حَاشِيةُ
اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ [2/ 350]
كتاب الحدود
فائدة: موجبات الحد خمسة: الزنا، والقذف، والسرقة، وقطع الطريق، وشرب
المسكر. وأما البغي والردة فقد عدهما جماعة فيما يوجب الحدّ، لأنه يقصد
بقتالهم المنع من ذلك، ولم يعدهما آخرون، لأنه لا يقصد بهما الزجر عن
السابق، وإنما يقاتل فاعل ذلك على الرجوع عما هو عليه من ترك الطاعة
والكفر، فهو كقتال الكفار على الإسلام، فلا يسمى حدًّا لذلك. اهـ. ح ف.
(1) قوله: "وهي ما حدَّه إلخ": أي وتطلق أيضًا حدود الله تعالى على ما حدّه
سبحانه وتعالى وقدّره، لقوله تعالى {تلك حدود الله فلا تعتدوها} [البقرة:
229] وسميت العقوبة حدًّا إما لمنعها من الوقوع في مثلها، وإما لكونها من
التقدير، لأنها مقدر.
(2) قوله: "والمستأمن": أي والمهادَن، في حق الله تعالى فقط، وأما حق
الآدمي، كالقذف والسرقة (1)، فيستوفى منه.
(3) قوله: "بعد أن يبلغ الإمام" قال في الحاشية نقلًا عن الحفيد: والمراد
ببلوغه به الإتيان إليه بالمحدود، لا مجرد البلوغ، كما يعلم من الحديث، وهو
"فهلا قبل أن تأتيني به" وعلم منه جوازهما قبل ذلك. واحترز بحد الله تعالى
عن حد الآدمي، كحد القذف ونحوه، فإنه يجوز أن يشفع فيه عند من وجب له
مطلقًا.
اهـ. بتصرف وزيادة.
(4) قوله: "عدد الشفع والوتر": المراد منه كثرة ذلك.
(5) قوله: "واغْدُ يا أنيس إلخ": وسبب ذلك أن رجلين اختصما إلى رسول
__________
(1) ليس المراد أن حدّ السرقة حق للمسروق منه، بل يستوفى الحدّ من السارق
المستأمن ولو عفا عنه المسروق، لأن الحق في إقامة حد السرقة لله تعالى.
ولكن المراد أن المال المسروق يستوفى من السارق لحق المسروق منه. وانظر
كثاف القناع في آخر باب الهدنة (3/ 115)
(2/390)
الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ابنُ
أحدهما عسيفًا عند الآخر، فزنى بامرأته، فجلد النبي - صلى الله عليه وسلم -
ابنه [2/ 351] مائةً وغربَّه عامًا، وأمر أنيسًا الأسلمي المذكور أن يأتي
امرأة الآخر، وقال له "فإن اعترفت فارجمها" فاعترفت فرجمها (1).
وهذا يدل على أنه إن كان أحد الزانيين محصنًا والآخر غير محصن، لكل واحد
منهما حكمه، وهو كذلك.
(6) قوله: "الحرّ": خرج به المكاتب، فلا يقيم الحد على مملوكه.
(7) قوله: "على رقيقه": ظاهره ولو كان الرقيق مكاتَبًا، وصرح به في المنتهى
تبعًا للتنقيح والفروع. وكذا صرح به في الإقناع. قال م ص: ونقل في تصحيح
الفروع عن أكثر الأصحاب خلافه، لاستقلاله بمنافعه وكسبه.
(8) قوله: "ولأن ما دونه أخف منه في العدد إلخ": وهذا بالنسبة إلى الزنا
وما بعده، وأما القذف والشرب فعدد الحدِّ فيهما سواء، فلم كان الجلد في
القذف أشدّ؟ قلت: إما لكون القذف فيه حقًّا لآدمي، وإما لكونه قيل في حد
الشرب إنه أربعون، فيكون للاختلاف في عدده، بخلاف حد القذف. وعلى كل فلا بد
من التأليم في الضرب. فليفهم.
(9) قوله: "قال في شرح المهذب إلخ": قلت: قال في الرعاية، من عندِهِ: حجم
السوط بين القضيب والعصا.
(10) قوله: "ومن المختار [74أ] لهم،: أي للحنفية.
(11) قوله: "من غير الجلد": أي كالكرباج.
(12) قوله: "وتضرب المرأة جالسةً": أي فتضرب على ظهرها وجنبها إذ لا يمكن
الزيادة على ذلك، إذ الرأس والوجه والبطن ممنوع من ضربها، والأليتان قد
وطئت بهما الأرض، يبقى الفخذان والساقان فإذا كفَّتْهما لا يتمكن الضارب
منهما، فأما إن مدَّتهما تضرب عليهما. ويعتبر لإقامة الحد نية. اهـ معنى
__________
(1) أورد الحديث بمعناه. وقد أخرجه البخاري (2/ 27) ومسلم (5/ 124) ومالك
(2/ 826) (الإرو اء 7/ 361).
(2/391)
[2/ 353] كلام ح ف.
(13) قوله: "بعد الحد": ظاهره أنه لا يحرم ذلك قبل الحد، مع أن الحبس
والإيذاء منسوخان بالحد، أما الحبس لأجل إقامته فمتجه جوازه، وأما إيذاؤه
بالكلام فالظاهر عدم جوازه بعد الحد وقبله. والله أعلم.
(14) قوله: "تداخلت": قال ح ف: بان فعل أحدهما مرارًا قبل أن يحد للأول،
أما لو حد للأول حد للثاني ثانيًا اهـ. قلت وهو مرادهم.
(15) قوله: "بل يجب أن يبدأ بالأخف فالأخف": أي إذا كانت الحدود حقوقًا لله
تعالى أو لآدمي، فإن اجتمعت حقوق لادميٍّ وحدود لله تعالى، فإنه يبدأ فيها
بحقوق الآدمي، فلو زنى وشرب وقذف وقطع يدًا، قُطعَ أوّلاً، لأنه محض حق
آدمي، ثم حد لقذفٍ للخلاف في كونه حق آدمي، ثم لشرب ثم لزنا. تأمل.
باب حد الزنا
(1) بالقصر لغة الحجاز، وبالمدّ لغة تميم.
(2) قوله: "المحصن": بفتح الصاد وكسرها.
(3) قوله: "وجب رجمه حتى يموت": أي بحجارة متوسطة كالكف، لا بصخرة كبيرة
ولا بحصباء خفيفة. ولا يحفر له، رجلاً كان أو امرأة، ثبت ببينة أو إقرار.
والسنة أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة، إن ثبت ببينة، لا
بإقرار، لاحتمال أن يهرب فيترك.
(4) قوله: "هو من وطئ زوجته إلخ": هذا تعريف المحصن في باب الزنا.
وأما في باب القذف فهو الحر المسلم العاقل العفيف عن الزنا الذي يطأ أو
يوطأ مثله. وقد يطلق على الحرية، ومنه {ومن لم يستطع منك طوْلاً أن ينكح
المحصنات المؤمنات} [النساء: 25] الآية وقوله تعالى {والمحصنات من الذين
(2/392)
أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] وغير
ذلك. [2/ 355]
(5) قوله: "ذميين": أي ولو مجوسيين. لكن لا يصير المجوسي محصنًا بنكاح رحمه
المحرم.
(6) قوله: "أو مستأمنين": قال في الإقناع: لكن لا يقام حد الزنا على
مستأمن، نصًّا، أي لأنه غير ملتزم لأحكامنا، خلافًا لما في شرح المنتهى
لمؤلفه.
ثم إن كان الزنا بمسلمة قتل لنقضه العهد، وبغيرها لا يحد، كما تقدم.
(7) قوله: "وأما الإسلام فليس بشرط إلخ": أي لرجمه عليه الصلاة والسلام
اليهوديين الزانيين (1)، كما في المتفق عليه.
(8) قوله: "وغُرِّبَ عامًا": أي ولو أنثى. وتكون مع محرم، وعليها أجرته،
فإن تعذرت منها فمن بيت المال. فإن أبى المحرم أو تعذر غربت وحدها.
(9) قوله: "إلى مسافة قصر": وإن رأى الإمام إلى أكثر فله.
(10) قوله:"والمبعَّض يجلد ويغرب بحسابه": أي فمن نصفه حر جلد خمسًا وسبعين
جلدة وغرب ستة أشهر أي نصف عام وهكذا.
(11) قوله: "ومن زنى ببهيمة إلخ": ومثله إذا مكنت امرأة قردًا ونحوه من
نفسها فإنها تعزر.
(12) قوله: "عُزِّر": أي فيبالغ في تعزيره.
(13) قوله: "لكن لا تقتل إلا بالشهادة": أي بشهادة رجلين.
(14) قوله:"إن لم يكن يملكها": أي وأما إن كان يملكها فتقتل بالبينة، أو
بإقراره ولو مرة.
(15) قوله: "تغييب الحشفة": ظاهرهُ: ولو بحائل.
(16) قوله: "أصلي": خرج به الخنثى المشكل.
(17) قوله: "ليدخل اللواط": أي فيحد اللوطي كالزاني: إن كان محصنًا
__________
(1) حديث رجم اليهوديين الزانيين أخرجه البخاري (4/ 495) ومسلم (5/ 122)
ومالك (2/ 819) (الإرواء 5/ 93).
(2/393)
[2/ 357]
فالرجم، وإلا فالجلد والتغريب، كما تقدم.
فائدة: وإن أُكرهت المرأة على الزنا، أو المفعول به لواطًا، بضرب، أو منع
من طعام أو شراب اضطر إليه، ونحوه، فلا حد. وإن أكره عليه الرجل فزنى حد.
وعنه: لا، اختاره الموفق وجمع. وإن أكره على إيلاج ذكره بإصبعه من غير
انتشار، أو باشر المُكْرِهُ أو مأموره ذلك، فلا حد. إقناع. وظاهره أنه لا
حد في المسألة الأخيرة، باتفاق، حيث ذكرها بعد الخلاف في الأولى.
(18) قوله: "برضاع أو غيره": أي كموطوءة أبيه أو ابنه، أو أم زوجته، أو بنت
زوجته.
(19) قوله: "وهو يعتقد تحريمَهُ" أما لو كان يعتقد حِلَّهُ، ولو بتقليد لمن
يراهُ، فلا تحريم، فضلاً عن إقامة الحدّ عليه.
(20) قوله: "إما لإقرار إلخ": أي ولا بد أن يصرّح في إقراره بذكر حقيقة
[74ب] الوطء، لحديث ابن عباس "لما أتى ماعز بن مالك النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال له: لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت؟ قال: لا يا رسول الله. قال:
أنكتها؟ لا يكني. قال: نعم. فعند ذلك أمر برجمه" رواه البخاري وأبو داود.
فعلى هذا لو قال: ضاجعتها، أو: بت في فراشها، أو نحو ذلك من المكنيات، لا
يعتبر إقراره، لأن الحد يدرأ بالشبهة.
(21) قوله: "ولو جاؤوا متفرقين": وقال مالك وأبو حنيفة: إن جاؤوا متفرقين
فهم قذفة. اهـ. ع ن.
(22) قوله: "كالمرود في المكحلة": أي أو "كالرشاء في البئر" وهذا تأكيد غير
لازم، بل يكفي قولهم: رأينا ذكره في فرجها، كما في الإقناع وغيره.
فائدة: ولا يعتبر في الشهادة على الزنا ذكر مكانه ولا زمانه، ولا ذكر
المزنيِّ بها، إن كانت الشهادة على رجل، ولا ذكر الزاني، إن كانت الشهادة
على امرأة.
وإن أقر أنه زنى بفلانة إقرارًا معتبرًا شرعًا، فانكرت، حُدَّ دونها.
فائدة أخرى: متى كان الوطء موجبًا للحد فلا بد فيه من أربعة شهود، وإن كان
موجبًا للتعزير، كوطء بهيمة ونحوها، فيكفي فيه شاهدان، أي رجلان عدلان،
(2/394)
فشهود المباشرة دون الفرج ونحوها (1). [2/
359]
(23) قوله: "دون من شهدوا عليهما من فلان وفلانة": هذه عبارة صاحب المنتهى
في شرحه عليه، أما الرجل فلما ذكره الشارح، وأما المرأة فلعله لاحتمال
كونها مكرهة، وإلا فلا مسقط للحد عنها بهذه الشهادة. وعبارة البهوتي في شرح
المنتهى بعد قوله: "حد الأولون فقط": "أي دون المشهود عليه لقدح الآخرين في
شهادتهم عليه" اهـ. وهو نص في سقوط الحد عن الرجل فقط. اهـ.
أقول: ثم رأيت عن الحفيد ما نصه: "وكذا تحد المرأة، لثبوت زناها بشهادة
الآخرين. اهـ". وهذا متعين، إذ لا غبار عليه، لكن لا بد في ذلك من الشهادة
على مطاوعتها من الأربعة.
(24) قوله:"لم تحد": أي لأنه يدرأ بالشبهة.
باب حد القذف
(1) قوله: "حرَّا": الظاهر أن المراد من كان كامل الحرية، وأن المبعض
كالقن.
(2) قوله: "ظاهرًا": أي بان لا يثبت زناه ببينة أو شاهدين أو إقرار، ولو
دون الأربع، فهذا يكون محصنًا يحد قاذفه ولو كان في الباطن زانيًا، وأما إن
ثبت زناه بذلك فلا حدَّ بقذفه إلا إن كان تائبًا، فإن التائب من الذنب كمن
لا ذنب له.
(3) قوله: "فلا يقام بلا طلبه" أي وليس له أن يقيمه بنفسه، بل يقيمه الإمام
أو نائبه، فإن أقامه بنفسه لم يعتد به. ويسقط بعفوه عنه.
(4) قوله: "بإقراره مرة": أي وإن رجع عن إقراره لم يقم عليه الحد. ولعله في
غير القذف، لأنه حق آدمي فلا يقبل فيه الرجوع عن الإقرار، أخذًا من تعليل
__________
(1) قوله: "فشهود المباشرة إلخ" كذا في النسختين، ولا معنى له، وصوابه:
"كشهود المباشرة إلخ" كما في شرح الإقناع (6/ 103).
(2/395)
[2/ 361] صاحب المنتهى في شرحه عليه، وإن
كان ظاهر كلامهم خلافه.
أقول: ثم رأيته صرح في الإقناع باستثناء حد القذف في عدم صحة رجوعه عن
الإقرار به، فلله الحمد.
فائدة: تجب التوبة من القذف والغيبة وغيرهما. ولا يشترط لصحتها من ذلك
إعلامه، ولأن في ذلك، أي إعلامه، دخول غ {مَ عليه وزيادة إيذاء. وقال
القاضي والشيخ عبد القادر (1): يحرم إعلامه، فإن سأله المقذوف ونحوه لم يجب
على القاذف ونحوه الاعتراف، على الصحيح من الروايتين، كما قاله الشيخ.
وقال: فيعرِّض له ولو مع استحلافه، لصحة توبته، وأما مع عدم التوبة
والإحسان فتعريضه كذب، ويمينه غموس. قال: واختيار أصحابنا: لا يُعْلِمُه،
بل يدعو له في مقابلة مظلمته. قال: ومن هذا الباب قول النبي - صلى الله
عليه وسلم -:"أيما مسلم شتمته أو سببته فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة
تقرِّبه بها إليك يوم القيامة" (2). فلو أعلمه بما فعل، ولم يبينه، فحلله،
فهو كإبراء من مجهول. وفي الغنية: لا يكفي الاستحلال المبهم، فإن تعذر
فيكثر الحسنات. اهـ. ملخصًا من الإقناع.
فصل فيما يسقط به حد القذف
(1) قوله: "لشبهه به": وكذا لو رآها تزني في طهر لم يصبها فيه، واعتزلها،
وأتت بولد لستة أشهر فأكثر، فيلزمه قذفها ونفيه. وإن أتت امرأة شخص بولد
__________
(1) هو الشيخ عبد القادر بن أبي صالح، أبو محمد الجيلي، أو: الجيلاني،
الحنبلي البغدادي (470 - 561 هـ) الفقيه الواعظ الزاهد، تفقه بأبي سعيد
المخرمي الحنبلي، وخَلَفه في مدرسته. له كتاب "الغُنية لطالبي طريق الحق"،
و"فتوح الغيب" قال ابن كثير: فيهما أشياء حسنة، وذكر فيهما أحاديث ضعيفةً
وموضوعة، وكان صالحًا ورعًا، وللناس فيه مغالاة (البداية والنهاية 12/
252).
(2) الحديث من رواية أبي هريرة مرفوعًا، وأوله: "اللهم إني أتخذ عندك عهدًا
لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأيما مؤمنِ آذيتُهُ أو شتمتُه أو جلدتُه أو
لعنتُه، فاجعله ... الحديث" أخرجه مسلم (كتاب البر والصلة، ب 91، 93) وأحمد
(2/ 316 و 3/ 44).
(2/396)
يخالف لونه لونها لم يجز نفيه بذلك بلا
قرينة. فإن كانت، بأن رأى عندها رجلاً [2/ 363] يشبه ما ولدته، فله نفيه،
لأن ذلك من الشَّبَهِ يغلِّب على الظن أنه من غيره، [75أ]، كما في المنتهى
وغيره.
فصل في ألفاظ القذف
(1) قوله: "عاهر": أصل العهر إتيان الرجل المرأة ليلاً للفجور بها، ثم غلب
على الزنا، سواء جاءها أو جاءته، ليلاً أو نهارًا. اهـ. م ص.
(2) قوله: "فقذف لأمه": أي صريح. وأما قوله لولده: لست بولده (1)، فكناية
في قذف أمه، نصًّا. فإن أراد أنه لا يشبهه في أحواله فلا حدّ عليه، بخلاف
الأجنبي.
(3) قوله: "والغير لا يمكنه أن يحبلها إلخ": فيه نظر، لأنه قد يحبلها من
الشبهة، فليحرر. ثم رأيت م ص قال: وكأنهم لم ينظروا لاحتمال الشبهة لبعده.
اهـ.
(4) قوله: "يا مخنث": ومثله: يا خنيث، بالنون لا بالباء الموحدة، فإنه ليس
بكناية على المذهب. قال ح ف: وحينئذ ينظر ما الفرق بينه وبين قوله للأنثى:
يا خبيثة. اهـ.
(5) قوله: "ولعربي: يا نبطيّ إلخ": الظاهر أن ذلك قذف لأمه، وكذا: يا حلال
ابن الحلال، أو: ما أمي بزانية، ونحوه، إن أراد بيذه الألفاظ حقيقة الزنا
حُدّ بطلب أم المقول له إن كانت حية، لأن الحق لها لا له، والله سبحانه
وتعالى أعلم.
ومن قذف نبيًا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو أم نبي، كَفَر وقُتِل
ولو تاب، أو كان كافرًا فأسلم. ولا يكفر من قذف آباء شخص إلى آدم نصًّا،
ويقام عليه حد واحد.
__________
(1) هكذا في الأصل. وفي ض: "لستَ بولدي". والمعنى واحد، وكلاهما صواب.
(2/397)
[2/ 365]
باب حد المسكر
(1) قوله "وكل مسكر خمر": هكذا عبارة المنتهى، وهي قطعة من الحديث (1)،
فظاهره أن الحشيشة تسمى خمرًا، لأنها تسكر. وعبارة الإقناع: كل شراب أسكر
كثيره فقليله حرام من أي شيء كان، ويسمى خمرًا. فظاهره أن الحشيشة لا تسمى
خمرًا لأنها غير شراب.
(2) قوله: "ولو لعطش": بخلاف دفع لقمة غُصَّ بها، فيجوز إذا لم يوجد غيره
وخاف تلفًا. ويقدم عليه بول، وعليهما ماء نجس في دفع اللقمة التي غص بها.
ولا يجوز استعمال المسكر لدواء ونحوه.
(3) قوله: "أو أكل عجينًا ملتوتًا به": أما لو خبز العجين فأكله خبزًا فلا
حدّ، لأن النار تأكل أجزاء الخبز (2).
(4) قوله: "حد ثمانين إن كان حرًّا، وأربعين إن كان رقيقًا": لم يذكروا هنا
حكم المبعض، ولعل ذلك اكتفاء بما تقدم في حد الزنا والقذف من أنه بالحساب
مما فيه من الرق والحرية، كما نبه عليه ح ف.
(5) قوله: إ ولو ادعى جهل وجوب الحد": أي لا عذر له في ذلك، أما لو ادعى
جهل تحريمه، وكان مثله يجهل، فلا حد ولا تعزير.
(6) قوله: "مسلمًا": أي لا كافرًا.
(7) قوله: "ومن تشبه إلخ": وقال م ص: وهذا منشأ ما وقع في قهوة البن،
__________
(1) حديث: "كل مسكرٍ خمر ... " أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن من حديث ابن
عمر مرفوعًا؛ وأبو داود والترمذي من حديث عائشة مرفوعًا. وفي لفظِ لها في
الصحيحين: "كل شراب أسكر فهو حرام".
(2) كذا في النسختين. والصواب: "تأكل أجزاء الخمر" أي لأن الكحول سريع
التبخر فلا يبقى منه في الخبز مع النار شيء. لكن ليس للمسلم أن يصنع ذلك.
بخلاف خبز صنَعَهُ كافرٌ بها، فيجوز كله، كبعض أنواع البسكويت.
(2/398)
حيث استند إليه من أفتى بتحريمها. قال ولا
يخفاك أن المحرم التشبه، لا ذاتها، [2/ 366] حيث لا دليل يخصه، لعدم
إسكارها كما هو محسوس. اهـ (1).
(8) قوله: "إن ذهب ثلثاه": وقال الموفق والشارح وغيرهما: الاعتبار في حله
عدم الإسكار، سواء ذهب بطبيخه ثلثاه أو أقل أو أكثر. اهـ.
والنبيذ مباح ما لم يغلِ، أو يأتيَ عليه ثلاثة أيام. وهو ماء يلقى فيه تمر
أو زبيب أو نحوهما ليحلو الماء.
ويكره الخليطان، وهو أن ينتبذ شيئين، كتمر وزبيب، ما لم يغل، أو تأتي عليه
ثلاثة أيام، فيحرم.
باب التعزير
(1) قوله: "بمعنى النُّصرة": أي كقوله تعالى {وتعزروه} [لفتح: 9] أي
تنصروه.
(2) قوله: "نقل الميموني إلخ": وقال الشيخ تقي الدين: لا نزاع بين العلماء
في أن غير المكلف، كالصبي المميز، يعاقب على الفاحشة تعزيرًا بليغًا. اهـ.
قال في الإقناع: وإن ظلم صبيٌّ صبيًا، أو مجنون مجنونًا، أو بهيمة بهيمة،
اقتُصَّ للمظلوم من الظالم، وإن لم يكن في ذلك زجر، لكن لاشتفاء المظلوم
وأخذ حقه. ويقدم تأديب الصبي على الطهارة والصلاة، وذلك ليتعود، كتأديبه
على خط وقراءة وصناعة وشبهها. اهـ. فإن شتم نفسه أو سبها فلا يعزر.
(3) قوله: "إلا إذا شتم الوالد ولده إلخ": ظاهر المنتهى عدم استثنائه،
فليحرر.
(4) قوله: "ولا يزاد في جلد التعزير على عشرة [75ب] أسواط": ظاهره أنه ينقص
عن ذلك إذا رآه الإمام. وهو كذلك، لأن الشارع قدّر أكثره ولم يقدر أقله،
فيرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم بحسب حال الشخص. ويشهره لمصلحة. وله أن
__________
(1) الذي غرّ بعض العلماء أن البُنّ سمي أول ما ورد "قهوة"، وهو لغةً اسم
من أسماء الخمر، فأفتوا بتحريمها. لكن لما عُلِمتْ حقيقتها، وأنه لا إسكار
فيها ألبتة، أجمعوا على أنها مباحة.
(2/399)
[2/ 368] يعزِّرَ بحبس وصفع وتوبيخ وعزل عن
ولاية ونحو ذلك، كإقامته من المجلس، وصلبه حيًّا (1)، حسب ما يراه الحاكم.
ولا يُمْنَعُ [المصلوب] من أكلٍ ووضوء، ويصلي بالإيماء ولا يعيد. وفي
الفنون: للسلطان سلوك السياسة، وهو الحزم عندنا، ولا تقف السياسة على ما
نطق به الشرع (2).اهـ. م ص.
(5) قوله:"إلا إذا وطئ أمة له فيها شرك إلخ ": ظاهره أنه إذا وطئ أمته
المزوجة، أو جارية ولده، أو جارية أحد أبويه، أو جاريته المحرمة برضاع
ونحوه، حيث قلنا لا حد فيهن: لا يزاد على التعزير فيهن على العشرة أسواط.
وعنه: يعزر الحر بمائة، والعبد بخمسين، إلا سوطًا. واختاره جماعة، كما في
الإقناع. قال: وكذا لو وجد مع امرأته رجلاً.
(6) قوله: "فيعنرر بعشرين إلخ": أي وللإمام نقصه، أي "التعزير، فيما سبق،
بحسب اجتهاده على جسب حال الشخص.
ومن وطئ أمةَ امرأتِهِ حُدّ، ما لم تكن أحَلَّتْها له، فإن أحلَّتها له جلد
مائة إن علم التحريم وإن ولدت منه لم يلحقه نسبه لانتفاء الملك والشبهة.
ولا. يسقط حدٌّ بإباحةٍ في غير هذا الموضع. فإن رأى الإمام العفو عن
التعزير جاز.
(7) قوله: "وأخذ مال": وقال الشيخ: التعزير بالمال سائغ إتلافًا وأخذًا.
وقول أبى محمد المقدسى (3): لايجوز أخذ ماله، إشارة منه إلى ما يفعله
الولاة الظلمة. اهـ. إقناع.
__________
(1) المراد بالصلب شرعًا: ربط المعزَّرِ بالحبال على خشبة قائمة ثُبِّتت
بها خشبة معترضة، ليحصل التشهير. ولا يجوز أن يدق المصلوب بمسامير إلى
الخشبة، كما كان الروم يفعلونه، لأن ذلك من المثلة، وهي محرّمة. وهذا معنى
قول المحشّي: "صلبه حيًّا" وانظر مصطلح "تصليب" في الموسوعة الفقهية. وهو
من إعداد المحقق.
(2) لكن بما يوافق روح الشرع، ولا يجاوز ما حده، فلا يجوز القتل سياسةً،
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم. امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث:
الثيب الزاني، والنفس بالنفنس، والتارك لدينه اِلمفارق للجماعة"
(3) - أبو محمد المقدسي: يعني به الموفق صاحب المغني رحمه الله.
(2/400)
فائدة: ومن استمنى بيده خوفًا مي الزنا،
وخوفًا على بدنه، فلا شيء عليه إذا [2/ 368] لم يقدر على نكاح، ولو أمة،
ولا يجد ثمن أمة، وإلا حرم وعزر. وحكم المرأة في ذلك حكم الرجل، فتستعمل
شيئًا مثل الذكر. ولو اضطر إلى جماع وليس عنده من يباح وطؤها حرم الوطء.
فصل
(8) قوله: "يا كافر": إذا لم يعتقد كفره، كما في "نهاية المبتدئين" (1).
(9) قوله: "أو لعنه": أي الذمي. ومثله الحربي إذا كان معينًا.
(10) قوله:"موجب": ما المراد بالموجب؟ تأمل (2).
تتمة: من عرف بأذى الناس وأخذ مالِهِم، حتى بعينه، حبس حتى يموت أو يتوب.
ونفقته مدة حبسه من بيت المال مع عجزه، ليدفع ضرره. ومن مات من التعزير لم
يضمن.
مسألة: ولا يجوز للجَذمى مخالطة الأصحاء عمومًا، ولا مخالطة واحد معين صحيح
إلا بإذنه. وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء، وإذا امتنع ولاة
الأمور أو المجذوم من ذلك، أثم. والقوَّادة التي تفسد النساء والرجال أقل
ما يجب في حقها الضرب البليغ شهرة.
باب القطع في السرقة
(1) قوله: "أحدها السرقة": لا يخفى ما فيه من الركاكة، وإن كان سبقه إلى
__________
(1) "نهاية المبتدئين" في أصول الدين، لابن حمدان الحنبلي، وهو أحمد بن
حمدان بن شبييب (- 695) صاحب الرعاية. تقدمت ترجمته، وقد اختصر النهاية
الشيخ محمد بن بدر الدين بن بلبان الحنبلي (1006 - 1083هـ)
(2) أقول: لو لعنه الذمّيّ، فهذا موجب. أو آذى الله أو رسولَه، أو طعن في
الدين، ولم يقدر على إقامة الحدّ عليه، فلعَنَه لذلك، فلا بأس. وقد قال
الله تعالى {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة}.
(2/401)
[2/ 370] ذلك صاحب المنتهى. وأما صاحب
الإقناع فإنه بعد ذكر حد السرقة قال "ويشترط
في قطع سارق أن يكون مكلَّفًا مختارًا إلخ"، وهذا هو الصواب، لأن الكلام في
القطع في السرقة، فلا معنى لجعل السرقة من شروطه.
(2) الفرق بين المنتهب والمختطف أن الأول يأخذ الشيء جهرة مع سكون منه
وطمأنينة، والثاني يأخذ الشيء جهرةً ولكن مع سرعة وخوف، وأما السرقة فعلى
وجه الاختفاء كما تقدم في كلام المصنف.
(3) قوله: "عالمًا بمسروق": أي فلا قطع على من تعلَّق بثوبه ما يساوي
نصابًا وهو لا يعلمه. ويتجه: وكذا لو أمسك ما يساوي نصابًا من مالكه، ثم
غفل عنه فذهب به وهو لا يعلم أنه معه. وهذا يقع كثيرًا في نحو مسبحة.
وقوله: "لم يعلمه": أي وأما إن علم ما في المنديل فإنه يقطع.
(4) قوله: "السرجين النجس": أي وأما الطاهر فيقطع به، وكذا كل ما أصله
الإباحة، كملحٍ وترابٍ وأحجار ولبن وشوك وكلأ وثلج وغيره.
والإداوة إناء من جلد.
(5) قوله: "ولا بما عليه من حلي": أي حيث سرق ذلك مع المصحف، لا إذا سرق
دون المصحف، وكانت قيمته تبلغ نصابًا، كما يؤخذ من تعليلهم.
(6) قوله: "تبعًا للصناعة": أي المحرَّمة المجمع على تحريمها، [76أ]، ولأنه
غير محرم بل واجب الإتلاف، بخلاف آنية نقد، أو دراهم عليها تماثيل، فإن ذلك
لا يخرجها عن كونها مالاً محترمًا. اهـ. م ص.
(7) قوله: "دينار": أي مثقال.
(8) قوله: "لا إن أتلفه إلخ": فعلى هذا يُعَايَا بها. فيقال: رجل هتك الحرز
وأخذ نصابًا ولا قطع عليه بذلك. اهـ. م ص.
(9) قوله: "ولما ثبت اعتبار الحرز إلخ": أي وإنما كان حرز كل مالٍ ما حفظ
فيه عادة لأنه لم يرد تقديره في الشرع، وإنما ورد مجملاً، فاعتبر فيه
العرف، كالقبض والتفرق في البيع ونحوه.
(10) قوله: "يتقرر به": لعله "يتقيد به".
(2/402)
(11) قوله: "وراء الشرائج": جمع شريجة، وهي
شيء يعمل من قصب [2/ 373] يضم بعضه إلى بعض بنحو حبل. "والحظائر": جمع
حظيرة، وهي ما يعمل للغنم والإبل من الشجر تأوي إليه، فيعبر بعضه في بعض
ويربط بحيث يعسر أخذ شيء منه.
قلت: والعادة في بلادنا وضع الحطب على حائط الدار، أو على ظهر البيت. ومنهم
من عادته أن يضع ذلك خارج البنيان بدون حظيرة، فهل ذلك يسمى حرزًا حيث كانت
عادتهم كذلك؟ ينبغي أن يحرر.
(12) قوله: "وبالسلاطين": أي فإن كان السلطان عدْلاً يقيم الحدود فإنه يقل
السراق خوفًا من القطع، فلا يحتاج لزيادة حرز، وإن كان جائرًا يشارك من
التجأ إليه، وَيَذُبُّ عنهم، قويت صولتهم، فيحتاج لزيادة الحرز.
(13) قوله: "فلا قطع عليهما": أي وأما لو هتكا حرزًا، وأخرج أحدهما المال،
قطع المخرج دون الثاني.
(14) قوله: "ولو تواطآ": أي اتفقا على أن يهتك الحرز أحدهما، ويخرج المال
الثاني خوفًا من القطع. ومن فعل هذا فإنه عندي يسمّى اللص الظريف.
(15) قوله: "من مال فروعه وأصوله": أي بخلاف باقي الأقارب، كالإخوة
والأعمام، فإن بعضهم يقطع بسرقة مال بعض، لأن قرابتهم لا لمنع قبول الشهادة
من أحدهم على الآخر، فلا تمنع القطع (1).
(16) قولى: "ولو أحرز عنه": وفي رواية يقطع في المحرز عنه. وهو مذهب مالك
وأبي ثور وابن المنذر. اهـ. ح ف.
(17) قوله: "من مالٍ له فيه شِرْكٌ": فلا قطع بسرقة مسلم من بيت المال، إلا
القن. قال المنقح: والصحيح: لا قطع، لأنه لا يقطع بسرقةٍ من مال لا يقطع به
سيده. اهـ. منتهى. قلت: ويتجه: لا قطع على كافرٍ أحد عمودي نسبه مسلم
__________
(1) ينبغي أن يقال: هذا ما لم يكونوا في مسكن واحدٍ، كما يقع كثيرًا، فلا
قطع، لأن التحرز من بعضهم عن بعضٍ يقلّ، وقياسًا على الزوج والزوجة. والله
أعلم.
(2/403)
[2/ 374]
بسرقته بيت المال، لأنه لا يقطع بسرقة مالٍ أحد عمودي نسبه، فكذا ما لَهُ
فيه شرك، ومنه بيت المال.
فلو ادعى سارقٌ أن ما سرقه ملكه، أو يملك بعضه، وأنه كان عند من أخذه منه
وديعة ونحوها، ولم تقطع يده لاحتمال صدقه، ثم لم يقم بينة بدعواه، حلف
المسروق منه وأخذ الشيء المسروق، وإن نكل قضي عليه. وسماه الإمام الشافعي
اللص الظريف.
(18) قوله: "ويصفانها": أي السرقة، بأن يقولا: أخذها منه على وجه الاختفاء
من حرز مثلها، ويذكرا جنس النّصاب وقدره، وكذا في إقراره، يصفها بذلك في كل
مرة، لاحتمال ظنه وجوب القطع مع فقد بعض شروطه.
(19) قوله: "قطعت يده اليمنى": وصفة القطع أن يجلس السارق، ويُضْبَط لئلا
يتحرك، وتشدُّ يده بحبل، وتجرّ حتى يبين مفصل الكف من مفصل الذراع، ثم توضع
بينهما سكين حادة ويدق فوقها بقوة لتقطع في مرة واحدة.
ولا يقطع في شدة حرّ ولا برد، ولا مريض في مرض، ولا حامل حال حملها، ولا
بعد الوضع حتى ينقضي نفاسها.
ولا يتعين الدق فوق السكين، بل إذا وضع السكين على المفصل وجرّها جَلْدٌ
بقوة ليقطعها في مرة جاز.
وقوله:"اليمنى": فلو قطع قاطعٌ يسراه بلا إذنه عمدًا فعليه القَوَدُ، وإلا
فالدية. ولا تقطع يمين السارق. وفي التنقيح: بلى. قال: وإن قطع القاطع
يسراه عمدًا أو خطأ قطعت يمناه. اهـ. قال م ص: واختار الموفق: تجزئ ولا
ضمان.
اهـ. وفي الإقناع: تجزئ ولا تقطع يمين السارق. والقاطع إن كان يعلم أنها
اليسرى وأنها لا تجزئ فعليه القصاص، وإن كان لا يعلم ذلك فالدية. وإن
أخرجها السارق اختيارًا عالمًا بالأمرين فلا شيء على القاطع، ولا تقطع يمين
السارق. اهـ.
فلو سرق ويده اليمنى [76ب] ذاهبة قطعت رجله اليسرى، وإن كانت يداه ذاهبتين
فلا قطع. وإن كان الذاهب رجليه قطعت يمنى
(2/404)
يديه (1). وإن كان الذاهب يسرى يديه فلا
قطع. وإن كان الذاهب يمنى يديه ويسرى [2/ 375] رجليه فلا قطع.
(20) قوله: "قطعت رجله اليسرى": أي بعد أن يندمل القطع الأول، وكذا لو قطعت
رجله قصاصًا لم تقطع اليد في السرقة حتى تبرأ الرجل.
(21) قوله: "أي ضمان ما سرقه": أي أو أرش نقصٍ إن نقص، كما لو سرق ثوبًا
فقطعه فنقصت قيمته.
(22) قوله: أوعليه أجرة القاطع وثمن الزيت": قال م ص: وقيل هما في بيت
المال، لأنهما من المصالح العامة. اهـ.
أقولي: لم يذكروا فيمن يقيم الحدَّ غير القصاص إن احتيج إلى أجرةٍ على من
تكون أجرته؟ والظاهر أنها على من عليه الحدّ أيضًا.
باب حد قطاع الطريق
(1) قوله: "قطاع الطريق": سموا بذلك لأنهم يمنعون الناس من المرور فيه.
ويسمَّوْن محاربين، وبه عبر بعضهم كصاحب الإقناع.
(2) قوله: "أو ذميّين": أي وينقض عهدهم بذلك، فتحل دماؤهم وأموالهم.
(3) قوله: "يحاربون الله ورسوله": أي أولياءَهما وهم المسلمون.
(4) قوله: "والكفار تقبل توبتهم إلخ": أي وأما الحد فلا يسقط بالتوبة بعد
وجوبه. اهـ. م ص.
(5) قوله: "ببينة": أي بشهادة رجلين عدلين. فلو شهدت البينة بالمحاربة فقط،
أو أقرَّ بها فقط من غير تبيين قتلٍ أو أخذ مالٍ أو إخافةٍ للناس، وجب أقل
الأحكام الأربعة، وهو النفي. اهـ. ح ف. وأيضًا (ح) (2).
__________
(1) في ض هنا تكرار فحذفناه.
(2) قوله: (ح): الظاهر أن مراده بهذا الرمز حاشية ابن عوض المرداوي على
دليل الطالب.
(2/405)
[2/ 379]
(6) قوله: "ولهم أربعة أحكامٍ إلخ": هذا يدل على أن "أو" في الآية المتقدمة
للتنويع، لكن "أو" في قوله تعالى "أو يصلبوا" بمعنى الواو، لأن الصلب ليس
حدًّا وحده، بل تبعًا. اهـ. ح ف.
أقول: فعلى هذا تكون الأحكام التي في الآية ثلاثةً لا أربعة. فالأولى عندي
جعل "أو" في "أو يصلَّبوا" على حقيقتها أيضًا، ويقدّر بعدها عاطف، أي"أو
ويصلبوا" والله سبحانه وتعالى أعلم.
(7) قوله: "تحتَّم قتلهم جميعًا": أي ولو كان القاتل أحدهم، ولو لم يكن
المقتول مكافئًا، ولو عفا عنه ولي المقتول، لأنه لحق الله تعالى، لكن لا
يصلَّب إلا للمكافىء.
(8) قوله: "وصلبهم حتى يشتهروا": أي ليس مؤقتًا بمدة معينة. وقال أبو حنيفة
والشاقعه: يصلب ثلاثًا. وعلى كل حال فيغسَلون ويكفَّنون ويصلى عليهم
ويدفنون.
(9) قوله: "وتنفى الجماعة متفرقة": أي لئلا يجتمعوا على المحاربة ثانيًا.
(10) قوله: "قبل ثبوته عند الحاكم" ظاهره أنه لو تاب بعد ثبوته لم يسقط
بالتوبة.
(11) قوله: "أو أريد ماله" حَوَّلَ (1) عبارة المصنف لما فيها من نوع
تسمُّح.
(12) قوله: "من أريدت نفسه": اسم الموصول فاعل يكافىء، والمفعول محذوف، أي
لم يكافىء المريدَ لذلك.
(13) قوله: "بالأسهل فالأسهل": أي فإن اندفع بالقول لم يجز ضربه. وإن لم
يندفع بالقول فله ضربه. فإن ظن أنه يندفع بضرب عصًا لم يجز له ضربه بحديد.
وإدة ولَّى هاربًا لم يجز له قتله، ولا اتباعه. وإن ضربه فعطَّله لم يكن له
أن يثنِّي عليه، فإن ضربه وهو هارب ضمن ما أتلفه منه، لا وهو مقبل عليه.
ومحل ذلك إن لم يخف ابتداءًا أن يبتدره بالقتل، فإن خاف ذلك فله أن يقتله
__________
(1) ض: "حاول".
(2/406)
ابتداءً، ولا يلزمه دفعه بالأسهل. [2/ 380]
قال في الإقناع: وإن قتل رجلًا وادّعى أنه هاجم منزله (1) فلم يمكنه دفعه
إلا بالقتل لم يقبل قوله بغير بينة. وعليه القود، سواء كان المقتول يعرف
بسرقةٍ أو عَيَارة أو لا. فإن شهدت بيتة أنهم رأوا هذا مقبلاً إلى هذا
بسلاحٍ مشهورٍ فضربه هذا، فدمه هدر. وإن ذكروا أنهم رأوه داخلاً داره ولم
يذكروا سلاحًا، أو ذكروا سلاحًا غير مشهور، لم يسقط القود بذلك. اهـ. وتقدم
في القصاص ما يدل عليه.
فائدة: ويسقط الدفع بإياسه، لا بظنّه أنه لا يفيد.
(14) قوله: "لكن لا بد من ثبوت صِيَالِها إلخ": أي بشاهدين كما في الإقناع.
(15) قوله: "وجب عليه قتله": فإن قتله فلا ضمان إن كان له بينة بذلك، أو
صدَّقه الوليّ، وإلا [77أ] فعليه الضمان في لظاهر.
(16) قوله: "في غير الفتنة" أي فإن كان ثم فتنة لم يجب الدفع عن نفسه ولا
عن نفس غيره، لقصة عثمان. اهـ. م ص.
(17) قوله: "مع ظن سلامة الدافع والمدفوع عن حرمته أو ماله": هذه عبارة
صاحب المنتهى في شرحه عليه. وأما عبارة م ص بعد قوله في المنتهى: "مع ظن
سلامتهما"، فنصها: "أي الدافع والمدفوع. اهـ." وعبارة الإقناع: "وظن الدافع
سلامة نفسه" اهـ. وعبارة بعضهم: "مع ظن السلامة". وعبارة م ص أوجه، فليحرر.
قوله: "عن الضياع والهلاك": الضياع ذهاب الشيء عن رأي العين مع وجوده،
والهلاك ذهاب عين الشيء، كاستهلاك المائع يشربٍ أو إراقة. أو المراد
بالضياع تلف غير الحيوان، وبالهلاك تلفه. أو الهلاك عطف بيان (2).
__________
(1) ض: "هجم منزله".
(2) قوله: "أو الهلاك عطف بيان" فيه نظر، فإن عطف البيان لا يكون بالواو،
لأنه لا يكون في مثل هذا إلا صالحًا للبدلية. بل هو هنا عطف نَسَقٍ لا غير،
وإن كان مطابقًا في المعنى =
(2/407)
[2/ 383]
باب قتال البغاة
(1) قول الله تعالى {اقتتلوا} [الحجرات: 9] جمع باعتبار المعنى، وثنَّى في
قوله {فاصلحوا بينهما} باعتبار اللفظ. نزلت في قضية هي أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - ركب حمارًا، ومر على ابن أُبَيٍّ، فبال الحمار، فسدَّ ابن
أُبَيٍّ أنفه. فقال ابن رواحة: والله لبول حماره أطيب ريحًا من مسكِكَ.
فكان بين قوميهما ضرب بالأيدي والنعال والسعف. اهـ. جلال (1).
وإن اقتتلت طائفتان من المؤمنين، لعصبيةٍ، أو رياسةٍ، فهما ظالمتان، تضمن
كل منهما ما أتلفته على الأخرى. والضمان على مجموع الطائفة. وضمنتا ما
جُهِل متلفه بالسوية، كما لو قُتِلَ داخلٌ بينهما لصلح وجهل قاتله. وإن
عُلِم كونه من طائفة وجهل عينه ضمنته وحيدها. اهـ. ملخصًا من المنتهى وشرحه
م ص.
فائدة: لم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى حكم الخوارج، وهم الذين يكفّرون
بالذنب، ويكفّرون أهل الحق وعثمان وعليًّا وطلحة والزبير وكثيرًا من
الصحابة، ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم، فهم فَسَقة
يجوز قتلهم ابتداءً والإجازة. على جريحهم. وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه
وطائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون. قال في الترغيب والرعاية: وهي
أشهر. وذكر ابن حامد أنه لا خلاف فيه. قال في المنتهى: وعنه كفار. قال
المنقح: وهو أظهر اهـ. قال في الإنصاف: وهو الصواب الذي ندين الله به (2).
اهـ.
__________
= للمعطوف عليه، فيكون بمعنى التوكيد، كقوله الشاعر:
وألفى قولَها كَذِبًا ومَيْنًا
(1) يعني تفسير الجلالين. والحديث أخرجه البخاري في الصلح ومسلم في
المغازي، وأحمد، من حديث أنس. والمحشّي هنا أورده بالمعنى.
(2) لا يمكن إطلاق الكفر في حق الخوارج، لأنهم فرق، منهم الغلاة الذين
يكفِّرون الصحابة ويستحلون دماء الأطفال والنساء والرجال من مخالفيهم من
أهل القبلة، فلو قيل بكفر هذا =
(2/408)
[فائدة أخرى]: يثبت نصب الإمام بإجماع
المسلمين عليه، كإمامة أبي بكر، [2/ 384] من بيعة أهل الحل والعقد من
العلماء ووجوه الناس، أو بجعل الأمر شورى في عدد محصور ليتفق أهلها على
أحدهم فاتفقوا عليه، أو بنصِّ من قبله عليه، أو باجتهادٍ، أو بقهره الناس
بسيفه ختى أذعنوا له ودعوه إمامًا. اهـ. إقناع.
(2) قوله: "كونه قرشيًا": لكن لو تولى غير قرشي قهرًا بسيفه وجبت طاعته.
وقال الموفق في عقيدةٍ له: "ونسمع ونطيع لمن ولاّه الله أمرنا وإن عبدًا
حبشيًّا" (1) اهـ. ح ف.
(3) قوله: "عاقلاً": فلو طرأ له المجنون المطبق انعزل. وكذا إن كان أكثر
زمانه المجنون، وإلا فلا.
(4) قوله: "سميعًا بصيرًا ناطقًا": فإذا عمي انعزل، وإن فقد السمع والنطق
فكذلك. وقيل لا يخرج بهما من الإمامة، لقيام الإشارة مقامهما.
(5) قوله: "وذهاب اليدين والرجلين إلخ": فهل ذهاب أحدهما يمنع؟ فليحرر.
(6) قوله: "ولا ينعزل بفسقه": وكذا لا ينعزل بموت من بايعه، لأنه ليس
وكيلاً عنه، بل عن المسلمين. ويحرم قتاله.
(7) قوله: "بعث إليهم عبد الله بن عباس": أي فرجع منهم أربعة آلاف.
(8) قوله: "وإزالة شبههم إلخ": فإن نقموا مما يحل فعله لالتباس الأمر فيه
عليهم، فاعتقدوا مخالفته للحق، بيَّنَ لهم دليله، وأظهر لهم وجهه، وإن كان
مما لا يحل فعله أزاله لهم. ولا يجوز قتالهم قبل ذلك إلا أن يخاف كَلَبَهم.
(9) قوله:"إن كان قادرًا": أي وإلاّ آخره [77ب] لوقت الإمكان. فإن استنظروه
مدةً رجي رجوعهم فيها أنظرهم. وإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم.
(10) قوله:"ويحرم قتل مُدْبرهم": ظاهره ولو كان المدبر متحرفًا لقتال أو
__________
= النوع منهم لكان له وجه، أما غيرهم ممن يؤمن بالله ورسوله وكتابه ولكن
يخالفنا في الإمامة، ولا يستحلون الدماء ولا المحرمات فباي شيء يحكم
بكفرهم؟! فلينظر وليحرر.
(1) نص على ذلك الإمام أحمد. انظر كلامه في شرح الإقناع 6/ 159.
(2/409)
[2/ 387]
متحيزًا إلى فئة، وربما كان ما في الإقناع من قوله "أو بالهزيمة إلى فئة"
يؤيده. وقال في المستوعب: المدبر من انكسرت شوكته، لا المتحرّف إلى موضع.
اهـ.
(11) قوله: "حال الحرب" أي وأمّا ما أتلفوه في غير الحرب فإنه مضمون عليهم.
(12) قوله: "حكم حاكمهم إلخ": وأما الخوارج: فإن قلنا إنهم كفار لا ينفذ
حكم حاكمهم، وإن قلنا إنهم فسقة ففيه خلاف.
باب حكم المرتد
(1) قوله: "وهو من كفر بعد إسلامه": أي بعد أن كان مسلمًا، سواء كان كافرًا
فأسلم، أو كان مسلمًا بأصل الفطرة. ولهذا عبّر عنه في المبدع وغيره بأنه
"الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر". اهـ. ح ف. قلت: لكن الرجوع يقتضي سبق
كفر، فالأولى أن يقال: وهو من كفر بعد أن كان مسلمًا.
(2) قوله: "كسبِّ الله تعالى": أي بأن يقول في حقه تعالى قولًا لو كان
لمخلوق لكان سبًّا.
(3) قوله: "أو رسوله": يؤخذ من هنا ومن قوله في آخر الباب: "وكذا من قذف
نبيًّا" أن من سبَّ نبيًّا غير رسول بغير القذف، لا يكفر، ولعله غير مرادٍ
لهم. فليحرّر.
(4) قوله: "أو كتابًا من كتبه: قلت: أو بعض كتابٍ، كآية من القرآن، بل كلمة
مجمع عليها، أو حرف.
(5) وقوله:"أو صفة من صفاته اللازمة": أي الذاتية، أما الصفات الفعلية
كالخلق والرزق، والصفات المعنوية، ككونه حيًّا عالمًا قديرًا ونحوه،
فالظاهر أنه لا يكفر جاحدها، لقول المعتزلة بنفيها وهم غير كفار، هذا ما
ظهر لي. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(6) وقوله: "الذين ثبت أنهم رسله": أي بالإجماع، أو بالتواتر، لا بالآحاد
(2/410)
كخالد بن سنان، كما في شرح المنتهى الصغير.
[2/ 389]
(7) قوله: "من العبادات الخمس": وهي الصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج
وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
(8) قوله: "إجماعًا قطعيًّا": أي لا سكوتيًّا، لأن فيه شبهة. قال حفيد صاحب
المنتهى: احترز به عن المجمع عليه الخفيّ، كاستحقاق بنت الابن السدس مع
البنت، وتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، أو فساد الحج بالوطء قبل
الوقوف بعرفة، فيذا لا يكفر جاحده اهـ. قلت: وكذا تحريم شحم الخنزير، ووجوب
غسل الرجلين في الوضوء، أي دون مسحهما.
(9) قوله: "ومثله لا يجهله": أي: أو كان يجهله مثله وعُرِّف حكمه، وأصَرّ
على الجحد أو الشك، فإنه يكفر.
(10) قوله: "فمن ارتد وهو مكلف": أي بالغ عاقل. أما العقل فظاهر، وأما
البلوغ فهو شرط للاستتابة والقتل، لا لردّة، لصحتها من المميز، كما يأتي.
فائدة: لو خلق شخصٌ برأسين، أحدهما نطق بالإسلام والثاني نطق بالكفر، فإن
تأخر الكفر عن الإسلام فمرتد، وإن نطقا معًا فأيهما يغلب؟ احتمالان. قاله
في الفنون بمعناه.
(11) قوله: "مختارًا"، وكذا مكره إن بقي على كفره بعد زوال الإكراه.
(12) قوله: "قتل": أي إلا رسولُ كفّارٍ فلا يقتل، ولو مرتدًا، بدليل رسولي
مسيلمة، وهما ابن النَّوَّاحة، وابن أُثال، جاءا إلى النبي - صلى الله عليه
وسلم - ولم يقتلهما.
(13) قوله: "أو عبدًا": ظاهره أن المرتد إذا كان عبدًا لا يجوز لسيده أن
يقتله. وهو كذلك. ولا يعارضه حديث: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم"
(1) لأن قتل المرتد لكفره لا حدًّا.
__________
(1) حديث "أقيموا الحدود ... " أخرجه أحمد (1/ 135) والبيهقي (8/ 245) من
حديث عليٍّ مرفوعًا. قال في الإرواء (7/ 359): ضعيف.
(2/411)
[2/ 391] (14) قوله:، ولا ضمان لو قَبْل
استتابته": ظاهره أنه لا كفارة على القاتل أيضًا، وهو ظاهر ما تقدم في
كفارة القتل. وظاهر ما في الحاشية هناك أن ذلك مقيّد بما بعد الاستتابة،
وقد نبهنا عليه ثَمَّ.
(15) قوله: "لا يخرج به عن الإسلام": أي وإنما هو كفر دون كفر. وقيل كفر
نعمة، قاله طوائف من الفقهاء والمحدّثين. وروي عن أحمد. وقيل: قارَبَ
الكفر. وقال بعضهم: كفرٌ حقيقةً. وهو محمول على من اعتقد تصديق العرّاف بعد
معرفته تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - له، أو محمول على من اعتقد حله.
وروي عن الإمام أحمد أنه كان يتوقى [78ب] الكلام في تفسير هذه النصوص
تورُّعًا، ويمِرُّها كما جاءت من غير تفسير، مع اعتقادهم أن المعاصي لا
تخرج عن الملّة. اهـ.
(16) قوله: "وهو ابن ثمان سنين": وروي عنه أنه قال:
سبقتكمو إلى الإسلام طرًّا ... صبيًّا ما بلغت أوانَ حلمي
فائدة: ومن شُفع عنده في رجل، فقال: لو جاء النبي - صلى الله عليه وسلم -
ليشفع فيه ما قبلت
منه: إن تاب بعد القدرة عليه قُتِل، لا قبلها في أظهر قولي العلماء. قاله
الشيخ.
اهـ إقناع. والذي يظهر بي أنه إن أراد حقيقة المخالفة فالقول بقتله متجه،
وإلا فلا، لأنه قد يريد بذلك تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هو
المتبادر، لكن لا ينبغي هذا اللفظ، لما فيه من إساءة الأدب.
(17) قوله: "بعد بلوغه": أي لأنه أول زمن صار فيه من أهل العقوبة، لأنه قبل
ذلك مرفوع عنه القلم. وأما السَّكران فلأن الحد شرع للزجر، وهو لا يحصل في
حال السكر. اهـ. م ص. وفيه نظر، لأن القتل هنا ليس حدًا وإنما هو لكفره.
فصل في توبة المرتد
(1) قوله: "وهو قول: أشهد أن لا إله إلا الله إلخ": أي أو قول"لا إله إلا
الله محمد رسول الله" بدون "أشهد".
(2) قوله: "إلا بحق الإسلام": أي من قتل نفسٍ أو حدٍّ أو غرامة متلف.
فإن فعلوا شيئًا من ذلك فلا عصمة لهم.
(2/412)
(3) قوله: "متفق عليه": أي رواه الشيخان،
وليس هو في مسند الإمام أحمد [2/ 392] على سعته كما قاله الحافظ ابن حجر
(1).
(4) قوله: "وهذا يدل على أن العصمة تثبت بمجرد الإتيان بالشهادتين": فيه
نظر، لأن الحديث لا يدل على ذلك، بل يدل على أن العصمة لا تحصل بهما، وأنه
لا بد من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وأما حديث أبي هريرة الذي أخرجه
البخاري في الجهاد، ففيه الاقتصار على "لاإله إلا الله" ويراد منها
ضَمِيمَتُها وهي "محمد رسول الله" فيكون دالاًّ على ما ذكره الفقهاء من
حصول الإسلام بهما من غير عمل. والحاصل أن الحديث الذي ذكره الشارح لا
ينافي حصول الإسلام بالشهادتين فقط، لأن القتال قد يكون للمسلمين التاركين
للجمعة والجماعة، والمانعين للزكاة. قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى:
{فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة: 8]: في ذلك
دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله". اهـ. وما ذكرته من
أنه لا يشترط في كلمة الإخلاص لفظ: "أشهد" هو الصواب إن شاء الله تعالى،
وإن كان ظاهر كلامهم كي مواضع خلافه، لأن في بعض الروايات: "حتى يقولوا لا
إله إلا الله" قال ح ف: وظاهر إطلاقهم: لا يشترط بينهما، أي كلمتي الإخلاص،
ترتَيبٌ ولا موالاة. اهـ. وقال ع ن: ومقتضى قول المنتهي: ولا يغني قوله:
محمد رسول الله عن كلمة التوحيد، ولو من مُقِرٍّ به: أنه لا بدّ من
التوالي. فليحرر.
(5) قوله: "يبين": أي يظهر، فلا يكفي كتبه على الهواء أو على الماء.
(6) قوله: "وإن قال: أسلمت، أو: أنا مسلم إلخ: وهذا في الكافر يجحد
الوحدانية ونحوها، أما من كفر من أهل البدع فلا يكفي قوله: أنا مسلم، لأنه
يعتقد أن الإسلام ما هو عليه.
(7) قوله: "ولا يقبل في الدنيا بحسب الظاهر توبة زنديق إلخ": أي وأما في
الآخرة فمن صدق منهم في توبته قبلت باطنًا. واختارم ص أن محل ذلك إذا لم
__________
(1) بل هو في مسند الإمام أحمد في سبعة عشر موضعًا على الأقل. راجع المعجم
المفهرس.
(2/413)
[2/ 393] يُشعْ عقيدة من كان على دينهم،
ويفضحْ أحوالهم ويهتكْ أسرارهم؛ فإن فعل ذلك فإنه يقبل ظاهرًا وباطنًا، كما
جرى للعيلبوني (1) فإنه فعل ذلك وحسن إسلامه. وما قاله نفيس جدًا يعضُّ
عليه بالنواجذ.
(8) قوله: "ولا من تكررت ردته": هل يحصل التكرّر بمرتين، أو لا بد من ثلاث؟
على وجهين: أحدهما: يكفي مرتان، لصدق التكرُّر عليه لغةً، والثاني: لا
يكفي، لأن الآية تدل لذلك، وهي قوله تعالى {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم
آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرًا} [النساء: 137] لأن زيادة الكفر لا تكون
إلا بأن يؤمن ثمّ يكفر، ولأن التكرر تفعُّلٌ، وهو يشعر بكثرة، وأقلها ثلاث.
اهـ. ابن نصر الله.
أقول: والظاهر أن من تكررت ردته لا تقبل توبته ظاهرًا ولا باطنًا لظاهر
الآية، وكذا من بعده في ظاهر كلامهم.
(9) قوله: "لقوله تعالى {إن الذين آمنوا} ": قال بعض المفسرين: أي بموسى،
{ثم كفروا} بعبادتهم العجل، {ثم آمنوا} بعد رجوعهم عنها، {ثم كفروا} بعيسى،
{ثم ازدادوا} [78ب] {كفرًا} بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أو أن المراد: من
تكررت ردته {لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً} [النساء: 137] أي
يستبعَد منهم الرجوع عن الكفر والثبوت على الإيمان، فإن قلوبهم ضربت على
الكفر، وعميت بصائرهم عن الحق، ولو أخلصوا الإيمان لم يقبل منهم ولم يغفر
لهم (2). اهـ.
(10) قوله: "وكذا من قذف نبيًّا": أي ولو غير رسول. وظاهره أنه لو سبَّ
نبيًّا غير مرسل بغير القذف، تقبل توبته، بل ربما يوهم كلامه كغيره عدم
كفره.
وفيه وقفة.
(11) قوله: "أو قذف أمه": ظاهره أنه لو قذف أباه لا يكفر.
(12) قوله: "ملتزمًا": أي ذميًّا، ظاهره أنه لو كان قاذف النبي حربيًّا أو
__________
(1) لم نجده بعد البحث، فينظر من هو وما قصّته؟
(2) التوبة إذا صدقت باطنًا فرحمة الله واسعة.
(2/414)
مستأمنًا فأسلم لا يقتل، لأن القتل هنا حد
للقذف، وهو لا يقام على غير ملتزم، [2/ 349] كما تقدم في الحدود.
(13) قوله: "ويقتل": أي من قذف نبيًّا أو أمَّه. وأما غيره ممن لا تقبل
توبته، كمن سب رسولًا بغير القذف، أو سب الله، أو مَلَكًا، وكان كافرًا
فأسلم، فإنه يقبل إسلامه ولا يقتل بذلك، كما تقدم بعضه في الجهاد.
(14) قوله: "بما بَرَّأها الله": ظاهره أنه لو قذفها بغيره لا يكفر. ولعله
غير مراد.
(15) قوله: "ومن سبّ غيرها إلخ": ظاهره: بقذفٍ أو غيره، ولعل قوله: "كقذف
عائشة" يدل على أن المراد بالسبّ القذف. لأن ظاهر كلامهم أن سب عائشة بغير
القذف ليس كفرًا، فغيرها أولى. والحاصل أن من سبّ صحابيًّا، ويتجه: أو
صحابتَّةً، فإن كان ذلك لا يقدح في عدالتهم ولا دينهم، مثل وصف بعضهم ببخل
أو جبن أو قلة علم ونحوه، فلا يكفر، ويعزَّر بليغًا، وأما من لَعَنَ أو
فبَّح، فهل يكفر أو يفسق؟ قولان، توقف أحمد في كفره وقتله.
(16) قوله: "لصاحبه": أي فمنكر الصحبة يكون مكذبًا لله تعالى. وهو كفر.
***
(2/415)
|