حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ

 [1/ 332]

كتاب البيع
(1) قوله:"عين ماليةٌ": وهي كل جسم أبيح نفعه واقتناؤه مطلقًا. فخرج الخمر والخنزير ونحو ذلك.
وقوله: "أو منفعة مباحة مطلقًا": أي بأن لا تختص إباحتها بحالة دون حالة.
فخرج ما لو باع منفعة جلد ميتة طاهرةٍ في الحياة مدبوغٍ، فإنه لا يصحّ، لأنه لا ينتفع به إلا في اليابسات فقط.
وقوله: "بإحداهما": يشمل أربع صور: عين بعينِ كثوب بثوب، وعين بمنفعة كثوب بممّر دار، ومنفعة بعين كممر دار بثوب، ومنفعة بمنفعة كممر بممر آخر.
وقوله: "أو بمالٍ في الذمة": أي من نقد أو غيره. وهو ما يباح نفعه في جميع الأحوال، وذلك يشمل ست صور: عين بمالٍ في الذمة، منفعة بمالٍ في الذمة، وعكسهما، ومال في الذمة بمال في الذمة، وعكسه. فصور البيع تسع.
وقوله: "للملك": خرج ما لو أعار فرسه على أن يعيره الآخر فرسه.
وقوله: "على التأبيد": أي بأن لم يقيّد بمدّة، فخرجت الإجارة. ولما كان هذا الحدّ شاملاً للرّبا والقرض أخرجهما بقوله "غير ربا وقرض".
(2) قوله: "بل هي كل ما أدّى معنى البيع": أي نحو: بعتك، وملّكتك، وولّيتك، ووهبتك بكذا، أو أعطيتك بكذا. والقبول بنحو اشتريت وتملكت وأخذت.
(3) قوله: "وبالمعاطاة": أي ويعتبر في المعاطاة معاقبة القبض أو الإقباض للطلب كما في الإقناع.
(4) قوله: "بأن يظهرا الخ": هذا بيع التلجئة، وأما بيع الأمانة فقال شيخ الإسلام: مضمونه اتفاقهما على أن البائع إذا جاءه بالثمن أعاد عليه ملكه. قال: وهو عقد باطل بكل حال. ومقصودهما الربا بإعطاء دراهم بدراهم إلى أجل، والمنفعة هي الربح اهـ. قلت: وهذا البيع هو الذي يسمَّى بنابلس ونواحيها ببيع

(1/168)


"الوفاء". وغالب الناس واقع فيه. وهو صحيح عند الحنفية كما هو مصرح به في [1/ 333] كتبهم (1). تأمل.
(5) قوله: "والمال يصحّ منهما قبول هبة ووصية": واختار جمعٌ صحته منهما ومن قنٍّ. وهو الذي تميل وتطمئن إليه النفس.
(6) قوله: "والمال ما يباح نفعه في جميع الأحوال": أي واقتناؤه بلا حاجة. فخرج ما لا نفع فيه أصلاً كالحشرات، وما فيه منفعة محرمة كالخمر، وما فيه منفعة لا تباح إلا في حال الاضطرار، كالميتة، وما لا يباح اقتناؤه إلا لحاجة كالكلب. وظاهره صحة بيع طيرٍ لقصد صوته، ودود قزّ وبزره ونحلٍ وهزٍّ وقيل وبغل وحمار وسباع بهائم وطير تصلح للصيد، إلاَّ الكلب. ويصح بيع قرد لحفظٍ، ولبنِ آدميةٍ، وعَلَقٍ لمصِّ دَمٍ.
(7) [قوله]: "الميتة" أي ولو طاهرةً كميتة الآدمي، إلا ما استثني.
(8) قوله: "فلا يصح بيع الفضولي الخ" إلا أن يشتري في ذمته ونواه لشخص لم يسمِّه، فيصح، ثم إن أجازه من اشتري له مَلَكَهُ من حين اشتُرِي. وإلا وقع لمشتر ولزمه.
(9) قوله: "ولو لقادر على تحصيلهما": وهذا بخلاف المغصوب، فإنه يصح بيعه لقادر على تحصيله، ثم إن عجز عن تحصيله فله الفسخ. وانظر ما الفرق بين المغصوب والآبق والشارد. وحرر وتأمل.
فائدة: لا يصح بيع فجل وجزر ونحوهما مما هو مستور في الأرض، كبصل، قبل قلعه، نصًّا. ويصح بيع ما ماكوله في جوفه، كبيض وجوز ولوز وفستق وبندق في قشره.
مسألة: فلو أسرّ المتعاقدان ثمنًا بلا عقد، [33أ] ثم عقداه بآخر، فالثمن الأول. وإن عقداه سرًّا بثمن وعلانية بآخر، أخذ بالأول أيضًا. وقال الحلواني:
__________
(1) ويسميه المالكية: بيع "الثُّنْيا"، والشافعية: بيع العُهدة. وبعض الحنفية جعله من حقيقة الرهن.

(1/169)


[1/ 334] كنكاح اهـ. ويتجه في الأولى: ما لم يرجعا عن الذي أسرَّاه. فتدبر.
(10) قوله: "ومن باع معلومًا ومجهولًا الخ": وذلك كبعتك هذه الفرس والفرس التي في محل كذا بألفٍ مثلاً، فيصح البيع في الفرس المعلوم بقسطه من الثمن، وذلك كأن يقال والله أعلم: قيمة المعلومة تساوي أربعمائة مثلاً، وقيمة المجهولة تساوي ثمانمائة، فمجموعهما ألف ومائتان، ونسبة قيمة المعلومة إلى ذلك ثلث، فيكون ثمنها ثلث، الألف في المثال المذكور.
(11) قوله: "وما في بطن هذه الفرس الأخرى": أي وهذا بخلاف ما لو قال: بعتك هذه الفرس وما في بطنها، فإنه لا يصح ولو بيَّن كل منهما (1)، لأن دخوله بالتبعية لا يتأتى بعد مقابلته بثمن. وإبطال البيع فيه دون أمه كاستثنائه، وهو مبطل للبيع اهـ. بهوتي في شرح "الإقناع". قلت: وقد صرح في الغاية بصحة البيع في قوله: بعتك هذه البهيمة وحملها. فتأمل.

فصل في موانع صحة البيع
(1) قوله: "بحيث إنه يدركها" (2): يعني أن من منزله بعيد عن الجمعة لا يصح منه بيع ولا شراء قبل ندائها الذي عند المنبر إذا كان ذلك في وقت بحيث إنه يدرك الجمعة بعد النداء الذي عند المنبر إذا غدا إليها في ذلك الوقت. وهذا على الأصح. ومعنى ذلك في المستوعب، وعبارته: "ولا يصح البيع في وقت لزوم السعي إلى الجمعة" اهـ فتوحي في شرح المنتهى.
(2) قوله:"كمضطر إلى طعام أو شراب": أي وجده يباع.
وقوله: "وعريان وجد سترة": أي تباع.
وقوله: "ومركوبٍ لعاجز": أي ويجوز شراء مركوب لعاجز عن المشي أو ضريرٍ عدم قائدًا.
__________
(1) هكذا في الأصل وض، ولعل الصواب: "ولو بيّن ثَمَن كل منهما".
(2) كذا في الأصل وض. والذي في دليل الطالب وشرحه: "بحيث إنه لا يدركها" وهو الصواب.

(1/170)


وقوله: "ونحوه": أي كما لو وجد ماءً يباع واشتراه ليتطهر به. [1/ 335]
(3) قوله: "ويصح إمضاء بيع الخ" قال في الغاية: ويتجه: ويحرم اهـ. قال في شرحها: وهو متجه اهـ. وقال شيخ مشايخنا الشطي: وفي غاية المطلب التصريح بعدم الحرمة على الأصح. قال: فتوجيه شيخنا منتقد اهـ.
(4) قوله: "ولا بيع قن الخ": حل الشرح بقيد تنوين "قن"، وجعل "مسلم" صفةً له، ويدل لذلك كلامه الآتي. ومفهومه أن القن الكافر، ولو لمسلم، يصح بيعه لكافر. وهو يخالف ما تقدم في الجهاد من قولهم "ولا يصح بيع مسترقٍّ منهم لكافرٍ، ولا فداؤه بمال، ويصحّ بأسير مسلم". بل عبارة المصنف في الغاية: "ولا يصح بيع رقيقنا، ولو كافرًا، لكافر" اهـ. وحينئذ فالأولى جعل "قن" في عبارة المتن بدون تنوين، مضافًا إلى "مسلم"، ويصير المعنى: ولا يصح بيع قن المسلم لكافر، فيشمل القنَّ الكافر والمسلم.
فائدة: وإن باعه صبرةً من طعام أو غيره جزافًا صح، علماً قدرها أوْ لا، ومع علم أحدهما فقط يحرم عليه، وللثاني الخيار. وإن باعه قفيزًا منها صح إن تساوت أجزاؤها وكانت أكثر من قفيز. وكذا يصح بيع جزءٍ مشاع منها. وإن باعه حيوانًا مأكولاً إلا رأسه وجلده وأطرافه صح، سفرًا وحضرًا. وإن باع لك منفردًا لم يصح. قال في الإقناع: والذي يظهر أن المراد بعدم الصحة إذا لم تكن الشاة للمشتري، فإن كانت له صح، كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها لمن الأصل له. فإن امتنع مشترٍ من ذبحه لم يجبر إذا أطلق العقد، ولزمته قيمة المستثنى تقريبًا. فإن شرط البائع الذبح ليأخذ المستثنا لزم المشتري الذبح، ودفع المستثنى. قاله في شرح المحرر اهـ.
أقول: فلو دلت قرينة على أنه اشتراه ليذبحه، كقصاب ونحوه، فلم يشترط البائع ذبحه، ثم إن المشتري اتخذه للقنية وامتنع عن ذبحه، فهل يجبر على ذبحه ودفع المستثنى؟ الظاهر: نعم، لأن عدم اشتراطه للقرينة الدالة عليه. فليحرر.
(5) قوله: "كمغصوب": أي فيضمن بمثل مثلئ وقيمة متقوِّم، ما لم يدخل في ملك قابضٍ. فإن دخل، بأن أخذ معلومًا بكيل أو وزن أو حوائج من بقال

(1/171)


[1/ 337] ونحوه، في أيام، ثم يحاسبه بعده، فإنه يعطيه بسعر يوم أخذه، لتراضيهما على ذلك. هذا [33ب] توضيح كلام الشارح رحمه الله تعالى.
(6) قوله: "ما لم يدخل في ملك القابض، كالمقبوض على وجه السوم": لم يظهر لي معنى هذه العبارة، فإن المقبوض على وجه السوم، سواء قطع ثمنه أو لا، مضمونٌ مطلقًا، كما يأتي في باب الضمان. بخلاف ما لو أخذ السلعة من غير مساومة ليريها أهله إن رضوا بها أخذها وإلا ردّها، فإنه لا يضمنها إلا بتعدٍّ أو تفريط. والظاهر والله أعلم أنه أراد أن يقول: "لأنه لم يدخل في ملك القابض" فسبق قلمه إلى ما ترى، أي فالمقبوض على وجه السَّوم إن بيّن ثمنه ثم تلف فمن ضمان المشتري، أي يضمنه بالثمن الذي وقعت عليه المساومة فقط، بخلاف المقبوض بعقد فاسدٍ فإنه يضمن بقيمته، لا بما وقع عليه العقد. وكذا تضمن زيادته، لأنه لم يدخل في ملك القابض. فهو كمغصوب في جميع الأحكام. فيكون قوله "كالمقبوض الخ" تمثيلاً للمنفيِّ في قوله "لم يدخل"، لا للنفي، أي فالمقبوض على وجه السوم يدخل في ملك قابضه إن قلنا بصحة بيع المعاطاة، وهو المذهب، فيكون مضمونًا بثمنه دون زيادته. وبالجملة فالعبارة لا تخلو من تسمّح. والله سبحانه وتعالى أعلم.
أقول: معنى عبارة الشارح: أن المقبوض بعقد فاسدٍ إنما يكون ضمانُه كمغصوب، أي بمثلِ مثلىٍّ وقيمة متقوّم، إذا لم يدخل في ملكِ قابض، فإن دخل كالمقبوض على وجه السوم ونحوه فإنه يكون ضمانه بالقيمة لا غير، ولو كان مثليًا، وهو أوضح.
(7) قوله: "شراءً فاسدًا": وكذا لو كان صحيحًا، فلا فرق.
وقوله: "شجرة" أي وتلفت الثمرة.
وقوله: "لم يضمنه" أي الثمر (1).
وقوله: "بذلك" أي بهذا الشراء الفاسد.
__________
(1) هذه القولة والتي قبلها ساقطتان من ض.

(1/172)


[1/ 338] باب
الشروط في البيع
(1) قوله: "وتعتبر مقارنته للعقد": أي وفي زمن خيار مجلس أو خيار شرط، فإن حكمه حكم صلب العقد. ذكره الشيخ مرعي اتّجاهًا. وصرّح به غيره أيضاً.
فائدة: لو أخبر بائع مشتريًا بضفة في المبيع، فصدقه المشتري، ولم يشترطها عليه، فبان فَقْد تلك الصفة، فلا خيار على المذهب.
(2) قوله: "أو أرش فقد الصفة": أي وهو قسط ما بين قيمته بالصفة، وعاريًا عنها، من الثمن. فلو اشترى عبدًا على أنه كاتب بألفٍ، فتبيَّن غير كاتبٍ، خُير مشترٍ بين فسخ البيع وأخذ الثمن و [بين] إمساكه وأخذ أرش فقد الصفة، بأن يقوّم العبد في المثال فيقال: وهو كاتب يساوي ألفًا وخمسمائة، وبدون الكتابة يساوي سبعمائة وخمسين، مثلاً، فقد نقص نصف القيمة، فيأخذه بنصف الثمن، وهو خمسمائة في المثال. وعلى ذلك فقس.
(2) قوله: "أي فسخ البيع الخ": هذا بيان لقوله في المتن: "ولمشتر الفسخ" أي ما لم توجد فيه صفة أعلى من الصفة المشروطة، كما لو اشترى أمة واشترط كونها كافرةً أو ثيبًا أو سَبْطة أو حاملاً أو قصيرة أو حمقاء أو تبول في الفراش ونحو ذلك، فبانت مسلمة أو بكرًا أو جعدة أو حائلاً أو طويلة أو غير حمقاء أو لا تبول في الفراش، فإنه لا خيار له في ذلك، لأن البائع زاده خيرًا. ومثل ذلك لو اشترط كونها يهودية فبانت نصرانية، لأن اليهودية لا يتمكن من الانتفاع بها يوم السبت. لكن لو شرطها ثيِّبًا لغرض صحيح، مثل الذي لا يقدر على فض البكارة، فبانت بكرًا، فالظاهر أن له الخيار، وإن كان عموم كلامهم يخالفه.
(3) قوله: "وحملان الدابة الخ": قال م ص: ونفقة المبيع المستثنى نفعُه مدةَ الاستثناء: الذي يظهر أنها على البائع، لأنه مالك المنفعة، لا من جهة المشتري، كالعين الموصى بنفعها، لا كالمؤجرة والمعارة.

(1/173)


[1/ 340] فائدة: لو باع المشتري العين المستثنى نفعُها في مدة الاستثناء، صح بيعها، وتكون في يد المشتري مستثناة أيضًا، فإن كان عالمًا بذلك فلا خيار له، وإلا فله الفسخ، كمن اشترى أمةً مزوّجة أو دارًا مؤجرة.
(4) قوله: "فيثبت له": أي للمشتري.
(5) قوله: "أو تكسيره أو خياطته الخ": فلو شرط عليه شرطين ولو صحيحين بطل البيع، وذلك كما لو شرط على البائع حمل ما باعه [34أ]، وتكسيره، أو تفصيله وخياطته ونحو ذلك، ما لم يكونا من مقتضاه أو مصلحته (1).
(6) قوله: "قبله": أي العمل.
وقوله: "عليه": أي على البائع.

فصل في الشروط الفاسدة
(1) قوله: "كشرط بيع آخر الخ": وهل مثله لو قال: بعتك على أن ترهنني كذا؟ الظاهر نعم، وصرح به في الغاية. لكن يخالفه ما ذكروه من أن شرط رهنٍ أو ضمينٍ صحيحٌ، إلا أن يحمل ما هناك على الرهن على ثمن المبيع فقط.
(2) قوله: "المنهي عنه": أي فقد صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه "نهى عن بيعتين في بيعة" (2). وقد فسّره الإمام أحمد بما ذكر، تارةً، وبنحو: بعتك كذا بعشرة نقذًا وهو
__________
(1) في نسخة ض هنا أضاف الناسخ هاتين الفائدتين، قال:
"فائدة: وإن اشترط أن الطير يوقظه للصلاة، أو أن البهيمة تحلب كل يوم كذا، أو أن الكبش مناطح، لم يصح الشرط، لأن هذه الشروط منها ما لا يمكن الوفاء به، ومنها ما هو محرم، فهو ممنوع شرعًا.
"فائدة أخرى: اعلم أنه قد أجمعت العلماء على بطلان البيع المتعارف والمتداول عند أكثر الناس من بيع الخيل، واشتراط ما تنتَجُهُ الفرس من أنثى أو أكثر للبائع، فإن نتجت ذكرًا فأكثر ولو طول عمرها فللمشتري ولا شيء من ذلك للبائع إلا ما اشترطه على المشتري، ويلتزم المشتري هذا الشرط الباطل اهـ. بحذفٍ وتوضيحٍ من كلام المحشي عبد الغني اللبدي" اهـ.
(2) حديث: "نهى عن بيعتين في بيعة": أخرجه من حديث أبي هريرة مرفوعًا: أحمد (2/ 432) والترمذي (3/ 533) وقال: حسن صحيح.

(1/174)


بعشرين نسيئة، تارةً أخرى. [1/ 341]
(3) قوله: "قال أحمد": لعله: "قاله".
(4) قوله: "صفقتَان في صفقة ربا": أي حكمه حكم الربا من حيث كونه باطلاً ولا يجوز تعاطيه.
(5) قوله: "فالشرط باطل والبيع صحيح": ومثله لو قال لغريمه: بعني هذا على أن أقضيك منه دينك، فباعه، صح البيع لا الشرط، أو قال رب الحق: اقضنيه على أن أبيعك كذا، فكذلك.
(6) قوله: "صح": وعنه أنه باطل.
(7) قوله: "بعوض": أي عن الزائد.
(8) قوله:"أَقْفِزَة": جمع قفيز، وهو مكيال معروف، وقدره ثلاثون رطلاً عراقية، وقيل ستة عشر، وقيل ثمانية أرطال مكّيّة، وهو مكُّوكان.

باب الخيار
(1) قوله: "في بيع": أي غير كتابة، وتولّي طرفي عقد، وشراء من يعتق عليه. المنقِّح. أو يعترف بحريته قبل الشراء، لعتقه بالملك.
(2) وقوله: "في بيعٍ وصلحٍ بمعنى البيع": أي وذلك كما لو صالحه على غير العين المدّعى بها مع الإقرار، فإن هذا الصلح حكمه حكم البيع. وأمّا نحو المساقاة والمزارعة والحوالة والجعالة والشركة فلا خيار فيها.
قوله: "وصلح بمعنى بيع": وكذا قسمةٌ وهبة بمعنى بيع.
(3) قوله: "عرفًا": أي ويختلف العرف باختلاف مواضع بيعٍ، فبفضاء واسع أو سوقٍ بمشيِ أحدهما مستدبرًا لصاحبه بحيث لا يسمع كلامه المعتاد. ويتجه: لو تبايعا بمكاتبة فبمفارقة مجلس قبول، أو بمناداةٍ من بُعدٍ فبمفارقةِ أحدهما مكَانَه بحيث لو كان معه عُدَّ تفرّقًا. وأنه يصدق منكِرُ عدمِ تفرّقٍ بيمينه اهـ. غاية.
(4) قوله: "من غير إكراه": أي ومعه: حتى يتفرقا من مجلس زال فيه الإكراه، ونحوه.

(1/175)


[1/ 343] (5) قوله: "وإن أسقطه أحدهما الخ": وكذا لو قال لصاحبه: اختر.
(6) قوله: "ولا يثبت الخيار لوليه": أي المجنون. وفي الإقناع أن من جُنّ، أو خرس ولم تفهم إشارته، قام وليه مقامه. فالشارح تبع المنتهى. وقد جمع بعضهم بينهما بأن كلام صاحب المنتهى محمول على غير المُطْبِق، وكلام الإقناع على المطبق. وهو جمع وجيه. فتأمل.
(7) قوله: "وتحرم الفرقة من المجلس الخ": أي لما ورد في ذلك من النهي. وأما ما روي عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى شيئًا يحبه مشى خطوات، فمحمول على أنه لم يبلغه الحديث. ولو بلغه لما خالفه، أو مخافة أن تلحق نفسه المبيع إذا رآه فائقًا، فيحبّ لزوم البيع، قطعًا للطمع.
(8) قوله: "خيار الشرط": أي ويصح في بيع ونحوه إلاّ فيما قبْضه شرط لصحته كالسلم والصرف وبيع ربويٍّ بجنسه.
(9) قوله: "أو بعده في المجلس": أي أو في مدة خيار الشرط إذا شرطا خيارًا آخر.
(10) قوله: "وإن طالت": أي فلا تقيّد بثلاثةِ أيام. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز أكثر من ثلاثٍ. وقال مالك: يجوز فوق ثلاثٍ، ولكن بقدر الحاجة، مثل قريةٍ لا يصل إليها في أقل من أربعة أيام، فقول الشارح: "وبهذا قال أبو يوسف ومحمد الخ" كان الصواب تأخيره بعد قول المتن: "وإن طالت" لأنه يوهم أن الخلاف في ثبوت خيار الشرط من أصله، وليس كذلك، بل في تقدير مدته كما رأيت. فتأمل.
(11) قوله: "حيلةً ليربح في قرض": أي وذلك كما لو اشترى فرسًا بألفٍ، وشَرَط الخيار إلى سنة، فحملت وولدت في مدة الخيار، فإن الولد له. فإذا قصد هذا الربح في مقابلة قرض الثمن، بطل البيع من أصله.
(12) قوله: "وينتقل الملك من حين العقد": فعلى هذا لو اشترى نصاب ماشيةٍ بشرط الخيار حولاً، تكون زكاته على المشتري.
(13) قولى: "ولا إلى رضا" أقول. فإن فسخ المشتري، [34ب] أو البائع

(1/176)


ولم يقبض الثمن، فواضح أن له لك. وأما إن فسخ البائع وقد قبض الثمن فلا [1/ 345] يملك الفسخ إلا برّد الثمن، كما جزم به الشيخ، وإن كان ظاهر إطلاقهم خلافه. فالواجب حمل إطلاقهم على ما جزم به الشيخ، وهو مرادهم قطعًا، فتنبّه له.
(14) قوله: "خيار الغبن الخ": أي فيثبت في ثلاث صور: إحداها: لقادمٍ من سفرٍ، تلقّاه مشترٍ وهو لا يعرف سعر السوق. الثانية: لمسترسل، وهو من جهل القيمة ولا يحسن يماكس من بائعٍ ومشتر. الثالثة: في نَجَشٍ، بأن يزايده من لا يريد شراء ولو بلا مواطأة، ومنه: أُعطيت كذا، وهو كاذب. ويحرم على البائع أن يسوم المشتري كثيرًا ليبذل له قريبَهُ، ذكره الشيخ تقي الدين. وهو أي الغبن حرام.
وقوله: "الخارج عن العادة": أي لأنه لم يرد بتحديده الشرع، فرجع فيه إلى العرف. وقيل مقدر بنصفٍ، وقيل بثلث، وقيل بسدس. وعلى كلٍّ فاليسير لا خيار فيه.
(15) قوله: "وإن لم يكن عيبًا": أي فالتدليس إما أن يكون بكتم عيبٍ، فيخيّر فيه بين ردٍّ وإمساك بأرش كما يأتي. وإن كان غير ذلك، كتصرية اللبن، فيخير بين الإمساك بلا أرش أو الردّ. فتأمل.
فائدة: يردّ مع المصرّاة صاع تمرٍ سليم وجوبًا، فإن لم يجده فقيمَتَهُ موضع العقد. وهذا إن كان قد حلَبها، وإلّا ردها بلا شيء. ولو ردّها بعيبٍ غير التصرية فالحكم كذلك.
(16) قوله: "ويثبت للمشتري الخيار الخ" أي وهو على التراخي، لا يسقط إلا بما يدل على الرضا، كخيار غبن وعيبٍ، إلا المُصَرَّاة فيخير فيها إلى ثلاثة أيام بعد علمه بالتصرية. فإن اختار فيها وإلا بطل خياره، كما في الإقناع وغيره.
(17) قوله: "خيار العيب وما بمعناه": أما العيب فهو إما نقص عين المبيع ولو لم تنقص به القيمة، وإما نقص القيمة عادةً في عرف التجار، كمرض، وذهاب سنٍّ من كبير، أو زيادتها، أو زيادة إصبع، أو نقصها، وحَوَلٍ وطرشِ وقَرَعٍ وعَثْرةِ مركوبٍ ورفسه وقوة رأسه وحرَنه وشموصه، ونحو ذلك.
وأما ما بمعنى العيب فكبقٍّ في الدار، أو كونها ينزلها الجند، أو فيها حيّة،

(1/177)


[1/ 347] وكون ماءٍ استعمل في رفع حدثٍ ونحوه، ولو لشرب، وأما عدم حيض الأمة أو كفرها فليس بعيبٍ، وكذا صدل وحُمَّى يسيران، وسقوط آياتٍ يسيرة في مصحف ونحوه.
(18) قوله: "في ملكه": أي الردّ، أي في كونه يملكه.
(19) قوله: "كثمرة شجرة": أي بعد جدادها، وإلا فمتصلة، أُبِّرتْ أو لم تؤبّر على الصحيح من المذهب. والظاهر: وكونها ظهرت بعد عقد.
وقوله: "وولد بهيمة": أي وأما ولد الأمة فيردّ مع أُمِّه، لتحريم التفريق بينهما، وللمشتري قيمته على بائع.
(20) قوله: "وعليه أجرة الردّ": قال في الغاية: ويتجه: إلا إن دلّس بائع اهـ. أي فتكون حينئذ الأجرة على البائع، لأنه غازٌ بتدليسه، وهو متجه اهـ من شرحها. وهو مصادم لصريح الإقناع، فإنه صرّح بوجوب أجرة الردّ على المشتري ولو دلس البائع عليه اهـ. شطّي.
(21) قوله: "ويرجع بالثمن كاملاً": فلو أبرأ البائع المشتري من الثمن، ووهبه له، ثم تبيّن بالمبيع عيب، فللمشتري رده وأخذ بدل ثمنه من البائع، كزوجٍ طلّق قبل دخول، وقد وهبته الصّداق، فإنه يرجع بنصفه، أو يمسك ويأخذ الأرش.
(22) قوله: "فيرجع بخمس الثمن الخ ": فإن قلت: لم لم يرجع بما نقص من القيمة؟ قلت: لأن ذلك قد يفضي إلى أن يرجع بالثمن كله فيما إذا اشتراه بعشرةٍ، ووجد به عيبًا فقُوِّم مع العيبِ بعشرةٍ، ومع عدمه بعشرين، فقد نقصت قيمته عشرة وهي الثمن كله فافهم.
(23) قوله: "بجميع ما دفعهه: أي وبِبَدلِ ما أبرأه منه، أو وهبه له.
(24) قوله: "واستعماله لغير تجربةٍ": محل هذا في خيار الشرط.
(25) قوله: "ولا يفتقر الفسخ الخ": أطلقه الأصحاب. وعنه: يردّ الثمن إن فسخ البائع. وجزم به الشيخ، كالشفيع. وقال: وكذا التملُّكات القهرية، كأخذ الغراس والبناء من المستعير والمستأجر، والزرع من الغاصب. قاله في

(1/178)


الإنصاف (1). وهذا الصواب الذي لا يعدل عنه، خصوصًا في زمننا هذا، وقد كثرت [1/ 348]
[35أ] الحيل. ويحتمل أن يحمل كلام من أطلق على ذلك اهـ.
فائدة: لو اشترى ما ماكوله في جوفه، فكسره فوجده فاسدًا ولا قيمة لمكسوره كبيض دجاجٍ، وبطيخ لا نفع فيه، رجع بالثمن كاملاً. وليس عليه رد المبيع، لأنه لا فائدة فيه. وإن كان الفاسد بعضه رجع فيه بقسطِهِ؛ وإن كان لمكسوره قيمة كبيضِ نعام وجوز هند خُيِّر بين إمساك وأرش، وبين ردٍّ ودفع أرش كسرٍ. وإن اشترى ثوبًا مطويًّا فنشره فوجده معيبًا، فإن كان مما لا ينقصه النشر رده وأخذ الثمن، وإن كان ينقصه فكبيض نعامٍ وجوزِ هندٍ، وتقدّم.
(26) قوله: "فقول المشتري الخ": وفي روايةٍ: يقبل قول البائع. قال في الإنصاف: وهي أَنَصُّهما. واختارها القاضي وأبو الخطاب وابن عبدوس، وجزم به في المنوّر ومنتخب الآدمي، وقدمه في المحرر اهـ. أي فيحلف على البتّ أنه باعه وليس به هذا العيب. وهذا عندي هو الصواب، لأن المشتري لو علم العيب به حين البيع لما ثبت له الخيار، فمن أين علم أنه كان به إذن حتى يجوز له الحلف؟ فتنبه. ثم ظهر لي أنه إذا ظهر له، وغلب على ظنه، أن العيب كان بالمبيع قبل بيعه بقرينةٍ ونحوها، كما لو أخبره بذلك من يثق به، ونحو ذلك، يجوز له الحلف على ذلك، لما له من النظائر. والله أعلم.
(27) قوله: "فإن خرج عن يده لم يجز له الحلف على البت": أي فلو حلف لا يقبل منه، لا على البتّ ولا على نفي العلم. ثم إن وجد بينة على وجود العيب عند البائع رده، وإلا فلا، خلافًا لما توهم عبارة الشيخ مرعي في الغاية. فراجع وتأمل.
(28) قوله:"قول المشتري الخ" لو قال: "قول المنتقل إليه" لكان أولى، لأن العيب قد يكون في الثمن، فيقبل قول البائع بيمينه أن العيب كان عند المشتري، أو: ما حدث عنده، كما هو ظاهر.
__________
(1) قوله: "قاله في الإنصاف" كذا في الأصل، وفي ض: "قال في الإنصاف".

(1/179)


[1/ 349] فائدة: لو اشترى جاريةً على أنها بكر، ووطئها، وقال: لم أصبها بكرًا، فقوله مع يمينه. وإن اختلفا قبل وطئه أريت النساء. ويقبل قول امرأة ثقةٍ اهـ إقناع.
فائدة: وإن تصرف المشتري بالمبيع بما يدل على الرضا، من وطء وسومٍ وإيجار، واستعمال لغير تجربة، عالمًا العيب، ولم يختر الإمساك قبل تصرفه، فلا أرش له، كرٍ. وعنه: له الأرش، كإمساكٍ. قال في الرعاية الكبرى والفروع: وهو أظهر. وقال في القاعدة العاشرة بعد المائة (1): هذا قول ابن عقيل. وقال عن القول الأول: فيه بُعْد. قال الموفق: قياس المذهب أنّ له الأرش بكل حال. وصوّبه في الإنصاف اهـ. إقناع. فقوله: "ولم يختر الإمساك" أي مجانًا، وإلا فالظاهر إن اختار الإمساك ليأخذ الأرش ثم تصرف فيه أن له الأرش، وأنه يقبل قوله بيمينه أنه أمسك ليأخذ الأرش. والله أعلم.
(29) قوله: "ويقبل قول البائع الخ": أي وكذا المشتري إن وجد البائع عيبًا بالثمن، وأراد ردّه، فيقبل قوله بيمينه أنه ليس هو المردود. وهذا إن كان معيّنًا بعقد.
(30) قوله: "حلف البائع الخ": أي وهذا إذا كان قبل قبض ثمن، وأما إن كان بعده، وفسخ عقد بإقالة أو عيب، فإنه يقبل قول بائع في قدر الثمن بيمينه.
(31) قوله: "بل نكل أحدهما وحلف الآخر": ظاهره: ولو نكل بائع لا يقضى عليه حتى يحلف مشترٍ، وهو ظاهر الإقناع أيضاً. لكنه مخالف لصريح كلام ابن نصرالله. فتأمل.
(32) قوله: "ويتفاسخان الخ": ظاهره: لا ينفسخ بنفس التحالف، بل لا بد
__________
(1) أي من القواعد الكبرى لابن رجب الحنبلي (706 - 795 هـ) واسم كتابه: "تقرير القواعد وتحرير الفوائد" وهو عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن مسعود البغدادي ثم الدمشقي، أخذ عن جماعة منهم العلامة ابن القيّم، ولزم مجالسه إلى أن مات، وكان أحد الأئمة الكبار. له غير القواعد: "جامع العلوم والحكم شرح الأربعين حديثًا من جوامع الكلم" يعني الأربعين النووية. أجاد فيه وأفاد. وله غيرهما.

(1/180)


من فسخه، وهو كذلك. [1/ 350]
(33) قوله: "ظاهرًا وباطنًا": أي سواء كان الفاسخ ظالمًا أو مظلومًا، على الصحيح.
(34) قوله: "فإن نكلا الخ": قال ابن نصرالله: "إن قيل ابتداء البائع باليمين واجب، فالقضاء بالنكول يكون عليه، وإن قيل: بداءة البائع لا تتعين، فأيهما يقضى عليه بالنكول؟ " فيه نظر، ويحتمل أن يقرع بينهما، فمن قرعَ فَنكل قضي عليه اهـ. يوسف. فعلى كلام ابن نصرالله: يقضى على البائع بالنكول قبل عرض اليمين على المشتري، لأن وجوب ابتداء البائع باليمين هو المذهب، [35ب] وعليه فلا يتصور نكولهما معًا. فحرر وتدبر.

فصل في التصرف في المبيع قبل قبضه
(1) قوله: "إن لم يكن فيه خيار": إما غلط من النّساخ، أو سبق قلم من الشارح رحمه الله تعالى، فإن الخيار لا يمنع من انتقال الملك في المبيع، وتقدّم.
فالأولى تأخير هذه العبارة بعد قوله: "ويصحّ تصرفه".
(2) قوله: "فمن ضمان بائعه الخ": لفٌّ ونشر مشوّش، ومقتضى الترتيب أن يقول: "إلا المبيع بكيل الخ فلا يصح تصرفه فيه قبل قبضه، ويكون من ضمان بائعه الخ".
(3) قوله: "الذي ليس في الذمة": أي وأما الذي في الذمة إذا تلف يؤخذ بدله مطلقًا. وكذا يصح بيعه لمن هو في ذمته غيرَ سَلَمٍ.

فصل فيما يحصل به القبض
(1) قوله: "شرط حضور الخ": أي ووعاؤه كيده، فلو أرسل ظرفًا لمن له بذمته زيت، أو عِدْلاً لمن بذمته حنطة مثلاً، فكيل له حقه في وعائه، فهو قبض صحيح، فإذا تلف بعد ذلك من غير تعَدٍّ من باذلٍ له ولا تفريطٍ، فلا ضمان عليه.
ويؤخذ من كلامه أيضًا أنه لو قبض مكيلاً بقولِ باذلٍ أنه قدر حقِّه، ولم

(1/181)


[1/ 352] يحضر كيله لا هو ولا نائبه، يكون القبض غير صحيح، فلا يصح تصرفه فيه قبل اختباره. ثم إن وُجِدَ ناقصًا، فإن كان القابض صدَّق الباذل في قدره لم يقبل قوله إنه ناقص، وإلا قبل بيمينه. وصرّح بذلك في المنتهى وغيره.
(2) قوله: "والنّقّاد الخ": أي إذا لم يكن المنقود مقبوضًا، وإلا فعلى القابض.
(3) قوله: "ومن مضارب وشريك الخ": أي لا من وكيلٍ في بيع أو شراء إلاّ بإذن موكل، كما في الحاشية عن الصوالحي.

باب الربا
(1) قوله: "مكيل": أقول: والذي يظهر أن من المكيل حبَّ القهوة والفلفل والبهار ونحو ذلك، ومن الموزون التتن والتنباك والدارَصيني، أي القِرْفَة، وأن ذلك يجري فيه الربا، لعموم عباراتهم. وهل مثله الخرنوب رطبًا ويابسًا؟ تدبّر وحرر.
(2) قوله: "لعدم تموّله عادة" قال بعضهم: وفيه نظر، لأن العلة عندنا ليست هي الماليّة. وقال م خ: وقد يقال سَلَّمنا ذلك، لكن مرادهم أن ما ذكر من إباحة الأصل، وعدم التموّل عادة، ضعَّفَ العلّة التي هي الكيل، فلم تؤثّر. اهـ.
وقال الزركشيّ: الأظهَرُ جَرَيَان الربا في الماء. وقولهم إنه مباح الأصل ينتقض بلحم الطير، والطينِ الأرمني، ونحوهما. وقولهم: لا يتموّل عادة، ينتقض بان العلة عندنا ليست المالية.
(3) قوله: "وكلّ فاكهة رطبة الخ " هذا يشمل بعمومه التين الرطب، فإنه فاكهة، كما في الأيْمان. فظاهره أنه لا ربا فيه. ولكن لم أو من صرّح به لا إثباتًا ولا نفيًا. لكنهم صرحوا بان العنب ربوي، مع أنه فاكهة رطبة، فكان اللائق أن يقال في هذه العبارة: "إلا العنب، وهل التين مثله أو لا؟ ينبغي أن يحرر".
(4) قوله: "والفلوس" أي فلا يجري فيها الربا إذا كان يتعامل بها عددًا، ولو ناقصةً، لخروجها عن الوزن، وعدم النصّ، فيصح بيع فلس بفلسين ولو اختلفا

(1/182)


وزنًا. وأما إذا كانت المعاملة بها وزنًا فإنه يجري فيها الربا. قاله ح ف. [1/ 354]
(5) قوله: "بجنسه" المراد بالجنس ما يشمل أشياء مختلفة بالنوع، كالبّر مثلاً، فإنه يشتمل على القصري والحوراني والفاشية وغيرها. والنوع ما اشتمل على أشياء مختلفة بالشخص، كأحد لهذه الثلاثة. فيكون النوع داخلاً في الجنس، فإذا كان لا يصح بيع الجنس بمثله إلا بشرطين، فالنوع بمثله من باب أولى.
وشمل كلامه ما لو باع تمرةً بتمرة، أنه لا يصح، لعدم العلم بالمماثلة كيلاً. وإذا بيع صُبْرةٌ بصبرة من جنسها صح إن علم كيلهما وتساويهما، وإلا فلا.
وقوله: "أي بمكيل" الأولى أن يقول: "أي المكيل" تفسيرًا للضمير، وأما تفسير الجنس بالمكيل فلا يصح، لأن المكيل يعمّ أجناسًا. وعليه يصير المعنى: فإذا بيع المكيل بمكيلٍ أو الموزون بموزون، صح بشرطين إلخ، وفيه قصور.
(6) قوله: "وبرٌّ ببرٍّ وشعير بشعير". الأولى ذكر هذا عند قوله "كتمرٍ بتمر" لأنه مكيل.
(7) قوله: "في معياره الشرعيّ الخ" أي فلو باع ما أصله الكيل بمثله وزنًا متساويًا، كرطل بُرٍّ برطل بُرٍّ، أو ما أصله الوزن بمثله كيلاً (1) متساويًا، كصاعِ رصاصٍ بصاع رصاص، لا يصح، لعدم العلم بالمماثلة في معياره الشرعي الذي هو الكيل في المكيل، والوزن في الموزون، وأما إذا علم التماثل بذلك فيصح.
قلت: ومحل ذلك فيما يظهر لي أن المكيل لا يصح بيعُه بمثله وزنًا إذا كان يمكن كيله، وإلا بأن كان جامدًا، كالسمن الجامد، والعسل والدبس الجامدين، ونحوهما كالعجوة، فيصح بيع أحد هذه الأشياء بمثله وزنًا [36أ]، لأنه لا يباع إلا كذلك.
والسمن وإن تمكن إذابته ففيها مشقة، بل صرحوا بجواز هذا. فتخصيص إطلاقهم هنا بما قلنا أولى من جعله مناقضًا، بل [هو] متعيّن.
(8) قوله: "من غير جنسه" أي وأما إن كان من جنسه، كرطل لحم معزٍ بشاةٍ، فلا يصح. قال م ص: لحديث: "نهى عن بيع الحي
__________
(1) كذا في ض. أما الأصل ففيها هنا سقط واضطراب.

(1/183)


[1/ 355] بالميت" (1) ذكره أحمد، واحتج به، ولأنه بيع بأصله الذي فيه منه، فلم يجز، كبيع الشيرج بالسمسم. اهـ. قلت: الحديث الذي احتج به الإمام يشمل ما إذا بيع بحيوان من غير جنسه أيضًا، فليحرر.
(9) قوله: "كالعنب بالعنب والرطب بالرطب" تمثيله، كغيره، بهما فقط يدل على أن غيرهما من الفواكه الرطبة ليس بربوي، كالتين والمشمش الرطبين ونحوهما. ويؤيّده ما تقدم من قولهم "وكل فاكهة رطبة" أي فلا يجري فيها الربا.
نعم كان الواجب أن يستثنوا الرطب والعنب من عموم هذه العبارة. وعلى كل فعباراتهم تحتاج إلى تنقيح. والله أعلم.
فائدة: ولا يصح بيع حبٍّ بدقيقه ولا بِسَوِيقِهِ، ولا دقيق حب بسويقه، ولا
خبز ولا زلابية وهريسة وفالوذج ونشا ونحوهما بحبه ولا دقيقِهِ، كيلاً ولا وزنًا اهـ
من الإقناع.
أقول: وذكر في الإنصاف روايةً بجواز بيع الحب بدقيقه وزنًا. قال واختارها في الفائق اهـ.

باب
بيع الأصول والثمار
(1) قوله: "من باع الخ": "من" اسم شرط مبتدأ، وقوله: "تناول" جواب الشرط، والجملة خبر المبتدأ. والضمير الذي فيه راجع للبيع والهبة والرهن والوقف والإقرار والوصية، ماخوذًا ذلك من "باع" وما عطف عليه. وحينئذ خَلَتْ جملة الخبر عن رابط يربطها بالمبتدأ، إلا أن يقال: معناه: تناول بيعه إيّاها أو هبته الخ فيكون الرابط ضميرًا مقدّرًا، نحو "السمن منوان بدرهم" أي منه.
(2) قوله: "وإن كان بقاؤه أنفع له": أي لا يُبقَّى الزرع الذي لا يحصد إلا
__________
(1) حديث "نهى عن بيع الحي بالميت" أخرجه الشافعي (1306) والبيهقي (5/ 296) وهو حسن (الإراء 5/ 198).

(1/184)


مرة في الأرض المبيعة إلا لأول وقت أخذها، فليس له تأخيره عن أول وقت [1/ 358] أخذه، وإن كان بقاؤه أنفع له.
وقوله: "كالثمرة": أي كما أن الثمرة إذا بيع شجرها بعد ظهورها، فَتُبقَّى إلى أول وقت أخذها فقط، ولو كان بقاؤها أنفع.

فصل في بيع الشجر عليه ثمر
(1) قوله: "وإذا بيع": أي أو صولح به أو رُهِنَ أو وهب أو جُعل صداقًا أو عوض خلع أو أجرةً أو أُخِذ بشفعةٍ، بخلاف وقفٍ ووصيةٍ، فإن الثمرة تدخل فيهما مطلقًا، كفسخٍ في عيب ومقايلة في بيعٍ، ورجوعِ أبٍ في هبة. قال في المفردات (1): ويتجه: "وإقرارٌ مثل الوقف والوصية" قال في شرحها: "لكن الذي يفهم من شرح الإقناع في باب الإقرار: أن الثمرة في الإقرار كالبيع، على التفصيل المذكور، وهو أظهر من اتجاه المصنف" اهـ.
أقول: مقتضى قولهم إن الإقرار ليس بإنشاء تمليكٍ، بل هو إخبار عن الواقع: دخول الثمرة مطلقًا. وأيضًا في الفروع: وليس لربّ الأرض قلعها، وثمرتها للمقرّ له. وفي الانتصار (2) احتمال، كالبيع. فعلى هذا فاتجاه المصنف أظهر.
فائدة: إذا اختلف البائع والمشتري ونحوهما في المبيع ونحوه: هل كان
__________
(1) قوله: "المفردات": هذا الموضع مشكل، فإن الذهن ينصرف إلى أنها "النظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد" لمحمد بن عبد الرحمن العمري (- 820 هـ) التي شرحها الشيخ منصور البهوتي (- 1051هـ) وهما مطبوعان. لكن لم نجد فيهما ما نقله الشيخ عبد الغني في حاشيته هذه عن المفردات وشرحها. فلعله يعني متنًا آخر في المفردات، له شرح متأخر في الزمان عن شرح الإقناع. فلينظر.
وإن كان مراده بالمفردات "نظم المفردات" لابن عبد القوي، فلم نجد لها شرحًا. فينظر مراده. والله أعلم.
(2) الانتصار في المسائل الكبار" هو للقاضي أبي يعلى الفراء (- 458 هـ).

(1/185)


[1/ 360] وقت العقد الثمر باديًا أو لا؟ فيقبل قول البائع ونحوه بيمينه، كما في المنتهى وغيره.
(2) قوله: "وإن تشقق الخ": أي ما لم يكن التشقق ونحوه في بعض ثمرة شجرة، وإلا فالكل للبائع، لأن بعض الشيء الواحد يتبع بعضه.
(3) قوله: "مكانه" قلت: مفهوم كلامهم أنه إذا بقي شيء من أصلها، فطلع له غصن أنه يُتقى. فليحرر.
فائذة: يصح بيع الأصول التي تتكرر ثمرتها، كالقثّاء ونحوه، مطلقًا صغارًا كانت أو كبارًا، مثمرةً أو لا، فهي كالشجرة، وثمرها كثمرةٍ في جميع الأحكام، فلا يصح بيعُها إلا لقطة لقطة، ما لم تبع مع أصلها. وقال الشيخ: يجوز بيع ثمرتها إلى أن تيْبسَ، كما في الإنصاف. ورجحّ صاحب التلخيص أن المقاثي ونحوها لا يجوز بيعها إلا بشرط القطع، ما لم تبع مع الأرض، فهي عنده كالزرع [36ب] الذي لا يحصد إلاّ مرّة.

فصل في بيع الثمر على الشجر
(1) قوله: "فصلاح البلح أن يحمرّ الخ" قال جماعة: صلاح اللوز ونحوه إذا انعقد لبّه، والزيتون: جريان الدهن فيه، فإن لم يكن له زيت فبأن يصلح للكبس اهـ فروع.
(2) قوله:. "وما تلف من الثمرة الخ": مفهومُهُ أن الزرع (1) إذا تلف قبل أخذه يكون من ضمان المشتري، فتختص الجائحة بالثمر. وهو كذلك على الصحيح من المذهب، كما في الإنصاف.
(3) قوله: "ما لم تُبَعْ مع أصلها": أي فلا ضمان على بائع. فعلى هذا لا ضمان على بائع حالمقاثي ونحوها إن تلفت باَفيما سصاوية، لأنها تباع بأصولها. لكن ينظر فيما لو كان تلفها بسبب حرثها في الوحل، فإنها إذا كانت تحرث كذلك تنمو
__________
(1) قوله "مفهومه أن الزرع" أقول: هذا مفهوم لقب، وليس حجة عند الأصوليين، فأخذه منه لا يستقيم. وإن كان الحكم صحيحًا. فلو قال: "أما الزرع إلخ" لكان صوابًا.

(1/186)


نموًا زائدًا، بحيث تُرْغَبُ كثيزا لقوّتها، لكن بعد نحو لقطاتٍ تيبس سريعًا. فهل [1/ 362] يكون هذا عيبًا وللمشتري ردّها ورد ما أكل منها، ويرجع بالثمن كاملاً؟ الظاهر نعم. فليحرر.

باب السلم
(1) قوله: "واللحوم النيئة الخ": مفهومه أنه لا يصحّ في مطبوخ ومشويّ، ولا في لحمٍ بعظم إن لم يعيّن محل قطعه، لاختلافه، وأنه يصح بدون عظم ولو لم يعيّن محل قطعه، لأن القيد راجع لقوله: "ولو مع عظمها" كما يفهم من كلامهم.
(2) قوله: "إلا في أمة وولدها"، أي أو أخيها ونحوه، لندرة ذلك. وظاهر كلامهم أنه يصح في شاة وولدها ونحو ذلك. ولكن تعليلهم يأباه.
وقوله: "أو في حامل" ظاهر إطلاقهم هنا أنه لا فرف بين الأمة وغيرها، فليحرر.
مسألة: وإن أسلم في جنس واحد إلى أجلين، أو في جنسين إلى أجل، صح إن بيَّن قِسْطَ كلِّ أجل، وثمن كل جنس، وإلا فلا. وإن أسلم جنسين في جنس واحد لم يصح حتى يبيِّن حصة كل جنس من المسلم فيه. فعلى هذا: لو أسلم مائة قرش مثلاً من ذهب وفضة في قَدْرٍ معلوم من زيت أو نحوه، ولم يذكر أن الذهب بكذا والفضة بكذا، لا يصح السلم. وغالب الناس لا يتنبه لذلك. ونادرٌ من يعقد عقد سلم بوجه شرعي، مع أنه أكثر المعاملات في ديارنا، بل وغير السلم كذلك، فهذه مصيبة عامّة ورزيّة طامّة. عافانا الله تعالى من مخالفة ما شرع، وموافقة أهل الأهواء والبدع.
(3) قوله: "فلا يصح في مكيل وزنًا الخ" أي وتقدم بيان المكيل والموزون في باب الربا، وذكر المكيل أيضاً في باب زكاة الخارج من الأرض. ولا عبرة بما يستعمله الناس الآن من كيل ووزن، بل ما كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ومكة، كما ذكروه في الرّبا. وجَوْزُ القطن موزون، كما يفهم من حاشية ابن عوض

(1/187)


[1/ 364] على هذا الكتاب، نقلاً عن ح ف. وبه يعلم بطلان السلم فيه بالكيل، كما عليه بعض أهل قرى نابلس. قال في الإقناع: وعنه يصحّ، أي السلم في المكيل وزنًا، وفي الموزون كيلاً. اختاره الموفق وجمع.
(4) قوله: "وفي الكافي: أو نصفه" هكذا عبارة الإقناع. وفي الإنصاف: قال في الكافي: كالشهر ونصفه. ونحوَه قال الزركشي. وكثير من الأصحاب يمثل بالشهر والشهرين. فمن ثمَّ قال بعضهم: أقله شهر اهـ. قال في الفروع: وليس هذا في كلام أحمد، وظاهر كلامه اشتراط الأجل، ولو كان أجلأ قريبًا، ومال إليه، وقال: وهو أظهر. اهـ كلام الإنصاف. فما فيه عن الكافي مخالف لما نقله هنا وصاحب الإقناع، فليحرر.
(5) قوله: "ربيع أو جمادى الخ" ومثله: إلى العيد، وذلك لجهالته. فإن عيَّن بان قال: ربيع الأول، أو الثاني، أو جمادى الأول، أو الثانية، أو النَّفْرِ الأول، وهو ثاني أيام التشريق، أو الثاني وهو ثالثها، أو عيد الفطر، أو الأضحى، صح، لأنه معلوم.
مسألة: ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه. هذا المذهب، وعليه الأصحاب. وفي المبهج (1) وغيره رواية بأن بيعه يصح، واختاره الشيخ تقي الدين.
لكن يكون بقدر القيمة فقط، لئلا يربح فيما لم يضمن. اهـ من الإنصاف. ولا يجوز أخذ عوض عن المسلم فيه من غير جنسه مطلقًا، على الصحيح من المذهب. وذكر في الإنصاف رواية بجواز أخذ الشعير عن البرّ، وجَعَل بعض الأصحاب ذلك [37أ] عامًّا في جواز أخذ الأدنى عن الأعلى. قال في التلخيص: وليس عندي الأمر كذلك، وإنما هذا يختص بالحنطة والشعير، بناء على أنهما جنس واحد، ويكمّل بأحدهما نصاب الآخر في الزكاة. اهـ. قلت: وهذا يدلّ على جواز أخذ البر عن الشعير. وظاهر كلامهم خلافه. ينبغي أن يحرر. والله سبحانه
__________
(1) قوله: "المبهج": هكذا في الأصل وض. ولعله المبهج في فروع الحنابلة لأبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن أحمد الشيرازي المقدسي (- 486 هـ) ذكره في ذيل كشف الظنون (2/ 425) أبوه: محمد، وليس عليًا كما ذكره صاحب الذيل.

(1/188)


وتعالى أعلم. [1/ 365]
(6) قوله: "ولا يشترط ذكر مكان الوفاء": أي خلافًا للحنفية. وقوله: "لعدم ذكره في الحديث": أي قوله - صلى الله عليه وسلم - "من اسْلَفَ فليسلف في كيلٍ معلوم أو وزنٍ معلوم إلى أجل معلوم" (1).
(7) قوله: "ولا يصح أخذ رهنٍ أو كفيلٍ بمُسْلَمٍ فيه": هذا المذهب. وفي الإنصاف رواية بصحته. قال: نقلها حنبل. وصححه فى التصحيح (2) والرعاية والنظم، وجزم به في الوجيز، واختاره المصنف يعني الموفقن وحكاه القاضي عن أبي بكر (3). قال الزركشي: وهو الصواب. قال: وفي تعليلهم على المذهب نظر.
قال الناظم: هذا أولى. انتهى كلام الإنصاف. قلت: والحاجة تدعو لصحة ذلك، فلا وجه لمنعه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب القرض
بفتح القاف، وحُكِي بكسرها، اسم مصدر بمعنى الاقتراض. وهو من المرافق المندوب إليها للمقرض. وفيه ثواب عظيم لمافيه من قضاءالحاجة لأخيه المسلم، وتفريج كربه.
(1) قوله: "والصدقة أفضل منه": أي لحديث: " ما من مسلم يقرض مسلماً قرضًا مرتين إلاّ كان كصدق مرة" رواه ابن ماجه (4).
وقوله: "أفضل منه": هل لا يصادم قوله - صلى الله عليه وسلم - "رايت لية اسري بي مكتوباً على باب الجنة: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر" إلى آخر الحديث
__________
(1) حديث: "من أسلف ... " أخرجه الجماعة من حديث ابن عباس مرفوعًا
(2) ليس المراد تصحيح الفروع للمرداوي كما هو واضح من السياق، فلعل المراد به "تصحيح المقنع" للشيخ شمس الدين بن أحمد النابلسي (- 805هـ)
(3) "أبو بكر" هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، البغدادي، الإمام المحدث الفقيه (- 363هـ) من كتبه "الشافي" و"زاد المسافر".
(4) وحسنه الشيخ محمد الألباني في الإرواء (5/ 226)

(1/189)


[1/ 367] الشريف (1). فإن ظاهره أن مضاعفة ثواب القرض أكثر. فحرر وتدبر. ثم رأيت الفتوحي قال في شرح المنتهى: معناه (2)، والله أعلم، أي أكثر تضعيفًا، ولا يلزم من ذلك تفضيل أصل القرض على أصل الصدقة اهـ. والحاصل أن الجمهور على أن الصدقة أفضل من القرض، للأحاديث الواردة فيها، والله أعلم.
(2) قوله: "بكل عين الخ": مفهومه أنه لا يصح قرض المنافع. وهو كذلك على الصحيح من المذهب. وجوزه الشيخ تقي الدين، كأن يحصد معه يومًا على أن يحصد معه يومًا بدله؛ أو يسكنه داره على أن يسكنه الآخر داره؛ ونحو ذلك.
(3) قوله: "فلا يملك القرض الخ": أي إلا إذا حجر عليه لفلسٍ فله استرجاعه.
(4) قوله: "فقيمته وقت القرض": أي إن كان المُقْرَض مما يصح السلم فيه، وإلا فجوهرٌ ونحوه مما لا يصح السلم فيه، فتردُّ قيمته يوم قبضهِ أي طلبه، كما في المنتهى. وصرح المصنف في الغاية، بأن المتقوّم تجب فيه قيمته يوم القبض مطلقا، خلافًا للمنتهى. فعبارة المتن لا تخلو من تسمّح.
(5) قوله: "ما لم يكن معيبًا الخ": في العبارة -والله أعلم- حذف، والتقدير "وإن رد المقترض القرض بعينه، لزم المقرض قبوله، ما لم يكن معيبًا، أي ما لم يكن تعيب عند المقترض، أو ما لم يكن فلوسًا فيحرمها السلطان، فلا يلزم المقترض قبوله، بل له قيمته وقت قرض". لكن إن كان المقرَضُ ربويًّا أخذت قيمته من غير جنسه. فتأمل.
(6) قوله: "بعد الوفاء": مفهومه أنه لو أهدى له هدية قبل وفاء القرض حرم قبولها. وهو كذلك، إلاَّ إن كان من عادته مهاداته قبل القرض، فلا يحرم. ومحله ما لم يحسب الهدية من أصل القرض، وإلا فلا يحرم مطلقًا.
مسألة: لو اقترض شخص من آخر حنطة ونحوهما مما لحمله مؤنة، ثم طلب
__________
(1) أخرجه ابن ماجه من حديث أنس مرفوعًا.
(2) كلمة "معناه" ساقطة من ض.

(1/190)


ذلك المُقْرِضُ بغير بلد القرض، لم يلزمه دفعه له، إلا إذا كانت القيمة ببلد القرض [1/ 370] ومحل الطلب واحدة، كما صرّحوا به، ويتجه: لو شَرَط عليه وفاءه في غير بلد القرض لا يصح، لأنه يجر نفعًا.

باب الرهن
(1) قوله: "الثبوت والدوام": أي فيقال ماء راهن، أي ثابت وراكد، ونعمةٌ راهنة، أي دائمة.
(2) قوله: "دين": أي غير سلم وكتابة.
وقوله: "أخذه": أي الدين كله.
وقوله: "منها": أي من العين بأن [37ب] كانت من جنس الدين.
وقوله: "ثمنها" أي إن كانت من غير جنس الدين.
مسألة: لو قال الراهن: رهنتك عبدي بألف، فقال المرتهن: بألفين، أو قال المرتهن: رهنتني عبدين، فقال الراهن: عبدًا واحدًا، أو قال الراهن: رهنتك بالمؤجل، فقال المرتهن: بل بالحالّ، أو قال: رهنتك هذا، فقال المرتهن: بل هذا، فإنه يقبل قول الراهن بيمينه. قلت: فعلى هذا إذا حلف الراهن خرج كلا المعنيين (1) من الرهن. مثاله: لو قال الراهن: رهنتك هذا الفرس، فقال المرتهن: بل هذا البغل، حلف الراهن أنه ما رهنه هذا البغل، وخرج البغل من الرهن أيضًا، كالفرس. ثم رأيته في الإقناع صرّح بذلك. أقول: فلو مات الراهن، فقال وارثه: لا أعلم قدر الدين، وإنما أعلم أن هذا العين رهن على دين فقط، ولا بينة للمرتهن في قدر الدين، وحلف الوارث أنه لا يعلم قدره، فهل يصدق المرتهن بيمينه في قدر دينه، أو كيف الحكم؟ لم أر من ذكره، والظاهر أنهما يصطلحان على شيء معلوم، وإلا فلا تطلب اليمين من المدعي. ينبغي أن يحرر.
أقول: ثم رأيت العلامة المحقق ابن القيم رجّح أن القول قول المرتهن
__________
(1) كذا في ض والأصل، ولعل الصواب: "كلا العينين".

(1/191)


[1/ 372] مطلقًا. قال: وهو اختيار شيخنا، وذكر أنه مذهب مالك، وأطال في الاستدلال له. والله أعلم.
(3) قوله: "الثاني أن يقوَّم غير المرهون الخ": هذه عبارة ابن النجار في شرح المنتهى، ومفهومه أنه لا يقوّم المرهون وحده في هذا الوجه. وليس كذلك، فإن عبارة الإنصاف: الوجه الثاني: أن يقوّم الولد أيضًا (1) منفردًا، فيقال: كم قيمته بدون أمه؟ فيقال: عشرون، فيكون للمرتهن خمسة أسداس. اهـ بحروفه.
فقوله: "أيضًا": أي كما أن الأم تقوّم مفردة في المثال. وهو واضح لا غبار عليه. مسألة: لو قال رهنتك عبدي الذي بيدك بألف، فقال: بل بعتنيه بها، أو قال: بعتكَهُ بألف، فقال: بل رهنتنيه بها، ولا بينة، أو لكل منهما بينة، حلف كل منهما على نفي ما ادعاه صاحبه، وسقط، ويأخذ الراهن رهنه، ويبقى الألف بدون رهن. ويتجه مثله لو قال أحدهما: بعتكه بذلك بيعًا وفائيًا (2) على مذهب من يرى صحته، وقال الآخر: بيعًا باتًّا، أو عكسه.
(4) قوله: "قوّمت ولها ولد الخ": فيقال: كم قيمتها ولها ولد؟ فيقال مثلاً: خمسون، ثم يقال: كم قيمة الولد مع أمه؟ فيقال: خمسة وعشرون، فله ثلثا ثمنهما، بالغًا ما بلغ.
(5) قوله: "إذا كان المرتهن يعلم أن لها ولدًا": أي وأما إذا لم يعلم أن لها ولدًا عند الرهن، ثم علم، فيخيَّر بين الإمساك ولا شيء له غيرها، وبين الرد وفسخ البيع إن كانت مشروطة فيه، كما في الإقناع. اهـ. التلخيص للشيخ فخر الدين بن تيمية. الرعاية الكبرى والصغرى لابن حمدان.
(6) قوله: "ومثله مكاتب الخ": أي مثل اليتيم في كونه لا يصح رهن ماله لفاسق. وكذا سفيه ومجنون، كما صرح به م ص. تأمل.
__________
(1) كلمة "أيضًا" ساقطة من الأصل، وثابتة في ض.
(2) تقدم بيان المراد ببيع الوفاء، وأنه هو ما يسميه الحنابلة بيع الأمانة (وهو البيع الذي يحتال به على الربا).

(1/192)


(7) قوله: "فإن قبضه الخ": أي وصفة قبضه كمبيع: فإن كان منقولاً فبنقله، [1/ 372] أو تناوله، وإن كان مكيلاً فبكيله، أو موزونًا فبوزنه، أو مذروعًا فبذرعِهِ، أو معدودًا فبعدّه. وقبض نحو أرض وشجر بالتخلية بينه وبين مرتهنه بغير حائل.
(8) قوله:"لزم": أي في حق الراهن. واستدامة قبضه شرط للزومه. فيزيله أخذ راهن له بإذن مرتهن، ولو بنحو إجارة أو إعارة أو إيدل له. لكن يعود رهنًا بردّه إلى المرتهن بحكم العقد السابق. قال الإمام في رواية ابن منصور: إذا ارتهن دارًا ثم أكراها صاحبَها خرجت من الرهن، فإذا رجعت إليه صارت رهنًا. وكذا لو تخمّر عصير، وكان رهنًا، فإنه يعود بتخلله إلى كونه رهنًا. تأمل.
(9) قوله: "أو معسرًا": وعنه لا ينفذ عتق المعسر، كما في شرح المنتهى لمصنفه.
(10) قوله: "وإلا فالرهن له": الأولى إسقاط "وإلا"، أو يقول: "إن أتاه بحقه عند الحلول وإلا فالرهن له" هذا حاصل ما قرره لنا شيخنا الشيخ يوسف البرقاوي. وهو إنما يتوجه على جعل "فالرهن الخ" جوابَ إن المدغمة في لا في قولها "وإلا"، وهو غير متعين، إذ يصح جعله جوابًا لإن في قوله "إن لم" ويكون جواب الشرط الثاني محذوفًا، أي: "وإلا فليس الرهن له"، كما يؤخذ من جواب الباجوري عن قول البوصيري في البردة (1):
"إن لم " تكن في معادي آخذًا بيدي [38أ] فضلاً وإلاّ فقل يا زَلَّة القدمِ فإنه كعبارة المتن سواء بسواء (2).
__________
(1) "البردة" قصيدة البوصيري الميمية الشهيرة في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -. والبوصيري هو محمد بن سعيد الصَّنْهاجي (1211 - 1296م) من أهل مصر، لغويّ نحويّ أديب متصوف، كان فقير الحال شاعرًا مكثرًا للهجاء. اشتهر بقصيدتيه "البردة" و"الهمزية" وكلاهما في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد أجاد من وجهة النظر الأدبية، لكنه غلا، وجاوز الحدّ المشروع، ومن غلّوه هذا البيت المذكور في الحاشية، فإن بمثل هذا القول يُتَوَجه إلى الله تعالى وحده، فهو المنجي في الآخرة، لأنه مالك يوم الدين. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يشفع، لكن الأمر كله لله تعالى.
(2) لا يخفى ضعف هذا التوجيه، وكلام بلديّنا الشيخ يوسف البرقاوي رحمه الله أوجه.

(1/193)


[1/ 374]

فصل فيهه انتفاع المرتهن بالرهن
مسألة: قولهم "وللمرتهن الانتفاع بالمرهون مجانًا بإذن راهن ما لم يكن الدين قرضًا": يشمل السكن، والركوب، والحرث، والزرع، وأكل الثمرة، ونحو ذلك من الانتفاعات، لكن للراهن الرجوع في الإذن قبل استيفاء المنفعة وقبل قبض الثمن. وهل إذا ادّعى أنه رجع عن الإذن قبل ذلك، وأنكر المرتهن، يقبل قول الراهن بيمينه، أو لا بد من بينة؟ الظاهر أنه لا بد من بينة، كما لو وكله في بيع شيء مثلاً، فباعه، ثم ادعى الموكل أنه عزل الوكيل قبل البيع، وأن البيع غير صحيح لوقوعه بعد العزل. فإن ذلك لا يقبل إلا ببينة، كما في الإقناع وغيره. والله أعلم.
(1) قوله: "به": أي الحديث. قوله: "لأنه": أي القول بأن المراد به الخ. و"قولِهِ" بالجرّ عطفًا على ما في قوله: "بما روي" فهو دليل ثانٍ.
(2) قوله: "متحريًا للعدل": أي لا ينتفع به إلا بقدر نفقته، ولا ينهكه، وحينئذ فلا يضمنه إذا تلف بذلك، لأنه مأذون فيه شرعًا. ذكره في الغاية اتجاهًا.
(3) قوله: "ويرجع مرتهن بفضل نفقته": ظاهره: ولو لم يستأذن مع قدرته عليه، حيث نوى الرجوع. والظاهر أنه قد يفرق بينه وبين ما يأتي في قوله: "وإن أنفق المرتهن على الرهن الخ " بأن ما هنا مأذون في أصل النفقة عليه من جهة الشارع، بخلاف المسألة الآتية. والله سبحانه وتعالى أعلم. فتأمل وحرر.
(4) قوله: "الرهن بعد أن الخ": أي المنتفع به مجانًا. م ص في شرح المنتهى.
(5) قوله: "بِجُعْلٍ،: في كلامه الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، أي وكذا مودعَ بجعل، ووكيل بجعل، ووصيّ بجعل، ودَلاّل بجعل. ففي حل الشارح نظر، إذ لا فرق بين الدلاّل والمودع ونحوه. ويأتي بيان ذلك في الوكالة والوديعة ونحوهما من أبواب الأمانات موضَّحًا. فتأمل.

(1/194)


باب
الضمان والكفالة [1/ 377]
(1) قوله: "وتوقيتًا": أما الكفالة فتصح توقيتًا، كأن كفل ببدنه شهرًا ونحوه، فليس للمكفول له مطالبةُ الكفيل بعد الشهر ونحوه، وأما الضمان فقال م ص وغيره: الظاهر أنه لا يصح توقيتًا. وقول الشارح: كإذا جاء رأس الشهر الخ: فيه نظر؛ فإن هذا تعليقٌ لا توقيتٌ، كما هو ظاهر. فتدبر وحرر.
(2) قوله: "ممن يصح تبرّعه": أي أو مفلس ولو بعد الحجر عليه، لأنه ممنوع من التصرف في ماله، لا في ذمته.
وقوله: "دون التمييز": أي قولاًواحدًا. وكذا المميز على الصحيح من المذهب كما في الإنصاف. فتقييده بدون التمييز نظرٌ لقوله "بلا خلاف".
(3) قوله: لاولا من سفيه": أي محجور عليه. وأما إذا لم يحجر عليه فلا مانع، كما ذكره العلامة (1) في الغاية.
(4) قوله: " أو أيهما شاء" أي ما لم يكن أحدهما معسرًا، فليس له مطالبته، ضامنًا أو مضمونًا، كما في الغاية.
(5) قوله: "لكن لو ضمن الخ": قال ابن عوض في الحاشية: استدراكٌ على قوله "يصحان توقيتًا". اهـ. وفيه نظر، بل هو استدراك على قوله: "ولرب الحق مطالبة الضامن والمضمون معًا" فإنه ربما يتوهم أن له ذلك في جميع الأحوال، فقال: "لكن لو ضمن الخ" أي ففي هذه الصورة ليس له مطالبة الضامن إلى أجلٍ قبل مجيئه. وله أن يطلب المضمون في أي وقت شاء. أي فليس له مطالبتهما معًا قبل الأجل، ولا مطالبة أيهما شاء، بل مطالبة المضمون فقط فتأمل.
(6) قوله: "بدليل ما لو مات المضمون عنه الخ": هذه العبارة كلها لابن النجار في شرح المنتهى. ومفهومه أنه إذا مات المضمون عنه، والدين لم يبلغ
__________
(1) "العلّامة" يريد به المصنف الشيخ مرعي الكرمي رحمه الله.

(1/195)


[1/ 378] أجله، يكون حالاًّ في حقه، مؤجلاً في حق الضامن. وهو إنما يتمشّى على مرجوح (1)، كما يؤخذ من الإنصاف. والصحيح -كما سيأتي- أنه لا يحل الدين بموت من هو عليه إذا وجد رهن يُحْرِزُ أو كفيلٌ مليء، إلا أن يقال قد يتصور ما قاله فيما إذا كان الكفيل غير مليء، فإن الدين يحل، ولا يطالب الكفيل قبل الأجل.
(7) قوله: "وضمانها في الحقيقة الخ": جواب عما يقال إن الأعيان لا يصح ضمانها، كما هو رواية عن الإمام أحمد.
(8) قوله: "بل التعدي فيها": أي فيصح ضمانه.
(9) قوله: "ولو قيمة عرض الخ": أي كما لو كان الدين عشرة مثلاً، وعوَّضه الضامن عن ذلك سلعة تساوي ثمانية، أو كان الدين ثمانية وعوَّضه عنه سلعة تساوي عشرة، فلا يرجع في الصورتين إلا بثمانية. وهو واضح.

فصل في الكفالة بالبدن
(1) قوله: "فلا تصح كفالة الابن لأبيه" أي لأن الابن لا يمكنه إحضار أبيه لمجلس الحكم، ولا تسمع منه دعوى عليه إلا في النفقة الواجبة اهـ حاشية [38ب].
(2) قوله: "وإن ضمن معرفته أخذ به" أي بالمستدين. قاله في المنتهى. واستدل له في شرحه بما يطول، وعزاه إلى شرح المقنع. وفي الإقناع والغاية: لا يلزمه إلا معرفته، فإن لم يعرفه ضمن. ونصره م س وقال: معتمد الفتوى الآن عليه اهـ. تأمل وحرر.
(3) قوله: "كالشاهد": أي فيتحمَّل الشهادة ويؤديها ولو بغير رضا المشهود عليه.
(4) قوله: "ومؤجلة": أي إن كان الأجل معلومًا.
__________
(1) "على مرجوح": كذا في الأصل، وفي ض: مرجوع.

(1/196)


(5) قوله: "دون الآمر": أي وكذا لو قال لآخر: أعط فلانًا كذا، ونحو [1/ 380] ذلك، كأعط هذا الفقير أو الشاعر أو الظالمٍ كذا، فلا يلزم الآمر شيء إن لم يقل عني، ونحو ذلك. ذكره في الغاية. فراجع إن شئت.
(6) قوله: "وقد حل الأجل أو لا": أي أو لم يحل. والمراد به أجل الكفالة، أي إن كانت مؤجلة، لا أجل الدين، لأنه إذا (1) لم يحل يستحق رب الدين طلبه، فلا يبرأ الكفيل بتسليم المكفول له إذن.
(7) قوله: "أو مضى زمن عيَّنه الخ". أي كأن قال: ضمنت إحضاره في غد، ومضى غد ولم يحضره، ضمن ما عليه. أي ولو أحضره بعد، تفطَّنْ.

باب الحوالة
(1) قوله: "اتفاق الدينين في الجنس والصفة": انظر لو كان الدينان قروشًا غير معينة، كما عليه أكثر الناس في هذا لزمان، فإنهم يبيعون ويشترون بالقروش جمع قِرْش، وهو كناية عن أربعين مصرية عندهم، ثم يأخذون ذهبًا أو فضة بقيمة القروش، كما لو باع شخص سلعة بمائة قرش مثلاً، والمشتري له بذمة آخر مائة قرش قرضاً، أو ثمن مبيع، فهل يصح أن يحيل مشتري السلعة صاحبَها على من عليه المائة الثانية؟ الظاهر نعم للضرورة. ولكن لم أو من صرح به. فليحرر.
(2) قوله: "ولو ميتًا": بان يقول: أحلتك بما على فلان الميت، لا به عليه اهـ. م ص (2).
(3) قوله: "على أبيه" أي أبي المحيل، أي لأنه لا يملك مطالبته، فلا يملك الإحالة عليه.
__________
(1) هذا في ض. وفي الأصل: "إذْ لم يحل".
(2) هكذا النص في الأصل وض. وفيه خفاء. وهو قد أخذ من (م ص) من كشاف القناع (3/ 384) ولكن فيه "وتصح الحوالة على ما في ذمة ميت من دين مستقرّ. وفي الرعاية الصغرى والحاويين: إن قال أحلتك بما علبه أي الميت صح ذلك، لا أحلتُك به عليه، أي الميت، فلا يصح لأن ذمته قد خربت" اهـ. فقد أوجز المحشي إيجازًا مخلًّا.

(1/197)


[1/ 383] (4) قوله: "عليه" أي على من عليه دين. وكذا مدين على بريء. أي لو أحال من عليه الدين صاحبه على من لا دين عليه فهي وكالة في اقتراض أيضًا.
(5) وقوله: "فلا يصارفه" أي إن كان الدين ذهبًا، فلا يأخذ فضة، وعكسه، لأنه وكله في الاقتراض لا المصارفة.

باب الصلح
فائدة: لا يصح الصلح عن دين مؤجل ببعضه حالاًّ، كأن يكون له على آخر مائة مثلاً إلى أجل، فيقول له: أعطني ثمانين حالَّةً عوضًا عن المائة الآجلة، فلا يصح، إلا في مال كتابة.
(1) قوله: "وولي الصغير الخ" أي: إلا إن أنكر الخصم الدين، ولا بيّنة به، فللولي مصالحته، لأن ما لا يدرك جلُّه لا يترك كله. ولأنه مصلحة محضة، فجاز.
وكذا لو كان الدين على نحو يتيم، وبه بيّنة، أو كان مدعيه شريرًا يخشى شره، كما في الغاية اتجاهًا. فلوليّه المصالحة عليه. تفطّنْ.
(2) قوله: "اشترط قبض العوض في المجلس": أي والتساوي إن اتفقا في الجنس أيضًا، كما لو صالحه عن برّ ببُرٍّ، فلا يجوز بأقل ولا بأكثر على سبيل المعاوضة. فإن كان بأقل على وجه الهبة، أو الإبراء، صحّ لا بلفظ الصلح.
(3) قوله: "قال في الإقناع الخ": وعبارة المنتهى: "فإن لم يتعذر فكبَرَاءةٍ من مجهول" اهـ[أي] إن قلنا بصحة البراءة بالمجهول صح الصلح، وإلا فلا.

فصل في الصلح على الإنكار
(1) قوله: "إن كان" أي المدعى به. قوله شيئًا مفعول يستحق قوله كالمنكر أي كالمدعي عليه المنكر في أنه لا يؤخذ منه بشفعة ولا يستحق لعيب شيئًا لأن المدعي يعتقد أنه أخذ بعض عين ماله ممت هو عنده فلم يكن بيعًا انتهى من شرح المنتهى لمؤلفه باختصار.
(2) قوله: "صالحني" الخ: وفي الغاية: "أو

(1/198)


بعنيهِ (1) " اهـ أي: أو قال بِعْنِي الملك الذي تدعيه" لم يكن مقرًا. فليحرر. [1/ 385] قوله: "عن الملك الذي تدعيه" الخ: ويتجه احتمال: أو قال صالحني عن الملك الذي تدعيه لم يكن مقرًّا، لا سيّما إن كان في محل المشاجرة، لأنه قد يكون على سبيل التهكم. وهو متجه لو ساعدتْهُ النصوص اهـ. غاية وشرحها.
وقال شيخ مشايخنا: أقول: نَظَّرَ فيه الشارح أيضًا، يعني عبد الحي (2)، ولم أو من صرح به ولا ما يعارضه اهـ.
(3) قوله: "وفي الرعاية" الخ: وجهه أن المدعي لما رضي بالمصالح به، وانقطعت الخصومة، ولم يُسَلَّم، كان له قيمته. قال الفتوحي في شرح المنتهى: وهو مردود بان الصلح لا أثر له لتبيُّنِ فساده اهـ.
(4) قوله: "كما لو بَانَ" لغير المال (3).
(5) قول: "ولا شاربًا" الخ: أي ولا يصح [أن يصالح] إنسانٌ شاربًا الخ.

فصل في أحكام الجوار
(1) قوله: "لتضرره الخ": مفهومه: إذا لم يحصل ضرر له أو لأرضه [39أ] أنه يجوز ولو بدون إذن. وليس كذلك، كما يعلم من مفهوم المتن، وصرح به غيره.
(2) قوله: "وفي رواية" الخ: أي إن لم يتضرر رب الأرض، ودعت ضرورة أوحاجة إلى إجراء ماء في أرضه، كوضع خشب على جدار غيره، وسيأتي.
(3) قوله: "إما بيع أو إجارة" أي إن صالحه على ذلك، مع بقاء ملكه فقط، فهو إجارة. وإلا فهو بيع. ويشترط في الإجارة معرفة قدر ما يزول الماء عنه برؤية أو مساحة، وتقدير ما يجري فيه الماء.
(4) قوله: "يُضِرّ" هو بضم الياء وكسر الضاد، فإنه يقال: ضرَّه، وأضرَّ بِهِ،
__________
(1) في ض: "أو بعينيه".
(2) عبد الحي: هو الشيخ عبد الحي الجراعي شارح الغاية. تقدّم.
(3) كذا في النسختين. ولعل صوابه "لغير المالك".

(1/199)


[1/ 389] فهو هنا من الرباعي كما لا يخفى، فتنبّه. أي بخلاف الواقعة في كلام الشارح، فإنها من الثلاثي.
(5) قوله: "وله منعه من ذلك": وهذا بخلاف تعلية بناء داره على بناء جاره، فإنه ليس له منعه ولو أفضى إلى سد الفضاء عنه، أو نَقَصَ أجرةَ داره. قاله الشيخ تقي الدين. لكن مقتضى خبر "لا ضرر ولا ضرار" (1) أن له منعه، فليحرر.
ثم رأيت في الإنصاف ما نصه: قال في الفروع: ويتوجه من قول أحمد "لا ضرر ولا ضرار" منعه. قلت: وهو الصواب. انتهى كلام الإنصاف. فما بحثناه موافقٌ لما في الإنصاف (2). فلله الحمد والمنة.
فائدة: إذا حصل في هوائه أو أرضه غصن شجر غيره أو عرقه لزم ربه إزالته، وضمن ما تلف به بعد طلب. فإن أبى فلرب الهواء أو الأرض قطعه. وإن اتفقا على أن الثمرة له، أو بينهما، جاز ولم يلزم. وأما إن تصالحا على إبقائه بعوض لم يصح.
(6) قوله (3): "الكوة": بفتح الكاف وضمها. وقوله: "ما عُطِفَ" أي ثُنِيَ من البنيان، ويكون غير نافذ.
(7) قوله: "قال": أي الفتوحي.
فائدة: كثيرًا ما يوجد في بلادنا وغيرها شجر الشوك المسمى صَبْرًا، وهو شجر له شوك أبيض، لا أغصان له، بل له أضلاع. وتنبت ثمرته فيها، وقشر الثمرة له شوك أيضاً. ومن ذلك الشجر ما لا شوك له أصلاً. ويزرع غالبًا في حدود الأرض حفظًا لما بداخلها. فتكون بعض ثمرته من جهة الأرض المجاورة لها، فيضطر صاحبه إلى دخول أرض جاره لتناولها، إذ يعسر ذلك من أرضه. فهل له
__________
(1) حديث: "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه مالك في الموطأ مرسلاً. وأخرجه الحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً. قال في الإرواء (ح 896): حديث صحيح اهـ.
واحتج به أحمد. وبعد الحديث سقط من نسخة ض بقدر سطر.
(2) هذه الجملة الأخيرة ساقطة من الأصل.
(3) هذه القولة ساقطة من ض.

(1/200)


دخولها بدون إذنه، أو هل لربها منعه من ذلك؟ الظاهر أنه لا يمنع، وله الدخول [1/ 389] بلا إذن، لكن بلا ضرر لصاحب الأرض. فإن كان فلا. والله أعلم.
(8) قوله: "فيجوز بلا ضرر" أي ولو كان الجدار ليتيم أو مجنون. وقوله: "بلا ضرر" أي وإن كان يتضرر الجدار بوضع الخشب عليه لكونه ضعيفًا، أو الخشب ثقيلاً، ليس له وضعه عليه بدون إذن ربه. ولو لم يمكن تسقيفه إلا به، لأن الضرر لا يزال بالضرر.
(9) قوله: "لأن الظاهر أن هذا الوضع بحق" الخ: وإن اختلفا في ذلك هل هو بحق أو بعدوان فالقول قول صاحب الخشب مع يمينه، لأن الظاهر معه، صرح بذلك الفتوحي في شرح المنتهى.
(10) قوله: "وينظر في ضوء سراجه": أي وله أن ينظر إلى ما ينتفع بالنظر إليه في ضوء سراج غيره بدون إذنه.
(11) قوله: "ولو أذن الإمام" الخ: ظاهر صنيعه التسوية بين الدكان والدكة، وبين الجناح والساباط والميزاب. وهو مخالف لصنيع المنتهى، فإنه قال: وحرم إخراج دكان ودكة بنافذ، فيضمن ما تلف به أي مطلقًا، سواء كان مضرًّا أم لا، وسواء كان بإذن الإمام أم لا. ثم قال: وكذا جناح وساباط وميزاب إلا بإذن إمام أو نائبه بلا ضرر، بأن يمكن عبور محمل ونحوه اهـ.
(12) قوله: "فلا شيء عليه" أي بل له أجرة مثل نقضه إن نوى الرجوع. اهـ عثمان.
(13) قوله: "ولو اتفقا أي الشريكان" الخ: مفهومه كالمتن أنهما لو لم يتفقا لا ضمان، ومقتضى تعليل شرح المنتهى أنه يضمن حصة شريكه حيث طَلَبَ شريكه منه البناء معه وامتنع، حيث علل بوجوب البناء معه، إذ هو واجب بالاتفاق وبدونه. ح ف. اهـ ابن عوض. قلت: صرح بمفهوم شرح المنتهى في الغاية فراجعه.
***

(1/201)