شرح الزركشي على مختصر الخرقي

 [باب ما يبطل الصلاة إذا ترك عامدا أو ساهيا]
قال: باب ما يبطل الصلاة إذا ترك عامدا أو ساهيا
ش: يعرف من هذا الباب أركان الصلاة، وواجباتها، وسننها. [والله أعلم] .
قال: ومن ترك تكبيرة الإحرام، أو قراءة الفاتحة، وهو إمام أو منفرد، أو الركوع، أو الاعتدال بعد الركوع، أو السجود، أو الاعتدال بعد السجود، أو التشهد الأخير، أو السلام، بطلت صلاته، عامدا كان أو ساهيا.
ش: الصلاة تشتمل على ثلاثة أشياء: أركان، وواجبات، وسنن. وبدأ الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] بذكر الأركان لأنها أهم، وعدها ثمانية: تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع والاعتدال بعده، والسجود والاعتدال بعده، والتشهد الأخير، والسلام، وقد تقدم ذكر ذلك والدليل عليه.
607 - ويدل على أكثرها حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا دخل المسجد فصلى، ثم جاء فسلم على النبي [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل» فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»

(2/3)


ثلاثا، فقال: والذي بعثك بالحق نبيا لا أحسن غيره فعلمني. قال: «إذا قمت [إلى] الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها» متفق عليه.
وبقي على الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] القيام في الفريضة مع عدم العذر، فإنه ركن، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمران بن حصين: «صل قائما» ، الحديث رواه البخاري وغيره، وقد يؤخذ من كلامه في صلاة المريض. (وبقي عليه) أيضا الجلوس للتشهد الأخير، (وبقي عليه) أيضا الطمأنينة في هذه الأفعال، الركوع، والاعتدال عنه، والسجود، والاعتدال عنه، فإنها فرض بلا نزاع، لحديث الأعرابي وقد تقدم، وقدر الطمأنينة أدنى سكون بين الخفض والرفع في وجه، وفي آخر - وقواه أبو البركات - بقدر الذكر الواجب فيه، وفائدة الخلاف لو نسي تسبيح الركوع والسجود، ونحو ذلك، واطمأن قدرا لا يتسع له، صحت صلاته على الأول دون الثاني، ولا بد من مراعاة ترتيب الأركان، بأن يأتي بالقيام، ثم الركوع، على ما تقدم، فبعضهم يعده ركنا،

(2/4)


وبعضهم يقول: هو مقوم للأركان، لا تعتبر إلا به، كما أن قراءة الفاتحة ركن، ولا يعتبر إلا بترتيبها، والسجود ولا يعتبر إلا على الأعضاء السبعة، كما تقدم.
وقول الخرقي: أو قراءة الفاتحة وهو إمام أو منفرد. احترازا من المؤتم، فإن القراءة لا تجب عليه كما تقدم، وقوله: بطلت صلاته عامدا كان أو ساهيا. أما إذا ترك ذلك عمدا فواضح، وأما سهوا فإن ذكره في الصلاة قبل أن يشرع في قراءة ركعة أخرى أتي به وبما بعده، لأنه مرتب عليه، وبعد الأخذ في قراءة أخرى تصير عوضا عن الفائت ركنها، وتبطل تلك، وإن ذكره وقد سلم بطلت الصلاة على رأي أبي الخطاب، ومن كلام ابن أبي موسى: والمذهب - وهو المنصوص في رواية الجماعة - اختصاص البطلان بطول الفصل، ثم إن كان المتروك سلاما أتى به فحسب، وإن كان تشهدا أتى [به] وسلم، وإن كان غيرهما أتى بركعة تامة، والله أعلم.

قال: ومن ترك شيئا من التكبير غير تكبيرة الإحرام، أو التسبيح في الركوع، أو التسبيح في السجود، أو قول: سمع الله لمن حمده، أو قول: ربنا ولك الحمد. أو قول: رب اغفر لي، أو التشهد الأول، أو الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(2/5)


في التشهد الأخير، عامدا بطلت صلاته، ومن ترك شيئا منها ساهيا أتى بسجدتي السهو قد صحت صلاته [والله أعلم] .
ش: هذا النوع الثاني مما اشتملت الصلاة عليه، وهو الواجبات، وهو عبارة هنا عما أبطل الصلاة عمده دون سهوه، وهذا لدليل خاص دال عليه، كما سنذكره إن شاء الله تعالى وإلا [فلا] فرق [بينا] عندنا بين الفرض والواجب على الصحيح، وقد تقدم ذكر هذه الواجبات، والخلاف فيها، ونشير هنا إلى دليل المذهب، أما التكبير غير التحريم.
608 - فلما روى أبو موسى الأشعري، في حديث له عن النبي [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] ، قال: «فإذا كبر الإمام وركع فكبروا واركعوا، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا» رواه مسلم وغيره، وظاهر الأمر الوجوب.
609 - وروى رفاعة بن رافع، أن النبي [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] قال في قصة الرجل الذي أمره بإعادة الصلاة: «إنها لن تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، ثم يكبر الله، ويحمده ويمجده، ويقرأ ما تيسر من القرآن، ثم يكبر ويركع، حتى تطمئن مفاصله

(2/6)


وتسترخي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده. ثم يستوي قائما، حتى يقيم صلبه، ثم يكبر ويسجد، حتى يمكن وجهه، أو قال: جبهته، حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ويكبر فيرفع، حتى يستوي قاعدا على مقعدته، ويقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه، ويسترخي ويطمئن، فإذا لم يفعل هكذا لم تتم صلاته» ، رواه النسائي وأبو داود. والظاهر أن المراد بنفي التمام نفي الصحة، لأنه ذكره بيان لما تعاد منه الصلاة، وإنما سقط بالسهو.
610 - لما احتج به أحمد من أنه [صح] عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قام إلى ثالثة ناسيا، وسجد للسهو ولم يعد، وقد ترك بسهوه تكبيرة، مع التشهد، وجلسته.
وأما التسبيح في الركوع والسجود فللأمر به في حديث عقبة بن عامر المتقدم، ولقوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [السجدة: 15]

(2/7)


فأخبر أنه لا يؤمن إلا من سجد إذا ذكر بالآيات، وسبح بحمد ربه، واستدل لذلك أيضا بقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] والمراد الصلاة، وذلك يدل على لزوم التسبيح فيها، كما في قَوْله تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] فإنه يدل على وجوب القيام، وقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] يدل على وجوب القراءة، وفيه نظر، وإنما سقط بالسهو قياسا على تكبيرات الخفض. (وأما) قول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وقول: رب اغفر لي. فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذلك، وواظب عليه، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد» ، وسقط بالسهو قياسا على التكبيرات. (وأما) التشهد الأول فلما تقدم في التشهد الأخير، وإنما قلنا بسقوطه هنا لأنه ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تركه، ولم يعد له، وحكم جلسته حكمه.
وأما الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما تقدم من حديث كعب ابن عجرة، ولظاهر قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] .
611 - وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: «لا صلاة لمن لم يصل على نبيه [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ] رواه ابن ماجه والدارقطني.

(2/8)


612 - وإنما سقط بالسهو لما روى فضالة بن عبيد، قال: «سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا يدعو في صلاته، ولم يصل عليه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عجل هذا» ثم دعاه فقال له أو لغيره: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم ليصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم ليدع بعد بما شاء» رواه الترمذي وصححه، ولم يأمره بالإعادة، وكان جاهلا، والجاهل والناسي فيه سواء.
قال أبو البركات: وعد غير الخرقي مع ذلك نية الخروج، وبعضهم التعوذ والاستفتاح، وقد تقدم ذلك، وعد أبو

(2/9)


محمد في المقنع والمغني التسليمة الثانية، في إحدى الروايتين، وفي الأخرى أنها سنة، وأبو الخطاب، وأبو البركات وغيرهما على الخلاف هل الثانية ركن أو سنة، بل المذهب عند أبي بكر، والقاضي والأكثرين أنها ركن، وقد أشعر كلام الخرقي بأن ما عدا ذلك سنة، والله سبحانه أعلم.