حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ

 [2/ 38]

كتاب الوصايا
(1) قوله: "الأمر بالتصرف": أي كأن يوصي إلى إنسان بتزويج بناته، أو بأن يغسله، أو يصلي عليه إمامًا، أو يتكلم على صغار أولاده، أو يُفرِّق ثلثه، ونحو ذلك.
(2) قوله: "فيه أقوال": قال في تصحيح الفروع: والأقوال الثلاثة متقاربة.
والصواب: تقبل ما دام عقله ثابتًا اهـ. م ص.
وتصح وصية من أخرس بإشارة مفهومه أو كتابة. وإن وجدت وصية إنسان بخطه الثابت، أو ببينة، أو إقرار ورثته، صحت. ويستحب أن يكتب وصيّته ويشهد عليها.
(3) قوله: "وتحرم على من له وارث إلخ": فعلى هذا تعتريها الأحكام الخمسة.
(4) قوله: "غير زوج أو زوجة": أي فلو كان الوارث زوجًا فقط فلها الوصية بالنصف، ولو كان الوارث زوجة فله الوصية بثلاثة أرباع، بخلاف الوارث غيرهما فلا يباح للمورث الوصية إلا بالثلث، ولو كان الوارث أمًّا فقط، أو بنتًا فقط، لأن الباقي بعد الفرض يرد عليهما، بخلاف الزوجين.

باب
الموصى له
(1) قوله: "من مسلم وكافر" لكن لا تصح الوصية لكافر بمصحف، ولا بعبد مسلم، ولا بسلاح، ولا بحد قذف. فلو كان العبد كافرًا ثم أسلم قبل موت الموصي، أو بعده قبل القبول، بطلت.
(2) قوله: "قال في التنقيح: مطلقًا": أي تصح لكل من يصح تمليكه مطلقًا، فشمل المسلم والكافر، وشمل المرتد والحربي، فلذلك قال المصنف: "ولو مرتدًا أو حربيًّا".

(2/260)


(3) قوله: "أو لا يملك، كحمل وبهيمة": أي فقط. وإنما صحت الوصية [2/ 41] للحمل لكونها تجري مجرى الميراث، وهو يرث. وإنما صحت للبهيمة لأنها أمر بصرف المال في علفها، ولذلك لا يصرفه عليها مالكها، بل الوصي أو الحاكم.
وإذا ماتت قبل تمامه يكون الباقي للورثة. وإنما قلنا "فقط" لأنه سيأتي أنها لا تصح لمَلَكٍ ولا جني ولا ميت، لأنهم لا يملكون. نعم تصح الوصية لقِنِّ الموصي بمشاع، كثلث من ماله ونحوه. ويعتق بقبول إن خرج من الثلث، وإلا بقدره، وإن فضل شيء أخذه. وأما إن وصى بمعين لا يدخل فيه فلا تصح.
ولا تصح أن وصى لعبد غيره لأنه لا يملك. قال في التنقيح [50أ]: وتصح لعبد غيره إن قلنا يملك، وإلا فلا. اهـ. والمذهب أنه لا يملك، فلا تصح الوصية له. وعبارته في الإنصاف: قوله: وتصح لعبد غيره، هذا المذهب وعليه الأصحاب. ثم قال: ظاهر كلام المصنف صحة الوصية له، سواء قلنا يملك أو لا، صرح به ابن الزاغوني في الواضح. وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
والذي قدمه في الفروع أنها لا تصح إلا إذا قلنا يملك، جزم بالأول في المنتهى تبعًا للتنقيح، وجزم بالثاني في الإقناع. وقال في حاشيته على التنقيح: والمذهب الذي عليه الأصحاب أنها تصح له مطلقًا، وهو مذهب الشافعي ومالك، سواء قلنا يملك أو لا. وصرح به ابن الزاغوني، وأطلقه في المقنع والكافي والهادي (1) والمغني والشرح ومسبوك الذهب (2) وابن رزين وأبو الخطاب في الهداية والمذهب والوجيز ونظمه (3) والخلاصة (4) والنظم والحارثي والمستوعب
__________
(1) الهادي: هو كتاب للموفق ابن قدامة رحمه الله، واسمه "عمدة الحازم في المسائل الزوائد عن مختصر أبي القاسم" أي الخرقي. والكتاب مطبوع.
(2) مسبوك الذهب في تصحيح المذهب لابن الجوزي (- 597 هـ).
(3) نظم الوجيز: تقدم أن الوجيز هو للحسين بن يوسف الدُّجيلي (- 732هـ) ونظمه هذا في سبعة آلاف بيت للتستري، وهو نصر الله بن أحمد البغدادي. وتسمّى "منظومة الوجيز".
(4) الخلاصة: في الفقه لأسعد بن المنجّا (- 606 هـ) هذّب فيها كلام أبي الخطاب في الهداية.

(2/261)


[2/ 42] والبلغة (1) وغيرهم. ثم قال: والعجب أن المنقح قال في الإنصاف: هذا المذهب، وعليه الأصحاب، ثم خالف هنا اهـ.
وقوله: "كحمل فرس زيدٍ إلخ": لا يخفى ما في كلام الشارح من الركاكة.
(4) قوله: "يَعْلَمُ موته أو لا": جزم به في المنتهى والإقناع، وهو المذهب، وعليه عامة الأصحاب. وقيل إن علم موت زيد كان الكل للحي، قدمه في المقنع.
قال في الإنصاف: وهو أحد الوجهين. ونُقل عن أحمد ما يدل عليه. اهـ. قلت: وعلى المذهب يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين ما إذا وصى لزيد ولجبريل مثلاً، وهو عَسِر (2). وحينئذ فالقول الثاني متجه.

فصل في ألفاظ الموصي في حق الموصى لهم
(1) قوله: "فلأهل زقاقه حال الوصية": أي لا حال الموت، فلو انتقل بعد الوصية وسكن في غير زقاقه فمات، فالوصية لأهل زقاقه الذي كان فيه حال الوصية، لا لأهل الزقاق الذي مات فيه. وهذا والله أعلم بخلاف ما لو وصّى لفقراء الحرم مثلاً، أو لطلبة العلم في الأزهر ونحوه، فإنها تصرف لمن وجد في ذلك المحل حال صرفها، سواء وجد حال الوصية أو لا، ينبغي أن يحرر.
(2) قوله: "من يسمعوا النداء": الصواب "يسمعون" ولعله من الناسخ.
والمراد بالنداء الأذان.
(3) قوله: "اليتيم": أي هو الذي لا أب له ولم يبلغ. والمراد من فقد أبوه بعد وجوده، ولذلك لا يسمى ابن الزنا يتيمًا. وفي غير الإنسان: اليتيم: الذي تموت أمه. ومن مات أبوه وأمه من الآدميين فلطيم، ومن ماتت أمه فقط فَعَجِي (3).
__________
(1) البُلغة: لعل المراد به "بُلغةُ الساغب، وبغية الراغب" لفخر الدين محمد بن الخضر بن تيمية (-622 هـ).
(2) ض: وهو عسِرٌ جدًّا.
(3) بيّض في ض لهذه الكلمة.

(2/262)


(4) قوله: "كان لمن لم يميز منهم": والذي يظهر لي أن ذلك منوط بما بعد [2/ 44] موت الموصي، لا بحال الوصية، بخلاف من وصّى لأهل سِكِّتِهِ (1) أو جيرانه ونحو ذلك فإن الاعتبار في ذلك بحالة الوصية كما تقدم. وأما من وصى لليتامى، أو الأطفال، أو المميزين، ونحو ذلك، فالموصى به لمن اتصف بذلك بعد موت الموصي لأنه لا يقصد إلا ذلك، بخلاف ما تقدم. ولكن لم أجد من صرح به، بل ولا من أشار إليه، فليحرر.
(5) قوله: "بَجَالة": مصدر بَجُلَ كعَظُمَ لفظًا ومعنى.
(6) قوله: "رجل ثيب وامرأة شيبة": أي فالثيب يشمل الذكر والأنثى. وهذا فيما يظهر ما لم تقم قرينة على التخصيص، كقوله "الثيبين"، فيراد به الذكور والإناث، أو "لثيبات" فيراد به الإناث فقط (2). والله أعلم.
(7) قوله: "والرهط ما دون العشرة": فلو وصى لرهط من قبيلة، فهو لما دون العشرة منها، ولعله يبدأ بالأقرب فالأقرب. وإن قلنا الرهط من ثلاثة إلى عشرة كيف الحكم؟ ينبغي أن يحرر.

باب
الموصى به
مسألة: قال في الفروع: نقل جماعة في من أوصى بصدقةٍ طعامًا (3) هل يجوز للوصي دفع قيمته؟ قال: لا إلا ما أوصى، وجعله في الانتصار وفاقًا. ولو وصى بأضحية أنثى أو ذكر، فضحَّوا بغيره خيرًا منه، جاز اهـ. ملخّصًا.
__________
(1) في الأصل: "لأهل مكة". وفي ض على الصواب.
(2) أي لأن النساء يدخلن في جمع المذكر السالم تبعًا، ولا يدخل الرجال في جمع المؤنث السالم أصالةً ولا تبعًا. على إن إثباته "ثيِّبة" بالتاء، للمرأة، فيه نظر، فلم يذكر ذلك في القاموس ولا في لسان العرب، بل يقال للمرأة "ثيّب" بغير تاء، لا غير.
(3) ض: "بصدقة طعامٍ ". وقوله "نقل جماعة" أي عن الإمام أحمد.

(2/263)


[2/ 46] قلت: فعلى ظاهر المسألة الأولى: لو وصّى بدراهم لا يجزئ دفع طعام ولا عروض أو غيره عوضًا عن الدراهم. وهل لو وصى بنوع من النقدين، كعشرين وَزَرِيٍّا أو مجيديًّا (1)، يجوز دفع بدله من نوع غيره أو لا؟ لم أره. ولي فيه وقفة.
(1) قوله: "بعجز الموصي عن تسليمه": أي بسبب عجز الموصي إلخ.
وقوله "كالآبق إلخ" تمثيل له. لكن ناقش الحارثي في التمثيل باللبن في الضرع بأنه غير معجوز عن تسليمه، لكنه من نوع المجهول أو المعدوم لتجدُّده شيئًا فشيئًا اهـ.
(2) قوله: "ويعتبر وجوده في الأمة إلخ": أي بأن تلده [50ب] لأقل من ستة أشهر من حين الوصية إن كانت فراشًا لزوج، أو لأقل من أربع سنين إذا لم تكن فراشًا، أو كانت فراشًا لزوج ولم يطأ لمرض وحبس ونحوهما، أو أقر الورثة بأنه لم يطأ، وذلك كالحمل الموصى له، فإنه إنما تصح الوصية له إذا كان موجودًا حال الوصية وإلا فلا، ويعلم لك بما تقدم ذكره.
(3) قوله: "يوم وضعه" أي إن قبل الوصية قبله، وإلّا فيوم القبول. ولو ماتت أمه بمجرد وضعه فمقتضى التعليل أن يكون للموصى له، وإن كان ظاهر الإطلاق خلافه اهـ. خ ف.
أقول: مقتضى هذا البحث أنه لو ماتت بعد وضعه بيوم أو أكثر ليس له إلا قيمته، ولو قبل أخذ القيمة، فليحرر.
(4) قوله: "ولو كثر المال": أي لأن ذلك ليس من المال، فاعتبر بحاله، فلا تنفذ الوصية إلا بثلثه، ما لم تجز الورثة ذلك فتنفذ في جميعه.
(5) قوله: "لأن غاية ذلك أنه مجهول": أي والجهل بالموصى به لا يضر، لأن الوصية تصح بالمعدوم، ففي المجهول من باب أولى اهـ. م ص.
(6) قوله: "غلبت الحقيقة": وقيل يُغلب العرف، كالأيمان، وقدمه في الإقناع. فعليه: "الشاة للأنثى فقط، والبعير والثور للذكر خاصة. وإن قلنا: تغلب
__________
(1) تقدم أن الوزري والمجيديّ نوعان من العملات العثمانيّة.

(2/264)


الحقيقة، وهو المذهب، فلا فرق بين تذكير العدد وتأنيثه، بأن يقول "ثلاثة شياه" [2/ 48] أو"ثلاث شياه". وقيل إن ذكَّر العدد كان الموصى به مؤنثًا، وإن أنَّثه كان الموصى به مذكَّرًا، كما هو القاعدة في ذلك. والمذهب الأول.
(7) قوله: "والعبد للذكر خاصة ": وقيل العبد للذكر والأنثى. قاله م ص. ويؤيده ما يأتي في العتق إذا قال: "عبيدي أحرار عتق مكاتبوه ومدبروه وأمهات أولاده اهـ". قلت: لكن قد يفرق بين الجمع، فتدخل الأنثى تبعًا، وبين المفرد، لما له من النظائر.
(8) قوله: "والدابة عرفًا إلخ ": أي وأما في الحقيقة اللغوية [فهي] اسم لكل ما يدبّ على الأرض. ومقتضى ما تقدم أنه يراد بالدابة كل ما دب ودرج، لكن خولف هذا لما ذكره الشارح عن الحارثي من أنهم لحظوا غلبة استعمال العرف.
وهو عندي غير وجيه، فإن غلبة استعمال العرف في الثور للذكر خاصة أكثر، فمقتضاه أنه يُغَلَّب فيه العرف أيضًا، ولأن المتكلم لا يريد بكلامه إلا ما هو معروف ومعهود عند الناس، فالأولى حمل كلامه على ذلك، وإن كان المذهب خلافه. فليحرر.

باب
الموصى إليه
(1) قوله: "ولا تزال يده إلخ": أي فيكون الوصي هو الأول، فالتصرف له وحده، والثاني إنما هو مُعِين. قال م ص: فدل أن الناظر الحِسْبِيَّ، حيث ساغت إقامته، لا تَصَرُّفَ له، وإنما التصرف للأول اهـ.
(2) قوله: "بالنسبة": لعل الصواب "بالنسب"، أي القرابة، يعني أنه يلي مال غيره بالقرابة، كالأب يلي على مال ولده الصغير بسبب القرابة إلخ.
فائدة: ما أنفقه وصيّ متبرع بمعروف في ثبوتها فمن مال يتيم. وإذا أُخرِج عن اليتيم إقطاعُهُ، فللوصي الصرف من ماله بالمعروف في إعادته. وعلى قياس ذلك الوظائف. قاله الشيخ. قال م ص: وهو متوجِّه، لأنه مصلحة له اهـ. أقول:

(2/265)


[2/ 49] وهل مثله ما يأخذه الحكام ويسمونه "خرج محاسبة" (1) ونحو ذلك؟ الظاهر: نعم.
(3) قوله: "وليس للوصي إلخ": قال الحارثي: لو غلب على الظن أن القاضي يستند إلى من ليس أهلاً اتجه جواز الإيصاء قولاً واحدًا، بل يجب، لصون المال عن التلف والضياع.

فصل
(1) قوله: "يملك الموصي فعله": أي وأما ما لا يملك فعله، كالنظر في مال أولاده الذين لا ولاية له عليهم، وهم المكلفون الرشيدون، أو النظر في مال إخوته أو أعمامه أو أولاد ابنه وسائر أقاربه، وكالمرأة توصي بالنظر في مال أولادها، فلا تصح فيه.
فائدة: إذا ظهر دين مستغرق للتركة بعد تفرقة الوصي الثلث الموصى إليه بتفرقته لم يضمن الوصي لرب الدين شيئا، لأنه بعدم علمه، وإن أمكن رجوع على آخذ رجع عليه، ووفي به الدين. قاله ابن نصرالله بحثًا.
(2) قوله:"لمعيّن إلخ": ظاهره أن الموصى به لغير معيّن، كالفقراء، إذا صرفه أجنبي [51أ] في جهته ضمنه، لأن المدفوع إليه لم يتعيَّن مستحقًا، ولا نظر للدافع في تعيينه اهـ. م ص.
(3) قوله: "ولا دفعه إلى أقاربه الوارثين إلخ": قال الحفيد: وهل المراد كونهم وارثين حال الدفع، أو حال الوصية؟ اهـ.
أقول: مرادهم، والله أعلم، حال الدفع. فليحرر.
(4) قوله: "فعلى من تلزمه نفقته": وعبارة الإقناع: فعلى من يلزمه كفنه.
وهي أولى، لأن الزوجة تلزم نفقتُها زوجَها، ولا يلزمه كفنها، كما مر.
...
__________
(1) يعني رسوم القضايا.

(2/266)