شرح الزركشي على مختصر الخرقي

 [كتاب الصلاة]
«كتاب الصلاة» ش: قد اشتهر في لسان الفقهاء وغيرهم أن أصل الصلاة في اللغة الدعاء، مستدلين بقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] وإنما عدي بعلى لتضمنه - والله أعلم - (معنى) الإنزال أي: أنزل عليهم رحمتك.
341 - وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصل» وقول الشاعر:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ... نوما فإن لجنب المرء مضطجعا

(1/459)


ولهم في اشتقاقها أقوال كثيرة، أشهرها: أنها مشتقة من الصلوين واحدهما (صلى) «كعصى، وهما عرقان من جانبي الذنب، وقيل: عظمان ينحنيان في الركوع والسجود.
والصلاة في الشرع: عبارة عن هيئة مخصوصة، مشتملة على ركوع، وسجود، وذكر، وسميت بذلك لاشتمالها على الدعاء، وقال الزمخشري: حقيقة «صلى» حركة الصلوين لأن المصلي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده.
قال: وقيل للداعي مصل تشبيها في تخشعه بالراكع والساجد، فعكس ما يقوله الجماعة، ونحو هذا قول السهيلي قال: معنى اللفظة حيث تصرفت ترجع إلى الحنو والعطف، من قولهم: صليت. أي حنيت صلاك وعطفته.
وهي مما علم وجوبه من دين الله بالضرورة. وقد تظافرت الأدلة: من الكتاب، والسنة، والإجماع على ذلك. قال سبحانه: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] .
342 - وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» » .

(1/460)


343 - وقال (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : «خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة» .
وأجمع المسلمون إجماعا قطعيا على ذلك، وجوبها في ليلة المعراج.
344 - ففي الصحيحين في قصة المعراج قال: «وفرضت علي خمسون صلاة في كل يوم، قال: فجئت حتى أتيت على موسى، فقال لي: بم أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة كل يوم، قال: إني قد بلوت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. فرجعت، فحط عني خمس صلوات، فما زلت أختلف بين ربي وبين موسى، كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته، حتى رجعت بخمس صلوات كل يوم، فلما أتيت على موسى قال لي: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إني قد بلوت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. قلت: لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم، قال: فنوديت. أو نادى مناد - الشك من بعض الرواة -: أن قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وجعلت بكل حسنة عشر أمثالها» . اهـ.

(1/461)


واختلف في زمن الإسراء: فعن الزهري: أنه بعد مبعثه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخمس سنين. وعن الحربي: كان ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر، قبل الهجرة بسنة. وقيل: بعد مبعثه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخمسة عشر شهرا. وبين هذين القولين تباين كثير، وأوسطها قول الزهري. والله سبحانه أعلم.