حَاشِيةُ
اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ [1/ 238]
كتاب الزكاة
(1) قوله: "على خمسٍ": أي من خمسٍ، وإلا فالمبنيُّ غير المبني عليه، مع أن
المذكررات في الحديث هي الإسلام. يعني أنها كالأركان للبيت، وغيرها من
الواجبات والمندوبات كالمحسِّنات للبناء من تجصيص وأدهان وغير ذلك.
(2) قوله: "ولأن تعلق الخ": أي كما أن الحر المحجور عليه لفلس إذا ملك
نصابًا لا تجب عليه الزكاة، ولو قلنا إن الدين لا يمنع من وجوب الزكاة،
كذلك لا تجب على المكاتب، لتعلق حاجته بالمال لفكِّ رقبته.
(3) قوله: "ملك النصاب": أي ولو كان بيد غاصب، ويرجع بزكاته على الغاصب، أو
كان ضالاًّ، أو كان غائبًا، لا إن شك في بقائه، أو كان مسروقًا، أو مدفونًا
منسيًا، أو موروثًا جهله، أو جهل عند من هو، ونحوه، ويزكيه إذا قدر عليه،
أو كان مرهونًا، أو كان دينًا على موسر أو معسر حالاًّ أو مؤجلاً، غير
بهيمة أنعام إذا كانت دينًا، لعدم السوم، وغير ديةٍ وجبت على قاتل، وغير
دين سَلَمٍ، ما لم يكن أثمانًا أو لتجارة اهـ منتهى. قال ع ن (1): لا فرق
بين دين السَّلَم وغيره في هذا الحكم، فما وجه إفراده وتخصيصه؟ فليحرر اهـ
بمعناه.
(4) قوله: "لفَلَسٍ": أي ولو قلنا إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة، كما في
شرح المنتهى.
(5) قوله: "معيّن": خرج الوقف على غير معين، كعلى الفقراء ونحوهم، فلا زكاة
فيه.
وقوله: "من سائمة الخ": الأولى: من أرضٍ وشجر، فإن السائمة لا تجب الزكاة
في غلتها بل في عينها، أو الأولى حذف "غلة" كما هو ظاهر. ثم إن كان الوقف
أرضًا أو شجرًا فيخرج الزكاة من غلّتِهِ، فإن كان سائمة أخرج من غيره.
(6) قوله: "معينين": أي وأما إن كانا مجهولين فمن حين التعيين، لا
__________
(1) ع ن: مراده بهذا الرمز الشيخ عثمان النجدي، له حاشية على المنتهى.
(1/116)
العقد. ويتبع نتاج سائمةٍ الأصلَ. وكذا ربح
التجارة يتبع الأصل في الحول إن كان [1/ 240] نصابًا.
(7) قوله: "ويمنع وجوبها دين الخ": أي فلو كان عنده أربعون شاة مثلاً،
وعليه دين يقابل شاةً، لا تلزمه الزكاة لنقص النصاب، حتى ولو كان عنده مال
غير زكويٍّ فاضلٍ عن حاجته الأصلية [يفي بـ] (1) الدين، كما في المنتهى
وغيره.
(8) قوله: "أو زكاة غنم عن إبل": أي بان كان عنده خمس من الإبل ملكها في
أول المحّرم، وأربعون شاةً ملكها في آخره مثلاً، فحال الحول، لزمه زكاة
الإبل، وهو شاة، لا زكاةُ الغنم لنقص النصاب، وأما إن كان حول الغنم سابقًا
لزمه شاتان عنهما. وإن كان حولهما واحدًا: قال ع ن: فالأظهر أنه يلزمه
شاتان أيضًا اهـ.
(9) قوله: "أخذت من تركته": اعلم أنه يبدأ من تركة الميت أوّلاً بمؤنة
تجهيزه، ثم النذر المعين، ثم الأضحية المعنية، ثم الدين بالرهن، ثم الزكاة،
والحج، والكفارة، والنذر المطلق، والديون المرسلة، على المُحاصّة بينها، ثم
تنفذ الوصايا، ثم يُقسَم الباقي على الورثة.
وقوله: "كالعشر": أي زكاة الخارج من الأرض.
باب
زكاة السائمة
(1) قوله: "الثاني أن تسوم الخ": هذا صريح في أن السوم شرط لوجوب الزكاة في
الماشية، وجزم به في الإقناع. وعليه فلا يصح تعجيل الزكاة قبل الشروع في
السوم. وجزم المصنف في الغاية بأن عدم السوم مانع من وجوب الزكاة، لا أن
السوم شرط. وقطع به في المنتهى. وعليه فيصح تعجيل الزكاة قبل الشروع فيه.
(2) قوله: "وفي المعيبة الخ": فلو كانت الإبل مراضًا، وقوِّمت لو كانت
__________
(1) الإضافة من معنى ما في شرح المنتهى، ليستقيم القول.
(1/117)
[1/ 241] صحاحًا بخمسة آلاف، وكانت الشاة
فيها قيمتها خمسون، ثم قوّمت مراضًا بأربعة آلاف، كان نقصها بالمرض ألفًا،
وهو خُمْسُ قيمتها لو كانت [23ب] صحاحًا، فتجب فيها شاة قيمتها أربعون بقدر
نقص الإبل، وهو الخمس من قيمة الشاة هنا.
فصل في نصاب البقر وزكاتها
(1) قوله: "على الأصح الخ": أي واختار الموفق: وجمع لا تجب في الوحشية.
(2) قوله: "تَبِيع": أي ويجزئ عنه مُسِنّ. ولا يجزئ في الزكاة ذَكَرٌ إلا
هنا وابن اللبون والحق والجذَعُ والثني عن بنت المخاض، أو كان النصاب كله
ذكررًا.
(3) قوله: "مسنة": أي ويجزئ إخراج أنثى أعلى منها سنًّا بدلَها.
(4) قوله: "كالظباء": ظاهره بل صريحه أن الغنم الوحشيّة هي الظباء أو
بعضها. ولم أرها لغيره. بل الذي يفهم من كلام م ص في شرح المنتهى أنها
غيرها، حيث قال في أول كتاب الزكاة، بعد قول المصنف ما معناه أنه تجب
الزكاة في المتولد بين ما تجب فيه الزكاة وغيره. قال: كالمتولّد بين الظباء
والغنم (1)، وبين السائمة والمعلوفة، تغليبًا للوجوب. اهـ. مع أنه قلّم أن
الزكاة تجب في الغنم الوحشيّة. فهو نصّ في أن الظباء ليست من الغنم
الوحشية، بل هي غيرها.
نعم ذكر في الفروع عن ابن حامد وجوب الزكاة في الظباء إذا بلغت نصابًا. وهو
خلاف المذهب اهـ.
ولا تؤخذ هرمة ولا معيبة لا تجزئ أضحيةً، ولا أكولة، ولا سمينة، ولا حامل
إلا برضا ربها.
فصل في حكم الخلطة
(1) قوله: "واشتركا في المبيت الخ": هذه الشروط إنما تعتبر في خلطة
__________
(1) هذا الكلام لم نجده في المنتهى وشرحه المطبوع للشيخ منصور البهوتي.
فلعل المحشي وهم في. تسبته إليه.
(1/118)
الأوصاف خاصة، كما هو مصرح به في الإقناع
والفروع. وهو ظاهر صنيع المنتهى [1/ 245]
وشارح هذا الكتاب، وهو ظاهر لا غبار عليه.
باب
زكاة الخارج من الأرض
أي والعسل. فقد ترجم لشيء وزاد عليه، وهو ليس بعيب.
(1) وقول الشارح "والمعدن": في الترجمة: فيه أنه لم يذكر المعدن في هذا
الباب، بل في باب عروض التجارة، فلا يصح ذكره في الترجمة. وإن كان الصواب
ذكره في هذا الباب، كما في المنتهى والإقناع.
(2) قوله: "في كل مكيلٍ مدخَرٍ": أي سواء كان يُقتات به أو لا. وقال جماعة:
لا بد أن يكون قوتًا. فعليه لا زكاة في حبّ البقول كحب الرشاد والفجل
والقُرْطُم (1) والأبازير كالكسفرة والكمّون وبزر القثّاء والخيار. وحكى
بعضهم رواية عن الإمام أحمد: لا زكاة إلا في التمر والزبيب والبّر والشعير.
وقدمه ابن رزين في مختصره (2) اهـ.
(3) قوله: "في عُنَّاب": بضم العين. وقال في الإنصاف: تجب في العنَّاب على
الصحيح. قال في الفروع: وهو أظهر. وجزم به القاضي في الأحكام السلطانية،
والمستوعب (3) والكافي وابن عقيل في الفصول والتذكرة لأنه مكيل مدخر اهـ.
__________
(1) القُرْطُم: هو حب العُصْفُر (لسان العرب).
(2) ابن رزين: هو عبد الرحمن بن رزين بن عبد الله بن نصر الغَسَّاني (- 656
هـ) من أهل حوران، ثم انتقل إلى دمشق. اختصر المغني في مجلدين وسمّى ما
اختصره "التهذيب".
(3) المستوعب: مختصر في مجلدين في الفقه الحنبلي، من تأليف مجتهد المذهب
محمد بن عبد الله ابن الحسين بن محمد الشهير بالسامَرّي، كثير الفوائد
والمعاني، شمل ما في مختصر الخِرَقي وعدة كتب أخرى. قيل فيه إنه أحسن متنٍ
صنّف في المذهب. توفي السامري (616هـ) وله: "الفروق".
(1/119)
[1/ 245] وقوله: "وتين الخ": هذا المذهب
وقال في الإقناع والأظهر وجوبها في العنّاب والتين والمشمش والتوت اهـ.
(4) قوله: "بعد تصفية الحبّ الخ": وإن كان الحبّ يدّخر في قشره عادةً
لحفظه، وهو الأرز والعَلْسُ فقط، فنصابها في قشريهما عشرة أوسق، وان صفِّيا
فخمسة أوسق. والعلسُ نوع من الحنطة.
(5) قوله: "وبالأرادب الخ": الإردَبّ كيلٌ معروف بمصر، وهو ثمانية وأربعون
صاعًا، لأنه أربعة وعشرون ربعًا، والربع أربعة أقداح، وكل قدحين صاع.
(6) وقوله: "وبالقدسيّ مائتان وسبعة وخمسون وسبع رطل": أي وكذا ما وافقه
كالنابلسي. وهذا باعتبار ما كان. والآن يكون النصاب مقدار مائتي رطلٍ
وأربعة عشر رطلًا وثلاث أواق ونصف أوقية إلا شيئًا يسيرًا، لأن الأول مبني
على أن أوقية القدسي والنابلسي ستة وستون وثلثا درهم، فالرطل ثمانمائة
درهم.
وأما الآن فأوقية النابلسي ثمانون درهمًا، فالرطل تسعمائة وستون درهمًا،
فإذا حررته وجدته كما ذكرنا.
فالنصاب بالدراهم مائتا ألفٍ وخمسةُ آلاف وسبعمائة وأربعة عشر درهمًا وسبعا
درهم (1).
(7) وقوله: "مالكًا للنصاب وقت وجوبها الخ": فعلى هذا لو باع الثمرة والحب،
أو تلفا بتعديه بعد ذلك، لم تسقط الزكاة، وقبله فلا زكاة عليه إن لم يقصد
الفرار منها، فإن قصده فلا تسقط ببيع ونحوه. وهل إذا أوجبناها في صورة
البيع ونحوه تجب أيضًا على المشتري لأنه مالك [24 أ] وقت الوجوب، فتجب
زكاتان في عين واحدة؟ قال المصنف بحثًا منه: لعلها لا تجب على البائع إلا
إذا باعها لمن لا تجب عليه اهـ.
فائدة: اختار القاضي وصاحب المحرر وغيرهما وجوب الزكاة في الزيتون،
__________
(1) أي قريب من 627 كيلو غرمًا من القمح. ومن الشعير أقل من لك، لأن العبرة
بالكيل.
(1/120)
وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، واختار الخرقي
وأبو بكر والشيخ الموفق وغيرهم عدم [1/ 246] وجوبها فيه، وفاقًا للشافعي.
وكذا في القطن روايتان. فعلى القول بوجوبها يكون نصاب الزيتون خمسة أوسق
كيلًا. وقال في الإيضاح (1): هل يعتبر بالزيت أم بالزيتون؟ فيه روايتان،
فإن اعتبر بالزيت فنصابه خمسة أفراق (2) اهـ. قال في الفروع: كذا قال، وهو
غريب اهـ. وفي المستوعب: هل يخرج من الزيتون أو من دهنه؟ فيه وجهان. قال في
الفروع: فيحتمل أن مراده أن الخلاف في الوجوب، ويدل عليه سياق كلامه؛
ويحتمل: في الأفضلية اهـ. قال ابن تميم: إن كان الزيتون لا زيت فيه أخرج من
حبه، وإلا خُيِّر. ولا يخرج من دهن السمسم وجهًا واحدًا.
ونصاب ما لا يكال، كالقطن ونحوه، ألف وستمائة رطل عراقية. والله سبحانه
وتعالى أعلم.
فصل في قدر الواجب في الزرع والثمر
(1) قوله: "والناعورة يديرها الماء الخ": وقال الشيخ: وما يديره الماء من
النواعير ونحوها مما يصنع من العام إلى العام، أو في أثناء العام، ولا
يحتاج إلى دولاب تديره الدواب، يجب فيه العشر، لأن مؤنته خفيفة، فهو كحرث
الأرض وإصلاح طرق الماء.
(2) قوله: "وسُنَّ لإمامٍ بعث خارص الخ": أي وفاقًا لمالك والشافعي،
للأخبار المشهورة. وأنكره الحنفية، لأنه غرر وتخمين اهـ. من الفروع.
(3) قوله: "لا يُتَهم": أي بأن لا يكون من عمودي نسب رب المال.
وظاهر إطلاقهم أنه لا يشترط ذكرريته. وقد اشترطوا ذلك في القائف اهـ ابن
نصرالله. قلت: والأولى اشتراطها كما في نظائره.
فائدة: وإن أخذ الساعي فوق حقه اعتدّ بالزائد عن سنة ثانية إن نوى المالك
__________
(1) الإيضاح: لعل مراده به الإيضاح لعبد الواحد الشيرازي المقدسي (- 486
هـ).
(2) الأفراق: جمع "فَرَقٍ" بفتحتين، وهو إناء يسع ستة أصول.
(1/121)
[1/ 247] ذلك، ولو لم ينوه الساعي، بدليل
أن من ظُلِمَ في خراجه يحتسبه من العشر أو من خراجٍ آخر. ونقل حَرْبٌ عن
الإمام في أرض صلحٍ يأخذ السلطان منها نصف الغلة: ليس له ذلك. قيل له:
فيزكي المالك عما بقي في يده؟ قال: يجزئ ما أخذه السلطان عن الزكاة، يعني
إذا نوى به المالك. وقال الشيخ: ما أخذه باسم الزكاة، ولو فوق الواجب، بلا
تأويل، اعتدّ به، وإلا فلا اهـ. ملخصًا من الفروع.
وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بلا تأويل، كأخذه من أربعين مختلطةٍ شاةً من
مال أحدهما، رجع على خليطه بقيمة نصف شاةٍ، لأن الزيادة ظلم. فلا يجوز
رجوعه لمحلى غير ظالمه.
وأطلق الشيخ تقي الدين في رجوعه على شريكه قولين، قال: أظهرهما يرجع. وقال
في "المظالم المشتركة" (1): تطلب من الشركاء، يطلبها الولاة والظلمة من
البلدان، والكُلَفِ السلطانية وغير ذلك: يلزمهم التزام العدل في ذلك، فمن
تغيَّبَ أو امتنع، فأخذت حصته من غيره، رجع عليه من أدّى عنه في الأظهر، إن
لم ينو تبرعًا. ولاشبهة على الآخذ في الأخذ. ومن صودر على مالٍ وأُكرِه
أقاربه أو جيرانه ونحوهم على أن يؤدوا عنه فلهم الرجوع، لأنهم ظُلِمُوا
لأجله اهـ باختصار.
(4) قوله: "وتضمين أموال العشر الخ": نص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على
معنى ذلك، وعلَّلَهُ في الأحكام السلطانية وغيرها بأن ضمانها بقدرٍ معلوم
يقتضي الاقتصار عليه في تملك ما زاد وغُرْمِ ما نقص. وهذا منافٍ لموضوع
العمالة وحكم الأمانة.
أقول: وهل يجزئ ما يأخذه الضامن من العشر عن الواجب، كما يفعله أهل زماننا،
فإنهم يضمّنون العشر، فيأخذ الضامن من المزارعين العشر بموجب ضمانه، وتارةً
يأخذ القيمة، وقد يكون كافرًا، وقد يأخذه بغير اسم الزكاة؟ لم أَرَ من تعرض
له.
__________
(1) رسالة "المظالم المشتركة" للشيخ تقي الدين بن تيمية، مطبوعة قديمًا
بمصر.
(1/122)
قوله: "لم أو من تعرض له" (1): فيه أن شارح
الغاية صرّح، بجواز دفع الزكاة [1/ 249] لمن التزم بها بمال معلوم، وكذا
العشر والخراج، وعلَّله بقوله: لأنه إن فَضَلَ عليه مال مما التزم به لا
يلزمه دفعه، وإن زاد المال على ما التزم به يلزمه دفعه للفقراء أو الإمام،
لأنه أمين اهـ. من شرح الغاية للشيخ عبد الحي الجراعي. وفي شرح الغاية
للرحيباني ما هو قريب من ذلك. فراجعه.
(5) قوله: "مائة وستون الخ": أي وبالنابلسي واحدٌ وعشرون رطلًا وثلاث أواق،
لأن أوقيته ثمانون درهمًا.
(6) قوله: "وباقيه لواجده الخ" أي سواء وجده بدارنا مدفونًا بموات أو شارعٍ
أو أرض منتقلة إليه، ولم يَدَّعِهِ منتقلةٌ عنه، أو لا يعلم مالكها، أو
يعلم ولم يدَّعِهِ.
ومتى ادعى مالك الأرض، أو من انتقلت عنه بلا بينة ولا وصف.، حلف وأخذه، أو
وجده ظاهرًا بطريقِ غير مسلوكٍ، أو بخربةٍ بدار إسلامٍ أو عهدٍ أو حربٍ،
وقدر عليه وحده ولو بجماعةٍ [24ب] لا صنعة لهم. وما خلا من علامة كفارٍ
وكان على شيء منه علامة المسلمين فهو لقطة. وواجدها في مملوكٍ أحق بها من
مالك، وربها أحق بركازٍ ولقطةٍ من واجدِ متعدًّ بدخوله. وإذا تداعى دفينةً
مؤجرها ومستأجرها أو معيرها ومستعيرها فهي لواضعها بيمينه. فإن لم توصف
فقول مُكْتَرٍ أو مستعير بيمينه، لترجحه باليد اهـ. منتهى وشرحه هنا.
باب
زكاة الأثمان
وهي الذهب والفضة.
(1) قوله: "والدرهم اثنتا عشرة حبّة خرنوب" (2): وفي شرح المنتهى لـ م
__________
(1) هذه القولة ليست موجودة في شرح الدليل. ولعلها من الشيخ محمود اللبدي،
تكميلاً لما ذهب عن والده علمه حيث قال في آخر الكلام السابق "لم أر من
تعرّض له".
(2) الخرنوب: ويقال الخرّوب. شجر ينبت في جبال الشام. له ورق أخضر لا يسقط
صيفًا ولا =
(1/123)
[1/ 250] ص: ست عشرة حبة. قال الصوالحي:
اعتبرت وزن الدرهم، فوجدته اثنتي عشر حبة خرنوب من الثقيل، ومن الخفيف ست
عشرة حبة، ومن المطلق أربع عشرة حبة اهـ فعلى هذا لا تنافي بين ما هنا وما
في شرح المنتهى. فليحرر.
(2) قوله: "ولا زكاة في حلي مباح الخ": فإن انكسر الحليّ وأمكن لبسه فهو
كالصحيحٍ. وإن لم يمكن لُبْسُه فقال القاضي: إن نوى إصلاحه فلا زكاة فيه،
كالصحيح. وعند ابن عقيل: يزكيه ولو نوى صلاحه. وصحَّحَهُ في المستوعب.
وجزم به الشيخ. وهذا كما يؤخذ من الفروع إذا كان لم يحتج في إصلاحه إلى سبك
وتجديد صنعة. وإلا زكاه اتفاقًا. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(3) قوله: "إذا بلغ نصابًا": أي الحلي المباح. ومثله المحرّم. وقوله:
"ويخرج عن قيمته الخ": أي المباح فقط. تنبّه.
فصل في حلية الرجال والنساء
(1) قوله: "ولم أرها لغيره": كأن الشارح رحمه الله تعالى لم يجد لها
موقعًا. ولعله احترز بذلك عن قبيعة السيف. والأقرب أنه احترز به عن
المذكورات بعده من حلية المنطقة والجوشن وغيرها، فإنها لا تباح من ذهب.
فقوله "فقط" راجع لقوله "قبيعة السيف" ولو من ذهب، أي بخلاف غيرها. وهو
ظاهر لا غبار عليه.
(2) قوله: "ويباح للنساء الخ": قال في الإنصاف: ظاهر كلام المصنف وكثير من
الأصحاب جواز تحلية المرأة بدراهم ودنانير معرّاة. وفي مرسلةٍ وهو أحد
الوجهين فلا زكاة. والوجه الثاني لا يجوز تحليتها بذلك، فعليها الزكاة فيه.
ثم قال: فالصواب في ذلك أن يرجع فيه إلى العرف والعادة، فمن كان عرفهم
وعادتهم اتخاذ ذلك حليًّا فلا زكاة فيه، وإلا فعليه الزكاة اهـ. ومن هنا
يؤخذ حكم ما تتخذه نساء بلادنا بنابلس وقراها من الذهب المضروب، ويكون
منظومًا في
__________
= شتاءً، يثمر قرونًا طويلة بعرض أصبعين إذا تمت كانت إلى السواد، تؤكل
لحلاوتها، وفيها حبوب بُنيّة غامقة، يابسة صغيرة، أكبر من حب العدس.
(1/124)
سلك، ويوضع على الرأس، وكذلك من الفضة
المضروبة، ما يسمونه صمادة. [1/ 253] وتلبسه نساء الفلاحين. فهو عندهم من
أحسن ما تتحلى به المرأة. فعلى هذا لا زكاة فيه إلا إن أُعِدَّ لكراء أو
نفقة.
باب
زكاة العروض
(1) قوله: "وكذا أموال الصيارف" (1): أي كعروض التجارة في أنها تقوّم إذا
حال الحول عليها، لأنها عرض، لأنها تعد للبيع والشراء. وصرح به م ص في "شرح
المنتهى". وظاهر "الإقناع" خلافه.
(2) قوله: "غير حلي اللبس": أي إن كان من نقد اهـ. ع ن. وفي "الغاية":
ويتجه: ولو غير نقد اهـ.
(3) قوله: "ربع العشر" أي: ربع عشر إن كان نقدًا، وربع عشر قيمته إن كان
غير نقد.
(4) قوله: "من أهل الوجوب": أي كسائر الزكوات، بخلاف الركاز، وتقدم.
باب
زكاة الفطر
(1) قوله: "ومصرفها" أي: صدقة الفطر.
(2) قوله: "طلب": أي فإنه بالطلب يجب وفاؤه، ويتجه: أو مع حول
__________
(1) أموال الصيارف: مراده بها الفلوس النحاسية ونحوها، وليس الذهب والفضة.
وهذا في زمانهم. أما في زماننا فجمهور علماء العصر يوجبون الزكاة في
العملات الورقية والمعدنيّة، لأنها حلت محل الذهب والفضة؟ في أنها عامة
أموال الناس.
(1/125)
[1/ 255] أجله (1)، فإنه يجب وفاؤه حينئذ
ولو بلا طلب على الصحيح، كما سيأتي.
(3) قوله: "النسيب": أي القريب.
(4) قوله: "على كل مسلم": وقيل يختص وجوبها بالمكلف بالصوم اهـ.
إنصاف. وظاهر قوله: "مسلم" أنها لا تجب على كافر. وعنه تجب على مرتد.
وعنه أيضًا تلزم الكافر عن عبده المسلم. وجزم به جماعة كما في الإنصاف
وغيره.
تأمل.
(5) قوله: "ومكاتب": قال في الإنصاف. وهذا بلا نزاع. وهو من المفردات.
ويلزمه أيضًا فطرة من تلزمه مؤنته من قريب وزوجه.
(6) قوله: "المسلم": أي تلزمه مؤنته نفسه، وإلا فلا تجب عليه، كما يأتي.
(7) قوله: "عمن يمونه": أي عمن تلزمه مؤنته، ولو لم يَمُنْهُ بالفعل.
(8) قوله: "وزوجته": ظاهره ولو أمة، وهو صحيح. وعليه أكثر الأصحاب. وقيل لا
يلزمه فطرة زوجته الأمة اهـ. إنصاف.
(9) قوله: "الحرة": وكذا الأمة، إلا إن كانت عنده ليلًا وعند سيدها نهارًا،
فتلزم فطرتها سيدها على الصحيح. وقيل: بينهما نصفان اهـ. إنصاف.
(10) قوله: "فرقيقه": هذا الصحيح من المذهب. وقيل يقدم الرقيق على الزوجة
اهـ. إنصاف.
(11) قوله: "فأمه": هذا المذهب. وقيل يقدم الأب على الأم اهـ. إنصاف.
(12) قوله: "أقرع": هذا الصحيح الذي مشى عليه أكثر الأصحاب. وقيل يوزع
بينهم. وقيل يخير في الإخراج عن أيهم شاء اهـ. إنصاف.
(13) قوله: "وتجب على من تبرع الخ": هذا المذهب. قال في التلخيص: والأقيس
أن لا تلزمه.
قوله: "وتجب على من تبرع بمؤونةِ شخص الخ": وهل يجوز أن يخرج فطرته أي
المتبوع بفطرة من تلزمه مؤنته إلى ذلك الشخص؟ الظاهر: نعم، لعدم
__________
(1) قوله: "أو مع حول أجله" كذا في الأصل. صوابه "مع حلول أجله".
(1/126)
المعارض. وهل يجوز أن يخرج له فطرة نفسه،
لأنها إنما تجب على المتبرع [1/ 256] بمؤنته لا عليه، فيجوز له أخذها
كغيرها، أو لا يجوز؟ ينبغي أن يحرر.
(14) قوله: "لا على من استأجر الخ": وقيل بلى. قال في الرعاية: وهو أقيس
اهـ. إنصاف.
(15) قوله: "وتسن": وعنه تجب، كما في الإنصاف. وقوله: "الجنين": ظاهره ولو
لم يكن له أربعة أشهر. وقوله: "وتسن عن الجنين": قال المصنف في "الغاية":
ويتجه: لا من ماله اهـ. قال في شرحها: بل لا يجوز، لأن المطلوب تنميته،
والإخراج منه ينافيها. وهو متجه اهـ. قال شيخ مشايخنا: ولم أر من صرّح به.
وهو ظاهر يقتضيه كلامهم.
فصل في إخراج زكاة الفطر
(1) قوله: "ويكره إخراجها": فيه تسمّح، لأن المكروه تأخيرها إلى ذلك الوقت،
لا إخراجها فيه. تأمل.
(2) قوله: "وسَوِيقُها": أي وهو ما يُحمَّص ثم يُطحن.
قوله: "لا خبز": أي لو بُكْصُماتٌ ونحوه.
(3) قوله: "أو ردّها له الإمام. الخ": ومثله فقير لزمته، فله إن يدفعها إلى
من أخذها منه إن كان أهلاً لها.
باب
إخراج الزكاة
(1) قوله: "لو لم يخف ضررًا على نفسه الخ": أي فإن خاف ضررًا برجوع سَاعٍ،
أو كان محتاجًا لزكاته، فله تأخيرها إلى ميسرة.
(2) قوله: "ويجوز أيضًا التأخير للجار القريب": مكرر لا حاجة إليه.
(3) قوله: "وغيرها": أي كغصبه وسرقته وكونه دَيْنًا.
(4) قوله: "ومن جحد وجوبها الخ": أي جحدها على الإطلاق. وأما إن
(1/127)
[1/ 259] جحده في مال خاص، فإن كان مجمعًا
عليه فكذلك، وإلا فلا. وذلك كمال الصغير، والمجنون، وعروض التجارة، وزكاة
الفطر، وزكاة العسل، وما عدا البر والشعير والتمر والزبيب من الحبوب
والثمار مختلف فيه. ولم ينبه على ذلك للعلم به اهـ. شرح الإقناع.
(5) قوله: "أخذت منه": أي إن أمكن، ولو بقتاله، فيجوز لإمام يضعها مواضعها
قتالُهُ عليها، وإلا يمكنْ أخْذُها منه، وهو في قبضة الإمام، استُتِيبَ
ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل حدًا، لأنه لا يكفر بذلك.
(6) قوله: "وكما يؤخذ منه العشر": الأَوْلى إبداله بالخراج مثلاً.
(7) قوله: "عادل": أي لا فاسق، أو عادل في الزكاة فقط، بأن يضعها في
مواضعها.
(8) قوله: "أو نقصانها": معطوف على "ما" في قوله "مما يمنع الخ" لكن فيه
تكلف. والصواب أنه معطوف على "يمنع" من عطف الاسم على الفعل، على ما فيه،
أي أو ينقصها.
(9) قوله: "وأن يفرقها ربها بنفسه": أي بشرط أمانته، وثقته بنفسه. فإن لم
يثق بنفسه فالأفضل له دفعها إلى من يثق به، يخرجها بالوكالة عنه، لأنه ربما
منعه الشح من إخراجها أو بعضها. وكذلك إن خاف من نفسه الرياء ونحوه،
فيدفعها إلى أمين يخرجها عنه.
فصل في النية في الزكاة
(1) قوله: "فإنها تجزئ من غير نية": أي تجزئ ظاهرًا، بمعنى أنها لا تطلب
منه ثانيًا. وأما إن أخذها الإمام أو الساعي لغيبةِ رب المال لتعذر الوصول
إليه بحبس ونحوه [25ب]، أجزأته ظاهرًا وباطنًا.
فائدة: قال في الإقناع: ويشترط لملك الفقير لها، أي الزكاة، وإجزائها عن
ربها، قبضُهُ لها، فلا يجزئ غداء الفقير ولا عشاؤه اهـ.
أقول: ما المراد بالقبض: هل هو قبض اليد الحقيقية، أو يكفي في ذلك اليد
(1/128)
الحكميّة، كما لو دفع الفقير وعاءً إلى
الغني قبل زمن إخراج الفطرة مثلاً ليدفعها له [1/ 261] فيه وقت الإخراج،
فغاب الفقير، فوضعت له الفطرة في وعائه، وبعد يوم العيد جاء فأخذها بدون
حضور مخرجها مثلاً، أو تلفت، فهل تجزئه؟ وكذا ما عليه أكثر أهل القرى من
كونهم يدفعون الفطرة إلى إمام القرية، فلا يجدونه في داره.
فيدفعونها لزوجته أو ولده ونحوهما، فهل يجزئ؟ وكذا لو وكل الفقير في قبول
الزكاة هل يجزئ أم لا؟ وهل يجوز دفع الفطرة لإمام القرية في مقابلة صلاته
بهم وأذانه؟ وهل يجوز أن يصلي بهم ويؤذن لأجل ذلك؟ الظاهر: لا، وعامة أهل
القرى (1) كذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(2) قوله: "مكلفًا": أي بالغًا عاقلًا. وفي صحة توكيل المميز في إخراج
الزكاة خلاف، جزم في الإقناع بصحته تبعًا للإنصاف، وصوَّب في تصحيح الفروع
عدمها. وظاهر شرح المنتهى لمؤلفه الجريُ على ما في تصحيح الفروع، وهو أولى
لتأخره عن الإنصاف. ولو قيل بجوازة مع القرب دون البعد لم يبعد اهـ عثمان.
(3) قوله: "نوى الموكل مع الوكيل الخ": انظر ما الباعث له على تحويل عبارة
المصنف مع ما فيه من الركاكة. ولو أبدل "مع" بواو العطف لسلمت عبارته.
على أنه أيضًا تطويل من دون فائدة.
(4) قوله: "أو نقص النصاب": ظاهره أنه إذا نقص النصاب المعجَّلةُ زكاته في
أثناء الحول ثم كمل أنه يستأنف حوله، وأن ما عجّله يقع نفلاً، لأنه عن
النصاب الناقص، لا عن الموجود.
باب
أهل الزكاة
(1) قوله: "لا يجوز صرفها إلى غيرهم": أي لكن لا يجب تعميمهم، بل
__________
(1) أي في زمان المحشي وبلاده، وهي قرى نابلس. وقد أدركنا نحن شيئًا من
ذلك. ولا يكون ذلك مشروعًا إلا إن كان الإمام فقيرًا، وكان إعطاؤه على غير
سبيل الإجارة.
(1/129)
[1/ 263] يجوز صرفها لواحد من أحد الأصناف
الثمانية.
(2) قوله: "وهو أشدّ حاجة من المسكين": ويرشد إلى ذلك سؤاله - صلى الله
عليه وسلم - المسكنة وتعوذه من الفقر (1).
(3) قوله: "أو أكثرها": أي فمناط ذلك بوجود الكفاية وعدمها، فمن يجد
الكفاية فهو غني، ومن لا فلا، ولو كان له عروضٌ للتجارة قيمتها ألف دينار
أو أكثر، وربحها لا يقوم بكفايته، أو له عقارٌ يستغلّه عشرة آلاف أو أكثر
فلا تقوم بكفايته، فيجوز له أخذ الزكاة. قلت: ومثله لو كان عنده مال كثير
مُغْتَصَب، ومن المكوس ونحوها، وليس له من الحلال ما يكفيه، فإنه يجوز له
أخذ الزكاة، لأنه فقير أو مسكين.
(4) قوله: "العامل": قال في الإقناع: واشتراط ذكرريته، أي العامل، أولى.
(5) قوله: "بين الناس": أي ولو بين أهل الذمة اهـ. إقناع.
فائدة: من أبيح له أخذ شيء أبيح له سؤاله (2).
ويجب قبول مالٍ طيب أتى بلا مسألة ولا استشراف نفس. وإن كان حرامًا أو فيه
شبهة رده. وكذا إن استشرفت نفسه إليه، بأن قال: يبعث لي فلان بكذا وفحوه.
ويأتي في الهبة ما يخالف هذا، بأنه يسن القبول ويكره الرد.
(6) قوله: "ولم يدفع الخ": أي وأما إن دفع ما تحمّله من ماله فلا يعطى من
__________
(1) يعني حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "اللهم أحْيِني مسكينًا، وأَمِتني
مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين" أخرجه ابن ماجه والطبراني والحاكم.
وقال العجلوني؛ ضعيف. وقال السخاوي في المقاصد (ص 85) "مع وجود هذه الطرق
لا يحسن الحكم عليه بالوضع".
قلت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل الله تعالى الغنى، فقد قال:
"اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى" أخرجه مسلم وغيره. وان صح
حديث أبي سعيد فالمراد به تواضع المساكين ولين أخلاقهم. وليس المسكنة التي
بمعنى قلة المال. فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله من
الفقر، وكان غنيًّا وكان له أموال.
(2) على أن المسألة: أي طلب المال من أيدي الناس لا تحل إلا لثلاثة، كما في
حديث قبيصة المرفوع عند مسلم وغيره.
(1/130)
الزكاة، وإن استدان وأدّاه جاز له الأخذ،
لأن الغرم باقٍ. [1/ 264]
(7) قوله: "فيعطى للجميع بقدر الحاجة": أي وإذا أعطى الفقير أو المسكين أو
العامل أو المؤلَّف شيئًا من الزكاة يتصرف فيه بما شاء ولا يرد ما فضل عن
حاجته، وأما الغارم والمكاتب والغازي وابن السبيل إذا أخذوا شيئًا من
الزكاة لا يجوز لهم صرفها إلا فيما أخذوها لأجله. وإن فضل شيء عن حاجتهم
ردوه وجوبًا. فعلى هذا لو أُبْرئ الغارم أو أعتق المكاتب ونحوهما، وقد أخذا
من الزكاة، رداه وجوبًا.
فائدة: قال في المنتهى والإقناع وغيرهما: يجوز دفع الزكاة لمن تبرع بمؤنته
بضمه إلى عياله اهـ. أقول: فيشمل ذلك جواز إعطاء زكاة فطرٍة لمن تبرع
بمؤنته شهر رمضان فقط، مع أنه تجب عليه فطرته، ولا مانع من ذلك، لدخوله في
عموم {إنما الصدقات للفقراء} بدون معارض، وإنما المانع وجوب النفقة. وهذا
لا تجب نفقته عليه، وربما جاز أن يعطيه فطرته لنفسه، لأنها واجبة عليه،
لأنها واجبة على الدافع لا على الآخذ، لكن لم أو من صرح بذلك، بل ولا من
أشار إليه.
لكن قد يقال: لا يأباه كلامهم، بل ربما ظهر بالتأمل. فينبغي أن يحرر.
فصل فيمن لا يجوز دفع الزكاة إليهم
(1) قوله: "وإن دفعها لمن يظنه فقيرًا الخ": أي فيكون هذا مستثنًى من قوله
قبله: "فإن دفعها لغير مستحقيها الخ" وليس مناقضًا له. تدبّر قوله "وله
تفوقته الخ" أي وسُنَّ له. ولو عبَّر به لكان أولى.
(2) قوله: "هذا تكرار مع ما قبله": أي بناء على حَلِّه العبارة الأولى
بقوله: "كخالٍ وخالةٍ"، وهو لا يجب [26أ] المصير إليه، بل نقول: المراد: من
قوله: "لا تلزمه الخ" أي من نحو أخٍ أو أخت، وكان المخرِجُ غير وارثٍ
لقريبه الفقير.
وقوله "وذوي أرحامه" أي ولو ورثهم. أو نقول: إن العبارة الأولى عامة،
والثانية خاصة، ويكون تخصيصًا بعد تعميم، ونحو هذا لا يقال له تكرار، بل
يقع في الكلام الفصيح كثيرًا.
(1/131)
[1/ 267]
فصل في صدقة التطوع
(1) قوله: "التطوع": أي بما يفضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام، من
مُتَّجرٍ أو غلّة وقف أو صَنْعَةٍ. هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب.
وقال صاحب الفروع: وفي الاكتفاء بالصنعة نظر اهـ. قلت: لأنه قد يعرض له ما
يشغله عن الصنعة، فيحتاج فيقع في الضرر، فالأولى عدم الاكتفاء بها.
(2) قوله: "وبطيب نفس الخ": أي ومما يحب، ومن كسب يده. وعلى عالم وديِّنٍ
أفضل.
وصدقة التطوع على الرحم أفضل من العتق، وهو أفضل منها على الأجانب، إلاَّ
زمن غلاءٍ وحاجةٍ. وفي كلام بعضهم ما يدل على أنه أفضل مطلقًا.
وهل حج التطوع أفضل من الصدقة؟ فيه أربع روايات، واختار الشيخ أن الحج أفضل
مطلقًا. قال في الإنصاف: قلت: الصدقة زمن المجاعة لا يعدِلُها شيء.
(3) قوله: "يُضِرُّ بواحدٍ الخ": هو بضم الياء وكسر الضاد لأنه مضارع أضَرّ
الرباعي، وأما الثلاثي فيتعدى بنفسه.
(4) قوله: "وكره لمن لا صبر له الخ": وهذا إن لم يحصل ضرر بذلك، وإلّا حرم
كما تقدم. ومفهومه أنه إن كان له صبر، ولا عيال له، أو له ووافقوه، فله
الصدقة بجميع ماله، كما وقع للصدّيق رضي الله تعالى عنه. وهل الأفضل كسب
المال وصرفه لمستحقيه، أو الانقطاع للعبادة وترك مخالطة الناس؟ فيه خلاف،
والصحيح أن الأول أفضل، لتعدي نفعه.
فرع: الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر. وفي الصحيح: "اليد العليا خير من
اليد السفلى" (1) وقال بعضهم: الفقير الصابر أفضل. وقال الشيخ تقي الدين:
أفضلهما أتقاهما لله، فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة اهـ. وهو في
غاية
__________
(1) حديث "اليد العليا ... " أخرجه البخاري وأحمد من حديث حكيم بن حزام،
مرفوعاً، وأحمد والطبراني من حديث ابن عمر مرفوعًا.
(1/132)
الحسن. [1/ 268]
(5) قوله: "وذكر ابن الجوزي الخ": أي ينبغي للعاقل أن ينظر في عواقب
الأمور، فقد يتفق له مرفق، فيخرج ما في يده، فينقطع مرفقه، فيلاقي من الضرر
والذل ما يكون الموت دونه. فالحازم من يحفظ ما في يده. والإمساك في حق
الكريم جهاد، كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد. والحاجة تخرج إلى كل
محنة.
وقال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يحب المال: يعبد به ربه، ويؤدِّي به
أمانته، ويصون به نفسه، ويستغنى به عن الخلق اهـ. من الغاية وشرحها. لكن
المراد عدم مجاوزة الحد الشرعي في الإنفاق المذكور في سورة الإسراء (1)، لا
الحثّ على البخل وإمساك المال عن الصدقة ونحوها. تأمل.
(6) قوله: "والمنُّ بالصدقة كبيرة الخ": قال بعضهم: إلا لقصد تربيةٍ
وتأديبٍ اهـ. غاية.
...
__________
(1) لعله يعني قول الله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها
كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا} [الإسراء: 29].
(1/133)
|