شرح الزركشي على مختصر الخرقي

 [باب الحكم فيمن ترك الصلاة]
قال: ومن ترك الصلاة وهو بالغ عاقل، جاحدا لها، أو غير جاحد، دعي إليها في وقت كل صلاة، ثلاثة أيام، فإن صلى وإلا قتل والله أعلم.
ش: التارك للصلاة قسمان: (جاحد) لها، كمن قال: الصلاة غير واجبة، أو غير واجبة علي، (وغير جاحد) ، فالجاحد [لها] لا إشكال في كفره، ووجوب قتله، لأنه مكذب لله تعالى ولرسوله، وحكمه حكم غيره من المرتدين، في أنه يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب بأن أقر بالوجوب وإلا قتل.
وأما التارك لها غير جاحد - بأن يتركها تهاونا أو كسلا - فإنه يقتل عندنا بلا نزاع، لظاهر قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فأباح سبحانه القتل إلى غاية، فما لم توجد الغاية فهو باق على الإباحة.
981 - وفي الحديث: «نهيت عن قتل المصلين» .

(2/269)


982 - وعن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بعث علي وهو باليمن إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذهيبة، فقسمها بين أربعة، فقال رجل: يا رسول الله اتق الله. فقال: «ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله» ثم ولى الرجل. فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا، لعله أن يكون يصلي» فقال خالد: فكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم» فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العلة في منع القتل الصلاة.
983 - وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» متفق عليهما.

(2/270)


984 - وأما قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل دم امرئ مسلم» الحديث فمخصوص بما تقدم، على أنا نقول بموجبه، إذ هذا تارك لدينه، ولا يقتل حتى يدعى إليها، لاحتمال أن يتركها [لعذر] أو لما يظنه عذرا. واختلف بماذا يحكم بقتله، فروي: بترك صلاة واحدة، وبضيق وقت الثانية، وهو المشهور، وظاهر كلام الخرقي.
985 - لما [روى] معاذ بن جبل، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ترك صلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله» رواه أحمد، ولأنه إذا دعي إليها في وقتها فقال: لا أصلي. ولا عذر له فقد ظهر إصراره، فإذا تعين إهدار دمه، زجرا له، وإنما اعتبر ضيق وقت الثانية لأن القتل لها دون الأولى، لأنه لما خرج وقت الأولى، ودعي إليها صارت فائتة والفائتة وقتها موسع

(2/271)


عند جماعة من العلماء، والقتل لا يجب بمختلف في إباحته وحظره، وعلى هذا لو دعي إلى صلاة في وقتها فامتنع حتى فاتت، قتل وإن لم يضق وقت الثانية، نص عليه.
وروي: بترك ثلاث صلوات، وبضيق وقت الرابعة، ليتحقق الإصرار، لأن الصلاة والصلاتين ربما تركا كسلا وضجرا، وقال ابن شاقلا: يقتل بترك الواحدة، إلا إذا كانت الأولى [من المجموعتين، فلا يقتل حتى يخرج وقت الثانية، لأن وقتها وقت الأولى] في حال الجمع، فأورث شبهة هاهنا، وتغالى بعض الأصحاب فقال: يقتل لترك الأولى، ولترك كل فائتة، إذا أمكنه من غير عذر، بناء على أن القضاء عندنا على الفور.
وإذا حكم بقتله فلا بد وأن يستتاب بعد ذلك ثلاثة أيام ويضيق عليه، كي يرجع على المذهب (وعنه) تستحب الاستتابة ولا تجب.
وإذا قتل قتل بالسيف في عنقه. وهل يقتل حدا أو لكفره؟ فيه روايتان (إحداهما) : - وهي اختيار أبي عبد الله بن بطة، وابن عبدوس، وأبي محمد - يقتل حدا.

(2/272)


986 - لما روي عن عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد، من أتى بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له» رواه أحمد.
987 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة، فإن أتمها، وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك» رواه أحمد وأبو داود، والترمذي وحسنه. (والثانية) : وهي ظاهر كلام الخرقي، واختيار الأكثرين - يقتل كفرا -.

(2/273)


988 - لما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» رواه أحمد، [ومسلم، وأبو داود، والترمذي وصححه.
989 - وعن بريدة الأسلمي قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» رواه أحمد» ] والنسائي، والترمذي وصححه.
990 - وقال عمر: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. ذكره أحمد في رسالته.

(2/274)


991 - وقال علي: من لم يصل فهو كافر. رواه البخاري في تأريخه. وعلى هذه الرواية هو كالمرتد، لا يغسل، ولا يصلى عليه ولا يرثه ورثته من المسلمين، إلى غير ذلك من أحكام المرتد. وعلى الأولى كالزاني والقاتل، فتنعكس هذه الأحكام، ويحكم بكفره حيث يحكم بقتله، ذكره القاضي والشيرازي، وهو مقتضى نص أحمد، وإنما يحكم بالكفر والقتل إذا دعي إليها في وقتها، وخوف وهدد، فامتنع مصرا، من غير عذر، أما من تركها في وقتها ولم يدع إليها، وقضاها فيما بعد، أو كان في نفسه قضاؤها، فلا نزاع في عدم تكفيره وقتله، والله أعلم.

(2/275)