطع التلبية. فيكبّر من ظهر ذلك اليوم. لكن لو رمى الجمرة قبل الفجر لم يكبّر إلا من الظهر، وإن انقطعت التلبية، كما أنه لو أخر رميها إلى بعد صلاة الظهر فإنه يكبّر ويلبي كما صرح به م ص وغيره اهـ.
ويجزئ التكبير بالصفة المذكورة مرة، وإن زاد إلى ثلاث فحسن.

(1/98)


(3) قوله: "ولا بأس بقوله الخ": أي وأما التهنئة بالعيدين والأعوام [1/ 207] والأشهر، كما يعتاده الناس، فلم أر فيه لأحد من أصحابنا نصًّا. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان (1). قال بعض أهل العلم: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان. قلت: وعلى قياسه تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا بمواسم الخيرات وأوقات وظائف الطاعات اهـ. ملخصًا من شرح المحرر اهـ. من بعض الهوامش.

باب
صلاة الكسوف
(1) قوله: "من ابتداء الكسوف": أي ما لم يكن وقت نهي، وإلاّ لم يصلّوا، بل يدعونَ ويذكرون الله تعالى، ثم إن دام الكسوف حتى خرج وقت النهي صلَّوا، وإلافلا.
(2) قوله: "ولا يزيد على خمسٍ": أي وجوبًا كما ذكره المصنف في الغاية.
(3) قوله: "إلاّ زلزلةً دائمة": أي فيصلي لها كصلاة الكسوف.

باب
صلاة الاستسقاء
قوله: "وهو" أي الاستسقاء.
(1) قوله: "إجدابُ الخ" الجدب ضد الخصب، وقحط المطر احتباسه.
فيسن لنا إذا حصل ذلك ولو لغيرنا (2) أن نصلي صلاة الاستسقاء، أو نستسقي عقب الصلوات، وفي خطبة الجمعة.
__________
(1) حديث أبي هريرة قال: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان إلخ" أخرجه أحمد (2/ 385) وابن أبي شيبة (3/ 1).
(2) هنا في الأصل كلمة خفية، وهذا أولى ما تقرأ عليه.

(1/99)


[1/ 211] (2) [قوله]: "التشاحن" [20ب]: من الشحناء وهي العداوة.
(3) قوله: "ولا يلزمان بأمره": أي وقولهم تجب طاعته في غير معصية محمول على أمور الاجتهاد والسياسة والتدبير لا مطلقًا.
(4) قوله: "متواضعًا": أي ببدنه "متخشعًا" بقلبه وعينه "متذللاً" بثيابه "متضرّعًا" بلسانه. قاله ابن نصرالله اهـ. ع ن. ولا يمنع أهل الذمة من خروجهم للاستسقاء منفردين بمكانٍ، لا بيومٍ. وكره إخراجنا لهم لأنهم أعداء الله وأبعد إجابة.
(5) قوله: "وظهورهما نحو السماء": قال العلماء: السنة لمن دعا برفع البلاء أن يجعل ظهر كفّه إلى السماء، إشارة إلى الرفع؛ ولمن دعا بطلب شيء أن يجعل بطن كفّه إلى السماء، إشارة إلى الأخذ. قاله الشيشيني (1) اهـ حاشية.
(6) قوله: "أسقنا": أي بوصل الهمزة وقطعها "غيثًا" أي مطرًا "مغيثًا" منقذًا من الشدة "هنيئًا" حاصلاً بلا مشقة "مريئًا" سهلاً نافعًا محمود العاقبة "غَدَقًا" بفتح المعجمة وكسر الدال المهملة وفتحها، أي كثير الماء والخير "مجلِّلًا" أي يعم البلاد والعباد نفعه "سَحًّا" أي صبًّا "عامًّا" أي شاملًا "طَبَقًا" بالتحريك، يطبِّق البلاد مطره "دائمًا" أي متصلًا بالخصب.
(7) قوله: "من اللأواء الخ": اللأواء الشدّة، "والجهد" المشقة "والضَّنْكُ" الضيق.
(8) قوله: "اللهم أمطرنا": أي بقطع الهمزة من "أمطر" فإنه يقال: مَطَرَ "وأمْطَرَ"، وقيل: أمطر في العذاب. وعليه فلا يقال: اللهم امطُرنا إلا بوصل الهمزة.
(9) قوله: "لأن ذلك أبلغ في التضرع": أي ولحديث: "إن الله يحب
__________
(1) الشيشيني: لعله أحمد بن علي بن أحمد الشيشيني (أي الشيشاني) أصلاً القاهري الميداني الحنبلي (844 - 919 هـ) ولي القضاء لابن قايتباي. له المقرّر شرح المحرّر" وهو شرح مبسوط غريب الفوائد.

(1/100)


الملخين في الدعاء" (1) قال أصبغ (2): استُسْقِيَ للنيل بمصر خمسة وعشرين مرة [1/ 214] متوالية وحضره ابن وهب (3) وابن القاسم (4) وجمع اهـ. م ص.
...
(1) حديث: "إن الله يحب المُلَحين في الدعاء" أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" وابن عديّ من حديث عائشة مرفوعًا.
(2) أصبغ: هو أصبغ بن خليل من مقدّمي الفقهاء المالكية (- 273 هـ) فقيه قرطبة ومفتيها، أخذ عن يحيى بن يحيى وسحنون (تهذيب سير أعلام النبلاء ص 520).
(3) ابن وهب: هو عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد، الفهري بالولاء (125 - 197هـ) من أهل مصر، من تلاميذ الإمام مالك والليث بن سعد. جمع بين الفقه والحديث والعبادة. كان مجتهدًا.
(4) ابن القاسم: هو عبد الرحمن بن القاسم العتقي (132 - 191هـ) صاحب الإمام مالك.
روى عن الإمام مالك المدونة، وأخذ عنه سحنون وغيره، كان ذا مال ودنيا فانفقها في العلم (مختصر سير أعلام النبلاء ص 314).

(1/101)