شرح الزركشي على مختصر الخرقي

 [كتاب الصيام]
ش: الصيام والصوم مصدر «صام» وفي اللغة: عبارة عن الإمساك، قال الله سبحانه: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] وقال الشاعر:
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أي ممسكة عن الصهيل. وفي الشرع: إمساك مخصوص، في وقت مخصوص، [على وجه مخصوص] وهو من أركان الإسلام المعلومة من دين الله تعالى بالضرورة، وقد شهد لذلك قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] الآية.
1277 - وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» الحديث إلى غير ذلك من الأحاديث، والله أعلم.

[ما يثبت به هلال رمضان]
قال: وإذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوما طلبوا الهلال.

(2/549)


ش: يستحب للناس أن يتراءوا الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، احتياطا لصومهم، وحذارا من الاختلاف.
1278 - وقد روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام» . رواه أحمد وأبو داود، والدارقطني وقال: هذا إسناد صحيح. والله أعلم.

قال: فإن كانت السماء مصحية لم يصوموا ذلك اليوم.
ش: أي طلب الناس الهلال، فإن رأوه وجب صيامه، وهذا إجماع، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] . وإن لم يروه فإن كانت السماء مصحية [لم يصوموا ذلك اليوم] لأنه (إما يوم شك) وهو منهي عن صيامه.
1279 - قال صلة بن زفر: كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه، فأتي بشاة، فتنحى بعض القوم، فقال عمار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه أبو داود، والنسائي،

(2/550)


وابن ماجه [والترمذي] وصححه. (أو غير شك) وقد نهي عنه أيضا.
1280 - فروى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين، إلا أن يكون صوم يصومه رجل، فليصم ذلك اليوم» رواه الجماعة.
1281 - وعن حذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقدموا الشهر، حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدة، ثم تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة» رواه النسائي وأبو داود. وهذا المنع على طريق [الكراهة] عند القاضي وأبي الخطاب، والأكثرين.

(2/551)


ولأبي محمد في الكافي احتمال بالتحريم، وهو ظاهر كلام الخرقي، وكلام صاحب التلخيص في يوم الشك [قال: صيام يوم الشك] منهي عنه، وفي صحته مع النهي ما في الصلاة في أوقات النهي. انتهى وهو مقتضى نصوص أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في رواية أبي داود: الشك على ضربين، فالذي لا يصام إذا لم يحل دون منظره سحاب ولا قتر، والذي يصام إذا حال دون منظره سحاب أو قتر، وفي رواية المروذي: سئل عن نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيام [يوم] الشك، فقال: هذا إذا كان صحوا لم يصم، وأما إن كان في السماء غيم [صام] . وفي رواية الأثرم: ليس ينبغي أن يصبح صائما إذا لم يحل دون منظر الهلال شيء من سحاب ولا غيره. انتهى وذلك لظواهر النصوص.

(2/552)


ويستثنى من المنع النذر، والورد، كمن عادته صوم يوم الخميس فوافق آخر الشهر، أو صوم يوم وفطر يوم للحديث.
«تنبيه» : يوم الشك [قال بعض المتأخرين] : اليوم الذي يتحدث الناس برؤيته ولا يثبت، وحرر القاضي ذلك في تعليقه بأن يكون في الصحو، وزاد عليه: إذا لم يتراء الناس الهلال [حتى جاوز وقت الرؤية أو لم تكن السماء مصحية، وقلنا: لا يجب الصوم] أما إن قلنا بوجوبه فليس بشك [عند القاضي، وهو شك] عند الخلال فيما أظن، وهما روايتان عن أحمد، والله أعلم.

قال: وإن حال دون منظره غيم أو قتر وجب صيامه، وقد أجزأ إن كان من شهر رمضان.
ش: هذا هو المذهب المشهور، المختار لعامة الأصحاب، الخرقي، وابن أبي موسى، والقاضي وأكثر أصحابه.
1282 - لما روى عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا رأيتموه فصوموا، وإن رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له» متفق عليه. أي فضيقوا له العدد، من

(2/553)


قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] الآية أي ضيق عليه رزقه {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26] أي يضيق عليه {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11] أي ضيق {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] أي لن نضيق عليه. وتضييق العدد، بأن يجعل شعبان تسعة وعشرين.
1283 - ويدل على هذا ما في سنن أبي داود وغيره عن نافع قال: وكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعا وعشرين نظر له، فإن رؤي فذاك، وإن لم ير، ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر، أصبح مفطرا، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما، قال: وكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب وهو راوي الحديث وأعلم بمعناه فيرجع إلى تفسيره، كما رجع إلى

(2/554)


تفسيره في «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» فكان إذا بايع رجلا بشيء مشى خطوات لا سيما وهو من أتبع الناس [للسنة] ، ويجوز أن يكون معنى «فاقدروا له» أي اقدروا طلوعه.
1284 - يدل عليه أن في مسلم وسنن أبي داود في الحديث: «إنما الشهر تسع وعشرون، فإذا رأيتموه فصوموا» ، فقوله: «الشهر تسع وعشرون» كالتوطئة [لقوله] : «فاقدروا له» . أي لا تظنوا أن الشهر ثلاثون، إنما هو تسع وعشرون، فإذا مضى تسع وعشرون وغم عليكم، فاقدروا طلوعه، وهذا معنى الذي قبله، لأنا إذا قدرنا طلوعه، فقد ضيقنا شعبان.
1285 - (فإن قيل) : ففي هذا الحديث في مسلم: «فإن أغمي عليكم فاقدروا ثلاثين» ؛ وفي البخاري: «فأكملوا العدة ثلاثين» .

(2/555)


(قيل) : يحمل الأول [على] فضيقوا عدة شعبان، أو قدروا طلوع الهلال، لتصوموا ثلاثين. والثاني [على] فأكملوا عدة رمضان ثلاثين، لأنه أقرب مذكور، فالألف واللام بدل من المضاف إليه، جمعا بين الأدلة.
1286 - ويؤيده أن في الصحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى: «فصوموا ثلاثين» .
1287 - وعلى هذا ما في الصحيحين وغيرهما عن عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل: «هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟» قال: لا. قال: «فإذا أفطرت فصم يوما» ، وفي رواية: «يومين» ؛ وسرار الشهر: آخره. سمي بذلك لاستسرار القمر فيه فلا يظهر، محمول على حال الغيم ونحوه. وحديث أبي هريرة: «لا تقدموا رمضان» على الصحو. ليتوافقا [إذ] في حال الغيم لا يعلم أنه تقدم رمضان بيوم ولا يومين، فلا يدخل تحت النهي، ولأن هذا قول جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
1288 - فعن مكحول: أن عمر كان يصوم يوم الشك إذا كانت السماء

(2/556)


في تلك الليلة متغيمة، ويقول: ليس هذا بالتقدم، ولكنه بالتحري. رواه أبو حفص بسنده.
1289 - وكانت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول إذا غم: لأن أصوم يوما من شعبان، أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان. وقد تقدم عن ابن عمر أنه كان يصوم يوم [الغيم.
1290 - وعلى هذا يحمل ما روي عن أسماء، وأبي هريرة، وعمرو بن العاص، ومعاوية، وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من صوم يوم] الشك على وجود الغيم ونحوه، وهؤلاء من أكابر الصحابة، وعلمائهم، وهم رواة أحاديث الباب، فلا يظن بهم مخالفتها، ولا مخالفة ظاهرها، ولأن الصوم في ذمته بيقين، ولا يبرأ منه بيقين إلا بصوم ذلك، كما لو كانت عليه صلاة من يوم لا يعلم عينها، وجب عليه أن يصلي خمس صلوات.
وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - (رواية ثانية) : لا يصام هذا اليوم، بل

(2/557)


ينهى عنه، لأنه يوم شك، وقيل: إن هذا اختيار ابن عقيل، وأبي الخطاب، في خلافيهما، والذي نصره أبو الخطاب في الخلاف الصغير هو الأول، فلعل هذا في الكبير وذلك لما تقدم [من] أنه يوم شك، ويوم الشك منهي عنه لما تقدم، ولما تقدم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فإن فيه: عد ثلاثين يوما ثم صام. وحديثي أبي هريرة، وحذيفة، في النهي عن التقدم.
1291 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» رواه البخاري. ولمسلم: «فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين» . وقوله في حديث ابن عمر: «فاقدروا له» أي قدروا له عدد ثلاثين حتى تكملوها. يدل عليه بقية الروايات، وكون [التقدير] التضييق ممنوع، إنما هو غير التضييق والتوسيع.
1292 - كما قيل في قوله: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11] لا توسع الحلقة ولا تضيقها، ولا ترقق المسامير ولا تغلظها، وفي {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أي جعل بقدر لا ينقص، ولا يفضل عن حاجته. وفي

(2/558)


{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] أي نضيق عليه. وفعل الصحابة لعله عن اجتهاد وظن، كما ظنه غيرهم.
1293 - ثم قد روي عن بعضهم [وعن غيرهم] خلاف ذلك، والاحتياط في الوجوب إنما يكون فيما علم وجوبه، أما ما شك فيه فلا يجب، وإلا يلزم الوجوب بالشك، وعلى هذا فهل النهي نهي تحريم أو تنزيه على قولين.
ومن نصر الأول قال: لا نسلم أن هذا يوم شك، مع أن عمارا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم ينقل لنا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفظا، فيجوز أن يكون قاله عن اجتهاد، بناء على النهي عن التقدم، وأما حديثا أبي هريرة وحذيفة في التقدم فتقدم الجواب عنهما، وهو غلط من الراوي، وأن سائر الرواة لم يذكروا ذلك، مع أن في المسند ومسلم والنسائي في هذا الحديث: «فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين» ، وفي لفظ لأحمد والترمذي وصححه، «فعدوا

(2/559)


ثلاثين ثم أفطروا» ؛ والحديث واحد فتتعارض الروايتان ويتساقطان. ثم على تقدير صحة الأول فيحمل على ما إذا غم رمضان، بعد أن غم شعبان، فإنا لا نفطر، ونعد شعبان إذا ثلاثين يوما ورمضان ثلاثين يوما، ويكون الصوم أحدا وثلاثين.
وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية ثالثة: الناس تبع للإمام في الصوم والفطر.
1294 - لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس» رواه الترمذي وصححه.
قال أحمد: السلطان أحوط في هذا، وأنظر للمسلمين، وأشد تفقدا، ويد الله على الجماعة.
وقيل عن أحمد رواية أخرى باستحباب الصوم، لا بإيجابه، ولا بالمنع منه، وهذا اختيار أبي العباس، وقال: إن المنقول

(2/560)


عن أحمد أنه كان يصومه، أو يستحب صيامه، اتباعا لابن عمر، قال: ولم أقف من كلام أحمد على ما يقتضي الوجوب، وحملا للأوامر بإتمام شعبان، ونحو ذلك على بيان الواجب، وما ورد من صيام ذلك على الاستحباب، لا سيما وفيه احتياط لعبادة، وأصول الشريعة لا تمنع من ذلك.
وقيل عنه رواية بالإباحة، قال بعضهم: تحكى فيه الأحكام الخمسة. وقول سادس وهو التبعية.
فعلى الأولى: يشترط له النية من الليل، على أنه من رمضان حكما، فإن تبين أنه من رمضان أجزأه، وإلا فهو نفل، وهل تصلى التراويح ليلته؟ فيه وجهان: قال صاحب التلخيص: أظهرهما لا. وحكي عن أحمد وعن التميمي أنه ينويه جزما، وإذا تصلى التراويح. ولو نوى: إن كان غدا من رمضان فهو فرض، وإلا فهو نفل، لم يجزئه إن قيل باشتراط التعيين في النية لفواته، وإلا أجزأه بطريق الأولى، لمكان العذر هنا، وهل تثبت بقية الأحكام من الأجل المعلق برمضان، والطلاق المعلق به، ونحو ذلك؟ فيه احتمالان، ذكرهما القاضي في التعليق، فالثبوت للحكم برمضانيته، والمنع لأنه حق لآدمي.

(2/561)


«تنبيه» : «الغيم» قال ابن سيده: الغيم السحاب. وقيل: أن لا ترى شمسا من شدة الدجى. وجمعه غيوم وغيام. و «القتر» جمع قترة وهي الغبار، ومنه قَوْله تَعَالَى: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 41] .
1295 - قال ابن زيد: الفرق بين الغبرة والقترة أن القترة ما ارتفع من الغبار فلحق بالسماء، والغبرة ما كان أسفل في الأرض. و «فاقدروا له» قد تقدم معناه والصواب عند أهل اللغة والتفسير المعنى الثاني، وهو بالوصل، وكسر الدال وضمها، و «سرر الشهر» و «سراره» وسراره ثلاث لغات، قال الفراء: والفتح أجود. ويقال فيه أيضا: سر الشهر. وجاءت به السنة، وقد تقدم معناه، وقيل: سره وسطه، وسر كل شيء جوفه ويدل عليه أن في بعض الروايات «أصمت من سرة هذا الشهر؟» وفسر ذلك بأيام البيض والله أعلم.

(2/562)


[النية في الصوم]
قال: ولا يجوز صيام فرض حتى ينويه أي وقت كان من الليل.
ش: أما أصل النية في الصوم وإن كان تطوعا فمجمع عليها، لأنه عبادة فيدخل تحت قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وعمل فيدخل تحت قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما الأعمال بالنيات» ، ثم إن كان [الصوم] فرضا كرمضان وصوم الكفارة والنذر اشترط أن ينويه من الليل.
1296 - لما روي عن ابن عمر عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» رواه الخمسة، وفي لفظ: «من لم يجمع الصيام» ، وروي موقوفا على ابن عمر.

(2/563)


1297 - وعن عمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالت: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له.» رواه الدارقطني وقال: إسناده كلهم ثقات. وما يورد من صوم عاشوراء فوجوبه كان في النهار فلذلك أجزأت فيه النية.
1298 - – [على أن أبا حفص قد قال] : إنه لم يكن واجبا، بدليل حديث معاوية سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وإني صائم فمن شاء فليصم» ورد بأن معاوية إنما أسلم عام الفتح.
1299 - ووجوب عاشوراء كان في الثانية من الهجرة، يوما واحدا ثم

(2/564)


نسخ بصوم رمضان في ذلك العام فهو إنما سمع ذلك بعد النسخ، ولا شك أنه إذ ذاك غير مكتوب. انتهى.
وفي أي وقت نوى من الليل أجزأه، لإطلاق الحديث، وسواء وجد بعد النية مناف للصوم، كالجماع والأكل، أو لم يوجد [على المذهب] عملا بإطلاق الحديث، وقيل: يبطله المنافي من الأكل، ونحوه، كما لو فسخ النية، ولا بد مع النية من تعيين ما يصومه، فينوي الصوم عن كفارته، أو نذره، أو فرض رمضان، على ظاهر كلام الخرقي هنا، لقوله: ولا يجوز صيام فرض حتى ينويه. أي ينوي ذلك الفرض، وهو إحدى الروايتين، وأنصهما عن أحمد، وهي اختيار أبي بكر، وأبي حفص، والقاضي، وابن عقيل، والأكثرين، لظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات» ومن أطلق لم ينو صوم رمضان، وكذلك من نوى تطوعا بطريق الأولى (والرواية الثانية) : لا يشترط تعيين النية لرمضان، حكاها أبو حفص عن بعض الأصحاب، وهي اختيار الخرقي في شرح المختصر، قال في صوم يوم الشك: إن قيل: كيف يجوز أن ينويه [من رمضان] وهو غير متحقق؟ قيل: ليس يحتاج أن ينوي من رمضان ولا غيره، لأن

(2/565)


من أصلنا: لو نوى أن يصوم تطوعا فوافق رمضان أجزأه، لأنه يحتاج أن يفرق بين الفرض والتطوع، لما يصلح لها، وشهر رمضان لا يصلح أن يصام فيه تطوع. انتهى.
وذلك لما أشار إليه الخرقي بأن هذا الزمن متعين لصوم رمضان، لا يتأتى فيه غيره، فلا حاجة إلى النية، وصار هذا كمن عليه حجة الإسلام فنوى تطوعا، وفرق بأن الحج آكد حكما، بدليل المضي في فاسده، وانعقاده مع الفساد، فلذلك لم يعتبر له تعيين النية، بخلاف الصوم ثم نص الرواية إنما هو في من نوى وأطلق، والقاضي وجماعة يحكون الرواية في من أطلق، أو نوى تطوعا.
وفي المسألة قول ثالث اختاره أبو العباس: أنه مع العلم يجب عليه تعيين النية، وألا يكون عاصيا لله بقصد ما لا يحل له، ومع عدم العلم كمن لم يعلم أن غدا من رمضان، ونوى صوما ما مطلقا أو مقيدا، فتبين أنه من رمضان، لا يجب التعيين، بل يجزئ الإطلاق [ونية غير رمضان عنه] لمكان العذر، ونص الخرقي في شرحه، وكذلك كلام أحمد [في] رواية: الإجزاء إنما هو في مثل هذا. انتهى.
وهل يكفي نية من أول الشهر عن جميعه؟ فيه روايتان: أشهرهما عن أحمد - وأصحهما عند الأصحاب - لا، والله أعلم.

(2/566)


قال: ومن نوى من الليل، فأغمي عليه قبل طلوع الفجر، فلم يفق حتى غربت الشمس، لم يجزه صيام ذلك اليوم.
ش: لأن الصوم الشرعي مركب من إمساك مع النية.
1300 - بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه، وشرابه من أجلي» متفق عليه؛ فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، ومن أغمي عليه جميع النهار لم يضف إليه إمساك النية، فلم يصح صومه، إذ المركب ينتفي بانتفاء جزئه.
وقد فهم من كلام الخرقي أنه لو أفاق قبل غروب الشمس أجزأه، وهو صحيح، لوجود الإمساك في الجملة.
ودل كلامه على أن المغمى عليه يجب عليه الصوم، ولا نزاع في ذلك، لأن الولاية لا تثبت عليه، فلم يزل به التكليف كالنوم، ولهذا جاز على الأنبياء، والله أعلم.

قال: ومن نوى صيام التطوع من النهار - ولم يكن طعم - أجزأه.
1301 - ش: لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «دخل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء؟» قلنا: لا. قال: «فإني إذا صائم» ؛ مختصر رواه مسلم. وفيه دليلان (أحدهما)

(2/567)


طلبه الأكل، والظاهر أنه كان مفطرا، وإلا يلزم إبطال العمل المطلوب إتمامه. (والثاني) : قوله: «إني إذا» ؛ و (إذا) للاستقبال، وبهذا يتخصص قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر. . .» الحديث، وشرط هذا أن لا يوجد مناف غير نية الإفطار، اقتصارا على مقتضى الدليل، ونظرا إلى أن الإمساك هو المقصود الأعظم، فلا يعفى عنه أصلا.
وظاهر كلام الخرقي والإمام أحمد أنه لا فرق بين [قبل] الزوال وبعده، وهو اختيار ابن أبي موسى، والقاضي في الجامع الصغير، وأبي محمد، لأن ما صحت النية في أوله، صحت في آخره كالليل، وعن أحمد: لا يجزئه بعد الزوال، واختاره القاضي في المجرد، وابن البنا في الخصال، لأنه قد مضى معظم اليوم، ومعظم الشيء في حكم كله في كثير من الأحكام، فكذلك ها هنا.
«تنبيه» : يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية، على المنصوص والمختار لأبي محمد وغيره، إذ «ليس لامرئ إلا ما نوى» بنص الرسول، وعند أبي الخطاب يحكم له بالصوم من أول النهار نظرا إلى أن الصوم لا يتبعض، وهو ممنوع، والله أعلم.

(2/568)


[صوم المسافر]
قال: وإذا سافر إلى ما تقصر فيه الصلاة فلا يفطر حتى يترك البيوت وراء ظهره.
ش: يجوز الفطر في السفر بنص الكتاب، قال سبحانه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس من البر الصوم في السفر» . ومن شرط الفطر أن يكون [سفره] تقصر في مثله الصلاة، وهو ستة عشر فرسخا فأزيد، إذ ما دون ذلك في حكم المقيم لما تقدم في قصر الصلاة، وأن يترك البيوت وراء ظهره، أي يتجاوزها [لأنه ما لم يتجاوزها] فهو حاضر غير مسافر، فيدخل تحت قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] والله أعلم.

[ما يوجب القضاء ولا يوجب الكفارة في الصيام]
قال: ومن أكل، أو شرب، أو احتجم، أو استعط، أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان، أو قبل فأمنى أو

(2/569)


أمذى، أو كرر النظر فأنزل، أي ذلك فعل [عامدا] وهو ذاكر لصومه، فعليه القضاء بلا كفارة، إذا كان صومه واجبا، وإن فعل ذلك ناسيا فهو على صومه، ولا قضاء عليه.
ش: أما الفطر بالأكل والشرب فبدلالة قَوْله تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] أباح سبحانه الأكل إلى غاية هي تبين الخيط الأبيض، من الخيط الأسود ثم أمر سبحانه بالإمساك عنهما إلى الليل، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي» ، فدل على أن الصوم حالته هذه، ولا فرق بين مغذ وغيره، لظاهر إطلاق الكتاب.
1302 - وأما الفطر بالاحتجام فلما «روى شداد بن أوس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى على رجل وهو بالبقيع، وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي، لثمان عشرة خلت من رمضان فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه والحاكم وصححه، وصححه أيضا الإمام أحمد وإسحاق، وابن المديني، والدارمي وغيرهم.

(2/570)


1303 - وعن رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفطر الحاجم والمحجوم» رواه أحمد، والترمذي، وقال أحمد: إنه أصح حديث في الباب. وفي رواية: إسناده جيد.

(2/571)


1304 - ولأحمد وأبي داود من حديث ثوبان مثله. وقال ابن المديني: إنه وحديث شداد أصح شيء في الباب. وقال الأثرم: ذكرت لأبي عبد الله حديث ثوبان وشداد بن أوس صحيحان هما عندك؟ [قال: نعم] .
1305 - ولأحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة مثله.

(2/572)


1306 - ولأحمد من حديث عائشة، وأسامة بن زيد مثله.
1307 - «وعن الحسن عن معقل بن يسار الأشجعي، أنه قال: مر علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أحتجم في ثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» .

(2/573)


1308 - وروى أحمد بسنده مثل ذلك من حديث مصعب بن سعد، عن أبيه.
1309 - ومن حديث بلال، ومن حديث صفية، ومن حديث أبي موسى الأشعري، ومن حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده ذكر ذلك ابنه عبد الله في مسائله [عنه] فهؤلاء اثنا عشر صحابيا رووا هذا الحديث، وهذا يزيد على رتبة المستفيض، قال الإمام ابن خزيمة: ثبتت الأخبار عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه

(2/574)


قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» . انتهى. وما يذكر من أنهما كانا يغتابان، بعيد، لأنهما من الصحابة، إذ الظاهر تنزيههما عن ذلك، وقد ذكر هذا لأحمد فقال: لو كان للغيبة ما كان لنا صوم. أي أنا لا نسلم من ذلك، فكيف يحمل الحديث على أمر يغلب وقوعه، ثم إن هذه الأحاديث كلها ليس فيها ذكر الغيبة، فكيف يجوز أن يترك من الحديث ما الحكم [منوط] به، ثم لو قدر وجودها في الحديث فالاعتبار بعموم اللفظ.
1310 - ثم قد روى أحمد في مسائل ابنه عبد الله الإفتاء بهذا اللفظ عن علي، وعائشة، وأبي هريرة، وصفية، وابن عمر.

(2/575)


1311 - وعن الحسن عن عدة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا يدل على تثبته والأخذ بعمومه عندهم.
1312 - وما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم» رواه البخاري، وفي لفظ: «احتجم وهو محرم صائم» رواه أبو داود والترمذي وصححه،

(2/576)


وقد طعن فيه أحمد في رواية الأثرم فقال: هو ضعيف، لأن [راويه محمد بن عبد الله] الأنصاري ذهبت كتبه [في الفتنة] فكان يحدث من كتب غلامه أبي حكيم، ثم لو صح فلا

(2/577)


حجة فيه، لأنه كان محرما، فهو مسافر، إذ لم يثبت أنه كان محرما مقيما قط، والمسافر يجوز له الفطر، ويجوز أن يكون صومه تطوعا، ويجوز أن يكون به عذر، وكلاهما مبيح للإفطار.
1313 - وقد روى أبو بكر بإسناده عن ابن عباس قال: «احتجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من شيء كان وجده» .
1314 - وروى أيضا بسنده عن جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث إلى أبي طيبة أن يأتيه ليحجمه عند فطر الصائم، وأمره أن يضع محاجمه عند غيبوبة الشمس» . وهذا يدل على أنه وضع المحاجم نهارا وحجمه ليلا، وبدون هذه الاحتمالات يسقط الاستدلال، ثم على تقدير انتفاء الاحتمالات فتلك الأحاديث أكثر رواة، وقد عضدها عمل الصحابة، فتقدم على الفذ الواحد، ثم لو سلم التساوي فحديث ابن عباس فعل، وتلك قول، والقول مقدم بلا ريب، لعدم عموم الفعل، واحتمال خصوصيته به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[ثم] على تقدير عمومه لنا بدليل دعوى النسخ، نسخ حديث ابن عباس

(2/578)


أولى، لأنه موافق لحكم الأصل، فنسخه يلزم منه مخالفة الأصل [مرة واحدة، ونسخ «أفطر الحاجم والمحجوم» يلزم منه مخالفة الأصل] مرتين، لأن هذا القول خلاف الأصل، ونسخه خلاف الأصل. انتهى.
ويفطر الحاجم كما يفطر المحجوم بنص الحديث، وكان حق الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ينبه على ذلك، والحجم في الساق كالحجم في القفا، نص عليه أحمد، ولا يشترط خروج الدم، بل يناط الحكم بالشرط، وفي الفصد وجهان. أصحهما - وبه قطع القاضي في التعليق - لا يفطر. وعلى الوجه الآخر في الشرط احتمالان. والله أعلم.
وأما الفطر بالاستعاط - وهو أن يجعل في أنفه سعوطا، وهو دواء يجعل في الأنف، والمراد هنا ما يدخل في الأنف من دواء وغيره:
1315 - فلقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق [إلا أن تكون صائما» فلولا أن المبالغة في الاستنشاق] تؤثر في الصوم لم ينه عنه.
وأما الفطر بكل ما دخل إلى الجوف من أي موضع كان، سواء وصل من الفم على العادة أو على غير العادة كالوجور، أو من الأنف كالسعوط، أو دخل من الأذن إلى الدماغ، أو

(2/579)


دخل من العين إلى الحلق كالكحل الحاد، أو دخل إلى الجوف من الدبر كالحقنة، أو وصل من مداواة جائفة أو مأمومة إلى جوفه، أو [إلى] دماغه ونحو ذلك، وسواء كان ذلك [الداخل] مغذيا أو غير مغذ، حتى لو أوصل إلى جوفه سكينا أفطر، لأنه [في الجميع] أوصل إلى جوفه ما هو ممنوع من إيصاله إليه، أشبه ما لو أوصل إليه مأكولا.
1316 - وقد روي في حديث أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بالإثمد عند النوم، وقال: «ليتقه الصائم» رواه أبو داود وغيره.
وقول الخرقي: [أو أدخل إلى جوفه شيئا] من أي موضع كان. من عطف العام على الخاص، لاختصاص الخاص - وهو الأكل والشرب، والاستعاط - بمعنى لم يوجد في العام وهو النص.
1317 - وأما الفطر بالقبلة مع الإمناء والإمذاء فلما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه» . متفق عليه واللفظ لمسلم، وفي لفظ له: «يقبل في رمضان وهو صائم» . وفيه إشارة إلى أن من لا يملك إربه يضره ذلك.

(2/580)


1318 - «وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: هششت فقبلت وأنا صائم [فقلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم] قال: «أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم؟» قلت: لا بأس به. قال: «فمه» رواه أبو داود. شبه القبلة بالمضمضة من حيث إنها مقدمة للشهوة بالمضمضة، والمضمضة إذا لم يكن معها نزول ماء لم يفطر، ومع النزول يفطر، كذلك القبلة، إلا أن أحمد ضعف هذا الخبر ولأنه إنزال بمباشرة، أشبه الإنزال بالجماع.
ومفهوم كلام الخرقي أن القبلة إذا خلت عن [إنزال لم يفطر، ولا ريب في ذلك، لما تقدم من الحديثين، وحكم الاستمناء باليد حكم القبلة.
وأما الفطر بتكرار النظر مع] الإنزال - أي إنزال المني، إذ هذا العرف في الإنزال - فلأنه عمل يمكن التحرز منه، ويتلذذ به، أشبه الإنزال باللمس، وخرج بذلك إنزال المذي، فلا يفطر به على الصحيح، لأنه إنزال لا عن مباشرة فلم يلتحق المذي بالمني لضعفه [عنه] وعن أبي بكر: يفطر. وخرج أيضا بطريق التنبيه إذا لم ينزل.

(2/581)


ومفهوم كلام الخرقي: أنه لو أنزل بنظره لم يفطر، ولا يخلو إما أن يقصد النظر أو لا، فإن لم يقصد لم يفطر بلا ريب، وإن قصده فكذلك، على ظاهر كلام أبي محمد، وأبي الخطاب وغيرهما، وظاهر كلام أبي البركات أن في المذي في النظر وجهان فالإمناء أولى، وقطع القاضي بالفطر.
ومقتضى كلام الخرقي أن الفكر لا أثر له، وهو كذلك إن غلبه، وكذلك إن استدعاه على أصح الوجهين.
1319 - لعموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم» .
وشرط الإفطار في جميع ما تقدم أن يكون عامدا أي قاصدا للفعل، فلو لم يقصد - بأن طار إلى حلقه ذباب، أو غبار، أو ألقي في ماء فوصل إلى جوفه، أو صب في حلقه، أو أنفه شيء كرها، أو حجم كرها، أو قبلته امرأة بغير اختياره، ونحو ذلك - لم يفطر.
1320 - لما روى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء» رواه الخمسة والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، والدارقطني وقال: رواته كلهم

(2/582)


[ثقات] . نفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القضاء لسبق القيء لانتفاء الاختيار، فيلحق به ما في معناه.
1321 - ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عفي لأمتي عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه» ولأن من لم يقصد غافل، والغافل غير مكلف، وإلا يلزم تكليف ما لا يطاق.

(2/583)


وأن يكون ذاكرا لصومه، فلو كان ناسيا لم يفطر في شيء مما تقدم.
1322 - لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» متفق عليه. وفيه دليلان: أحدهما أنه قال: «فليتم صومه» فاقتضى أن ثم صوم يتم. والثاني قوله: «فإنما أطعمه الله وسقاه» فأضاف الفعل إلى الرب سبحانه وتعالى، فدل على أنه لا أثر لذلك الفعل بالنسبة [إليه] .
1323 - مع أن الدارقطني قد روى في الحديث من طرق قيل إنه صحح بعضها «فإنما هو رزق ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه» وفي لفظ له: «ولا قضاء عليه، لأن الله أطعمه وسقاه» » . وإذا ثبت هذا في الأكل والشرب قسنا عليه ما عداه، لأنه في معناه.
1324 - مع أن الدارقطني والحاكم رويا: «من أفطر من شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة» وصحح ذلك الحاكم ويؤيد ذلك

(2/584)


عموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» الحديث (وعن أحمد) رواية أخرى أن الحجامة تفطر مع النسيان، لإطلاق الحديث، ولعدم استفصاله من معقل بن يسار وغيره، وفي الاستمناء وجه، إلحاقا له بالجماع.
ومقتضى كلام الخرقي أن الجهل بالتحريم لا أثر له، وهو اختيار الشيخين، لظاهر حديث معقل بن يسار، لأنه كان جاهلا بالتحريم وجعله صاحب التلخيص تبعا لأبي الخطاب كالمكره والناسي.
«تنبيه» : النائم كالناسي، لعدم قصده، أما المكره بالوعيد فقال القاضي في تعليقه: ليس عن أصحابنا فيه رواية. ثم حكى [فيه] احتمالين، وحكى ابن عقيل عن الأصحاب أنه كالملجأ [لعموم الحديث قال] : ويحتمل عندي أن يفطر، لأنه لدفع ضرر عنه، أشبه من شرب لدفع عطش. انتهى.
ومن حكم بفطره ممن تقدم فعليه القضاء إن كان صومه واجبا، لأن الصوم ثابت في ذمته، فلا تبرأ إلا بأدائه ولم يؤد، فيجب

(2/585)


قضاؤه، والواجب في القضاء عن كل يوم؛ يوم، إذ القضاء يحكي الأداء.
1325 - وفي حديث المجامع في رمضان «صم يوما مكانه» رواه أبو داود. ولا كفارة في شيء مما تقدم.

(2/586)


1326 - أما في الأكل والشرب فلعموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس في المال حق سوى الزكاة» ، ولأن الأصل براءة الذمة، فلا يثبت الشغل إلا بدليل من نص، أو إجماع، أو قياس، ولم يوجد [واحد] منها، والقياس على الجماع ممنوع، لأنه أفحش، فالحاجة إلى الزجر عنه أبلغ، وقيل: تجب الكفارة على من أكل أو شرب عمدا كالجماع، (وأما) في الاحتجام فلما تقدم، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[لم يلزمه بالكفارة و] لو كانت واجبة لبينها (وعنه) إن كان عالما بالنهي وجبت وإلا

(2/587)


فلا، وعلى هذه هل هي كفارة وطء أو مرضع؟ فيه روايتان، (وأما) في الاستعاط، ومن أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان، فلما تقدم في الأكل والشرب. (وأما) في القبلة وتكرار النظر فلأنه إفطار بغير مباشرة، أشبه الإفطار بالأكل والشرب، واعتمادا على الأصل، وهذا إحدى الروايتين، واختيار الخرقي، وأبي بكر، وابن أبي موسى. (والرواية الثانية) : تجب الكفارة، واختارها القاضي في تعليقه، لأنه إفطار باستمتاع، أشبه الفطر بالجماع. وحكم الاستمناء حكم القبلة، قاله في التلخيص، وجزم القاضي في التعليق بعدم الكفارة فيه، معتمدا على نص الإمام في رواية ابن منصور، وفرق بينه وبين ما تقدم، بأن الاستمناء ليس بإنزال عن مباشرة، إذ المباشرة لا تكون إلا بين شخصين.
ومفهوم كلام الخرقي في قوله: إذا كان صوما واجبا؛ أن الصوم لو لم يكن واجبا لا قضاء فيه، وهو المذهب بلا ريب، وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى.
وقوله: وإن فعل كل ذلك ناسيا فهو على صومه، ولا قضاء عليه. [هو] مفهوم «ذاكرا» وقد تقدم الكلام عليه.

(2/588)


«تنبيه» : «الأرب» بفتح الهمزة والراء الحاجة، وكذلك بكسر الهمزة وسكون الراء، وقيل: بل العضو أي الذكر، والله أعلم.

قال: ومن استقاء فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه.
ش: لحديث أبي هريرة المتقدم والاستقاء: طلب القيء، والذرع خروجه. بغير اختياره. وظاهر كلام الخرقي: أنه لا فرق بين قليل القيء وكثيره، وهو المذهب بلا ريب، وعنه: لا يفطر إلا بملء الفم. وعنه: بل بملء نصفه. والله أعلم.

قال: ومن ارتد عن الإسلام فقد أفطر.
ش: لأن الصوم عبادة محضة، فنافاها الكفر كالصلاة، مع أن أبا محمد قال: لا أعلم في هذا خلافا والله أعلم.

قال: ومن نوى الإفطار فقد أفطر.
ش: هذا هو المذهب المعروف المشهور، لأنها عبادة من شرطها النية، فبطلت بنية الخروج منها كالصلاة، ولأنه قد خلي جزء من العبادة عن النية المشترطة لجميع العبادة، والمركب يفوت بفوات جزئه فيبطل. وعن ابن حامد: لا يفطر، لأنها عبادة يلزم المضي في فاسدها، فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج. فعلى الأول: إذا تردد في قطعه، أو

(2/589)


نوى أن سيقطعها، أو علقها على شرط [فنوى الإفطار] كوجود الفداء ونحوه فوجهان، هذا كله إذا كان الصوم فرضا، أما إن كان نفلا فنوى الإفطار فقد أفطر، ثم الذي وجد من صومه في حكم العدم، فإذا عاد فنوى الصوم أجزأه وإن كان بعد الزوال على الصحيح، والله أعلم.

[ما يوجب القضاء والكفارة في الصيام]
قال: ومن جامع في الفرج، فأنزل أو لم ينزل، أو دون الفرج فأنزل، عامدا أو ساهيا، فعليه القضاء والكفارة، إذا كان في شهر رمضان.
1327 - ش: الأصل في الجماع في رمضان ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: هلكت يا رسول الله. قال: «وما أهلكك» ؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: «هل تجد ما تعتق رقبة؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: «فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟» قال: لا. ثم جلس فأتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرق فيه تمر، فقال: «تصدق بهذا» ، فقال: على أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت نواجذه ثم قال: «اذهب فأطعمه أهلك» ، رواه الجماعة، وفي لفظ لابن ماجه وأبي داود: «وصم يوما مكانه» ؛ قال بعض الحفاظ: روي الأمر بالقضاء من غير وجه.

(2/590)


إذا تقرر هذا فمتى جامع في نهار رمضان في الفرج عامدا فقد فسد صومه، وعليه القضاء والكفارة [نظرا] لهذا الحديث، إذ هو العمدة في الباب، ولا فرق بين أن ينزل أو لا ينزل، لعدم الاستفصال في الحديث، ولا بين كون الفرج قبلا أو دبرا، من آدمي أو بهيمة، على المذهب المختار للقاضي، والشريف، وأبي الخطاب، والشيرازي، وأبي البركات وغيرهم، وقيل عنه: لا تجب الكفارة بوطء البهيمة. ومبنى الروايتين عند الشريف، وأبي الخطاب [على] وجوب [الحد] بوطئها وعدمه، ولا بين كون الموطوءة زوجته أو أجنبية.
وإن جامع دون الفرج [فأنزل] عامدا فكذلك، عليه القضاء والكفارة، على المشهور من الروايتين، حتى أن القاضي لم يذكر في التعليق غيرها، وخص الروايتين بالقبلة واللمس، وكذلك الخرقي، وابن أبي موسى، وأبو بكر، قالوا هنا بالكفارة، مع قولهم ثم بعدمها، وذلك لأنها مباشرة اقترن بها الإنزال، أشبهت المباشرة في الفرج، ولشمول: وقعت.

(2/591)


لها مع عدم استفصال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وعنه) : لا كفارة. لأن قوة النص تقتضي أنه جامع في الفرج وكنى عن ذلك بالمواقعة، وإذا فالأصل براءة الذمة من الكفارة.
وإن لم ينزل فلا قضاء ولا كفارة إذ مع عدم الإنزال ضعفت المباشرة، فصارت بمنزلة اللمس ونحوه.
واختلف في وطء الساهي، هل حكمه حكم وطء العامد فيما تقدم؟ فعنه - وهو المشهور عنه، والمختار لعامة أصحابه [الخرقي] والقاضي وغيرهما -: نعم يجب القضاء والكفارة، لما تقدم من حديث الأعرابي، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يستفصله بين أن يكون ناسيا أو عامدا، ولو اختلف الحكم لاستفصله وبينه [له] بذلك استدل أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وما يورد من قول الأعرابي: هلكت. يحتمل أنه قال ذلك لعلمه أن النسيان هنا لا يؤثر] . (وعن أحمد) رواية أخرى: يجب القضاء ولا تجب الكفارة. نص عليها في رواية أبي طالب، واختارها ابن بطة، ولعله مبني على أن الكفارة ماحية، ومع النسيان لا إثم يمحى. ونقل أحمد بن القاسم عن الإمام أحمد: كل أمر غلب عليه الصائم ليس عليه قضاء ولا غيره. فأخذ من هذا أبو الخطاب [ومن تبعه] رواية بانتفاء القضاء والكفارة والحال

(2/592)


ما تقدم، وهو ظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان. .» الحديث، وقياسه الأكل [ناسيا] ونحوه، وليست هذه الرواية عند القاضي، بل قال في تعليقه: يجب القضاء رواية واحدة. وكذلك قال الشيرازي، وهو مقتضى قول الشريف، وأبي الخطاب، وابن الزاغوني، وأبي البركات [لجزمهم بذلك، ونقل أبو داود عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - التوقف.
وحكم المخطئ - كمن جامع يظن] أن الفجر لم يطلع وقد طلع أو أن الشمس قد غربت ولم تغرب - حكم الناسي عند أبي البركات، وجزم أبو محمد بوجوب القضاء والكفارة [عليه] ، وكذلك نص أحمد في رواية حنبل وعبد الله، وكلام القاضي في التعليق محتمل. وكذلك حكم المكره حكم الناسي عند أبي الخطاب، والشيخين في مختصريهما، وعن القاضي: الجزم بوجوب الكفارة [به] بناء عنده على أن الإكراه على الوطء لا يتصور. واستثنى ابن عقيل الملجأ الذي غلبته نفسه فلم يجعل عليه قضاء ولا كفارة، والظاهر أن رواية ابن القاسم المتقدمة [تدل] على ذلك، وقال أبو محمد: ظاهر كلام أحمد [وجوب القضاء] لقوله في المرأة إذا غصبها رجل فجامعها: عليها [القضاء] .

(2/593)


فالرجل أولى، وكذلك جزم القاضي في تعليقه فقال: إذا جامع امرأة مكرهة أو نائمة فعليها القضاء، واستشهد بنص أحمد. وحكم النائم [حكم] الملجأ عند ابن عقيل: لا قضاء عليه ولا كفارة، والقاضي يجعل عليه القضاء.
وقول الخرقي فعليه القضاء والكفارة إذا كان في شهر رمضان. الشرط راجع إلى الكفارة فقط، فلا تجب الكفارة بالجماع في غير رمضان، اتباعا [للنص] ويعضده أن الأصل براءة الذمة، أما [القضاء] فهو في كل صوم واجب.
«تنبيه» : العرق بفتح [العين و] الراء مكتل، والله أعلم.

قال: والكفارة عتق رقبة، فإن لم يمكنه فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا [لكل مسكين مد بر أو نصف صاع من تمر أو شعير] .
ش: لحديث أبي هريرة المتقدم، فإنه نص فيه على الثلاثة، وهو ظاهر في الترتيب.
وأنص منه ما روى ابن ماجه في الحديث أنه قال: «أعتق رقبة» ، قال: لا أجدها. قال: «صم شهرين متتابعين» . قال: لا أطيق. قال: «أطعم ستين مسكينا» . أمره بالعتق وظاهر الأمر

(2/594)


الوجوب، ولم ينقله عنه إلا عند العجز، وهذا هو المذهب والمختار من الروايتين بلا ريب.
(وعنه) [رواية أخرى: أن] الكفارة على التخيير فيخير بين الثلاثة، لأنه قد ورد بلفظ [أو] [في بعض الروايات] .
1328 - وقال أحمد: حدثنا روح، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة «أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا» . [وذكر الحديث] رواه مسلم.
والأصح والأشهر في الرواية ما تقدم، ثم هو لفظ الرسول؛ والثاني لفظ الراوي، لكن [قد يقال] : ليس في الرواية الصحيحة دلالة على الترتيب، وتقديم العتق يحتمل [أن يكون] لشرفه، ورواية ابن ماجه الأمر فيها يحتمل أنه

(2/595)


للإرشاد، لتتوافق الروايات، إذ القصة واحدة، والأصل عدم خطأ الراوي بالمعنى، وصفة الرقبة تذكر إن شاء الله تعالى في الظهار، (وصوم الشهرين) يكون متتابعا لنص الحديث، (وصفة الإطعام) لكل مسكين مد بر، أو نصف صاع [من] تمر أو شعير، إذ حكم الإطعام هنا حكم الإطعام في كفارة الظهار، حملا للمطلق على المقيد، والواجب في كفارة الظهار كذلك.
1329 - بدليل ما روي «عن أبي سلمة، عن سلمة بن صخر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر صاعا فقال: «أطعمه ستين مسكينا، وذلك لكل مسكين مد بر» رواه الدارقطني، وللترمذي معناه.

(2/596)


1330 - وفي «حديث خويلة بنت مالك قالت: ظاهر مني أوس بن الصامت، فجئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشكو إليه، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجادلني فيه، ويقول: «اتقي الله، فإنه ابن عمك» فما برح حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلى الفرض، فقال: «يعتق رقبة» فقلت: لا يجد. قال: «فيصوم شهرين متتابعين» ، قلت: يا رسول الله إنه شيخ كبير، ما به من صيام. قال: «فليطعم ستين مسكينا» ، قلت: ما عنده من شيء يتصدق به. قال: «فإني سأعينه بعرق من تمر» ، قلت: يا رسول الله فإني سأعينه بعرق آخر. قال: «قد أحسنت، فاذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينا، وارجعي إلى ابن عمك» ؛ والعرق ستون صاعا، رواه أبو داود؛ وفي رواية: والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعا. وقال: هذا أصح» .
1331 - وروى أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن أبي يزيد المدني، قال: «جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمظاهر: «أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مد بر» . وبهذا الحديث يحصل الجمع بين

(2/597)


الأحاديث، وبين أن الواجب من التمر والشعير نصف صاع، ومن البر مد.
واقتصر الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ذكر التمر والبر والشعير، لورود النص بها، وإلا فالواجب في الكفارة ما يجزئ في الفطرة، وفي الخبز، وقوت البلد خلاف، يأتي إن شاء الله تعالى في غير هذا الموضع، والله أعلم.

قال: وإذا جامع فلم يكفر حتى جامع ثانية فكفارة واحدة.
ش: إذا جامع في يوم في رمضان، ثم لم يكفر حتى جامع في ذلك اليوم ثانيا، فكفارة واحدة بلا نزاع، لأن الكفارات زواجر، بمنزلة الحدود، فتتداخل كالحدود، وإن جامع في يوم ثم لم يكفر حتى جامع في يوم آخر فوجهان: (أحدهما) - وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي بكر في التنبيه، وابن أبي موسى - لا يجب إلا كفارة واحدة، كما لو كانا في يوم، وقياسا على الحدود، ولأن حرمة الشهر كله

(2/598)


حرمة واحدة، فهو كاليوم الواحد، ولهذا أجزأ بنية واحدة على رواية. (والثاني) : يجب عليه كفارتان، أو كفارات بعدد الأيام، اختاره ابن حامد، والقاضي في خلافه، وفي جامعه، وروايتيه، والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما، وصاحب التلخيص، لأنهما يومان لو انفرد كل منهما بالفساد تعلقت به الكفارة، فإذا عمهما الفساد وجب أن يتعلق بكل منهما كفارة، كاليومين من رمضانين، ولأن كل يوم بمنزلة عبادة منفردة، بدليل أن فساد بعضها لا يسري إلى بقيتها، واحتياج كل يوم إلى نية على المذهب، والله أعلم.

قال: وإن كفر ثم جامع فكفارة ثانية.
ش: نص أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذا في رواية حنبل والميموني، لأنه وطء محرم لحرمة رمضان، فوجب أن تتعلق به الكفارة كالوطء الأول، أو عبادة يجب بالجماع فيها كفارة، فجاز أن تتكرر الكفارة مع الفساد، دليله الحج، والله أعلم.

[الحكم فيمن أكل أو شرب ظانا عدم طلوع الفجر أو غروب الشمس]
قال: وإن أكل وظن أن الفجر لم يطلع، وقد كان طلع، أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب فعليه القضاء.
ش: لأنه أكل مختارا ذاكرا، أشبه ما لو أكل يوم الشك فتبين

(2/599)


أنه من رمضان، ولأنه كان يمكنه التحرز، أشبه العامد.
1332 - وقد روي عن هشام بن عروة، عن فاطمة امرأته، عن أسماء، «قالت: أفطرنا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم [غيم] ثم طلعت الشمس. قيل لهشام: أمروا بالقضاء؟ قال: لا بد من القضاء» . أخرجه البخاري. أما إن أكل ظانا أن الفجر لم يطلع، وأن الشمس قد غربت، ولم يتبين له شيء، فلا قضاء

(2/600)


عليه، ولو تردد بعد، قاله أبو محمد، إذا لم يوجد يقين أزال ذلك الظن، فالأصل بقاؤه وأوجب عليه صاحب التلخيص القضاء في ظن الغروب، إذ الأصل بقاء النهار، ومن هنا قال: يجوز الأكل بالاجتهاد [في أول اليوم فلا يجوز في آخره إلا بيقين؛ وأبو محمد يجوز الأكل بالاجتهاد] فيهما. واتفقوا على وجوب القضاء فيما إذا أكل شاكا في غروب الشمس، لا في طلوع الفجر، نظرا للأصل فيهما، والله أعلم.

قال: ومباح لمن جامع بالليل أن لا يغتسل حتى يطلع الفجر، وهو على صومه.
ش: قد دل على ذلك إشارة النص في قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] الآية، وهو يشمل جميع الليلة، ومن ضرورة حل الرفث في جميع الليلة أن يصبح جنبا صائما، وقد شهدت السنة [لذلك] .
1333 - فعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رجلا قال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم» ، فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد

(2/601)


غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله تعالى وأعلمكم بما أتقي» . رواه أحمد ومسلم، وأبو داود.
1334 - وفي الصحيحين عن أم سلمة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصبح جنبا من جماع لا حلم [ثم] لا يفطر ولا يقضي.
1335 - وحديث أبي هريرة: «من أصبح جنبا فلا صوم له» ؛ قال الخطابي: أحسن ما سمعت فيه أنه منسوخ. والله أعلم.
قال: وكذلك المرأة إذا انقطع حيضها قبل الفجر، فهي صائمة إذا نوت الصوم قبل طلوع الفجر، وتغتسل إذا أصبحت.
ش: لأنه حدث يوجب الغسل، أشبه [حدث] الجنابة ويشترط لصحة صومها انقطاع الحيض من الليل، وإلا لو انقطع في أول جزء من اليوم أفسده، ونية الصوم قبل طلوع الفجر، لما تقدم من وجوب النية من الليل في الفرض، والله أعلم.

[صوم الحامل والمرضع والشيخ الكبير]
قال: والحامل إذا خافت على جنينها، والمرضع على ولدها، أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا.

(2/602)


ش: أما إفطارهما فأمر مطلوب، بحيث يكره تركه، لأن خوفهما على ولديهما خوف على آدمي، أشبه خوفهما على أنفسهما، ولو خافتا على أنفسهما أفطرتا، لأنهما بمنزلة المريض [فكذلك إذا خافتا على ولديهما.
وأما القضاء فلما تقدم من أنهما بمنزلة المريض] والمريض عليه القضاء بنص الكتاب، قال سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فكذلك هما.
وأما وجوب إطعامهما عن كل يوم مسكينا فلقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] أي إذا أفطروا، والحامل والمرضع يطيقان الصوم، فدخلا في الآية الكريمة، ولا يقال:
1336 - هذه الآية منسوخة بما بعدها من قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] كذا في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
1337 - لأنا نقول: قال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أثبتت للحبلى والمرضع. وعنه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قال: كانت رخصة للشيخ

(2/603)


الكبير، والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام، أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والحبلى والمرضع إذا خافتا. رواه أبو داود، وقال: إذا خافتا يعني على أولادهما. فظاهر قوله الأول نسخ الحكم في حق غير الحامل والمرضع، وبقاء الحكم فيهما. وظاهر قوله الثاني أن الآية [الكريمة] محكمة غير منسوخة، وأنها إنما أريد بها هؤلاء من باب إطلاق العام وإرادة الخاص، وهذا أولى من ادعاء النسخ، فإنه خلاف الأصل، فالواجب عدمه أو تقليله ما أمكن، وما يقال من أن قوله: بعد {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] ينافي الحمل على ما تقدم، إذ الصوم ليس بخير لها ولا يجاب عنه بأن تخصيص آخر الآية لا يدل على تخصيص أولها على الصحيح، كما في قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] بعد {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] ونحوه. بقي أن يقال:

(2/604)


فظاهر الآية الكريمة يقتضي أنه لا يجب إلا الفدية فقط، فإيجاب القضاء يخالف ظاهر الآية؟ فيقال: القضاء من دليل آخر، وهو القياس على المريض.
وقول الخرقي: والمرضع. يشمل الأم وغيرها [وهو كذلك] وإطعام المسكين مد بر، أو نصف صاع تمر أو شعير على ما تقدم.
ولو كان خوف الحامل أو المرضع على نفسها لم يجب إلا القضاء فقط، على ظاهر كلام الخرقي، وقول العامة، لتحقق شبهها بالمريض، بل هي فرد من أفراده، وظاهر كلام أحمد بل نصه: وجوب القضاء والفدية. قال في رواية الميموني: الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما يفطران، ويطعمان، ويصومان إذا أطاقتا. وقال في رواية صالح: [تخاف على نفسها] تفطر وتقضي وتطعم؛ وهذا ظاهر [إطلاق] ما نقل عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وحمل القاضي كلام أحمد على أنها خافت على ولدها أيضا مع خوفها على نفسها [وهو] بعيد من اللفظ. والله أعلم.

قال: وإذا عجز عن الصوم لكبر أفطر، وأطعم عن كل يوم مسكينا.
ش: نص على هذا أحمد في رواية الميموني وحرب، وذلك

(2/605)


لما تقدم من الآية الكريمة، وقول ابن عباس في تفسيرها، ولأنه صوم واجب، فجاز أن ينوب عنه المال، كالصوم في كفارة الظهار والجماع، وفي معنى العجز عن الصوم لكبر العجز عنه لمرض لا يرجى برؤه، وقد ذكر ذلك الخرقي في أول الحج، والله أعلم.

[حكم الحائض والنفساء في رمضان]
قال: وإذا حاضت المرأة أو نفست] أفطرت وقضت وإن صامت لم يجزئها.
ش: هذا إجماع و (الحمد لله رب العالمين) .
1338 - وفي الصحيحين عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كنا نحيض فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» .
1339 - وفي البخاري: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أليست إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم، فذلك من نقصان دينها» ، وهذا إخبار عن شأنها الشرعية وحالها، ودم النفاس هو دم حيض في الحقيقة، فحكمه حكمه، وتأثم بالفعل لارتكابها المنهي عنه، والله أعلم.

(2/606)


قال: فإن أمكنها القضاء فلم تقض حتى ماتت أطعم عنها عن كل يوم مسكين.
ش: القضاء واجب على الحائض والنفساء بالإجماع، وقد شهد له حديث عائشة، ثم لا يخلو [إما] أن يمكنها القضاء أو لا، فإن لم يمكنها لمرض أو سفر، أو ضيق وقت، ونحو ذلك، حتى ماتت فلا فدية عليها ولو مضى عليها أحوال، في ظاهر كلام الخرقي، وهو الصحيح المعروف من الروايتين، لأنه حق لله تعالى، وجب بالشرع، مات من وجب عليه قبل إمكان فعله، فسقط إلى غير بدل كالحج. (والرواية الثانية) : تجب الفدية، لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه، فوجب الإطعام عنه، كالشيخ العاجز عن الصيام.
وإن أمكنها القضاء فلم تقض حتى ماتت فلا يخلو إما أن يكون قبل أن يدركها رمضان آخر، أو بعد أن أدركها رمضان آخر، فإن كان قبل أن أدركها رمضان آخر وجب أن يطعم عنها من تركتها لكل يوم مسكين.
1340 - لما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه [مكان] كل يوم مسكين» رواه الترمذي [وقال] : الصحيح أنه عن ابن عمر موقوف.

(2/607)


1341 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء، وإن نذر قضى عنه وليه. رواه أبو داود.
ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يجوز أن يصام [عنه] والحال ما تقدم، لما تقدم، ولأنه نوع عبادة لا تصح النيابة عنه في حال الحياة عند العجز عنه، فلا تصح النيابة عنه بعد الموت كالصلاة.
1342 - وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» محمول على النذر جمعا بين الأدلة، ويؤيده أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هي راوية الحديث.

(2/608)


1343 - وقد روي عنها أنها قالت: يطعم في قضاء رمضان ولا يصام. رواه الأثرم في سننه والظاهر من حالها فهم التخصيص، وهو أولى من ذهولها عما روت.
وإن ماتت بعد أن أدركها رمضان آخر فوجهان، وقيل: روايتان: (إحداهما) وهو ظاهر إطلاق أحمد في رواية المروذي والخرقي، والقاضي، والشيرازي. وغيرهم: يطعم عنه لكل يوم مسكين [إذ بذلك يزول التفريط بالتأخير، فيصير كما لو مات من غير تفريط. (والثاني) : يطعم عنه لكل يوم مسكينان] جزم به أبو الخطاب في الهداية وصاحب التلخيص، وأبو البركات، لأن الموت مع التفريط بدون التأخير

(2/609)


عن رمضان آخر يوجب كفارة، والتأخير بدون الموت يوجب كفارة، فإذا اجتمعا وجب أن يجب كفارتان، والله أعلم.

قال: ولو لم تمت المفرطة حتى أظلها شهر] رمضان آخر صامته ثم قضت ما كان عليها، وأطعمت عن كل يوم مسكينا.
ش: قد تقدم [له] حكم التفريط مع الموت، بقي حكم التفريط مع الحياة، فقال: إنه إذا أظلها [مع التفريط] شهر رمضان آخر، فإنها تصومه، لما تقدم من أن زمنه متعين له، لا يمكن أن يقع فيه غيره، ثم تقضي ما كان عليها نذرا كالواجب، ثم تطعم لكل يوم مسكينا، نص على ذلك.
1344 - معتمدا على قول الصحابة [منهم] ابن عمر وابن عباس، وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقد روى ذلك عنهم الدارقطني بسنده.

(2/610)


1345 - ورواه مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حديث أبي هريرة، لكن فيه ضعف وكلام الخرقي يقتضي أنه لا يجب أكثر من إطعام مسكين وإن حصل التأخير رمضانات، وأشعر كلامه بأنها لو أخرت مفرطة ثم فعلت قبل أن يدخل [عليها] رمضان فلا شيء عليها، لأنها قد فعلت الواجب في وقته، أشبه ما لو لم تؤخره، وهذا يتضمن أن وقت أداء قضاء رمضان جميع السنة.
1346 - وذلك «لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كان يكون علي الصيام من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، وذلك لمكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. [رواه الجماعة] وفي الدلالة منه نظر لتصريحها بالعذر، والله أعلم.

قال: وكذلك حكم المريض والمسافر في الموت والحياة إذا فرطا في القضاء.

(2/611)


ش: يعني ما تقدم في الحائض والنفساء - من أنهما إذا فرطا وماتا وجب الإطعام عنهما لكل يوم مسكينا، ومن أنهما إذا أخرتا مفرطتين حتى أظلهما رمضان أنهما يقضيان ويطعمان - يجري مثله في المريض والمسافر، لاشتراك الكل في المعنى المقتضي للاشتراك في الحكم.
وقوله: إذا فرطا في القضاء. لأنهما إذا لم يفرطا فلا شيء عليهما مع الموت، ومع الحياة يلزمها الفعل ليس إلا، والله أعلم.

[حكم المريض والمسافر في الصيام]
قال: وللمريض أن يفطر إذا كان الصوم يزيد في مرضه.
ش: للمريض أن يفطر في الجملة بالإجماع، وقد شهد له قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [البقرة: 185] أي: فأفطر فعليه عدة، أو فالواجب عدة، ومن قرأ (عدة) بالنصب فالتقدير: فليصم عدة، ومن شرط جواز الفطر عندنا التضرر بالصوم، بأن يزيد بالصوم مرضه أو يتباطأ [برؤه] ونحو ذلك، لأن ذلك وقع رخصة لنا، ودفعا للحرج [والمشقة] عنا، ولذلك قرنه بالسفر، فإذا لم يوجد الضرر فلا معنى للفطر، والله أعلم.

قال: فإن تحمل وصام كره له ذلك وأجزأه.

(2/612)


ش: إذا تحمل من جاز له الفطر بالمرض وصام كره له ذلك، لإضراره بنفسه، وتركه تخفيف الله تعالى، ورخصته المطلوب إتيانها.
1347 - قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته» ولأن بعض العلماء لا يصحح صومه، ويمنع [من] التقدير في الآية. انتهى، فإن فعل أجزأه لإتيانه بالأصل الذي هو العزيمة، وصار هذا بمنزلة من أبيح له ترك القيام في الصلاة فتكلف وقام، والله أعلم.

قال: وكذلك المسافر.
ش: أي حكم المسافر المتقدم في أول الباب الذي يجوز له الفطر حكم المريض في أن الفطر أولى له، وأنه إن صام أجزأه لما تقدم.

(2/613)


1348 - وفي الصحيحين أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس من البر الصوم في السفر» .
1349 - وقال: «عليكم برخصة الله التي رخص لكم» .
1350 - «وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحمزة بن عمرو الأسلمي - وكان كثير الصوم، وقد سأله عن الصوم في السفر فقال: - «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر» ، فهذا لبيان الجواز، وتلك للأفضلية، والله أعلم.

(2/614)


[قضاء رمضان]
قال: وقضاء شهر رمضان متفرقا يجزئ.
ش: لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وبذلك استدل ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
1351 - قال البخاري: قال ابن عباس: لا بأس أن يفرق، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] .
1352 - وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «قضاء رمضان إن شاء فرق، وإن شاء تابع» رواه الدارقطني.

(2/615)


1353 - «وعن محمد بن المنكدر قال: بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن تقطيع قضاء رمضان، فقال «ذاك إليك، أرأيت لو كان على أحد دين فقضى الدرهم والدرهمين، ألم يكن قضاء؟ فالله أحق أن يعفو ويغفر» ، رواه الدارقطني وحسن إسناده وهو مرسل.
1354 - وما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: نزلت (فعدة من أيام أخر متتابعات) فسقطت متتابعات. رواه الدارقطني إن صح فهو محمول على أنه سقط حكمها بالنسخ، لا أنه ضاع لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] والله أعلم.

قال: والمتتابع أحسن.

(2/616)


ش: إذ القضاء يحكي الأداء، وخروجا من خلاف العلماء، والله أعلم.

[صيام التطوع]
[قضاء صيام التطوع]
قال: ومن دخل في صيام تطوع فخرج منه فلا قضاء عليه.
ش: من دخل في صوم تطوع جاز له الخروج منه وإن لم يكن له عذر، ولا قضاء عليه على المذهب المنصوص المعروف.
1355 - لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: دخل علي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء؟» فقلنا: لا. فقال: «إني إذا صائم» ثم أتانا يوما آخر، فقلنا: يا رسول الله قد أهدي لنا حيس. فقال: «أرينيه فلقد أصبحت صائما» فأكل» . وفي لفظ: قال طلحة - هو ابن يحيى - فحدثت مجاهدا بهذا الحديث فقال: ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها. رواه مسلم.

(2/617)


1356 - «وعن أم هانئ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها بشراب فشرب، ثم ناولها فشربت، وقالت: يا رسول الله أما إني كنت صائمة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر» [رواه أحمد والترمذي] . وفي رواية «قالت: إني صائمة، ولكني كرهت أن أرد سؤرك. فقال: «يعني إن كان قضاء رمضان فاقضي يوما مكانه، وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي، وإن شئت فلا تقضي» رواه أحمد، وأبو داود بمعناه. وهذا نص.

(2/618)


ونقل حنبل عن أحمد: إذا أجمع على الصيام من الليل، فأوجبه على نفسه، فأفطر من غير عذر، أعاد يوما مكانه. فظاهر إطلاق هذا وجوب القضاء على من خرج من صوم التطوع لغير عذر.
1357 - وذلك لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: أهدي لحفصة طعام، وكنا صائمتين فأفطرنا، ثم دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلنا: يا رسول الله إنا أهديت لنا هدية واشتهيناها فأفطرنا. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا عليكما، صوما مكانه يوما آخر» رواه أبو داود. ومنع القاضي وغيره رواية حنبل، وحملوها على

(2/619)


النذر، توفيقا بين نصوصه، وأما الحديث فقد أنكره أحمد في رواية الأثرم، وقال أبو داود: لا يثبت. وقال الترمذي: فيه مقال، ثم هو محمول على الندب جمعا بين الأدلة، وبقرينة «لا عليكما» أي لا بأس أو لا حرج، ومن لا بأس عليه لا قضاء عليه حتما.
- (تنبيه) : «الحيس» تمر وأقط وسمن يطبخ، والله أعلم.

قال: وإن قضاه فحسن.
ش: لا يجب عليه قضاء صوم التطوع إذا أفسده، وإن

(2/620)


قضاه فحسن. لما تقدم من حديث عائشة، وللخروج من الخلاف.
«تنبيه» : وحكم سائر التطوعات حكم الصوم فيما تقدم، عدا الحج والعمرة، فإنهما يلزمان بالشروع، وعنه أنه قال: الصلاة أشد، فلا يقطعها، يعني من الصوم. قيل له: فإن قطعها قضاها؟ قال: إن قضاها فليس فيه اختلاف؛ فمال الجوزجاني [من هذا] إلى أنها تلزم بالشروع، لأنها ذات إحلال وإحرام، فأشبهت الحج، وعامة الأصحاب على خلافه، وكلام أحمد لا دلالة فيه على وجوب القضاء، بل [على] تأكد استحبابه، والله أعلم.

قال: وإذا كان للغلام عشر سنين وأطاق الصوم أخذ به.
ش: أي ألزم به، ليتمرن على ذلك ويعتاده، كما يؤمر بالصلاة إذا بلغ عشرا، ثم هل هذا الأخذ على سبيل الوجوب عليه أم لا؟ فيه روايتان. (إحداهما) نعم.
1358 - لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام رمضان» (والثانية) : وهي

(2/621)


المذهب - لا. لرفع القلم عنه كما في الحديث، ثم الخرقي قيده بعشر سنين. وغيره ينيطه بالتمييز مع الإطاقة، والله أعلم.

[حكم إسلام الكافر في شهر رمضان]
قال: وإذا أسلم الكافر في شهر رمضان صام ما يستقبل من بقية الشهر.
ش: لا نزاع في ذلك، لصيرورته أهلا لأداء العبادة الواجبة على كل مكلف.
1359 - وقد روى ابن ماجه عن سفيان بن عبد الله بن ربيعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «حدثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإسلام ثقيف قال: وقدموا عليه في رمضان، وضرب عليهم قبة في المسجد، فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر» .

(2/622)


- ومقتضى كلامه أنه لا يجب عليه قضاء ما مضى من الشهر قبل إسلامه، ولا نزاع في ذلك أيضا عندنا، إذ الإسلام يجب ما قبله، وكرمضان الماضي، واختلف عن أحمد في اليوم الذي أسلم فيه هل يلزمه إمساكه وقضاؤه؟ فيه روايتان (إحداهما) - وهي المنصوصة عن الإمام و [المذهب] عند القاضي وغيره - يلزمانه، لإدراكه جزءا من [وقت] العبادة، أشبه من أدرك ركعة من وقت الصلاة.
1360 - وفي الصحيحين «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في يوم عاشوراء: «من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه» .
1361 - وفي أبي داود عن عبد الرحمن بن سلمة عن عمه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن أسلم أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «صمتم يومكم هذا؟» قالوا: لا. قال: «فأتموا يومكم واقضوا» » وهذا صريح في وجوب الإتمام والقضاء.

(2/623)


(والثانية) : لا يجبان، وهو ظاهر كلام الخرقي، لعدم تمكنه من [التلبس] بالعبادة أشبه ما لو أسلم بعد خروج اليوم، وحكى أبو العباس رواية ثالثة فيما أظن واختارها: يجب الإمساك ولا يجب القضاء، نظرا إلى أن الحديث الصحيح إنما فيه الأمر بذلك، والله أعلم.

[حكم من رأى هلال رمضان وحده]
قال: ومن رأى هلال رمضان وحده صام.
ش: هذه إحدى الروايتين عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: أعجب

(2/624)


إلي أن يصوم وهو المذهب [عند الأصحاب] لظاهر قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صوموا لرؤيته» وهذا قد رآه، ولأنه قد تيقنه من رمضان، فلزمه صومه كاليوم الذي بعده. (والرواية الثانية) - وهي أنصهما - لا يصوم إلا في جماعة الناس، لظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن شهد ذوا عدل فصوموا» فعلق الرؤية على ذوي عدل، ولأنه يوم محكوم به من شعبان، أشبه الذي قبله، والله أعلم.

قال: فإن كان عدلا صوم الناس بقوله.
ش: إذا كان الرائي عدلا صوم الإمام أو نائبه الناس بقوله، هذا هو المذهب المنصوص، المختار للأصحاب.
1362 - لما روي عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «جاء أعرابي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني رأيت الهلال. قال بعض الرواة: يعني رمضان. فقال: «أتشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: نعم. قال: «أتشهد أني رسول الله؟» قال: نعم. قال: يا بلال أذن في الناس أن يصوموا» رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وروي عن عكرمة مرسلا.

(2/625)


1363 - «وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه» رواه أحمد وأبو داود. وهذا ظاهر في أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رتب صومه وصوم الناس على إخباره، ولأنه خبر يلزم به عبادة يستوي فيه المخبر والمخبر، لا يتعلق به حق آدمي، فقبل منه [قول] واحد، كالإخبار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يلزمه هلال شوال، لأنه يتعلق به حق آدمي وهو الإفطار، ولا الشهادة في سائر الحقوق، لعدم استواء المخبر والمخبر فيهما وعدم لزوم

(2/626)


العبادة [فيها] (وعن أحمد) ما يدل [على] أنه لا يقبل فيه إلا قول اثنين كبقية الشهود.
1364 - لما روي عن أمير مكة الحارث بن حاطب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «عهد إلينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدان عدلان نسكنا لشهادتهما» ، رواه أبو داود والدارقطني، وقال: هذا إسناد متصل صحيح. وأجيب بأنا نقول بمنطوقه، ومفهومه قد عارضه منطوق ما تقدم، ولا ريب أن المنطوق يقدم على المفهوم. وتوسط أبو بكر فقال: إن كان الواحد بين جماعة الناس، وتفرد بالرؤية لم يقبل، لأنهم يعاينون ما عاين، فالظاهر خطؤه، وإن كان منفردا قبل كالأعرابي الجائي من الحرة، لما شهد عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورد بحديث ابن عمر المتقدم.
(تنبيه) : [هذا] الخلاف السابق مبني على أن هذا هل يجري مجرى الإخبار أو مجرى الشهادة؟ والمذهب إجراؤه

(2/627)


مجرى الإخبار، وعليه فلو أخبره من يثق بقوله قبل قوله، وإن لم يثبت ذلك عند الحاكم، وتقبل فيه المرأة، وعلى الثاني لا تقبل، والله أعلم.

[ما يثبت به انتهاء شهر رمضان]
قال: ولا يفطر إلا بشهادة عدلين.
ش: حكم هلال شوال حكم بقية الشهور لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين.
1365 - لما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب «، أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه فقال: إني جالست أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وسألتهم، وإنهم حدثوني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا [لرؤيته، وأنسكوا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين، وإن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا» » ] رواه النسائي.
1366 - وعن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه أجاز شهادة رجل واحد على رؤية الهلال، وكان لا يجيز على شهادة الإفطار إلا [شهادة] رجلين» وفارق هلال رمضان، لما فيه من الاحتياط للعبادة.

(2/628)


وظاهر قول الخرقي أن شرطهما أن يكونا رجلين وهو كذلك إذ هذا ليس بمال، ولا يقصد به المال، ويطلع عليه الرجال. وقوله: بشهادة [اثنين] . يحتمل عند الحاكم، ويحتمل مطلقا، وبه قطع أبو محمد، فجوز الفطر بقول عدلين لمن يعرف حالهما، ولو ردهما الحاكم لجهله بهما، قال: ولكل واحد من العدلين [أيضا] الفطر، والله أعلم.

[حكم من رأى هلال شوال وحده]
قال: ولا يفطر إذا رآه وحده.
ش: هذا منصوص أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية جماعة، وقال: يتهم نفسه.

(2/629)


1367 - وذلك لظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون» .
1368 - وعن أبي قلابة أن رجلين قدما المدينة وقد رأيا الهلال - يعني شوال - وقد أصبح الناس صياما، فأتيا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكرا ذلك له، فقال لأحدهما: أصائم أنت؟ قال: بل مفطر. قال: ما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأصوم وقد رأيت الهلال. وقال للآخر. قال: أنا صائم. قال: ما حملك على هذا؟ . قال: لم أكن لأفطر والناس صيام. فقال للذي أفطر: لولا مكان هذا لأوجعت رأسك. ثم نودي في الناس أن اخرجوا. رواه سعيد. وهذا ظاهر في أنه أراد ضربه لإفطاره برؤيته، ورفع عنه الضرب لشهادة صاحبه. وقيل: يفطر سرا، لظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» [الحديث] ولأنه يوم تيقن أنه من شوال، أشبه الذي بعده، والله أعلم.

[حكم صيام الأسير الذي اشتبهت عليه الأشهر]
قال: وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام] .

(2/630)


ش: قياسا على من اشتبهت عليه أدلة القبلة، فإن صلى [مع القدرة عليه] بغير اجتهاد لم يجزه لأنه ترك فرضه، وبدونها كما إذا خفيت عليه الأدلة وجهان، أصلهما إذا صلى على حسب حاله، لخفاء أدلة القبلة، والله أعلم.

قال: فإن صام شهرا يريد به شهر رمضان فوافقه أو ما بعده أجزأه، وإن وافق ما قبله لم يجزئه.
ش: إذا تحرى وصام شهرا يريد به شهر رمضان، فإن لم ينكشف له الحال فلا ريب عندنا في الإجزاء، وإن تبين له الحال فإن وافق شهر رمضان فبها ونعمت، ولا يضره التردد في النية، لمكان الضرورة، وإن وافق بعده أجزأه أيضا، ولا يضره عدم نية القضاء وإن اشترطت، لمحل العذر، وإن وافق [ذلك] قبله لم يجزئه لعدم تعلق الخطاب به إذا.
وظاهر إطلاق الخرقي أنه متى وافق شهرا بعده أجزأه، وإن كان ناقصا ورمضان تام، وصرح بذلك القاضي، وصاحب التلخيص، وأورده أبو البركات مذهبا، كما لو نذر شهرا، واختار أبو محمد أنه يلزمه بعدة أيام رمضان، لظاهر قَوْله تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، والله أعلم.

[الأيام التي يحرم صيامها]
قال: ولا يصام يوما العيدين، ولا أيام التشريق، لا عن فرض، ولا عن تطوع، فإن قصد لصيامهما كان عاصيا،

(2/631)


ولم يجزئه عن فرض، وفي أيام التشريق عن أبي عبد الله - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى: أنه يصومها للفرض.
ش: لا يجوز أن يصام يوم العيد لا الفطر ولا الأضحى عن فرض ولا عن تطوع.
1369 - لما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن صيام يومين، يوم الفطر ويوم النحر، وفي لفظ للبخاري: «لا صوم في يومين» ؛ ولمسلم: «لا يصح الصوم في يومين» .
1370 - وعن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: «شهدت العيد مع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فصلى، ثم انصرف فخطب الناس، فقال: إن هذين يومان نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامهما، يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم» . متفق عليه. فإن قصد صيامهما كان عاصيا، لقصده ارتكاب ما نهى الشارع عنه، ولم يجزئه عن فرض، لارتكابه النهي المقتضي لفساد المنهي عنه، هذا هو المشهور، وهو قياس المذهب فيمن صلى في ثوب غصب، أو [في] بقعة

(2/632)


غصب، أو حج بمال غصب، أن باع وقت النداء ونحو ذلك، والمنصوص عن أحمد - في رواية مهنا - الصحة مع التحريم. وهو قياس القول الآخر في هذه المسائل.
وقول الخرقي: ولم يجزئه عن فرض. ربما أوهم أنه يجزئه عن التطوع، وليس كذلك، وإنما المحتاج إليه في البيان [هو الفرض] ، أما التطوع فقد اقتضى كلامه أنه يعصي بقصد صومه، والحكم على صحته وفساده لا حاجة إليه. انتهى.
أما أيام التشريق فلا يجوز صيامها عن تطوع.
1371 - لما روى نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر الله تعالى» رواه مسلم.
1372 - «وعن سعد بن أبي وقاص قال: أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أنادي أيام منى «إنها أيام أكل وشرب، ولا صوم فيها» يعني أيام التشريق» . رواه أحمد.

(2/633)


و [في] جواز صومها عن الفرض روايتان: (إحداهما) - وهي التي رجع إليها [أحمد] أخيرا قال: كنت أذهب إليه، - يعني [عن] صوم المتمتع لأيام التشريق - فأما اليوم فإني أهابه، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هي أيام أكل وشرب» واختيار الخرقي، وابن أبي موسى، والقاضي، والشيرازي وغيرهم - لا يجوز لما تقدم.
1373 - وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن صوم خمسة أيام في السنة، يوم الفطر، ويوم النحر، وثلاثة [أيام التشريق» . رواه الدارقطني] . (والثانية) : يجوز إذ يوم النحر أحد العيدين، فوجب أن يختص بحظر الصوم فيه دون ما بعده، دليله يوم الفطر، وابن أبي موسى خص الخلاف بالصوم عن دم المتعة، ونص أحمد بالجواز إنما هو في ذلك، نعم أومأ إلى الجواز في النذر.
1374 - وذلك لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وابن عمر رضي الله

(2/634)


عنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي. رواه البخاري وأجاب القاضي عن هذا بأنه خاص مختلف فيه، والأول عام متفق عليه، فتقدم على المختلف فيه. انتهى، وفيه نظر، فعلى الأول إن صامها فهو كصيام يوم العيد على ما مر.
«تنبيه» : أيام التشريق هي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، من ذي الحجة، سميت بذلك لأنهم يشرقون فيها لحوم الأضاحي، أي يقطعونها تقديدا وقيل: بل لأجل صلاة العيد وقت شروق الشمس. وقيل: بل لأن الذبح بعد الشروق، والله أعلم.

قال: وإذا رؤي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة.
ش: أما بعد الزوال فللمقبلة بلا نزاع نعلمه، لقربه منها.
1375 - ولقصة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأما قبله فعنه للماضية لقربه منها. وعنه للمقبلة، وهي المذهب.

(2/635)


1376 - لما روى أبو وائل قال: جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين: أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا، إلا أن يشهد رجلان أنهما رأياه بالأمس عشية. وهذا يشمل ما قبل الزوال وبعده، (وعنه) إن كان في أول الشهر فللماضية، وفي آخره للمقبلة، احتياطا للعبادة.
«تنبيه» : هذا التعليل وكلام أبي محمد [وغيره] يقتضي أن هذا مختص برمضان، فاللام في كلام الخرقي للعهد، والله أعلم.

(2/636)


[السحور وتعجيل الإفطار للصائم]
قال: والاختيار تأخير السحور.
ش: لا نزاع في مطلوبية السحور.
1377 - قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تسحروا فإن في السحور بركة» . متفق عليه.
1378 - وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور» رواه مسلم وغيره. والمستحب تأخيره.
1379 - لما روي عن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: «لا «تزال أمتي بخير ما [أخروا] السحور، وعجلوا الفطر» ، رواه أحمد.
«تنبيه» : السحور بفتح السين اسم لما يؤكل في السحر، وبالضم اسم الفعل على الأشهر، وقيل: يجوز في اسم الفعل [الفتح] أيضا، والمراد في كلام الخرقي الفعل، فيكون بالضم على الصحيح و «الأكلة» بفتح

(2/637)


الهمزة، ورواه بعضهم بضمها، قال الحافظ زكي الدين: والوجه الفتح، فإن الأكلة بالفتح بمعنى المرة الواحدة. مع الاستيفاء، وبالضم اللقمة إذا لم يكن معها ماء، والله أعلم.

قال: وتعجيل الإفطار.
ش: أي [والاختيار تعجيل الإفطار] لما تقدم.
1380 - وفي الصحيحين عن سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» .
1381 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يقول الله عز وجل: إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا» رواه أحمد والترمذي، والله أعلم.

[الصيام المستحب]
[صيام ستة أيام من شوال]
قال: ومن صام شهر] رمضان، وأتبعه بست من شوال، وإن فرقها فكأنما صام الدهر.
1382 - ش: لما روي عن أبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلم وغيره.

(2/638)


1383 - وعن ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر، كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» رواه ابن ماجه.
وقوة كلام الخرقي وغيره يقتضي أن الأولى متابعتها، مبادرة للمندوب إليه، ومحافظة على «وأتبعه» [إذ المتابعة] ظاهرها التوالي، والله أعلم.

[صيام يوم عاشوراء]
قال: وصيام يوم عاشوراء، كفارة سنة، ويوم عرفة كفارة سنتين.
1384 - ش: لما روي عن أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.

(2/639)


«تنبيه» : عاشوراء بالمد على الأشهر، وقيل: وبالقصر وفيه [لغة] ثالثة عاشورا. وهو اليوم العاشر من المحرم.
1385 - وعن ابن عباس: أنه التاسع ونص أحمد على استحباب صومهما، وعلى صيام ثلاثة أيام مع اشتباه أول الشهر، ويوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة بلا ريب، سمي بذلك قيل: [لأن الوقوف بعرفة فيه. وقيل] : لأن إبراهيم الخليل صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه عرف فيه أن رؤياه حق، والله أعلم.

(2/640)


[صيام يوم عرفة]
قال: ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصوم، ليتقوى على الدعاء.
1386 - ش: عن أم الفضل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أنهم شكوا في صوم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عرفة، فأرسلت إليه بلبن، فشرب وهو يخطب الناس بعرفة» متفق عليه.
وجعل الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -[المعنى] في الإفطار التقوي على الدعاء المطلوب في هذا اليوم، وهو حسن، وعن أبي العباس. لأنه يوم عيد.
1387 - ويشهد له ما روى عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي، والله أعلم.

[صيام أيام البيض]
قال: وأيام البيض التي حض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على صيامها هي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر [من كل شهر] ، والله أعلم.

(2/641)


1388 - ش: «ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصى أبا هريرة بصيام ثلاثة أيام من كل شهر» .
1389 - وعن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر» فأنزل الله تعالى: [تصديق ذلك في كتابه] : {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] اليوم بعشرة» رواه ابن ماجه والترمذي. والأيام البيض هي اليوم الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر.
1390 - لما روي عن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا: قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة» رواه أحمد والنسائي والترمذي.

(2/642)


وعن بعض العلماء: الثاني عشر بدل الخامس [عشر] وسميت بيضا لابيضاض ليلها كله بالقمر [أي] أيام الليالي البيض، وقيل: لأن الله تعالى تاب على آدم فيها وبيض صحيفته ذكره التميمي، والله سبحانه أعلم.

(2/643)