شرح
الزركشي على مختصر الخرقي [باب سجود
السهو]
قال:
باب سجدتي السهو
ش: لا إشكال في مشروعية ذلك في الجملة، والأحاديث مستفيضة بذلك.
قال: ومن سلم وقد بقي عليه شيء من صلاته أتى بما بقي عليه من صلاته وسلم،
ثم [كبر و] سجد سجدتي السهو، ثم تشهد وسلم، لما روى أبو هريرة، وعمران بن
الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أنه فعل ذلك.
ش: قد ذكر الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحكم ودليله، وهو حديث أبي هريرة،
وحديث عمران بن حصين.
(2/10)
613 - أما حديث أبي هريرة ففي الصحيحين،
«عن ابن سيرين، عنه، قال: صلى بنا رسول الله [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -] إحدى صلاتي العشي، فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، فقام إلى خشبة
معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى،
وشبك بين أصابعه، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، ووضع خده
الأيمن على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: أقصرت
الصلاة؟ وفي القوم أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه، وفي القوم رجل يقال له:
ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال «لم أنس، ولم
تقصر» فقال: «أكما يقول ذو اليدين؟» فقالوا: نعم. فتقدم فصلى ما ترك، ثم
سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم كبر وسجد مثل
سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه: ثم سلم؟ فيقول: نبئت أن
عمران بن حصين قال: ثم سلم.»
614 - وأما حديث عمران فرواه مسلم وغيره، ولفظه: «أن رسول الله [- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] صلى العصر، فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل
منزله - وفي لفظ - فدخل الحجرة، فقام إليه رجل يقال له: «الخرباق» وكان في
يده طول، فقال: يا رسول الله. فذكر له صنيعه، فخرج غضبان، يجر رداءه، حتى
انتهى إلى الناس، فقال: «أصدق هذا؟» قالوا: نعم. فصلى ركعة، ثم سلم، ثم سجد
سجدتين ثم سلم» .
(2/11)
615 - وعن عمران بن حصين أيضا «، أن النبي
[- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] صلى بهم فسهى، فسجد سجدتين، ثم
تشهد، ثم سلم» . رواه أبو داود والترمذي.
وقول الخرقي: ومن سلم. أي ساهيا، إذ كلامه في السهو، لأنه لو فعل ذلك عامدا
بطلت صلاته، وقوله: وقد بقي عليه شيء. يشمل القليل والكثير، وكذا أطلق أبو
الخطاب، وأبو محمد، وغيرهما، وشرط أبو البركات أن يكون ذلك من نقص ركعة
تامة فأكثر، أما لو كان النقص سجدة ونحوها فإنه يسجد له قبل السلام، وقد نص
أحمد على ذلك، في رواية حرب، وهو موجب الدليل، لأن قاعدة أحمد أن السجود
كله قبل السلام، إلا في هذين الموضعين
(2/12)
لورود النص بهما، والنص إنما ورد في نقص
ركعة تامة أو ركعتين، فإن كان الخرقي أراد الإطلاق فلعله يقول: لا فرق بين
نقص ركعة وسجدة، فهو من باب لا فارق.
وقوله: أتى بما بقي عليه. مشعر بأن صلاته لا تبطل بالسلام، وهو صحيح إن كان
سلامه ظنا منه أن صلاته قد انقضت، أما لو كان السلام من العشاء [يظن] أنها
التراويح، أو من الظهر يظن أنها جمعة، أو فجر فائتة، فإن الأولى تبطل، ولا
بناء، نص عليه، لاشتراط دوام النية ذكرا أو حكمه، وقد زالت باعتقاد صلاة
أخرى.
وقوله: أتى بما بقي عليه. شرطه أن لا يطول الفصل، ولا يشترط البقاء في
المسجد، نص أحمد على ذلك في رواية ابن منصور، محتجا بحديث عمران بن حصين
المتقدم، وشرط أبو محمد أيضا أن لا ينتقض وضوءه، والذي ينبغي أن يكون حكم
الحدث هنا حكم الحدث في الصلاة هل يبني معه، أو يستأنف، أو يفرق بين حدث
البول والغائط، وغيرهما؟ على الخلاف، وقول الخرقي يشمل وإن دخل في صلاة
أخرى،
(2/13)
وهو المشهور عنه، فعلى هذا يبني ما لم يطل
الفصل، وعنه: يستأنفها، كذا أطلق الرواية أبو البركات، وفي المغني اختصاص
الرواية بما إذا كانت الثانية تطوعا، وقال الشيرازي: يجعل ما عمل في
الثانية تماما للأولى.
(تنبيه) : يتشهد كالتشهد الأخير، قاله السامري، والله أعلم.
قال: ومن كان إماما فشك فلم يدر كم صلى، تحرى، فبنى على أكثر وهمه، ثم سجد
[أيضا] بعد السلام، كما روى عبد الله بن مسعود عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ش: إذا شك الإمام أو المنفرد في عدد الركعات، بنيا على اليقين، على إحدى
الروايات، اختارها أبو بكر، والقاضي، وأبو الخطاب، وأبو البركات.
616 - لما روى عبد الرحمن بن عوف، قال: سمعت النبي [- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] يقول: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر: واحدة صلى
أم اثنتين؟ فليجعلها واحدة، وإن لم يدر: ثنتين صلى أو
(2/14)
ثلاثا. فليجعلها اثنتين، وإن لم يدر: ثلاثا
صلى أم أربعا. فليجعلها ثلاثا، ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس، قبل أن
يسلم سجدتين» رواه أحمد والترمذي وصححه. وروى ذلك من حديث أبي سعيد، رواه
مسلم وغيره، ويحمل تحري الصواب في خبر عبد الله بن مسعود على استعمال
اليقين، لأنه أحوط، فهو أقرب إلى الصواب (والرواية الثانية) يبنيان على
غلبة ظنهما.
617 - لما روى ابن مسعود [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن النبي [- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب،
فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين» متفق عليه، ويحمل ما تقدم على
استواء الأمرين، فإنه لا خلاف إذا في البناء على اليقين.
(2/15)
(والرواية الثالثة) يبني الإمام على غالب
ظنه، والمنفرد على اليقين، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر
بالتحري لما جرى عليه السهو في حال إمامته، فحملناه على من كان مثل حاله،
وحملنا النص باليقين على المنفرد، جمعا بين الأحاديث، والمعنى في ذلك أن
الإمام يبعد غلطه، إذ وراءه من ينبهه، فمتى سكتوا عنه علم أنه على الصواب،
بخلاف المنفرد، وهذه الرواية اختيار الخرقي، وأبي محمد، وقال: إنها
المشهورة. أما المأموم فإنه يرجع إلى فعل الإمام والمأمومين، بناء على [أن]
الإمام إذا سبح به المأمومون أنه يرجع إليهم، كذلك المأموم، وحيث قلنا
بالبناء على غلبة الظن، فإن السجود له بعد السلام، لنص حديث عبد الله بن
مسعود، والله أعلم.
قال: وما عدا ذلك من السهو فسجوده قبل السلام، مثل المنفرد إذا شك في صلاته
فلم يدر كم صلى فبنى على اليقين، أو قام في موضع جلوس، أو جلس في موضع
قيام، أو جهر في موضع تخافت، أو خافت في موضع جهر، أو صلى خمسا، أو ما عداه
من السهو فكل ذلك يسجد له قبل السلام.
ش: ما عدا الصورتين المتقدمتين - وهو ما إذا سلم وقد بقي عليه شيء من
صلاته، وما إذا كان إماما فبنى على غلبة
(2/16)
ظنه، وقد تقدما مع دليلهما من صور سجود
السهو، فإن السجود له قبل السلام، لما تقدم من حديث عبد الرحمن بن عوف، وعن
أبي سعيد نحوه.
618 - وصح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لما ترك التشهد
الأول سجد له قبل أن يسلم.
619 - وعن أبي هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] عن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «إذا صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص،
فليسجد سجدتين وهو جالس، قبل أن يسلم» » وهذا يشمل كل سهو، وهو مقتضى
القياس، خرج منه الصورتان المتقدمتان، لحديث أبي هريرة، وعمران بن حصين،
قال أحمد: لولا ما جاء عنه - يعني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لكان السجود كله قبل السلام، لأنه من تمام الصلاة (وعن أحمد)
رواية أخرى أن السجود كله قبل السلام، لما تقدم من حديث أبي هريرة، (وعنه)
: ما
(2/17)
كان من زيادة فهو بعد السلام، وما كان من
نقص فهو قبله، والأول هو المذهب، وعلى رواية أن الإمام يبني على اليقين،
فالسجود كله قبل السلام إلا في صورة، فيكون في المسألة أربع روايات.
وقول الخرقي: مثل المنفرد إذا شك فبنى على اليقين. قد تقدم ذلك، وأن
المنفرد يبني على اليقين، على الصحيح بلا نزاع.
وقوله: أو قام في موضع جلوس. كما إذا قام عن التشهد الأول، أو عن الأخير،
أو عن جلسة الفصل بين السجدتين، وقوله: أو جلس في موضع قيام. كما إذا جلس
عقب الأولى أو الثالثة في الرباعية، نعم إن كان جلوسه يسيرا فلا [سجود
عليه] . وقوله: أو جهر في موضع تخافت. كالجهر في الظهر ونحوها، أو خافت في
موضع جهر، كأن خافت في الصبح وهو إمام، ونحو ذلك، وقد اختلف عن أحمد [-
رَحِمَهُ اللَّهُ -] هل يسن السجود لهاتين الصورتين وما في معناهما من
السنن.
620 - لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لكل سهو سجدتان»
أم الأولى تركه.
(2/18)
621 - لأن أنسا [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-] جهر في موضع تخافت فلم يسجد، ثم أبو محمد يخص الروايتين بالسنن القولية
دون الفعلية، وأبو الخطاب وأبو البركات يجريانهما في جميع السنن.
وقوله: أو صلى خمسا. يعني إذا كان في رباعية، وكذا أربعا إذا كان في
ثلاثية، وثلاثا إذا كان في ثنائية، ولهذه الصور التي ذكره الخرقي [-
رَحِمَهُ اللَّهُ -] تفاريع وتقاسيم تحتاج إلى بسط وتطويل.
(تنبيه) قال أبو البركات: الخلاف في محل السجود، وهل هو قبل السلام أو بعده
في الاستحباب، أما الجواز فإنه لا خلاف فيه، ذكره القاضي، وأبو الخطاب في
خلافيهما، وظاهر كلام أبي محمد وأكثر الأصحاب خلاف هذا، وفي المستوعب فيما
أظن أو غيره: وكل السهو يوجب السجود قبل السلام، إلا في موضعين، وقد حكى
ابن تميم المسألة على وجهين، والله أعلم.
(2/19)
كلام الخرقي، لما تقدم من حديث عمران بن
حصين، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد للسهو بعد أن
دخل الحجرة، وتلخص أربعة أقوال، اشتراط المسجدية، وقرب الفصل، وإلغاؤهما،
واشتراط الأول دون الثاني، وعكسه.
وقول الخرقي: كبر. وكذلك يكبر في الرفع من السجدتين، لأن في حديث أبي
هريرة: كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، [ثم رفع رأسه ثم سجد مثل سجوده أو
أطول] .
وقوله: وتشهد وسلم. قد تقدم التشهد في حديث عمران بن الحصين، وتقدم السلام
في ما تقدم من الأحاديث، ويسلم تسليمتين، والله أعلم.
قال: وإذا نسي أربع سجدات من أربع ركعات، وذكر وهو في التشهد، سجد سجدة تصح
له ركعة، ويأتي بثلاث ركعات، ويسجد للسهو، في إحدى الروايتين عن أبي عبد
الله، والرواية الأخرى، قال: كأن هذا يلعب، يبتدئ الصلاة من أولها.
ش: الرواية الأولى هي المشهورة، وهي مبنية على أصل لنا،
(2/20)
[نسي أن عليه سجود سهو وسلم]
قال: وإذا نسي أن عليه سجود سهو وسلم،
كبر وسجد سجدتي السهو وتشهد وسلم، ما كان في المسجد وإن تكلم، لأن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد بعد السلام والكلام.
ش: إذا نسي سجود السهو، فلم يذكر حتى سلم فإنه يسجد لذلك بعد السلام، لما
سيأتي من الأحاديث، لكن بشرط بقائه في المسجد، إذ حكم المسجد حكم البقعة
الواحدة، فكأنه باق في مصلاه، ولهذا لو اقتدى بالإمام في المسجد جاز، وإن
لم تتصل الصفوف، والخارج عنه بخلافه، ولا يشترط ترك الكلام.
622 - لما استدل به الخرقي، وهو لفظ رواية ابن مسعود [- رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -] «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد بعد السلام
والكلام» . رواه أحمد ومسلم.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط عدم طول الفصل، والمذهب اشتراطه، لأن سجود
السهو تكملة للصلاة، فلم يجز بناؤه عليها مع طول الفصل، كسائر أفعالها
بعضها على بعض، وكما لو سلم من نقص ركعة، ولم يذكر حتى طال الزمان، فإنه لا
يبني، كذلك هنا، (وعن أحمد) أنه يسجد وإن خرج وبعد، لأنه جبران بعد التحلل
من العبادة، فجاز وإن طال الزمان كجبران الحج، واختار أبو البركات اعتبار
قرب الفصل، وإلغاء البقاء في المسجد، عكس ظاهر
(2/21)
وهو أن من ترك ركنا من ركعة، فلم يذكره حتى
شرع في قراءة ركعة أخرى، فإن المنسي ركنها تلغو، وتصير التي شرع في قراءتها
أولاه، ففي هذه الصورة إذا ترك سجدة من الأولى، فبشروعه في قراءة الثانية
بطلت، وصارت الثانية أولاه، ثم لما ترك من الثانية سجدة، وشرع في قراءة
الثالثة، بطلت الثانية أيضا، وصارت الثالثة أولاه، ثم لما ترك من الثالثة
سجدة، وشرع في قراءة الرابعة بطلت الثالثة أيضا، وصارت الرابعة أولاه، ثم
لما ترك من الرابعة سجدة وذكر [وهو] في التشهد، فإنه يسجد سجدة، لعدم
المقتضي لبطلان الرابعة، وإذا تصح له ركعة، ويأتي بثلاث (والرواية الثانية)
تبطل الصلاة رأسا، وقد علله أحمد بأن هذا كان يلعب، لحصول عمل كثير ملغى في
صلاته.
وقول الخرقي: وذكر وهو في التشهد. يخرج ما إذا ذكر بعد السلام، فإن ابن
عقيل قال: تبطل صلاته. وكذلك قال أبو محمد، زاعما أن أحمد نص على ذلك، في
رواية الأثرم. وقال أبو البركات: إنما يستقيم قول ابن عقيل على قول أبي
الخطاب في من ترك ركنا فلم يذكره حتى سلم، أن صلاته تبطل، فأما على منصوص
أحمد في البناء إذا ذكر قبل أن يطول الفصل، فإنه يصنع كما يصنع إذا ذكر
[وهو] في التشهد. (قلت) : وقياس المذهب قول ابن عقيل، لأن من
(2/22)
أصلنا أن من ترك ركنا من ركعة فلم يذكره
حتى سلم، أنه كمن ترك ركعة، وهنا الفرض أنه لم يذكر إلا بعد السلام، وإذا
كان كمن ترك ركعة، والحاصل له من الصلاة ركعة، فتبطل الصلاة رأسا، والله
أعلم.
[ليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه]
قال: وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو
إمامه فيسجد معه.
ش: هذا إجماع حكاه إسحاق بن راهويه.
623 - ويشهد له قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل
الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا» ،
وصح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لما سجد لترك التشهد
الأول سجد الناس معه.
624 - ولما تكلم معاوية بن الحكم خلفه جاهلا لم يأمره بسجود.
(2/23)
625 - وقد روى الدارقطني، عن ابن عمر، عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «ليس على من خلف الإمام
سهو، فإن سهى فعليه وعلى من خلفه السهو» ، إلا أن إسناده ضعيف.
وظاهر كلام الخرقي أن المسبوق يسجد لسهو إمامه، وإن كان سهوه في غير ما
أدركه فيه، وهو صحيح، لعموم ما تقدم، ولأن صلاته تنقص بمتابعة إمام في صلاة
ناقصة.
ومقتضى كلام الخرقي أن الإمام سهى ولم يسجد أن المأموم لا يسجد، وهو إحدى
الروايتين واختاره أبو بكر وأبو البركات، لأن المأموم إنما سجد تبعا
للإمام، فإذا لم يسجد الإمام لم يسجد المأموم، لعدم المقتضي. (والرواية
الثانية) : يسجد إن يئس ظاهرا من سجود إمامه، اختارها القاضي في التعليق،
وفي الروايتين، وابن عقيل، إذ
(2/24)
صلاته نقصت بنقص صلاة إمامه، فلزمه
جبرانها، كما لو انفرد عن إمامه لعذر، قال أبو البركات: ومحل الروايتين إذا
ترك الإمام السجود سهوا، أما إن تركه عمدا، وهو مما محله قبل السلام، فإن
صلاته تبطل، على ظاهر المذهب، وهل تبطل صلاة من خلفه على روايتين، نعم إن
تركه عمدا لاعتقاده عدم وجوبه، فهو كتركه سهوا عند أبي محمد، والظاهر أنه
يخرج على ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه، [والله أعلم] .
قال: ومن تكلم عامدا أو ساهيا بطلت صلاته، إلا الإمام خاصة، فإنه إذا تكلم
لمصلحة الصلاة لم تبطل صلاته [والله أعلم] .
ش: إذا تكلم عمدا - وهو من يعلم أنه في صلاة، وأن الكلام محرم لغير مصلحة
الصلاة - بطلت صلاته بالإجماع، قاله ابن المنذر، وإن تكلم عمدا لمصلحتها
فروايات، أشهرها - واختارها الخلال، وصاحبه، والقاضي، وأبو الحسين،
والأكثرون - البطلان مطلقا.
(2/25)
626 - لما روى زيد بن أرقم، قال: «كنا
نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت:
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن
الكلام.» متفق عليه، وللترمذي فيه [قال] : «كنا نتكلم خلف رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة» . وزيد مدني، وهو يدل على
أن نسخ الكلام كان بالمدينة، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» . (والثانية) : عدم البطلان
مطلقا، لما تقدم في حديث أبي هريرة من قصة ذي اليدين، وفيها [في] رواية
متفق عليها، لما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لم أنس، ولم
تقصر» قال: بلى قد نسيت يا رسول الله. فتكلم ذو اليدين بعد ما علم النسخ،
بكلام ليس بجواب سؤال، وفي رواية لمسلم، قال: بينما أنا أصلي. وهذا يدل على
أن القصة كانت بحضرته، بعد إسلامه، [وإسلامه] كان
(2/26)
عام فتح خيبر، وتحريم الكلام كان قريبا من
الهجرة قبلها، في قول أبي حاتم بن حبان أو بعدها بقليل، وأيما كان فإسلام
أبي هريرة بعد ذلك بسنين. (والثالثة) تبطل إلا صلاة الإمام خاصة، اختارها
الخرقي، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تكلم وكان إماما،
فتأسينا به، وبقينا في المأموم على عمومات النهي، إذ إلحاقه بذي اليدين
متعذر، لظنه النسخ في وقت يحتمله، وغيره تكلم مجيبا له [- عَلَيْهِ
السَّلَامُ -] وإجابته واجبة حتى في الصلاة.
627 - وروى البخاري «عن أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي في المسجد،
فدعاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم أجبه، ثم
أتيته، وقلت: يا رسول الله، كنت أصلي. فقال: «ألم يقل الله [سبحانه] :
{اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] » ثم
بعض الأصحاب يخص البطلان بمن ظن تمام صلاته، كمن
(2/27)
سلم عن نقصان، ثم تكلم في شأن الصلاة،
لمورد النص، وهو اختيار أبي محمد، والقاضي يجعل الخلاف مطلقا، وهو اختيار
أبي البركات، لأن الحاجة إلى الكلام هنا قد تكون أشد، كإمام نسي القراءة
ونحوها، فإنه يحتاج أن يأتي بركعة، فلا بد له من إعلام المأمومين.
وإن تكلم [سهوا] فروايات أيضا، أشهرها - وهو اختيار ابن أبي موسى، والقاضي
وغيرهما - البطلان لعمومات النهي، وكما في العقود المنهي عنها، الملامسة،
والمنابذة، ونكاح المرأة على عمتها، ونحو ذلك، (والثانية) : عدم البطلان،
لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تكلم معتقدا أنه ليس في صلاة،
وكذلك أصحابه، لظنهم النسخ، فكان كلامهم اعتقادا منهم لإباحته وإلا لما
أقرهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك (والثالثة) : إن كان
لمصلحة الصلاة لم تبطل، وإلا بطلت، اختاره [أبو البركات] لأن كلامه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكلام أصحابه جمع الأمرين، فيبقى
فيما
(2/28)
سواه على قضية عموم التحريم والفساد، ثم هل شرط مالا يبطل كونه يسيرا، وهو
اختيار الشيخين، والقاضي في المجرد، زاعما أنه رواية واحدة، أو لا يشترط،
وهو اختيار القاضي في الجامع الكبير، وقال: إنه ظاهر كلام أحمد؟ وجهان،
[والله أعلم] . |