شرح الزركشي على مختصر الخرقي

[باب الصلاة بالنجاسة وغير ذلك]
قال: وإذا لم تكن ثيابه طاهرة، وموضع صلاته طاهرا أعاد.
ش: اجتناب النجاسة شرط لصحة الصلاة في الجملة.
628 - لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تنزهوا من البول» وقوله في حديث أسماء: «ثم اغسليه ثم صلي فيه» .
629 - وفي حديث النعلين: «فإن رأى فيهما خبثا فليمسحه، ثم ليصل فيهما» .

(2/29)


630 - وعن جابر بن سمرة قال: «سمعت رجلا يسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي؟ فقال: «نعم، إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله» رواه أحمد، وابن ماجه. وقال ابن المنذر: «ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا» والطيبة الطاهرة، والتقييد يقتضي

(2/30)


الاختصاص، وقد قيل في قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أي اغسل.
إذا تقرر هذا فيجب اجتناب النجاسة في ثوبه، وموضع صلاته، وكذلك بدنه بطريق الأولى، وكذلك يجتنب حملها، أو حمل ما يلاقيها، وقال ابن عقيل - فيمن [ألصق ثوبه إلى نجاسة يابسة، على ثوب إنسان بجنبه -: لا تبطل صلاته، وإن] لاقاها ثوبه إذا سجد فاحتمالان، قال أبو البركات: والصحيح البطلان، على ظاهر كلام القاضي، وأبي الخطاب، والله أعلم.

[الصلاة بالمقبرة أو الحش أو الحمام أو أعطان الإبل ونحوها]
قال: وكذلك إن صلى بالمقبرة، أو الحش، أو الحمام، أو أعطان الإبل أعاد.
ش: المشهور من المذهب أن الصلاة في هذه المواضع محرمة، فلا تجزئه.
631 - لما روى أبو سعيد الخدري [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة، والحمام» رواه الخمسة إلا النسائي.

(2/31)


632 - وعن أبي هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل» رواه أحمد، والترمذي، وصححه.
633 - وعن عبد الله بن المغفل، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين» رواه أحمد وغيره، وإذا منع من الصلاة في المقبرة فالحش أولى، لأن كونه مظنة للنجاسة أظهر.
634 - وقد صح عن الصحابة كراهة الصلاة إليه، فالصلاة فيه أولى بالمنع. (وعن أحمد) : تكره وتصح.

(2/32)


635 - لما روى جابر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته» متفق عليه.
636 - ورأى عمر أنسا يصلي عند قبر، فقال: القبر القبر. ولم يأمره بالإعادة، ذكره البخاري في صحيحه، (وعنه) إن علم النهي لم تصح، وإلا صحت، إناطة بالعذر، وألحق عامة الأصحاب بهذه المواضع المجزرة والمزبلة، ومحجة الطريق.
637 - لما روي عن عمر [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «سبع مواطن لا تجوز الصلاة فيها: ظاهر بيت الله، [والمقبرة] ، والمزبلة، والمجزرة، والحمام، وعطن الإبل، ومحجة الطريق» رواه ابن ماجه، وروي أيضا عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(2/33)


وقال الترمذي: إنه أشبه وأصح.
وظاهر كلام الخرقي صحة الصلاة في هذه المواضع، وهو اختيار أبي محمد.
«تنبيه» : لا فرق في المقبرة بين الحديثة والعتيقة، وبين المنبوشة وغيرها، وشرط أبو محمد أن يكون فيها ثلاثة قبور وأزيد، أما لو كان فيها قبر أو قبران فإن الصلاة تصح فيها، (والحش) المرحاض، ولا فرق فيه بين موضع التغوط وغيره، (وأعطان الإبل) هي التي تقيم فيها، وتأوي إليها، نص عليه أحمد.

(2/34)


638 - لأن في بعض ألفاظ الحديث: أنصلي في مبارك الإبل؟ وقيل: مواضع اجتماعها عند المصدر من المنهل، ولا فرق في الحمام بين مسلخه وجوانبه، لشمول الاسم لذلك، أما الأتون فلا يصلى فيه، لكونه مزبلة. (والمجزرة) الموضع المعد للذبح، ولا فرق بين البقعة الطاهرة منه والنجسة، وكذلك لا فرق في المزبلة أن يرمي [فيها] زبالة طاهرة أو نجسة. (ومحجة الطريق) هو الطريق الذي تسلكه المارة،

(2/35)


نعم إن كثر الجمع، واتصلت الصفوف، صحت الصلاة فيه للحاجة، أما الصلاة على ما علا عن جادة المسافر يمنة أو يسرة، فتصح الصلاة فيه [للحاجة] ولا تكره، لأنه ليس بمحجة.
والنهي عن الصلاة في هذه المواضع تعبدي عند الأكثرين، وقيل: بل معلل بكونها مظنة للنجاسات والقاذورات، لعدم صيانتها عن ذلك غالبا، فعلى الأول لا تصح الصلاة في أسطحة هذه المواضع، إذ الهواء يتبع القرار، بدليل تبعه له في مطلق البيع، وتصح على الثاني، والله أعلم.

[حكم من صلى وفي ثوبه نجاسة]
قال: وإن صلى وفي ثوبه نجاسة وإن قلت أعاد.
ش: لعموم ما تقدم، وإنما نص الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] على هذه المسألة، لينبه على مخالفة مذهب الغير، ولما يستثنى منه، وهو قوله:
إلا أن يكون ذلك دما أو قيحا يسيرا، مما لا يفحش في القلب.
639 - ش: لأن ذلك يروى عن جماعة من الصحابة، قال أحمد: جماعة من الصحابة تكلموا فيه.

(2/36)


640 - وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قد كان يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض، فإن أصابها شيء من دمها بلته بريقها، ثم قصعته بريقها. رواه أبو داود، والريق لا يطهره، ومثل هذا لا يخفى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والقيح ونحوه بمنزلة الدم، قال أحمد: هو أسهل من الدم.
واختلف في حد اليسير اختلافا كثيرا، والمشهور أنه ما يفحش في القلب، والظاهر من قول الخرقي [أنه] ما يفحش في قلب كل إنسان بحسبه، وهو اختيار الخلال، وقال: إنه الذي استقر عليه قوله، وإليه ميل الشيخين في كتابيهما الكبيرين، وقال ابن عقيل وأبو البركات في محرره: إنه ما يفحش في نفوس متوسطي الناس، فلا عبرة بالقصابين، ولا

(2/37)


المتوسوسين.
وكلام الخرقي يشمل كل دم، والعفو مختص بدم الطاهر، وهو واضح، وكلامه شامل لدم الحيض، وهو أحد الوجهين، وبه قطع أبو محمد، (والثاني) : لا يعفى عن دم الحيض مطلقا، اختاره أبو البركات، وكذلك الوجهان في الدم الخارج من السبيل، والله أعلم.

قال: وإذا خفي عليه] موضع النجاسة من الثوب استطهر، حتى يتيقن أن الغسل قد أتى على النجاسة.
ش: لأنه قد تيقن نجاسة الثوب، فلا بد من غسل ما يتيقن معه طهارته، إذ اليقين لا يزيله إلا يقين مثله، وصار هذا كمن تيقن الطهارة، وشك في الحدث، أو بالعكس، فلو وقعت النجاسة في أحد الكمين، أو أحد الثوبين، ونحو ذلك، ولم يعلم عينه، لم يحكم بطهارتهما إلا بغسلهما.
وتقييد الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -] بالثوب احترازا مما إذا خفي موضع النجاسة بفضاء واسع، ونحو ذلك، فإنه يتحرى،

(2/38)


ويصلي حيث شاء، دفعا للحرج والمشقة، [والله أعلم] .

[بول الآدمي وبول الحيوان غير مأكول اللحم]
قال: وما خرج من الإنسان أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها، من بول أو غيره فهو نجس.
ش: الخارج من الإنسان ثلاثة [أقسام] :
(طاهر) بلا نزاع، وهو الدمع، والعرق والريق والمخاط، والبصاق.
641 - وفي الصحيح «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس فقال: «ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه، فيتنخع [أمامه؟ أيحب أن يستقبل فيتنخع] في وجهه، فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره، أو تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا» ووصف القاسم، فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه ببعض.
(ونجس) بلا نزاع، وهو البول [والغائط] والودي والدم وما في معناه، والقيء، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تنزهوا من البول» . وقال: «صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء» ، وقال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذه

(2/39)


القاذورات» وقد حكى بعضهم الإجماع على نجاسة البول. (ومختلف فيه) وهو المني، وسيأتي إن شاء الله تعالى، والمذي لتردده بين البول - لكونه لا يخلق منه آدمي - والمني [لكونه ناشئا عن الشهوة، وبلغم المعدة، لتردده بين القيء ونخامة الرأس] .
وما عدا الآدمي على ضربين: مأكول، وغيره. (فالمأكول) بوله وروثه طاهر، على الصحيح المشهور من الروايتين، وهو ظاهر كلام الخرقي.
642 - لأنه أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل ولم يأمرهم بغسل أفواههم، وأباح الصلاة في مرابض الغنم. (وعنه) نجس، لعموم «تنزهوا من البول» ونحوه، وحكم منيه،

(2/40)


وقيئه حكم بوله، أما عرقه، ودمعه، وريقه، ولبنه فطاهر بلا نزاع، وعكسه دمه، وما تولد منه نجس بلا نزاع. (وغير المأكول) على ثلاثة أضرب: (نجس) بلا نزاع، وهو الكلب، والخنزير، وما تولد منهما، أو من أحدهما، فجميع فضلاته نجسة بلا ريب. (ومختلف فيه) وهو البغل، والحمار، وسباع البهائم وجوارح الطير، فإن حكم بنجاستها فهي كالكلب والخنزير، وإن حكم بطهارتها فكالآدمي. (وطاهر) بلا نزاع، وهو الهر وما دونها في الخلقة. وما لا نفس له سائلة، فالهر وما دونها في الخلقة حكم الخارج [منها حكم الخارج] من الآدمي، إلا منيه فإنه نحبس، وما لا نفس له سائلة الخارج منه طاهر.
وإذ قد علمت هذا فكلام الخرقي إن حمل على عمومه في أن كل خارج من الإنسان أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها نجس، وردت عليه صور كثيرة قد تقدمت، وإن حمل على أنه عنى بالخارج: الخارج من السبيلين - كما فسره أبو محمد -

(2/41)


فاتته أحكام كثيرة مع أنه يرد عليه الخارج من سبيل ما لا نفس له سائلة، وقد يقال: مراده العموم، وسلم له في الكلب والخنزير، وما تولد منهما، والبغل والحمار، وسباع البهائم والطير، على المذهب. وأما الهرة فهو قد استثنى سؤرها، ولا شك أن عرقها في معناه، أما لبنها فأظن في نجاسته خلاف، فلعله اختار النجاسة، وأما الآدمي فيرد عليه سؤره، وعرقه، ولبنه، ومخاطه ولعله ترك التنبيه على طهارة ذلك لوضوحه، والله أعلم.

[بول الغلام]
قال: إلا بول الغلام الذي لم يأكل الطعام، فإنه يرش عليه الماء.
ش: ظاهر هذا أن بول الغلام طاهر، وأنه يرش عليه الماء تعبدا [للأثر] ، وحكي هذا عن أبي إسحاق بن شاقلا، والمشهور المعروف في المذهب نجاسته لعموم الأدلة الدالة على نجاسة البول، وإنما اكتفي برشه وهو نضحه، بحيث يغمر، ولا يشترط انفصال الماء عنه، ولا تجفيفه.

(2/42)


643 - لما روت عائشة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] ، قالت: «أتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصبي فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه بوله» - ولمسلم - «فأتبعه بوله، ولم يغسله» .
والاستثناء [في كلام الخرقي] ، قال أبو محمد: [قيل] بمعنى «لكن» والأحسن أنه استثناء من مقدر، والتقدير: وما خرج من الإنسان يجب غسله إلا بول الغلام، [فالاستثناء من قوله: يجب غسله. وقرينة هذا التقدير قوله بالرش في بول الغلام] .
وتقييد الخرقي بالغلام ليخرج الخنثى والأنثى، إذ الرخصة إنما وردت في الغلام، والحكمة فيه أن العرب كانوا يكثرون حمل الذكر، فلو كلفوا بالغسل لأفضى ذلك إلى حرج ومشقة، بخلاف الأنثى فإنهم لم يكونوا يعتادون حملها، أو أن بول الغلام يظهر بقوة فينتشر ويعم الحاضرين، بخلاف بول الأنثى، فإنه لا يتجاوز محله.
644 - وفي المسند، والترمذي وحسنه، عن علي [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] ، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بول الغلام الرضيع ينضح، وبول الجارية يغسل» ، قال قتادة: هذا ما لم يطعما، فإذا طعما غسل بولهما.

(2/43)


وقوله: لم يأكل الطعام. احترازا مما إذا أكل الطعام، والطعام الذي يترتب عليه الغسل الذي يأكله تغذيا واشتهاء، فلا عبرة بلعقة العسل، ونحو ذلك، والله أعلم.

[طهارة المني]
قال: والمني طاهر، وعن أبي عبد الله - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى أنه كالدم.
ش: المشهور المعروف في المذهب أن المني طاهر.
645 - لما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فركا] فيصلي فيه» ، ولو كان نجسا لما أجزأ فركه، كالودي، والمذي.

(2/44)


646 - ولأحمد عنها، «قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر، ثم يصلي فيه، ويحته من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه» .
647 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المني يصيب الثوب، فقال: «إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة» رواه الدارقطني، وروي موقوفا على ابن عباس، (وعن أحمد) رواية أخرى أنه نجس، لأنه يشترك مع البول في مخرجه، وعلى هذا فيجزئ فرك يابسه لمكان النص.
648 - وفي الدارقطني، «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان يابسا، وأغسله إذا كان رطبا» ، لكن قال أحمد: إنما يجزئ الفرك في الرجل دون

(2/45)


المرأة، لأن النص إنما ورد فيه، ولا يحسن إلحاق المرأة به، إذ مني الرجل يذهب غالبه بالفرك لغلظه، بخلاف مني المرأة لرقته، وهل يعفى عن يسيره؟ فيه روايتان، والعفو اختيار الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لجعله كالدم، وهو ظاهر النص، والله أعلم.

[كيفية تطهير الأرض المتنجسة]
قال: والبولة على الأرض يطهرها دلو من الماء.
ش: المذهب المشهور - المختار للشيخين وغيرهما - أن الأرض تطهر إذا عمت بالماء، ولم يبق للنجاسة أثر، وإن لم ينفصل الماء.
649 - لما «روى أنس [بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] ، قال: بينما نحن في المسجد، مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مه مه. قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تزرموه [دعوه] » فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعاه، ثم قال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه» ، متفق عليه، واللفظ لمسلم. (وعن أحمد) رواية

(2/46)


أخرى أن النجاسة إذا كانت قائمة، لم تنشفها الأرض لم تطهر إلا بشرط الانفصال، ويكون المنفصل نجسا، اختاره أبو بكر، والقاضي، وظاهر الخبر خلاف ذلك.
وقول الخرقي: دلو من ماء. اتبع فيه الحديث، وإلا فالمقصود ذهاب النجاسة، وكذلك تقييده بالبول، وخرج بذكر الماء الشمس والريح، والاستحالة، فإنها لا تطهر، والله أعلم.

قال: وإذا نسي فصلى بهم أعاد وحده. [والله أعلم] .
650 - ش: لما روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه صلى بالناس الصبح، ثم خرج إلى الجرف، فأهراق الماء فوجد في ثوبه احتلاما، فأعاد ولم يعد الناس، رواه مالك في الموطأ وغيره.
651 - وكذلك [روي] عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

(2/47)


652 - وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه قال: إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد، ولا آمرهم أن يعيدوا. وهذه قضايا اشتهرت ولم تنكر فتنزل منزلة الإجماع، والمعنى في ذلك أن الجنابة مما يخفى على المأمومين، ويتعذر عليهم معرفتها، ويقع كثيرا فصح الاقتداء معها، بخلاف الستارة ونحوها لظهورها، وبخلاف ترك القراءة ونحوها سهوا لندرة ذلك، وحكى أبو الخطاب في الانتصار رواية [أخرى] بإعادة المأمومين كالإمام، قياسا على بقية الشروط، والأول المذهب. وشرط المسألة أن لا يعلم الإمام ولا المأمومون [بالحدث] إلا بعد الفراغ، فإن علم الإمام والمأمومون في الصلاة بطلت وفسدت صلاتهم، واستأنفوا، نص عليه، وقيل عنه فيما إذا علم المأمومون أنهم يبنون، ولو علم بعض المأمومين دون بعض، اختص البطلان بالعالم عند أبي محمد، والمنصوص [أن] البطلان يعم الجميع.
وتقييد الخرقي الحكم بالجنب [يحتمل لاختصاص الحكم

(2/48)


به، ويحتمل لأن قضاء الصحابة ورد به، وقد ألحق الأصحاب بالجنب] المحدث الحدث الأصغر.
653 - وروي ذلك عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وألحق أبو محمد النجاسة بذلك، إن قيل ببطلان الصلاة بها مع السهو، نظرا إلى أن جميع ذلك يخفى على المأمومين، والله أعلم.