شرح الزركشي على مختصر الخرقي

[باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها]
قال: ويقضي الفوائت من الصلوات الفرض، ويركع للطواف، ويصلي على الجنائز، ويصلي إذا كان في المسجد وأقيمت الصلاة وقد كان صلى، في كل وقت نهى عن الصلاة فيه، وهو ما بعده الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
ش: المعروف المشهور في المذهب أن أوقات النهي خمسة، بعد طلوع الفجر، حتى تطلع الشمس، وبعد الطلوع، حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وبعد العصر حتى تشرع في الغروب، وإذا شرعت [في الغروب] ، حتى تتكامل.

(2/49)


654 - لما روى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الصلاة بعد الفجر، حتى تطلع الشمس، وبعد العصر، حتى تغرب الشمس» .
655 - وعن أبي هريرة مثله.
656 - وعن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد [صلاة] الصبح حتى تطلع الشمس] » متفق عليهن.
657 - «وعن عمرو بن عبسة، قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الصلاة. قال: «صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني الشيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإنه حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء [فصل] فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني الشيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار» رواه أحمد ومسلم.
658 - ولأحمد من «حديث كعب بن مرة، أو مرة بن كعب السلمي،

(2/50)


قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي الليل أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، ثم الصلاة مقبولة حتى يصبح الصبح، ثم لا صلاة حتى تطلع الشمس، وترتفع قيد رمح أو رمحين» مختصر.
659 - «وعن عقبة بن عامر، قال: ثلاث ساعات نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة، حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف للغروب حتى تغرب» ، رواه مسلم وغيره.

(2/51)


وظاهر كلام الخرقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن أوقات النهي ثلاثة، بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب [الشمس] ، وهذا الوقت يشتمل على وقتين كما تقدم، ولعله اعتمد في ذلك على أحاديث عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد المتفق عليهن، فإن المذكور فيهن ذلك، لكن قد صح النهي - من رواية مسلم وغيره - عن الصلاة بعد الطلوع حتى ترتفع، ومن رواية عمرو بن عبسة، وعقبة بن عامر، ويحتمل أنه عبر عن الارتفاع بالطلوع لاتصاله به، فإذا أسقط وقت الزوال لحديث ابن عمر.
660 - لأن ابن عمر [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قال: أصلي كما رأيت أصحابي يصلون. لا أنهى أحدا يصلي بليل أو نهار ما شاء، غير أن لا يتحرى طلوع الشمس ولا غروبها. رواه البخاري.

(2/52)


والمذهب المعمول عليه الأول، لحديث عقبة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] .
إذا تقرر هذا فيستثنى من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات أمور. (منها) قضاء ما عليه من الفوائت المفروضات [بلا نزاع] .
661 - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» ثم تلا: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » وهذا وإن كان عاما من وجه، خاصا [من وجه] ، كما أن أحاديث النهي كذلك، لكن يرجح عليها، لما فيه من الاحتياط لأداء الواجب، وبراءة الذمة، ويلحق بذلك المنذورات، على أشهر الروايتين لاشتراكهما في الوجوب، (ومنها) ركعتا الطواف.
662 - لما روي «عن ابن عباس [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا بني عبد المطلب - أو يا بني عبد مناف - لا تمنعوا أحدا يطوف بالبيت أو يصلي، فإنه لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، إلا عند هذا البيت، يطوفون ويصلون» رواه الدارقطني، ولأن الطواف

(2/53)


جائز في كل وقت، مع كونه صلاة [كما] ورد فكذلك ركعتاه، لأنهما تبع له. (ومنها) الصلاة على الجنائز، بالإجماع فيما بعد الفجر والعصر، قاله ابن المنذر، ولأنها فرض في الجملة أشبهت قضاء الفوائت.
663 - «وعن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ثلاث يا علي لا تؤخرهن، الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها

(2/54)


كفؤا» . (ومنها) إعادة الجماعة، إذا أقيمت، وهو في المسجد.
664 - لما «روى يزيد بن الأسود العامري، قال: شهدت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجته، فصليت معه صلاة الفجر في أول مسجد الخيف، فلما قضى صلاته، إذا هو برجلين في آخر المسجد لم يصليا [معنا] ، فقال: «علي بهما» فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: «ما منعكما أن تصليا معنا» ؟ قالا: يا رسول الله إنا قد صلينا في رحالنا. فقال: «فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه.
وشرط الخرقي وكذلك غيره لإعادة الجماعة في وقت النهي أن يكون في المسجد، وشرط القاضي، وأبو البركات وغيرهما أن يكون المقيم إمام الحي، إذ قضية النص وردت في ذلك، ولم يشترط ذلك أبو محمد، وزعم أنه ظاهر كلام أحمد، وكلام الخرقي محتمل، قال أبو البركات: وهذا إذا منعنا التنفل بما له سبب في وقت النهي، أما إن جوزناه فإنه يجوز إعادة

(2/55)


الفجر والعصر، مع إمام الحي وغيره، ولا يكره له الدخول إذا كان خارج المسجد، لأنه نفل له سبب، أشبه تحية المسجد.
واعلم أن الموضع الذي يجوز فيه صلاتا الطواف، والجنازة، وإعادة الجماعة - بلا نزاع - هو ما بعد الفجر والعصر، أما عند طلوع الشمس وقيامها، وغروبها، ففيه روايتان.
(تنبيه) : أول وقت النهي المتعلق بالفجر طلوعه، على المشهور من الروايتين.
665 - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر» احتج به في رواية صالح، ورواه [هو و] أبو داود من حديث ابن عمر. (والرواية الثانية) - واختارها أبو محمد التميمي -

(2/56)


نفس الصلاة، لأن النهي ورد مقيدا بذلك في حديث أبي سعيد وعمر وغيرهما وهي أصح إسنادا، فعلى الأولى تستثنى ركعتا الفجر بلا خلاف [للحديث] (وآخره) ما لم يبد شيء من الشمس. (وأول الوقت الثاني) بدو شيء من قرص الشمس، إذا ارتفعت قيد رمح، أي قدر رمح. (وأول [الوقت] الثالث) إذا وقف الظل عن التناقص في أعيننا، إلى أن يأخذ في الزيادة.
وأما الوقت الرابع فيتعلق في حق كل إنسان بفراغه من العصر الحاضرة، لا بفعل غيره ولا بفعله عصرا فائتة، ولا بشروعه، ولو صلاها في وقت الظهر جمعا دخل وقت النهي في حقه، وفي المذهب قول آخر فيما أظن أنه بدخول وقت العصر، كما في الفجر، وهو ظاهر كلام الخرقي،

(2/57)


(وآخره) يعرف بأول الوقت الخامس، وهو إذا أخذت الشمس في الغروب عند العامة، وعند الشيخين: إذا اصفرت، (وآخره) كمال غروبها، والله أعلم.

قال: ولا يبتدئ في هذه الأوقات صلاة يتطوع بها.
ش: ما عدا ما تقدم من التطوع على ضربين. (أحدهما) النفل المطلق، ولا خلاف أنه لا يجوز ابتداؤه في أوقات النهي، لما تقدم من نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأمره بالإمساك عن ذلك في هذه الأوقات. (الثاني) النفل المقيد، وهو ما له سبب، كتحية المسجد، وصلاة الكسوف، وسجود التلاوة، وقضاء السنن الراتبة، ونحو ذلك، فهل يجوز ابتداؤه في هذه الأوقات؟ فيه روايتان مشهورتان: (إحداهما) : [الجواز] ، اختارها أبو الخطاب.
666 - لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» .

(2/58)


667 - وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن وتره أو نسيه، فليصله إذا ذكره» .
668 - وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموها فصلوا» وهذا وإن كان عاما من وجه، خاصا من وجه، فيترجح على أحاديث النهي.
669 - بما «روت أم سلمة، قالت: دخل علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم بعد العصر، فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله، صليت صلاة لم أكن أراك تصليها؟ فقال: «إني كنت أصلي ركعتين

(2/59)


بعد الظهر، وإنه قدم وفد بني تميم، فشغلوني عنهما، فهما هاتان الركعتان» متفق عليه.
670 - وعن «قيس بن عمرو، قال: رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا يصلي بعد الصبح ركعتين، فقال له: «أصلاة الصبح مرتين؟» فقال له الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين قبلهما، فصليتهما الآن. فسكت عنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رواه الخمسة إلا النسائي، وإذا ثبت

(2/60)


ذلك في قضاء السنة، مع أنها لا تفوت بالتأخير، فما له سبب مما يفوت بالتأخير أحرى. (والثانية) المنع، واختارها القاضي، والخرقي، لقوله: [ولا يجوز أن يصلي في الأوقات التي لا يجوز أن يصلي فيها تطوعا. وقوله] : وإذا كان الكسوف في غير وقت صلاة، جعل [مكان] الصلاة تسبيحا. وهو ظاهر إطلاقه هنا، وتقييده الفوائت بالفرائض، إذ مفهومه أنه لا يقضي الفوائت النوافل، والأصل في ذلك أحاديث النهي، فإنها عامة في كل صلاة، وإنما يرجح عمومها على أحاديث التحية ونحوها لأنها حاضرة، وتلك مبيحة أو بادئة، وكم بينهما.
671 - وأيضا فروى أبو تميمة الهجيمي، قال: كنت أقص بعد صلاة الصبح فأسجد، فنهاني ابن عمر ثلاثا فلم أنته، ثم عاد فقال: [إني] صليت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومع أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس. رواه أبو داود.

(2/61)


(وأما) صلاته [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] بعد العصر فمن خصائصه، بدليل ما روى أحمد فيه، «أن أم سلمة قالت: يا رسول الله، أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: «لا» . (وأما) حديث قيس بن عمرو ففي إسناده سعد بن سعيد، وقد ضعفه أحمد، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به. مع أن الترمذي قال: ليس بمتصل.
واستثنى ابن أبي موسى من الروايتين قضاء، ورده ووتره بعد طلوع الفجر، حتى يصلي الصبح، وهو حسن، وتابعه أبو محمد، وزاد عليه ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح، وقضاء الراتبة بعد العصر، لحديثي قيس وأم سلمة، وفيه جمود.

(2/62)


وقول الخرقي: ولا يبتدئ مفهومه أنه لو كان في صلاة تطوع أتمها ولم يقطعها، وهو صحيح، لكنه يخففها، وحيث منع من الصلاة فخالف وصلى، لم تنعقد لمكان النهي، إلا أن يكون جاهلا ففيه روايتان، [والله أعلم] .

[كيفية صلاة التطوع]
قال: وصلاة التطوع مثنى مثنى، وإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس.
ش: الأولى في تطوع الليل والنهار كونه مثنى مثنى، أي يسلم من كل ركعتين.
672 - لما روى عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: «سأل رجل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قائم على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: «مثنى مثنى» وفي لفظ «صلاة الليل مثنى مثنى» متفق عليه.
673 - وعنه أيضا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» رواه [الخمسة واحتج به] أحمد وجود إسناده في رواية الميموني، وعن البخاري أنه صححه، وليس بمعارض لما قبله لوقوعه جواب سؤال، ولا مفهوم له اتفاقا. وإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس.

(2/63)


674 - لما روى أبو أيوب «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي قبل الظهر أربعا، لا يفصل بينهن بتسليم» . رواه أبو داود. فلو زاد على أربع

(2/64)


بالنهار، وركعتين بالليل لم يجز عند أبي محمد، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار بعض الأصحاب، مصرحا بالبطلان، لظاهر ما تقدم. مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يثبت عنه في التطوع المطلق خلاف ذلك، ولو جاز لبينه ولو مرة، والمشهور جواز ذلك مع الكراهة، اختاره القاضي، وأبو الخطاب، وأبو البركات.
675 - لما ثبت من صلاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوتر خمسا، وسبعا، وتسعا، بسلام واحد، وهو تطوع، فيلحق به غيره من التطوعات.
676 - وقد روي في حديث أم هانئ أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الضحى يوم الفتح ثمان ركعات، لم يفصل بينهن، إلا أنه مخالف لروايتها

(2/65)


المشهورة أنه سلم بين كل ركعتين، إذ القصة واحدة، مع أن أحمد أنكر هذا، وذكر قول أبي حنيفة: لو أن رجلا صلى ثماني ركعات، لم يسلم إلا في آخرها كان مصيبا، لحديث أم هانئ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى ثمان ركعات لم يسلم إلا في آخرهن» ، قيل لأبي حنيفة: ليس في الحديث لم يسلم.
ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يجوز التطوع بركعة، وهو إحدى الروايتين، ونصبها أبو محمد، لظاهر حديث ابن عمر المتقدم، (والثانية) يجوز، ونصبها أبو البركات.
677 - لأن عمر دخل المسجد فصلى ركعة، فتبعه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنما صليت ركعة، قال: هو تطوع، فمن شاء زاد، ومن شاء نقص.

(2/66)


678 - وصح عن اثني عشر من الصحابة نقض الوتر بركعة، وهي تطوع، وكذلك الخلاف في التطوع بالأفراد كالثلاث ونحوها، والله أعلم.

قال: ويباح له أن يتطوع جالسا.
679 - ش: لما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: لما بدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وثقل كان أكثر صلاته جالسا» . متفق عليه.
680 - «وعن عمران بن حصين، أنه سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صلاة الرجل قاعدا، قال: «إن صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله

(2/67)


نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد» رواه البخاري وغيره.
ومفهوم كلامه شيئان: (أحدهما) : أن الفرض لا يباح جالسا، وهو الركن الذي أهمله، [ثم] (الثاني) : [أنه] لا يباح التطوع مضطجعا، وهو أحد الوجهين، حكاهما في التلخيص، وظاهر كلام الأصحاب، لعموم أدلة فرضية الركوع، والاعتدال [عنه] ، والثاني يباح، وحسنه أبو البركات، لحديث عمران، والله أعلم.

قال: ويكون في حال القيام متربعا، ويثني رجليه في الركوع والسجود.
ش: الأولى لمن صلى جالسا التربع.
681 - لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قالت: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(2/68)


يصلي متربعا» . رواه الدارقطني. وثني رجليه إذا سجد بلا نزاع، لمخالفة هيئة الساجد لهيئة القائم، وكذلك إذا ركع في الأشهر عنه، اعتمادا على [أن] أنسا فعل ذلك [واختاره] الأكثرون، وعنه - واختاره أبو محمد، وحكاه عن أبي الخطاب - لا، لاتفاق حالتي القيام والركوع، والله أعلم.

قال: والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعدا.
ش: من عجز عن القيام صلى جالسا بالإجماع.
682 - «وعن عمران بن حصين]- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة، فقال: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك» رواه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي وزاد «فإن لم

(2/69)


تستطع فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» وكذلك إن قدر على القيام، لكن مع ضرر يلحقه، إما بزيادة مرضه، أو بتباطئ برئه، ونحو ذلك، دفعا للحرج والضرر المنفيين شرعا، [والله أعلم] .

قال: فإن لم يطق جالسا] فنائما.
ش: أي مضطجعا، شبهه بالنائم [لأنه] على هيئته، وكأنه اقتدى بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عمران المتقدم «ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد» والأصل في ذلك ما تقدم من حديث عمران، والأولى أن يصلي على جنبه الأيمن، ووجهه إلى القبلة، ولو صلى على الأيسر كذلك صح، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعين جنبا، وكذلك إن صلى مستلقيا ورجلاه إلى القبلة على الأشهر، لأن المقصود التوجه، واختار أبو محمد المنع.

(2/70)


683 - لما روى الدارقطني، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «يصلي المريض قائما إن استطاع، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الأيمن، مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا، رجلاه [مما] يلي القبلة» ويومئ بالركوع والسجود إن عجز عنهما [لما تقدم، والله أعلم] .

[صلاة الوتر]
قال: والوتر ركعة، يقنت فيها، مفصولة مما قبلها.
ش: لا إشكال [عندنا] في جواز كون الوتر بركعة.
684 - لما روى أبو أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.

(2/71)


685 - «وعن ابن عمر أن رجلا من أهل البادية سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صلاة الليل، فقال بأصبعيه: [هكذا] «مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل» رواه مسلم وغيره. لكن هل يكره إن لم يكن قبلها شفع، وتسمى البتيراء، لحديث ورد بذلك.
686 - أو لا يكره لأنه قد روى عن عشرة من الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، [وعلي] ، وعائشة، وغيرهم: الوتر بركعة.

(2/72)


687 - وحديث البتيراء ضعيف؟ فيه روايتان.
وقوله: والوتر ركعة. يحتمل أن يريد: وأقل الوتر ركعة. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ويحتمل أن يريد أنه حاصل بركعة، أو جائز بركعة، وهذا أظهر، وهذا إذا أوتر بثلاث، أو بإحدى عشرة، أما لو أوتر بخمس، أو بسبع، أو بتسع، فإن الجميع وتر كما ثبت في الأحاديث، وكما نص عليه أحمد، لكن في الخمس يسردها، وفي التسع يجلس عقب الثامنة، فيتشهد، ثم يأتي بالتاسعة ويسلم، وكذلك حكم السبع عند أبي محمد، وعند

(2/73)


أبي البركات، وهو المنصوص حكمها حكم الخمس.
وقوله: مفصولة مما قبلها. هذا كما تقدم فيما إذا أوتر بثلاث، أو بإحدى عشرة.
688 - لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين، ويوتر بواحدة، ويمكث في سجوده قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية. مختصرة» رواه الشيخان.
689 - وروى أبو هريرة [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] ، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس، أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب» رواه الدارقطني، وقال: إسناده ثقات. وإذا كان لم يفصل أشبه المغرب.
690 - «وعن ابن عمر، أن رجلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: «افصل بين الواحدة والثنتين بالسلام» رواه الدارقطني أيضا، ولو لم

(2/74)


يفصل بين الثلاث بسلام جاز، لأنه ورد أيضا إلا أنه يسردها من غير تشهد لتخالف المغرب، فإن جلس في الثانية ففي البطلان وجهان، وله سرد الإحدى عشرة أيضا كالتسع، حتى إن ابن عقيل حكى وجها، أن ذلك هو الأفضل، وليس بشيء.
ويقنت في آخر وتره، على المذهب المشهور.
691 - لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول في آخر وتره: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» رواه الخمسة.
692 - «وعن ابنه الحسن [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] قال: علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلمات أقولهن في قنوت الوتر «اللهم اهدني في من هديت، وعافني في من عافيت، وتولني في من توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت [ولا يعز من عاديت]

(2/75)


تباركت ربنا وتعاليت» رواه الخمسة، وقال الترمذي: لا نعرف عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القنوت شيئا أحسن من هذا. وفي النسائي «وصلى الله على النبي» ، (وعن أحمد) يختص القنوت بالنصف الأخير من رمضان، ومحل القنوت بعد الركوع، ويجوز قبله وقد وردا، والأشهر الأول، ودعاؤه ما تقدم.
وتخصيصه القنوت بالوتر يدل على أنه لا يقنت في غيره من الصلوات، وهو صحيح.

(2/76)


693 - لما «روى أبو مالك الأشجعي، قال: قلت لأبي: قد صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخلف أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ها هنا قريب خمس سنين، أكانوا يقنتون؟ قال: أي بني محدث» . رواه أحمد، والترمذي وصححه. نعم يقنت في النوازل.
694 - لما «روى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قنت شهرا ثم تركه» ، رواه أحمد، وأبو داود.
695 - وعنه: «بعث النبي [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] سبعين رجلا لحاجة، يقال لهم القراء، فعرض لهم حيان من سليم: رعل وذكوان، فقتلوهم، فدعا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم شهرا في صلاة الغداة، وذلك بدو القنوت» ، رواه البخاري. ويختص القنوت بالإمام الأعظم، وبأمير الجيش، لا بكل إمام [على المشهور] وهل محل القنوت الفجر خاصة، أو الفجر والمغرب، أو جميع الصلوات؟ ثلاث روايات، [والله أعلم] .

(2/77)


[قيام شهر رمضان]
قال: وقيام [شهر] رمضان عشرون ركعة، [والله أعلم] .
ش: قيام رمضان - والمراد هنا التراويح - سنة.
696 - لما روى عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله عز وجل فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه [وقامه] إيمانا، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» رواه أحمد والنسائي.
697 - وفي الصحيحين عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى الثانية فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: «قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج

(2/78)


إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم» وذلك في رمضان. وقدر ذلك عشرون ركعة.
698 - لما روى يزيد بن رومان، قال: كان الناس في زمن عمر بن الخطاب [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة. وهذا بحضرة الصحابة، ولم ينقل إنكاره، فكان ذلك إجماعا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(2/79)