حَاشِيةُ
اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ [1/ 216]
كتاب الجنائز
(1) قوله:"يُسَن الاستعداد": أي التهيؤ، للموت. وقول الشيخ (1) "بالتوبة من
المعاصي والخروج من المظالم" يدل على أن التوبة والخروج من المظالم سنّةٌ.
وليس كذلك، بل يجبان. وإن سبقه إلى تلك العبارة م ص. ولعل المراد أن التوبة
والخروج من المظالم واجبان، والسنة قصد التهيؤ للموت بهما، لا أنهما سنتان،
كما قد يتوهم. فتدبر.
(2) قوله: "مِنْ ذكْرِهِ": هو بضمّ الذال المعجمة بمعنى التذكر، وبكسرها
يكون بمعنى النطق به، وليس مرادًا. لكن ذكر بعض أهل اللغة أنه يصح أن يكون
مكسور الذال بمعنى التذكر، فعلى هذا يقرأ بهما. تأمل.
(3) قوله: "هاذم": بالمعجمة أي قاطع.
(4) قوله: "ويستحب للمريض الصبر على المرض": إن أريد به الصبر الجميل، وهو
الذي لا تَشَكِّي فيه، فمسلَّم، وإن أريد به عدم الجزع، والتسخط، ففيه أن
لك واجب اتفاقًا.
وقوله: "والرضا بقضاء الله تعالى": فيه نظر، فإن ذلك واجب أيضًا، نعم ذكروا
أنه إذا وقع من شخص ذنب: نظرًا إلى كونه بقضاء الله تعالى يجب عليه الرضا،
ونظرًا إلى المقضيِّ وهو الذنب، وكونه فاعلاً له، يجب عليه عدم الرضا (2).
(5) قوله: "غير المبتدع" أي فتحرم عيادته.
__________
(1) الشيخ: المراد به هنا الشيخ عبد القادر التغلبي في "نيل المآرب".
(2) ويستحب السعي لرفع المرض، بالتداوي، للأحاديث الواردة به، بل قد يجب
أحيانًا.
وكون المؤلماتِ واقعةً بقضاء الله تعالى لا يمنع السعي لرفعها. وأما الرضا
بقضائه تعالى فالمراد به أن يكون الإنسان راضيًا عن ربه تاركًا للتسخّط
والحزن على ما وقع فعلًا، وأما السعي لرفع الضرر الواقع ومنع الضرر أن يقع
مستقبلًا، فلا يدخل في مفهوم الرضا ولا في مستلزماته.
(1/102)
وقوله: "ومن يجهر بالمعصية" أي فتكره. [1/
217]
وقوله: "من أول مرضه": وقيل بعد ثلاثة أيام.
(6) وقوله: "قال: ثلاثة لا تعاد" أي لا يعاد صاحبها، راجعٌ إلى أبي
المعالي. وتسن العيادة غِبّا، بكرة وعشيًّا، وفي رمضان ليلًا.
ويسن تذكيره التوبة والوصيّه، وأن يدعو له بالعافية والصلاح، وأن لا يطيل
الجلوس عنده إلا إن كان يأنس به. وإذا جلس عنده أخذ بيده ودعا له بما ورد،
أو بما أحبّ.
(7) قوله: "لا إله إلا الله": قال في الفروع ويتوجَّهُ - كما قال جماعة من
الشافعية والحنفية - أنه يلقّنُ الشهادتين اهـ. أي "لا إله إلا الله محمد
رسول الله" وحينئذ فالاقتصار على الأولى في الخبر المذكور لأن الإقرار بها
إقرار بالأخرى.
(8) قوله: "على جنبه الأيمن": وعنه: مستلقيًا مطلقًا، أي واسعاً كان المكان
أو ضيقًا. اختاره أكثر، وعليه العمل اهـ. إقناع وشرحه.
(9) قوله: "ويوصي الخ": أي في تنفيذ وصاياه، وقضاء ديونه، وتجهيزه، والنظر
في مصالح القاصر من أولاده، ونحو ذلك.
(10) قوله: "لما روى [21أ]، البيهقي الخ" كذا في شرح المنتهى لـ م ص، وهو
كما تراه غير مطابق لما استدل له. تأمل.
فصل في غسل الميت
(1) قوله: "ونحوهم" الأولى "ونحوهما" لكن قد يقال إن أل في "المحترق" و
"المسموم" للجنس مثلاً.
(2) قوله: "فيحمل كلام المنقِّح الخ" هكذا حمله صاحب المنتهى. وبهذا يدفع
اعتراض الحجّاوي في حاشيته على التنقيح. (3) قوله: "والأولى به الخ":
والأولى بغسل أنثى وصيتها، ثم أمها وإن
علت، ثم بنتها وإن نزلت، ثم القربى فالقربى، كالإرث.
(1/103)
[1/ 220] (4) قوله: "وهي ما بين سرّة
وركبة": أي فيمن بلغ عشرًا فصاعدًا، وكذا الحرة المميزة. وأما ابن سبع إلى
عشر فالفرجان، كما تقدم في شروط الصلاة.
(5) قوله: "وللرجل الخ": لكن الرجل الأجنبي أولى من الزوجة، والمرأة
الأجنبية أولى من الزوج. وكذا السيد والأمة، والزوج والزوجة، أولى من السيد
وأم الولد.
(6) قوله: "وإن لم يشترط وطأها، أي لأنه يلزمه كفنها ومؤنة تجهيزها. ولها
تغسيله إن شرط وطأها وإلا فلا.
(7) قوله: "ولا يغسل سيدٌ أَمَتَهُ المزوّجة الخ": تبع الشارح في ذلك صاحب
الإقناع. وفي المنتهى: له ذلك، وتبعه المصنف في الغاية، مشيرًا لخلاف
الإقناع.
(8) قوله: "وللمرأة غسل زوجها": قال أبو المعالي: لو وطئت بعد موته بشبهة،
أو قبّلت ابنه لشهوةٍ، لم تغسله، لرفعِ ذلكَ حِلَّ النظر واللمس بعد الموت.
ولو وطئ أختها بشبهة، ثمّ مات في العدة، لم تغسله إلاّ أن تضع عقب موته.
وإن مات رجل بين نساء، ولم يكن فيهن زوجة ولا أَمَة له، يُمَّمَ. وكذا لو
ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوجها ولا سيدها يُمَّمَتْ، وكذا لو مات خنثى
مشكل له سبع سنين فأكثر، ولم تحضره أمة له، يمم. ويكون التيمم في الثلاثة
بحائل إن لم يوجد محرم. ورجلٌ أولى بخنثى.
(9) قوله: "ومنخريه": بفتح الميم وكسر الخاء، وقد تكسر الميم أيضًا.
وفي لغةٍ: مُنْخُور، بضم الميم.
(10) قوله: "وجب إعادة الغسل الخ": وحينئذٍ فيعايا بها، فيقال: حدث أصغر
أوجب غسلًا وأبطل غُسْلاً.
فائدة: ظاهر كلام الأكثر أن غسل الملائكة للميت لا يكفي. وقال في الانتصار:
يكفي إن عُلِمَ غُسله. وكذا في تعليق القاضي. واحتج بغسل الملائكة
(1/104)
لحنظلة (1)، وبغسلهم لآدم عليه السلام (2)،
وبأن سَعْدًا لما مات أسرع النبي - صلى الله عليه وسلم - في [1/ 221] المشي
إليه، فقيل له في ذلك، فقال: خشيت إن تسبقنا الملائكة إلى غسله (3) كما
سبقت إلى غسل حنظلة. قال في الفروع: ويتوجه في مسلمي الجن كذلك، وأولى،
لتكليفهم (4) اهـ. م ص. وزيادة حاشيته.
(11) قوله: "واجب": يفيد أنه يشرع إعادة الغسل بعد السبع أيضًا إن خرج منه
شيء، لأنه نفى الوجوب فقط. وعبارة الإقناع: "فإن لم يُنْقِ بسبعٍ فالأولى
غسله حتى يُنقي اهـ.
(12) قوله: "ظلمًا": قال المصنف في الغاية: ويتجه: لا خطأَ.
وقوله: "لا يغسل": صوابه: لا يغسلان، إلا أن يكون خبرًا عن قوله "والمقتول
ظلمًا" وقوله "وشهيد المعركة": خبره محذوف دل عليه ما قبله.
وقول الشارح: "وجوبًا": يشير إلى أن غسلهما حرام، وجزم به في الإقناع.
وقطع في المنتهى بأنه مكروه، وتبعه المصنف في الغاية. لكن قال: ومع دم
عليهما يحرم، لزواله اهـ. فعلى هذا يمكن الجمع بين الإقناع والمنتهى بحمل
كلام صاحب المنتهى على ما إذا لم يكن دم فيكره؛ وكلام صاحب الإقناع على ما
إذا كان عليهما دم فيحرم. وكلام المصنف هنا محتمل لذلك.
(13) قوله: "ودفنه في ثيابه": أي ولو حريرًا، فإن سُلِبَها كُفِّن بغيرها.
(14) قوله: "وعليه ما يوجب الغسل": أي ولو ابن عشير جامَعَ ثم قتل قبل
__________
(1) حنظلة: هو حنظلة بن أبي عامر، صحابيّ كريم، استُشهد مع النبي - صلى
الله عليه وسلم - يوم أحد، خرج إليها جُنبًا فغسلته الملائكة، انظر قصته في
البداية والنهاية (4/ 21).
(2) غسل الملائكة لآدم أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده. قال ابن
كثير: (1/ 89) "إسناد صحيح إليه" يعني إلى أبي بن كعب رضي الله عنه.
(3) حديث "خشيت أن تسبقنا الملائكة إلى غسله" قصة مقتل سعد بن معاذ وحزن
النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه أوردها ابن كثير في البداية والنهاية 4/
129 لكن لم يورد قوله: "خشيت أن تسبقنا الملائكة إلخ" فلينظر.
(4) هذا من التكلّف، لأن أمرهم مغيب عنا، فالأولى ترك الخوض فيه.
(1/105)
[1/ 223] غسله، ومثله بنت تسع جومعت، كما
يعلم من الفروع في باب الغسل. [15] قوله: "بل يوارى الخ" أي وجوبًا كما قال
ابن نصرالله. وكذا في شرح الهداية (1)، أو جوازًا [21ب]، كما هو ظاهر
المحرر حيث قال: وله دفنه إن لم يجد من يدفنه، وقطع به الشيخ وجيه الدين.
وذكر في النكت أن مواراة كفّارِ بَدْرٍ في القليب لا تنهض دليلاً على
الوجوب، فليحرر اهـ.
فصله في الكلام على الكفن
(1) قوله: "سوى رأس المحرم ووجه المُحْرِمَة": أي فلا يجب ستره، بل يحرم،
لأن المحرم الميت كالمحرم الحيّ، فيجنَّب كل ما يحرم على المحرم من طيب،
ومن لبس مخيطٍ لذكرٍ، ومن تغطية رأسه ووجهِ أنثى، ويغطَّى رأس الأنثى ووجه
الذكر وجوبًا.
بقي أنه لو مات خنثى مشكل وهو محرم ماذا يغطى منه؟ هل رأسه إلحاقًا له
بالأنثى دون وجهه؟ أو وجهه دون رأسه إلحاقا له بالذكر، أو كلاهما، وما
الحكم في ذلك؟ لم أر من تعرّض له. لكن الظاهر أن الاحتياط ستر جميعه، لأن
تحريم ستره دون تحريم كشفه، فإن الأولى فيها خلاف.
(2) قوله: "من ملبوسِ مثله": أي في الجمع والأعياد.
ومن نُبِشَ وسرق كفنه كُفن ثانيًا وثالثًا من تركته ولو قسمت، ما لم تصرف
في دينٍ أو وصية. وإن أكله سَبُع ونحوه وبقي كفنه فما من مالِهِ فتركةٌ وما
تُبُرِّع به فهي لمتبرّع، فإن جُهِل ففي كفنِ آخر.
(3) قوله: "وإن ورثه غير مكلف": أي يست أن يكفّن الرجل في ثلاث لفائف، بأن
لا ينقص عنهن، ولو ورثه صغير أو مجنوق. وأما إن كفِّن من بيت المال أو من
أكفانٍ موقوفة فلا يزاد على ثوب واحد يستر جميع بدنه، وفيما زاد وجهان.
وقول الشارح: وتكره الزيادة على الثلاث هو خلاف ما صحّحه ابن
__________
(1) "الهداية" هي للشيخ أبي الخطاب الكلواذاني من أئمة الحنابلة. وعليها
شرح للشيخ وجيه الدين أسعد بن المنجا الشهير بأبي المعالي.
(1/106)
تميم (1) وقدمه في الفروع من أنه لا يكره
إلى سبعة أثواب اهـ. [1/ 224]
(4) قوله: "والحنوط فيما بينها": أي بين اللفائف. وكذا يجعل منه في قطن بين
أَلْيَتَيْهِ، وعلى منافذ وجهه، ومواضع سجوده، وعلى مغابنه، كطي ركبتيه،
وتحت إبطيه، وسُرته. وكره بداخل عينيه.
(5) قوله: "ثم يرد طرف اللفافة الخ": أي كعادة الحيّ.
(6) قوله: "ويكره التكفين الخ": أي مع وجود غيره، وإلا فيجب، كما هو ظاهر.
(7) قوله: "في حق الذكر والأنثى الخ": أي لأنه إنما جاز للأنثى حال الحياة
لبس الحرير والمذهب لأنها محل زينة وشهوة، وقد زال ذلك بموتها.
فصل في الصلاة عل الميت
(1) قوله: "يشرع تغسيله": أي بخلاف الشهيد والمقتول ظلمًا كما تقدم.
(2) قوله: "واحد": أي وتسن جماعةً إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: "مكلف": ظاهره أنها لا تسقط بمميِّز، لأنه ليس من أهل الوجوب.
وقدَّم في المحرر: تسقط، كما لو غسله. قال م ص: قلت قد يفرق بأن المميز فيه
أهلية الغسل الواجب لنفسه لو وجب عليه لجماعٍ وإسلامٍ، فصحّ أن يقوم فيه عن
الميت، وليس أهلًا لفرض الصلاة اهـ.
وانظر لو صلى عليه مَلَكٌ أو جنِّيٌّ مسلم وعلمنا ذلك هل يكفي أو لا بد من
آدميّ؟ وهل يجري الخلاف الذي في الغسل هنا أو لا؟ فليحرر.
(3) قوله: "والتكليف": أي بأن يكون المصلي بالغًا عاقلاً. وهذا شرط للصلاة
التي يسقط بها الفرض فقط، وإلا فتصح من المميز كغيرها.
(4) قوله: "وحضور الميّت": قال في الرِّعاية: ولا تصحّ على من في تابوت
مغطًّى بخشب. وقال م صَ: قلت: بل تصح،
__________
(1) ابن تميم: هو محمد بن تميم الحرّاني، الفقيه (- 675 هـ) له "المختصر"
في الفقه، مشهور، وصل فيه إلى أثناء كتاب الزكاة.
(1/107)
[1/ 225] كالمكبة (1)، ومحل ذلك أيضًا ما
لم يكن الميت غائبًا عن البلد ولو دون مسافة
قصرٍ، أو في غير قبلته، أو غريقًا ونحوه، فيصلي عليه إلى شهر بالنيّة.
(5) قوله: "والتكبيرات الأربع": أي تكبيرة الإحرام وثلاث بعدها، وتجوز
الزيادة عليها إلى سبع فقط، فيتابعُ الإمامَ إذا زاد على أربع إلى سبع، ما
لم تظن بدعته أو رفضه. وينبغي أن يسبِّحَ بالإمام بعد السابعة لاحتمال
سهوه، وقبلها لا يسبحَ به.
وحرم على مأمومٍ سلامٌ قبله، وهل تبطل بذلك؟ ظاهره: لا. قال م ص: وهو كذلك.
وينبغي أن تقيّد الحرمة بما إذا لم ينو المفارقة اهـ. م خ.
أقول: ذكر ابن نصرالله في حواشي الكافي، كصاحب الفروع: ولا يجوز أن يسلم
قبله. نص عليه. وذكر أبو المعالي وجهًا: ينوي مفارقته ويسلم، فكيف يجزم م ص
بعدم بطلان صلاة من يسلم قبل إمامه المجاوِزِ، ظاهِرُهُ ولو لم يَنْوِ
المفارقة (2)؟ فحرر النظر يظهر لك الصواب اهـ. م ص.
وإن كبَّر الأولى، فجيء بجنازةٍ، كبَّر الثانيةَ ونواها لهما، وإن جيء
بثالثةٍ كبر الثالثة، ونوى الجنائز الثلاثة، وإن جيء برابعة كبّر الرابعة
ونوى الكل ويأتي بثلاثِ تكبيراتٍ أُخَر فتكون سبعًا. ويقرأ في الخامسة
[22أ]، الفاتحة ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في السادسة، ويدعو
في السابعة.
وإن وُجِدَ بعضُ ميتٍ تحقيقًا لم يُصَل عليه - غير سن وشعر- فككلِّه، أي
يغسل ويكفّن ويصلى عليه، وينوي بها ذلك البعضَ فقط، ثم إن وجد الباقي يفعل
به كذلك ويدفن بجنبه، أو ينبش بعض القبر ويدفن فيه. وإن كان قد صلى على
جُمْلَتِهِ فتسن الصلاة عليه بعد غسله وتكفينه، وليست بواجبة.
ولا يصلى على مأكولٍ ببطن آكلٍ، ومستحيلٍ بإحراقٍ، ونحوهما. ولا على
__________
(1) في الأصل كلمة خفية، وهذا أقرب ما تقرأ عليه، ولم نجدها في كلام الشيخ
منصور في شرح المنتهى ولا شرح الإقناع.
(2) الكلام هنا غير متّسق. ولم نجد للشيخ منصور في شرحيه للمنتهى والإقناع
كلامًا حول هذه المسألة، فلعله في بعض شروحه أو حواشيه الأخرى.
(1/108)
بعض حيٍّ كيد سارقٍ قُطِعَتْ، ما لم يمت
بعد القطع وقبل دفنها. [1/ 226] ويصلى على المسلمة الحامل دون حملها قبل
مضيِّ تصويره، وعليهما معًا بعده.
فإن حملت كافرةٌ بمسلم صلى عليه دونها إن مضى تصويره، وإلا فلا.
ولا يصلى على أطفال المشركين إلا من حكمنا بإسلامه منهم.
وإن اختلط من يصلى عليه بغيرهم، واشتبهوا، صلى على الجميع ينوى بها من يصلى
عليهم، وغُسِلوا وكفِّنوا كلهم. وإن أمكن دفنهم منفردين فبها، وإلا دفنوا
في مقابرنا.
وإن مات من يُعْهَدُ ذمَيًّا فشهد مسلم عَدْلٌ أنه مات مسلمًا، حكم بها في
الصلاة عليه، دون توريث قريبه المسلم منه.
وللمصلي على الجنازة قيراط من الأجر، وهو أمر معلوم عند الله تعالى، وله
بتمام دفنها قيراط آخر، شرطَ أن لا يفارقها حتى تدفن اهـ. ملخصًا من
المنتهى وشرحه الصغير، وبعضه من المبدع.
وقوله: "فإن ترك منها غيرُ مسبوقٍ الخ ": أي لأن كل واحدة منها بمنزلة
الركوع من غيرها، لا أنها كتكبيرات الانتقال، فلا تسقط لا سهوًا ولا جهلاً.
وقوله: "غير مسبوق" أي وأما المسبوق فهو مخيَّر في قضاء ما فاته وسلامٍ مع
إمامه.
(6) قوله: "لإمامٍ ومنفردٍ": أي لا مأموم.
(7) قوله: "زاد الأثرم" (1): المراد بالسنّة الطريق الشرعية. وهذا مختصر من
__________
(1) الأثرم: أحمد بن محمد بن هانى الطائي (مات بعد 260 هـ) إمام جليل، من
أصحاب أحمد الرواة عنه مباشرة. أثنى عليه يحيى بن معين وغيره.
وقوله: "زاد الأثرم" موضع له في الشرح، لأنه لم يورد الحديث أصلاً. فكان
على صاحب الحاشية أن ينبه عليه. والحديث أخرجه الشافعي (1/ 214، 215)
والأثرم بإسنادهما عن أبي أمامة بن سهل، أنه أخبره رجل من أصحاب النبي -
صلى الله عليه وسلم - أن السنة في الصلاة على الجنازة: "يكبر الإمام، ثم
يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرًّا في =
(1/109)
[1/ 227] أثرٍ رواه الشافعي والأثرم كما في
شرح المنتهى فراجعه.
(8) قوله: "كفى التشهد": وقال بعضهم: المراد مطلق صلاة على النبي - صلى
الله عليه وسلم -.
(9) قوله: "وتحرم الصلاة بعد ذلك": أي ما لم يكن غير مدفون، فيصلى عليه ولو
مضى أكثر من شهرٍ، بأن كان مطليًّا بعبيرٍ (1) ونحوه.
فصل في حمل الميت ودفنه
(1) قوله: "على الغسل": وفي الغاية اتجاهٌ بتحريمه، لكون فاعله لا بدّ أن
يكون من أهل القُربة، كالصلاة، لكن إذا كان الغاسل غير من نوى الغسل
فالظاهر عدم التحريم. فيحمل كلامه هنا كغيره على ذلك. فليتأمل.
وإذا دفن الميت من غير غسلٍ، وأمكن، لزم نبشه وغسله إن لم يخف تفسخه أو
تغييره.
ومثله من دفن غير متوجه إلى القبلة، أو قبل الصلاة عليه، أو قبل تكفينه.
أما لو كفِّن بحرير فالأولى عدم نبشه. وأما إن دفن بغير غسل لعدم ماء ونحوه
ثم أمكن غسله فهل ينبش له إذا لم يخش تفسخه أو تغييره؟ الجواب نعم يجوز
نبشه لذلك. وهل هو أولى أو عدمه؟ لم أر من صرّح به ولا من أشار إليه.
ولعلَّ عدم نبشِهِ أولى لما في النبش من هَتْكِ حرمة الميت لغير ضرورة
فتأمل.
(2) قوله: "يعمق": وقال بعضهم: يكون قامةَ وسَطٍ ويدًا مبسوطةً قائمة.
وقوله: "بالعين المهملة": والعامة تقوله بالغين المعجمة، وهو غلط.
(3) قوله: "ويسن على جنبه الأيمن الخ": فعلى هذا يجوز وضعه على جنبه
__________
= نفسه، ثم يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخلص الدعاء للجنازة في
التكبيرات، لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرًّا في نفسه" زاد الأثرم
"والسنة أن يفعل من وراء الإمام مثل ما يفعل إمامهم" والحديث صححه الشيخ
محمد الألباني.
(1) قوله: "مطليًّا بعبير" كلمتان خفيتان في الأصل وهذا أقرب ما تقرآن عليه
فينظر صوابه ومراده بهما، ويحتمل أنه مصحّف عن "بِقِير".
(1/110)
الأيسر ورأسه إلى المشرق (1)، وكذا لو حفر
القبر من الشمال إلى الجنوب ووضع [1/ 230] على ظهره، ورأسه لجهة الشمال،
ويرفع رأسه قليلاً ليكون مستقبل القبلة كما ذكروا في صلاة المريض. لكن
الصورة المذكورة في المتن أفضل.
وينبغي أن يدنى من الحائط لئلا ينكب على وجهه.
فائدة: ذكر أنه إذا أخذ من التراب قبضةٌ، وقرئ عليها الإخلاص إحدى عشرة
مرة، ثم صُرَّت في الكفن، لم يُسْأل، أو يخفف عنه (2).
وقوله: "ثلاث حَثَيات": ولا بأس أن يقول مع أول حثية {منها خلقناكم} وفي
الثانية {وفيها نعيدكم} وفي الثالثة {ومنها نخرجكم تارة أخرى} اهـ غاية.
(4) قوله: "واستحبهُ الأكثر الخ" (3): ظاهره: لا فرق بين الصغير والكبير.
ورجّحه في الإقناع، وصحّحه الشيخ تقي الدين. وخصه القاضي وابن عقيل
بالمكلف، وفاقًا للشافعيّ، وقدّمه في المستوعب. قال في تصحيح الفروع: قلت:
وهو الصحيح، وعليه العمل في الأمصاز. قال ابن عبدوس (4): يُسال الأطفال عن
الإقرار الأول حين الذرية، والكبار يسألون عن معتقدهم في الدنيا وإقرارهم
الأول سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، كما في النهاية. إلا الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام.
قوله: "فيقوم عند رأسه" [22ب]: كذا في المنتهى وغيره. ومقتضاه أنه يلقِّن
__________
(1) مراده بهذا وبقوله فيما بعد "لجهة الشمال" أي في بلادنا وماسامتَهَا
نحو تركيا، وليس مراده أن هذا بالنسبة لكل بلد.
(2) إيراد المحشي لمثل هذا القول المتهافت موضع مؤاخذة، لأن تحديد المقروء،
وتحديد عدد المرات، ومعرفة أثره على الميت، لا يصح إلا بنص شرعي. وقد قال
الله تعالى {ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجزَ بِهِ}
الَآية. وقل مثل هذا فيما يلي من كلامه.
(3) قوله: "واستحبه الأكثر" كيف ولم يصح فيه حديث، وهو مخالف للأدلة
القرآنية. والوارد الدعاء له.
(4) ابن عَبْدوس: هو علي بن عمر بن أحمد، الحراني (- 559 هـ) فقيه واعظ. له
كتاب "المُذهب في المذهب" وله "التذكرة" قال صاحب الإنصاف: بناها على
الصحيح من الدليل.
(1/111)
[1/ 232] واقفًا. وهو مقتضى الحديث الوارد
في ذلك، ولفظه "فليقم عند رأسه" وعبارة الفروع: فيجلس الملقِّن عند رأسه
الخ. قلت: وهذا ما عليه عمل الناس.
(5) قوله: "والبناء": أي على القبر. قال في الإقناع: وهو في المسبَّلة أشد
كراهة. وعنه منع البناء في وقفٍ عامّ. قال الشيخ: هو غاصب. قال أبو حفص
تحرم الحجرة، بل تهدم، وهو الصواب، اهـ كلام الإقناع. قال ابن القيم في
الإغاثة: يجب هدم القباب التي على القبور لأنها أُسِّسَتْ على معصية الرسول
اهـ.
وقال في الإقناع: وتغشية قبور الأنبياء والصالحين، أي سترها بغاشية، ليس
مشروعًا في الدين. قاله الشيخ. وقال، أي الشيخ، في موضعٍ آخر في كسوة القبر
بالثياب: اتفق الأئمة على أن هذا منكر إذا فعل بقبور الأنبياء والصالحين،
فكيف بغيرهم اهـ.
(6) قوله: "والدفن الخ": أي سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - (1). واختار
صاحباه الدفن معه تشريفًا وتبركًا، ولم يزد عليهما لأن الخرق يتسع، والمكان
ضيق. وجاءت أخبار تدل على دفنهم كما وقع، كذا ذكر المجد وغيره.
(7) قوله: "وأَخْرَجَ النساء الخ": أي لا الرجال فلا يجوز، ولو لم يوجد
نساء، كما يذكره الشارح قريبًا.
(8) قوله: "لم تدفن الخ": قال حفيد صاحب المنتهى: هل المراد أنه حرام، أو
أنه لا يجب؟ اهـ. أقول: يتعين القول بأنه حرام، لما في دفنها من دفن حي،
وهو لا يكاد يخفى بل بديهيّ.
فصله في أحكام المصاب والتعزية
(1) قوله: "تعزية الخ": أي تسليته وحثُّه على الصبر بوعد الأجر، والدعاء
__________
(1) قوله "سوى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - " هذا الاستثناء لا معنى له،
لأنه عليه الصلاة والسلام لم يدفن في المسجد، بل في حجرة عائشة رضي الله
عنها. لكن أدخِلت حجرة عائشة بعد ذلك في المسجد بأمر بعض الخلفاء الأمويين،
وليس قولهم حجة.
(1/112)
للميت والمصاب [1/ 233]
(2) قوله: "إلى ثلاثة أيام": أي من حين الموت، أو من حين الدفن. قال
الشيشيني: "لم أجد لأصحابنا كلامًا. وللشافعية في المسألة قولان. ويتوجه
لنا مثلهم".
وقوله: "فلا تعزية بعدها": قال: إلا إذا كان غائبًا فلا بأس بها إذا حضر.
قال الناظم: ما لم تُنْسَ المصيبة اهـ.
(3) قوله: "مصاب بمسلم": أي وأما إن كان مصابًا بكافرٍ فيقال له: أعظم الله
أجرك وأحسن عزاءك، فقط.
تنبيه: جاءت الأخبار الصحيحة أن الميت يعذّب بالنياحة، وبالبكاء عليه.
حَمَلُه ابن حامدٍ (1) على من أوصى به. وقال في التلخيص (2): يتأذى بذلك إن
لم يوص بتركه. واختار صاحب المحرر أن من هو عادة أهله، ولم يوص بتركه،
عُذِّب لأنه [إن] لم يوص به فقد رضي به. وأنكرت عائشة رضي الله عنها حمل
ذلك على ظاهره. ووافقها ابن عباس. وقالت والله ما حدث رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - "إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه" ولكنَ رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قال: "إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، وقالت
لما بلغها رواية عمر وابنه في ذلك: "إنكم لتحدّثون غير كاذبين ولا
متَّهمين، ولكن السمع يخطئ" وقالت: "حسبكم القرآن {ولا تزرُ وازرة وزر
أخرى} (3) اهـ. حاشية.
(4) قوله: "لقبرِ كافرٍ": أي للاعتبار، لا لدعاءٍ له، بل يقال له: "أبشر
__________
(1) بن حامد: هو الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي (- 403هـ) كان
إمام الحنابلة في وقته، ومؤدبهم، ومعلمهم. وهو شيخ من شيوخ القاضي أبي
يعلى. له " الجامع في المذهب" و "شرح الخرقي". (السحب الوابلة).
(2): هو كتاب "تلخيص المطلب في تلخيص المذهب" للفخر، محمد بن الخضر، بن
تيمية (- 622 هـ).
(3) حديث: "إن المؤمن ليعذب ... " إلخ متفق عليه. ومراجعةُ عائشة وابن عباس
لعمر وابنه في ذلك أخرجها مسلم (المغني 2/ 548).
(1/113)
[1/ 236] بالنار".
(5) قوله: "وجوبًا": جزم به في الإقناع، وقدمه في شرح منظومة الآداب (1)،
وعزاه للشيخ وجيه الدين في شرح الهداية. وقيل لا يجب، وقدّمه في شرح
المنتهى. قال في الآداب: وهو أشهر وأصح.
(6) قوله (2): "معرفًا": أي فلا يكفي منكرًا، كأن يقول: سلام عليكم الخ
بخلافه على الحي.
فائدة: ومن بُعِثَ معه السلام بلّغه وجوبًا إن تحمَّلَه، ويجب الردّ عند
البلاع، ويستحب أن يسلم على الرسول، فيقول: عليك وعليه السلام.
(7) قوله: "على امرأة الخ": أي وإن سلم عليها لا تردّه. وأما إن سلمت عليه
رده عليها اهـ. إقناع. قال في شرحه: كذا في الرعاية. ولعل في النسخة غلطًا.
ويتوجه: لا، قاله في الآداب.
وإرسال السلام إلى الأجنبية، وإرسالها السلام إليه، لا بأس به للمصلحة،
وعدم المحذور.
ويسن أن يسلم الصغير والقليل والماشي والراكب على ضدهم. فإن عكس حصلت
السنة. هذا إذا تلاقوا في طريق. أما إذا وردوا على قاعدٍ أو قعود فإن
الوارد يبدأ مطلقًا، صغيرًا كان أو كبيرًا أو قليلًا أو ماشيًا أو راكبًا.
(8) قوله: "وتشميت العاطس" الخ: ظاهره ولو كان العطاس بسبب، كما لو كان
بنشوق ونحوه. وهكذا ظاهر إطلاق غيره، وفاقًا لمالك، وخلافًا للشافعية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(9) قوله: "وردُه فرض عين": مقتضاه لو عطس جماعة وشمّتهم رجل دفعة واحدة
[23أ]، أنه يجب على كل واحد منهم أن يجيبه. وفي المنتهى: "فرض كفاية" فعليه
إذا أجاب بعضهم فيما ذكر يكفي عن الباقين اهـ. فحرره.
__________
(1) قوله: "معرّفًا" لم نجده في الأصل بهذا اللفظ. وهذا أولى المواضع به.
(2) "منظومة الآداب": لعله يعني منظومة الحجاوي في الآداب، وهو شارحها
أيضًا. وللشيخ محمد بن أحمد بن سالم السفاريني "غذاء الألباب شرح منظومة
الآداب" مطبوع.
(1/114)
(10) قوله: "ويعرف الميت زائره الخ" (1):
أي ويسمع الكلام، وإلا فلا فائدة [1/ 237] في السلام عليه.
وقوله "وفي الغنية الخ" (2): قال ابن القيم: الأحاديث والآثار تدل على أن
الزائر متى جاء علم به المزور، وسمع سلامه، وأنس به ورد عليه. وهذا عام في
حق الشهداء وغيرهم، وأنه لا توقيت في ذلك، وهو أصح من أثر الضحاك الدال على
التوقيت اهـ.
(11) قوله: "ولو جهل الجاعل من جعله له": وعبارة المنتهى وشرحه: ولو
جَهِلَهُ، أي الثوابَ، الجاعلُ، لأن الله يعلمه اهـ.
...
__________
(1) ورد في ذلك أثر واهٍ رواه الضحّاك، ولا يثبت بمثله شرع ولا اعتقاد.
وقول ابن القيم هذا
ربما كان في كتابه "الروح" وهو من أوائل مؤلفاته، وليس فيه من التحقيق ما
في مؤلفاته اللاحقة.
(2) عله يعني كتاب "الغُنْيَة لطالبي طريق الحق" للشيخ عبد القادر الجيلاني
الحنبلي المتصوف (- 561هـ)
(1/115)
|