حَاشِيةُ
اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ كتاب الفرائض
[2/ 53]
(1) قوله: "يذكر فيه جُل أحكام الفرائض": أي معظمها. والأولى أن يقول: نبذة
من أحكام الفرائض، لأن المذكور في هذا الكتاب ليس معظم أحكام الفرائض. نعم
فيه معظم قواعدها، وهو المراد.
فائدة: السبب في مشروعية الفرائض ما روي أن أوس بن الصامت خلَّف زوجته أم
كُجَّة وثلاث بنات. فزوى عمّاه (1) سُوَيْد وعُرْفُطة ميراثَه عنهن، على
عادة الجاهلية، فإنهم كانوا لا يورّثون النساء ولا الأطفال، ويقولون: إنما
يرث من يحارب ويذب عن الحَوْزة. فجاءت أمّ كجة إلى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فشكت إليه، فقال: ارجعي حتى انظر ما يحدث الله. فنزلت {للرجال
نصيب} الآية [النساء: 9]، فبعث إليهما: لا تفرقا من مال أوسٍ شيئاً فإن
الله قد جعل لهن نصيبًا ولم يبيّن، حتى يبتن، فنزلت {يوصيكم الله في
أولادكم الآية} (2). [النساء: 11].
وقيل إن امرأة سعد بن الربيع جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
بابنتيها من سعد، فقالت: "يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد، قُتِل أبوهما معك
يوم أحُد شهيدًا، وإن عمّهما أخذ مالهما، ولا ينكحان إلا ولهما مال" (3)
فنزلت آية المواريث.
ولا مانع مع صحة الحديثين من كون الآية نزلت في شأن المرأتين. والله سبحانه
وتعالى أعلم.
__________
(1) قوله: "عمّاه" كذا في الأصل، وفي ض: "ابن عمر" وهو خطأ. وفي تفسير
القرطبي (5/ 46): "ابنا عمّه".
(2) ذكر الحديث القرطبي في تفسيره (5/ 46) بأوفى مما هنا، ولم يذكر مخرجه.
على أنه مشكل لأن المعروف أن أوس بن الصامت مات في خلافة عثمان رضي الله
عنهما. وفي بعض الروايات أن المتوفي كان أخا حسّان بن ثابت. فالله أعلم.
(3) الحديث هنا مذكرر بالمعنى. وقد أخرجه بأتمّ مما هنا أبو داود (2892)
والترمذي (2/ 11) كلاهما من حديث جابر. وهو حديث حسن (الإرواء 6/ 122) وفي
تفسير القرطبي (5/ 57) قال الترمذي: صحيح.
(2/267)
[2/ 53] فائدة: يبدأ من تركة الميت أولاً
بمؤنة تجهيزه، ثم النذر المعين، ثم الأضحية المعينة، ثم الدّين بالرهن، ثم
الزكاة والحج والكفارة والنذر المطلق والديون المرسلة، على المُحَاصَّة
بينها، ثم تنفّذ الوصايا، ثم يقسم الباقي على الورثة. فالوصايا، سواءً كانت
بمشاعٍ أو بمعيّن، تنفّذ من ثلث الباقي الباقي بعد ما تقدم. فلو كانت تركته
أربعين، وأوصى بثلث ماله، وعليه دين عشرة، فتخرج العشرة أولاً، ويدفع إلى
الموصى له عشرة، وهي ثلث الباقي بعد الدين.
(2) قوله: "للخيط" أو غيره.
(3) قوله: "بالتخفيف": وبالتشديد: جعلناها فريضة بعد فريضة، أو: فصّلناها
اهـ. فتوحى.
فائدة: حكي أن الوليد بن مسلم رأى في منامه أنه دخل بستانًا، فأكل من جميع
ثمره، إلا العنب الأبيض. فقصَّها على شيخه الأوزاعي، فقال: تصيب من العلوم
كلها إلا الفرائض، فإنها جوهر العلم، كما أن العنب الأبيض جوهر العنب.
(4) قوله: "وهو ينسى إلخ": وفي الحديث "تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني
امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن، حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا
يجدان من يفصل بينهما" رواه أحمد والترمذي والحاكم.
(5) قوله: "وديون الآدميين": أي ويبدأ منها ما تعلق بعين المال، كدينٍ
برهنٍ، وأرش جنايه برقبة العبد الجاني، ونحوه، ثم الديون المرسلة في الذمة.
(6) قوله: "أو دين": وإنما قدمت الوصية على الدين في الآية اهتمامًا
بشانها، ولأنها تثْقُل على الورثة.
فصل
(1) قوله: "لذاته": أي فقد لا يوجد الإرث مع وجود سببه، ولكن لعارض، كما لو
تزوج مسلم ذمّيّة، فإنه لا توارث بينهما مع وجود السبب وهو النكاح، لاختلاف
دينهما. وكذا يقال في بقية الموانع مع الأسباب.
(2) قوله: "فلا ميراث في النكاح الفاسد": أي ما لم يحكم بصحته حاكم
(2/268)
اهـ. خ ف. [2/ 55]
أقول: ومثله فيما يظهر إذا كان الزوجان يريان صحة النكاح، أو كانا مقلدين
لمن يرى ذلك. فحررِّهُ فإنه مهم. وأما [النكاح] الباطل فلا توارث به
إجماعًا.
(4) قولى:"ولا عكس" أي فلا يرث العتيق من معتِقِه. قال العلماء: وقد يرث،
كما لو اشترى ذمّيّ عبدًا وأعتقه، ثم التحق السيد بدار الحرب، فاستُرقّ،
فاشتراه عتيقه فأعتقه. فكل منهما يرث الآخر حيث لا مانع، من حيث كونه
معتقًا لا من حيث كونه عتيقًا. وقولهم: حيث لا مانع، أي من موانع الإرث.
(5) قوله: "وموانعه": المانع لغة الحائل، واصطلاحًا ما يلزم من وجوده
العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، عكس الشرط.
فائدة: لو مات شخص، فأحياه الله كرامة لوليٍّ [51ب] فلا تعادُ لَهُ تركته
بعد تحقق موته. وكذا لا تحل له زوجته إلا بعقد جديد. ومثله لو مُسِخَ
جمادًا ثم عاد لحاله الأولى. والله أعلم.
(6) قوله: "تحقق حياة الوارث": أي بعد موت الموروث، حياةً مستقرة.
(7) قوله: "أو إلحاقه بالأحياء":. أي تقديرًا، كحملٍ انفصل حيًّا حياة
مستقرة يظهر وجوده عند الموت، ولو نطفة أو علقة.
(8) قوله: "تحقق موت المورث": أي كما إذا شوهد ميتًا.
(9) قوله: "أو إلحاقه بالأموات": أي حكمًا كما في المفقود، أو تقديرًا،
كالجنين الذي انفصل بجناية على أمة توجب الغزة، إذ لا يورث عنه غيرها،
والغرة عبد أو أمة قيمتها عشر دية أمه، كما ياتي ذلك في الجنايات موضّحًا.
(10) قوله:"والعلم بالجهة إلخ " هذا يختص بالقضاء، فلا بد من معرفة سبب
الإرث، والدرجة التي اجتمع فيها الوارث والموروث تفصيلاً، فلو شهد شخص عند
قاضيف بأن هذا وارثه فلا يكفي، حتى يبين سبب إرثه تفصيلاً.
(11) قوله: "وأما الذي للأبوين أو للأب فبقوله - صلى الله عليه وسلم - إلخ:
ظاهره أنه لم يذكر في القرآن، وليس كذلك، بل ذكر في قوله تعالى في آخر
[سورة] النساء: {إن أمرو هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها
إن لم يكن لها
(2/269)
[2/ 57] ولد} فإن المراد بالأخت: التي
للأبوين أو للأب، وأما التي للأم فلها السدس، كما في الآية التي ذكرها
الشارح. فقوله تعالى {وهو يرثها} أي الأخ {إن لم يكن لها ولد} أي فإن كان
{لها ولد وكان} ذكرًا فلا شيء له، وإن كان أنثى فله ما فضل عن نصيبها. وهو
ظاهر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(12) قوله: "والجدة مطلقًا" أي كأمّ الأم وأمهاتها المدليات بإناث خالصات،
وأم الأب وأمهاتها المدليات بإناث خلص (1).
وأما إن أدلت الجدة بالجد، كام أبي الأب، فغير مجمع على إرثها، فإنها لا
ترث عند المالكية. وان أدلت بأبي الجد كأم أبي أبي الأب، فلا ترث عندنا،
ومذهب الحنفية والشافعية أنهما ترثان.
وأما الجدة التي تدلى بذكر بين أنثيين، كام أبي الأم، فهي من ذوات الأرحام
باتفاق الأئمة الأربعة. وستأتي إن شاء الله تعالى.
فصل في الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى
(1) قوله: "فالنصف فرض خمسة إلخ" انظر إلى هذا الصنيع ما أحسنه، فإن كل
واحدٍ من أصحاب النصف الخمسة لا يأخذه إلا بشرط موافق لرتبته في العدد:
فالمذكرر أولًا يأخذه بشرط واحد، والمذكرر ثانيًا يأخذه بشرطين، وهكذا إلى
الخمسة. فإن الزوج له النصف بشرط واحد، وهو عدم الفرع الوارث؛ والبنت تأخذه
بشرطين: عدم المعصّب، وعدم المساوي لها؛ وبنت الابن لها [النصف] بثلاثة
شروط: عدم الفرع الوارث، وعدم المعصب، وعدم المساوي لها؛ وهو [أي النصف]
للأخت الشقيقة بأربعة شروط: بما ذكر في بنت الابن، وبعدم الأب؛ وتاخذه
الأخت للأب بخمسة: بما ذكر في الشقيقة، وبعدم الشقيقة أو الشقيقات
والأشقاء. ولا تعلم لهذه الشروط كلها من كلام المصنف والشارح.
(2) قوله: "مع الفرع الوارث": وهو الابن، أو البنت، أو ابن الابن، أو
__________
(1) قوله:"وأم الأب ... إلخ" ساقط من ض.
(2/270)
بنت الابن. وكون الزوجين يحجبان من الفرض
الأعلى إلى الأدنى بابن الابن أو [2/ 59] بنته مجمع عليه بين أهل العلم،
لكن اختلفوا هل هذا الحجب بالاسم أو المعنى؟ على قولين. والأول هو ظاهر قول
الأصحاب، لأنه يسمى ولدًا، فالآية تدل عليه.
وعلم مما تقدم أن ولد البنت لا يَحْجُبُ ولو ورَّثنا ذوي الأرحام، لأنه لم
يدخل في مسمى الولد، ولم ينزله الشرع منزلته اهـ. ملخصًا من شرح المنتهى
لمؤلفه.
(3) قوله: "والثلثان فرض أربعة": أي أربعة أصناف، لكن يشترط لكل صنف على
حسب رتبته في العدد في عبارة المصنف. فالأول له شرط واحد، والثاني اثنان،
وهكذا. فالبنتان بشرط عدم المعصب، وبنتا الابن بشرط عدم الفرع الوارث وعدم
المعصب، والشقيقتانِ بعدم المعصب من أخٍ وجدٍّ، وعدم الفرع الوارث، وعدم
الأصل الوارث، وهو الأب. والأختان للأب بذلك وبعدم الشقيقة والشقيقات أو
الأشقاء.
(4) قوله: "إلا ما شذّ عن ابن عباس إلخ": وهو قوي، لولا الإجماع على خلافه.
وقد رجحه ابن حزم في بعض كتبه. لكن قال بعض العلماء: صح عن ابن عباس رجوعه
عنه وصار إجماعًا. على أن ابن عبد البر قال إن ذلك لا يصح عن ابن عباس، بل
هو مُنكر (1) اهـ.
(5) قوله: "وفوق في الآية الكريمة ادُّعِيَ زيادتها": أي كقوله تعالى
{فاضربوا فوق الأعناق} [الأنفال: 12] أي اضربوا الأعناق [52أ]. ورده ابن
عطية وجماعة، إذ الأسماء لا تجوز زيادتها لغير معنى. و"فوق" في قوله تعالى
{فاضربوا فوق الأعناق} غير زائدة، لأن الضرب يكون في أعلى العنق، في المفصل
اهـ.
(6) قوله: "لأن الله تعالى قال {فإن لم يكن له ولد} الآية": هذا صريح في أن
الأم لها الثلث مع عدم الولد. لكن يفهم منه أنه لا يحجبها عنه إلا الولد.
__________
(1) لكن قال القرطبي في تفسيره (5/ 63): هو الصحيح عن ابن عباس. ولم يذكر
من أخرج هذا الأثر.
(2/271)
[2/ 62] والشارح استدل بها على أنه يحجبها
الأخوة والأخوات أيضًا، وليس فيها ما يدل على ذلك، بل تدل على عدم حجبهم
لها. نعم يعلم ذلك من قوله تعالى {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} وهو واضح.
(7) قوله: "أو محجوبًا بالأب": أي وكذا الأخ لأب المحجوب بالشقيق، فإن الأم
معهما ترث السدس فقط. ومرادهم الاحتراز عن المحجوب بالوصف، كالرقيق،
والمخالف للدين، والقاتل، فإنهم لا يحجبون الأم، لأن وجودهم كعدمه. واختار
الشيخ تقي الدين أن الإخوة المحجوبين بالأب لا يحجبون الأم من الثلث، فلها
في مثل أبوين وأخوين: الثلث عنده. قال في الإنصاف: والأصحاب على خلافه.
اهـ.
(8) قوله: "وقد يكون عائلاً": أي كما يأتي، وذلك كزوج وأم وبنتين وجد،
فإنها تعول لخمسة عشر، فيكون له سهمان من خمسة عشر، وهو أقل من سدس المال.
واعلم أن الجدّ لا يحجبه غير الأب، إجماعًا، ذكره ابن المنذر. واختلف في
الجد مع الإخوة أو الأخوات لأبوين أو لأب: فذهب الصّدّيق وابن عباس وابن
الزبير وغيرهم من الصحابة إلى أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات من جميع
الجهات، كأب، وهو مذهب أبيّ (1). قلت: واختاره من أئمتنا ابن بطة (2) وأبو
حفص البرمكي والآجُرِّي، وذكره ابن الجوزي عن أبي حفص العُكْبُري أيضًا،
والشيخ تقي الدين، وصاحب الفائق (3). قال في الفروع: وهو أظهر. قال في
الإنصاف: قلت: وهو الصواب. وحديث "أفرضكم زيد" ضعَفه الشيخ تقي
__________
(1) هكذا في الأصل. وفي ض: "وهو مذهب أبي حنيفة". وكلاهما: أبيّ وأبو حنيفة
- ذهب إلى ذلك، كما في المغني (6/ 215) ط ثالثة.
(2) ابن بطة: هو عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي
(-،.ظهـ) فقيه محدث. له كتاب "السنن"، وكتاب "الإبانة عن أصول الديانة".
(3) صاحب الفائق: هو أحمد بن الحسن بن قدامة (- 771 هـ) الدمشقي الحنبلي،
المشهور بابن قاضي الجبل. تقدم. وكتابه "الفائق" في الفقه لم يتمّ، مجلد
واحد.
(2/272)
الدين (1). قال ابن الجوزي: الآجري من
أعيان أعيان أصحابنا. انتهت عبارة [2/ 62] الإنصاف. وذهب علي وزيد بن ثابت
وابن مسعود إلى توريثهم معه، على اختلاف بينهم، وهو مذهب مالك والشافعي
وأحمد بن حنبل وأبي يوسف ومحمد.
فصل في أحكام الجدّ والإخوة
(1) قوله: "عده على الجد إلخ": أي فلو كان للميت أخ شقيق وأخ لأب وجدّ، فإن
الشقيق يقول للجد: نحن اثنان وأنت واحد، فلك الثلث، ولنا الثلثان.
فيعطيه الثلث ثم يعود [الشقيق] فيأخذ الثلث الذي قُسِمَ للأخ لأب، فيكون له
الثلثان، كما ذكره المصنف بقوله: "ثم يأخذ إلخ" قال في المغني: وقد مثلت
هذه المسألة بمسالة في الوصايا، وهي ما إذا أوصى لرجلٍ بثلث ماله، ولآخر
بمائةٍ، ولثالث بتمام الثلث، وكان ثلث المال مائتين، فإن الموصى له بالمائة
يزاحم صاحب الثلث بصاحب التمام، فيقاسمه الثلث نصفين، ثم يختص صاحب المائة
بها، ولا يحصل لصاحب التمام (2) شيء. انتهى. لكن قال الفتوحي: وتقدمت هذه
المسألة في الوصايا، وأن قياسها على ما نحن فيه قول مرجوح. والله أعلم.
(2) قوله: "ولا يتفق هذا في مسألة فيها فرضٌ غير السدس": أي لأنه لا يكون
في مسائل المُعَادَّة فرض إلا السدس أو الربع أو النصف، وذلك لأن الثلث
للأم مع عدم الإخوة، والثلثين للبنتين، وبنتي الابن، والأختين، مع عدم
المعصب، والثمن للزوجة مع الولد. فإذا انتفى ذلك بقي الربع والنصف والسدس.
ومع الربع متى كانت المقاسمة أحظَّ له بقي للأخوة أقل من النصف، فهو لولد
الأبوين، وإلا وجب أن يكون الربع للجد، لأنه ثلث الباقي، ولا ينقص عنه،
فيبقى للأخوة النصف، فيأخذه ولد الأبوين، ولا يبقى لولد الأب شيء. وكذا إذا
كان الفرض النصف، بل أولى، فحينئذ لا يتصور أن يبقى بعد الأحظّ للجد وفرض
__________
(1) حديث "أفرضكم زيد" أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من حديث أنس مرفوعًا،
ضمنَ حديثٍ أوّله: "أرحم أمّتي بأمتي أبو بكر".
(2) كلمة "التمام" ساقطة من ض.
(2/273)
[2/ 65] الشقيقة مع فرضٍ غير السدس، وأما
السدس فيتصور أن يبقى معه لولد الأب، كما في مختصرة زيد وتسعينيته. وإذا لم
يكن فرض مطلقًا قد يبقى شيء لولد الأب، كما في العَشْريّة والعشرينيّة، وقد
لا يبقى شيء، كجدٍّ وأخت لأبوين وأخت لأب، فإن المسألة من أربعة: للجد
سهمان لأن المقاسمة أحظّ له، ولكلِّ أختٍ سهم، ثم تأخذ التي لأبوين ما
سُمِّي للتي لأب تستكمل به فرضها، وهو النصف.
فائدة: ما تقدم كله من العمل في الجد مع الإخوة هو مذهب زيد بن ثابت رضي
الله تعالى عنه. قال في الفروع: ونص أحمد على بعض ذلك، وعلى معناه، متبعًا
له. اهـ. وأما مذهب الصديق ومن تبعه: يحجب الجد الإخوة مطلقًا. قلت: وهو
أقل تعسُّفًا.
(3) قوله: "لصحّت ابتداء من أربعة وخمسين": أي كأن يقال: أصل المسألة من
ستة: [52ب] للأم السدس واحد، وللجد ثلث الباقي وهو خمسة، ولا ثلث له صحيح.
ومخرجه من ثلاثة، فاضرب ثلاثةً في المسألة، ستة، تكون ثمانية عشر: للأم
السدس ثلاثة، وللجد ثلث الباقي خمسة، وللشقيقة النصف تسعة، يبقى واحد للأخ
والأخت لأب، على ثلاثةٍ لا ينقسم، فاضرب الثلاثة في ثمانية عشر تكون أربعة
وخمسين، ومنها تصح: للأم تسعة، وللجد خمسة عشر، وللشقيقة سبعة وعشرون،
وللأخ لأب اثنان، وللأخت لأب واحد.
باب الحجب
(1) قوله: "اعلم أن الحجب إلخ": الخطاب لمن يتأتى منه العلم. وإنما صدِّر
هذا الباب بهذا اللفظ تهويلاً له وتعظيمًا لشأنه، فإنه باب عظيم في
الفرائض، حتى قال بعضهم: حرام على من لم يعرف الحجب أن يفتي في الفرائض.
اهـ.
وقوله: "الحجب بالوصف": يؤخذ منه أنه يقال للمتصف بواحد من الثلاثة: محجوب
عن الِإرث، كما يقال: ممنوع، وهو كذلك. لكن اصطلح الفرضيون على أن المحجوب
بالشخص يقال له محجوب، ولا يقال له ممنوع، وإن صح
(2/274)
ذلك في المعنى؛ وأن المحجوب بالوصف يقال له
ممنوع، ولا يقال له محجوب، [2/ 68] وإن كان ذلك في المعنى صحيحًا. لكنه شيء
اصطلحوا عليه، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.
(2) قوله: "على خمسةٍ": وبعضهم عندهم ستة، بجعل الابن والبنت مكان الولد في
كلام المصنّف.
(3) قوله: "وكل جَدّةٍ بُعْدى بجدةٍ قربى": أما إن كانا من جهة فبالِإجماع،
وأما إن كانا من جهتين، فإن كانت القُرْبى من جهة الأم، فإنها تحجب البعدى
من جهة الأب، إجماعًا أيضًا. وإن كانت القربى من جهة الأب فإنها تحجب
البعدى من جهة الأم على الصحيح المفتى به عندنا. وهو مذهب الحنفية. وعند
مالك لا تسقط، بل يكون السدس بينهما. وهو الصحيح من مذهب الشافعي. وبه قال
من أئمتنا القاضي أبو يعلى وابن عقيل وغيوهما.
(4) قوله: "أيضًا": مصدر من "آضَ" إذا رجع، مفعول مطلق حذف عامله، أي أرجع
إلى الِإخبار بكذا رجوعًا، أو حال حذف عاملها وصاحبها، كأخبر بكذا راجعًا
إلى الإخبار به. ولا تستعمل إلا مع شيئين بينهما توافق، فلا يجوز جاء زيد
ومضى عمرو أيضًا، ونحو ذلك.
(5) قوله: "والأخ للأم يسقط باثنين إلخ": قال في المغني: أجمع على هذا أهل
العلم، فلا نعلم أحدًا منهم خالف هذا إلا روايةً عن ابن عباس شذّت في أبوين
وأخوين لأم: للأم الثلث، [و] للأخوين لأم الثلث. وقيل عنه: لهما ثلث
الباقي، وهذا بعيدٌ جدًا، فإن ابن عباس يسقط الِإخوة كلهم جميعًا بالجد،
فكيف يورث ولد الأم مع الأب؟! اهـ.
(6) قوله: "يعصّبهن إلخ": إنما يعصب ابن الابن من هي أعلى منه إن احتاجت
إليه، بأن كانت بنات الصلب ثنتين فأكثر، فإنه لو لم يكن موجودًا لسقطت بنت
الابن، وبوجوده يعصّبها، فيأخذ مِثْلَيْ ما لها من الثلث الباقي. وأما لو
كانت بنت الصلب واحدة فإنها تأخذ النصف، وبنت الابن السدس، والباقي لابن
ابن الابن. فلا يعصّبها لأنها غير محتاجة إليه، فلو خلف ميت أخًا وخمسًا من
بنات
(2/275)
[2/ 70] ابن بعضهن أنزل من بعض لا ذكر
معهن: كان للعليا النصف، وللثانية السدس، وكان الباقي للأخ، وسقط سائرهن.
فلو كان مع العليا أخوها أو ابن عمها كان للعليا النصف، والباقي بينه وبين
الثانية أثلاثًا. ولو كان مع الثالثة (1) فللعليا النصف، وللثانية السدس،
والباقي بينه وبين الثالثة أثلاثًا. وإن كان مع الرابعة فللعليا النصف،
وللثانية السدس، والباقي بينه وبين الثالثة (2) والرابعة على أربعة.
وإن كان مع الخامسة على خمسة، وتصح من ثلاثين: للعليا نصفها خمسة عشر،
وللثانية السدس خمسة، يبقى عشرة: للذكر أربعة، وللثالثة سهمان، وللرابعة
سهمان، وللخامسة سهمان. وكذا لو كان الذكر أنزل من الخامسة. قال في المغني:
لا أعلم في هذا خلافا بين القائلين بتوريث بنات الابن مع بني الابن بعد
استكمال الثلثين. اهـ.
(7) قوله: "لكونه إلخ": فيه نظر، والصواب: لكونِهِ محجوبًا بالوصف، أو
التعميم.
(8) قوله: "إلا الإخوة إلخ" [53أ]: وعند الشيخ: حتى الإخوة. ففي أخوين
وأبوين: للأم الثلث اهـ.
قوله: "لكونه محجوبًا بالشخص": إنما قيده بذلك لأجل الاستثناء في قوله "إلا
الِإخوة إلخ" وذلك لأنهم قد يحجبونها وهم محجوبون، إلا إذا كان حجبهم
بالشخص، كالأب ونحوه. وأما إن حُجبُوا بالوصف، كالرق ونحوه، فلا يحجبونها،
لأن وجودهم كالعدم. وبهذَا يندفع التنظير الذي بجانب لهذه الهامشة (3).
__________
(1) هكذا في الأصل وض. وأضاف ناسخ ض هنا "أخوها أو ابن عمها" ونبّه على
أنها ليست من أصله.
(2) سقط من الأصل من قوله: "أثلاثًا" إلى هنا. وهو في ض على التمام.
(3) لعل هذه القولة من كلام الشيخ محمود تعقيبًا على كلام والده في (ح 7)
المتقدمة، ودفعًا لمؤاخذته للشارح. ويحتمل أيضًا أن الكل من كلام الشيخ عبد
الغني، وقوله "يندفع التنظير" أي قوله فيما تقدم: "فيه نظر".
(2/276)
باب العصبات
[2/ 71]
(1) قوله:"وإن الأخوات مع البنات عصبات": أي فيحجبن من هو دونهن أو أضعف
منهن، فلو هلك هالك عن بنت وأخت شقيقة وأخ لأب، فللبنت النصف، والباقي
للشقيقة تعصيبًا، ولا شيء للأخ لأب. وكذا لو كان أم: فلها السدس، وللبنت
النصف، والباقي للشقيقة. وكذا لو مات عن بنتين وأخت لأب وابن أخ أو عم شقيق
أو لأب: فللبنتين الثلثان، والباقي للأخت للأب، ولا شيء لابن الأخ أو العم،
لأنها هنا أقرب، وفي الأولى أقوى. وقس على ذلك.
فائدة: جهات العصوبة ست: البنوة، ثم الأبوة، ثم الجدودة والأخوة، ثم بنو
الإخوة، ثم العمومة (1)، ثم الولاء.
فالحكم في إرث العصبات للأقرب فالأقرب من الجهات المذكورة. فإن اتحدت الجهة
فالأقوى، كالأخ الشقيق مع الأخ للأب، فان الجهة واحدة، لكن الشقيق أقوى
لكونه أدْلى بجهتين. وهكذا. فبنو عمٍّ للميت بعضهم أنزل من بعض: الِإرث
للأقرب، فإن استووا فيه فللأقوى، فإن استووا فهو بينهم على عدد رؤوسهم، ولو
كانوا جماعةً أبناء عمٍّ واحد، وآخر ابن عمٍّ آخر، لأنهم استووا في القرب
والجهة والقوّة، فاستووا في الِإرث. والله أعلم.
(2) قوله: "ولا تتمشّى على قواعدنا المسألة المسماة إلخ": أي بل تتمشى على
مذهب الشافعي رضي الله عنه تبعًا لزيد، فإنه شرَّك بين الِإخوة لأم
والأشقاء، ولذلك سميت "مشُرًكة"، وتسمى أيضَا "الحماريّة"، لأن بعض الورثة
قال لعمر: هبْ أن أبانا كان حمارًا أليستْ أمنا واحدة؟ فشرَّك بينهم.
والأول مذهب عليّ، وبه قال أبو حنيفة وإمامنا وغيرهم. قال العنبريّ (2):
القياس ما قال عليٌّ، والاستحسان ما قال عمر. قال بعض العلماء: وهذه واسطة
مليحة، وعبارة صحيحة. وهو كما
__________
(1) أي: وبنوهم.
(2) قال في التقريب: عبيد الله بن الحسن العنبري، البصريّ، قاضيها، ثقة
فقيه، من السابعة، مات سنة 168هـ. ليس له عند مسلم إلا حديث واحد. وقال
الزركشي: كان معتزليًّا.
(2/277)
[2/ 74] قال، لأن الاستحسان المجرد ليس
بحجة في الشرع، ولا يجوز الحكم به لو انفرد عن معارض، فكيف وهو في مسألتنا
يخالف ظاهر القرآن والسنة والقياس؟ ومن العجب ذهاب الشافعي إليه هنا، مع
تخطئته الذاهبين إليه في غير هذا الموضع، وقوله "من استحسن فقد شرَّع".
وموافقتُهُ للكتاب والسنة أولى. انتهى. قاله في المغني.
(3) قوله: "عصبته الذكور": أي دون الِإناث. وظاهره أنه إذا ماتَ المعتِق،
وخلَّف بناتٍ أو أخوات أو أمًّا ونحوهن من أصحاب الفروض، ثم مات العتيق ولم
يخلّف صاحبَ فرض يستغرق التركة، ولم يخلف عصبةً من النسب، لم يرث واحدةٌ من
بنات المُعتِقِ ونحوهن من تركة العتيق شيئًا. وكذا لو كان معهن من يعصّبهن،
فإن الِإرث هنا للذكرر خاصة. والله أعلم.
باب
الرد وذوي الأرحام
(1) قوله: "فلا يردّ عليهما": أي إجماعًا. وما روي عن عثمان رضي الله تعالى
عنه أنه ردَّ على زوج، فقال في المغني: ولعله كان عصبةً أو ذا رحمٍ فأعطاه
لذلك، أو أعطاه من بيت المال، لا على سبيل الميراث اهـ.
(2) قوله: "إلا أخًا لأمّ إلخ": الصواب رفع "أخًا" وما عطف عليه، لأنه فاعل
يرث المنفي بلم، وهو استثاء مفرع يكون فيه ما بعد إلا معمولاً لما قبلها،
كقولك ما قام إلا زيدٌ، وما رأيت إلا زيدًا، وما مررت إلا بزيدٍ، بخلاف ما
لو ذكر المستثنى منه نحو "ما قام القوم إلا زيد" يجوز فيه رفع المستثنى
ونصبه. وفي كلام الشارح لم يذكر المستثنى منه فهو كقولك: ما قام من القوم
إلا زيد.
(3) قوله: "لأنها لو زادت سدسًا آخر إلخ": أي كما لو مات عن المذكورين وعن
جدٍّ فإنه يأخذ السدس الباقي.
(4) قوله: "وإن كانت زوجة مع الولد إلخ": أي وإن كانت الزوجةُ مع عدم الولد
فالباقي بعد فرضها ثلاثة، إما أن ينقسم على مسألة الردّ، كزوجةٍ وأمٍّ
وأخوين
(2/278)
لأم كما تقدم، وإما أن لا ينقسم، كزوجة
وأخت لغير أمٍّ وأخٍ لأم مثلاً، فالباقي [2/ 78] بعد فرض الزوجة ثلاثة،
ومسألة الردِّ من أربعة، لا تنقسم عليها، فاضرب مسألة الردّ في مسألة
الزوجيّة، تبلغ ستة عشر: للزوجة أربعة، وللأخت تسعة، وللأخ لأمٍ ثلاثة.
(5) قوله: "إلا على فريق": أي لأن الزوج لا يتعدّد، والأخ لأمٍّ [53ب] إذا
تعدد زاد سهمه إلى الثلث.
فصل في إرث ذوي الأرحام
(1) قوله: "واختلف العلماء إلخ": أي فعند مالك لا يرثون، بل إذا لم يكن
وارث مجمع على إرثه ممن تقدم ذكرهم أوَّل كتاب الفرائض، أو كان ممن لم
يستغرق التركة، فالمال كله في الأولى، والباقي بعد صاحب الفرض في الثانية،
لبيت المال. فهو ينفي الرّدّ وذوي الأرحام. وأصل مذهب الشافعي كذلك، لكن
المفتى به الآن عند محققي أصحابه أن ذلك مخصوص بما إذا انتظم بيت المال.
وأما إذا لم ينتظم فالحكم كمذهبنا ومذهب الحنفية.
(2) قوله: "أو بأبٍ أعلى من الجد": أي كأم أبي أبي الأب. وعند أبي حنيفة
والشافعي ترث.
(3) قوله:"وعليه التفريع": أي في قولهم: فتنزل إلخ ويسمى هذا مذهب أهل
التنزيل.
وعند أبي حنيفة يقدم الأقرب فالأقرب، كالعصبات. ويسمى هذا مذهب أهل
القرابة.
فبنت أخت شقيقة، وبنت أخت لأب: فعلى الأول: لبنت الأولى ثلاثة أرباع، ولبنت
الأخرى ربع. وعلى الثاني: لا شيء للثانية، كالأخ لأب مع الشقيق.
وهكذا: عمّات متفرقات، وخالات متفرقات: فعلى الأول: للعمات الثلثان، على
خمسة، وللخالات الثلث على خمسة. وعلى الثاني: للعمة الشقيقة الثلثان،
(2/279)
[2/ 81] وللخالة الشقيقة الثلث، ويسقط
الباقي. وقس على ذلك ما أشبهه.
(4) قوله: "فلبنت الأخت الأولى النصف إلخ": أي حيث استوت الأختان في كونهما
لأبوين أو لأب أو لأم. وأما لو كانت إحداهما شقيقة والأخرى لأب أو لأم
فلبنت الشقيقة ثلاثة أرباع، ولبنت الأخت لأبٍ أو لأم الربع. وإن اختلفت
منزلتهم منه، كثلاث خالات متفرقات: واحدة شقيقة، وواحدة لأب، وواحدة لأم،
وثلاث عمات متفرقات كذلك، فالثلث الذي كان للأم بين الخالات على خمسة،
لأنهن يرثنها كذلك، والثلثان اللذان للأب بين العمات على خمسة، لأنهن يرثنه
كذلك (1)، والخمسة والخمسة متماثلان، فاكتفِ بأحدهما، واضرب الخمسة في
ثلاثةٍ أصل المسألة مخرج الثلث تكن خمسة عشر للخالات منها خمسة، وللعمات
عشرة: فللخالة من جهة الأبوين ثلاثة، ومن جهة الأب واحد، ومن جهة الأم
واحد، وللعمة من الأبوين ستة، ومن الأب سهمان، ومن الأم سهمان (2).
باب
أصول المسائل
(1) قوله: القول ابن عباس إلخ": أي وقال أيضًا: لو قدَّموا ما قدَّم الله،
وأخّروا ما أخَّر الله، ما عالت فريضة أبدًا. فقال زفر: فمن الذي قدَّمه
الله، ومن الذي آخره الله تعالى؟ فقال: الذي أهبطه من فرض إلى فرض فذلك
الذي قدمه الله، والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي فنالك الذي آخره الله
تعالى. فقال زفر: فمن أول من أعال الفرائض؟ قال: عمر بن الخطاب. فقلت: ألا
أشرف عليه؟ فقال: هبته. وكان امرأً مهيبًا" (3) اهـ.
__________
(1) سقط من ض قوله "والثلثان اللذان كان للأب ... إلخ".
(2) هكذا في ض. وهو الصواب. وفي الأصل: "ومن الأب ثلاثة، ومن الأم ثلاثة".
(3) أخرجه البيهقي في سننه (6/ 253) وللحديث بقية يتضح بها مراد ابن عباس
فانظرها فيه، وفي كنز العمال (11/ 28) وأخرجها الحاكم، وسندها حسن (الإرواء
ح 1706).
(2/280)
(2) قوله: "والاثنا عشر تعول إلخ" وهي
والأربعة والعشرون لا يكونان إلا [2/ 84] عائلتين أو ناقصتين، فلا يكونان
عادلتين أصلاً، بخلاف الستة، فإنها تكون عائلة وناقصة وعادلة. فالعائلة هي
التي تزيد فروضها على مالِها، وعكسها الناقصة، والعادلة هي التي يستوي
فروضها ومالها.
(3) قوله: "وتسمّى أم الأرامل" وكذا تسمى "الدينارية الصغرى" لأنه صحّ لكل
واحدة دينار.
وأما "الدينارية الكبرى" فهي: زوجة وبنتان وأم واثنا عشر أخًا وأخت.
فللزوجة الثمن ثلاثة، وللبنتين الثلثان ستة عشر، وللأم السدس أربعة، يبقى
سهم للإخوة والأخت، [من 24] على خمسة وعشرين، لا تصح، فاضرب خمسة وعشرين في
أربعة وعشرين تبلغ ستمائة، ومنها تصح: للزوجة ثلاثة في خمسة وعشرين بخمسة
وسبعين، وللبنتين ستة عشر في خمسة وعشرين بأربعمائة، وللأم أربعة في خمسة
وعشرين بمائة. يبقى للأخوة والأخت خمسة وعشرون: للأخت واحد، ولكل أخ اثنان.
وسميت الدينارية لما روي أن امرأة قالت لعليِّ: إن أخي من أبي وأمي مات
وترك ستمائة دينار، ونابني منه دينار واحد، فقال: لعل أخاك خلَّف من الورثة
كذا وكذا، قالت: نعم. قال قد استوفيت حقَّك.
(4) قوله: "ثلث": أي سدسان، وإلا فالثلث لا يوجد مع الثمن أصلاً.
باب
ميراث الحمل
(1) قوله:"بفتح الحاء": وأما بكسرها فمصدر "حَمَلَ" الشيء على ظهره أو
رأسه. وفي حمل الشجرة الوجهان [54أ].
(2) قوله: "الأكثر من إرث ذكرين": أي كما لو مات عن زوجة حامل وابن، فإنه
يوقف إرث ذكرين لأنه أكثر.
(3) قوله: "أو أنثيين": أي كما لو مات عن زوجة حامل منه وأبوين، فالأكثر
هنا إرث أنثيين.
(2/281)
[2/ 87] (4) قوله: "إرثه كاملًا": أي كما
لو ماتت امرأة، وخلّفت زوخا وأمًّا حاملًا، فإنه يدفع للزوج إرثه كاملًا،
وأما الأم فيدفع لها السدس، لاحتمال أن يكون الحمل توأمين.
(5) قوله: "استهل صارخًا": قبل بالبناء للفاعل، وقيل بالبناء للمفعول.
ومعنى "استهل": خرج صارخًا، وأما "أهلَّ" فبالبناء للفاعل. وقال الجوهري
وغيره: استهل المولود إذا صاح عند الولادة. وحينئذ فالاستهلال رفع الصوت،
فصارخًا حال مؤكدة لعاملها.
باب
ميراث المفقود
(1) قوله: "كالأسر": أي عند من عادته عدم قتل الأسير.
(2) قوله: "هذا المذهب إلخ": وعنه أنه ينتظر حتى يتيقن موته، أو مدة لا
يعيش لمثلها. وهو مردود إلى اجتهاد الحاكم. وبه قال الشافعي ومحمد بن
الحسن، وهو المشهور عن أبي خنيفة ومالك وأبي يوسف. فيكون ما في المتن من
مفردات المذهب.
(3) قوله: "فأشبه التعيين": أي أشبه تعيين موته. ولعل هذه اللفظة غير
صحيحة، وإنما هي مأخوذة من عبارة شرح المنتهى لمؤلفه على وجه الوهم،
وعبارته: "وقال عبد الله بن الحكم: ينتظر إلى تمام سبعين، ولعله احتج بقوله
- صلى الله عليه وسلم - "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين" أو كما
قال؛ ولأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا، فاشبه التسعين" اهـ. فالظاهر
أنه التبس عليه لفظ التسعين "بالتعيين" فليفهم.
قوله: "فأشبه التعيين" [أيضًا]: هكذا في النسخ التي بأيدينا، وهي لا معنى
لها، وليس ذلك من عبارة الإنصاف، ولعل هذه اللفظة مأخوذة من قول بعضهم
ينتظر تتمة سبعين سنة، أي بتقديم السين الموحدة، قال: لأن الأغلب أنه لا
يعيش أكثر من هذا، فأشبه التسعين، أي بتقديم المثناة فوق على السين
المهملة، فحصل
(2/282)
لها تحريف من النساخ. وعلى كل ففي عبارته
ما لا يخفى. [2/ 90]
(4) قوله:"أخذ ما وجده إلخ" وعنه لا يرجع على من أخذ شيئاً، نص عليه في
رواية ابن منصور، وقال: إنما قسم لهم بحق. انتهى. وظاهره: سواء كان موجودًا
أو تالفًا. وعبارة الفروع تفيد أن ذلك في التالف فقط، فراجعه.
(5) قوله: "إن تباينتا إلخ" اعلم أنه لا بد من الوقوف على معنى التباين،
والتوافق، والتماثل، والتداخل. فمعنى التباين: أن يكون كل من العددين له
جزء غير موجود في الثاني، كثلاثة وأربعة، فإن جزء الثلاثة الثلث، والأربعة
لا ثلث لها. ومعنى التوافق: أن يكون كل من العددين له جزء تصح نسبته من
الثاني، كأربعة وستة، فلكل منهما نصف (1). ومعنى التماثل: أن يكون أحد
العددين مثل الآخر، كأربعة وأربعة، وخمسة وخمسة. ومعنى التداخل: أن يكون
أقل العددين إذا سلِّط على الأكثر أفناه، كاثنين وأربعة، وكأربعة وثمانية،
أو وستة عشر، فإنك تقول: اثنان واثنان أربعة، وأربعة وأربعة ثمانية،
وثمانية وثمانية ستة عشر، ونحو ذلك. فليعلم.
باب
ميراث الخنثى
(1) قوله: "وعددًا": ناقشه م خ بما نصه: وكثرة العدد مشكلة في هذه الحالة،
ضرورية (2) المعية، إلا أن تجعل "معًا" بمعنى جميعًا، أو يكون ابتداء
الخروج معًا، لكنه ينقطع على دفعات، وكون دفعات إحداهما أكثر اهـ. قلت: وما
اعتذر به بقوله: "إلا أن تجعل" إلخ، لا يجدي نفعًا، بل المناقشة في محلها،
كما لا يخفى بالتأمل.
__________
(1) في ض هنا زيادة، نصها كما يلي: "وكثلاثة وتسعة، فلكل منهما ثلث.
وكالأربعة والاثني عشر، فلكل منهما ربع".
(2) كذا في النسختين، ولعل صوابه: "ضرورة المعيّة".
(2/283)
[2/ 94] باب
ميراث الغرقى ونحوهم
(1) قوله: "إذا علم إلخ": قَيَّد في المحرر والرعاية العلم بالورثة، وقال
ابن نصر الله: ليس علم الورثة بذلك شرطًا، بل شرطه الثبوت، كغيره من
الأحكام المطلقة. وهذا القيد لا حاجة إليه. ثمّ لو فرض أن الورثة ممن لا
يعقل لم يؤثر ذلك في الحكم اهـ. وهو كما قال.
(2) قوله: "وجهل عينه إلخ": هذا هو المذكور في قول المتن: "وكذا إن جهل
الأسبق" فالصواب أن يقول: وكذا لو جهل السبق، بأن لم يعلم هل حصل سبق
لأحدهما أو لا. والأحسن في العبارة من أصلها أن يقال: وكذا إن جهل السبق،
أو علم وجهل السابق، أو علم ثم نسي. فهذه أخصر وأوضح. فليتأمل.
باب
ميراث أهل الملل
(1) قوله: "إذا أسلم إلخ": وهذا عندي يُعَدّ من محاسن [54ب] المذهب، لأن
فيه ترغيبًا في الإسلام.
(2) قوله: "فاليهودية ملة إلخ ": وقال القاضي: الكفر ثلاث ملل: اليهودية،
والنصرانية، ودين من عداهم. وَرُدَّ بافتراق حكمهم، فالمجوس يُقَرُّون
بالجزية، وغيرهم لا، وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم، يكفر
بعضهم بعضًا، ويستحلون بعضهم دماء بعض اهـ. م ص.
(3) قوله: "ومن حكم بكفره من أهل البدع إلخ ": أي كالداعية منهم، وكالجهمية
القائلين بالتعطيل، ويزعمون أن القرآن مخلوق، وأن الله لم يتكلم، ولا يرى،
وليس له عرش ولا كرسي، وأنكروا الموازين وعذاب القبر، وأنكروا صفات الرب عز
وجل، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
(2/284)
(4) قوله: "فلو خلَّف المجوسي إلخ": ومثله
في الحكم لو وطئ مسلم بنته [2/ 97] وأخته ونحوهما بشبهة نكاح أو تسرٍّ،
وولدت الموطوءة ولدًا، فإنه يرث بجميع قراباته، لأن النسب يلحق الواطىء.
باب
ميراث المطلقة
(1) قوله: "سواء كان في المرض إلخ" أي إذا مات أحدهما وهي في العدة. وأما
إن انقضت فلا توارث إلا إذا كان [طلاقه لها] في مرض موته المخوف، فإنها ترث
ولو انقضت عدتها، ما لم تتزوج أو ترتد.
(2) قوله: "وليس منه كلام أبويها": أي لأن لها غنى عنه شرعًا، فإنه لا يحرم
عليها عدمه، بخلاف نحو الصلاة. هكذا يفهم من هذه العبارة. ينبغي أن يحرر
الحكم.
(3) قوله: "أو وكل في صحته من يُبينُها متى شاء إلخ": ولعل وجه التهمة هنا
أنه ربما كان واطأه على إبانتها في مرضه المخوف، وإلا فهذا لا تهمة فيه.
(4) قوله: "ولو لم يمت": أي من ذلك الرجز، بل لُسِعَ أو أكل أو تردى من علو
أو نحو ذلك، وهو في مرضه. أما إذا صح من ذلك المرض، ثم مات، فإنها لا ترثه
لأنه حينئذ لم يطلقها في مرض موته، فافهم.
فائدة: لو أبان رجل زوجته في مرض موته المخوف لا بقصد حرمانها بل لتكون
أجنبية تصح الوصية لها، فأوصى لها عقب إبانتها بما يزيد عن فرضها، فهل تكون
وارثة ولا تصح الوصية لها إذ لا وصية لوارث، أو لا ترث لعدم التهمة، بقرينة
الوصية، وتصح الوصية لها، لأنها غير وارثة؟ الذي يفهم من كلام بعض المحققين
أنها ترث، ولا تصح الوصية. ولي فيه وقفة. فليحرر.
(5) قوله: "بشرطه المتقدم": أي وهو التهمة بحرمانها، وقد مَرّ تصويره.
(6) قوله: "ما دامت معتدة": مفهومه أنه إذا انقضت عدتها انقطع الإرث، وهو
مقتضى كلامه في التنقيح والإنصاف، وظاهر كلامه في الفروع،
(2/285)
[2/ 100] كالمقنع (1) والشرح، حيث أطلقوا
"ولو بعد العدة" واختاره في الإقناع، وقال إنه أصوب مما في التنقيح اهـ. م
ص. أي كما لو كان هو المطلّق. وعلى كل فالظاهر: ما لم تتزوج، لئلا يرثها
زوجان، وهو لم يعهد. وأما نكاحه غيرها فلا يقطع إرثه منها. هذا ما ظهر لي،
فليحرر.
باب
الإقرار بمشارك في الميراث (2)
(1) قوله: "بمشارك في الميراث" أي بمن يرث، أعم من مشاركته أو حجبه، فإن
الإقرار بمن يحجبه ذكر في هذا الباب، أو يقال: ترجم لشيء وزاد عليه، وهو
غير معيب.
(2) قوله: "فيشترط لثبوت النسب أربعة شروط": أسقط شرطين، أحدهما ذكره
المصنف، وهو كونه مجهول النسبة، وثانيهما ذكره في المغني، وهو أن لا يكون
مورثهم نفاه في حياته. فعلم بهذا أن الشروط ستة.
باب
ميراث القاتل
(1) قوله: "فلا يرث من سقى ولده إلخ": اعترضه الموفق بأن هذا قتلٌ غير
مضمون بقصاص ولا دية ولا كفارة، على ما يأتي في الجنايات، فكان مقتضاه عدم
__________
(1) ض: "المنقِّح" وهو خطأ.
(2) في الأصل: "باب الإقرار بمشارك في الميراث"
وهو الصواب وهو موافق لما في متن الدليل. وأراد الشارح التغلبي رحمه الله
التوضيح بالزيادة، حتى كان العنوان عنده هكذا: "باب حكم تصحيح المسألة مع
الإقرار بمشاركٍ في الميراث" ومن هنا جاء العنوان في ض هكذا: "باب حكم
تصحيح المسألة" وهو بعيد، فليس هنا تصحيحٌ أصلًا، فإن الصحيح عند الفرضيين
له معنى خاص غير موجود هنا أصلًا.
(2/286)
المنع من الإرث. وصوَّب ذلك في الإقناع.
وهو الموافق لقاعدة المذهب. [2/ 104] واختاره الشارح أيضًا. قلت: وهو الذي
يجب المصير إليه.
باب
ميراث المعتق بعضه
(1) قوله: "لكن المبعض إلخ": لم يتعرض الأصحاب لتوريثه بالولاء، ولا ذكروا
في العتق صحة عتقه لما يملكه. قال ابن نصر الله: والظاهر صحة ذلك، إذ لا
مانع منه، مع ثبوت الملك. وقد نصوا على ما يقتضي ذلك في الكفارات، فإنهم
جعلوا كفارته ككفارة الحرّ في أنه يجوز تكفيره بجميع خصال الكفارة، وهذا
يقتضي صحة عتقه، وصحة عتقه يقتضي ثبوت الولاء له، وثبوته له يقتضي ثبوت
الإرث. والظاهر أنه يرث هنا جميع تركة مولاه، لأن إرثه بالملك، وهو تام،
بخلاف إرثه من أقاربه اهـ. م ص.
باب الولاء
(1) قوله: "وعلى أولاده": هذا إذا كان كامل العتق، وأما المبعض فولاء
أولاده بين السيد وبين مولى الأم بقدر حصتي الحرية والرق. قاله ابن نصر
الله. اهـ. خ ف.
(2) قوله: "فيما إذا التزم به ": أي لا في قوله [55أ]: أعتق عبدك عني
مجانًا، أو أعتق عني عبدك. قال ابن نصر الله في حاشية الزركشي: والمراد
بالثمن القيمة، لا ثمنه الذي اشتراه به. ح ف. وهو ظاهر.
فصل في الإرث بالولإ
(1) قوله: "المتعصبون بأنفسهم" أي وهم الذكور خاصة.
وهنا مسألة غلط فيها أناس كثيرون: وهي ما إذا اشترى أخ وأخت أباهما أو
أخاهما، فاشترى عبدًا فأعتقه، ثم مات العتيق، فإنه يرثه الابن دون أخته،
لكونه
(2/287)
[2/ 107] عصبة المعتق. فقدم على مولاه.
ذكرها في الإقناع، فليراجع.
مسألة: لو اشترى أخ وأخته أباهما عتق عليهما، ثم لو ملك الأب بعد ذلك
رقيقًا فأعتقه، ثم مات الأب، ثم مات عتيقه، وخلف ابن معتقه وبنته
المذكورين، فإرثه لابن المعتق دون أخته، لأن الإرث لعصبة المعتق الذكور،
والنساء لا يرثن بالولاء إلا بمباشرة العتق، وهذه إن باشرت عتق المعتق، وهو
أبوهما، فلا تستحق الإرث، لأن عصبة المعتق أولى من معتق المعتق، فتنبه لهذه
المسألة فقد غلط فيها سبعون قاضيًا من قضاة العراق سألهم عنها الإمام مالك
رحمه الله تعالى، كما في الإنصاف وغيره (1).
...
__________
(1) هذه المسألة عين السابقة فيما يبدو. ومثل هذا التكرار غير نادر في هذه
الحاشية.
(2/288)
|