حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ

 [2/ 443]

كتاب القضاء والفتيا
(1) زاد الشارح في الترجمة الفتيا مع أنه لم يذكر أحكامها.
(2) قوله: "وهي": أي الفتيا.
(3) قوله: "ولا يلزم جواب ما لم يقع": لما روي من النهي عن ذلك.
واحتج الشافعي على كراهة السؤال قبل وقوعه بقوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تُبْد لكم تسؤكم} [الأنعام: 101].
(4) قوله: "ولا ما لا يحتمله سائل": أي لما ذكر البخاري، قال: "قال عليٌّ: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟ " وفي مقدمة مسلم عن ابن مسعود: "ما أنت بمحدِّثٍ قومًا حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنةً".
(5) قوله: "ولا ما لا نفع فيه": أي لقول ابن عباس لعكرمة "من سألك عما لا يعنيه فلا تُفْتِه". قال في الإقناع: كان السلف يهابون الفتيا ويشدِّدون فيها ويتدافعونها. وأنكر أحمد وغيره على من يهجم على الجواب. وقال: لا ينبغي أن يجيب في كل ما يستفتى فيه. وقال: إذا هاب (1) الرجل شيئًا لا ينبغي أن يحمل على أن يقول. وقال: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا (2) حتى يكون فيه خمس خصال:
أولها: أن تكون له نيّة، فإن لم تكن له نية لم يكن عليه [نور] (3) ولا على كلامه نور.
الثانية: أن يكون له [84ب] حلم ووقار وسكينة.
__________
(1) ض: "إذا أجاب" والأصل: "إذا حاب" والصواب ما ذكرناه، كما في الإقناع وشرحه (6/ 299)
(2) "للفتيا" ثابتة في ض، وسقطت من الأصل.
(3) من شرح الإقناع (6/ 299).

(2/446)


الثالثة: أن يكون قويًا على ما هو فيه وعلى معرفته. [2/ 443]
الرابعة: الكفاية، وإلا أبغضه الناس (1) لاحتياجه لما في أيديهم.
الخامسة: معرفة الناس، بان يكون بصيرًا بمكر الناس وخداعهم. ولا ينبغي أن يحسّن الظن بهم، بل يكون حذرًا فطنًا مما يصوّرون في سؤالاتهم.
ويحرم أن يفتي في حالٍ لا يحكم فيها، كغضب ونحوه. فإن أفتى وأصاب صح وكره. اهـ. باختصار.
(6) قوله: "وهو" أي القضاء "فرض كفاية": أي وهو رتبة دينية ونصبة شرعية. وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به وأداء الحق فيه. قال الشيخ: والواجب اتخاذها دينًا وقربةً، فمانها من أفضل القربات. وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرياسة والمال بها. اهـ.
وفيه خطر كبير ووزر عظيم لمن لم يؤدِّ الحق فيه، فمن عرف الحق ولم يقض به، أو قضى على جهل، ففي النار، ومن عرف الحق وقضى به ففي الجنة.
وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - "قاضٍ في الجنة، وقاضيان في النار" أو كما قال.
ويجب على من يصلح للقضاء ولم يوجد غيره ممن يوثق به الدخول فيه إن لم يشغله عما هو أهم منه. ومن لا يحسنه، ولم يجتمع فيه شروطه، حرم عليه الدخول فيه. ومن كان من أهله ووجد غيره فلا يجب عليه. والأولى أن لا يجيب إذا طلب له. فطريقة السلف الامتناع. وإن لم يمكنه القيام بالواجب، لظلم السلطان أو غيره، حرم، وتأكد الامتناع. ويحرم بذل المال في لك. ويحرم أخذه. اهـ. ملخصًا من الإقناع.
(7) قوله: "ويختار لذلك أفضل من يجد إلخ": أي وإن لم يعرف من اتصف بذلك سأل عمن يصلح، فإن ذكر له من لا يعرفه أحضره وسأله. فإن عرف عدالته وإلا بحث عنها. فإذا عرفها ولّاه وكتب له بذلك عهدًا.
(8) قوله: "ومعلقة": أي لحديث: "أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل
__________
(1) في حفظي قديمًا أن عبارته: "وإلا مَضَغَهُ الناس" فلتراجع في كتب المتقدمين.

(2/447)


[2/ 444]
فعبد الله بن رواحة" (1) والقضاء كالإمارة، بجامع أن كلاً منهما نيابةٌ في عمل مخصوص، ولأنه لا محظور في ذلك.
(9) قوله: "كونها من إمام": فلو خلا البلد من قاض، فاجتمع أهل البلد وقلدوا قاضيًا عليهم، فإن كان الإمام مفقودًا صح ونفذت أحكامه عليهم، وإن كان موجودًا لم يصح. فإن لم يكن فتجدّد بعد ذلك لم يستدم هذا القاضي النظر إلا بعد إذنه. ولا ينقض ما تقدم من حكمه.
ويستثنى من اشتراط تولية الإمام أو نائبه تولية المحكَّم، فإنها تصح من غير توليتهما. اهـ. خ ف.
(10) قوله: "أو نائبه فيه": أي في القضاة، بأن يفوض الإمام إلى إنسان تولية القضاة، فيكون نائبًا عن الإمام في توليته القضاء، لأن الإمام له تولي ذلك، فجاز له التوكيل فيه، كالبيع. فإن فوَّض له اختيار قاضٍ جاز، وليس له أن يختار نفسه أو ولده أو والده. اهـ. ح ف. بتصرف.
(11) قوله: "فلا تجوز توليته مع العلم بعدم صلاحيته: ظاهره أنه تجوز توليته مع الجهل، وليس كذلك، وهو مناقض لما قبله. فالصواب أن يقول: "فلا تجوز توليته مع عدم العلم بصلاحيته"، فالعلم بالصلاحية شرط، لأن الجهل بها كالعلم بعدمها، لأنه الأصل. فإن لم يعرفه سأل عنه من له معرفة به، فإن وجده صالحًا ولاّه، وإلا فلا.
(12) قوله: "ومشافهته بها": أي إن كان حاضرًا بالمجلس، "أو مكاتبته" أي إن كان غائبًا، "وإشهاد عدلين عليها" أي التولية، بأن يكتب العهد، ويقرأه على العدلين، ويشهدهما على ما فيه، ويأخذاه إلى الموَلَّى ليشهدا له هناك إذا كان محله فوق خمسة أيام من بلده.
(13) قوله: "أو استفاضتها": أي فيكفي استفاضة الولاية إذا كان محل
__________
(1) حديث "أميركم زيد ... " أورده ابن إسحاق في السيرة (2/ 373) في أول قصة غزوة مؤتة.

(2/448)


الولاية خمسة أيام فما دون. لأن الاستفاضة آكد من الشهادة. وليذا يثبت بها [2/ 446] النسب والموت، فلا حاجة معها إلى الشهادة كما ذكره م ص.

فصل فيما تفيده ولاية القضاء
(1) قوله: "ولا يستفيد إلاحتساب إلخ": أي بسبب [عدم] توفية الكيل أو الوزن ونحوهما، لأن العادة [85أ] لم تجر بتولّي القضاة لذلك، لكن إن تخاصموا [إليه] في صحة البيع أو فساده أو قبض ثمنِ أو مثمنٍ فله النظر فيه. وقال في التبصرة (1): ويستفيد منه أيضاً الاحتساب على الباعة والمشترين، وإلزامهم بالشرع.
ذكره في الإقناع وأقره، وقال: قال الشيخ: ما يستفيده بالولاية لا حدّ له.
(2) قوله: "وله طلب رزقٍ من بيت المال": أي لحاجة الناس إلى القضاء، فلو لم يجز الفرض للقضاة لتعطل القضاء وضاعت الحقوق، ولأن أبا بكر لما ولي الخلافة فرضوا له رزقًا في كل يوم درهمين. اهـ. م ص.
(3) قوله: "وخلفائه": أي نوابه في الحكم. فإن لم يجعل له شيء من بيت المال، وليس له ما يكفيه ويكفي عياله، ولو من غلةِ وقفٍ ونحوه، وقال للخصمين: لا أقضي بينكما إلا بجعلٍ، جاز له أخذ الجعل، لا الأجرة. وإن كان له ما يكفيه لم يجز أخذالجعل أيضًا.
وكذا من تعيّن أن يفتي، وله كفاية، لا يجوز له أخذ الجعل على فتياه، ولا يأخذ أيضًا أجرة خطِّه إن كان له رزق من بيت المال، وإلا جاز.
وأمَّا من لم يتعين للفتوى بأن كان بالبلد عالم يقوم مقامه، أو لم يكن له كفاية، جاز له أخذ الجعل على الإفتاء.
وعلى الإمام أن يفرض لمن نصب نفسه لتدريس العلم والفتوى في الأحكام ما يغنيه عن الكسب. وله قبول هدية لا ليفتيه بما يريد، وإلا حرمت.
__________
(1) للحنابلة تبصرتان: الأولى في الفقه وهي للحلواني (- 546 هـ) وهو عبد الرحمن بن محمد، أبو الفتح، وتقدم؛ والثانية في الخلاف، وهي لأبي خازم محمد بن القاضي أبي يعلى (- 527 هـ) ولم يتبين لنا أيهما المراد هنا.

(2/449)


[2/ 446]
(4) قوله: "ولا ينفذ حكمه في غير محل عمله": أي وهو محل نفوذ حكمه. لكن له أن يحكم في أي محل شاء منه، فلو شرط عليه في عقد الولاية موضعًا مخصوصًا، إما في داره أو في المسجد ونحوهما، بطلت الولاية، لأن الولاية عامّة فلا يجوز الحجر عليه في موضع جلوسه. وإن قال له: وليتك الحكم بين من ورد دارك والمسجد الفلاني ونحو ذلك، صح ولم يجز أن يحكم في غير داره أو المسجد المسمى له، لأنه جعل ولايته مقصورة على من ورد إلى داره أو مسجده، وهم لا يتعيّنون إلا في ورودهم إلى ذلك. اهـ. ح ف. ببعض تصرف.

فصل في شروط القاضي
(1) قوله: "ويشترط في القاضي عشر خصال": أي ولا يشترط غيرها.
والشاب المتصف بالصفات المذكورة كغيره، لكن الأسن أولى مع التساوي.
ويرجّح أيضًا بحسن الخلق، وكذا كل من كان أكمل في الصفات. اهـ. ح ف. ولا يشترط ذلك في المفتي، فتصح فتوى عبدٍ وامرأة وقريبٍ وأمي وأخرس مفهوم الإشارة أو الكتابة. وتصح مع جر النفع ودفع الضرر، ومن العدوّ، وأن يفتي أباه وابنه وشريكه، ومن لا تقبل شهادته له. لكن لا تصح من فاسق لغيره، ولو مجتهدًا. وكذا مستور الحال. ولهما إفتاء أنفسهما.
(2) قوله: "مجتهدًا": المجتهد من يعرف من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الحقيقة والمجاز، والأمر والنهي، والمجمل والمبين، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمستثنى والمستثنى منه. ويعرف من السنة صحيحها من سقيمها، وتواترها من آحادها، ومرسلها ومتصلها، ومسندها ومنقطعها، مما له تعلق بالأحكام خاصة. ويعرف ما أجمع عليه مما اختلف فيه، والقياسَ وحدوده وشروطه وكيفية استنباطه، والعربيَّة المتداولة بالحجاز والشام والعراق وما يواليهم. فمن عرف ذلك أو أكثره، ورزق فهمه، صلح للفتيا والقضاء. لكن قال الشيخ: لو ولَّاه في المواريث لم يجب أن يعرف إلا الفرائض والوصايا وما يتعلق بذلك. وإن ولَّاه عقد الأنكحة وفسخها لم

(2/450)


يجب أن يعرف إلا ذلك. وعلى هذا فقضاة الأطراف يجوز أن لا يقضوا في الأمور [2/ 448] الكبار، كالدماء والقضايا المشكلة. وعلى هذا لو قال: اقض فيما تعلم، جاز، ويبقى ما لا يعلم خارجًا عن ولايته. اهـ. قاله في الإقناع [85ب].
(3) قوله: "ولا تشترط العشر صفات" أي لا تشترط كلها، وانظر ما المراد بالصفة التي لا تشترط من هذه الصفات العشر، وهو يحتاج لنظر. فتأمل (1).

فصل في آداب القضاء
(1) قوله: "بلا عنف": بضم العين على المشهور، وحكى بعضهم ضمها وفتحها وكسرها (2).
(2) قوله: "في لحظِهِ": أي فلا يجوز له أن ينظر لأحدهما في الحكومة كثر من الآخر، أو ينْهَر أحدهما، أو يرفع صوته عليه ما لا يرفعه على الآخر، إلا إذا فعل ما يقتضيه، كأن يفتات عليه، ولا أن يُجْلس أحدهما ويوقف الآخر، ولا يجلس أحدهما بجانبه والآخر بين يديه، إلا أن يأذن أحد الخصمين في رفع الآخر عليه في المجلس، ولا أن يُدخل أحدهما قبل الآخر.
(3) قوله: "إلا المسلم إلخ": أي لما روي "أن عليًّا وجد درعه مع يهودي، فاختصما إلى شريح، فلما رأى عليّا قام شريح من مجلِسِهِ وأجلسه في موضعه، وجلس هو مع اليهودي بين يديه. فقال علي: لو كان خصمي مسلمًا لجلست بين يديك" (3)، ولما في ذلك من إظهار شرف الإسلام.
(4) قوله: "ويحرم عليه أخذ الرشوة": أي لحديث ابن عمر: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي" زاد بعضهم "والرائش"
__________
(1) ذكر شيخ الإسلام في الاختيارات (ص 336) جواز تحكيم الأعمى، مع أنهم قالوا: يشترط في القاضي أن يكون بصيرا.
(2) لم يذكر في لسان العرب إلا الضمّ.
(3) القصة أخرجها أبو أحمد الحاكم في الكنى في ترجمة أبي سمير عن الأعمش. وعلّقه البيهقي في السنن (10/ 136) وسندها ضعيف (الإرواء 8/ 243).

(2/451)


[2/ 449]
وهو (1) السفير بينهما.
(5) وقوله: "وكذا هديّة": أي لقوله عليه السلام "هدايا العمال غلول" لكن إن كانت الهدية ممن كان يهاديه قبل ولايته، وليس له حكومةٌ، جاز قبولها.
والأولى ردّها. وقال ابن نصر الله: ولا يبعد أن ذلك بشرط أن تكون هديته بعد ولايته كما كانت قبلها، فإن كثَّرها، أو كرَّرها فالظاهر أنه كغيره اهـ. ح ف. حاشية.
(6) قوله:"أو يقوم له دون الآخر": أما لو قام لهما فلا كراهية، كما في المنتهى.
ويستحب القيامُ للإمام العادل، والوالدين، وأهل الدين والورع، وكرام الناس، وأهل الحسب، ولا يستحب القيام لغير هؤلاء. ويكره القيام لأهل المعاصي والفجور. والذي يقام له ينبغي أن لا تستشرف نفسه إليه، ولا يتعاظم به، فيكون هو وعدمه عنده على حد سواء. ولا يستحب القيام لمن يتكرر مجيئه. والله أعلم.
(7) قوله: "وهو حاقن": أي حابس البول. وكذا وهو حاقب، أي حابس الغائط. وقوله "أو شدة جوع إلخ" ظاهره أنه لا يحرم مع الجوع اليسير ونحوه، ومثل ذلك تَوَقَانُ جماعٍ، وفرحٌ غالب، أو خوف، ونحوه من كل ما يشغل الفكر، لأنه يمنع فهم الحكم.
فائدة: لا يجوز للقاضي منع الفقهاء من عقد العقود وكتابة الحجج وما يتعلق بأمور الشرع مما أباحه الله ورسوله، إذا كان الكاتب فقيهًا عالمًا بأمور الشرع وشروطه، ولا سيما إذا كان الكاتب مرتزقًا بذلك. وإذا منع القاضي من ذلك ليصير إليه منافع هذه الأمور كان هذا من المكس، وإن كان مَنَع الجاهلين لئلا يعقدوا عقلًا فاسدًا فالطريق أن يعزّر من يعقد نكاحًا فاسدًا، كما فعل عثمان رضي الله عنه فيمن تزوج بغير ولي، ونحوه.
__________
(1) أخرجه الترمذي (1/ 250) والحاكم (4/ 102) والطّيالِسِي (2276) (الإرواء 8/ 245).

(2/452)


(8) قوله: "وإن إمكنه الكتابة بنفسه جاز له اتخاذ الكاتب": مقتضى سياق [2/ 450] العبارة أن يقول "جاز له أن يتولى الكتابة إلخ".
(9) وقوله: "جيد الخط": أي لا يشتبه فيه سبعة بتسعة، ونحو ذلك، ويكون صحيح الضبط.

باب طريق الحكم وصفته
(1) قوله: "كون الدعوى معلومة": أي وكونها محرَّرة. فإن كانت بدينٍ على ميتٍ ذى موته، وحرّر الدين، فإن كان أثمانًا ذكر جنسه ونوعه وقدره؛ وحرَّر التركة. ولا بد من ذكر الدعوى صريحًا، فلا يكفي قوله: لي عنده كذا، حتى يقول: وأنا مطالب به. ولا يشترط ذكر سبب الاستحقاق لعين أو دين، لكثرة سببه، وقد يخفى على المدعي.
(2) قوله: "اشترط كونه حالًّا": أي فلا تسمع بمؤجل، لأنه لا يملك طلبه قبل أجله. وقال في الترغيب: الصحيح: تسْمع، إلى آخر ما ذكره الشارح. وهذا توضيح عبارته رحمه الله تعالى.
(3) وقوله: "كدعوى تدبير": أي كما أنه تسمع الدعوى بالتدبير، أي وكذا الكتابة والاستيلاد قبل موت السيد، أو أداء مال الكتابة، لصحة الحكم بها، وإن تأخر أثرها.
(4) قوله: "وصفها كصفات السلم": فإن كانت عقارًا اشترط مشاهدتها أو ذكر اسمها وحدودها بما تتميز به عن غيرها. وتكفي شهرة العقار عند المتداعيين وعند الحاكم عن تحديده، لحديث الحضرمي والكندي.
ومن ادعى عقدًا، ولو غير نكاح، ذَكَرَ شروطه، للاختلاف فيها، فقد لا يكون صحيحًا عند القاضي [86أ]، إلا أن ادَّعى استدامة الزوجية، لأنه لم يدع عقدًا وإنما يدعي خروجها عن طاعته. ويجزي عن تعيين المرأة إن غابت ذكر اسمها ونسبها. وإن ادعى قتل مورّث ذكر القتل، وكونه عمدًا أو شبه عمدٍ أو

(2/453)


[2/ 453]
خطأ. ويصفه، وأن القاتل انفرد بقتله أو لا. وإن ادعى إرْثًا ذكر سببه.
(5) قوله: "ويلزمه بالحق بعد أن يسأله المدعي الحكم": وليس له أن يحكم عليه بمجرد إقراره، أو ثبوت الحق عليه ببينة، حتى يسأل المدعي، لأن الحق له، فلا يستوفيه إلا بمسألته. وكذا تحليفه، كما يأتي.
(6) قوله: "فيصرفه الحاكم": ويحكم له بالبراءة إن سأله الحكم.
(7) قوله: "أو قال: لا يستحق عليَّ شيئًا مما ادعاه": أي وهذا بخلاف ما لو قال: لا يستحقُّ عليَّ ما ادّعاه، فلا يصح هذا الجواب حتى يقول: ولا شيئًا منه، ولا بعضه. وهذا ما لم يعترف بسبب الحق، فلو ادَّعت امرأة مهرها على معترفٍ بزوجيتها، فقال: لا تستحق علي شيئًا، لم يصحّ الجواب، ولزمه المهر إذا لم يقم بيّنةً بإسقاطه أو أدائه. وكذا لو ادَّعت عليه نفقةً أو كسوة، وكذا لو ادعى عليه قرضًا فاعترف به، وقال: لا يستحق علي شيئًا، فلا يكفي، لثبوت سبب الحق.
(8) قوله: "فإذا أحضرها وشهدت سمعها": أي وجوبًا، وحَكَمَ إن سأله المدعي الحكم. ولا يلزم البينة أن تقول: "والدين باق بذمته إلى الآن" بل يحكم إذا ثبت سبب الحق استصحابًا للأصل، إجماعًا.
(9) قوله: "ترديدها": أي طلب إعادة الشهادة ثانيًا وثالثًا.

فصل في تعديل الشهود وجرحهم
(1) قوله: "فلا بد من العلم بها": فإن رضي أن يحكم له بشهادة فاسق لم يجز، لأن التزكية حق للشرع.
(2) قوله: "فيما أقرّ به في مجلس حكمه": مفهومه أن لا يعمل بعلمه فيما أقر به في غير مجلس حكم، لكن إن استند إلى علمه، معتمدًا على استفاضته، جاز له الحكم، كما ذكر في "الطرق الحكمية" (1).
__________
(1) كتاب الطرق الحكميّة للعلامة محمد بن أبي بكر الزرعي الشهير بابن قيّم الجوزية (- 754 هـ) وكتابه هذا كتاب قيّم استوفى فيه كل ما يصلح أن يكون حجّة يستند إليها القاضي في قضائه غير الشهادات، مع استحضار الحجة من الكتاب والسنة لكل نوع من الحجج.

(2/454)


(3) قوله: "ولا يحكم بعلمه في غير ما ذكر": أي إلا على روايةٍ مرجوحة. [2/ 454] قال المنقّح: وقريب منها، أي مسألة القضاء بعلمه: العمل بطريق مشروع، بان يولَّى الشاهد الباقي من شاهدين بعد موت رفيقه القضاء للعذر، فيقضي بما شهد عليه. وقد عمل به كثير من حكامنا، وأعظمهم الشارح، أي شارح المقنع.
اهـ. توضيح.
(4) قوله: "فلا بد من المزكين لها": أي للبيّنة. ولا بد مع المزكّين من معرفة حاكمٍ خبرة باطنهما بصحبةٍ أو معاملةٍ (1) ونحوهما ككونه جارًا لهما.
(5) قوله: "ويكفي في تزكية الشاهد إلخ": أي لا يشترط أن يقول المزكي: "أرضاهُ لي وعليَّ" لكن لا بد من المشافهة في التعديل والجرح، فلا يكفي كتابته أنه عدل أو ضده. ومتى ارتاب الحاكم من عدلين لم يختبر قوة ضبطهما وقوة دينهما لَزِمَهُ البحث عما شهدا به بسؤال كل واحد منهما منفردًا (2) عن كيفية تحمله، ومتى وأين، وهل تحمَّل وحده أو مع صاحبه، فإن اتفقا وعظهما وخوَّفهما، فإن ثبتا حكم، وإلا لم يقبلهما.
ولا يكفي قول مزكٍّ: لا أعلم إلا خيرًا وإن شهد عليَّ أقبله، ونحوه، بل لا بد من الشهادة بأنه عدل.
(6) قوله: "لئلا يجب عليه الحدّ": أي حد القذف. فعلى هذا إذا كان الجارح والدًا للمجروح [له] أن يصرح بالزنا، لأنه لا يحد بقذف ابنه، بل ولا يعزر، كما تقدم.
(7) قوله: "ولا بد في اليمين من سؤال المدعي": أي فلو حلف قبل سؤاله فله إعادته. وكذا بلا إذن حاكم. ويحرم تحليف البريء لأنه ظلم، ولا يقبل توريةٌ ولا تأويل إلا لِمظلومٍ. ولا يحلف في مختلفٍ فيه لا يعتقده، نصًّا، وحمله الموفق على الورع. وقال [أحمد] أيضًا: لا يعجبني. وتوقف فيها فيمن عَامَل بحيلةٍ،
__________
(1) ض: "بصحبتِهِ أو معاملتِه".
(2) في النسختين: "بسوء" إذ كلّ واحد منهما منفردًا" وهو تصحيف. والتصحيح من شرح الإقناع (6/ 349).

(2/455)


[2/ 456] كعينةٍ، إذا أنكر الآخذ الزيادة وأراد الحلف عليها.
(8) قوله: "فله أن يقيمها بعد ذلك": أي إذا قال: "لا أعلم لي بيّنة"، لا إذا قال "ليس لي بينة" لأنه يكون حينئذ مكذَّبًا لها. وكذا لو قال: كذب شهودي، أو كل بينةٍ أقمتها فهي زور، ونحوه. وحينئذ فكلام المصنف مُنْتَقَدٌ كما لا يخفى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(9) قوله: "إن لم تحلف وإلا قضيت إلخ" (1) قضيت جواب الشرط الأول، وجواب الثاني محذوف. وتقدم تظير ذلك في هامش باب الرهن، فليراجع.

فصل هل ينفذ حكم القاضي باطنا
(1) قوله: "ولو كان ذلك في عقدٍ إلخ" أي خلافًا لأبي حنيفة، فعنده: لو أقام بينة زورٍ بزوجية امرأة، وحكم له بها، حلّتْ له. وكذا لو أقام [86ب] بينة زور على رجل بأنه طلق زوجته ثلاثًا، جاز لأحد الشهود أن يتزوجها.
(2) قوله: "ويصح أن تتزوج غيره ... إلخ" وقال الموفق: لا يصح، لئلا يلزم عليه أن يطأها اثنان أحدهما جهرًا والآخر سرًا.

فصل في القضاء على الغائب
(1) قوله: "ولو في غير عمله إلخ" وفاقًا لما قاله في الإقناع وغيره، وخلافًا لما في المنتهى. فليتأمل.
فائدة: ولا يجب على المحكوم له على الغائب ونحوه يمين على بقاء حقه في ذمة غائب ونحوه، إلا على رواية: قال المنقح: وعليها العمل في هذه الأزمنة.
اهـ، لفساد أحوال غالب الناس، ولاحتمال أن يكون استوفى ما شهدت له به البينة ة ولا يلزم القاضي أن ينصب من ينكر أو يجيب بغيره عن الغائب.
__________
(1) الأولى أن يقول: "إن حلفتَ وإلا قضيت عليك" أي إن حلفت برئتَ وإلا قضيت عليك.
أو يقول: "إن لم تحلف قضيت عليك" بغير إلّا. وهو ظاهر. والله أعلم.

(2/456)


(2) قوله: "في غير مال" أي كنكاح وطلاق ونحوهما. والتوكيل في المال [2/ 458] من باب أولى. فلو قال: "ولو في غير مال" لكان أولى.
وأجمعوا على قبول كتاب القاضي إلى القاضي، لدعاء الحاجة إليه، فإن من له حق في غير بلده لا يمكنه إثباته والطلب به بغير ذلك، إذ يتعذر عليه السفر بالشهود، وربما كانوا غير معروفين به، فيتعذر الإثبات به عند حاكم. اهـ. م ص.
(3) قوله: "ويدفعه لهما": أي فإذا وصلا بالكتاب إلى المكتوب إليه دَفَعاهُ له وقالا: "نشهد أن هذا الكتاب كتاب القاضي فلان، كتبه بعمله، وأشهدَنَا عليه" والاحتياط ختمه بعد أن يقرأ عليهما.
(4) قوله: "يقع به إشكال": أي وأما إن كان الميت لا يقع به إشكال (1) ولا التباس بالمدعى عليه المذكور فلا يعتبر قوله.
(5) قوله: "فيتوقف حتى يعلم الخصم": أي فيحضر القاضي المساوي له إن أمكن، ويسأله، فإن اعترف بالحق لزمه وتخلص الأول، وإن أنكر وقف الحكم، وكتب إلى القاضي الكاتب يعلمه بما حصل من اللبس، حتى يرسل الشاهدين، فيشهدا عنده على أحدهما بعينه، فيلزمه الحق. اهـ. م ص.

باب القسمة
(1) قوله: "وكانت بيعًا إلخ": فعلى هذا يشترط لها شروط البيع، من الرضا والرشد ونحوهما. قال ح ف: ومقتضاه أنه لا تصح القسمة فيها إن كانت مرهونة أو موقوفة، أو بعضها. اهـ.
(2) قوله: "يثبت فيها ما يثبت فيه من الأحكام": أي من رد بعيب، وخيار مجلس، وخيار شرط وغبن، وغير ذلك. اهـ. م ص.
(3) قوله: "أجبر إلخ": أي إذا دعاه لبيعه من غيرهما، وأما إن طلب منه أن
__________
(1) قوله: "وأما إن كان به إلخ" ساقط من ض.

(2/457)


[2/ 460] يبيعه منه حقه فلا يجبر. وكذا شراؤه أو إجارته أو استئجاره منه، بل يباع أو يؤجر لغيرهما. وهذا كالصريح في كلامهم. فلو اقتسما لبن الحيوان ليحتلبه هذا يومًا ولهذا يومًا، أو ثمرة الشجرة لتكون هذا عامًا ولهذا عامًا لم يصح، لما فيه من التفاوت الظاهر. لكن طريقه أن يبيح كل واحد منهما نصيبه لصاحبه في المدة.
اهـ. ح ف.
(4) قوله: "غرم ما انفرد به": ومثله لو استوفى أحدهما نوبته، ثم تلفت المنافع في مدة الآخر، فإنه يرجع على الأول ببدل حصته من تلك المدة التي استوفاها، ما لم يكن قد رضي بمنفعة الزمن المتأخر على أي حال كان. قاله الشيخ تقي الدين. اهـ. ح ف.
قلت: فعلى هذا فالرّحى التي يديرها الماء بوادي نابلس، وهي لا تدور إلا بعض فصلي الشتاء والربيع لضعف الماء، وبعض السنين لا تدور أصلاً لعدم خروج الماء فإنها إذا قسمت مهايأة على السنين، ورضي كل منهما بسنته على أي حال كانت، ليس لمن تعطل نفعها في سنَتِهِ الرجوع على الآخر، وإلا فله الرجوع. والله أعلم.
وها هنا مسألة أيضًا، وهي أنه إذا تهايأ الشريكان أرضًا، كل واحد منهما يزرعهما عامًا أو أكثر، ومضى لذلك مدة طويلة، حتى جهل من زرعها أولاً، ثم أرادا أن يقتسماها، فقال أحدهما لصاحبه: أنت زرعتها في العام الماضي فأريد أن أزرعها في هذا العام بمقابلة ما زرعت، فقال له الآخر: أنت زرعت العام الذي قبله، وأنا زرعتها بمقابلة ذلك، فتساوينا، ونريد أن نقسمها، وأبى الآخر حتى يستوفي نوبته على زعمه، فهل يتحالفان ويقتسمانها ولا رجوع لأحدهما على الآخر، وإذا نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه؟ الظاهر: نعم. فتأمل.
فائدة: لا تصح قسمة الدين في ذمم الغرماء، ولو بالرضاء. واضطرب كلام صاحب الإقناع، فذكر في الشركة أنها لا تصح، وذكر في باب القسمة أنها تصح.
فالظاهر أنه مشى في كل موضع على قول، لكن بعد ذكره في القسمة أنها تصح قال "وتقدم في الشركة" فهذا يدل على أنه سهو [87أ].

(2/458)


فصل في قسمة الإجبار [2/ 461]
(1) قوله: "ولو لم تتساو أجزاء هذه إلخ": أي بان كانت الأرض الواسعة مثلاً بين ثلاثة أثلاثًا، وهي ثلاثون ذراعًا، لكن بعضها جيد وبعضها رديء وبعضها متوسط، فأخذ أحدهم خمسة أذرع، والثاني عشرة، والثالث خمسة عشر، ولكن قيمة ذلك متساوية، فهذه قسمة إجبار.
(2) قوله: "ويدخل الشجر تبعًا": يعني إذا قسم البستان أرضًا وشجرًا معًا فهي قسمة إجبار، كقسمة أرضه دون الشجر. وأما قسمة الشجر دون الأرض فقسمة تراضٍ، وتقدم.
(3) قوله: "فيجبر الحاكم إلخ": هذا مفرع على قوله "ليس بيعًا" أي فلو كانت بيعًا لم يجبر الحاكم إلخ. أي ولهذا امتنع الأخذ بالشفعة فيها ولزمت بالقرعة.
وصحّ قَسْمُ لحم هدي وأضاحٍ ونحوه مما لا يصح بيعه، لا رطب من ربوي ويابس منه، بأن يأخذ أحدهما الرطب والآخر اليابس.
ويصح قسم وقف. قال في المنتهى: "ولو على جهة" أي واحدة. وذكر في الفروع أنه ظاهر كلام الأصحاب. وقال: وهو أظهر. وقال الشيخ: إذا كان الوقف على جهة واحدة فلا تقسم عينُهُ قسمةً لازمة اتفاقًا، لتعلق حق الطبقة الثانية والثالثة، لكن تجوز المهاياة بلا مناقلة (1).
قال م ص: قلت: بل ما ذكره الشيخ تقي الدين أظهر، وجزَم به في الإقناع. والله أعلم.
(4) قوله: "أن يثبت عند الحاكم ملك الشركاء إلخ": أي فإذا سألوا الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم لم يجب عليه قَسْمُهُ، بل يجوز برضاهم، فإن قسمه ذكر في كتاب القسمة أنه قسمه بمجرد دعواهم بملكه، لا عن بينة شهدت
__________
(1) في ض "بلى مناقلة" وفي الأصل "تجوز المهاياة مناقلة" وأثبتنا ما هو الصواب على ما يقتضيه السياق.

(2/459)


[2/ 464]
لهم به. وإن ثبت عنده ببينة قسمه بطلب بعضهم ولو لم يتفقوا، لجواز جبر الممتنع.
(5) قوله: "وإن خير أحدهما الآخر إلخ" هذا مقابل لقوله: "وإن تقاسما بالقرعة إلخ" يعني إذا كانت القسمة بالقرعة فليس فيها خيار مجلس ولو تقاسما بأنفسهما، وإن كانت بالتخيير والرضا ثبت فيها خيار المجلس، ولو كان القاسم غيرهما. هذا ما ظهر لي، خلافًا لما ذكره م ص في شرح المنتهى.
(6) قوله: "بين فسخ أو إمساك": أو بمعنى الواو على حد قول الشاعر:
قومٌ إذا سمعوا الصَّرِيخَ رأيتَهُمْ ... ما بين ملجم مُهْرِه أو سافِعِ
ولهذا مما أولع به الفقهاء، والصواب ذكره بالواو لأن التخيير بين الشيئين، لا بين شيء أو شيءٍ، كما هو واضح، ولذلك قال الشارح: فيخير بين الفسخ والإرث.
(7) قوله: "قال في المنتهى إلخ" ليس هذا مباينًا لعبارة المصنف، بل مبيِّن لها. وتوضيح ذلك أنه إن ادعى أحد المتقاسمين غلطًا، ولم يصدقه المدعى عليه، فإن كانا تقاسما بأنفسهما وأشهدا على رضاهما، لم يلتفت لهذه الدعوى ولو مع بينة. ولا يحلف غريمه إلا أن يكون مسترسلاً فيغبن بما لا يتسامح به عادة، فتسمع بينته. وإن كان بقاسم نصباه، أو نصبه حاكم، حلف منكر الغلط إن لم تكن بينة.
(8) قوله: "تحالفا إلخ": فإن نكل أحدهما فهو، أي المدعى به، للحالف، وإن نكلا فالظاهر أنها تنقض القسمة أيضًا. والله أعلم.
(9) قوله: "وإن حصلت الطريق إلخ": ظاهر هذا أنه لا يجبر من يلي الباب على الاستطراق من حصته كما هي قبل القسمة، مع أن مسيل الدماء يبقى بعد القسمة على ما هو عليه قبلها إلا باشتراط منعه، فهل بينهما فرق؟
(10) وقوله: "بطلت" أي ما لم يكن راضيًا عالمًا بأن لا طريق له، كما ذكره ح ف عن ابن قندس. وهو واضح.

(2/460)


باب [2/ 465] الدعاوى والبينات
(1) الدعاوى بكسر الواو وفتحها، كما في الحاشية.
(2) قوله: "جائز التصرف": وهو الحر المكلف الرشيد.
(3) قوله: "أن لا تكون بيد أحد": أي كما لو تنازعا مسناة بين نهر أحدهما وأرض الآخر، فيحلف كل منهما أن نصفها له، ويتناصفانها، كجدارٍ بين ملكيهما، ولا يقدح إن حلف أن كله له أحدهما أو كلاهما. قاله في المنتهى.
قلت: ومن هنا يؤخذ حكم ما يوجد بين أرضين إحداهما أعلى من الأخرى، ويسمونه "الحَبَلَة" فهو جدار ممسك للعليا لاصق بالسفلى، ومنه ما يكون قائمًا منتصبًا ومنه ما يكون فيه ميل، ويتفاوت. وعل كل فالظاهر أنهما يتحالفان ويتناصفانها. لكن يتوجّه أنه ليس لرب السفلى أن يحرث أو يحفر [87ب] فيها إذا كان ذلك سببًا لسقوط شيء من العليا. والله أعلم.
(4) قوله: "بيد أحدهما": أي ولا بينة للآخر، فهي له بيمينه. لكن لو ادّعى كفنًا على ميتٍ ولا بينة له، فهو للميت، ولا يمين على واحد. اهـ. ح ف.
(5) قوله: "ولو أقام بينة": أي لأنه داخل، ولا تسمع بينة داخلٍ مع عدم بينة خارج، كما صرح به في المنتهى؛ ولأنه مدعًى عليه. وقد قال في الانتصار (1): لا تسمع إلا بينة مدّعٍ باتفاقنا. فقوله "ولو أقام بينة" غاية لقوله "فإن لم يحلف قضي عليه بالنكول" وحينئذ فقول الشارح: قال في المنتهى إلخ غير مصادمٍ لعبارة المصنف، لأن عبارة المنتهى: "الثاني أن تكون بيد أحدهما، فهي له، ويحلف إن لم تكن بينة" اهـ. أي إن لم تكن لمن العين بغير يده، وهو المدعي، فإن كان له بينة حكم له بها. وعبارة الإقناع بمعناها. فعبارة الشارح تشعر بالاعتراض على عبارة المصنف، وقد علمت ما فيه.
__________
(1) الانتصار هو للقاضي أبي يعلى.

(2/461)


[2/ 466]
(6) قوله: "وإن تنازع صانعان إلخ": ومثله لو تنازع زوجان، أو ورثتهما، أو أحدهما وورثة الآخر، ولو مع رِقِّ أحدهما، في قماش البيت ونحوه، فما يصلح لرجل فهو له، وما يصلح لها فهو لها، وما يصلح لهما فهو لهما. وكل من قلنا هو له فهو له (1) كما صرحوا به في غير موضع.
(7) قوله: "من طريق الحكم أو من طريق المشاهدة": أي عملاً بالظاهر، فإن لم تكن يَدٌ حُكميةٌ، كرجل وامرأة تنازعا شيئًا ليس بدارهما، أو صانعان تنازعا آلة ليست بدكانهما، فلا يرجَّح أحدهما بشيء مما ذكر، بل إن كان بيد أحدهما فله، أو بيديهما فلهما، أو في يد غيرهما ولم ينازع أُقرع بينهما. اهـ. م ص.
(8) قوله: "فالعين له إلخ": أي سواء كان المدعي أو المدعى عليه، قاله م ص في شرح المنتهى. ثم قال: وقد ذكرت ما فيه في الحاشية. اهـ. فالظاهر أن الذي ذكره في الحاشية يرد عليه قوله فيما سبق: "ولا تسمع بينة داخل مع بينة خارج " إلا أن يقال: كل واحد منهما واضع يده، فليس داخلاً محضًا. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(9) قوله:"وتساوتا من كل وجه": أي بأن تشهد كل منهما باليد والملك.
فلو شهدت إحداهما بالملك، والأخرى باليد، قدمت الأولى. ذكره ح ف. لكن لو وقتت إحداهما دون الأخرى، أو شهدت بينةٌ بالملك وسببه، كنتاج أو غيره، وبينة بالملك وحده، أو بينة أحدهما بالملك له منذ سنة، وبينة الآخر بالملك له منذ شهر، ولم تقل اشتراه منه، فهما سواء، ولا تقدم إحداهما بكثرة العدد ولا اشتهار العدالة، ولا الرجلان على الرجل والمرأتين، ولا الشاهدان على الشاهد واليمين.
(10) قوله: "فهي له بيمينه": أي فمن قَرَعَ صاحبه حلف وأخذه، كما لو لم يكن لواحد منهما بينة. روي عن ابن عمر وإبن الزبير. قاله م ص. ثم قال: وفيه ما نبّهت عليه في الحاشية. اهـ. والذي يظهر لي أن الذي نبّه عليه في الحاشية كون هذا معارضًا لما تقدم أوَّل الباب، من أنهما يتحالفان ويتناصفان، مع أن عبارة
__________
(1) هكذا في النسختين. ولعل الصواب "فهو له بيمينه".

(2/462)


المنتهى والإقناع كذلك. فليحرر. [2/ 467]
(11) قوله: "وبينة الخارج مقدَّمة على بينة الداخل": أي سواء أقيمت بينة الداخل بعد رفع يده أوْ لا، وسواء شهدت بنتاجه في ملكه أوْ لا. وتسمع بينته وهو منكر لادِّعائه الملك لما بيده. وكذا من ادعى عليه تعدّيًا ببلد ووقت معينين، وقامت به بينة، وهو منكر، فادعى كذبها، أو أقام بينةً أنه كان بذلك الوقت بمحلٍّ بعيد من البلد، فتسمع ويعمل بها.
(12) قوله: "عن اليمين": أي لكل واحد منهما إن نكل عن اليمينَيْن. أما إن نكل عن إحداهما فإنه يحكم بها كلها لمن نكل عن الحلف له، ويحلف من يأخذها لصاحبه أيضًا، كما صرح به ع ن. وظاهر كلامهم أنه لو حلف لهما يمينًا واحدة، وذكرهما فيها معًا، لا يكفي، بل لا بد من يمينين، ما لم يرضيا بواحدة، والله أعلم.
(13) قوله: "وحلف كل واحد لصاحبه": فإن أقام أحدهما بينة أنها له بعد حلف صاحبه فالظاهر أنه يحكم له بها، ويرجع من انتزع منه النصف على المقر بذلك. اهـ. ع ن. وكذا لو أقر لأحدهما بالعين، فأقام الآخر بيّنة أنها ملكه، أخذها من المقر له. قال في الروضة (1): وللمقرّ له قيمتها على المقِرِّ. قال الفتوحي: ولم يعرف ذلك لغير صاحب الروضة اهـ. قال م ص: وهو بعيد. اهـ. مع أنه جزم به في المنتهى والإقناع، لكن قواعد المذهب تأباه.
(14) قوله: "أي وإن لم يصدّقاه": أي بأن يكذباه أو يكذبه أحدهما.
(15) قوله: "وإلّا حلف يمينًا [88أ] واحدة ويقرع إلخ": لم يقل: ثم يقرع، إشارة إلى أن القرعة لا تتوقف على الحلف، بل تصح قبله، فإن نكل عن اليمين أخذ العين من خرجت له القرعة، ويحلف للمقروع إن كذَّبه في عدم العلم. فإن نكل أخذ منه بدلها. وإن أنكرها ولم ينازع أقرع بينهما. فلو علم أنها للمقروع فقد
__________
(1) "روضة الفقه" قال الدكتور بكر أبو زيد: هو كتاب لم يُعْلَم مؤلفه من الحنابلة. ونقل عنها الفتوحي كما في هذه المسألة. ونقل عنها غيره (المدخل المفصّل 2/ 1046) قلت: ونقل عنه قبل ذلك صاحب الفروع كما في (6/ 3).

(2/463)


[2/ 469] مضى الحكم، فإنها لمن خرجت له القرعة. وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها، وإن كان لكلٍّ بينة تعارضتا، سواء أقر لهما أو لأحدهما لا بعينه، أو ليست بيد أحد. وإن أنكرهما فأقاما بيّنتين، ثم أقر لأحدهما بعينه، لم ترجح بينة المقر له بذلك، وحكم التعارض بحاله، وإقراره صحيح. وإن كان إقراره قبل إقامتهما البينتين فالمقَرُّ له كداخلٍ والآخر كخارج، وإن لم يدّعها لنفسه ولم يقرّ بها لغيره ولا بينة لواحد فهي لأحدهما بقرعة.
***

(2/464)