حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ

كتاب الإقرار [2/ 496]
(1) قوله: "فلا يصح من صغير"، فإن كان مراهقًا غير مأذون له وأقرّ، ثم اختلف هو والمقرّ له في بلوغه، فقول المقر. ولا يحلف إلا أن تقوم بينة ببلوغه.
ويصح إقرار ابن عشرٍ ببلوغه باحتلام، لا بالسن إلا ببينة.
ولو أقر بمالٍ أو بيعٍ ونحوه، ثم قال بعد تيقن بلوغه: لم أكن حين الإقرار بالغًا، لم يقبل.
(2) قوله: "فلا يصح من مكره إلخ": ويقبل منه دعوى الإكراه مع قرينةٍ، كحبسٍ وتهديد، مع يمينه. وتُقَدَّم بينة إكراهٍ على بينة طواعية.
(3) قوله: "فيصح حتى مع إضافة الملك إلخ": لا يصح أن يكون هذا تفريعًا على قوله: "وليس الإقرار بإنشاء تمليك" لأن قوله "كتابي هذا لزيد" متناقض فيما يظهر، حيث إن الإقرار إخبار عما في نفس الأمر، فكيف يكون كتابه لزيد؟ وأما لو قيل: الإقرار إنشاء تمليكٍ، لصحّ قوله "كتابي لزيد"، لأنه لا منافاة في ذلك، بخلاف الأول. لكن لما كانت الإضافة تأتي لأدنى ملابسة صح الإقرار بذلك، مع قولنا هو ليس بإنشاء تمليك، لكن التفريع غير ظاهر، كما لا يخفى. فقول الشارح: "إذا علمت ذلك إلخ" فيه شيء. وإن سبقه إلى ذلك صاحب المنتهى في شرحه عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(4) قوله: "بطل الإقرار": أي إن كان المقر له المكذّب مكلّفًا (1) كما قيده به في المنتهى وغيره.
(5) قوله: "ولو برق نفسه": أي: ولو أقر برق نفسه وكان مجهول النسب إلخ.
(6) قوله: "ويُقَرُّ بيد المقرّ": لأنه مال بيده لا يدّعيه غيره (2) أشبه اللقطة.
__________
(1) قوله: "مكَلّفًا": كذا في ض. وفي الأصل "مطلقًا".
(2) سقط من الأصل كلمة، "غيره" وهي ثابتة في ض.

(2/481)


[2/ 498]
(7) قوله: "ولا يقبل عود مقرّ له إلخ": أي بان رجع عن تكذيبه فصدَّق المقرّ له، وإنما لم يقبل لأنه مكذِّب لنفسه.

فصل في المقر له
(1) قوله: "بتصديق السيد إلخ": أي فلا يعتبر تصديق العبد ولا دّه.
(2) قوله: "ولمسجد إلخ": أي فيصرف المقرّ به في مصالح المسجد ونحوه [91ب].
(3) قوله: "والإقرار لدارٍ أو بهيمة إلخ": أي فإن قال "على لدار زيدٍ كذا من أجرةٍ" وصدّقه زيد، لزمه ذلك لرب الدار، وكذا البهيمة.
(4) قوله: "ما لم يَعْزُ إقراره إلخ ": أي ما لم ينسب إقراره إلى سبب إلخ بان يقول: عليَّ لحملِ فلانَةَ كذا وكذا من ميراث أبيه، ونحوه، فلو قال: من إرثٍ وأطلق، فكذلك أو لا (1)، لاحتمال أنه من إرث أخيهما لأمٍّ، فتدبّر.
(5) قوله: "أو جحد ثم صدَّقه صح" إلخ: لا يقال إن هذا مغاير لما تقدّم من أن المقرّ له إذا كذَّب المقر، ثم عاد فصدّقه، لا يقبل منه، فإنه تكذيب لنفسه، وذلك لأن الإقرار بالزوجيّة يتضمن دعوى على المقرّ له بها، لأنها تشتمل على حقوق للمقر وعليه، وكذا المقر له، فحيث جحد المقر له بها، ثم صدّقه، كان كمن ادعى عليه بحق فجحده ثم أقر به، كما أشار إليه الشارح. فتنبه له.

باب ما يحصل به الإقرار وما يغيره
(1) قوله: "ومن ادُّعيَ عليه بألف إلخ": قال الشيخ: لا يكون ذلك إلا إذا كانت الدعوى بصيغة الخبر، وهو: إني استحق عنده، أو لي عنده؛ فأما بصيغة الطلب، كأعطني مائة، فيقول: نعم، لم يكن ذلك إقرارًا، لأنه لا يلزمه أن تكون
__________
(1) كتبت في الأصل وض هكذا: "أولى" ولا يستقيم عليها الكلام.

(2/482)


مستحقَّةً عليه. اهـ. ح ف. [2/ 500]
(2) قوله: "فقال: نعم، أو: صدقت إلخ": أقول: ويتجه أنه لو دلّت قرينة على الهزل والتهكم بذلك لا يكون إقرارًا، لأنه يقع كثيرًا مع إرادة الإنكار، كما شاهدنا مرارًا. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(3) قوله: "وبلى في جواب إلخ": أي لأن نفي النفي إثبات.
(4) وقوله: "لا نعم": أي ليس "نعم" إقرارًا في جواب: أليس عليك كذا؟ لأن معناها هنا: ليس لك عليَّ كذا، إلا من عامّي، فيكون إقرارًا، كقوله: عليّ عشرة غير درهم، بضم راء غير، فيلزمه تسعة، إذ لا يرفه إلا الحذّاق من أهل العربية. اهـ. م ص.
مسألة: لو قال إنسان: "لي على فلان الميت كذا وكذا" فقال وارثه: أعلم أن لك عليه دينًا، لكن لا أعلم قدره، وحلّفه على ذلك، ولا بينة للمدعي بما ادعى به، فهل يصدق المدعي بيمينه في قدر الدين، أو كيف الحكم؟ لم أو من ذكره مع كثرة وقوعه واحتياج الناس إليه.
أما لو قال المدعي: لي مائة، مثلاً، فقال الوارث: لا أعلم أن لك مائةً، لزمه أن يقول: ولا شيئًا منها. فإن نكل عما دون المائة حكم عليه بمائةٍ إلا جزءًا، كما في الإقناع وغيره. والظاهر في المسألة الأولى أنهما يصطلحان على شيء، فإن اليمين لا تطلب من المدعي، والله أعلم.
(5) قوله: "فقال نعم": أي أو قال: "أجل" فإنه حرفُ تصديقٍ كنعم. قال الأخفش: إلا أنه أحسن من"نعم" في التصديق، "ونعم" أحسن منه في [جواب] الاستفهام. ويدل عليه قوله تعالى: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا قالوا نعم} [الأعراف: 44] وقيل لسَلْمَان: علَّمكمُ نبيُّكم كل شيء حتى الخراءة. قال: أجل (1). اهـ. م ص.
أقول: وفي مختصر ابن رزين: إذا قال: لي عليك كذا، فقال: نعم، أو:
__________
(1) حديث سلمان أخرجه مسلم (طهارة ب 57) وأبو داود (طهارة 4).

(2/483)


[2/ 501] بلى فمقر. اهـ. فدلّ على أن "بلى" يصح الجواب بها وإن لم يسبقها نفي، وأن الإقرار بها صحيح. وهو الصحيح في مذهب الشافعية كما ذكره النوويّ في شرح مسلم. اهـ.
(6) قوله: "لأنه قد بدأ بالإقرار": لم يظهر لي معناه، فإن عبارة المصنف نصها كما ترى [92أ] "إذا جاء وقت كذا فله عليّ كذا" فالإقرار غير مبدوء به، وإنما بدأ بالتعليق. ثم رأيت في المنتهى وشرحه ما نصه: "إلا إن قال: له عليَّ كذا إذا جاء وقت كذا" فإقرار، لأنه بدأ بالإقرار فعمل به. اهـ. فكأن الشارح سرى له ذلك من لهذه العبارة، وهي لا توقّف فيها، فالإقرار فيها مبدوء به.
هذا من حيث اللفظ. وأما من حيث الحكم فالظاهر أنه لا فرق بين أن يبدأ بالإقرار أو بالتعليق بإذا، فهو على كليهما إقرارٌ، خلافًا لما يوهمه تعليل م ص في شرح المثتهى. فتفطن.
(7) قوله: "إن شهد به زيد فهو صادق إلخ": ومثله لو قال "إن قال زيدٌ: لفلانٍ عليّ كذا، فهو عليّ" لأنه تعليق.
وان قال: له عليَّ كذا، أو: كان له عليّ كذا وبرئت منه إلخ، أو قال: قضيتُه إياه، أو: بعضَه، ولم يَعْزُ المقرَّ به إلى سبب، فهو منكر يقبل قوله بيمينه حيث لا بينة. هذا المذهب، قاله في الإنصاف. وقال أبو الخطاب: يكون مقرًّا مدَّعيًا للقضاء، فلا يقبل إلا ببينة. وهذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه. اهـ.
ولو قال: لك علي عشرةٌ ألاّ خمسةً إلا ثلاثةً إلا اثنين إلا واحدًا، لزمه خمسة، لأن استثناء ثلاثةٍ من خمسة أكثر من النصف، فلا يصحّ هو وما بعده. وفيه طريق آخر: يلزمه سبعة، وذلك أن تسقط آخر العدد مما قبله، وما بقي مما قبله، وهكذا، فإنه يبقى سبعة. وهو مقتضى ما ذكروه في الطلاق من قولهم: إذا قال: أنت طالق ثلاثًا إلا اثنتين إلا واحدة، يلزمه اثنتان.
فائدة: وسائر أدوات الاستثناء كإلَّا، مثل: خلا وعدا وحاشا وسوى وغير.
لكن إن قال: له علي عشرة غيرُ درهم، بضم راء غير، وهو من أهل العربية، كان مقرًّا بعشرة، لأنها تكون صفة للعشرة المقر بها، ولو كانت استثنائية لكانت

(2/484)


منصوبة. وإن لم يكن من أهل العربية لزمه تسعة، لأن الظاهر أنه يريد الاستثناء، [2/ 504] وضمُّها جهل منه بالعربية.
(8) قوله: "ويعتبر فيها شرط الهبة": أي من العلم بالموهوب، والقدرةِ على تسليمه، ونحوه. فإن وجد صحَّتْ، وإلا فلا.
ومن أقر بقبضٍ ثمن مبيع ونحوه، ثم قال: ما قبضته، غير جَاحِدٍ لإقراره بالقبض، ولا بينة للمقر له تشهد له بالقبض، أو أقر أنه باع ونحوه ثم ادعى أن العقد وقع تلجئةً ونحوه، ولا بينة، وسأل إحلاف خصمه، لزمه، لاحتمال صحة قوله. فإن نكل قضي عليه. وإن ادّعى فساد العقد، وأنه أقرّ يظن الصحة، لم يقبل، وله تحليفُ المقَرّ له، فإن نكل حلف مدعي الفساد ببطلانه، وبرئ منه.
(9) قوله: "فهو لزيدٍ إلخ": مقتضى ما تقدم أن العين لعمرو وقيمتها لزيد، حيث إنه أقر بأنها ملكه أوّلاً. ثم رأيت الفتوحيّ ذكره قولاً لبعض الأصحاب، وهو أظهر مما عليه أكثر، فتأمل.
(10) قوله: "ولا يغرم لعمرو شيئًا": قال الفتوحي: وقيل: يغرم قيمته لعمرو. اهـ. أقول: وهذا هو الظّاهر، إذ لا فرق بين هذه الصورة والتي قبلها.
على أنهم صرّحوا بأنه لو قال: غصبته من زيد، وغصبه هو من عمرو، فهو لزيدٍ، ويغرم لعمرو، وهي كهذه سواء بسواء، بل قوله: ومِلْكه لعمرٍو أظهر من قوله: وغصبه هو من زيد. والحاصل أن الفرق غير ظاهر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(11) قوله: "وكانا خصمين فيه": أي فإن كانت لأحدهما بينة عمل بها، وإن لم يكن بينة أو تعارضتا أقرعنا بينهما.
(12) قوله: "وإن كذّباه حلف إلخ: أي فلو نكل عن اليمين سلم لأحدهما بقرعةٍ وغرم قيمته للآخر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(13) قوله: "ومن خلَّفَ إلخ": هكذا عبارة المنتهى، فمن اسم شرط مبتدأ لا بدَّ له من رابط، وهو مفقود هنا. وعبارة [92ب] الإقناع: "وإن خلَّف" إلخ وهي أولى.
مسألة: وإن خلّف ميت ابنين وقنين متساويين قيمة لا يملك سواهما، فقال

(2/485)


[2/ 506]
أحد الابنين: إبي أعتق هذا في مرض موته، وقال الآخر: بل هذا، عتق من كلٍّ ثلثه، وصار لمكل من الابنين سدس من أقر بعتقه ونصف الآخر. وبيان ذلك واضح. ذكره القتوحي في شرح المنتهى، فراجعه.

باب الإقرار بالمجمل
(1) قوله: "فإن أبى حُبِس إلخ": وقال القاضي: يجعل ناكلًا ويؤمر المقر له بالبيان، فإن بيّن شيئاً فإما أن يصدقه المقر أو يكذبه، فإن صدقه بما بينه ثبت، وإن كذبه قيل له بيِّنْ وإلا جعلناك ناكلاً. اهـ. وهو وجيه.
(2) قوله: "لم يؤاخذ وارثه بشيء": أي لاحتمال أن المقر به حد قذف، ولذلك قال في المنتهى: "ولو خلّف تركة" كما ذكره الشارح.
(3) قوله:"وفي الفروع إلخ": ظاهره أنه مخالف لما في المنتهى، وليس كذلك، بل عبارة الفروع ناقصة. ونصها "إن ماتَ ولم يفسره فوارثه كهو إن ترك تركةً، ولم يقبل تفسيره بحد قذف. اهـ". فقوله: "ولم يقبل" جملة حاليّة قيد لما قبلها يعني: يكون وارثه كهو إن قلنا لا يقبل تفسيره بحد قذف. وتقدم أنه يقبل على الصحيح، فلا يؤاخذ الواوث بشيء. وعبارة الإنصاف أوضح. قال: "فإن مات أخذ وارثه يمثل ذلك إن خلّف الميت شيئًا يقضى منه، وقلنا لا يقبل تفسيره بحد قذف، وإلاّ فلا. هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. اهـ. وبهذا يعلم ما في كلام الشارح وصاحب الإقناع. والله أعلم.
(4) قوله: "خطير": الخطير الذي له خَطَر، أي قَدْر، يقال: خَطُرَ فهو خطير. اهـ. مطلع.
(5) قوله: "أو زاد: عند الله إلخ": وقال ابن عقيل: "إن زاد: عند الله، قبل بالقليل، وإن قال: عندي، احتمل كذلك، واحتمل اعتباره بحالِهِ".
(6) قوله: "بأقل متمول": أي لا دون ذلك، كحبة برٍّ ونحوه. ويقبل تفسيره بأم ولدٍ، لأنها مالٌ، ولذلك إذا قتلت تضمن بقيمتها. اهـ. م ص.

(2/486)


(7) قوله: "ومنهم من يعظم الكثير": الأولى: "ومنهم من يحقر الكثير"، [2/ 507] للمقابلة.
(8) قوله: "وما من مالٍ إلا وهو عظيم": أي بالنسبة إلى ما دونه، ولو عند بعض الناس.
(9) قوله: "قبل بثلاثة": ويتوجه: فوق العشرة، لأنه اللغة. اهـ. م ص.
ولا يقبل تفسيره بما يوزن بالدراهم عادة، كالحرير ونحوه، لأنه خلاف الظاهر.
اختاره القاضي، وصوّبه في الإنصاف. اهـ. فتوحي.
فائدة: لو قال: له علىَّ أكثر من مال فلانٍ، وقال: أردت أن مال فلانٍ حرام، وقليل الحلال (1) أكثر، أو ما في الذمة أبقى، قبل قوله، ولزمه أقل ما يتمول إذا فسره به.
قلت: وكذا لو قال: أردت أكثر من مال فلان عليّ، وفسر مال فلان عليه، فإنه يقبل منه ذلك، ويطلب منه تفسير الأكثر، ويقبل بأقل متموّل.
(10) قوله: "وله عليّ كذا كذا إلخ": كذا كناية عن عدد المبهم، ويفتقر إلى مميِّر. قال الجوهري: فينصب ما بعده على التمييز، تقول: عندي كذا درهمًا، كما تقول: عندي عشرون درهمًا، وذكر غيره أنه يجوز جرّه بمن، تقول: كذا من درهم، ولم أر أحدًا من اللغويين ذكر جره بغير "من"، ولا يجوز رفعه اهـ مطلع.
قوله: "أو بالنصب": قال في التلخيص: "فإن قلت: أقل عدد ينتصب الدرهم بعده إذا قال "كذا كذا درهمًا" بلا واوٍ أحد عشر، و"كذا وكذا" بالواو، أحد وعشرون، فينبغي أن يعتبر به (2)، كما قال أبو حنيفة: قلت: الإعراب في الإقرار لا يعتبر، [93أ] ألا ترى لو قال: "كذا درهمٍ" بالجر صحيح، ولا يلزمه مائة باتفاقٍ، مع أن التمييز المجرور المفرد لا يكون لأقل من مائة. اهـ. ببعض تصرف. وفي الفروع: ويتوجه في عربي، أي عارف بلغة العرب، في "كذا درهمًا"
__________
(1) هكذا في الأصل. وفي ض: "وقليل المال".
(2) هكذا في الأصل. وفي ض: "فينبغي أن يفسّر به".

(2/487)


[2/ 508] أحد عشر، لأنه أقل عدد يميزه. اهـ. قلت: وهو حسن، يؤيده ما تقدم في نعم وبلى. فتنبه.
فائدة: لو قال: له عليّ اثنا عشر درهمًا ودينارٌ، بالرفع، لزمه دينار واثنا عشر درهمًا. وإن نصبه نحوي فالاثنا عشر دراهم ودنانير، لأن درهمًا ودينارًا تمييز للاثني عشر. وتؤخذ نصفين، ذكره الموفق في فتاويه. اهـ. إقناع وشرحه.

فصل
(1) قوله: "من درهمٍ إلى عشرة: لزمه تسعة إلخ": وقيل: يلزمه ثمانية.
وقيل: يلزمه عشرة. وهذا عندي أصوب، لأن العرف يقتضي ذلك. وقولهم: لو قال: له من عشرة إلى عشرين، أو: ما بين عشرة إلى عشرين، لزمه تسعة في الأصح، غير ظاهر، وإنما الظاهر أنه يلزمه العشرون.
وقد كنت رأيت أن زفر كان يقول في ذلك: إنه يلزمه تسعة، فقال له الأصمعي: ما قولك في رجل قيل له: ما سنك؟ فقال ما بين ستين إلى سبعين، أيكون ابن تسع سنين؟ فتحير زفر في ذلك، ولم يدر ما يقول.
(2) قوله: "وإذا أراد مجموع الأعداد إلخ": اختصار حسابه كما في شرح المقنع أن تزيد أول العدد، وهو واحد، على العشرة، فيصير أحد عشر. ثم اضربها في نصف العشرة، فما بلغ فهو الجواب.
(3) قوله: "وله علي درهم ودرهم ودرهم": لزمه ثلاثة، وكذا لو عطف بالفاء أو ثم. ولا يقبل إن قال: أردت التوكيد، لأن العطف يقتضي المغايرة، لكن ذكروا في الطلاق أنه تقبل منه دعوى التأكيد فيما إذا قال: طالق وطالق وطالق، أو فطالق فطالق، ونحوه، للموافقة في اللفظ. قال م ص: ولعل الفرق أن الإقرار إخبار، والطلاق إنشاء اهـ. قلت: ذكر هذا الفرق صاحب الفروع، عن الأزجي، ثم ذكر عنه أنهما سواء على المذهب، إن صحَّ صحَّ في الكل، وإلا فلا.
(4) قوله: "ولو كان حاسبًا في الأصح": أي من الاحتمالين. والاحتمال الثاني ضعيف جدًا، بل خطأ كما ذكره بعضهم. قال: وكيف يصح أن يقول

(2/488)


الحاسب: أردت الجميع ولا نقبله، ونقول له لا يلزمك إلا مقتضى اللفظ عند [2/ 509]
الحسّاب، وهو عشرة، فهذا خُلْف اهـ. ومعنى خلف: باطل.
(5) قوله: "في جِراب": بكسر الجيم، ويجوز فتحها.
وقوله: "في قراب": بكسر القاف.
وقوله: "في منديل": بكسر الميم.
وقوله: "أو فصّ": قال في المطلع: فص الخاتم معروف، بفتح الفاء وضمها وكسرها، ذكره شيخنا، يعني ابن مالك، في مثلثه (1)، والجوهري لم يطلع على غير الفتح، فلذلك قال: فص الخاتم بالفتح، والعامة تقول: فص بالكسر اهـ.
(6) قوله: "ليس بإقرار بالثاني": لأنه يحسن أن يقول: "له عندي تمرٌ في جراب لي، وله عندي عبد عليه عمامة لي": ونحوه، فليس نصًّا في أن الثاني مُقَرٌّ به.
مسألة: لو قال "غصبت منه ثوبًا في منديل، وزيتًا في زق": ونحوه، ففيه وجهان: صحَّح بعضهم أنه لا يكون مقرًّا بالثاني، كما لو قال: له ثوب في منديل ونحوه.
واختار الشيخ تقي الدين التفرقة بين المسألتين، فقال: "فرقٌ بين أن يقول: غصبتُ أو أخذت منه ثوبًا في منديل، وبين أن يقول: له عندي ثوب في منديل": فإن الأول يقتضي أن يكون مغصوبًا في المنديل [93ب] وقت الأخذ، وهذا لا يكون إلا وكلاهما مغصوب، بخلاف قوله: عندي، فإنه يقتضي أن يكون في وقت الإقرار، وهذا لا يوجب كونه له.
مسألة: لو قال: له عندي الألف درهم التي في هذا الكيس، كان إقرارًا بالألف دون الكيس، ثم إن لم يكن في الكيس شيء، فهل يلزمه ألف درهم؟ فيه
__________
(1) هكذا في الأصل. وفي ض: "في مثلّثته" وابن مالك هو محمد بن مالك الطائي الأندلسي الجيّاني ثم الدمشقي صاحب الألفية (600 - 672 هـ) ومثلّثُه هو كتابه المسمى "الإعلام بمثلث الكلام" والمثك عند أهل اللغة هو ما نطقت به العرب على ثلاثة أوجه: الضمّ والفتح والكسر، وقد يكون لكل منها معنى، كالشَّرْب، والشُرب، والشِّرب.

(2/489)


[2/ 510] وجهان مخرَّجان على ما إذا حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه، فعلى الحنث، وهو لأبي الخطاب، يلزمه الألف، وعلى عدم الحنث، وهو للقاضي، يكون لغوًا لا شيء فيه.
(7) قوله: "فلا يملك غرس [أخرى] مكانها لو ذهبت": يستفاد منه أنها لو وقعت وبقي شيء من أصلها فنبت، فليس لرب الأرض قطعه، بل يبقى حتى يصير شجرة، بدون أجرة.
(8) قوله: "وثمرتها للمقر له": أي سواء أقر بها بعد بُدُوُّ الثمرة أو لا.
(9) قوله: "وفي الانتصار احتمال: كالبيع": أي بأن لا تكون الثمرة للمقر له إلا إذا ظهرت بعد الإقرار، وهذا بعيد جدًا، فإن الإقرار إخبار، والبيع إنشاء.
فدخول الثمرة مطلقًا في الإقرار أولى من دخولها في الوقف والوصية، مع أنهم صرحوا بدخولها هناك مطلقًا. وبهذا يتضح تهافت كلام شارح الغاية في بيع الأصول والثمار. فكلام مصنفها أصوب، واتباعه أوجب.
(10) قوله: "ورواية مُهنّا: هي له بأرضها": الذي وقفْتُ عليه في الفروع: "ورواية مهنا: وهي له بأصلها" وهكذا نقل صاحب المنتهى في شرحه عن الفروع، ويدل هذا أيضًا قوله: فإن مات أو سقطت لم يكن له موضعها. فتدبّر.