شرح الزركشي على مختصر الخرقي

[باب صفة الصلاة]
قال: وإذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر.
451 - ش: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأعرابي: «إذا قمت [إلى] الصلاة [فكبر» ] .

(1/537)


452 - وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحريمها التكبير» وهو ينصرف إلى التكبير المعهود، وهو: الله أكبر.
453 - وقد روى الترمذي، وابن ماجه عن أبي حميد الساعدي قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه وقال: «الله أكبر» وهذا إخبار عن دوام فعله.
454 - وروى أحمد في مسنده، عن أبي سعيد الخدري [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قال] : «إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم، وأقيموها، وسدوا الفرج، وإذا قال إمامكم: الله [أكبر] فقولوا: الله أكبر» والتكبير ركن، لما تقدم من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحريمها التكبير» ولا يصح بغير هذا اللفظ، بألله الأكبر، أو: الكبير أو أكبر الله. ونحو ذلك [والله أعلم] .

[اشتراط النية في الصلاة]
قال: وينوي بها المكتوبة.

(1/538)


ش: أما اشتراط [أصل] نية الصلاة فمجمع عليه، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] والإخلاص محض النية، وصح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[أنه] قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ولا بد من تعيين الصلاة [فتعين] أنها ظهر، أو عصر، أو غير ذلك لتتميز عن غيرها، هذا منصوص أحمد، وعليه الأصحاب، وإذا، الألف واللام في كلام الخرقي للعهد، أي ينوي بالتكبيرة المكتوبة [أي] المفروضة الحاضرة، ويجوز أن يريد جنس المكتوبة، أي المفروضة، فيكون ظاهره أنه لا يشترط نية التعيين، بل متى نوى فرض الوقت، وكانت عليه صلاة، لا يدري هل هي ظهر أو عصر، فصلى أربعا ينوي بها ما عليه أجزأه، وقد روي عن أحمد [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] ما يدل على ذلك، لكن المذهب الأول. وهل يفتقر مع نية التعيين إلى نية الفرضية، ونية القضاء أو الأداء؟ فيه وجهان: أشهرهما: لا.

قال: فإن تقدمت النية قبل التكبير، وبعد دخول الوقت - ما لم يفسخها - أجزأه.
ش: لما كان كلامه السابق يقتضي أن النية تقارن التكبير،

(1/539)


أردف ذلك ما يدل على أن ذلك على سبيل الاستحباب، وأن النية إذا تقدمت على التكبير أجزأه، وذلك لأن الصلاة عبادة يشترط لها النية، فجاز تقديمها عليها كالصوم، ولأن التكبير جزء من الصلاة، فكفى فيه استصحاب النية حكما لا ذكرا كالصلاة.
وشرط الخرقي لذلك شرطين:
(أحدهما) : أن يكون ذلك بعد دخول الوقت، وعلى هذا شرح ابن الزاغوني، معللا بأنها ركن، فلا يفعل قبل الوقت كبقية الأركان، وأكثر الأصحاب لا يشترطون هذا الشرط، فإما لإهمالهم له، أو اعتمادا منهم على الغالب.
(الشرط الثاني) : أن يستصحب النية حكما، فلو فسخها، أي: قطعها لم يجزئه، لخلو التكبير بل الصلاة عن نية، قال ابن الزاغوني: وكذلك لو اشتغل بفعل يعرض به عن السعي إلى الصلاة. وحكم فسخ النية بعد التكبير حكم الفسخ قبله، ولو تردد في الفسخ فوجهان.
ومقتضى كلام الخرقي: أنه لا يشترط كون التقدم بزمن يسير، وعامة الأصحاب على اشتراط ذلك، والله أعلم.

[رفع اليدين عند افتتاح الصلاة]
قال: ويرفع يديه إلى فروع أذنيه، أو إلى حذو منكبيه.
ش: لا خلاف في رفع اليدين [عند افتتاح الصلاة، لما سيأتي من الأحاديث، واختلفت الرواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في منتهى

(1/540)


الرفع، فروي عنه - وهو المشهور - أن الأفضل الرفع إلى حذو المنكبين] .
455 - لما روى عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، وقال: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» وكان لا يفعل ذلك في السجود» . متفق عليه.
456 - «وعن أبي حميد الساعدي أنه قال في عشرة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنا أعلمكم بصلاته، كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه. قالوا: [صدقت] .» رواه أبو داود [والترمذي وصححه] .
(وعنه) : الأفضل الرفع إلى فروع أذنيه، أي يبلغ بأطراف أصابعه أعلى أذنيه.
457 - لما روى مالك بن الحويرث «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، [وإذا ركع رفع يده حتى يحاذي بهما أذنيه] وإذا رفع رأسه من الركوع رفع وقال: «سمع الله لمن حمده» فعل مثل ذلك» . رواه مسلم وغيره

(1/541)


وهذا يشتمل على زيادة، فالأخذ به أولى.
(والثالثة) : أنه يخير بين هاتين الصفتين، اختارها الخرقي، لصحة الرواية بهما، فدل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مرة يفعل هذا، وتارة يفعل هذا، والله أعلم.

[وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة]
قال: ثم يضع يده، اليمنى على كوعه [اليسرى] .
458 - ش: لما «روى وائل بن حجر [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه حين دخل في الصلاة، ثم التحف بثوبه، ثم وضع اليمنى على اليسرى» ، رواه أحمد ومسلم وفي لفظ لأحمد وأبي داود: وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ والساعد.

قال: ويجعلهما تحت سرته.
ش: هذا إحدى الروايات عن أحمد [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] .

(1/542)


459 - لما روى أحمد، وأبو داود، «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: من السنة وضع الأكف في الصلاة تحت السرة» . والسنة المطلقة تنصرف إلى سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(والرواية الثانية) : الأفضل جعلهما تحت صدره.
460 - لما «روى قبيصة بن هلب، عن أبيه قال: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع يده على صدره» - ووصف يحيى بن سعيد - اليمنى على اليسرى، فوق المفصل، رواه أحمد.
(والثالثة) : التخيير بين الصفتين، اختارها ابن أبي موسى، وأبو البركات، لورود الأمر بهما. قال أبو البركات: وعلى الروايات فالأمر [في الأمرين] واسع، لا كراهة لواحد منهما، [والله أعلم] .

[دعاء الاستفتاح في الصلاة]
قال: ويقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» .

(1/543)


461 - ش: لما روى أبو سعيد الخدري [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة قال: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» . رواه الخمسة.
462 - وروي من حديث عمر، وأنس، وعائشة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -] .
463 - واحتج أحمد بأن عمر كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. ويسمع ذلك.

(1/544)


464 - وروي عن أبي بكر، وعثمان، وابن مسعود ولو استفتح بغير هذا مما روي وصح؛ جاز، نص عليه، [والله أعلم] .

[الاستعاذة في الصلاة]
قال: ثم يستعيذ.
ش: لقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أي: إذا أردت القراءة.
465 - يبينه ما روى أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا قام إلى الصلاة استفتح، ثم يقول: «أعوذ بالله [السميع العليم] ، من الشيطان الرجيم، [من] همزه، ونفخه، ونفثه» .
وصفة الاستعاذة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (في رواية) اختارها القاضي في الجامع الصغير، وأبو محمد في المقنع، لظاهر الآية، وقال ابن المنذر: جاء عن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقول قبل القراءة: «أعوذ بالله من الشيطان

(1/545)


الرجيم» .
(وفي أخرى) : «أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم» لحديث أبي سعيد.
(وفي ثالثة) : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم» . واختارها أبو بكر في التنبيه، والقاضي في المجرد، وابن عقيل، جمعا بين قَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] وقوله: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] .
وفي رواية [رابعة] : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ لأن قوله: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] لا بد أن يقدر فيه: من الشيطان. ويجوز أن يقدر قبل، وأن يقدر بعد، فجمعنا بينهما، عملا بما قال الشيخان، والأمر في هذا واسع، ومهما استعاذ به جاز بلا كراهة.
(تنبيه) : والاستفتاح والاستعاذة مسنونان، نص عليه، محتجا بأن ابن مسعود وأصحابه كانوا لا يعرفون الافتتاح،

(1/546)


يكبرون ويقرءون، وذهب ابن بطة إلى وجوبهما. [والله أعلم] .

[القراءة في الصلاة]
قال: ثم يقرأ: " الحمد لله رب العالمين ".
466 - ش: في الصحيحين عن عائشة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين» .
ولا خلاف في أن القراءة ركن في الصلاة، واختلف في تعيين الفاتحة، فالمعروف المشهور، وعليه الأصحاب تعيينها.

(1/547)


467 - لما روى عبادة بن الصامت [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» . رواه الجماعة.
وفي لفظ: «لا يجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» . رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح.
468 - وعن أبي هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب؛ فهي خداج، هي خداج غير تمام» رواه الجماعة إلا البخاري. والخداج: النقصان في الذات، حكاه أبو عبيد عن الأصمعي.
(وعنه) : لا تتعين، بل يجزئ قراءة آية، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأعرابي: «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» . وتتعين القراءة في كل ركعة

(1/548)


على المذهب بلا ريب، وعنه: تجب في ركعتين لا غير، [والله أعلم] .

قال: يبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم.
469 - ش: لما روى «نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، ثم قرأ بأم القرآن، حتى إذا بلغ {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: آمين. وقال الناس: آمين. ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس من الثنتين: الله أكبر. ثم يقول إذا سلم: والذي نفسي بيده، إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رواه النسائي، ورواه ابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، والخطيب، وصححوه.
470 - «وعن أنس [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] : صليت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . رواه أحمد، والنسائي، وابن خزيمة والدارقطني، وفي لفظ لابن خزيمة، والطبراني: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وأبو بكر، وعمر» ، زاد ابن خزيمة في الصلاة.

(1/549)


(تنبيه) : الإجماع على أن (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بعض آية في سورة النمل واختلف هل هي آية مفردة في أول كل سورة، وفيه روايتان، المنصوص عنه - وعليه عامة أصحابه - نعم، ولا خلاف عنه نعلمه أنها ليست آية من أول كل سورة إلا في الفاتحة، على رواية اختارها ابن بطة، وصاحبه أبو حفص، والمشهور خلافها، والله أعلم.

[الجهر بالبسملة في الصلاة]
قال: ولا يجهر بها.
ش: لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وإن قلنا: إنها من الفاتحة، لما تقدم من حديث أنس.
471 - وفي لفظ البخاري عنه: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر، وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين» . وفي رواية مسلم: لا يذكرون (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في أول قراءة ولا في آخرها. وعن الدارقطني: لم يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجهر حديث، أما عن الصحابة فمنه صحيح، ومنه ضعيف.
وزعم بعض الأصحاب أنا إذا قلنا: إنها من

(1/550)


الفاتحة [جهر بها كما يجهر بالفاتحة] (ونص أحمد) على [أن] من صلى بالمدينة جهر بها، ليبين أنها سنة، لأن أهل المدينة ينكرونها.
472 - كما جهر ابن عباس بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، والله أعلم.

[التأمين بعد قراءة الفاتحة في الصلاة]
قال: فإذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: آمين.
ش: إذا قال المصلي: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: آمين؛ سواء كان منفردا، أو إماما، أو مأموما، قالها إمامه أو لم يقلها.
473 - لما روى أبو هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه، والمنفرد في معناهما، ويجهر بها فيما يجهر به.
474 - لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا تلا: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: «آمين» حتى يسمع من يليه من الصف الأول» . رواه أبو داود، وابن ماجه، وقال: حتى يسمعها أهل الصف الأول، فيرتج [بها] المسجد.

(1/551)


والسنة أن يؤمن المأموم والإمام معا، ليوافقا تأمين الملائكة.
475 - وفي النسائي والمسند من حديث أبي هريرة: «إذا قال الإمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فقولوا: آمين. فإن الملائكة تقول: آمين. وإن الإمام يقول: آمين. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه» .
(وقوله) : إذا أمن الإمام فأمنوا. أي: إذا شرع، أو إذا أراد، جمعا بين الحديثين والمعنى، والله أعلم.

[قراءة السورة بعد الفاتحة في الصلاة]
قال: ثم يقرأ سورة في ابتدائها (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
ش: أما قراءة السورة بعد الفاتحة فسنة مجمع عليها.
476 - لما روى أبو قتادة الأنصاري [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى ويقصر في الثانية، يسمع الآية أحيانا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى ويقصر في الثانية، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية، وفي الركعتين الأخيرتين

(1/552)


بأم الكتاب» . متفق عليه، في أحاديث أخر، وأما كونه يبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم، فقد نص عليه أحمد.
477 - محتجا بأن ابن عمر كان لا يدع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لأم القرآن، وللسورة التي بعدها. والله أعلم.
قال: فإذا فرغ كبر للركوع.
478 - ش: لما روى أبو هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: «سمع الله لمن حمده» حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: «ربنا ولك الحمد» ثم يكبر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس» . متفق عليه.
وهذا التكبير واجب في رواية مشهورة، وفي أخرى فرض، وفي ثالثة فرض إلا في حق المأموم فواجب، وفي رابعة سنة، أما الركوع فركن بالإجماع، قال سبحانه:

(1/553)


{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] الآية.

[رفع اليدين عند الركوع]
قال: ويرفع يديه كرفعة الأول.
ش: يعني إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، وقد تقدم ذلك والخلاف فيه، والأصل في الرفع (هنا) حديث ابن عمر، ووائل بن حجر وقد تقدما.
479 - «وعن أبي حميد الساعدي أنه قال في عشرة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدهما أبو قتادة: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قالوا: ما كنت أقدمنا له صحبة، ولا أكثرنا له إتيانا. قال: بلى. قالوا: فاعرض. فقال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما، ورفع يديه حتى يحاذي منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: " الله أكبر " وركع، ثم اعتدل، فلم يصوب رأسه ولم يقنعه، ووضع يديه على ركبتيه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده» ورفع يديه واعتدل، حتى يرجع كل عظم موضعه معتدلا، ثم هوى إلى الأرض ساجدا، ثم قال: «الله أكبر» ، ثم ثنى رجليه وقعد عليها، واعتدل، حتى يرجع كل عظم موضعه، ثم نهض، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك، حتى إذا قام من السجدتين كبر، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما صنع حين افتتح الصلاة، ثم صنع ذلك، حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أخر رجله

(1/554)


اليسرى، وقعد على شقه متوركا، ثم سلم. قالوا: صدقت، هكذا صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وسمى أبو داود في رواية من العشرة أبا هريرة، وأبا أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة.

[صفة الركوع]
قال: ثم يضع يديه على ركبتيه، ويفرج أصابعه.
ش: لحديث أبي حميد [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] .
480 - وعن عمر [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: إن الركب سنت لكم، فخذوا بالركب. رواه النسائي والترمذي وصححه.

قال: ويمد ظهره، ولا يرفع رأسه ولا يخفضه.
ش: لحديث أبي حميد.
481 - وفي الصحيح عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك» .

(1/555)


482 - وعن وابصة بن معبد، قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي، وكان إذا ركع سوى ظهره، حتى لو صب عليه الماء لاستقر» . رواه ابن ماجه. وقدر الإجزاء الانحناء، بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه، لأنه لا يسمى راكعا [بدونه] ، والاعتبار بمتوسطي الناس، لا بطويل اليدين، ولا بقصيرها، قال أبو البركات: وضابط الإجزاء الذي لا يختلف أن يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل، والله أعلم.

[التسبيح في الركوع]
قال: ويقول [في ركوعه] : سبحان ربي العظيم. ثلاثا، وهو أدنى الكمال، وإن قال مرة أجزأه.
483 - ش: عن «حذيفة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم» ، وفي سجوده: «سبحان ربي الأعلى» رواه الجماعة إلا البخاري.
484 - وعن عقبة بن عامر قال: «لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجعلوها في ركوعكم» ، فلما نزلت:

(1/556)


{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجعلوها في سجودكم» رواه أحمد، وأبو داود.
485 - وعن ابن مسعود [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم. ثلاث مرات، فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى. ثلاث [مرات] ، فقد تم سجوده، وذلك أدناه» . رواه أبو داود، والترمذي، وهو مرسل، وإنما أجزأت المرة لظاهر حديث عقبة.
وقد تضمن كلام الخرقي وجوب التسبيح [في الرجوع] وسيصرح به، وهو المشهور لما تقدم. (وعنه) : أنه فرض، (وعنه) : أنه سنة.
(تنبيه) : غاية الكمال لا حد لها عند القاضي، ما لم يطل ما يخاف عليه منه السهو، وقال بعض الأصحاب: غايته أن

(1/557)


يسبح قدر قيامه، لصحة ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقيل: الكمال عشر تسبيحات. هذا كله في المنفرد. أما الإمام فظاهر كلام أحمد واختاره أبو البركات: [أن يستحب] أن يزيد على [أدنى] الكمال قليلا، فيسبح ما بين الخمس إلى العشر، وقال القاضي: لا يستحب الزيادة على الثلاث، حذارا من المشقة على المأمومين. والله أعلم.

[رفع الرأس من الركوع وقول سمع الله لمن حمده]
قال: [ثم يرفع رأسه] ، ثم يقول: سمع الله لمن حمده. [ويرفع يديه كرفعه الأول] .
ش: أي ثم يقول: سمع الله لمن حمده. حين يرفع رأسه من الركوع، أما قوله: سمع الله لمن حمده. فقد تقدم في حديث أبي هريرة، وأبي حميد، وابن عمر، وأما الرفع إذا فتقدم أيضا في حديث ابن عمر، وأبي حميد، ومالك بن الحويرث، وقوله: سمع الله لمن حمده. واجب في المشهور، (وعنه) : سنة، أما الرفع من الركوع والاعتدال عنه ففرضان، لحديث المسيء في صلاته.

قال: ثم يقول: ربنا ولك الحمد.
ش: يعني إذا اعتدل قائما، لما تقدم من حديث أبي هريرة،

(1/558)


وابن عمر، وحكم التحميد في الوجوب حكم التسميع، ويخير بين إثبات الواو وحذفها، والأفضل إثباتها نص عليه.
486 - للاتفاق عليه من رواية أنس، وأبي هريرة، وابن عمر. والأفضل مع تركها: اللهم ربنا لك الحمد. نص عليه.
487 - لأنه متفق عليه من حديث أبي هريرة، ويجوز: ربنا لك الحمد.
488 - لما روى مسلم من حديث أبي سعيد.

(1/559)


489 - و «اللهم ربنا ولك [الحمد] » كما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة وصححه، [والله أعلم] .

قال: ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. فإن كان مأموما لم يزد على قوله: ربنا ولك الحمد.
ش: هذا الذكر مشروع في هذه الحال في الجملة.
490 - لما روى علي بن أبي طالب [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رفع رأسه من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما

(1/560)


بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد» رواه مسلم وغيره.
491 - وعن ابن أبي أوفى مثل ذلك، رواه مسلم.
واختلف عن أحمد لمن شرع هذا الذكر، ولا خلاف عنه أن الإمام يقوله، وكذلك ما قبله.
492 - لحديث علي، وابن أبي أوفي وغيرهما (واختلف عنه) في المنفرد، فالمشهور عنه - وهو اختيار الأصحاب -: أنه يقول الجميع كالإمام، إذ الأصل التأسي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(1/561)


493 - لا سيما وقد عضده قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» .
(وعنه) : يقتصر على التسميع والتحميد، ولا يقول: ملء السماء. إلى آخره، حطا له عن رتبة الأمام، ورفعا له عن رتبة المؤتم، لأنه أكمل منه، لعدم تبعيته.
(وعنه) : يقتصر على التحميد فقط، وفيها ضعف.
أما المؤتم فالمشهور عنه - وعليه جمهور الأصحاب الخرقي وغيره -: أنه يقتصر على التحميد، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد» وظاهره أن التحميد وظيفة المؤتم.
(وعنه) - واختاره أبو البركات -: أنه يأتي بالتحميد، وملء السماء، إلى آخره، لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» . خرج منه التسميع لأنه أمره بالتحميد عقب تسميع إمامه، ولو شرع له التسميع لأمر به عقب تسميع إمامه، كما أمر بالتكبير عقب تسميع إمامه، وهذا اختيار أبي الخطاب، وكلامه محتمل لأنه يسمع أيضا، وعليه اعتمد أبو البركات فقال: ظاهر كلامه أنه يأتي بالتسميع وما بعده، ونفى ذلك أبو محمد فقال: لا أعلم خلافا في المذهب أن المؤتم لا يسمع. والله أعلم.

(1/562)


[التكبير للسجود]
قال: ثم يكبر للسجود، ولا يرفع يديه.
ش: أما التكبير [للسجود] فقد تقدم في حديث أبي هريرة وغيره، وأما عدم الرفع في السجود فلحديث ابن عمر وغيره، وعنه يسن الرفع، والمذهب الأول، وحكم التكبير في السجود والرفع منه حكم التكبير في الركوع، وقد تقدم، [والله أعلم] .

[صفة السجود]
قال: ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه، ثم يداه، ثم جبهته وأنفه.
ش: هذا المشهور عن أحمد، وعليه عامة أصحابه.
494 - لما «روى وائل بن حجر قال: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه» . رواه الخمسة إلا أحمد، وقال الحاكم:

(1/563)


على شرط مسلم. (وعن أحمد) : يضع يديه قبل ركبتيه.

(1/564)


495 - لما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه» . رواه الخمسة إلا ابن ماجه وقد ضعف. والسجود على

(1/565)


هذه الأعضاء فرض، لا يكون ساجدا بدونها، أعني الركبتين واليدين، والجبهة، وكذلك القدمين.
496 - لما روى عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين، والركبتين وأطراف القدمين» متفق عليه، ولمسلم «أمرت أن أسجد على سبع؛ الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين» وقيل عنه: لا

(1/567)


يجب السجود على غير الجبهة، لأنه يسمى ساجدا بوضعها، وإن أخل بغيرها، أما الأنف ففيه روايتان مشهورتان: إحداهما: فرضيته كالجبهة، قال القاضي: اختاره أبو بكر، وجماعة من أصحابنا، لما تقدم من عد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له في المأمور به.
497 - وعن ابن عباس [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض» رواه الدارقطني.
(والثانية) : ليس بفرض. اختارها القاضي، لأنه صح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أعضاء السجود سبعة، وعدها في الصحيح بدونه، وقال: «سبعة أعظم» . وطرف الأنف الذي يسجد عليه ليس بعظم، فعلم أن الإشارة إليه أو عده تنبيه على تبعيته، واستحباب السجود عليه جمعا بين الأدلة، وإلا فيلزم كونها ثمانية، وهو خلاف النص، واستيعاب العضو الواحد بذلك، وهو خلاف الإجماع، فإنه لو سجد على بعض يده - حتى على بعض أطراف أصابعها، أو ظهرها، أو ظهر قدميه - أجزأه.
ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يجب عليه مباشرة المصلى بشيء من أعضاء سجوده، وهو إجماع في القدمين، والركبتين، وقول الجمهور في اليدين.

(1/568)


498 - ويدل عليه ما روى أحمد، وابن ماجه «، عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: جاءنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل، فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد» .
أما الجبهة ففي المباشرة بها قولان مشهوران، هما روايتان عن أحمد، أصحهما عند أبي البركات - واختارها أبو بكر والقاضي - لا يجب.
499 - لما روى «أنس [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: كنا نصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شدة الحر، فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود» . رواه البخاري.
(والثانية) : تجب المباشرة إلا من عذر.
500 - لما روى «خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا» .

(1/569)


(ومحل الروايتين) فيما إذا سجد على كور عمامته أو ذؤابتها، أو ذيله، ونحو ذلك مما هو حامل له منفصل عنه، وأصل السجود فرض بالإجماع، وبنص الكتاب، والله أعلم.

قال: ويكون في سجوده معتدلا.
501 - ش: في الصحيحين عن أنس [رضي لله عنه] عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» .

قال: ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويكون على أطراف أصابعه.
502 - ش: لما روى أبو حميد الساعدي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه» ، رواه الترمذي وصححه، ولأبي داود: كان إذا سجد فرج بين فخذيه، غير حامل بطنه على شيء من فخذيه، [والله أعلم] .

[التسبيح في السجود]
قال: ثم يقول: سبحان ربي الأعلى. ثلاثا، وإن قال مرة أجزأه.
ش: حكم التسبيح في السجود حكم التسبيح في الركوع، وقد تقدم [ذلك] ودليله.

(1/570)


[رفع الرأس من السجود]
قال: ثم يرفع رأسه مكبرا.
ش: أما التكبير فلما تقدم من حديث أبي هريرة وغيره، وأما الرفع والاعتدال عنه، فلحديث الأعرابي: «ثم ارفع حتى تطمئن جالسا» ، وهما فرضان كذلك، والله أعلم.

قال: فإذا جلس واعتدل يكون جلوسه على رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى.
ش: لما تقدم من حديث أبي حميد الساعدي، في عشرة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي الصحيح عن عائشة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] ، «وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى» . والله أعلم.

[الدعاء بين السجدتين]
قال: ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي.
ش: ظاهر كلام الخرقي أن السنة أن يقول رب اغفر لي، مرتين فقط، وهو قول ابن أبي موسى.
503 - لما روى حذيفة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول بين السجدتين: «رب اغفر لي، رب اغفر لي» رواه الخمسة، إلا الترمذي، والمشهور أن حكم: رب اغفر لي، حكم

(1/571)


التسبيح، في أن المرة تجزئه، وأن أدنى الكمال ثلاث، وأن كماله نحو قيامه، أو ما لم يخف منه السهو، أو عشرا على ما تقدم، وحديث حذيفة أراد به التكرار في الجملة لأن في أوله من رواية أبي داود: كان يقعد بين السجدتين نحوا من سجوده.
(وهل) سؤال المغفرة والحال هذه واجب أو مسنون؟ فيه روايتان؛ المشهور الأول. والله أعلم.

قال: ثم يكبر ويخر ساجدا.
ش: أما السجدة الثانية ففرض مجمع عليه، وأما التكبير فلما سبق، ويقول فيها ما يقول في السجدة الأولى من التسبيح. [ولله أعلم] .

قال: ثم يرفع رأسه مكبرا، ويقوم على صدور قدميه، معتمدا على ركبتيه.
ش: أما التكبير حال الرفع فلما تقدم.
504 - وأما القيام على هذه الصفة؛ فلأن في «حديث وائل بن حجر في

(1/572)


لفظ لأبي داود: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه» .
505 - وعن ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة» . رواه أبو داود. [والله أعلم] .

قال: إلا إن يشق ذلك عليه فيعتمد بالأرض.
506 - ش: لأن في حديث مالك بن الحويرث «في صفة صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية جلس، ثم قام واعتمد بالأرض» . رواه النسائي، والبخاري بمعناه، فحملناه على حال العذر لكبر ونحوه، جمعا بينه وبين ما تقدم.

(1/573)


وقد اقتضى كلام الخرقي أنه لا يجلس جلسة الاستراحة، وهو المختار من الروايتين عند ابن أبي موسى، [والقاضي] ، وابنه أبي الحسين، قاله ابن الزاغوني، وجماعة من المشايخ.
507 - لأنه قول عمر، وعلي، وابن مسعود، حكاه أحمد عنهم، وذكره ابن المنذر عن ابن عباس، قال أحمد: وأكثر الأحاديث على هذا. وقال أبو الزناد: تلك السنة. وقال

(1/574)


الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم.
(والرواية الثانية) : أنه يجلس للاستراحة، اختارها أبو بكر عبد العزيز وشيخه أبو بكر الخلال، وزعم أن أحمد رجع عن الأولى لما تقدم

(1/575)


من حديث أبي حميد ومالك بن الحويرث، وحملا على

(1/576)


أنه فعله لما بدن وكبر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكذلك نقول جمعا بين الأدلة، وإلا فمثل هذا لا [يخفى عن] عمر، وعلي، وغيرهما. وعلى هذه الرواية يجلس على قدميه وإليتيه، ويمس بهما الأرض، نص عليه في رواية المروذي، لتفارق الجلسة بين السجدتين.

(1/577)


508 - وعليه يحمل قول ابن عباس في الإقعاء على القدمين: هو سنة نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للاتفاق على أنه لا يستحب في غير هذه الصورة، وقال الآمدي: يجلس على قدميه ولا يلصق إليتيه بالأرض، وزعم أن الأصحاب لا تختلف في ذلك، قال القاضي: ويحتمل أنه يجلس مفترشا، لحديث أبي حميد المتقدم، والله أعلم.

قال: ويفعل في الثانية مثل ما فعل في الأولى.
ش: لأن في حديث الأعرابي: «وافعل ذلك في صلاتك كلها، حتى تقضيها» ويستثنى من ذلك الافتتاح بالتكبير، لأنه وضع للدخول في الصلاة، وكذلك الاستفتاح.
509 - وفي مسلم من حديث أبي هريرة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله

(1/578)


رب العالمين، ولم يسكت» . واختلف في الاستعاذة، فعنه: لا تستثنى، فيستعيذ في كل ركعة، لظاهر قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98]
(وعنه) : استثناؤها، اكتفاء بالاستعاذة في أول مرة، جعلا لقراءة الصلاة وإن تفرقت كالقراءة الواحدة، ولظاهر خبر أبي هريرة، نعم لو نسي التعوذ في الأولى أتى به في الثانية، على كلتا الروايتين. واستثنى أبو الحطاب تجديد النية، لاستصحابها حكما، قال أبو البركات: وترك استثنائها أحسن، لأنها شرط لا ركن، ويجوز أن تتقدم الصلاة اكتفاء بالدوام الحكمي، والله أعلم.

[كيفية الجلوس للتشهد]
قال: فإذا جلس فيها للتشهد يكون كجلوسه بين السجدتين.
ش: يعني إذا صلى الركعة الثانية، وجلس فيها للتشهد، جلس كما جلس بين السجدتين، لما تقدم في حديث أبي حميد الساعدي [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] والله أعلم.

(1/579)


قال: ثم يبسط كفه اليسرى على فخذه اليسرى.
510 - ش: لما روى ابن عمر، قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه التي تلي الإبهام، فدعا بها ويده اليسرى على ركبته، باسطها عليها» . رواه مسلم وغيره، وقوله: على فخذه اليسرى. أي لا يخرج بها عنها، بل يجعل أطراف أصابعه [مسامتة] للركبة [والله أعلم] .

قال: ويده اليمنى على فخذه اليمنى، ويحلق الإبهام مع الوسطى.
ش: أي ويضع يديه اليمنى بقرينة: ويحلق.
511 - لما «روى وائل بن حجر في صفة صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم عقد من أصابعه الخنصر والذي يليها، وحلق حلقة بإصبعه الوسطى على الإبهام، ورفع السبابة يشير بها» . رواه أحمد، وأبو داود. (وعن أحمد) أنه يقبض الثلاث، ويعقد الإبهام كعقد الخمسين، واختارها أبو البركات، والأول اختيار أبي محمد.

(1/580)


512 - لما روى ابن عمر [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قعد في التشهد وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثا وخمسين، وأشار بالسبابة» . رواه أحمد ومسلم.
(وعنه) رواية ثالثة أنه يبسط الجميع، ليستقبل بهن القبلة كما في حال السجود. [والله أعلم] .

قال: ويشير بالسباحة.
ش: سميت مسبحة لأنه يشار بها للتوحيد، فهي منزهة مسبحة، وتسمى سبابة لأنهم كانوا يشيرون بها إلى السب، والأصل في الإشارة بها ما تقدم، وموضع الإشارة بها عند ذكر الله تعالى، للتنبيه على الوحدانية.
513 - وقد روى أبو هريرة أنه رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحد أحد» . رواه النسائي. [والله أعلم] .

[ألفاظ التشهد]
قال: ويتشهد فيقول: «التحيات لله، والصلوات،

(1/581)


والطيبات، والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» . وهو التشهد الذي علمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله بن مسعود [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] .
514 - ش: في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: «كنا إذا جلسنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[في الصلاة] قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان. فسمعنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «إن الله هو السلام، فإذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو» .
وفي لفظ: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن» ، وهذا التشهد هو المختار عند أحمد.
515 - ولو تشهد بغيره مما ثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كتشهد ابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى الأشعري وغيرهم جاز، نص عليه،

(1/582)


وإنما اختار ما تقدم لاتفاق الشيخين عليه، واتفاق ألفاظه، وكون أكثر أهل العلم عليه، وكون الأمر بخلاف ذلك في غيره، ولأنه اختص بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بتعليمه، ففي مسند أحمد أنه أمر ابن مسعود أن يعلمه الناس وهذا التشهد، والجلوس لو واجبان لا سنة على المشهور من الروايتين.
(تنبيه) : قال جماعة من الأصحاب - منهم ابن حامد وغيره -: إنه لو ترك حرفا من تشهد ابن مسعود أعاد الصلاة.
واختار القاضي والشيخان أنه متى ترك شيئا ثابتا في جميع التشهدات أعاد، وإن ترك شيئا ساقطا في بعضها أجزأه

(1/583)


فعلى هذا المجزئ [التحيات] لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، أو عبده ورسوله» .
ومعنى «التحيات» : الملك لله، قاله أبو عمرو وجماعة من أئمة اللغة، وقيل: البقاء. وقيل غير ذلك. والله أعلم.

قال: ثم ينهض مكبرا كنهوضه من السجود.
ش: يعني قائما على صدور قدميه، معتمدا على ركبتيه مكبرا، وقد تقدم التكبير في حديث أبي هريرة وغيره، والله أعلم.

[التورك في الجلوس للتشهد الأخير]
قال: فإذا جلس للتشهد الأخير تورك.
ش: مذهبنا أنه يجلس مفترشا في جميع جلسات الصلاة إلا

(1/584)


في التشهد الأخير من صلاة فيها تشهدان أصليان، فإنه يتورك، والعمدة في ذلك حديث أبي حميد في عشرة من الصحابة، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فإنه وصف جلسته بين السجدتين، وفي التشهد الأول مفترشا، وفي الثاني متوركا. [والله علم] .

قال: فينصب رجله اليمنى، وجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمين، وجعل إليتيه على الأرض.
ش: هذا اختيار القاضي وأبي البركات.
516 - لأن في حديث ابن الزبير: «كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه» . ونقل عنه الأثرم أنه يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويخرجهما من تحته إلى جانب يمينه، واختاره أبو الخطاب لأن في حديث أبي حميد الساعدي: فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة. قال أبو محمد: وأيهما فعل فحسن. وهذا التشهد والجلوس من أركان

(1/585)


الصلاة، أما الأول وجلسته فمن الواجبات، لا من السنن على الصحيح، والله أعلم.

قال: ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان، في الأخير منهما.
ش: قد تقدم ذلك، والله أعلم.

قال: ويتشهد بالتشهد الأول.
517 - ش: روى أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله» . وذكره، والتشهد الأخير والجلوس له ركنان، لهذا الحديث، ولما تقدم أيضا من حديث ابن مسعود.
518 - وقد روى الدارقطني - وقال: إسناده صحيح. «عن ابن مسعود قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقولوا هكذا، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا التحيات لله» .

(1/586)


519 - وروى سعيد عن عمر أنه لا تجزئ صلاة إلا بتشهد، ولا يعرف له مخالف، والله أعلم.

[الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير]
قال: ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ش: لا إشكال في مطلوبية الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأخير، واختلف في حكمها، فعنه أنها فرض، وعنه أنه سنة، وعنه أنها واجبة، وهي اختيار الخرقي، وأبي البركات، ونقل عنه أبو زرعة رجوعه عن الثانية. [والله أعلم] .

قال: فيقول: «اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»
ش؛ هذا هو المشهور من الروايتين، واختيار أكثر الأصحاب.
520 - لما روى كعب بن عجرة قال: قلنا: «يا رسول الله قد علمنا، أو عرفنا، كيف السلام عليك؛ فكيف الصلاة؟ قال: «قولوا

(1/587)


اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» ، متفق عليه، وفي لفظ لمسلم «وبارك» .
(والثانية) يقول: «كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم» ، وكذلك: «كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم» ، اختارها ابن عقيل.
521 - وكذلك روي في حديث كعب، رواه النسائي وأحمد.
وقدر المجزئ من ذلك، الصلاة عليه وعلى آله وآل إبراهيم، وذكر البركة كذلك، إلى «حميد مجيد» اختاره ابن حامد، وأبو الخطاب، لظاهر الأمر بذلك في حديث كعب، واختار القاضي والشيخان أن المجزئ الصلاة عليه فقط، لأنه الذي اتفقت عليه أحاديث الأمر بها، وما عداه سقط في بعضها.
522 - وفي الترمذي - وصححه - عن فضالة بن عبيد قال: «سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا يدعو في صلاته، ولم يصل عليه، فقال النبي

(1/588)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عجل هذا» ، ثم دعاه فقال له، أو لغيره: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم ليصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ليدع بعد بما شاء» . والسنة تقديمه على الصلاة، وترتيبه فإن لم يفعل، بل نكس من غير تغيير ولا إخلال ففي الإجزاء وجهان، وكذلك في إبدال لفظة الآل بالأهل وجهان، والله أعلم.

[الدعاء في التشهد الأخير]
قال: ويستحب أن يتعوذ من أربع فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، وأعوذ بالله من عذاب القبر، وأعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بالله من فتنة المحيا والممات.
523 - ش: في صحيح مسلم وغيره، من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال» .

(1/589)


524 - وفي الصحيح أيضا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدعو بذلك.

قال: فإن دعا في تشهده بما ذكر في الأخبار فلا بأس.
525 - ش: نحو ما روي «عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: علمني دعاء أدعو به في صلاتي. قال: «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» ، متفق عليه.
526 - (وعن علي) [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: «اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت» ، رواه الترمذي وصححه.
527 - «وعن معاذ) بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «إني أوصيك بكلمات تقولهن في كل صلاة، اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» ، رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود.

(1/590)


528 - «وعن عاصم) بن كليب، عن أبيه، عن جده قال: دخلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي وقد قبض أصابعه وبسط السبابة، وهو يقول: «يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك» ، رواه الترمذي.
529 - (وعن شداد) بن أوس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول في صلاته: «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفر لما تعلم» ، رواه النسائي.
ولا يتعين [غير] ما ورد به الخبر، بل ما في معناه، مما يعود إلى أمر الآخرة، ويتضمن قربة وطاعة، كالدعاء

(1/591)


بالرزق الحلال، ونحو ذلك، نص عليه، واختاره وذكره القاضي، واختاره الشيخان، لتضمنه معنى ما ورد به الأثر.
530 - وفي أبي داود أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل: «كيف تقول في الصلاة» ؟ قال: أتشهد ثم أقول: اللهم إن أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حولها ندندن» . وقال أبو محمد: إن ظاهر كلام الخرقي وجماعة من الأصحاب أنه لا يجوز الدعاء بغير مأثور، ولا إشكال أنه لا يجوز على المذهب الدعاء بما يرجع إلى محض طلب الدنيا وشهواتها، نحو: اللهم ارزقني جارية حسناء، وحلة خضراء.
531 - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين، إنما هي التكبير، والتسبيح وقراءة القرآن» ، رواه مسلم وغيره، خرج منه ما ورد، وما في معناه، فيبقى فيما عدا ذلك على مقتضى العموم. (وعن أحمد) جواز

(1/592)


ذلك، قال: إذا دعا في صلاته بحوائجه أرجو أن لا يضره. وذلك لما تقدم من حديث ابن مسعود، والله أعلم.

[السلام من أركان الصلاة]
قال: ثم يسلم عن يمينه، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك.
ش: لا نزاع عندنا في تعيين السلام للخروج من الصلاة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» ، وظاهره أن لا تحليل لها سواه.
532 - وفي الصحيحين من حديث عائشة، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «وكان يختم الصلاة بالتسليم» . وقد قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، إذا تقرر هذا فالمشروع أن يسلم كما ذكر الخرقي، تسليمة عن يمينه، وتسليمة عن يساره.
533 - لما روى عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم عن يمينه، وعن يساره: «السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله» ، حتى يرى بياض خده. ورواه الخمسة ومسلم بمعناه.

(1/593)


534 - «وعن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت أرى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسلم عن يمينه وعن يساره، حتى يرى بياض خده» . رواه مسلم وأحمد والنسائي. والسلام ركن في الجملة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» ، فإن كان في فريضة وفيت التسليمتان، في رواية اختارها أبو بكر، والقاضي. وفي أخرى: الثانية سنة. اختارها أبو محمد. أما صلاة الجنازة، والنافلة، فإن الثانية لا تجب فيهما، قال القاضي: رواية واحدة. وهل يكفي (السلام عليكم) - اختاره القاضي وأبو البركات - أو لا بد مع ذلك من (ورحمة الله) - اختاره أبو الخطاب، وابن عقيل - فيه وجهان، ونص أحمد على الاستجزاء بالسلام في صلاة الجنازة وفيه احتمال، ولا يجزئ: «سلام عليكم» ، منكرا، ولا: «عليكم السلام» ، منكسا، على أصح الوجهين.
ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يشترط أن ينوي بسلامه الخروج في الصلاة، وهو المنصوص، المشهور، إذ هو بعض الصلاة، فشملته نية الصلاة كبقية الأجزاء، واشترطه ابن حامد، قياسا لأحد الطرفين على الآخر، وعلى قوله لو أتى

(1/594)


بنية الخروج مضيفا إليه نية السلام على الحفظة والمصلين جاز، ولم يستحب، نص عليه، وحكى ابن حامد وجها بالبطلان، وعلى الأول لو ترك نية الخروج، ونوى الحاضرين، بطلت صلاته، وجها واحدا عند ابن حامد، والصحيح عند أبي البركات - وزعم أنه المنصوص -: عدم البطلان، والله أعلم.

قال: والمرأة والرجل في ذلك سواء.
ش: لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وغيره من العمومات. [والله أعلم] .

قال: إلا أن المرأة تجمع نفسها في الركوع والسجود، وتجلس متربعة، أو تسدل رجليها، فتجعلهما في جانب يمينها.
535 - ش: روى يزيد بن أبي حبيب، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر على امرأتين تصليان فقال: «إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى بعض، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل» ، رواه أبو داود في مراسيله.
536 - وقال ابن عمر: تقعد المرأة في الصلاة متربعة.

(1/595)


537 - وعن علي [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] : إذا سجدت المرأة فلتحتفز، ولتضم فخذيها. والسدل أفضل من التربع، نص عليه، واختاره الخلال، لأنه يروي عن عائشة، وظاهر كلامه أنه يسن لها رفع اليدين كالرجل، وهو إحدى الروايات.
538 - لما روى سعيد، عن أم الدرداء، أنها كانت ترفع يديها في الصلاة حذو منكبيها. (والثانية) : لا يسن. لإخلاله بالانضمام اللائق بها. (والثالثة) : ترفع دون رفع الرجل قال أبو البركات: وهو أوسط الأقوال. [والله أعلم] .
قال: والمأموم إذا سمع قراءة الإمام فلا يقرأ بالحمد ولا بغيرها، لقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] ، ولما روى أبو هريرة [رضي

(1/596)


الله عنه] أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما لي أنازع القرآن» ، فانتهى الناس أن يقرءوا فيما جهر فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ش: إذا سمع المأموم قراءة الإمام لم يقرأ مطلقا، لما استدل به الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] من الآية والحديث.
539 - (أما الآية) فقال أبو العالية، وزيد بن أسلم: كانوا يقرءون خلف الإمام، فنزلت هذه الآية فتركوا.
540 - ويروى نحوه عن أبي هريرة، وابن المسيب، والحسن، والزهري، والنخعي والقرظي وغيرهم، وقال أحمد في

(1/597)


رواية أبي داود: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة.
541 - (وأما الحديث) فلما روى أبو هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: «هل قرأ أحد منكم معي آنفا؟» فقال رجل: نعم يا رسول الله. فقال: «ما لي أنازع القرآن؟» قال: فانتهى الناس عن القراءة معه، فيما جهر فيه من الصلوات، حين سمعوا ذلك منه» . رواه مالك في الموطأ، والخمسة إلا ابن ماجه، ولأبي داود: وقال أبو هريرة: فانتهى الناس.
وظاهر المنع في كلام الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - التحريم، وبه جزم القاضي في التعليق، وهو ظاهر كلام أحمد، وجعل أبو الخطاب في الهداية - والشيخان - المنع للكراهة.

(1/598)


ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يقرأ وإن لم يمكنه القراءة في حال، وعليه الأصحاب، واختار أبو البركات قراءة الفاتحة لمن تعذرت عليه القراءة في السكتات.
542 - لما روى عبادة بن الصامت قال: «صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: «إني أراكم تقرءون وراء إمامكم» ، قلنا: إي والله. قال: «فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» ، رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، ولأبي داود والنسائي: «فلا يقرأ بشيء من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن» ، ورواه الدارقطني وقال: كلهم ثقات.
ومفهوم كلام الخرقي أن المأموم يقرأ إذا لم يسمع قراءة الإمام، ولا يخلو من أن يكون ذلك لبعده أو لطرشه، فإن كان لبعده قرأ على المنصوص، والمختار للأصحاب، لظاهر الآية الكريمة (وعن أحمد) : لا يقرأ. لما تقدم من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقرؤوا بشيء في القرآن إذا جهرت به» ، فعلى الأولى هل يقرأ من سمع الهمهمة من غير فهم؟ على روايتين. وإن كان عدم سماعه لطرشه فقد توقف، فيخرج على وجهين،

(1/599)


ولعل مبناهما على أن علة المنع الاستماع أو التشويش [على الإمام] والذي ينبغي أن يكونا كلاهما، لورود المنع منهما، وإذا يقرأ إن لم يشوش على الإمام، بل والمأمومين، والله أعلم.

قال: والاستحباب أن يقرأ في سكتات الإمام، وفيما لا يجهر فيه.
ش: لظاهر ما تقدم من حديث أبي هريرة، وعبادة [بن الصامت] (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) .
543 - وعن علي [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] : «اقرءوا في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر خلف الإمام بفاتحة الكتاب وسورة» ، رواه الدارقطني وصححه.
ومقتضى كلام الخرقي أن للإمام سكتات، قال أبو البركات: وهما سكتتان على سبيل الاستحباب، إحداهما تختص بأول ركعة للاستفتاح، والثانية سكتة يسيرة بعد القراءة كلها، ليرد إليه نفسه، لا لقراءة الفاتحة خلفه، على ظاهر كلام أحمد.
544 - وقد روى الحسن عن سمرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت له سكتتان، سكتة حين يفتتح الصلاة، وسكتة إذا فرغ من

(1/600)


السورة الثانية، قبل أن يركع، فكتب ذلك لعمران بن حصين فأنكره، فكتب ذلك إلى أبي بن كعب فقال: صدق سمرة، رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وفي رواية لهم: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] قال أبو البركات: والصحيح في الرواية الأولى، وعلى تقدير ثبوت الثانية فيحمل على سكتة يسيرة لقدر البسملة، وتصوير ما يقرأ من السورة، ونحو ذلك [والله أعلم] .

قال: فإن لم يفعل فصلاته تامة، لأن من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة.
ش: هذا تصريح منه بأن القراءة لا تجب على المأموم مطلقا، وهو المنصوص، المعروف عند الأصحاب، لما تقدم من الآية وحديث أبي هريرة.
545 - (وعنه) أيضا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما جعل الإمام

(1/601)


ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا» ، رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه أحمد ومسلم، فأمر بالقراءة والاستماع، وهو شامل، وإن لم يسكت الإمام.
546 - وروى عبد الله بن شداد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ، رواه سعيد، وأحمد في مسائل ابنه عبد الله، والدارقطني، وروي مسندا من طرق [ضعاف] والصحيح أنه مرسل، وذلك لا يضر عندنا.

(1/602)


وحكى ابن الزاغوني رواية بوجوب القراءة على المأموم، لما تقدم من حديث عبادة في الصحيحين عنه: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وحملا على الاستحباب، مع أن الأول قال أحمد: لا يصح عندنا. وقال: لم يرفعه إلا ابن إسحاق، وظاهر كلام أحمد في رواية أبي الحارث وجوب القراءة حال السر فقط، قال: إذا جهر الإمام فأنصت، وإذا لم يجهر فاقرأ الحمد وسورة؛ وهو نص حديث عبادة، وبه تجتمع الأدلة، والله أعلم.

[الجهر والإسرار في مواضعه في الصلاة]
قال: ويسر القراءة في الظهر والعصر، ويجهر بها في الأوليين من المغرب والعشاء، وفي الصبح كلها.
ش: هذا مجمع عليه، وقد ثبت ذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنقل الخلف عن السلف، وهل الجهر والإخفات في محليهما سنة أو واجب؟ فيه وجهان، المذهب الأول، ومراد الخرقي

(1/603)


- والله أعلم - الإمام، فلا يسن الجهر للمنفرد، وهو المذهب، إذ المقصود إسماع نفسه، نعم يباح له ذلك، وعنه: يسن له.
وقوة كلامه يقتضي أن هذا في الصلاة المؤداة، أما المقضية فإن قضى صلاة سر أسر وإن قضاها ليلا، وإن قضى صلاة جهر؛ جهر إن قضى ليلا، وأسر إن قضى نهارا، على ما قطع به أبو البركات، وفي المغني احتمال بالجهر [إذا] ، وقال: إن ظاهر كلام أحمد التخيير، والله أعلم.

[القراءة في صلاة الصبح]
قال: ويقرأ في الصبح بطوال المفصل.
ش: المفصل أوله قيل: القتال. وقيل: الفتح، وقيل: الحجرات. وقيل: (ق) وهو الصحيح.
547 - لما روى أبو داود عن أوس بن حذيفة، قال: سألت أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل، ورواه أحمد، والطبراني، وفي آخره: وحزب المفصل من (ق) . والأصل في استحباب قراءة طواله في الصبح.

(1/604)


548 - لما «روى جابر بن سمرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الفجر بـ (قاف والقرآن المجيد) ونحوها، وكانت صلاته بعد إلى التخفيف» ، رواه مسلم وغيره.
549 - وصح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة، وفي الظهر بنحو الثلاثين آية، وفي العصر على النصف من ذلك. [والله أعلم] .

[القراءة في صلاة الظهر]
قال: وفي الظهر [في الركعة الأولى] بنحو من الثلاثين آية، وفي الثانية بأيسر من ذلك، وفي العصر على النصف من ذلك.
550 - ش: اتباعا لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما استحب أن يقرأ في الثانية بأيسر من الأولى.

(1/605)


551 - لما ثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يطول الأولى، ويقصر الثانية، ولا اختصاص للظهر بهذا، بل المستحب في جميع الصلوات تطويل الأولى، وتقصير الثانية.

[القراءة في صلاة المغرب]
قال: وفي المغرب بسور آخر المفصل.
552 - ش: روي عن (ابن) عمر قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في المغرب بـ (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) » ، رواه ابن ماجه.

[القراءة في صلاة العشاء]
قال: وفي العشاء الآخرة نحو «الشمس وضحاها» ، وما أشبهها.
553 - ش: عن بريدة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في العشاء بـ (الشمس وضحاها) ، وأشباهها من السور» ، رواه أحمد، والترمذي.
554 - و «في الصحيح أنه قال لمعاذ - لما طول في العشاء - «فلولا

(1/606)


صليت بـ سبح اسم ربك الأعلى» و «الشمس وضحاها» .

قال: ومهما قرأ به بعد أم الكتاب في ذلك كله أجرأه.
ش: يعني أن التفصيل المتقدم على سبيل الاستحباب، ولو زاد على ذلك أو نقص فلا بأس.
555 - فقد صح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قرأ في المغرب بالطور، وبالمرسلات، وبالأعراف، وقرأ في الصبح بالمعوذتين، وفي العشاء وهو مسافر بـ (التين والزيتون) ومقتضى كلامه أن قراءة

(1/607)


الفاتحة واجبة، وقد تقدم ذلك، وكلامه موهم - ويدفع (هذا) الوهم ما يذكره بعد في الأركان - لا بد له من قراءة شيء بعد الفاتحة.

قال: ولا يزيد على قراءة أم الكتاب في الأخريين من الظهر، والعصر، وعشاء الآخر، والركعة الأخيرة من المغرب.
556 - ش: في الصحيحين عن أبي قتادة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الظهر والعصر، في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الركعتين [الأخريين] بفاتحة الكتاب» ، وعن علي أنه كان يأمر بذلك، وقال ابن

(1/608)


سيرين: لا أعلمهم يختلفون في ذلك. ثم هل النفي لعدم الاستحباب، أو للكراهة؟ فيه روايتان، أصحهما عند أبي البركات الأول، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد جاء عنه أنه زاد أحيانا على قراءة الفاتحة في الأخريين، والله أعلم.

[ستر العورة في الصلاة]
[عورة الرجل]
قال: ومن كان من الرجال، وعليه ما يستره ما بين سرته وركبته، أجزأه ذلك.
ش: هذا يتضمن أن عورة الرجل ما بين سرته وركبته، وهذا المشهورة، من الروايات، وعليه العامة.
557 - لما روي عن علي [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت» ، رواه أبو داود وابن ماجه.

(1/609)


558 - «وعن جرهد الأسلمي قال: مر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلي بردة، وقد انكشف فخذي فقال: «غط فخذك، فإن الفخذ عورة» ، رواه أحمد، ومالك في الموطأ، وأبو داود، والترمذي وحسنه.
559 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما بين السرة إلى الركبة عورة» ، رواه الدارقطني.
(والرواية الثانية) : أن السرة والركبة عورة أيضا.
(والثالثة) : - وإليها ميل أبي البركات - أن العورة الفرجان فقط.

(1/610)


560 - لما روت عائشة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان جالسا كاشفا عن فخذه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو وعلى حاله، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عثمان، فأرخى عليه ثيابه، فلما قاموا قلت: يا رسول الله استأذن أبو بكر وعمر، فأذنت لهما وأنت على حالك، فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك. فقال: «يا عائشة ألا أستحيي من رجل والله إن الملائكة تستحيي منه؟» ، رواه أحمد، ومسلم، لكن قال: كاشفا [عن] فخذيه أو ساقيه.
561 - «وعن أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم خيبر انحسر الإزار عن فخذه، وقال: حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رواه أحمد والبخاري، وقال: حديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط.
وقد تضمن كلام الخرقي أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة.

(1/611)


562 - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يطوفن بالبيت عريان» ، متفق عليه، مع تشبيه الطواف بالصلاة.
563 - وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» .
564 - «وقوله (عليه [الصلاة] والسلام لما سأل: أتصلي المرأة في درع وخمار؟ فقال: «إذا كان واسعا يغطي ظهور قدميها» . ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يعفى عن يسير شيء من العورة، وكلامه بعد في عورة المرأة، أصرح من هذا، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، والمشهور والمختار للأصحاب أنه يعفى عن اليسير في جميع الصلاة، كما يعفى عن جميعها في الزمن اليسير.
565 - «لما صح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال للنساء: «لا ترفعن

(1/612)


رؤوسكن حتى يستوي الرجال [جلوسا]- لا ترين عورات الرجال - من ضيق الأزر» ، والمرجع في اليسير إلى العرف، لأنه لم يرد فيه تقدير، والعرف أن المغلظة يفحش منها ما لا يفحش من غير المغلظة، والله أعلم.

قال: إذا كان على عاتقه شيء من اللباس.
ش: يعني [أنه] لا بد للرجل مع ستر عورته من أن يضع على عاتقه شيئا من اللباس فإجزاء الصلاة متوقف على كليهما.
566 - لما روى أبو هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» ، رواه البخاري، ومسلم [وقال: عاتقيه] وهذا نهي، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.
ومقتضى كلام الخرقي أنه لو ستر أحد المنكبين وأعرى الآخر أجزأه، ونص عليه أحمد في رواية مثنى بن جامع،

(1/613)


وزعم القاضي وجماعة أنه لا يكفي ستر أحدهما، وخرج القاضي ومن وافقه من رواية مثنى صحة الصلاة مع كشف المنكبين، وأبى ذلك الشيخان، إجراء لنص أحمد على ظاهره، موافقة للدليل.
ومقتضى كلام الخرقي أن المشترط أن يضع شيئا من اللبس، ولا يشترط ستر جميعه، ولا يكفي وضع حبل ونحوه، وهذا اختيار الشيخين لظاهر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على عاقته منه شيء» ، وهذا على عاتقه منه شيء، واختار القاضي وجوب ستر جميعه، وعاكسه بعضهم فقال: يجزئ ولو حبل أو خيط.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق بين الفرض والنفل، وهو إحدى الروايتين، لعموم ما تقدم، والرواية الثانية يختص ذلك بالفرض، وهو المشهور، واختاره القاضي وغيره.
567 - «لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في ثوب واحد بعضه على عاتقه. رواه أبو داود»

(1/614)


والغالب أن الثوب الواحد لا يسع لذلك مع ستر المنكب، ولأن النفل سومح [فيه] ما لم يسامح في الفرض، والله أعلم.

قال: ومن كان عليه ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك.
ش: لا إشكال في صحة الصلاة في الثوب الواحد إذا ستر العورة، وكان على العاتق منه شيء.
568 - وقد «سأل رجل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: «أولكم ثوبان؟» متفق عليه.
569 - وفي الصحيح أيضا عن جابر بن عبد الله [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كان الثوب واسعا فالتحف به، وإذا كان ضيقا فاتزر به» .
570 - وفي الصحيح عنه أيضا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في ثوب واحد متشحا به» .
وأشعر كلام الخرقي بأن الثوبين أفضل، وهو واضح، لأن سؤال الرجل له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في الثوب الواحد يدل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من عادته الصلاة في ثوبين.

(1/615)


571 - وفي بقية الحديث من [رواية] البخاري: ثم سأل رجل عمر فقال: إذا وسع الله فأوسعوا. والأفضل من الثوبين ما كان أسبغ، والله أعلم.

قال: ومن لم يقدر على ستر العورة صلى جالسا [يومئ إيماء] .
572 - ش: لما روى سعيد بن منصور بإسناده عن نافع عن ابن عمر - في قوم انكسرت بهم مراكبهم في البحر، فخرجوا عراة - قال يصلون جلوسا، يومئون إيمان. ولم ينقل عن صحابي خلافه.
وظاهر كلام الخرقي أن الجلوس على طريق الوجوب، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب، قال: لا يصلون قياما، إذا ركعوا أو سجدوا بدت عوراتهم. لكن عامة الأصحاب على أن الجلوس على سبيل الاستحباب، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم، إذ الستر آكد من القيام والركوع والسجود،

(1/616)


بدليل وجوبه على الراحلة، وفي النافلة، وخارج الصلاة، واشتراط دوامه في جميعها، وهذه الأركان آكد، للإجماع عليها، ولأن الركن من ذات العبادة، والشرط خارج عنها ولأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط، وإذا تقرر أن كل واحد منهما آكد من وجه، خيرناه بينهما، واستحببنا الستر، لأنه أحسن وأليق [بالأدب] وحمل الشيرازي وجها في المنفرد أنه يصلي قائما، قال: بناء على أن الستر كان لمعنى في غير العورة، وهو عن أعين الناس، وأما ما حكاه في المقنع من وجوب القيام، على رواية، فمنكر لا نعرفه، والله أعلم.

[كيفية صلاة العراة]
قال: فإن صلى جماعة عراة كان الإمام معهم في الصف. [وسطا] .
ش: الجماعة مشروعة للعراة كغيرهم، للعمومات، والسنة

(1/617)


أن يقفوا صفا واحدا، والإمام وسطهم، لأنه أستر لهم، ولذلك كانت إمامة النساء في وسطهن.

قال: يومئون إيماء، ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم، و [قد روي] عن أبي عبد الله [- رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى] أنهم يسجدون بالأرض.
ش: المختار لمن عدم السترة أن يومئ بالركوع والسجود لما تقدم، ويكون السجود أخفض من الركوع، محاكاة للبدل بالمبدل، ولو ركعوا وسجدوا جاز، كما تقدم في القيام، وعن أحمد، [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] أنه يلزمهم الركوع والسجود بالأرض، اختارها ابن عقيل، لئلا يسقط فرضين بتحصيل واحد، والله أعلم.

قال: ومن كان في ماء وطين أومأ إيماء.
ش: هذا [المشهور] المعروف من الروايتين، لأنه إن سجد على الماء فالماء لا قرار له، وإن سجد على الطين لحقته مشقة وضرر، وذلك منفي شرعا، وقد صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على راحلته بالإيماء كذلك كما سيأتي إن شاء الله (والرواية الثانية) أن يسجد على متن الماء، محافظة على ما أمكن من

(1/618)


السجود، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» .
وقد شمل كلام الخرقي الراكب، فإنه يصلي على مركوبه - إذا خشي الأذى بالمطر أو الوحل - بالإيماء، إن تعذر عليه الركوع والسجود على ظهر المركوب.
573 - «لما روى يعلى بن مرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه انتهى إلى مضيق، ومعه أصحابه، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فصل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على راحلته، وأصحابه على [ظهور] دوابهم، يومئون إيماء، يجعلون السجود أخفض من الركوع» . رواه الترمذي وغيره (وعنه) المنع.

(1/619)


574 - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صل قائما» ، وغيره وعلى هذا ينزل بالأرض ويصلي كما تقدم.
(تنبيه) : زعم أبو محمد أن المومئ للمطر لا يترك الاستقبال، وفيه نظر، بل ينبغي أنه إذا صلى على الراحلة فحكمه حكم المتطوع عليها، والله أعلم.

[عورة المرأة]
قال: وإذا انكشف من المرأة الحرة شيء سوى وجهها أعادت [الصلاة]
ش: لا خلاف أن للمرأة كشف وجهها في الصلاة لما سيأتي، وقد أطلق أحمد [رحمة الله] القول بأن جميعها عورة وهو محمول على ما عدا الوجه، أو على غير الصلاة، أما ما عدا الوجه، (فعنه) عورة إلا يديها، اختارها أبو البركات، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] .

(1/620)


575 - قال ابن عباس: وجهها وكفاها.
576 - وعن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا بلغت المرأة المحيض فلا تكشف إلا وجهها ويدها» ، ذكره أحمد في رواية عبد الله، ورواه أبو داود، ولفظه: «إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا [وهذا» ] ، وأشار إلى وجهه وكفيه» .
577 - «وعن أم سلمة أنها سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتصلي المرأة في درع وخمار، [ليس] عليها إزار؟ قال: «إذا كان الدرع سابغا، يغطي ظهور قدميها» ، رواه أبو داود، (وعنه) : ويديها

(1/621)


أيضا، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار القاضي في التعليق، لأنه لا يلزم كشفها في الإحرام، أشبها سائر بدنها. هذا كله في الحرة البالغة، أما المراهقة فكالأمة على ما سيأتي إن شاء الله [تعالى] لمفهوم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» ، والله أعلم.

[صلاة الأمة مكشوفة الرأس]
قال: وصلاة الأمة مكشوفة الرأس جائزة.
578 - ش: قال ابن المنذر: ثبت أن عمر [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال لأمة رآها مقنعة: اكشفي رأسك لا تتشبهي بالحرائر. ولقد بالغ بعض الأصحاب فقال: لو صلت مغطاة الرأس لم تصح صلاتها. أما ما عدا الرأس فقال ابن حامد وابن عقيل، وأبو الخطاب، والشيرازي، وغيرهم: عورتها كعورة الرجل. وظاهره إجراء روايتي الرجل فيها، وصرح بذلك ابن البنا في الخصال في النكاح، والحلواني، وزعم أبو البركات

(1/622)


أن ما بين السرة والركبة منها عورة إجماعا، وكأنه حمل إطلاق الأصحاب على أنهم فرعوا على المذهب عندهم.
579 - وذلك لما روى أبو داود، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا زوج أحدكم خادمه [عبده أو] أجيره، فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة» ، والمراد بالخادم الأمة، وقال القاضي في [الجامع] : ما عدا رأسها، وساقها، وما يظهر غالبا عورة، وحكاه أبو الحسين نصًّا عن أحمد، إذ الأصل كونها كالحرة لعموم «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» ، ونحوه، لكن ترك ذلك فيما يظهر غالبا، لمشقة احترازها عنه، وشهد له قصة عمر.
580 - وعن علي [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] : تصلي الأمة كما تخرج. رواه الأثرم.
581 - وفي الصحيحين أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أَوْلَمَ على صفية قال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين، أو ما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي ما

(1/623)


ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأ لها خلفه، ومد الحجاب. وقد انتضم من هذا أن [ظاهر] كلام الخرقي في أن ما عدا رأسها عورة لا قائل به فالظاهر أن الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] إنما نص على الرأس لقصة عمر. وقد شمل كلام الخرقي المدبرة، والمعلق عتقها بصفة، والمكاتبة، وخرج من كلامه المعتق بعضها، فإنها كالحرة على الصحيح من الروايتين، والله أعلم.

قال: ويستحب لأم الولد أن تغطي رأسها في الصلاة.
ش: للخروج من الخلاف، إذ قد نقل عن أحمد [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] فيها روايتان، (إحداهما) أن حكمها حكم الحرة اختاره أبو بكر، فيما نقله عنه أبو الحسين، احتياطا للعبادة، إذ قد وجد [فيها] سبب الحرية وجودا لازما، (والثانية) أن حكمها حكم الأمة، وهي اختيار الأكثرين؛ الخرقي، وابن أبي موسى، والقاضي وغيرهم، لأنها رقيقة لم يعتق منها شيء، أشبهت المكاتبة، والله أعلم.

[حكم من ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى]
قال: ومن ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى، أتمها وقضى

(1/624)


المذكورة، وأعاد [الصلاة] التي كان فيها إذا كان الوقت مبقى.
ش: قضاء الصلوات يجب عندنا على الفور حسب الإمكان، ما لم تلحقه مشقة.
582 - لما روى أنس [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» ، متفق عليه.
583 - وعن أبي هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » ، رواه مسلم وغيره، وفي لفظ «فوقتها إذا ذكرها» .
584 - ويجب مرتبا لما «روي عن ابن مسعود [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن المشركين شغلوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن،

(1/625)


ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء» . رواه أحمد، والنسائي، وفعله ورد مبينا للصلاة المؤداة وغيرها، ويعضده قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» .
إذا تقرر هذا فإذا نسي أن عليه صلاة فلم يذكرها [مثلا] حتى شرع في أخرى - كأن ترك صلاة الظهر مثلا، ولم يذكرها حتى شرع في صلاة العصر - فالمشهور الذي عليه الخرقي وجمهور الأصحاب أن الترتيب لا يسقط، لإمكان اعتباره. (وعن) أحمد يسقط في المأموم خاصة، لئلا تفوت الجماعة في الفريضة المؤداة. واختار أبو البركات سقوطه رأسا.

(1/626)


585 - لما روى ابن عباس [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نسي أحدكم صلاة، فذكرها وهو في صلاة مكتوبة، فليبدأ بالتي هو فيها، فإذا فرغ منها صلى التي نسي» ، [رواه الدارقطني] ولأن الحاضرة بالشروع فيها صارت كالمضيقة للوقت، بدليل تحريم الخروج منها لغير غرض. (فعلى هذا) يتم التي هو فيها وتجزئه، ثم يقضي الفائتة، (وعلى المذهب) ظاهر كلام الخرقي أنه يتمها، إماما كان أو مأموما، أو منفردا، والمنصوص عن أحمد أن الإمام يقطعها، معللا بأنهم مفترضون خلف متنفل، وإذا إن صحت صلاة المفترض خلف المتنفل أتمها إمام كغيره. (وعنه في المأموم والمنفرد روايات (أشهرها) : أنهما يتمونها نفلا إما ركعتين وإما أربعا، حذارا من بطلان العمل، وجمعا بين المصلحتين.
(والثانية) : يتمها المأموم دون المنفرد.
586 - لما روى الدارقطني عن ابن عمر [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نسي أحدكم صلاة، فذكرها وهو مع الإمام فليصل مع الإمام، فإذا فرغ من صلاته فليصل [الصلاة]

(1/627)


التي نسي، ثم ليعد صلاته التي صلى مع الإمام» . (والثالثة) : عكس الثانية: يتمها المنفرد دون المأموم، حكاها أبو محمد.
هذا كله بشرط سعة الوقت، كما صرح به الخرقي، أما إن ضاق الوقت فإن الترتيب يسقط كما سيأتي إن شاء الله [تعالى] ثم الأصحاب يشترطون بقاء قدر يسع الإتمام التي هو فيها، وقضاء الفائتة، ثم إعادة الحاضرة، وأبو البركات يقول: إنما يشترط ما يسع عقب الذكر للقضاء، ثم لفعل الحاضرة، إذ إتمام الأولى نفل، فلا يسقط بضيق الوقت عنه ترتيب واجب.

(1/628)


ومقتضى كلام الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] أنه لو لم يذكر حتى فرغ من الصلاة التي صلاها فإنها تصح وتجزئه، وهو المشهور من الروايتين.
587 - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» الحديث (والثانية) : لا تجزئه، مراعاة للترتيب مطلقا، حكاها ابن عقيل.
588 - لما روي عن أبي جمعة حبيب بن سباع «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: «هل علم أحد منكم

(1/629)


أني صليت العصر؟» قالوا: يا رسول الله ما صليتها. فأمر المؤذن فأقام فصلى العصر، ثم أعاد المغرب» . رواه أحمد، وقد ضعف، والله أعلم.

قال: فإن خشي فوات الوقت اعتقد وهو فيها أن لا يعيدها، وقد أجزأته، ويقضي التي عليه.
ش: كأن اعتقاد صيرورتها نفلا إذا ذكر وهو فيها صار لازما، فقال: إذا ضاق الوقت يعتقد أن لا يعيدها، وإلا فالشرط بقاء نيته، والأصل في سقوط الترتيب مع ضيق الوقت، سواء كان في صلاة، أو لم يكن.
589 - لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما التفريط في اليقظة، أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى» ، ولأن في الترتيب تفويتا

(1/630)


للصلاتين، وفي تركه تحصيلا لإحداهما، فكان أولى، ولأن فعل الصلاة في وقتها فريضة، وتأخيرها عنه محرم إجماعا وأصل الترتيب في القضاء على الفور مختلف في وجوبهما، وإذا عند التزاحم مراعاة المجمع عليه أولى، وعلى هذا يقضي [إلى] أن يبقى من وقت الحاضرة بقد فعلها، فإذا يأتي بها، ولا تصح منه قبل ذلك. (وعن أحمد) رواية أخرى: لا يسقط الترتيب، بل تلزمه الموالاة في الفوائت قدر الطاقة، ولا تحسب له حاضرة ما دام عليه فائتة، اختارها الخلال وصاحبه، لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نسي صلاة فليصليها إذا ذكرها» .
590 - ويروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا صلاة لمن عليه صلاة» إلا أن أحمد قال: لا أعرفه؛ وقد أنكر القاضي هذه الرواية، وحكى عن أحمد ما يدل على رجوعه عنها، وكذلك أبو حفص قال: إما أن يكون قولا قديما أو غلطا، (وعنه) رواية

(1/631)


ثالثة: إن ضاق وقت الحاضرة عن قضاء كل الفوائت سقط ترتيبهن عليها، وكان له فعلها في أول الوقت. حكاها أبو حفص إذا التأخير عن أول الوقت لا تحصل به براءة الذمة بما فيها، فاغتنام التقديم أولى. والأول هو المشهور، اختاره القاضي وغيره، وعليه: لو خالف وصلى الفائتة إذا فهل يصح؟ فيه وجهان.
(تنبيه) : خشية خروج الوقت الاختياري كخشية خروج الوقت بالكلية، فإذا خشي الاصفرار فعل الحاضرة، والله أعلم.

[تأديب الولد على الطهارة والصلاة]
قال: ويؤدب الغلام على الطهارة والصلاة إذا تمت له عشر سنين.
591 - ش: لما روى عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع» ، رواه أحمد، وأبو داود، وأمره بذلك واجب على الولي، نص عليه لظاهر الأمر.

(1/632)


وقوة كلام الخرقي يقتضي أن الصلاة لا تجب عليه، وهو المشهور، المختار من الروايتين.
592 - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة» ، الحديث.
والثانية: تجب على من بلغ عشرا. اختارها أبو بكر، لأنه معاقب إذًا. وهو دليل الوجوب، والله أعلم.

[سجود التلاوة]
[عدد سجدات التلاوة في القرآن]
قال: وسجود القرآن أربع عشرة [سجدة] .
ش: سجدة [في] الأعراف آخرها، وفي الرعد عند: {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15] (15) ، وفي النحل: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] (50) ، وفي سبحان: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] (109) ، وفي مريم: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] (58) ، وفي [أول] الحج: {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] (18) ، وفي الفرقان: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] (60) ، وفي النمل: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] (26) ، وفي [الم] (تنزيل) السجدة: {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] (15) ، وفي حم فصلت: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] (37) ،

(1/633)


اختاره ابن أبي موسى، وقيل عند: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] (38) ، اختاره الأكثرون، فظاهر كلام أحمد التخيير بينهما، وفي آخر الحج: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] (77) ، وفي النجم: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] ، وفي الانشقاق: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] (21) ، وفي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] آخرها. فأما العشر الأول فبالإجماع، وأما ثانية الحج.
593 - فلما «روى عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قلت: يا رسول الله أفضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال: «نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما» ، رواه أحمد وأبو داود، واحتج به أحمد في رواية عبد الله. وأما سجدة النجم.
594 - فلما «روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون، والجن والإنس» . رواه البخاري وغيره.
595 - «وعن ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] فسجد فيها، وسجد من كان معه، غير أن شيخا أخذ كفا من حصباء أو

(1/634)


تراب، فرفعه إلى جبهته وقال: يكفيني هذا. قال عبد الله: فلقد رأيته بعد قتل كافرا» . متفق عليه. وأما سجدة الانشقاق، و (اقرأ باسم ربك) .
596 - فلما «روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سجدنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] » . رواه مسلم وغيره.
وظاهر كلام الخرقي أن سجدة (ص) وهي عند: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] ، ليست من عزائم السجود، وهو المشهور، المختار من الروايتين.
597 - لما «روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: ليست (ص) من عزائم السجود، وقد رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد فيها» . رواه البخاري وغيره.
598 - وعنه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد في (ص) وقال: «سجدها داود توبة، وسجدناها شكرا» ، رواه النسائي، وعلى هذا إن

(1/635)


سجد خارج الصلاة سجد تأسيا، وإن سجد في الصلاة ففي الجواز وجهان.
(والرواية الثانية) هي من عزائم السجود، يسجد لها في الصلاة وغيرها.
599 - لما «روى عمرو بن العاص أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان» . رواه أبو داود، وفيه ضعف، مع أنا نقول بموجبه لأنا نسميها سجدة، والله أعلم.

قال: في الحج منها اثنتان.
ش: قد تقدم هذا [والله أعلم] .

[شروط صحة سجود التلاوة]
قال: ولا يسجد إلا وهو طاهر.
ش: لأنه صلاة، فيدخل في عموم الأدلة المقتضية لذلك، ولأنه سجود

(1/636)


أشبه سجود السهو، وحكمه في بقية [شرائط] الصلاة - من الستارة، واستقبال القبلة - حكم صلاة التطوع، والله أعلم.

[كيفية سجود التلاوة]
قال: ويكبر إذا سجد.
ش: يكبر إذا سجد، في صلاة كان أو غيرها، لعموم، «تحريمها التكبير» .
600 - «وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه» ؛ رواه أبو داود.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يزيد على ذلك، لظاهر حديث ابن عمر، وقال غيره: يكبر إذا رفع، قياسا على سجود السهو والصلب، وغالى أبو الخطاب فقال: يكبر للإحرام أيضا.

قال: ويسلم إذا رفع.
ش: يجلس ويسلم على المشهور، المختار من الروايتين، لعموم: «تحليلها التسليم» ، (والثانية) : لا يسلم فيه، لأنه لم

(1/637)


يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويكتفي بتسليمة واحدة عن يمينه، نص عليه، وعنه: بل اثنتان.
601 - وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روايتان. قال: ولا [يجوز أن] يسجد في الأوقات التي لا يجوز أن يصلي فيها تطوعا.
ش: هذا فرع أن ذات السبب لا تفعل في وقت النهي، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

قال: ومن سجد فحسن، ومن ترك فلا شيء عليه.
ش: السجود للتلاوة سنة، لا يأثم تاركه على المشهور.
602 - لما «روى زيد بن ثابت قال: قرأت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (والنجم) فلم يسجد فيها. رواه الجماعة» ، وفي لفظ للدارقطني: فلم يسجد منا أحد.

(1/638)


603 - وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد، وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه البخاري، ومالك في الموطأ، وقال فيه: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء. وهذا الذي قاله بمحضر من الصحابة، ولم ينكره أحد، فصار إجماعا، وعن أحمد ما يدل على وجوبه في الصلاة، والله أعلم.

[الحكم لو حضرت الصلاة والعشاء]
قال: وإذا حضرت الصلاة والعشاء بدئ بالعشاء.
604 - ش: لما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء» متفق عليه.
605 - وعنها أيضا قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان» والمنع على سبيل الكراهة عند الأصحاب، فلو خالف وصلى صحت صلاته إجماعا، ولا بد في الكراهة أن تطلبه نفسه، أما إن لم تطلبه فلا كراهة، والله أعلم.

(1/639)


[الحكم لو حضرت الصلاة وهو محتاج إلى الخلاء]
قال: وإذا حضرت الصلاة وهو محتاج إلى الخلاء بدأ بالخلاء [والله أعلم] .
ش: لحديث عائشة المتقدم.
606 - وعن عبد الله بن الأرقم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء» رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه، فإن خالف وصلى صحت صلاته، على المنصوص، والمختار للأكثرين، [إذ غايته] اشتغال سره، وهذا لا يمنع الصحة، كما لو كان له مال خشي تلفه، ونحو ذلك، وحملا للنص على الكراهة، ونقل عنه حرب يعيد، عملا بظاهر النص، وقال ابن أبي موسى: إن أشغل عن الصلاة، أو عن إتمامها أعاد في الظاهر من قوله، وظاهر كلام الخرقي أنه يبدأ بالعشاء والخلاء وإن خشي فوات الجماعة، وهو صحيح، لعموم ما تقدم، والله أعلم.

(1/640)