حَاشِيةُ
اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ كتاب الشهادات
[2/ 470]
(1) قوله: "ولا توجبه": أي بل القاضي يوجبه بها (1).
فائدة: قال في الفروع "ولا يقيمها" أي الشهادة، على مسلم بقتل كافر. قال م
ص: فظاهره: يحرم. ولعل المراد عند من يقتله به. اهـ.
أقول: يؤخذ منه أن الشاهد على شيءٍ مختلف فيه، كمسائل العينة ونحوها ممّا
زاد على أصل المال، لا يشهد به عند من يلزمه به. ويتجّه أن هذا يجوز فيه
الأداء وتركه. والله أعلم.
(2) قوله: "في حقوق الآدميين": وأما في حقوق الله تعالى كزنا وشرب خمر
فيُخيَّر بين أدائها وعدمه، لأن حقوق الله مبنيّة على المسامحة. بل استحب
القاضي وأصحابه وأبو الفرج والموفّق ترك الأداء، ترغيبًا في الستر. وللحاكم
أن يُعَرِّض للشهود بالتوقف عن الشهادة فيها.
(3) قوله: "وغيرها": أي كحدّ قذف.
(4) قوله: "وأداؤها فرض عين": هذا نص الإمام، على ما في الفروع. وهو ظاهر
الخرقى. وقال عنه في الإنصاف: إنه المذهب. وقدّم الموفق أنه فرض كفاية
أيضًا، وجزم به جمع. قلت: ولعل الخلاف لفظي، فمن قال إنه فرض عين أراد أنه
إذا دُعيَ أحد الشهود لأدائها تعيّن عليه، ولا يجوز له التخلف بدون عذر،
ومن قال: فرض كفاية، أراد أنه إذا تحمل الشهادة جمع، فشهد منهم من يكفي في
إثبات الدعوى، سقط أداؤها عن الباقين، وكلا ذين لا خلاف فيه. والله سبحانه
وتعالى أعلم.
(5) قوله: "ويحرم كتم الشهادة": أي للآية. واعلم أن تحمُّل الشهادة وأداءها
إنما يجبان على من يدعى لهما ممن تقبل شهادته، ويقدر عليهما، بلا ضرر يلحقه
في بدنه أو ماله أو أهله أو عرضه، أو يحتاج إلى تبذُّلٍ في التزكية، ونحو
__________
(1) هكذا في ض. وفي الأصل: "بل القاضي يوجبه أيضًا".
(2/465)
[2/ 471] ذلك.
(6) قوله: "ولا ضمان": أي على كاتم الشهادة إذا تعذّر الحق بدونها، وإنما
يأثم بذلك. هذا ما ظهر لي من هذه العبارة. وفي الحاشية: قوله "ولا ضمان" أي
لا يضمن من بان فسقه من الشهود. اهـ. وفيه نظر، لأنه لم يتقدم لمن بان فسقه
ذكر، فتنبه.
(7) قوله: "بدليل قوله تعالى إلخ": أي ولقول ابن عباس:"سئل النبي - صلى
الله عليه وسلم - عن الشهادة، قال: ترى الشمس؟ قال: على مثلها فاشهد أو
دَعْ". رواه الخلال في جامعه (1). والمراد العلم بأصول المُدْرَك لا
بدوامه، ولذلك يشهد بالدَّيْنِ مع جواز دفع المدين له، وبالإجارة والبيع مع
جواز الإقالة ونحوها. أشار إليه القرافي. اهـ. م ص.
(8) قوله: "كمعاينة السبب من بيع وإرثٍ": أي لأنه يحتمل أن يكون البائع
والمورث غير مالك، كما أنه يحتمل أن من بيده شيء يتصرف فيه مدة طويلة غاصب
له، ونحوه. فكما جازت الشهادة بالملك في الأولى جازت في الثانية، إذ لا فرق
بينهما.
فصل
(1) قوله: "وهذا فيما إذا أطلق الشهادة": أي الاثنان أو أحدهما فقط، كما لو
شهد أحدهما بألفٍ وأطلق، وشهد الثاني بخمسمائة ثمن مبيع، فإنها تكمل البينة
بخمسمائة، ويحلف على الباقي. وأما إن قيّد كل واحد منهما، فإن اتفقا كملت
البينة، وإن اختلفا فقال أحدهما ثمن مبيع، وقال الآخر: قرضًا، فلا.
(2) قوله: "لأن ذلك رجوع عن الشهادة إلخ": هذه إشارة للذي قال: قضاه بعضه،
في المسألة الأولى. وقوله: "هذا لا يقول إلخ" إشارة لمن قال: قضاه نصفه، في
الثانية.
__________
(1) وفي الإرواء (8/ 282): أخرجه العقيلي في الضعفاء (380)، والحاكم (4/
98) والبيهقي (10/ 156) وإسناده ضعيف.
(2/466)
(3) قوله: "والمنصوص عن أحمد أن شهادته
تقبل إلخ": أي في المسألة [2/ 473] الأولى. وقوله: "وللمشهود له ما اجتمعا
عليه إلخ" أي ويحلف [88ب] على الباقي مع الشاهد الثاني، ويستحقه، قياسًا
على ما تقدم.
(4) قوله: "لم يقبل منه": أي لأنه ينافي شهادته أولاً. وهذا -والله أعلم-
فيما إذا شهد بأن له عليه ألفًا، وأما إن شهد بأنه أقرضه ألفًا، ثم بعد
الحكم به شهد بقضاء خمسمائة، فلا مانع من قبول شهادته، إلا أنه لا يكفي
وحده، بل لا بد من شاهد آخر، أو يمين. فليحرر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(5) قوله: "ولو شهد اثنان في جمع من الناس إلخ": قال في المنتهى: ولا
يعارضه قول الأصحاب: إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي على نقله مع مشاركة
خلق كثيرين رُدَّ قوله. قال في شرحه: للفرق بين ما إذا شهد واحد وبين ما
إذا شهد اثنان، وبين التقييد يكون الشيء مما تتوفر الدواعي على نقله وبين
عدم ذلك القيد اهـ.
باب شروط من تقبل شهادته
(1) قوله:"لصغير": أي دون البلوغ، ولو على صغير مثله. وقيل تقبل من ابن عشر
فأكثر إذا كان متصفًا بما يتصف به المكلف العدل، بأن كان صدوقًا غير متهم
بالكذب. كما في الشرح الكبير.
(2) قوله: "والصبي لا يسمى رجلاً": فيه أنه قد ذكر أهل اللغة أن الرجل اسم
للذكر البالغ من بني آدم، أو هو [رجل] ساعةَ يولد. ولذلك قال - صلى الله
عليه وسلم - "ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر" وألحق برجل لفظ "ذكر" خوفًا
من توهم أن الرجل لا يطلق إلا على البالغ، فيكون التعصيب له دون غيره. إلا
أن يقال: لا يطلق الرجل على الصغير إلا بقرينة، كما في الحديث. والله أعلم.
(3) قوله: "وهو نوع من العلوم الضرورية": أي غريزة ينشأ عنها ذلك، وليس
مكتسبًا، بل خلقه الله تعالى للفرق بين الإنسان والبهيمة. والعلم الضروري
(2/467)
[2/ 475]
هو الذي لا يمكن ورود الشك عليه. فالعقل قوة تدرك ذلك، لا نفس الإدراك.
ومحله القلب، وله اتصاله بالدماغ.
(4) قوله: "الضروري وغيره": أي غير الضروري، وهو النظري.
اعلم أن الواجب عقلاً هو الذي لا يدرك في العقل عدمه، إما ابتداءً بلا
احتياج إلى سبق نظرٍ، ويسمى الضروري، كالتحيّز للجرم، فإن العقل يدرك
ابتداء أنه لا بد للجرم من الحيِّز، أي أخذه قدرًا من الفراغ. وإما بعد سبق
نظر، ويسمى "نظريًا"، كالقِدَم لمولانا عز وجل، فإن العقل إنما يدرك وجوبه
له سبحانه وتعالى إذا فكَر العاقل وعرف ما يترتب على ثبوت الحدوث له عز وجل
من الدور والتسلسل الواضحي الاستحالة.
والحاصل أن الواجب عقلاً هو ما لا يتصور في العقل عدمه.
والممكن هو ما يتصور في العقل وجوده وعدمه. وهو إما ضروري أو نظري، فالأول
كاتصاف الجرم بخصوص الحركة، والثاني كتعذيب المطيع الذي لم يعص الله طرفة
عين.
والممتنع، أي المستحيل، هو ما لا يتصور في العقل وجوده. وهو ضروري ونظري،
فالأول كتجرد الجرم عن الحركة والسكون معًا، والثاني ككون الذات العلية
جرمًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، لأنه لو كان جرمًا لوجب له الحدوث
(1).
(5) قوله: "كوجود الباري": هذا مثال للواجب النظري، وقوله "وكون الجسم
الواحد ليس إلخ" مثال للواجب الضروري. وكذا قوله "وكون الواحد إلخ" وقوله
"واستحالة اجتماع الضدين" الصواب أن يقول "واجتماع الضدين" فيكون
__________
(1) الصواب أن الجسم والجرم والجهة ونحوها لا نُثْبَتُ لله تعالى ولا تنفى
عنه، إذ لم يرد في الكتاب والسنة إثباتها ولا نفيها، ولأن إثباتها قد يوهم
كونه تعالي مخلوقًا، ونفيها يوهم التعطيل من صفات الاستواء والمجيء
والنزول. فمثبت ما أثبته الكتاب أو السنة الصحيحة، وننفي ما نفياه، وما عدا
ذلك نسكت عنه لأنه من عالم الغيب، وهو لا يقاس على عالم الشهادة.
(2/468)
تمثيلًا للممتنع، ولم يمثل للممكن، وهو
كوجود العالم. ولا يخفى ما في هذه [2/ 476] العبارة من التسمّح.
فائدة: وما اتخذه أرباب الدنيا من العادة والنزاهة عن أمور لا يقبحها
السّلف، ولا اجتنبها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،كتقذرهم من
حمل الحوائج والأقوات للعيال، ولبس الصوف، وركوب الحمار، وحمل الماء على
الظهر، والرزمة إلى السوق، فلا يعتبر في المروعة الشرعية، لفعل الصحابة رضي
الله عنهم وعنَّا بهم.
(6) قوله: "وهو أداء الفرائض": أي الصلوات الخمس والجمعة وصوم رمضان
والزكاة والحج ونحو ذلك مما يجب شرعًا.
(7) قوله:"برواتبها": أي رواتب فرائض الصلاة، ومنها الوتر، بل هو آكدها،
للخلاف في وجوبه.
(8) وقوله: "رجل سوء": أي لأن تهاونه بالسنن يدل على عدم اعتنائه بالدين،
ولأنه ربما أدى إلى تهاونه بالفرائض.
(9) قوله: ولا يُدْمِنَ على صغيرة": أي لا يداوم عليها. وفي الترغيب: بأن
لا يكثر منها، ولا يصرّ على واحدة منها. قال في الفروع: وظاهر الكافي
[89أ]: العدل من رَجَحَ خيره ولم يأت كبيرةً، لأن الصغائر تقع مكفَّرةً
أوّلاً فاوّلًا، فلا تجتمع. اهـ. م ص.
(10) قوله: "والكذب إلخ": ومن الكذب إذا جاءه طعام فقال: لا آكله، ثم أكله،
ومن كتب لغيره كتابًا، فأملى عليه كذبًا لم يكتبه. نقله الأثرم اهـ. م ص.
(11) قوله: "وترك ما يدنسه وبشينه": ظاهر عطفه بالواو أن المروعة فعل ما
يجمِّل ويزين، وترك ما يدنس ويشين، معًا. فلو كان سخيًّا حسن الخلق
والجوار، يبذل جاهه لمن استوجهه، ومع ذلك يحكي المضحكات، أو يلعب بالشطرنج،
ونحوهما، فإنه لا تقبل شهاداته. وكذا لو كان بخيلاً سيّئ الخلق والجوار فلا
تقبل شهادته ولو غير متصف بلعب وَنحوه، لأن ذلك أيضًا مخل بالمروءة، كما
يعلم من
عباراتهم.
(2/469)
[2/ 477]
وهل لا بد من اتصاف من تقبل شهادته بجميع الأوصاف المذكورة، وهي حسن الخلق
والمجاورة والسخاء وبذل الجاه، أو يكفي واحدة منها؟ وقد يقال: هي متلازمة
غالبًا قلَّ من يوجد سخيًا إلا وهو متصف بجميع ذلك.
(12) قوله: "وتاب الفاسق": فتوبة القاذف بتكذيب نفسه ولو صادقًا (1)؛ وتوبة
غيره ندم وإقلاع، وعزم على أن لا يعود. وتوبة من ترك واجبًا بفعله، ومن
قصاصٍ وحد قذفٍ ببذلِ نفسه للمستحق. ويعتبر ردُّ مظلمةٍ فُسِّق بترك ردّها
كمغصوب ونحوه، أو يستحلّه، والتوبة من الباع الرجوع عنها.
ولا يشترط لصحة التوبة من قذفٍ وغيبةٍ ونحوها إعلام المقذوف أو المغتاب
ونحوهما. وأذا استحلّه يأتي بلفظٍ مبهم، لصحة البراءة من المجهول.
ومن أخذ بالرخص، أي تتبَّعها من المذاهب فعمل بها، فُسِّق، نصًّا. وذكره
ابن عبد البر إجماعًا. وذكر القاضي: غير متأول ولا مقلد.
والأشهر عدم وجوب التمذهب بمذهب، والامتناع من الانتقال إلى غيره.
ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن تاب وإلا قتل. وإن قال: ينبغي، كان
جاهلاً ضالاًّ. قاله الشيخ. ومن أتى قرعًا فقهيًّا مختلفًا فيه، فإن اعتقد
تحريمه ردت شهادته، وإن تأول أو قلّد من يقول بحلِّه فلا ترد. وأدخل القاضي
وغيره الفقهاء في أهل الأهواء وأخرجهم ابن عقيل وغيوه. وهو المعروف عند
العلماء.
ذكره ابن مفلح في أصوله. نقله عنه في الإقناع.
(13) قوله: "قبلت الشهادة بمجرد ذلك". لكن لو شهد الفاسق فردت شهادته، ثم
تاب وأعاد تلك الشهادة بعينها، لم تقبل، للتهمة. وظاهر هذا أنه إن تاب
بالمجلسى قبل أدائها، ثم أداها، تقبل. فليحرر.
(14) قوله: "فتقبل شهادة حجّام إلخ": أي لحاجة الناس إلى هذه الصنائع، لأن
كل أحد لا يليها بنفسه، فلو ردت بها الشهادة أفضى إلى ترك الناس لها، فيشق
ذلك عليهم.
__________
(1) أي في الباطن.
(2/470)
أقول: ويتجه: إن وَلِيَ هذه الصنائع من لا
تليق يه، كأهل العلم ونحوهم، [2/ 479] فلا تقبل شهادته لأنها دنيئة في
حقهم. والله أعلم.
باب موانع الشهادة
(1) قوله: "وهي ستة": وكذا في الإقناع. وعدها في المنتهى سبعة، فزاد من
الموانع: الحرص على أدائها قبل استشهاد من يعلم بها، قبل الدعوى أو بعدها.
قال م ص: وهل يصير مجروحًا بذلك؟ يحتمل وجهين، ذكره في الترغيب.
(2) قوله: "ولو في الماضي": ظاهره أنه سواء كانت ردت شهادته حال الزوجية ثم
أداها بعد الفراق، أوْ لا، خلافًا لما في الإقناع. واستغرب صاحب الإقناع في
حاشيته على التنقيح إطلاق عدم قبولها بعد الفراق، مع أن المنقِّح لم ينفرد
بذلك، بل سبقه إليه في المبدع. فظاهر كلامهما عدمه مطلقًا. ويؤيده تعليل م
ص. بقوله: "لتمكنه من بينونتها ثم يعيدها" اهـ. قال ح ف: ولذلك نظائر، وهي
عدم قبول شهادة الوكيل بعد العزل، والأجير بعد فراغ العمل، والشريك بعد
ألانفصال، فيما يتعلق بذلك. اهـ.
قلت: وفيه شيء، والمتجه عندي: إذا ظهرت قرينةٌ أو إمارةٌ على إرادة
بينونتها لذلك فلا تقبل الشهادة، وإلا، كان أبانها منذ سنين متعددة، فلا
مانع من قبول الشهادة. وبهذا يحصل التوفيق بين كلامهم. والله سبحانه وتعالى
أعلم.
(3) قوله: "وكل من لا تُقْبَلُ له فإنها تقبل عليه": قال ع ن: إلا على
زوجته بالزنا، فلا تقبل، لأنه يقرّ على نفسه بعداوته لها، لافسادها فراشه.
اهـ. ولا حاجة إلى استثنائه، لأنهم ذكروا ذلك في مانع العداوة. والمعنى:
فإنها تقبل عليه مع عدم مانع [89ب]، والعداوة مانع.
(4) قوله: "شهود قتل الخطأ": أي أو شبه العمد، لا إن شهدت بجرح شهود قتل
العمد، فتقبل، لأنهم غير متهمين، إلا أن يكونوا من أصول المشهود
(2/471)
[2/ 481]
عليه أو فروعه ونحوهم، كما تقدم. ويأتي.
(5) قوله: "على مفلس": ومثله ميت تضيق تركته عن ديونه، فلا تقبل شهادة
غرمائه بجرح شهود دين عليه للعلة المذكورة في الشرح. اهـ. م ص.
(6) قوله: "العداوة": أي سواء كانت موروثة، بان كانت بين الآباء والأجداد،
أو مكتسبة. أما المخاصمة في الأموال بدون عداوة ظاهرة فإنها لا تمنع قبول
الشهادة، لأنها لو لم تقبل لاتخذ الناس ذلك وسيلة إلى إبطال الشهادة
والحقوق.
(7) قوله: "الغير الله": احترز به عن العداوة التي لله، وهي العداوة في
الدين، كالمسلم يشهد على الكافر، والمحق من أهل السنة يشهد على المبتدع،
فإنها تقبل، لأن الدين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه. وتقبل شهادة العدو
لعدوه لعدم التهمة. اهـ. إقناع وشرحه.
(8) قوله: "أن عليه": أي الحاسد "أن يستعمل معه" أي الحسد "التقوى" بان لا
يقع منه أذى للمحسود، لا بيده ولا بلسانه، "والصبر، بأن" يحبس نفسه
ويجاهدها على دفع أذى المحسود، "فيكره ذلك من نفسه" أي كما يكرهه من غيره
"ويستعمل معه الصبر والتقوى" فيه تكرار "لا يضرُّ" أي الحسد "ما لم تَعْدُ
بِهِ يدًا أو لسانًا" أي ما لم تؤذِ بِهِ بيدك أو لسانك "لا يعين من ظلمه"
أي المحسود، أي وكثير من الحاسدين لشخص لا يعين من ظلم ذلك الشخص المحسود
على ظلمه له، وذلك لأن دينه يمنعه من ذلك، ولكن لا يقوم بما يجب عليه في
حقه" أي المحسود، من دفع الظلم عنه بما أمكنه لما عنده من الحسد له، فهو لا
يؤذيه ولا يدفع الأذى عنه، "بل إذا ذمّه أحد لم يوافقه" أي على ذمه له "ولا
يذكر محامده" لمن يذمه فيكون معارضًا له في ذمِّه له. "وكذا لو مدحه أحد
لسكت" أي وكذا لا يوافق من مدحه على مدحه له، "وهذا" أي من فعل ذلك "مذنب"
أي آثم "في ترك المأمور" به لأنه مأمور بالمعروف والنهي عن المنكر "لا
متعدِّ" أي لا ظالم للمحسود لأنه لم يحصل له منه ضرر.
(9) قوله: "إذاحسدت فلا تبغ": أي فلا تظلم بان تؤذي المحسود بقولك أو
(2/472)
فعلك، "وإذا ظننت بأحد سوءًا فلا تحقِّق أي
فلا تتيقن ما ظننت به وتجزم بصدقه [2/ 483] منه بل كذِّب نفسك في ذلك.
"وإذا تطيَّرْتَ" أي تشاءمت من فعل شيء، بأن رأيت ما تكره، فتطيرت به من
فعل ما تريد فعله أو ترك ما تريد تركه، فامض لما تريده، ولا تنظر لما تطيرت
به، فإنه لا أثر له في جلب نفع أو دفع ضرر.
(10) قوله: "فلا تقبل في الجميع": قال م ص في حاشيته على المنتهى: هذا أحد
الوجهين، وقطع به في التنقيح، وذكر الدليل الذي ذكره الشارح، ثم قال:
والوجه الثاني: تقبل، قال في الإنصاف: وهو المذهب. وصححه المصنف والشارح
وابن منجا في شرحه وصاحب التصحيح وغيرهم. وجزم به في الوجيز ومنتخب الآدمي
(1). ورد في المغني الدليل السابق، أي وهو ما ذكره الشارح، بأن قياس هذا
الشاهد على مردود الشهادة للفسق لا يصح، لوجود التهمة في حق الفاسق،
وانتفائها هنا.
وأما نقض الاجتهاد بالاجتهاد فهو جائز بالنسبة إلى المستقبل، غير جائز
بالنسبة إلى ما مضى. ولذلك لمّا قضى عمر في قضية بقضايا مختلفة، قال: ذلك
على ما قضينا، وهذا على ما نقضي (2). وقبول الشهادة هنا من النقض في
المستقبل اهـ.
هذا وعندي توقف في قولهم: لأن ردّها كان باجتهاد الحاكم. فليحرر.
باب أقسام المشهود به
(1) قوله: "والخلع": أي إذا ادّعته الزوجة. وأما إن ادّعاه الزوج فكالمال،
كما صرحوا به.
(2) قوله: "والطلاق": أي بلا مال، وكذا به إذا ادعته الزوجة.
__________
(1) في ض: "الآمدي" وهو غلط.
(2) تقدم في المسألة المشزكة في الفرائض.
(2/473)
[2/ 483]
وقوله: "والتوكيل في غير المال" أي في النكاح والطلاق ونحوه.
وقوله: "وتعديل شهود وجرحهم" أي في غير مالٍ.
(3) قوله: "وإيصاء في غير مال": أي كنكاح.
(4) قوله: "والعتق": لأن الشارع يتشوف إليه.
وفي قبول شاهد ويمين العبد، أو رجل ويمين، توسعة في ثبوته، ولأنه إتلاف
مالٍ فكان كباقي الإتلافات. اهـ. خ ف.
(5) قوله: "والوقف،: أي على معيّن، كما قيَّد به في المنتهى والإقناع، وكذا
الوصية، لأن الوقف والوصية إذا كانا لغير معين لا يتصور فيهما اليمين، فلا
بد فيهما من رجلين أو رجل وامرأتين، فإن كانا على معين ثبتا برجل ويمين.
(6) قوله:"وجناية الخطأ": أي وكذا شبه العمد (1)، وكذا عمد لا يوجب [90أ]
قودًا كما هو ظاهر.
(7) قوله: "أو رجل ويمين": أي ويجب تقديم الشهادة على اليمين، فلو نكل عن
اليمين من أقام شاهدًا حلف مدعًى عليه وسقط الحق، فإن نكل مدعى عليه حكم
عليه بالنكول، نصًّا. ولا ترد اليمين على المدعي، كما لو نكل عنها مع عدم
بينة مدع.
(8) قول الشارح: "ويمين": معطوف على امرأتين، لا على رجل، كما هو ظاهر.
وظاهر كلامهم: لا تقبل شهادة النساء في هذا القسم منفردات ولو كثرن.
(9) قوله: "وموضحة" عطف على دابة، أي وداء موضحة تسبب عنها، لا نفس
الموضحة، لئلا يخالف ما سبق. اهـ. م خ. وزيادة.
(10) قوله: "ويقبل قول طبيب إلخ": أي شهادته في ذلك، لا إخباره كما قد
يتوهم. اهـ. ح ف.
(11) قوله: "قُدم قول المثبت": ظاهره ولو كان النافي أحذق من المثبت.
تدبر.
__________
(1) كذا في الأصل. وسقَط من ض قوله: "وكذا شبه العمد".
(2/474)
(12) قوله: "تحت الثياب": أي في الوجه
والكفين والقدمين (1). [2/ 485]
(13) قوله: "والاستهلال": أي صراخ المولود عند الولادة.
(14) قوله: "وكذا جراحة وغيرها": أي من نحو عارية ووديعة وقرض وكسر عظم
وموجِبِ تعزيرٍ. فإذا وجدت لهذه الأشياء في نحو حمّامٍ وعرسٍ مما لا يدخله
الرجال، يكفي فيه امرأة عدل إلخ.
(15) قوله: "كان أولى، لكماله": أي لأنه أكمل من المرأة. اهـ. م ص.
فصل
(1) قوله: "فلو شهد إلخ": قال في الحاشية: لا يصح أن تكون الفاء للتفريع،
ولا بمنزلة الاستدراك، ولعلها تكون الفصيحة، أو أنه محترز قوله "القسم
الثالث القود إلخ" اهـ. باختصار.
(2) قوله: "ثبت المال": وكذا يثبت المال دون القطع فيما لو نكل المدعى عليه
عن اليمين إذا تَوَجّهتْ عليه، إذ لا يقضى بالنكول إلا في الأموال.
(3) قوله: "ومن حلف بالطلاق": وفي الإقناع: "والعتاق"، ثم قال: "ولم يثبت
طلاق ولا عتق". وفيه نظر، فإن العتق يثبت بشاهد وامرأتين، أو يمين كما
تقدم، ولهذا اقتصر في المنتهى على الطلاق، وتبعه المصنف، وهو الصواب.
(4) قوله: "إن فلانة أمّ ولده إلخ": توضيحه أنه إذا ادعاها على من هي بيده،
فانكرها، فأقام شاهدًا وامرأتين، أو ويمينًا، ثبتت الجارية أنها أم ولد
للمدَّعي، ويقرّ ولدها في يد المنكر مملوكًا له. قال في الإقناع: وإن ادّعى
أنها كانت ملكه فأعتقها، وشهد بذلك رجل وامرأتان، لم يثبت ملك ولا عتق.
(5) قوله: "لو وجد على دابة مكتوب: حبيس في سبيل الله إلخ": وكذا لو وجد
على كتب علم في خزانةٍ مدة طويلة، حُكِمَ به، والّا عُمِلَ بالقرائن.
__________
(1) وغير هذه الثلاثة من باب الأولى.
(2/475)
[2/ 478]
باب الشهادة على الشهادة وصفة أدائها
(1) قوله: "أن يقول إلخ": أي فيشترط في قبول شهادة الفرع أن يسترعيه الأصل،
بأن يقول له: "اشهد إلخ" وكذا إن استرعى غيره وهو يسمع، فإن لم يسترعه، أو
لم يسمعه يسترعي غيره، لم يشهد، إلا إن سمعه يشهد عند حاكم، أو سمعه يعزو
شهادته إلى سبب، كبيعٍ وقرض، فيشهد ولو لم يسترعه. ولا بد أن يؤديها الفرع
بصفة تحمله. ولا بدّ من تعيين فرع لأصله. وهذا كله يعلم من عبارة المصنف.
فلا يقال: كيف عد المصنف الشروط هنا أربعة، مع أن صاحب المنتهى عدها
ثمانية، وهو أصل هذا المؤلّف؟ وإنما حمله على ذلك الاختصار.
(2) قوله: "أي في المال": لو ذكر هذا قبل قوله: "وامرأة على امرأة إلخ"
وقال هنا: "أي فيما لا يطلع عليه الرجال غالبًا" كما فعل [90ب] غيره، لكان
أولى.
(3) قوله: "بموتٍ أو مرض إلخ": قال ابن عبد القوي: وفي معناه الجهل بمكانه،
ولو بالمصر. والمرأة المخدّرة كالمريض اهـ. إقناع.
(4) قوله: "أو غيبة مسافة القصر": أي عن عمل القاضي، و [من كان] دون ذلك
كحاضر. اهـ. ح ف.
(5) قوله: "ويدوم تعذّرهم إلخ": هذا هو الشرط الثاني في المنتهى، وبقية
الشروط تعلم مما تقدم.
(6) قوله: "كما لو كانا حاضرين أصحاء": هذا التركيب من حيث العربية فاسد،
فإن "أصحاء" جمع "صحيح" وموصوفه مثنى كما يدل عليه "كانا"، فلو قال: "كما
لو كان أي الأصل حاضرًا صحيحًا" لكان أوجه.
(7) قوله: "ثبوت عدالة الجميع": انظر هل هذا يحتاج إليه بعد اشتراطهم دوام
العدالة؟
(8) قوله: "لا تعديل شاهد لرفيقه": أي إن عدَّله بعد شهادته، أمَّا إن
زكّاة
(2/476)
قبلها، ثم شهد، قبلت شهادتهما، لانتفاء
التهمة إذن. ولم أره مصرّحًا به ولكنه [2/ 489] مفهوم "رفيقه". قاله ابن
نصر الله.
(9) قوله: "لم يضمنا": أي الفريقان.
فصل في صفة الأداء
(1) قوله: "إلا بأشْهَدُ أو شهدت": قال في الإقناع: وقال الشيخ وابن القيم:
لا يعتبر لفظ الشهادة.
(2) قوله: "بفعله المشتق منها": ذكَّر الضمير أولاً بإرجاعه إلى المصدر،
وأنَّثه أخيرًا بإرجاعه إلى الشهادة، فلو قال "بفعله المشتق منه"، كـ م ص،
لكان أصوب.
(3) قوله: "أو أشهد بما وضعت به خطي" أي فلا يكفي ذلك، للإجمال والإبهام.
ومثله لو قال من تقدّمه غيره بشهادة: أشهد بمثل ما شهد به، بخلاف من قال،
وقد تقدّمه غيره بشهادة: بذلك أشهد، أو: وكذلك أشهد، فإنه يصح، كما ذكره
المصنف بقوله "لكن لو قال إلخ" قال م ص: وفي النكت (1): القول بالصحة في
الجميع أولى.
(4) قوله: "ويضمنون": أي بالسّوية. وانظر فيما إذا كانت البينة الراجعة
رجلًا وامرأتين هل المال بينهم أثلاثًا، أو على الرجل النصف وعلى كل واحدةٍ
الربع؟ والظاهر الثاني لقيامهما مقام رجل. لكن لو حكم القاضي بشاهد ويمينٍ،
ثم رجع الشاهد، غرم المال كله دون الحالف، كما صرح به الحفيد. ثم رأيت ما
بحثته مصرّحًا به في غير كتاب، فلله الحمد.
(5) قوله:"أو تكون الشهادة بدينٍ فيبرأ منه إلخ": أي لأن المشهود عليه لم
يغرم شيئاً. ولو قبضه المشهود له ثم وهبه لمشهودٍ عليه ثم رجعا، غرماه. وإن
رجع بعد حكمٍ شهودُ طلاقٍ بعد دخول فلا غرم عليهم، بخلاف قبل الدخول.
__________
(1) لعل مراده بالنكت: "النكت والفوائد السنيّة على مُحَرَّر مجد الدين ابن
تيمية" لشمس الدين محمد بن مفلح الراميني المقدسي صاحب الفروع (- 763 هـ).
(2/477)
[2/ 491] فإنهم يغرمون نصف المسمى أو
المتعة إن لم يكن مسمى.
ولو رجع شهود زنا أو إحصانٍ غرموا الدية كاملة لحصول القتل بشهادتهم.
(6) قوله: "ومتى ادّعى شهودُ قودٍ إلخ": قال هذا في الترغيب، وتبعه في
المنتهى.
باب اليمين في الدعاوى
(1) قوله: "بحقٍّ لله": وكذا لآدميٍ إن لم يقصد منه المال، كنكاح وطلاق
ورجعة وإيلاء ونسبٍ وقصاص في غير قسامةٍ، ونحو ذلك، كقذفٍ. فقوله "ولو
قذفًا" يوهم أنه حقٌ لله، وليس كذلك.
فائدة: قال القاضي: يجوز أن يحلف على ما لا تجوز الشهادة عليه، مثل أن يجد
بخطه دينًا على إنسان، وهو يعرف أنه لا يكتب إلا حقًا، ولم يذكره، أو يجد
في رزماتج (1) أبيه بخطه دينًا على إنسان، ويعرف من أبيه الأمانة، وأنه لا
يكتب إلا حقًا، فله أن يحلف عليه، ولا يجوز أن يشهد به، ولو أخبره بحق أبيه
ثقة فسكن إليه جاز له أن يحلف عليه، ولم يجز أن يشهد به. والأولى الورع عن
ذلك. اهـ. إقناع.
(2) قوله: "فرقيقه": أي فرقيقه كأجنبي.
(3) قوله: "وَمَوليِّه"، فيه نظر، فإنه لا يحلف عن موليِّه إن كان غير
مكلف، بل يوقف الأمر إلى أن يكلف، كما صرحوا به [91أ].
(4) قوله: "ومن توجه عليه حلفٌ لجماعةٍ إلخ": أي ومثله لو ادّعى واحد
حقوقًا على واحد، فعليه في كل حق يمين.
(5) قوله: "ما لم يرضوا بواحدة": قال م ص: ولا يلزم من رضاهم بيمين
__________
(1) "الرزماتج" بمعنى الدفتر أو دفتر الحقوق والديون. ويبدو أنها فارسية
معربة. وفي ض: "روزبانج" وهو تصحيف.
(2/478)
واحدة أن يكون لكل واحد بعض البينة. اهـ.
[2/ 494]
فصل في تغليظ اليمين
(1) قوله: "ولحاكم تغليظ اليمين إلخ": قال الشافعي: رأيتهم يؤكّدون اليمين
بالمصحف. ورأيت ابن مازن قاضي صنعاء يغلِّظ اليمين به. قال ابن المنذر: "لا
نترك سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لفعل ابن مازن ولا غيره" اهـ. م ص.
(2) قوله: "بمكة بين الركن والمقام إلخ": أي ويحلف الذمّيّ بموضع يعظمه،
ككنيسةٍ ونحوها (1).
(3) قوله: "وعند الصخرة": وهي كما في سنن ابن ماجه مرفوعًا: من الجنة (2)
اهـ. م ص.
فائدة: ويحلف من يعبد غير الله تعالى بالله تعالى، لا بما يعبده، لحديث:
"من كان حالفًا فليحلف بالله" (3).
فائدة أخرى: قال في الإقناع: ولا تدخل النيابة في اليمين، فلا يحلف أحد عن
غيره. فلو كان المدعى عليه صغيرًا أو مجنونًا لم يحلف، ووقف الأمر إلى أن
يكلَّف.
(4) قوله: "ولا يحلَّف بطلاق" قال في الإقناع: وفي الأحكام السلطانية:
__________
(1) هذا يعني إحياء تعظيم هذه الأماكن التي يعبد فيها غير الله تعالى،
فالذي ينبغي تركه.
وعموم هذا يقتضي أن يحلف المجوسي في بيت النار، وفي ذلك ما فيه.
(2) حديث العجوة والصخرة والشجرة من الجنة" أخرجه ابن ماجه (الطب ب8) (ح
3456) وأحمد "5/ 21، 65) من حديث رافع بن عمرو المزني قال في الزوائد:
إسنئاده صحيح (كنز العمال 12/ 340).
وقد قال شيخ الإسلام: تغليظ اليمين بالمكان عند الصخرة لا أصل له نجيْ كلام
أحمد ولا غيره من الأئمة، بل السنة أن تغفظ اليمين عند المنبر، كسائر
المساجد (الاختيارات ص 354).
(3) حديث "من كان حالفًا ... " أخرجه البخاري (2/ 161) ومسلم (5/ 81) وأحمد
(2/ 11) وغيرهم (الأرواء 8/ 192).
(2/479)
[2/ 495] للوالي إحلاف الشهود استبراءً
وتغليظًا في الكشف في حق الله تعالى وحق آدمي، وتحليفه بطلاق وعتق ونحوه،
وسماع شهادة أهل المهن إذا كثروا. وليس للقاضي ذلك. اهـ.
(2/480)
|