شرح
الزركشي على مختصر الخرقي [باب الأذان]
ش: الأذان في اللغة: هو الإعلام، ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَأَذَانٌ مِنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أي: وإعلام، وأصله من الأذن، وهو
الاستماع، فإنه يلقي في آذان الناس بصوته، ما إذا سمعوه علموا أنهم ندبوا
لذلك.
و [هو] في الشرع: إعلام بدخول وقت الصلاة، بذكر مخصوص، [في وقت مخصوص] ، من
شخص مخصوص، ويحصل به أيضا: الإعلام بالدعاء إلى الجماعة، [و] بإظهار شعائر
الإسلام، ويطلق على الإقامة أيضا؛ لأنها إعلام بإقامة الصلاة.
391 - والأصل فيه ما روى محمد بن إسحاق، من حديث محمد بن إبراهيم التيمي،
«عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، حدثني أبي، قال: لما أمر رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالناقوس، يعمل ليضرب به للناس
في الجمع للصلاة، أطاف [بي]- وأنا نائم - رجل يحمل ناقوسا في يده، فقلت له:
يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة.
قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى. قال: تقول: الله أكبر،
الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن
محمدا رسول الله،
(1/499)
أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة،
حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا
إله إلا الله. ثم استأخر غير بعيد، قال: ثم تقول إذا قمت إلى الصلاة: الله
أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي
على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر
الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته ما رأيت، فقال: «إنها لرؤيا حق إن شاء الله،
فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتا منك» . فقمت مع
بلال، فجعلت ألقيه عليه وهو يؤذن به، فسمع ذلك عمر وهو في بيته، فخرج يجر
رداءه، ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما رأى. فقال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فلله الحمد» . رواه
أحمد، وأبو داود.
وفي رواية كرر التكبير أربعا، قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا -
يعني حديث محمد بن إبراهيم التيمي - فقال: هو عندي صحيح. وقال محمد بن يحيى
الذهلي: ليس في أخبار عبد الله بن زيد في الأذان خبر أصح من هذا.
(1/500)
392 - وفي الصحيحين، «عن ابن عمر [- رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا -] ، قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون،
فيتحينون الصلاة، وليس ينادي لها أحد، فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم:
نتخذ ناقوسا، مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل قرنا مثل قرن اليهود، فقال
عمر: أفلا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا بلال، قم فناد بالصلاة» . متفق عليه.
393 - وروى البيهقي في سننه عن أنس، قال: «كانت الصلاة إذا حضرت على عهد
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعى رجل في الطريق،
فنادى: الصلاة، الصلاة. فاشتد ذلك على الناس، فقالوا: لو اتخذنا ناقوسا يا
رسول الله، فقال: «ذلك للنصارى» ، فقالوا: لو اتخذنا بوقا. قال: «ذلك
لليهود» ، قال: فأمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» . اهـ.
وبهذا يحصل الجمع بين حديثي ابن زيد، وابن عمر، بأن يكون النداء الأول:
الصلاة الصلاة. ثم رأى عبد الله بن زيد الأذان، فأمر بلالا أن يؤذن به،
واستقر العمل عليه.
(1/501)
(تنبيه) : «يتحينون» يعني: يقدرون أحيانا،
ليأتوا إليها فيها، والحين: الوقت والزمان، والله أعلم.
[ألفاظ الأذان]
قال: ويذهب أبو عبد الله [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] إلى أذان بلال [- رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -] وهو: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد
أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله،
أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي
على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
ش: هذا هو المشهور والمختار للأصحاب من الروايتين لما تقدم، إذا هو الذي
كان يفعل بحضرته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حضرا وسفرا، وعليه
عمل أهل المدينة. قال الأمام أحمد: [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] هو آخر الأمرين،
وكان بالمدينة، وقيل [له] : إن أذان أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد،
لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة. فقال: أليس قد رجع النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، فأقر بلالا على أذان عبد الله
بن زيد؟ .
ونقل عنه حنبل: أذان أبي محذورة أعجب إلي، وعليه عمل أهل مكة إلى اليوم،
وأذان أبي محذورة يرجع فيعيد الشهادتين بعد ذكرهما، بصوت أرفع من الصوت
الأول.
394 - «قال أبو محذورة: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشر كلمة» ، رواه الخمسة وصححه
الترمذي. وفي لفظ: ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا
الله، أشهد أن محمدا رسول الله
(1/502)
[أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك،
ثم ترفع صوتك: أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن محمدا رسول الله]
والخلاف في الاختيار، ولا خلاف في جواز الأمرين من غير كراهة، على المذهب
المعروف، وحكي عنه: كراهة الترجيع، والله أعلم.
[ألفاظ الإقامة]
قال: والإقامة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن
محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت
الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
ش: لما تقدم من حديث عبد الله بن زيد، وقد تقدم ما يقتضي ترجيحه.
395 - وفي الصحيحين «عن أنس بن مالك [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال:
أُمِر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة» ، وإن ثنى الإقامة فلا بأس، لما
تقدم من حديث أبي محذورة، والله أعلم.
[يترسل في الأذان ويحدر الإقامة]
قال: ويترسل في الأذان، ويحدر الإقامة.
ش: الترسل: التمهل والتبين، والإحدار: الإسراع.
(1/503)
396 - وقد جاء ذلك من حديث جابر [- رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -] ، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال لبلال: «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» مختصر، رواه الترمذي، وقال:
إسناده مجهول. والبيهقي من رواية أبي هريرة، وقال: إسناده مظلم.
397 - وعن علي [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: «كان رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا أن نرتل الأذان، ونحذف الإقامة» .
رواه الدارقطني.
398 - وروى أيضا هو والبيهقي عن أبي الزبير مؤذن بيت المقدس قال: جاء عمر
بن الخطاب فقال: إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر. وفي رواية: فاحذم، قال
الأصمعي: الحذم قطع التطويل. وقد استنبط الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من
مطلوبية رفع الصوت في الأذان - كما قد ثبت في الصحيح - ترتيل
(1/504)
الأذان. والله أعلم.
[التثويب في أذان الفجر]
قال: ويقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم. مرتين.
399 - ش: في رواية لأحمد وأبي داود في حديث عبد الله بن زيد: قال: ثم أمر
بالتأذين، فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[إلى الصلاة] . قال: فجاء فدعاه ذات غداة إلى
الفجر، فقيل له: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نائم.
[قال] : فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم. قال سعيد بن المسيب:
فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر.
(1/505)
400 - وعن أنس قال: «من السنة إذا قال
المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح. قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة
خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.» رواه البيهقي في
سننه، وقال: إسناده صحيح. وموضع ذلك بعد: حي على الفلاح. كما في حديث أنس،
ولما يأتي في حديث أبي محذورة، وهذا والذي قبله على سبيل الاستحباب، ولهذا
قال الخرقي [بعد] : وإن أذن لغير الفجر قبل دخول الوقت أعاد. وقيل: بالوجوب
في التثويب.
401 - لأن في حديث أبي محذورة: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
علمه الأذان، وفيه [إن] كان في الصبح فقل - بعد حي على الفلاح -: الصلاة
خير من النوم، الصلاة خير من النوم، وهذا أمر. اهـ.
وتخصيص الخرقي ذلك بالصبح يقتضي أنه لا يطلب في غيره، وهو كذلك.
(1/506)
402 - لما روي «عن بلال قال: أمرني رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا أثوب إلا في الفجر» .
رواه أحمد وابن ماجه، وفيه إرسال، قاله البيهقي.
403 - وعن مجاهد: كنت مع ابن عمر، فثوب رجل في الظهر أو العصر، قال: اخرج
بنا فإنها بدعة. رواه أبو داود، والله أعلم.
[الأذان قبل دخول الوقت]
قال: وإن أذن لغيره الفجر قبل دخول الوقت أعاد [إذا دخل الوقت] .
(1/507)
ش: لا يعتد بالأذان قبل دخول الوقت لغير
الفجر، على المذهب المعروف، لفوات المقصود منه، وهو الإعلام بدخول الوقت،
ولما في ذلك من التغرير الممنوع منه شرعا، ومخالفته الأمر النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما كان عليه.
404 - ففي الصحيحين «عن مالك بن الحويرث، قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان بنا
[برا] رحيما رفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا قال: «ارجعوا فكونوا فيهم،
وعلموهم، وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم» .
405 - وفي صحيح مسلم، «عن جابر بن سمرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال:
كان بلال يؤذن إذا دحضت، ثم لا يقيم حتى يرى النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا رآه أقام حين يراه» .
وفي الرعاية حكاية رواية بالكراهة، وظاهرها مع الاعتداد [به] وليست بشيء،
لإطباق الناس على خلافها. اهـ.
ويعتد بالأذان للفجر قبل دخول وقتها على المذهب.
406 - لما في الصحيحين وغيرهما، عن ابن عمر وعائشة [- رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا -] ، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن
بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» .
(1/508)
407 - وعن ابن مسعود [- رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -] أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا
يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن - أو قال: ينادي - بليل، ليرجع
قائمكم ويوقظ نائمكم» متفق عليه أيضا. وفيه إشارة إلى علة اختصاص الفجر
بذلك، وهو قيام النائم ليقضي حاجته، فيأتي الصلاة في أول الوقت، ورجوع
القائم ليأتي بالعبادة على وجه النشاط.
وقاس الشيرازي على الصبح الجمعة، فأجاز الأذان لها قبل وقتها ليدركها من
منزله فيه بعد ونحو ذلك، وهو أجود من قول [ابن] حمدان: وقيل: وللجمعة قبل
الزوال. لعموم الأول. واستثنى ابن عبدوس مع الفجر الصلاة المجموعة، وليس
بشيء لأن الوقتين صارا وقتا واحدا.
(وعنه) : رواية بالمنع في التأذين قبل الوقت بالفجر أيضا، فغيرها أحرى.
408 - لما روي «عن ابن عمر، أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرجع فينادي: «ألا إن العبد نام،
ألا إن العبد نام» ثلاثا، فرجع فنادى: ألا إن العبد نام» . رواه أبو داود،
لكن قال ابن المديني: إنه غير محفوظ، أخطأ فيه
(1/509)
حماد.
وقال محمد بن يحيى الذهلي: خبر حماد شاذ، غير واقع على القلب، [هو] خلاف ما
رواه الناس عن ابن عمر.
فعلى المذهب شرط الاعتداد بالأذان للفجر قبل وقتها أن يكون بعد منتصف
[الليل] ، قاله طائفة من الأصحاب، لأن قبل النصف وقت يختص بالعشاء اختصاصا
كليا، لكونه وقتها المختار، وما بعده بخلافه، والخرقي وجماعة من الأصحاب لم
يقيدوا على ذلك، فيحتمل أنهم أحالوا على العادة. ولا إشكال أنه لا يستحب
تقدم ذلك على الوقت كثيرا، قاله الشيخان وغيرهما.
(1/510)
409 - لأنه في الصحيح من حديث عائشة: قال
القاسم الراوي عنها: لم [يكن] بين أذانهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا.
410 - وفي حديث رواه الطيالسي وغيره قال: «فكنا نحتبس ابن أم مكتوم عن
الأذان، ونقول: كما أنت حتى نتسحر، كما أنت حتى نتسحر. ولم يكن بين أذانهم
إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا» . ومن ثم قال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
[مجموع] ما روي في تقديم الأذان قبل الفجر إنما هو بزمن يسير، لعله لا
[يبلغ] مقدار قراءة الواقعة، بل أقل منها، ففضيلة التقديم بهذا، لا بأكثر،
وأما ما يفعل في زماننا من الأذان للفجر من الثلث الأخير، فخلاف السنة، إن
سلم جوازه، ويستحب لمن أذن قبل الفجر أن يكون معه من يؤذن في الوقت، لقضية
النص، وأن يتخذ ذلك عادة، لئلا يغر الناس، وفي الكافي ما يقتضي اشتراط ذلك.
اهـ.
إذا تقرر أنه يعتد بالأذان للفجر قبل وقتها، ولا يعتد بالأذان لغيرها قبل
الوقت على المذهب فيهما، فهل يجوز ذلك أم لا؟
(1/511)
أما لغير الفجر فلا يجوز ذلك، على المعروف
من الروايات، وقد تقدم حكاية رواية بالكراهة، وظاهرها مع الجواز. وحكي
رواية ثالثة بالكراهة، إلا أن يعيده بعد الوقت، وأما للفجر فهل يباح ذلك أو
يسن؟ على قولين، ثم هل ذلك في جميع السنة، أو يستثنى من ذلك رمضان، فيكره
الأذان فيه قبل الفجر، حذارا من منع كثير من الناس من السحور، ولعدم
معرفتهم بالوقت، واعتمادهم على الأذان، فيه روايتان:
أشهرهما: عند الأصحاب الثاني، وعليه: هل ذلك مطلقا، أو إذا لم تجر عادة
بذلك، نظرا للمعنى المتقدم، وحذارا من تعطيل السنة الصريحة، لورودها بذلك،
وهو قول أبي البركات؟ فيه قولان.
(تنبيه) : الوقت منوط بنظر المؤذن، والإقامة وقتها منوط بنظر الإمام، والله
أعلم.
[ما يستحب في المؤذن]
قال: ولا يستحب أبو عبد الله أن يؤذن إلا طاهرا، فإن أذن جنبا أعاد.
ش: المستحب أن يؤذن ويقيم وهو طاهر من الحدثين.
411 - لما روي عن أبي هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يؤذن إلا متوضئ» رواه الترمذي،
والبيهقي،
(1/512)
مرفوعا وموقوفا على أبي هريرة، وصححا
الموقوف، ولأنه ذكر، فاستحبت له الطهارة، كبقية الأذكار، فإن أذن أو أقام
محدثا أجزأ.
412 - قال النخعي: كانوا لا يرون بأسا أن يؤذن الرجل على غير وضوء. ذكره
البيهقي، لكن يكره ذلك في الإقامة دون الأذان، نص عليه، وكرهه صاحب
التلخيص، والسامري فيهما لكن الكراهة في الإقامة أشد.
وإن أذن جنبا (فعنه) - كما حكاه جماعة من الأصحاب، واختاره الخرقي، وابن
عبدوس - لا يعتد به فيعاد، لأنه ذكر يختص فاعله أن يكون من أهل القرب، فلم
يعتد به من الجنب كالقراءة.
(وعنه) - وهو اختيار الأكثرين، ومنصوصه في رواية حرب -: يعتد به، إذ
العمومات الواردة في الأذان لم يرد في شيء منها اعتبار الطهارة من الجنابة،
ولأنه أحد الحدثين فأشبه الآخر. فعلى هذا إن كان أذانه في مسجد، فإن كان مع
جواز اللبث فيه، إما بوضوء على المذهب، أو بحبس، ونحو ذلك صح، ومع
(1/513)
تحريم اللبث فيه هو كالأذان والزكاة في
موضع غصب، وفي ذلك قولان، المذهب منهما عند أبي البركات وطائفة: صحته لعدم
اشتراطه البقعة له. والمذهب عند ابن عقيل في التذكرة: البطلان. وهو مقتضى
قول ابن عبدوس، وغالى فقطع باشتراط الطهارة له، كمكان الصلاة، والله
[سبحانه] أعلم.
[الصلاة بلا أذان ولا إقامة]
قال: ومن صلى [صلاة] بلا أذان ولا إقامة؛ كرهنا له ذلك، ولا يعيد.
ش: أما كراهة ذلك، فلأنه خلاف فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وأصحابه، وأما عدم إعادة الصلاة.
413 - فلما روي عن ابن عباس [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] قال: «سئل
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل سها عن الأذان
والإقامة قال: «إن الله يتجاوز لأمتي [عن] الخطأ والنسيان» .
414 - وعن معاذ بن جبل أنه قيل له: رجل نسي الإقامة والأذان؟ قال: مضت
صلاته، ليس الإقامة والأذان من فروض الصلاة، إنما هو من فضل يوجد به، وشيء
يدعى إليه. رواهما حرب بإسناده.
(1/514)
415 - وفي مسلم [عن ابن مسعود - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -] أنه صلى بعلقمة والأسود في داره، بغير أذان ولا إقامة.
416 - وقد استنبط الشافعي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] ذلك من الحديث الصحيح:
«إذا أقيمت الصلاة فامشوا وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم، واقضوا ما
فاتكم» قال: فمن أدرك آخر الصلاة فقد فاته أن يحضر أذانا وإقامة، مع أنه لم
يؤذن لنفسه، ولم يقم، قال: ولم أعلم مخالفا أنه إذا جاء المسجد [وقد خرج
الإمام من الصلاة] كان له أن يصلي بلا أذان ولا إقامة.
هذا من حيث الجملة، أما من حيث التفصيل فقول الخرقي: «ومن» عام أريد به
خاص، وهو الرجال، لعدم مشروعية الأذان والإقامة للنساء، على المشهور من
الروايات فضلا عن كراهة تركهما منهن.
417 - لما روي عن أسماء [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] قالت: قال رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على النساء أذان، ولا إقامة،
ولا جمعة، ولا اغتسال جمعة، ولا تتقدمهن امرأة، ولكن تقوم في وسطهن» .
(1/515)
رواه البيهقي في سننه وضعفه، [قال: ورويناه
أيضا في الأذان والإقامة عن أنس مرفوعا ولم يصح، بل الأشبه موقوف على أنس]
. اهـ.
418 - كذلك يروى عن ابن عمر [وابن عباس] وعن علي: المرأة لا تؤم، ولا تؤذن،
ولا تنكح، ولا تشهد النكاح.
(1/516)
وقال حرب: قال إسحاق: مضت السنة من النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ليس على النساء أذان، ولا إقامة
في حضر ولا سفر.
(والثانية) : إن أذن وأقمن فلا بأس، وإن لم يفعلن فجائز.
419 - لما روى الشافعي في مسنده عن عائشة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -]
أنها كانت تؤذن، وتقيم وتؤم النساء، وتقوم وسطهن.
(والثالثة) : يستحب لهن الإقامة، ويروى عن جابر [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-] وحيث شرع ذلك للمرأة فإنها تخفض صوتها، وحكم الخنثى مثلها. اهـ.
وقوله: ومن صلى صلاة. يريد [به] نوعا من الصلاة، وهي صلاة الخمس، لأن
الأذان لا يشرع لغيرهن، نعم كلام ابن حمدان، كما سيأتي يقتضي مشروعيته
للمنذورة، تشبيها لها بالواجب بأصل الشرع، وصرح الشيرازي - وهو ظاهر كلام
غيره - أنه لا يشرع لها.
ويسن أن ينادى للعيد، والكسوف، والاستسقاء: «الصلاة جامعة» على المذهب
المعروف.
(1/517)
420 - لثبوت ذلك في الكسوف، ووروده مرسلا
في العيد والاستسقاء، في معناهما. وألحق القاضي بهن التراويح، والمنصوص:
أنه لا ينادى لها أصلا، كصلاة الجنازة [على المعروف] . اهـ.
وقوله: كرهنا له ذلك. قد يؤخذ منه أن الأذان والإقامة سنتان؛ سنة في السفر،
والحضر، لإطلاقه الكراهة على تاركها، والظاهر: أن مراده كراهة تنزيه،
[وذلك] لما تقدم من أن تاركهما لا يعيد الصلاة، ولأنه دعاء إلى الصلاة فلم
يجب، كقوله: «الصلاة جامعة» وهذا إحدى الروايات.
(والثانية) - وهي المشهورة وعليها أكثر الأصحاب -: أنهما سنتان للمسافرين.
421 - لما ذكره ابن المنذر، والبيهقي عن علي [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -]
في المسافر: إن شاء أذن وأقام، وإن شاء أقام.
(1/518)
422 - وعن ابن عمر أنه كان لا يزيد على
الإقامة في السفر في صلاة، إلا في صلاة الصبح، ويقول: إنما الأذان للأمام
الذي يجتمع إليه الناس. رواه مالك في موطئه، وسعيد في سننه، فرضا كفاية على
المقيمين، لما تقدم من حديث [مالك] بن الحويرث: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن
أحدكم، وليؤمكم أكبركم» .
423 - وعن أبي الدرداء [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] : سمعت رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن،
ولا تقام فيها الصلاة، إلا استحوذ عليهم الشيطان» . رواه أحمد.
(والثالثة) - وهو ظاهر إطلاق طائفة من الأصحاب -: أنهما فرض كفاية مطلقا،
لأنهما من أعلام الدين الظاهر، فأشبها الجهاد.
424 - وفي الصحيح «عن مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وابن عم لي، فقال: «إذا سافرتما فأذنا، وأقيما،
وليؤمكما أكبركما» . ولا نزاع فيما نعلمه في وجوبهما للجمعة، لاشتراط
الجماعة لها، فكذلك النداء لها، ولا في
(1/519)
أنهما ليسا بشرط لصحة الصلاة كما تقدم.
(واختلف) - إذا قيل بفرضيتهما - هل يجري ذلك في القضاء والمنفرد،
والمنذورة؟ فيه وجهان، حكاهما ابن حمدان. ثم إذا قيل بالفرضية فاتفق أهل
بلد على تركهما قاتلهم الأمام، وإذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالبا
أجزأ عن الكل، وإن كان واحدا، قلت: وينبغي أن يأثم أهل البلد كلهم إن
تركوهما. اهـ. .
وقول الخرقي: ومن صلى صلاة بلا أذان ولا إقامة كرهنا له ذلك. يشمل حالتي
الحضر والسفر، والجماعة والانفراد، والمؤداة والمقضية، وغير ذلك وقد استثنى
من ذلك أبو محمد ما إذا دخل مسجدا قد صلي فيه، فإنه يخير؛ إن شاء أذن
وأقام، وإن شاء تركهما من غير كراهة، وحكى ابن حمدان ذلك قولا.
ثم إن الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] إنما حكم بالكراهة على من تركهما، فلو
أتى بأحدهما فهو مسكوت عنه في كلامه، وقد صرح أبو البركات بأن المنفرد
والمسافر إذا اقتصرا على الإقامة من غير أذان، فإنه يجوز من غير كراهة، نص
عليه أحمد. اهـ.
وكذلك الثانية من المجموعتين، وما عدا الأولى من المقضيات، إن شاء أذن لها،
وإن شاء لم يؤذن، بل صرح ابن عقيل، والشيرازي بأنه: لا يشرع أذان والحال
هذه، ويقتصر على الإقامة، والله أعلم.
(1/520)
قال: ويجعل أصابعه مضمومة على أذنيه.
ش: نقل ابن بطة أنه سأل الخرقي عن صفة ذلك، فضم أصابعه على راحتيه، ثم
جعلهما على أذنيه، وهذا إحدى الروايات واختيار ابن عبدوس، وابن البنا،
وصاحب البلغة فيها.
425 - لأن ذلك يروى عن ابن عمر [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] .
(والثانية) : يجعل أصابعه مضمومة، مبسوطة على أذنيه.
426 - لأن ذلك يروى عن أبي محذورة، حكاه عنه أحمد.
(والثالثة) - وهي اختيار ابن عقيل والشيخين -: يجعلهما في أذنيه.
427 - لما روى «أبو جحيفة قال: رأيت بلالا يؤذن، وإصبعاه في أذنيه، ورسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قبة له حمراء» . رواه
[أحمد] ، والترمذي وصححه.
(1/521)
428 - وعن عبد الرحمن بن سعد، عن أبيه عن
جده، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالا أن
يدخل أصبعيه في أذنيه» . رواه البيهقي في سننه، والله أعلم.
قال: ويدير وجهه عن يمينه إذا قال: حي على الصلاة. وعن يساره إذا قال: حي
على الفلاح، ولا يزيل قدميه.
429 - ش - «روى أبو جحيفة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: أتيت النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في قبة له حمراء من أدم، فخرج
وتوضأ، فأذن بلال، فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا، يقول يمينا وشمالا: حي
على الصلاة، حي على الفلاح» . متفق عليه.
وفي رواية أبي داود: لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر، وكلام الخرقي يشمل
الأذان في المنارة وغيرها، وهو إحدى الروايتين.
(والثانية) : له أن يدور في المنارة الواسعة، والصومعة الكبيرة ونحو ذلك،
لأنه أبلغ في سماع الصوت، وهو المقصود الأصلي بالأذان.
430 - وقد روى البيهقي في سننه، بسنده في حديث أبي جحيفة، أن بلالا استدار،
لكنه من رواية الحجاج بن أرطأة، ولا يحتج
(1/522)
به، على أنه يحمل على أنه أراد بالاستدارة
التفاته، توفيقا بين ألفاظ الحديث، والله أعلم.
[ما يستحب لمن سمع الأذان]
قال: ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول.
431 - ش: في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] ،
قال: قال رسول لله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا سمعتم
المؤذن فقولوا مثل ما يقول» [المؤذن] ، ويجعل موضع الحيعلة الحولقة: «لا
حول ولا قوة إلا بالله» قاله غير واحد من الأصحاب.
432 - لما روى عمر بن الخطاب [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال المؤذن: الله أكبر
الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا
الله. قال: أشهد أن لا إله إلا الله. [ثم] قال: أشهد أن محمدا رسول الله.
قال: أشهد أن محمدا رسول الله. ثم قال: حي على الصلاة. قال: لا حول ولا قوة
إلا بالله. ثم قال: حي على الفلاح. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال:
الله
(1/523)
أكبر، [الله أكبر] . قال: الله أكبر [الله
أكبر] . ثم قال: لا إله إلا الله. قال: لا إله إلا الله. من قبله؛ دخل
الجنة» رواه أحمد، ومسلم وأبو داود.
433 - ونحوه روي من حديث معاذ، ورافع بن خديج [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
-] وقال بعض الأصحاب يجمع [بين] الحولقة والحيعلة، ليأتي بمجموع الأحاديث،
والأول المذهب.
(تنبيه) : يقول في الإقامة: أقامها الله وأدامها، اتباعا.
434 - لما في سنن أبي داود، «أن بلالا أخذ في الإقامة، فلما قال: قد قامت
الصلاة. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أقامها الله
وأدامها» . قال بعض الأصحاب: ويقول في التثويب:
(1/524)
صدقت وبررت. قياسا على ما تقدم، ويسن جميع ذلك للمؤذن خفية، وكذلك غير
المؤذن يخفيه. والله سبحانه أعلم. |