شرح الزركشي على مختصر الخرقي

[باب المواقيت]
ش: لما كانت الصلوات إنما تجب بدخول الوقت، بدأ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ببيان ذلك، وقد أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بأوقات معلومة، والسند في ذلك قول الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] الآية، فعن ابن

(1/462)


عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: دلوك الشمس: إذا فاء الفيء، وغسق الليل: اجتماع الليل وظلمته.
345 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] إنه الصبح.
346 - وما اشتهر من «حديث جبريل، حيث أم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلوات الخمس، ثم قال له: «يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك» . وغير ذلك من الأحاديث، والله أعلم.

[وقت صلاة الظهر]
قال: وإذا زالت الشمس وجبت الظهر.
ش: سميت الظهر ظهرا؛ اشتقاقا لها من الظهور، إذ هي ظاهرة في وسط النهار، وتسمى أيضا: «الهجير» ؛ لفعلها في وقت الهاجرة " والأولى " لأن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين أم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معلما له في اليومين [بدأ بها] ، ولهذا بدأ الخرقي

(1/463)


وكثير من الأصحاب بها، وبدأ ابن أبي موسى، والشيرازي، وأبو الخطاب بالصبح؛ لأنها أول النهار.
347 - ولبداءة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها حين سئل عن وقت الصلاة، وكان ذلك بالمدينة، وكأنه أشار بذلك إلى أن العمل عليه لتأخره، لا على الأول.
وأول وقتها: إذا زالت الشمس، إجماعا، وقد فسر ابن عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دلوك الشمس بزوالها، ولما أم جبريل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معلما له، صلى به الظهر حين زالت الشمس.
348 - وفي صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو قال: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن وقت الصلاة، فقال: «وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول، ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء، ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، وسقط قرنها الأول، ووقت المغرب إذا غابت الشمس، ما لم يسقط الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل» .

(1/464)


وآخره، إذا صار ظل كل شيء مثله، لأن في حديث جبريل أنه صلى به الظهر في اليوم الثاني، حين صار ظل كل شيء قدر ظله، وقال: «الوقت فيما بين هذين» ، وكأن المعنى - والله أعلم - أنه فرغ من صلاة الظهر في المرة الثانية حين صار ظل كل شيء مثله.
[وأنه أحرم بالعصر في المرة الثانية، حين صار ظل كل شيء مثليه] .
349 - بدليل ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر» . رواه أحمد وأبو داود.
350 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله،

(1/465)


ما لم يحضر وقت العصر» . رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
ولا بد أن يلحظ في قوله: إن آخر الوقت إذا صار ظل كل شيء مثله. بعد فيء الزوال، وذلك أن الشمس إذا زالت؛ يكون للشيء ظل في غالب البلاد، فيعتبر مثل ذلك الشيء سوى ذلك الظل.
وقوله: إذا زالت الشمس وجبت الظهر. ظاهره وجوب الصلاة بأول الوقت وجوبا مستقرا موسعا، وهو المذهب، لظاهر قول الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] .
351 - وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفق: الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة» رواه الدارقطني، وشرط أبو عبد الله بن بطة وابن أبي موسى لاستقرارها مضي زمن يسع لأدائها، حذارا من تكليف ما لا يطاق، وأجيب بأنه لا يكلف بالفعل قبل الإمكان، حتى يلزم [تكليف] ما لا يطاق، وإنما يثبت في ذمته بفعله إذا قدر كالمغمى عليه.

(1/466)


(تنبيه) : معنى زوال الشمس: ميلها عن كبد السماء، ويعرف ذلك بظل الشمس [من كل] شاخص، فما دام يتناقض فالشمس لم تزل، فإذا وقف نقصه فهو الاستواء، فإذا زاد الظل أدنى زيادة فهو الزوال، والله أعلم.

[وقت صلاة العصر]
قال: [فإذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقتها] ، فإذا زاد شيئا وجبت [صلاة] العصر.
ش: إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال، فهو آخر وقت الظهر، وبصيرورة ظل كل شيء مثله يزيد أدنى زيادة، وذلك أول وقت العصر، فلا فاضل بين الوقتين، هذا هو المعروف، وأن بخروج وقت [الظهر] يدخل وقت العصر.
ويحتمل ظاهر كلام الخرقي، وصاحب التلخيص أن بينهما فاصلا، إذ ظاهر كلامهما أن العصر لا تجب إلا بعد الزيادة، وكذا فهم ابن حمدان، فحكى ذلك قولا، وبالجملة الأصل في أول وقت العصر حديث جبريل المشهور: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم قال: «ما بين هذين وقت» والله أعلم.

قال: فإذا صار ظل [كل] شيء مثليه خرج وقت الاختيار.

(1/467)


ش: الصلوات على ضربين، [منها] ما ليس له إلا وقت واحد، وهي الظهر، والمغرب والصبح على المختار، ومنها ما له وقتان، وهي العصر والعشاء، والفجر على قول. اهـ.
فالعصر آخر وقتها المختار - وهو الذي يجوز تأخير الصلاة إليه من غير عذر - صيرورة ظل كل شيء مثليه، على إحدى الروايتين، واختيار الخرقي، وأبي بكر، والقاضي، وكثير من أصحابه، نظرا لحديث جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه ورد بيانا لتعلم أوقات الصلوات، ثم قوله: «ما بين هذين وقت» ، ظاهره أن جميع هذا الوقت الصلاة فيه جائزة دون غيره.
(والرواية الثانية) - واختارها الشيخان -: آخر الوقت المختار اصفرار الشمس.
352 - لما في مسلم وسنن أبي داود، والنسائي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت العصر ما لم تصفر الشمس» » .
353 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «آخر وقت العصر حين تصفر الشمس» . رواه أبو داود والترمذي، وهذا يتضمن زيادة، مع أنه قول، فيقدم على الفعل.
354 - وعن أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاه سائل فسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئا، قال: وأمر

(1/468)


بلالا فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا، ثم أمره فأقام الظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف [النهار] ، وهو [كان] أعلم منهم، [ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة] ، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق [الأحمر] ، ثم أخر الفجر من الغد، حتى انصرف منها والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت. ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول: قد احمرت الشمس؛ ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل فقال: «الوقت بين هذين» . رواه أبو داود، والنسائي، ومسلم، وهذا لفظه. وهو أيضا متضمن لزيادة ومتأخر، إذ حديث جبريل كان بمكة، وهذا بالمدينة، والعمل بالمتأخر متعين، وقطع صاحب التلخيص بأن الوقت المختار إلى صيرورة ظل كل شيء مثليه، وجعل من ذلك [إلى] الاصفرار وقت جواز، فكأنه جمع بين الأحاديث، فحمل حديث جبريل على الوقت المطلوب المرغوب فيه، وغيره على الوقت الجائز، الذي يجوز التأخير إليه من غير عذر بلا إثم، والله أعلم.

(1/469)


قال: ومن أدرك منها ركعة قبل أن تغرب الشمس؛ فقد أدركها.
355 - ش: لما في الصحيحين عن أبي هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس؛ فقد [أدرك] الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس؛ فقد أدرك العصر» » .
وظاهر كلام الخرقي، وكذلك ابن أبي موسى، وابن عبدوس: أن الإدراك لا يحصل بأقل من ركعة، وهو إحدى الروايتين، وظاهر الحديث المتقدم (والثانية) - وعليها العمل عند القاضي، وكثير من أصحابه - أنه يحصل بتكبيرة.
356 - لأن في الصحيح من حديث أبي هريرة أيضا: «من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس؛ فليتم صلاته» . وفي النسائي: «فقد أدركها» ، لا يقال: عبر عن الركعة بالسجدة، لأنا نتمسك بالحقيقة.
ومعنى الإدراك بركعة أو بتكبيرة أنه متى أدرك ذلك؛ كان مؤديا للصلاة، لا قاضيا على المشهور من الوجهين، والثاني:

(1/470)


ما وقع في الوقت يكون أداء، وما وقع بعده يكون قضاء، والله أعلم.

قال: [وهذا] مع الضرورة.
ش: ظاهر هذا، وكذلك ظاهر كلام ابن أبي موسى: أن إدراك العصر بما تقدم مختص بمن له ضرورة؛ كحائض طهرت، وصبي بلغ، ومجنون أفاق، ونائم استيقظ، ومريض برأ، وذمي أسلم، وكذلك خباز، أو طباخ، أو طبيب فصد، وخشوا تلف ذلك، قاله ابن عبدوس، وعلى هذا من لا عذر له لا يدركها بذلك، بل تفوت بفوات وقتها المختار، وتقع منه بعد ذلك قضاء، وهذا قول بعض العلماء، وأحد احتمالي ابن عبدوس، وهو متوجه، إذ قول جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وكذلك قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الوقت ما بين هذين» . وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وقت العصر ما لم تصفر الشمس» يقتضي أن ما بعد ذلك ليس بوقت لها، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس؛ فقد أدرك العصر» يحمل على من له عذر، ولذلك جعل الصلاة في ذلك الوقت - ممن لا عذر له - صلاة المنافق.
357 - فقال أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» . رواه مسلم

(1/471)


وغيره، لأن فعله فعل المنافق، لتهاونه بها، وتضييعها.
والمعروف عند الأصحاب وعند عامة العلماء: أن وقت العصر مبقى إلى الغروب، في حق المعذور وغيره، حملا لحديث جبريل ونحوه، على أن المراد بذلك وقت الاختيار، أو وقت الجواز، وحديث أبي هريرة على وقت الإدراك، ويسمون هذا الوقت - أعني من وقت الاختيار، أو وقت الجواز، إلى غروب الشمس - وقت إدراك، ووقت ضرورة، ولا يفترق المعذور عندهم وغيره إلا في الإثم وعدمه؛ فالمعذور له التأخير، وغيره ليس له ذلك، ويأثم إذا أخر، وقد يحمل كلام الخرقي على هذا، على أن في الكلام حذفا، والإشارة إليه تقديره: و [هذا]- أي جواز التأخير - مع الضرورة، أما من لا ضرورة له فلا يجوز له التأخير وإن أدرك الوقت بركعة. [والله أعلم] .

[وقت صلاة المغرب]
قال: فإذا غابت الشمس؛ فقد وجبت [صلاة] المغرب.
ش: أول وقت المغرب إذا غابت الشمس إجماعا، والأحاديث قد استفاضت أو تواترت بذلك، وغيبوبة الشمس: سقوط قرصها. والله أعلم.

(1/472)


قال: إلى أن يغيب الشفق.
ش: يعني أن وقتها يمتد إلى غيبوبة الشفق، لما تقدم في حديث أبي موسى، «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق» ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق» . رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وأحمد، وقال في رواية مهنا: حديث عبد الله بن عمرو حديث معروف.
ولا يرد حديث جبريل [- عَلَيْهِ السَّلَامُ -] أنه صلاها في اليومين في وقت واحد، لتضمنها زيادة، مع تأخر حديث أبي موسى، وكون حديث ابن عمرو [قولا] ، على أن يحتمل أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما فعلها في وقت واحد؛ ليبين أن ذلك هو الأولى بها، ولذلك اتفقت الأئمة [على] أفضلية تقديمها، بخلاف غيرها، وكره تأخيرها، والله أعلم.

(1/473)


قال: ولا يستحب تأخيرها.
ش: بل يكره، قاله القاضي في التعليق.
358 - لما روى عقبة بن عامر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تزال أمتي بخير - أو على الفطرة - ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم» . رواه أحمد وأبو داود.
359 - وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس، وتوارت بالحجاب» .
وفي أبي داود: ساعة تغرب الشمس، إذا غاب حاجبها. ولأن التأخير محظور عند البعض، فالتقديم أحوط، وهذا في غير ليلة جمع، أما في ليلة جمع، فالمستحب التأخير للمحرم إن قصدها، كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولأن الفعل قبل المزدلفة في طريقها لا يجزئه عند بعض، فالتأخير [أحوط] عكس ما

(1/474)


تقدم، ويستحب التأخير أيضا مع الغيم على المنصوص، وسيأتي [ذلك] إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

[وقت صلاة العشاء]
قال: فإذا غاب الشفق - وهو الحمرة في السفر، وفي الحضر البياض؛ لأن في الحضر قد تنزل الحمرة، فتواريها الجدران، فيظن أنها قد غابت، فإذا غاب البياض فقد تيقن، ووجبت عشاء الآخرة.
ش: قد تقدم أن آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق، والشفق يطلق على الحمرة، و [على] البياض، بالاشتراك اللفظي، واختلف في المراد هنا، والمعروف المشهور عندنا - حتى إن الشيخين وغيرهما لم يذكروا خلافا - أن المراد بالشفق هنا هو الحمرة، لما روى عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق» . رواه مسلم، وأبو داود، ولفظه: «فور الشفق» وفور الشفق: فورته وسطوعه، وثوره: ثوران حمرته، قالهما الخطابي وغيره، مع أنه قد ورد ذلك صريحا.

(1/475)


360 - أ - فعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفق الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة» . رواه الدارقطني والبيهقي، وقال: الصحيح أنه موقوف، ثم هو قول جماعة من الصحابة.
360 - ب - روي عن ابن عمر، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وشداد، رواه البيهقي عنهم، قال: ورويناه عن عمر، وعلي، وأبي هريرة. وقد حكى بعضهم الإجماع على ذلك، في قَوْله تَعَالَى: {فلا أقسم بالشفق} [الانشقاق: 16] على أنه قد حكي عن الخليل بن أحمد وغيره أنهم قالوا: إن البياض لا يغيب إلا عند طلوع الفجر.
وحكي عن أحمد أن المراد بالشفق هنا هو البياض.
360 - ج - لما روي «عن النعمان بن بشير قال: أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة - يعني العشاء - كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصليها

(1/476)


لسقوط القمر لثالثة» . رواه أحمد، والنسائي والترمذي، ولا دليل فيه إذ ليس فيه: أن ذلك أول وقتها، فإن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يؤخر العشاء، بل هو دليل لنا، (إذ) سقوط القمر لثالثة يكون عند تمكن البياض على ما قيل، (وعنه) رواية ثالثة كما قاله الخرقي في الشفق: في السفر الحمرة، وفي الحضر البياض الذي يعقب الحمرة، نظرا للمعنى الذي ذكره الخرقي، ولما كان عند أبي محمد أنه لا خلاف أن الشفق [الحمرة] قال: إنه يعتبر غيبة البياض للدلالة على غيبوبة الأحمر، لا لنفسه.
(إذا عرف هذا) فإذا غاب الشفق خرج وقت المغرب، وعقبه وقت العشاء بالإجماع، والأحاديث متظافرة على ذلك، والله أعلم.

قال: إلى ثلث الليل، فإذا ذهب ثلث الليل ذهب [وقت] الاختيار.

(1/477)


ش: أي أن وقت العشاء المختار يمتد إلى ثلث الليل، وهذا إحدى الروايتين واختيار أبي بكر في التنبيه، والقاضي في الجامع، لما تقدم من حديث أبي موسى وحديث جبريل كذلك أيضا، والثانية، واختارها القاضي في روايتيه، وابن عقيل في تذكرته، والشيخان - يمتد إلى نصفه، لحديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وقت العشاء إلى نصف الليل» رواه مسلم وغيره، ونحوه من حديث أبي هريرة، رواه أبو داود، والترمذي.
361 - «وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أخر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشاء إلى نصف الليل، ثم صلى، ثم قال: «قد صلى الناس وناموا، أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها» . رواه البخاري وغيره، وقول صاحب التلخيص: إن من الثلث إلى النصف من الليل وقت جواز، لا وقت اختيار. ولا ضرورة. .
وقول الخرقي: وجبت عشاء الآخرة. يقتضي جواز تسمية المغرب بالعشاء. وهو كذلك بلا كراهة، نعم: الأولى تسميتها بالمغرب، وكذلك العشاء الأولى أن لا تسمى

(1/478)


العتمة، ويجوز ذلك بلا كراهة على الأصح، وظاهر كلام ابن عبدوس المنع [من ذلك] ، والله أعلم.

قال: ووقت الضرورة [مبقى] إلى أن يطلع الفجر الثاني، وهو البياض الذي يبدو من قبل المشرق فينتشر، ولا ظلمة بعده.
ش: قد تقدم أن آخر وقت العشاء المختار ثلث الليل أو نصفه، ثم من ذلك إلى طلوع الفجر الثاني وقت ضرورة، ووقت إدراك على ما تقدم.
362 - لظاهر ما روى أبو قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى» . رواه مسلم، قال البيهقي: وروينا عن ابن عباس: وقت العشاء إلى الفجر.

(1/479)


363 - أ - وعنه، وعن عبد الرحمن بن عوف أنهما قالا في الحائض: إذا طهرت قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء. رواه أحمد.
363 - ب - وعن أبي هريرة مثل ذلك، رواه حرب.
363 - ج - وعنه أيضا [وسئل] : ما إفراط صلاة العشاء؟ قال: طلوع الفجر، وهذا كله يدل على أن ذلك وقت العشاء.
364 - قال البيهقي: وروينا «عن عائشة قالت: أعتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى ذهبت عامة الليل» . اهـ.
والفجر الثاني هو البياض الذي يبدو من قبل المشرق فينتشر، ولا ظلمة بعده، ويسمى: «الفجر الصادق» ؛ لأنه صدق عن الصبح وبينه، «والمستطير» ؛ لأنه طار في الأفق وانتشر فيه، والفجر الأول هو الفجر المستطيل، الذي يبدو معترضا كذنب السرحان، ثم تعقبه الظلمة، ومن ثم سمي الفجر الكاذب والفجر الثاني هو الذي تتعلق به الأحكام.

(1/480)


365 - وقد روي عن جابر [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الفجر فجران، فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يحل الصلاة، ولا يحرم الطعام، [وأما الذي يذهب مستطيلا في الأفق فإنه يحل الصلاة، ويحرم الطعام] » رواه البيهقي وقال: الأصح إرساله.
(تنبيه) : السرحان الذئب، والله أعلم.

[وقت صلاة الصبح]
قال: فإذا طلع الفجر الثاني وجبت [صلاة] الصبح.
ش: هذا إجماع ولله الحمد، والنصوص شاهدة بذلك.
(تنبيه) : الفجر هو انصداع البياض من المشرق، سمي بذلك لانفجاره، أي لظهوره وخروجه كما ينفجر النهر، والله أعلم.

قال: وآخره إذا طلعت الشمس.
ش: قد حكى ابن المنذر ما يدل على أن هذا إجماع أيضا، وفي حديث عبد الله بن عمرو الذي رواه مسلم وغيره عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «وقت الفجر ما لم تطلع الشمس» .
ومقتضى كلام الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] أن جميع وقتها وقت اختيار، كما في المغرب، والظهر، وهو المذهب، وجعل

(1/481)


القاضي في المجرد، وابن عقيل في التذكرة وابن عبدوس لها وقتين، اختيار وهو الإسفار، وضرورة وإدراك، وهو إلى طلوع الشمس.
(تنبيه) : وتسمى بالفجر أيضا، قال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] روي عن أبي هريرة أن المراد به صلاة الفجر، وفي حديث جبريل: «وصلى بي الفجر حين حرم الطعام» ولا يكره تسميتها بالغداة على الأصح، والله أعلم.

قال: ومن أدرك منها ركعة قبل أن تطلع [الشمس] فقد أدركها.
ش: لما تقدم من حديث أبي هريرة، وظاهر كلام الخرقي أن الإدراك لا يحصل إلا بركعة، والمشهور عند الأصحاب خلافه، كما تقدم في العصر، وهذا الحكم - أعني الإدراك [بركعة] أو بما دونها - لا يختص بالعصر والصبح، بل الحكم كذلك في جميع الصلوات.

(1/482)


366 - لما في مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها كلها» .
ومقتضى كلام الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] أن صلاة الصبح لا تبطل بطلوع الشمس وهو فيها، وهو كذلك، لما تقدم، وفي البخاري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أدرك أحدكم [أول سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس، فليتم صلاته، وإن أدرك] أول سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس؛ فليتم صلاته» .
367 - وعنه أيضا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من صلى من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فطلعت؛ فليصل إليها أخرى» رواه أحمد، والبيهقي، والله أعلم.

قال: [وهذا] مع الضرورة.
ش: ظاهر هذا أن هذا الإدراك أيضا مختص بمن له ضرورة، كما تقدم في العصر، وكذلك قال ابن أبي موسى. ولا يتمشى التأويل الذي تأولناه في العصر بأن جواز التأخير مختص بوقت

(1/483)


الضرورة، إذ جميع وقت الصبح وقت اختيار على المذهب. نعم على قول القاضي يجيء التأويل، ومن هنا أخذ القاضي أن للصبح وقتين، والله أعلم.

[أداء الصلاة في أول الوقت]
قال: والصلاة في أول الوقت أفضل، إلا عشاء الآخرة، وفي شدة الحر الظهر.
ش: هذا منصوص أحمد في رواية الأثرم، والأصل [فيه] في الجملة [عموم] قَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] والصلاة من الخيرات، ومن أسباب المغفرة، وقَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المحافظة على الشيء تعجيله.
368 - وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قالت: «ما صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة لوقتها الأخير مرتين، حتى قبضه الله» . رواه أحمد، والترمذي، والدارقطني، وفي لفظ: إلا مرتين.

(1/484)


369 - وعن أم فروة - وكانت ممن بايعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: «سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة لأول وقتها» رواه أحمد والترمذي، وأبو داود.
370 - «وعن ابن مسعود قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها» مختصر، رواه ابن خزيمة في مختصر المختصر.
371 - وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والآخر عفو الله» رواه الترمذي، لكن قال الإمام أحمد: من يروي هذا؟ ليس [هذا] يثبت. وكذلك ضعفه غيره.

(1/485)


إذا عرف هذا فلنشر إلى صلاة صلاة على الانفراد. فأما الظهر فالمستحب تقديمها، لما تقدم.
372 - وفي الصحيح عن أبي برزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الظهر إذا زالت الشمس» .
373 - «وعن عائشة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] : ما رأيت إنسانا كان أشد تعجيلا بالظهر من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ما استثنت أباها. ولا عمر» ، رواه البيهقي والترمذي ولفظه: ولا من أبي بكر، ولا من عمر. ويستثنى من ذلك الوقت الشديد الحر، فإن المستحب التأخير فيه.
374 - لما في الصحيحين وغيرهما، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم» .
375 - وفي الصحيحين أيضا عن أبي ذر نحوه، وفي لفظ: «أبردوا بالظهر» .

(1/486)


376 - «وعن المغيرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: كنا نصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر بالهاجرة، فقال لنا: «أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم» رواه أحمد، والترمذي وقال: سألت محمدا عن هذا فعده محفوظا. ثم هل ذلك مطلقا، وهو ظاهر كلام أحمد، والقاضي في الجامع، والخرقي، وابن أبي موسى، وابن عقيل في التذكرة، وصاحب التلخيص، وإليه ميل أبي محمد، نظرا لظواهر الأحاديث. أو مختص بمن أراد الخروج إلى الجماعة، وهو قول أبي الخطاب، وطائفة تعليلا بالمشقة، [والمشقة] إنما تحصل بذلك. وشرط القاضي في موضع مع الخروج إلى الجماعة [كونه في البلدان الحارة] . وابن الزاغوني كونه في مساجد الدروب.
هذا كله في الظهر، أما الجمعة فيسن تقديمها مطلقا.
377 - قال سهل بن سعد: ما كنا نقيل، ولا نتغدى إلا بعد الجمعة.
378 - أ - وقال سلمة بن الأكوع: «كنا نجمع مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم نرجع نتتبع الفيء» . متفق عليهما.

(1/487)


ويستثنى أيضا من أفضلية تقديم الظهر - مع تيقن دخول وقتها حال الغيم، فإنه يستحب تأخيرها فيه، وتقديم العصر، وتأخير المغرب، وتقديم العشاء، نص على ذلك أحمد.
378 - ب - لما روى ابن منصور في سننه، عن إبراهيم قال: كانوا يؤخرون الظهر ويعجلون العصر، ويؤخرون المغرب في اليوم المتغيم، ولأن ذلك مظنة عارض من مطر ونحوه، فاستحب تأخير الأولى من المجموعتين لتقرب من الثانية، لكي يخرج لهما خروجا واحدا، طلبا للأسهل المطلوب شرعا.
وظاهر كلام الخرقي، وأحمد في رواية الأثرم - وإليه ميل أبي محمد - عدم استحباب ذلك، إذ مطلوبية التأخير في عامة الأحاديث إنما وردت في الحر، وظاهر كلام أبي الخطاب استحباب تأخير الظهر لا المغرب، وحيث استحب التأخير فهل ذلك مطلقا، أو لمن يريد الجماعة؟ فيه خلاف.
(تنبيه) : التأخير في الحر قال أبو محمد: حتى تنكسر، ولا يؤخر إلى آخر الوقت. قال ابن الزاغوني: حتى ينكسر الفيء ذراعا، أو نحو ذلك، وفي التلخيص: إلى رجوع الظل

(1/488)


الذي يمشي فيه الساعي إلى الجماعة؛ وفي الغيم قال ابن الزاغوني: يؤخر إلى قريب من وسط الوقت. اهـ.
أما العصر فالمستحب تقديمها على المذهب بلا ريب، لما تقدم، [وفي الصحيح] من «حديث أبي برزة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] ، قال: كنا نصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية» .
379 - وفي الصحيح أيضا «عن أنس [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة حية، ويذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة حية» ، وحكي عنه أن الأفضل مع الصحو التأخير احتياطا للخروج من الخلاف، إذ عند البعض لا يدخل وقتها إلا بصيرورة كل شيء مثليه.

(1/489)


وأما المغرب، فقد تقدم الكلام عليها.
وأما العشاء، فإن الأفضل تأخيرها لما تقدم، وفي «حديث أبي برزة: وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة» .
380 - وفي الصحيح من حديث ابن عباس [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] قال: «أعتم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالعشاء، فخرج عمر فقال: الصلاة يا رسول الله، رقد النساء والصبيان. فخرج ورأسه يقطر يقول: «لولا أن أشق على أمتي - أو على الناس - لأمرتهم بهذه الصلاة هذه الساعة» .
381 - وفيه أيضا من حديث «ابن عمر: مكثنا ليلة ننتظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعشاء الآخرة، فخرج علينا حين ذهب ثلث الليل أو نحوه» . مختصر.
382 - وعن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أعتموا بهذا الصلاة، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم» مختصر، رواه أبو داود، ثم هل يستحب التأخير مطلقا، وهو ظاهر كلام الخرقي، وأبي

(1/490)


الخطاب، وصاحب [التلخيص] ، لظاهر حديث أبي برزة، ومعاذ، وغيرهما، أو أن ذلك معتبر بحال المأمومين، بحيث لا يشق عليهم غالبا، وهو اختيار أبي محمد، لحديث ابن عباس.
383 - وفي حديث جابر الصحيح: «إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر» . فيه روايتان.
وأما الصبح فالأفضل تقديمها مطلقا على إحدى الروايات، واختيار الخرقي وأبي محمد وطائفة، لما تقدم، وفي حديث جابر: «والصبح كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصليها بغلس» .
384 - وفي الصحيحين من حديث عائشة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] : «لقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الفجر فيشهد [معه] نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن، لا يعرفهن أحد من الغلس» . وعلى هذا يكره التأخير إلى الإسفار بلا عذر.
(والثانية) : الإسفار بها أفضل مطلقا.
385 - لما روى رافع بن خديج [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر» رواه

(1/491)


أبو داود والترمذي وصححه، والنسائي، وحمل على أن المراد مطلوبية إطالة القراءة [فيها] ، بحيث يفرغ منها مسفرا، كما جاء عنه في الصحيح أنه كان ينصرف منها حين يعرف الرجل جليسه، لا أنه يفتتحها مسفرا. وقيل: المراد التأخير حتى يتبين طلوع الفجر ويمضي زمن الوضوء ونحوه؛ ويعين تأويل الحديث مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على التغليس كما تقدم، وفي حديث ابن عباس لما وصف صلاة جبريل بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ثم كانت صلاته بعد التغليس، لم يعد إلى أن يسفر بها.
(والثالثة) - واختارها الشيرازي -: الاعتبار بحال أكثر المأمومين، فإن غلسوا غلس، وإن أسفروا أسفر، توقيرا [للجميع] إذ ما كثر فهو أحب إلى الله [تعالى] كما ورد في الحديث، وقياسا على ما فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العشاء، فإنه

(1/492)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر.
386 - «وعن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن، فقال: «يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر، وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس، ولا تملهم، وإذا كان في الصيف فأسفر بالفجر، فإن الليل قصير، والناس ينامون، فأمهلهم حتى يدركوا» رواه الحسين بن مسعود الفراء في سننه.
ومحل الخلاف فيما إذا كان الأرفق على المأمومين الإسفار مع حضورهم، أو حضور بعضهم، أما لو تأخر الجيران كلهم فالأولى هنا التأخير بلا خلاف، على مقتضى ما قال القاضي في التعليق، وقال: نص عليه في رواية الجماعة.
واعلم أنا وإن شركنا بين الفجر والعشاء في مراعاة حال الجيران، إلا أن بينهما فرقا [لطيفا] ، وهو أن التقديم في الفجر أفضل إلا إذا تأخروا، والتأخير في العشاء أفضل إلا إذا تقدموا

(1/493)


وتظهر فائدة ذلك في المصلي وحده، وفي جماعة تقدموا ولم يشق عليهم التأخير، فإن الأفضل إذا تقديم الفجر، وتأخير العشاء.

(تنبيهان) : (أحدهما) : تحصل فضيلة [أول] الوقت بأن يشتغل بأسباب الصلاة إذا دخل الوقت، قال في التلخيص، ويقرب منه قول المجد: قدر الطهارة، والسعي إلى الجماعة، ونحو ذلك.
(الثاني) : «أبردوا بالصلاة» أي: أخروها عن ذلك الوقت، وأدخلوها في وقت البرد، وهو الزمن الذي ينكسر فيه الحر، فيوجد فيه برود [ما] ، يقال: أبرد الرجل أي صار في برد النهار «فيح جهنم» شدة حرها، وشدة غليانها، يقال: فاحت القدر تفيح إذا هاجت وغلت.
وقوله: والشمس حية. قال الخطابي: حياتها ضياء لونها قبل أن تصفر أو تتغير، وقال غيره: حياتها بقاء حرها (والعوالي) فسرها مالك بثلاثة أميال من المدينة، وقال غيره: هي مفترقة، فأدناها ميلان، وأبعدها ثمانية أميال، والله أعلم.

(1/494)


[حكم طهارة الحائض وإسلام الكافر وبلوغ الصبي قبل غروب الشمس]
قال: وإذا طهرت الحائض، وأسلم الكافر، وبلغ الصبي، قبل أن تغرب الشمس صلوا الظهر والعصر، وإن بلغ الصبي، وأسلم الكافر وطهرت الحائض قبل أن يطلع الفجر؛ صلوا المغرب وعشاء الآخرة.
ش: إذا أدرك واحد من هؤلاء من وقت صلاة قدر تكبيرة وجبت تلك الصلاة، لما تقدم من حديث أبي هريرة: «من أدرك ركعة من الصلاة؛ فقد أدرك الصلاة» ، «ومن أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس» الحديث. والصلاة التي قبلها إن كانت تجمع إليها.
387 - لما روي عن ابن عباس [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] ، وعبد الرحمن بن عوف [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أنهما قالا: إذا طهرت الحائض قبل مغيب الشمس صلت الظهر والعصر، وإذا رأت الطهر قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب والعشاء. رواه أحمد وغيره. وعن أبي هريرة: إذا طهرت قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب والعشاء. رواه حرب، وكذلك رواه البيهقي عن عبد الرحمن بن عوف، ولم يعرف لهم مخالف، وقد روى البيهقي في سننه عن أبي الزناد [قال] : كان من أدركت

(1/495)


من فقهائنا يقولون - فذكر أحكاما وفيها -: والذي يغمى عليه فيفيق قبل الغروب، يصلي الظهر والعصر، فإن أفاق قبل طلوع الفجر صلى المغرب والعشاء، قالوا: وكذلك تفعل الحائض إذا طهرت قبل الغروب، أو قبل طلوع الفجر، ولأن الشارع نزل وقتي المجموعتين حال العذر - وهو الجمع - منزلة الوقت الواحد، وما نحن فيه أقوى الأعذار، وحكم المجنون يفيق حكم من تقدم، ويحصل الوجوب بإدراك قدر تكبيرة كما تقدم، ولا يشترط ركعة، ولا زمن يتسع للطهارة، نص عليه.
ومقتضى كلام الخرقي أن الصلاة لا تجب (على حائض) ، وهو إجماع، ولا (على كافر) أصلي أو غيره؛ أما الأصلي فواضح، إذ لا يجب عليه الأداء في حال كفره، ولا يجوز له إلا إن أتى بالشرط، و [لا] القضاء إذا أسلم اتفاقا، ومعنى خطابه بالفروع: زيادة العقاب على ذلك في الآخرة، أو كون ذلك وسيلة إلى إسلامه، إذا كان ممن يصح منه فعله في حال كفره، كما لو أعتق ونحو ذلك، أو حصول الثواب له إذا أسلم.
وأما غيره فهل تجب عليه العبادات في حال ردته فيقضيها إذا أسلم؟ فيه روايتان:
إحداهما: نعم، فتنتفي هذه المسألة، لأنه إذا لم يتجدد عليه وجوب بالإدراك، بل الوجوب موجود من أول الوقت.

(1/496)


(والثانية) - وهي ظاهر كلام الخرقي -: لا، وعليها تجيء هذه المسألة. اهـ. (ولا على) صبي مطلقا، وهو المذهب.
(وعنه) : تجب على من بلغ عشرا، وسيأتي [ذلك] إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا أيضا تنتفي هذه المسألة، والله أعلم.

[ما يقضي المغمى عليه من الصلوات]
قال: والمغمى عليه يقضي جميع الصلوات التي كانت [عليه] في إغمائه. [والله أعلم] .
ش: لأن الصلاة عبادة، فلا تسقط بالإغماء كسائر العبادات، وذلك لأن الإغماء لا ينقطع التكليف به، بدليل جوازه على الأنبياء.
387 - م - وقد روي أن عمارا [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] غشي عليه أياما لا يصلي، ثم استفاق بعد ثلاث فقال: هل صليت؟ فقالوا: ما صليت منذ ثلاث. فقال: أعطوني وضوءا فتوضأ ثم صلى تلك الليلة.
388 - وعن سمرة بن جندب [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: المغمى عليه يترك الصلاة، يصلي مع كل صلاة مثلها. قال: قال عمران: ولكن يصليهن جميعا. رواهما الأثرم ورواه البيهقي عن عمار، ولفظه: أنه أغمي عليه في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، فأفاق نصف الليل، فصلى الأربع.

(1/497)


389 - وما روي «عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الرجل يغمى عليه، فيترك الصلاة اليومين والثلاثة، قال: «ليس لشيء من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه في صلاته فيفيق وهو فيها فيصليها» .
ويدخل في كلام الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] الإغماء بتناول المباح، وهو الصحيح من الوجوه.
«والثاني» : لا قضاء عليه بذلك؛ لاحتمال امتناعه منه، خوفا من مشقة القضاء فتفوت مصلحته.
«والثالث» إن تطاول الإغماء والحال ما تقدم؛ أسقط القضاء قياسا على الجنون، وإلا لم يسقط، ولا إشكال أن زوال العقل بمرض أو سكر لا يسقط القضاء. نعم قيل بسقوط القضاء مع سكر بشرط الإكراه.
وهذا كله على المذهب المقطوع به، من أن المجنون لا قضاء عليه.
390 - اعتمادا على قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة» الحديث، أما إن قيل بوجوب القضاء عليه - على رواية حنبل الضعيفة - فإن من تقدم يجب عليه القضاء بلا ريب، والله أعلم.

(1/498)