حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ

كتاب الديات [2/ 330]
(1) قوله:"من أتلف إنسانًا": أي مسلمًا أو ذميًّا أو معاهدًا، بمباشرة، أو سبب كحفر بئر يحرم حفرها، ورمي قشر بطيخ بطريق، وصب ماءٍ فيه، ووضع حجرٍ فيه، لا في ماء وطين ليطأ الناس عليه.
(2) قوله: "إن كان عمداً إلخ": أي ولو كان لا يوجب القود، كالمسلم إن قتل ذميًا.
(3) قوله: "فعلى عاقِلَتِه": ظاهره أنه لا يلزم القاتل في الخطأ وشبه العمد في الدية شيء. وهو كذلك. صرّح به في الإقناع، وسيأتي في باب العاقلة التصريح به، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(4) قوله: "ومن حَفَر تعدّيًا": أي بأن حفرها في فنائه، ولو بإذن الإمام، وكان لنفسه، أو حفرها في ملك غيره بغير إذنه، أو في مشترك بينه وبين غيره بلا إذنه، أو في طريق ضيق، أو واسع وفيه ضرر، وكان لنفسه، أو في دربٍ غير نافذ بدون إذن أهله، ونحو ذلك، فهذا تعدًّ ويحرم حفر. وما تلف فيه يكون من ضمان الحافر.
(5) قوله: "كمكشوفةٍ إلخ": أي كما لو سقط فيِ بئرٍ مكشوفة بحيث يراها الداخل البصير، فإن كان أعمى أو في ظلمة لا يبصرها ضمِن.
(6) قوله: "لا في كشفها" أي لا يقبل قول الحافر في أنها كانت مكشوفة إذا ادعى ولي الداخل أنها كانت مغطاة، لأنه خلاف الظاهر.
(7) قوله: "كان الضمان على الحافر إلخ": مفهومه: لو كان كل منهما غير متعد، كما لو حفر بئرًا في طريق واسعة لمصلحة المسلمين أو في ملكه، ووضع غيره حجرًا بجانب البئر ليطأ الناس عليه، أنه لا ضمان عليهما. وهو كذلك.
(8) قوله: "وإن تجاذب حُرّان إلخ": أما لو تجاذب قِنّان، فماتا، فهدر.
وإن مات أحدهما فقيمته في رقبة الآخر. وإن كانا حرًّا وقنًّا فقيمة قنّ في دية حر، ودية الحر في تلك القيمة، كما في الاصطدام. اهـ. ح ف.

(2/379)


[2/ 331]
(9) قوله: "لكن نصف دية المُنكَبِّ إلخ": أي لأن قتل المنكب يشبه العمد، والمستلقي يشبه الخطأ. قال ح ف: لكن ينظر في النصف الثاني من دية كل منهما: فإن كان مخفَّفًا من المنكب، ومغلظًّا من المستلقي، فقد صار نصف دية كل منهما مغلظًا والآخر مخففًا. وهو غير ظاهر، لأنه يلزم عليه استواء ديتيهما، مع أن الظاهر أنه ليس مرادًا، إذ لو أريد ذلك لقيل: نصفها مغلظ والآخر مخفّف. اهـ.
أقول: ولو أريد أيضًا أن النصف الثاني مخفف منهما لقال: "ودية المستلقي مخففة". ولو أريد أنه مغلظ فيهما لقال: "ودية المنكبِّ على عاقلة المستلقي مغلظة" ولم يقل نصفها. فليحرر.
أقول: ثم ظهر لي بان عبارة الرعاية محمولة على القول بأن الواجب في نحو المتجاذبين نصف الدية على عاقلة كل منهما، فقط، فيكون هذا النصف مغلظًا من عاقلة المستلقي ومخففًا من عاقلة المنكب، لا أنه تجب دية كاملة ويكون نصفها مغلظًا، حتى يسأل عن النصف الثاني ما حكمه. فعلى هذا يقال على المذهب: تجب دية المنكب مغلظة ودية المستلقي مخففة. وهذا هو التحقيق. ولم أر من عرَّج عليه. والقول بوجوب نصف الدية فقط هو العدل، كما في الإقناع، لأنه هلك بفعل نفسه وفعل صاحبه، فَيُهْدَرُ فعل نفسه. والله أعلم.
(10) قوله: "وإن جُنِيَ عليه ضمنه المُرسل إلخ" قال في المنتهى وشرحه: قال ابن حمدان: إن تعذر تضمين الجاني، أي على الصغير، فإن لم يتعذر تضمينه فعليه الضمان، لأنه مباشر والمرسل متسبب. اهـ.
(11) قوله: "وخَرَّج أبو الخطاب إلخ": هذا خلاف المذهب، كما يأتي في المتن.
(12) قوله [72أ]: "ضمنه": قال في المغني: وظاهر كلام أحمد أن الدية في ماله، لأنه تعمد هذا الفعل الذي يقتل مثله غالبًا. وقال القاضي: على عاقلته، لأنه لا يوجب قصاصًا، فهو شِبْهُ عمد. اهـ.
(13) قوله: "فأحدث بغائطٍ أو بول إلخ": قال م ص: والقياس: لا ضمان، وهو قول الأكثر، وروي عن أحمد. ولكن المذهب الأول، أي وجوب ثلث الدية

(2/380)


وقوله: "ولم يدم": وأما إن دام فسيأتي أن في الدية كاملة. [2/ 333]

فصل
(14) قوله: "مكلفًا" أما لو كان المأمور غير مكلف، فهلك بنزوله أو صعوده، ضمنه الآمر. وقال في المغني والشرح: إذا كان المأمور صغيرًا لا يميز فعليه، وإن كان مميزًا لا ضمان. قال في الفروع: ولعل مراد الشيخ ما جرى به عرف وعادة لقرابة وصحبةٍ وتعليم ونحوه، فيذا متجه، وإلا ضمنه. وقد كان ابن عباس يلعب مع الصبيان، فبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى معاوية. وقال (1) في شرح مسلم: لا يقال: هذا تصرُّف في منفعة الصبي، لأنه قدر يسير ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة، واطَّرَدَ به العرف وعمل المسلمين اهـ. م ص (2) 0 اهـ. ع ن. اهـ حاشية.
(15) قوله: "من صبيّ" أي لم يميّز، لأنه لا فائدة في تأديبه، لعدم عقله، والمميز يعقل.

فصل في مقادير ديات النفس
فائدة: ويجب من إبلٍ في عمد وشبهه خمس وعشرون بنت مخاضٍ، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حِقَّة، وخمس وعشرون جَذعة.
وفي الخطأ أخماسًا: عشرون من كل من الأربعة المذكورة، وعشرون ابن مخاض.
وتغلَّظ دية طرفٍ كنفس. ولا تغليظ في غير إبلٍ.
ومن بقَرٍ مُسِنّات وأَتْبِعة، نصفين. ومن غنمٍ ثنايا وأجْذعة، نصفين. وتعتبر سلامة من عيب، لا أن تبلغ قيمتها دية نقدٍ.
فإذا أحضر من عليه ديةٌ أحدَ هذه الأصناف الخمسة المذكورة في المتن لزم وليَّ جناية قبوله.
__________
(1) أي النووي من الشافعية.
(2) كذا في الأصل. وليس في ض قوله: "اهـ. م ص".

(2/381)


[2/ 335]
(1) قوله: "ويدل لذلك ما روى إلخ" فيه قصور، حيث لا دلالة في الحديث الشريف على الذهب والفضة.
وقد استوفى الدليل على ذلك في شرح المنتهى لمؤلفه، فقال: وعن عكرمة عن ابن عباس: "أن رجلاً قُتِل، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألف درهم" (1)، وفي كتاب عمرو بن حزم "وعلى أهل الذهب ألف دينار" (2).
لكن يشكل على ذلك ما ذكروه في كتاب الزكاة، من أن زنة الدينار درهم وثمن، وزنةُ المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، فيكون الألف دينار دون ألف مثقال بكثير، فلا يطابق الدليل ما استدلوا له، إلا أن يكون المراد بالدينار المثقال، وهو يحتاج إلى دليل فتأمل (3).
(2) قوله: "فقط": أي دون المال ونحوهما (4).
__________
(1) حديث ابن عباس أخرجه أبو داود (4546) والنسائي (2/ 248) والترمذي (1/ 261) وهو ضعيف (الإرواء 7/ 301).
(2) حديث عمرو بن حزم أخرجه النسائي (2/ 252) والدارمي (2/ 192) بسند ضعيف (الإرواء 7/ 305).
(3) الدينار اسم خاص بقطعة الذهب المسكوكة التي وزنُها مثقال. والمثقال اسم للعيار، أو الصنجة، التي يساوي وزنها وزن درهم وثلاثة أسباع درهم، كان توزن بها الأشياء الثمينة، كالذهب والفضة والعنبر ونحوها. أما قوله: "وذكروا في كتاب الزكاة أن وزن الدينار درهم وثمن" فهذا ليس وزن الدينار الشرعي، بل دينار اصطلح عليه في العصور اللاحقة، وعبارة الإقناع وشرحه واضحة في ذلك حيث قال في (2/ 229): "زنة المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، ولم تتغير المثاقيل في جاهلية ولا إسلام، وزنة العشرين مثقالًا بدينار الوقت الآن الذي زنته درهم وثمن درهم ... إلخ" أما الدينار الشرعي، وهو الذي ضربه عبد الملك بن مروان، واتفقت الأمة على اعتباره في الشرعيات، فوزنه مثقال تامّ، أي درهم وثلاثة أسباع الدرهم، كما قدمنا. فلا إشكال بحمد الله. وقوله: "وهو يحتاج إلى دليل" فالدليل هو أحاديث باب الديات هذا، ففي بعضها "ألف مثقال" وفي بعضها "ألف دينار" فاستوى مثقال الذهب والدينار. والله أعلم.
(4) هكذا في النسختين، والمراد به مشكل. فلينظر. ثم رأيت في شرح الإقناع (6/ 19) =

(2/382)


(3) قوله: "ودية الحرة المسلمة إلخ": أي ودية الخنثى المشكل ثلاثة أرباع [2/ 335] دية الذكر. وكذا جراحته.
(4) قوله:"عقل المرأة" أي ديتها.
(5) قوله: "عقلها" أي ديتها.
(6) قوله: "في كلِّ من حرم إلخ": هل المراد أن يكون القاتل والمقتول محرِمًا أو في الحرم؟ تأمل.
وقوله: "في كلِّ من حرم إلخ" هذا كلام مجمل لا يعرف ما المراد منه، هل هو أن يكون القاتل والمقتول في الحرم، أو محرمين كلاهما، أو إذا كان القاتل قائمًا في غير الحرم فقتل إنسانًا بالحرم خطأ، أو عكسه، يكون الحكم كذلك: تغلظ الدية، أو تغلظ في الأولى فقط، أو بالعكس؟ لم أو من صرح به، بل ولا من أشار إليه. فليحرر. أقول: ثم رأيت في حاشية ابن عوض عن الحفيد ما نصه: "المراد إحرام المقتول كما هو ظاهر المغني اهـ". فعلى هذا أقول: فالمراد من الحرم أن يكون المقتول فيه. فتنبه.
(7) قوله: "فمع اجتماع الثلاثة يجب ديتان": وقال في الشرح: وظاهر كلام الخرقي أن الدية لا تغلظ بشيء من ذلك، وهو ظاهر الآية والأخبار. وعلم منه أنه لا تغليظ في شبه العمد، ولا في قطع طرف. قال م ص: ولعل المراد بالخطأ هنا ما يعم شبه العمد اهـ. قلت: وفي حاشية ابن عوض على قول المصنف "وتغلظ دية قتل الخطأ" ما نصه: لا دية العمد وشبهه اهـ. وكذا رأيت مناقشته من م خ.
لشيخه م ص. في قوله "ولعل المراد بالخطأ هنا ما يعم شبه العمد" وجعل كلام المتن على ظاهره من كون ذلك خاصُّا [72ب] بالخطأ.
(8) قوله: "أضعفت ديته": ظاهره تخصيص التضعيف بالقتل، وظاهر
__________
= الإشارة إلى أن المراد: لا حُلَل، فقد قال بعضهم إنها أصل، لما ورد في رواية أبي داود من حديث عطاء عن جابر مدفوعًا: "أو ألفيْ حُلَّة" وبهذا يتبين أن كلام المحشي قد صُحّف، والصواب: "أي دون الحلل ونحوها" وحديث جابر معلول بعلَّتين. انظر نيل الأوطار (7/ 83).

(2/383)


[2/ 336] تعليلهم بإزالة القود أن ذلك في غيره مما يوجب القود من الجراح وقطع الأطراف أيضًا. وصرح به في الوجيز. واعتمدع ن في حواشيه على المنتهى عدم التضعيف في الجراح.
(9) قوله: "لإزالة القود": يرد عليه إذا كان القاتل غير مكلّف ونحوه مما لا قود فيه، فإنه لا تضعّف فيه الدية. فليحرر.
(10) قوله: "عشر دية أمه": فيه نظر، لأنه قد تكون أم الحر المسلم كتابية، أو رقيقة، كما لو تزوّجها حرّ واشترط الحرية، أو غُرَّ بها، فلا تكون الغرة فيه عشر دية أمه (1). فلو قال، كغيره: "قيمتها خمس من الإبل" لكان أولى، على أن رفع الإبهام بقوله "وهي خمس من الإبل" لا يرفع التسمُّح في العبارة. وفي قول الشارح: "ولو قال إلخ" إيماء لذلك. والله أعلم.
(11) قوله: "وهي خمس من الإبل": يقتضي ما تقدم من أن الخمسة المذكورة في أول الباب أصول في الدية: أنه يصح أن تكون قيمة الغُرَّة عشر أيِّ صنف شاء الجاني من الخمسة من دية الأم، خلافًا لظاهر كلامهم. ثم لم يذكروا الإبل التي تقوّم بها الغرة من أي صنف هي. قال ح ف: والظاهر أنه في العمد وشبهه تقوّم بالخمسة من الأنواع الأربعة المتقدمة في كامل الدية، وفي الخطأ بأربعة منها، والخامس ابن مخاض، فسكتوا عن التعيين اكتفاء بما في أصل الدية.
اهـ.
(12) قوله: "ولو لم يستهل": أي ولو لم يصرخ، وهذا إذا كان فيه حياة مستقرّة. ويعلم ذلك بتنفّسه أو ارتضاعه أو عطاسه ونحو ذلك، أما مجرد الحركة فلا يدل. وعنه: لا يثبت له هذا الحكم إلا إن استهل. اهـ. ح ف.
(13) قوله: "ولا بينة لواحد منهما" أما لو كان لأحدهما بينة فيعمل بها، فإن أقاما بينتين قدّمت بينة الأم. اهـ. م ص، أي تقدم بينة وارث الجنين، لا
__________
(1) إنما قال بعضهم "لا عشر دية أمة" لأن أمه إن كانت كتابية أو مجوسية لم يجب خمس من الإبل، بل عشر دية أمه كيف كانت، على ما تقدم.

(2/384)


خصوص الأم، فليفهم. [2/ 339]
(14) قوله: "وإن لم تكن متألّمة إلخ": وإن اختلفا في وجود التألم فقوله، وإن تألّمت في بعض المدة فادعى برأها فقولها، والمراد: مع اليمين، في حق كل من قلنا يقبل قوله. ويقبل قول امرأةٍ عدل في استهلال الجنين، وسقوطه، وبقائه متألمًا، أو بقاء أمه متألمة، كما في الإقناع. وقال أيضًا: وإن اعترف الجاني باستهلال الجنين، أو ما يوجب فيه دية كاملة، فالدية في ماله، وإن كان مما تحمل العاقلة فيه الغرة فهي على العاقلة، وباقي الدية في مال القاتل.

فصل في دية الأعضاء
(1) قوله:"أي في إتلافهما": جواب عما قد يقال: لِمَ أُفْرِدَ مع أن المتقدم شيئان، ولذلك كانت عبارة المنتهى "ففيهما الدية".
(2) قوله: "ولو قطعت مع ظفر": فإن قطع ظفر وحده ولم يَعُدْ، أو عاد أسود، ففيه خمس دية إصبع نصًّا، لما روي عن اين عباس. ذكره ابن المنذر. ولم يعرف له مخالف من الصحابة. اهـ. م ص.
(3) قوله: "بالسين المهملة" أي وبكسرها.
(4) قوله: "فيكون في جميعها إلخ": قال ابن نصر الله: وليس في البدن شيء من جنس تزيد ديته على دية النفس إلا الأسنان. قال في المغني: وقد روى أنه ليس فيها إلا دية، قياسًا على سائر ما في البدن. والصحيح الأول للخبر. اهـ. ح ف. قلت: فعلى الثاني تكون دية السن جزءاً من اثنين وثلاثين جزءًا من دية النفس.
(5) قوله: "أربع ثنايا" إلخ: الثنايا في مقدم الفم: اثثتان من فوق واثنتان من تحت، والرَّباعيّات، بفتح الراء وتخفيف الباء، هي التي بجانب الثنايا الأربع، والأنياب هي التي بجانب الرباعيات، والعشرون ضرسًا منها أربعة ضواحك، وهي التي بجانب الأنياب، واثنا عشر تسمى "الطواحين" وهي بجانب كل ضاحكٍ، منها ثلاثة، ومنها أربعة تسمى نواجذ، وهي في آخرها من داخل الفم اهـ ملخصًا من

(2/385)


[2/ 341]
الحاشية.

فصل في دية المنافع
(1) قوله: "في إذهاب كلٍّ من سمعٍ إلخ": أي ولا بدّ من ذهاب جميع الحاسّة، فلو ذهب بعض سمعه وبعض بصره ونحو ذلك، وكان يعلم قدر الذاهب، ففيه ديته بقدره. وإلا يعلم قدره ففيه حكومة. ويقبل قول مجني عليه في نقص بصره وسمعه بيمينه. وإن ادعى نقص إحدى عينيه عصبت التي ادعى نقصها وأطلقت الأخرى، ونصب له شخص ويتباعد عنه حتى تنتهي رؤيته، فيعلم الموضع. ثم تشد الصحيحة وتطلق الأخرى، وينصب له شخص ثم يذهب حتى تنتهي رؤيته، ثم يعلم. ثم يدار الشخص إلى جانب آخر ويصنع به كذلك، ثم يعلم عند المسافتين، ويذرعان، ويقابل بينهما، فإن استويا فقد صدق وله من الدية بقدر ما بين الصحيحة والعليلة من الرؤية، وإن اختلفت المسافتان فقد كذب.
قلت: وهذا -والله أعلم- فيما إذا كانت العينان متماثلتين [73أ] في الضوء قبل الجناية، وأما إن كانت المجني عليها أحسن ضوءًا من أختها فلا يتأتى ذلك، إذ لا يعلم قدر التفاوت سابقًا، فلا يعلم لاحقًا.
وقوله: "وذوق": أي للمذاق الخمسة (1)، وهي الحلاوة والمرارة والعذوبة والملوحة والحموضة. وفي كل واحد خمس الدية.
(2) [قوله: "وكلام"]،: وفي إذهاب بعض الكلام بحسابه، ويقسم على ثمانية وعشرين حرفًا.

فصل في دية الشِّجاج والجراح
(1) قوله: "لأنها قطع الجلد" أي، والشَجُّ القطع.
(2) قوله: "البازلة": من بزلَ الشيءُ إذا سأل، "والدامية" لأنها تُدْمي الجلد،
__________
(1) المذاق مفرد، وأراد به هنا الجمع، وفي صحة ذلك هنا نظر، فليحرر.

(2/386)


كما ذكر الشارح، "والدامعة" لقلة سيلان الدم منها، تشبيهًا لها بخروج الدمع من [2/ 343] العين.
(3) قوله: "وفيها نصف عشر الدية": خمسة أبعرة. ظاهره أنه لا فرق بين كون الموضحة في حرّ مسلمٍ أو حرة مسلمة، وهو مقتضى ما تقدم من أنه لا فرق بين الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية، خلافًا لظاهر المنتهى في قوله "فمن حرٍّ مسلمٍ خمسة أبعرة" والعجب من م ص في شرحه عليه حيث لم ينبّه به.
(4) قوله: "وتسمى الآمَّة ": أي في لغة أهل العراق، وأما "المأمومة" فلغة أهل الحجاز، ذكره ابن عبد البر.
(5) قوله: "لا يوطأ مثلها": أي بان كانت دون تسع، وآلة الذكر كبيرة. ويكون ذلك في ماله إن كان عمدًا محضًا، بان كان يعلم أنها لا تطيقه، وأن وطأه يفضيها، وإلا فعلى عاقلته.
(6) قوله:"ولا شبهة للواطى إلخ": انظر لو كانت اشتبهت عليه أجنبية بزوجته فوطئها وأفضاها، ولكن هي تعلم أنه أجنبي، ومكنته من نفسها، فهل يكون ذلك هدرًا حيث كانت مكلّفة؟ الظاهر من تعليلهم: نعم. فعلى هذا: قول الشارح "للواطى إلخ" فيه قصور. ولا بد أن تكون الشبهة من جهتها أو من جهتهما. والله أعلم.

باب العاقلة وما تحمله
(1) قوله: "وهي ذكرر عصبة الجاني إلخ": فعلى هذا إذا جنى العتيق خطأ، ولم يكن له عصبة من النسب، فعاقلته معتِقهُ إذا كان ذكرًا، وإن كان أنثى حمل عنها جناية عتيقها من يحمل جنايتها من عصباتها، ثم عصباته، الأقرب فالأقرب.
(2) قوله: "ولا تحمل إقرارًا إلخ": علم من هذا أنها لا تحمل إلا ما ثبت ببينة أو بتصديقها.
(3) قوله: "ولا ما دون ثلث دية ذكر مسلم": فعلى هذا لا تحمل دية يد

(2/387)


[2/ 345]
امرأة أو رجلها، أو يد كتابيّ أو عينه، أو دية مجوسي ونحوه، لأنها دونه، لكن تحمل العاقلة الغرة إذا مات الجنين مع أمه، أو بعدها، بجناية واحدة، لتبعيّتها لدية الأم. وأما إذا مات قبلها فلا.
(4) قوله: "مؤجلاً في ثلاث سنين": هذا إذا كان دية كاملة، فيدفع في آخر كل سنة ثلث. وإن كان المحمول ثلث دية، كالجائفة ونحوها، فتدفع في آخر السنة الأولى. وإن كان نصف دية وجب في آخر السنة الأولى ثلث، وفي آخر الثانية السدس الباقي. وهكذا الثلثان. وإن كان المحمول ديتين، كما لو أذهب سمعه وبصره، وجب ذلك في ستّ سنين. في كل سنة ثلث، وهكذا إذا زاد.
(5) قوله: "ويبدأ بالأقرب فالأقرب": لكن تؤخذ من بعيد، لغيبة قريب. فإن تساووا في القرب، أو كثروا، وُزِّع الواجب بينهم بحسب ما يسهل على كل منهم.
فإن اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم. وإلا انتقل إلى من يليهم.
ويجتهد الحاكم في تحميل العاقلة، فيحمل كلاًّ منهم ما يسهل عليه.
(6) قوله: "ولا صبيّ ولا مجنون": لكن إذا بلغ الصغير، أو عقل المجنون عند الحول، لزمه. وإن كان عاقلاً فجنّ بعد الحول، فعليه قسطه. وإن جنّ مع الحول أو في أثنائه فلا شيء عليه. ومثله فقير استغنى، وعكسه.
(7) قوله: "فلا دية": وتكون في بيت المال. وعنه تجب في مال القاتل.
قال في المقنع "وهو أولى" أي لما يلزم على الأول من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال، فإنه لا تكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها، ولا سبيل إلى أخذها من بيت المال، فتضيع الدماء. والدية تجب على القاتل ثم تحملها العاقلة، وإن سلمنا وجوبها عليهم ابتداءً لكن مع وجودهم، كما قالوا في المرتد: يجب أرش خطئه في ماله، لأنه لا عاقلة له تحملها. اهـ.

باب كفارة القتل
(1) قوله: "قال في الإقناع وشرحه": هذه العبارة بتمامها من الإقناع [73ب]

(2/388)


دون شرحه. [2/ 348]
(2) قوله:"كفارة كاملة": عبارة الإقناع: فعليه كفارة إلخ ولهذه اللفظة لا بد منها، إذ ليس في العبارة بدونها جواب لمن في أولها.
(3) قوله: "النفسٍ محرمة": أي ولو نفسه، كما تقدم في عبارة الإقناع. فتؤخذ الكفارة من تركته، كما لو أمسك حيّةً ظانًّا أنها لا تقتل غالبًا، فتقتله، لعموم الآية. وقال أبو حنيفة: لا كفارة فيه. وقال الموفق: وقول أبي حنيفة أقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى. واستدل له بما لا يسعه هذا المحل. فانظر حاشية ابن عوض.
(4) قوله: "كما لو ضرب بطن امرأة إلخ ": ومثله والله أعلم إذا لم يتوقها في الجماع، بأن نام على بطنها أو أكثر من جماعها ونحوه مما يضرّ بالحمل، فأسقطت ما فيه صورة. فتلزمه الكفارة.
(5) قوله: "ثم مات": أي في الحال، أو بعد مدة وبقي متألمًا، كما تقدم في فصل "ومن جنى إلخ".
(6) قوله: "ويكفر الرقيق بالصوم": فإن عجز عنه لكبرٍ أو مرضٍ لا يرجى برؤه فهل تبقى بذمته؟ ظاهر قولهم: نعم.
(7) قوله: "ويكفر الكافر بالعتق": أي لأنه لا يصح الصيام منه، وإنما صحّ العتق منه، مع أنه طاعة، لأنه قد لا يكون طاعة، ولنالك لا يحتاج إلى نية القربة، بل لا يحتاج إلى نيّة العتق مع صريحه، كما تقدم. نعم لا بد في الكفارة من نيتها في العتق كغيره. فليحرر.
(8) قوله: "كزان محصن": أي بعد ثبوت زناه لدى حاكم. وقوله: "ومرتد" مجمع على ردته. وقوله: "وباغٍ" قتله أهل العدل. وقوله: "وقصاص" قتله الوليُّ أو نائبه. وقوله: "ومرتد" ظاهره ولو قبل استتابته ثلاثًا. إن كان ممن تقبل توبته.
ورأيت ابن عوض في حاشيته قيّد ذلك ببعد الاستتابة ثلاثة أيام، فليحرر.
***

(2/389)