شرح
الزركشي على مختصر الخرقي [باب المصراة
وغير ذلك]
ش: معنى التصرية عند الفقهاء أن يجمع اللبن في ضرع البقرة أو الشاة ونحوهما
اليومين والثلاثة، حتى يعظم، فيظن المشتري أن ذلك لكثرة اللبن، وإذا هي
المصراة، والمحفلة أيضا، يقال: ضرع حافل. أي عظيم، والحفل الجمع العظيم،
واختلف في معناها لغة، فقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
التصرية أن تربط أخلاف الناقة أو الشاة، ويترك حلبها اليومين والثلاثة، حتى
يجتمع لبنها، فيزيد المشتري في ثمنها لما يرى من ذلك. وقال أبو عبيد:
المصراة هي الناقة، أو البقرة، أو الشاة يصرى اللبن في ضرعها، أي يجمع
ويحبس. قال: ولو كانت من الربط لقيل فيها: مصرورة. وإنما جاءت مصراة، وهذا
هو المشهور. وقال الخطابي: قول أبي عبيد حسن، وقول الشافعي صحيح،
(3/558)
والعرب تصر الحلوبات، وتسمي ذلك الرباط
صرارا، واستشهد بقول العرب: العبد لا يحسن الكر، وإنما يحسن الحلب والصر.
انتهى.
والتصرية حرام، إذا قصد بها التدليس على المشتري لما سيأتي، ولأنها غش
وخديعة، وقد قال: «من غشنا فليس منا» .
1919 - وقوله: «بيع المحفلات خلابة، ولا تحل الخلابة لمسلم» .
(3/559)
وقول الخرقي: وغير ذلك. أي مما إذا وجد
بالمبيع عيبا، لأن ذلك يقع عن تدليس وعن غيره، ومن اختلاف المتبايعين، ومن
بيوع منهى عنها، ونحو ذلك مما ستقف عليه، إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
قال: ومن اشترى مصراة وهو لا يعلم، فهو بالخيار بين أن يقبلها، أو يردها
وصاعا من تمر.
1920 - ش: الأصل في هذا ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال:
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تصروا - وفي
رواية - لا تصر الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين، بعد أن
يحلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر» متفق عليه.
1921 - وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «من اشترى محفلة فردها
فليرد معها صاعا» رواه البخاري، والبرقاني على شرطه وزاد من تمر.
1922 - وروي نحوه من حديث ابن عمر وأنس.
(3/560)
ولا يقال: إن هذا مخالف لقواعد كلية،
(منها) أن اللبن مثلي، والتمر ليس بمثل له، والقاعدة ضمان المثلي بمثله لا
بغيره، (ومنها) أن الصاع محدود، واللبن ليس بمحدود، فإنه يختلف بالقلة
والكثرة، والقاعدة أن الضمان على قدر الذهاب، ثم لما عدل عن المثل إلى غيره
فقد يجيء به نحو المتابعة، فهو بيع الطعام بالطعام غير يد بيد، فهو الربا،
لأنا نقول: حديث المصراة أصل مستثنى من تلك القواعد، لمعنى يخصه، وبيانه أن
اللبن الحادث بعد العقد ملك للمشتري، فيختلط باللبن الموجود حال العقد، وقد
يتعذر الوقوف على قدره، فاقتضت حكمة الشرع أن جعل
(3/561)
ذلك مقدرا، لا يزيد ولا ينقص، دفعا للخصام،
وقطعا للمنازعة، وإنما خص ذلك - والله أعلم - بالطعام لأنه قوت كاللبن،
وجعل تمرا لأنه غالب قوتهم، ولا يحتاج في تقوته إلى كلفة، ومن ثم - والله
أعلم - وصفه بقوله: «لا سمراء» دفعا للحرج في تكلف السمراء، لقلتها عندهم،
ثم لا نظر للقياس مع وجود النص.
وقد عارض بعضهم حديث المصراة بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«الخراج بالضمان» ونشأ له ذلك من جعله التمر في مقابلة اللبن الحادث بعد
العقد، وهو ممنوع، وإنما هو في [مقابلة الموجود حال العقد.
1923 - بدليل ما في البخاري وأبي داود في الحديث «من اشترى غنما مصراة
فاحتلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر» على تقدير
تسليم أنه في]
(3/562)
مقابلة الحادث - وإنه لبعيد - فهو عام،
وحديث المصراة خاص، ولا معارضة بين العام والخاص انتهى.
وقول الخرقي: مصراة. يشمل بعمومه الآدميات، والأتان، والفرس، وهو أحد
الوجهين، واختيار ابن عقيل، اعتمادا على عموم الحديث، ونظرا إلى أن الثمن
يختلف بذلك، (والثاني) : لا يثبت، ويحتمله كلام الخرقي بعد في قوله: وسواء
كان المشتري ناقة، أو بقرة، أو شاة. لاقتصاره على ذلك، وزعم ابن البنا -
تبعا لشيخه - أنه قياس المذهب، بناء منهما على أن لبن الآدمية لا يجوز
بيعه، وذلك لأن لبن ما ذكر لا يعتاض عنه عادة، ولذلك لا يجب في مقابلته
شيء، ولا يقصد قصد بهيمة الأنعام، والخبر ورد فيما يقصد عادة.
(3/563)
وقوله: وهو لا يعلم. يخرج ما إذا علم
التصرية، فإنه لا خيار له، وهو كذلك لعلمه بالعيب.
وقوله: فهو بالخيار، أي إذا علم بالتصرية، إذ ثبوت أمر لشخص يعتمد علمه به.
ثم كلامه يشمل قبل الحلب، ويعلم ذلك ببينة، أو بإقرار من البائع، وإذا له
الرد عندنا ولا شيء عليه، بناء على ما تقدم من أن التمر في مقابلة اللبن
الموجود حال العقد، ولا وجوب للبدل مع وجود المبدل، وهذه الصورة تستثني من
كلام الخرقي. ويشمل أيضا ما إذا حلب اللبن وأراد رده، فإنه لا يجزئه إلا
التمر، وهذا أحد الوجوه، وهو الذي جعله أبو الخطاب وأبو البركات مذهبا،
نظرا لإطلاق الحديث، (والثاني) يجزئه رده، ولا شيء عليه وإن تغير، لما تقدم
من أن البدل إيحابه منوط بعدم المبدل، والمبدل موجود، وإن حصل نقص فبتدليس
البائع، (والثالث) - وهو اختيار القاضي، وأبي محمد - إن كان اللبن بحاله لم
يتغير فكالثاني، لما تقدم، وإن تغير فكالأول، دفعا للضرر عن البائع.
ويشمل أيضا ما إذا صار لبنها عادة، ومراده - والله أعلم - بالحكم الذي حكم
به صورة واحدة، وهو ما إذا حلبها
(3/564)
ولم يصر لبنها عادة، أما إذا صار لبنها
عادة فلا خيار، لزوال العيب الذي لأجله ثبت الرد، وهذه الصورة أيضا مستثناة
من كلام الخرقي.
[وقول الخرقي] : بين أن يقبلها. ظاهره ولا أرش له، وهو المشهور عند
الأصحاب، وظاهر الحديث.
1924 - وفي رواية لمسلم «إذا ما اشترى أحدكم لقحة مصراة، أو شاة مصراة فهو
بخير النظرين [بعد أن يحلبها] ، إما هي، وإلا فليردها وصاعا من تمر» (وعن
أحمد) في رواية ابن هانئ: إن شاء رجع عليه بقدر العيب، وكذا ذكر أبو بكر في
التنبيه، وتبعه الشيرازي، وصاحب التلخيص فيه قياسا على بقية العيوب.
(3/565)
وقوله: وصاعا من تمر. يقتضي أنه لا يجزئه
غيره، وهو كذلك اتباعا للنص، وما ورد في الحديث «صاعا من طعام» فالمراد به
- والله أعلم - التمر، إذ في رواية أخرى «صاعا من طعام لا سمراء» وما ورد
في حديث ابن عمر - وسيأتي إن شاء الله - «فإن ردها رد معها مثل - أو قال -
مثلي لبنها قمحا» أشار البخاري إلى تضعيفه، ويؤيد ضعفه أنه لا قائل به،
وقال الشيرازي: الواجب أحد شيئين، صاع من تمر، أو صاع من قمح.
1925 - لأن في حديث رواه البيهقي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل، عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من اشترى مصراة فهو
بخير النظرين، فإن حلبها ورضيها أمسكها، وإن ردها رد معها صاعا من طعام، أو
صاعا من تمر» والطعام إذا
(3/566)
أطلق غالبا يراد به البر، ويجاب أنه بعد
تسليم صحته محمول على أنه شك من الراوي، توفيقا بين الأحاديث، ويعين ذلك
قوله في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم «صاعا من طعام لا سمراء» .
وإطلاق الخرقي يقتضي [وجوب] التمر وإن زادت قيمته على قيمة الشاة، وهو كذلك
للخبر، والواجب فيه أن يكون سليما من العيب، لأن الإطلاق يقتضي السلامة.
(تنبيهان) : «أحدهما» : لم يبين الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مقدار الخيار،
وكذلك جماعة، وقال أبو الخطاب في الهداية: عندي أنه إذا تبين له التصرية
ثبت له الرد، قبل الثلاث وبعدها، إلحاقا لها بالعيوب. ويتخرج من قوله قول
آخر أن الخيار على الفور، بناء على القول به ثم، وقدره ابن أبي موسى،
والقاضي، وأبو البركات، وغيرهم بثلاثة أيام.
(3/567)
1926 - لأن في الحديث في رواية مسلم وغيره
«من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام» .
1927 -[وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام»
، فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا» رواه أبو داود، ثم اختلف
هؤلاء، فقال القاضي - وزعم أبو محمد أنه ظاهر كلام أحمد -: الثلاثة أيام
مضروبة لتتبين بها التصرية، إذ في اليوم الأول لبنها لبن التصرية، وفي
الثاني والثالث يجوز أن يكون نقص لاختلاف العلف، وتغير المكان، فإذا مضت
الثلاثة تحققت التصرية غالبا، فيثبت الخيار إذا على الفور، وقال ابن أبي
موسى - على ظاهر كلامه - وأبو البركات: له الخيار في الثلاثة أيام إلى
انقضائها. وهذا هو ظاهر الحديث، وعليه المعتمد، وهو عكس قول القاضي، ثم إن
أبا البركات صرح بأن ابتداء المدة بتبين التصرية، وهو ظاهر
(3/568)
قول ابن أبي موسى، قال: هو بالخيار ثلاثة
أيام، إن شاء ردها، وإن شاء أمسكها. ولا عبرة بما أوهمه كلام أبي محمد في
الكافي أن ابتداءها على قول ابن أبي موسى من حين البيع.
(الثاني) : «تصروا» الرواية الصحيحة فيه ضم التاء، وفتح الصاد، وتشديد
الراء [المضمومة] ، بعدها واو الجمع، نحو: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}
[النجم: 32] من: صراها يصريها تصرية، كزكاها يزكيها تزكية، وأصل «تصروا» :
تصريوا. استثقلت الضمة على الياء، فنقلت إلى ما قبلها، لأن واو الجمع لا
يكون ما قبلها إلا مضموما، فانقلبت الياء واوا، فاجتمع ساكنان فحذفت الواو
الأولى وبقيت واو الجمع، «والإبل» نصب على أنه مفعول تصروا، وفيه رواية
أخرى «لا تصروا الإبل» بفتح التاء، وضم الصاد،
(3/569)
من: صريصر. «والغنم» على هذا أيضا منصوبة
الميم، وروي ثالثة: «لا تصر الإبل» بضم التاء بغير واو بعد الراء، وبرفع
الإبل على ما لم يسم فاعله، من الصر أيضا وهو الربط، وهاتان الروايتان
يجيئان على تفسير الشافعي، والأولى على تفسير أبي عبيد «والمحفلة» قد تقدم
تفسيرها، «والسمراء» حنطة الشام، والبيضاء حنطة مصر، وقيل: السمراء الحنطة
مطلقا، والبيضاء الشعير. «واللقحة» بفتح اللام وكسرها - وهو أفصح - الناقة
القريبة العهد بالولادة، بنحو الشهرين والثلاثة، والله أعلم.
قال: فإن لم يقدر على التمر فقيمته.
ش: من وجب عليه شيء فعجز عنه رجع إلى بدله، وبدل المثلي عند إعوازه هو
القيمة، كما هو مقرر في موضعه، وتجب قيمته في الموضع الذي وقع عليه العقد،
والله أعلم.
(3/570)
قال: وسواء كان المشتري ناقة، أو بقرة، أو
شاة.
ش: لا نزاع عندنا نعلمه في ذلك، لورود النص به في الإبل والغنم، ولبن البقر
أغزر، فيثبت الحكم فيه بطريق التنبيه، ثم عموم «مصراة» يشمل الجميع، والله
أعلم.
قال: وإذا اشترى أمة ثيبا فأصابها أو استغلها ثم ظهر على عيب كان مخيرا بين
أن يردها ويأخذ الثمن كاملا، لأن الخراج بالضمان، والوطء كالخدمة، وبين أن
يأخذ ما بين الصحة والعيب.
ش: هذا يبنى على قواعد، فنشير إليها، ثم نتعرض للفظ المصنف.
(منها) : أن المذهب المشهور - حتى إن أبا محمد لم يذكر فيه خلافا - أن من
اشترى معيبا لم يعلم عيبه ثم علم ذلك فإنه يخير بين الرد وبين الإمساك وأخذ
الأرش.
أما الرد فلا نزاع فيه نعلمه، دفعا للضرر عن المشتري، إذ إلزامه بالعقد
والحال هذه ضرر عليه، والضرر منفي شرعا.
1928 - وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رجلا اشترى غلاما في زمن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه عيب لم يعلم به،
فاستغله، ثم علم العيب
(3/571)
فرده، فخاصمه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، إنه استغله منذ زمن. فقال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الغلة بالضمان» رواه أبو
داود وغيره، وهذا يدل على أن العيب سبب للرد.
1929 - «وعن العداء بن خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: كتب لي رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هذا ما اشترى العداء بن خالد
بن هوزة من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اشترى منه
عبدا أو أمة، لا داء، ولا غائلة ولا خبثة، بيع المسلم للمسلم» رواه الترمذي
وابن ماجه، وهذا يدل على أن بيع المسلم هذا حاله، وأيضا ما ثبت من أحاديث
المصراة المتقدمة.
(3/572)
وأما الإمساك وأخذ الأرش فلأن البائع
والمشتري تراضيا على أن العوض في مقابلة المعوض، فكل جزء من العوض يقابله
جزء من المعوض، ومع وجود العيب قد فات جزء من المعوض، فيرجع ببدله وهو
الأرش. (وعن أحمد) رواية أخرى - اختارها أبو العباس - وهي أصح نظرا -: لا
أرش لممسك له الرد، حذارا من أن يلزم البائع ما لم يرض به، فإنه لم يرض
بإخراج ملكه إلا بهذا العوض، فإلزامه بالأرش إلزام له بشيء لم يلتزمه،
ويوضح هذا ويحققه المصراة، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لم يجعل فيها أرشا، ودعوى أن التصرية ليست عيبا ممنوع، انتهى.
والأرش ما بين قيمة الصحيح والمعيب منسوبا إلى الثمن، وبيانه أن يقال مثلا
فيما اشترى بمائة وخمسين: كما يساوي هذا وهو صحيح؟ فإذا قيل: مائة. قيل:
وكم يساوي وهو معيب؟ فإذا قيل: تسعين. فما بين القيمتين هو العشر، فإذا
نسبت ذلك إلى الثمن وجدته - والحال هذه - خمسة عشر درهما، فهو الواجب
للمشتري، ولو كان الثمن خمسين درهما لكان عشره خمسة دراهم، فهو الواجب له،
وإنما نسب إلى الثمن، ولم يجعل ما بين القيمتين من غير نسبة، لئلا يجتمع
للمشتري العوض والمعوض، [كما لو
(3/573)
اشترى شيئا بمائة، ثم وجد به عيبا، وكانت
قيمته وهو صحيح مائتين، وقيمته وهو معيب مائة، فما بينهما مائة، فلو أوجبت
المائة للمشتري لاجتمع له العوض والمعوض] وعلى ما تقدم لا يلزم ذلك، إذ يجب
له والحال هذه نصف الثمن، ولا فرق فيما تقدم بين علم البائع بالعيب وعدمه.
(تنبيه) : هل يملك المشتري أخذ الأرش من عين الثمن أو لا يملكه؟ فيه
احتمالان ذكرهما في التلخيص.
(القاعدة الثانية) أن المبيع المعيب تعيبه عند المشتري هل يمنع من رده؟ فيه
نزاع يأتي إن شاء الله تعالى، واختلف في وطء الثيب هل هو عيب، لأنه نقص في
الجملة، أو ليس بعيب، وهو اختيار العامة، لأنه لم يحصل به نقص جزء
(3/574)
ولا صفة، وكما لو كانت مزوجة فوطئها الزوج؟
على روايتين، وعلى الأولى فإن لم يمنع العيب الرد فالأرش هنا هو مهر المثل.
(القاعدة الثالثة) : أن المبيع إذا زاد وأراد المشتري رده بعيب وجده، فهل
يلزمه رد الزيادة؟ لا يخلو إما أن تكون متصلة كالسمن وتعلم صنعة، أو منفصلة
كالولد والكسب، فإن كانت متصلة فلا يتصور مع الرد إلا ردها، لكن هل يكون له
قيمتها لحدوثها على ملكه، وتعذر فصلها، أو لا قيمة لها، لئلا يلزم البائع
معاوضة لم يلتزمها، وهو قول عامة الأصحاب؟ على قولين، وعن ابن عقيل: القياس
أن له القيمة، بناء على قولهم في الصداق، إذا زاد زيادة متصلة، ثم وجد ما
يقتضي سقوطه أو تنصفه، فإن المرأة لها أن تمسك ذلك وترد القيمة أو نصفها،
قلت: وفي هذا القياس نظر، وإنما قياس الصداق أن المشتري يمسك
(3/575)
ويرد قيمة العين، نعم ما يحكى عن ابن عقيل
سيأتي أنه رواية منصوصة أو ظاهرة.
وإن كانت الزيادة منفصلة فلا يخلو إما أن تكون حدثت من عين المبيع، كالولد
والثمرة، أو لم تكن، كالأجرة والهبة، ونحو ذلك، (فالثاني) فيما نعلمه لا
نزاع أن للمشتري إمساكه، ورد المبيع دونه، ولا عبرة بما أوهمه كلام أبي
محمد في الكافي، من أن فيه الخلاف الآتي، فإنه في المغني لم يذكر فيه عن
أحد خلافا، أما (الأول) - وهو ما إذا كانت الزيادة من عين المبيع -،
فالمنصوص، والمعمول عليه عند الأصحاب - حتى إن أبا محمد في المغني جزم به -
أن الحكم كذلك، الزيادة للمشتري فيرد المبيع دونها.
(3/576)
1930 - لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا -، قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«الخراج بالضمان» وفي رواية: «قضى أن الخراج بالضمان» . رواه أبو داود
وغيره، وقد ورد في المسند وسنن أبي داود، وابن ماجه، أن الحديث ورد على مثل
هذا، فعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رجلا اشترى غلاما في زمن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبه عيب لم يعلم به، فاستغله
ثم علم العيب، فخاصمه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
فقال: يا رسول الله، إنه استغله منذ زمان، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الغلة بالضمان» وقضية السبب داخلة في العموم قطعا.
وحكى القاضي وجماعة من أصحابه، والشيرازي، والشيخان، وغير واحد، عن أحمد
رواية أخرى، أنه يلزم البائع رد النماء مع الأصل، جعلا للنماء كالجزء من
الأصل، ونظرا إلى أن الفسخ رفع للعقد من أصله حكما، ويرد عليه الكسب ونحوه،
وهذه الرواية، قال أبو العباس: إن القاضي وأصحابه أخذوها من نص أحمد في
رواية ابن منصور، في من اشترى سلعة فنمت عنده، فبان بها داء، فإن شاء
المشتري حبسها ورجع بقدر الداء، وإن شاء ردها
(3/577)
ورجع عليه بقدر النماء، فجعلوا الراجع بقدر
النماء هو البائع، قال: وكذا صرح به ابن عقيل في النظريات، قال أبو العباس:
وهو غلط، بل الراجع المشتري على البائع بقدر النماء، فإن قوله: نمت عنده،
ظاهر في النماء المتصل، ولو فرض أنه غير المتصل [فلم يذكر أنه تلف بيد
المشتري، والأصل بقاؤه، قال: فتكون هذه الرواية أن الزيادة المتصلة] لا يجب
على المشتري الرد بها، بل له إذا أراد رد العين أن يأخذ من البائع قيمة
الزيادة. انتهى.
ويستثنى على المذهب إذا كانت الزيادة ولد أمة، فإنه يتعذر على المشتري
الرد، لتعذر التفرقة الممنوع منها شرعا، هذا اختيار الشيخين، وظاهر كلام
أحمد في رواية ابن منصور، لكن إذا اختار ردهما معا فهل يلزم البائع
(3/578)
القبول؟ يحتمل وجهين، الظاهر اللزوم، وقال
الشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما، وشيخهما فيما أظن في تعليقه: له إمساك
الولد ورد الأم، لأنه موضع حاجة، وهو ممنوع، للتمكن من الأرش. إذا عرف ذلك
رجعنا إلى لفظ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فقوله: إذا اشترى أمة ثيبا.
يحترز عن البكر كما سيأتي، وقوله: فأصابها أو استغلها. لأنه إذا لم يصبها
ولم يستغلها المبيع بحاله ولا كلام، وقوله: ثم ظهر على عيب، يخرج ما إذا
كان عالما حال العقد، لدخوله على بصيرة، وإذا لا رد له ولا أرش، وقوله: كان
مخيرا. إلى آخره، مبني على القواعد الثلاث المتقدمة، وهي أن مشتري المبيع
المعيب غير عالم بعيبه يخير بين الرد، والإمساك مع الأرش، وأن وطء الثيب
ليس بعيب، وأن الغلة للمشتري، ولا يمنع الرد، وقوله: لأن الخراج بالضمان.
تعليل لأن الغلة للمشتري، وقوله: والوطء كالخدمة. بيان لأن الوطء ليس بعيب.
والألف واللام في الوطء لمعهود تقدم، وهو وطء الثيب، والله أعلم.
(3/579)
قال: فإن كانت بكرا فأراد ردها كان عليه ما
نقصها.
ش: أي فأراد ردها بعدما أصابها، ولا إشكال أن وطء البكر يعيبها عرفا،
وينقصها حسا، لأنه يذهب جزءا منها، وإذا فقد تعيب المبيع عنده، فهل يمنعه
ذلك من الرد إذا اطلع على عيب؟ فيه روايتان مشهورتان، (أشهرهما) عن الإمام
- وهو اختيار الخرقي، والقاضي أبي الحسين، وأبي الخطاب في الانتصار، وأبي
محمد، وغيرهم، قال في التلخيص: هي المشهورة، وعليها الأصحاب -: أن ذلك لا
يمنع الرد، لما تقدم من حديث المصراة، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - جعل للمشتري الرد، مع ذهاب جزء من المبيع وهو اللبن، وجعل
التمر بدله.
1931 - وروى الخلال بسنده، عن ابن سيرين، أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-، قال - في رجل اشترى ثوبا ولبسه، ثم اطلع على عيب -: يرده وما نقص. فأجاز
الرد مع النقصان، وعليه اعتمد أحمد.
(3/580)
1932 - وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
نحو ذلك أيضا، قال: إن كانت ثيبا رد معها نصف العشر، وإن كان بكرا رد
العشر. لكنه ضعيف، ولهذا لم يعتمده الإمام، ولأن ثبوت الرد كان ثابتا له
قبل حدوث العيب عنده، والأصل البقاء ما لم يأت دليل، ثم الحمل على البائع
أولى، لأنه إما مدلس، أو مفرط، حيث لم يختبر ملكه.
(والثانية) - واختارها أبو بكر، وابن أبي موسى، وأبو الخطاب في خلافه
الصغير - يمنع ذلك الرد، إذ الرد كان لإزالة الضرر [عنه، ومع وجود العيب
يلحق الضرر بالبائع، والضرر لا يزال بالضرر] .
(3/581)
1933 - وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
في رجل اشترى جارية فوطئها فوجد بها عيبا - قال: لزمته، ويرد البائع ما بين
الصحة والداء، وإن لم يكن وطئها ردها. لكنه ضعيف أيضا، ومن ثم قال الشافعي
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعلم يثبت عن عمر ولا علي. فعلى هذه الرواية
يتعين للمشتري الأرش، وعلى الأولى على المشتري مع الرد أرش النقص الحادث
عنده، وهو ما نقص المبيع المعيب بالعيب، مثاله أن يقال في مسألتنا: كم
قيمتها بكرا معيبة بالعيب القديم؟ فإذا قيل: مائة.
(3/582)
فيقال: وثيبا؟ فإذا قيل: ثمانون. فما
بينهما عشرون، فهو الواجب، وعلى هذا.
وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى أن الواجب في وطء البكر المهر،
مع أرش البكارة. والله أعلم.
قال: إلا أن يكون البائع دلس العيب، فيلزمه رد الثمن كاملا.
ش: هذا استثناء مما إذا تعيب المبيع عنده، فإنه على رأيه يرده مع الأرش،
واستثنى من ذلك إذا دلس البائع العيب، أي كتمه وأخفاه، فإن للمشتري الرد
بلا أرش، وإذا يلزم البائع رد الثمن كاملا، وهذا هو المذهب المنصوص
المعروف، وقد نص الإمام على أن المبيع لو تلف عند المشتري - والحال هذه -
ثم علم العيب رجع بالثمن كله، ولا شيء عليه للتلف، وبالغ ابن أبي موسى فقال
- في صورة الخرقي -: له الرد قولا واحدا، ولا عقر عليه، وذلك لأن البائع مع
التدليس قد ورط المشتري وغره، فاقتضى
(3/583)
الحمل عليه، وصالا كالغار بحرية أمة،
الضمان عليه بقضاء الصحابة، فكذلك هنا، ومال أبو محمد إلى وجوب الأرش
والحال ما تقدم، مستدلا بحديث المصراة، فإن الشارع جعل لبائعها بدل اللبن،
مع تدليسه وارتكابه النهي، وبحديث «الخراج بالضمان» والمشتري - والحال هذه
- له الخراج، فيكون الضمان عليه لعموم الحديث، وهذا هو الصواب، وقد حكاه
أبو البركات رواية، وكذلك صاحب التلخيص، لكنه إنما حكاها في التلف، إذ
المشتري لا يرجع إلا بالأرش، والله أعلم.
قال: وكذلك سائر المبيع.
ش: استعمل الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - «سائر» هنا بمعنى «باقي» وهي اللغة
الفصحى، كما تقدم، أي باقي المبيع حكمه حكم الأمة فيما تقدم، في أنه إذا
اطلع على عيب فيه، خير بين الرد وبين الأرش، [وفي أنه إذا استغله أو فعل
فيه فعلا ليس بعيب، لم يمنع ذلك من رده] ، وفي أنه إذا تعيب عنده
(3/584)
له الرد، مع رد النقص الحادث عنده، إلا مع
التدليس فلا أرش عليه.
واعلم أن مذهب أبي بكر في التنبيه أن وطء الأمة يمنع الرد مطلقا، معللا
باحتمال أن تحمل منه، وتعيب المبيع لا يمنع الرد، فهو قول ثالث، والله
أعلم.
قال: ولو باع المشتري بعضها ثم ظهر على عيب، كان مخيرا بين أن يرد ملكه
منها بمقداره من الثمن، أو يأخذ أرش العيب بقدر ملكه فيه.
ش: إذا لم يعلم المشتري بالعيب حتى باع بعض المبيع، فله أرش الباقي في ملكه
بلا نزاع نعلمه، فإذا باع النصف مثلا، كان له أخذ نصف الأرش، وإن باع الربع
كان له ثلاثة أرباع الأرش، وهل له أرش ما باعه؟ فيه روايتان مبنيتان على ما
إذا باع الجميع ثم علم بالعيب، هل له الأرش، وهو اختيار القاضي، وأبي محمد،
كما لو لم يبعه إذ الأرش بدل الجزء الفائت، أو لا أرش له إلا أن يعود إليه،
وهو ظاهر كلام الخرقي، لتوقع العود، أو لاستدراك ظلامته بالبيع؟ فيه
روايتان، وهل له رد ما بقي من ملكه من المبيع؟ فيه روايتان أيضا، بناهما
القاضي، وابن الزاغون، وغيرهما على تفريق الصفقة، قال أبو محمد عن القاضي:
سواء كان المبيع عينا واحدة أو عينين، وابن الزاغوني
(3/585)
مثل بالعينين، وخص أبو محمد الخلاف بما إذا
كان المبيع عينين لا ينقصهما التفريق، كالعبدين، والثوبين، أما إن كان عينا
واحدة، أو عينين لكن ينقصهما التفريق، كزوجي خف، ونحو ذلك، فيمتنع عليه
الرد، دفعا للضرر عن البائع، لنقص المبيع - والحال هذه - بالتفريق، إلا أن
يكون البائع دلس المبيع، فإن للمشتري الرد مطلقا، لأن نقص المبيع عنده مع
التدليس لا أثر له.
قلت: الضرر يندفع عن البائع برد أرش نقص التشقيص، وقد صرح بذلك صاحب
التلخيص، وإذا فما قاله غيره أوجه.
وقول الخرقي: ولو باع المشتري بعضها. (يحتمل) أن يرجع الضمير إلى بعض
السلعة المبيعة، وعلى هذا شرح ابن الزاغوني، وإذا يكون اختيار الخرقي جواز
رد الباقي، وكذا
(3/586)
حكى أبو محمد عنه، وعلى هذا إن حصل
بالتشقيص نقص رد أرشه من كلامه السابق، إلا مع التدليس كما تقدم (ويحتمل)
أن يرجع إلى بعض السلعة المدلسة، وعلى هذا لا يكون في كلامه تعرض لرد
الباقي، فيما إذا كان المبيع غير مدلس.
وقد اقتضى كلام الخرقي أنه ليس له رد ما باعه، وهو واضح، نعم إذا عاد إليه
ولو بعقد فله الرد إن لم يأخذ أرشه، ولم يعلم بعيبه حين بيعه، والله أعلم.
قال: وإن ظهر على عيب بعد إعتاقه لها أو موتها في ملكه فله الأرش.
ش: إذا ظهر المشتري على عيب في السلعة المبيعة، بعد أن تلفت - تلفا معنويا
كالإعتاق، ونحوه الوقف، والاستيلاد، أو حسيا كالموت - فله الأرش رواية
واحدة، لأنه كان له قبل ذلك، والأصل البقاء، وفارق البيع على رواية، لعدم
توقع العود، وعدم استدراك الظلامة، وهل له الفسخ، والرجوع بالثمن، وغرامة
القيمة؟ عامة الأصحاب على أنه ليس له ذلك، ولأبي الخطاب تخريج بجواز ذلك،
كأنه من
(3/587)
رواية تلف المبيع في مدة الخيار، وفرق صاحب
التلخيص بأن هنا يعتمد الرد ولا مردود، وثم يعتمد الفسخ.
وظاهر كلام الخرقي أن أرش العبد المعتق يكون للمشتري، ولا يلزمه صرفه في
الرقاب، وهو إحدى الروايتين وأصحهما، إذ العتق إنما صادف الرقبة، لا الجزء
الفائت، (والثانية) : يجب صرفه في الرقاب، لأنه خرج عن الرقبة لله تعالى،
ظانا سلامتها، وذلك يقتضي خروجه عن هذا الجزء، وأبو محمد يحمل هذه الرواية
على الاستحباب، والقاضي يحملها على ما إذا كان العتق كان في واجب، أما إن
كان تبرعا فالأرش له قولا واحدا.
ومفهوم كلام الخرقي أنه لو حصل تصرف المشتري بالبيع، أو العتق، ونحوهما،
بعد العلم بالعيب، أنه لا أرش له، وهو المشهور عند الأصحاب، لأنه قد رضي
بالمبيع، فسقط حقه من الأرش، كما سقط من الرد بلا نزاع، وحكى صاحب التلخيص
[عن بعض الأصحاب أن الأرش لا يمنع التصرف مطلقا، وأبو محمد يقول: إن هذا]
(3/588)
قياس المذهب، كما لو اختار الإمساك
والمطالبة بالأرش، ولأن الأرش عوض الجزء الفائت بالعيب، وذلك موجود مع
التصرف.
(تنبيه) : إذا لم يعلم بالعيب حتى خرجت السلعة المبيعة عن ملكه بهبة، فهل
له الأرش؟ إن قلنا -: فيما إذا باعها -: له الأرش. فكذلك هنا، وإن قلنا: لا
أرش له ثم. فهنا روايتان مبنيتان على تعليل عدم الأرش في البيع، فإن علل
باستدراك الظلامة وجب هنا، لعدم الاستدراك، وإن علل بتوقع العود لم يجب هنا
لذلك، ومختار القاضي وأبي محمد الوجوب، والله أعلم.
قال: وإن ظهر على عيب يمكن حدوثه بعد الشراء وقبله حلف المشتري، وكان له
الرد أو الأرش.
ش: إذا ظهر المشتري على عيب يحتمل حدوثه بعد الشراء وقبله، كالسرقة،
والإباق، والخرق في الثوب، ونحو
(3/589)
ذلك، ففيه روايتان مشهورتان: (إحداهما) : -
وهي اختيار الخرقي - القول قول المشتري مع يمينه، إذ الأصل عدم القبض في
الجزء الفائت، فكان القول قول من ينفيه، كما لو اختلفا في قبض المبيع.
(والثانية) : - وهي أصوبهما واختيار القاضي في الروايتين، وأبي الخطاب في
الهداية - القول قول البائع مع يمينه، لأن الأصل السلامة، وعدم استحقاق
الفسخ، فكان القول قول من يدعي ذلك، ولو لم تحتمل الدعوى إلا قول المشتري -
كالإصبع الزائدة، والجراحة المندملة عقب العقد، ونحو ذلك - فإن القول قوله
بلا يمين، للعلم بصدقه بلا نزاع، وكذلك إن لم تحتمل إلا قول البائع -
كالجرح الطارئ الذي لا يحتمل كونه قديما، ونحو ذلك - فإن القول قوله بلا
يمين أيضا لما تقدم.
(تنبيه) : صفة يمين المشتري أن يحلف أنه اشتراه وبه هذا العيب، أو أنه ما
حدث عنده، أما يمين البائع فعلى حسب جوابه، إن أجاب أن هذا العيب لم يكن
فيه حلف على ذلك، وإن أجاب أنه ما يستحق علي ما يدعيه من الرد حلف على ذلك،
ويحلف على البت، على المشهور من الروايتين، والله أعلم.
(3/590)
قال: وإذا اشترى ما مأكوله في جوفه، فكسره
فوجده فاسدا، فإن لم يكن له مكسورا قيمة - كبيض الدجاج - رجع بالثمن على
البائع، وإن كان له مكسورا قيمة - كجوز الهند - فهو مخير في الرد، ويأخذ
الثمن، وعليه أرش الكسر، أو يأخذ ما بين صحيحه ومعيبه.
ش: مناط هذه المسألة إذا اشترى ما لا يطلع على عيبه إلا بكسره، كالذي ذكره
الخرقي ونحوه، فكسره فوجده معيبا، هل له شيء، أو لا شيء له ما لم يشترط
سلامته؟ فيه روايتان: (إحداهما) : لا شيء له ما لم يشترط سلامته، اعتمادا
على العرف، إذ الناس في بياعاتهم على ذلك. (والثانية) : - وهي المذهب بلا
ريب - له شيء، نظرا إلى أن إطلاق العقد يقتضي السلامة من عيب لم يطلع عليه
المشتري، [فاعتمد ذلك] .
1934 - ودليل هذا الأصل ما روي «عن العداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال:
كتب لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هذا ما اشترى
العداء بن خالد
(3/591)
بن هوذة، من محمد رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اشترى منه عبدا أو أمة - شك عباد أحد الرواة
- لا داء، ولا غائلة ولا خبثة، بيع المسلم» رواه الترمذي، والنسائي، وابن
ماجه، وهذا يدل على أن بيع المسلم هذا حاله.
وعلى هذا لا يخلو إما أن يكون لمكسور ذلك قيمة، أو لا قيمة له، فإن لم يكن
لمكسوره قيمة - كبيض الدجاج، والجوز الخرب، قال أبو محمد: والبطيخ التالف -
فإنا نتبين فساد العقد، لانتفاء شرطه وهو المنفعة، وإذا يرجع المشتري
بالثمن كله. وإن كان لمكسوره قيمة - كجوز الهند، وبيض النعام - فإن كسره
كسرا لا ينتفع به معه فقد أتلفه، فيتعين له الأرش، وإلا إن كان الكسر بقدر
استعلام المبيع فهل ذلك بمنزلة العيب الحادث عنده؟ يخرج فيه روايتيه، أو
ليس بعيب، فيرده بلا أرش، وهو اختيار القاضي، لأنه لا يمكنه معرفة المبيع
إلا بذلك، مع أن البائع سلطه عليه، أو له الرد
(3/592)
مع الأرش، وهو أعدل الأقوال، واختيار أبي
محمد، وصاحب التلخيص، ويشهد له قصة المصراة، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل للمشتري الرد، مع رد بدل ما تلف بيده من المبيع،
وهو اللبن، مع تدليس البائع وغروره، فهنا أولى؟ على ثلاثة أقوال.
وإن كان كسرا يمكن استعلام المبيع بدونه، فلا ريب أنه على الروايتين
المتقدمتين، فيما إذا عاب عنده، نعم على قول القاضي في الذي قبله، إذا رد
هل يلزمه أرش الكسر أو لا يلزمه إلا الزائد على استعلام المبيع؟ محل تردد،
والله أعلم.
قال: وإذا باع عبدا وله مال - قليلا كان المال أو كثيرا - فماله للبائع،
إلا أن يشترطه المبتاع، إذا كان قصده العبد لا المال.
(3/593)
ش: إذا باع عبدا وله مال فماله للبائع، إلا
أن يشترط المبتاع، فيكون له بشرطه.
1935 - لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[قال: سمعت رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من ابتاع نخلا قد أبرت،
فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدا له مال، فماله للذي
باعه، إلا أن يشترط المبتاع» ] رواه مسلم وغيره.
1936 - وعن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه، رواه أبو داود.
1937 - وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بذلك.
1938 - وعن عبادة نحوه، رواه البيهقي في سننه.
(3/594)
وشرط الخرقي لصحة اشتراط المبتاع مال العبد
مطلقا، أن يكون قصده العبد لا المال، لأن المال إذا يدخل عن طريق التبع،
فلا تضر جهالته ولا غير ذلك، كأساسات الحيطان، لا يقال: فباشتراطه يدل على
أنه مقصود، لأنا نقول: المقصود بالشرط - والحال هذه - بقاء المال في يد
العبد، من غير التفات إلى المال، وتحقيق ذلك ألا ترى أن الشارع جوز قرض
الدراهم وغيرها، مع أنه مفض إلى بيع دراهم بدراهم إلى أجل، لكن لما كان
القصد منه الرفق، لا بيع دراهم بدراهم نسيئة، لم يمنع منه، أما إن كان قصده
المال فإنه يشترط لصحة الشرط اشتراط شروط المبيع، من العلم بالمال، وكونه
مع العوض المبذول لا يجري الربا بينهما، وغير ذلك، كما يشترط ذلك في
العينين المبيعتين، لأنه إذا بمنزلتهما.
واعلم أن من مذهب الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العبد لا يملك، فكلامه
خرج على ذلك، وهو ظاهر كلام القاضي في التعليق، وتبعهما أبو البركات، أما
إن قلنا: العبد يملك. فصرح أبو البركات بأنه يصح شرطه إن كان مجهولا، ولم
(3/595)
يعتبر أبو محمد الملك، بل أناط الحكم
بالقصد وعدمه، وزعم أن هذا منصوص أحمد والخرقي، وفي نسبة ذلك إليهما نظر،
لاحتمال بنائهما على الملك كما تقدم، وهو أوفق لكلام الخرقي، ولمشهور كلام
الإمام، وحكى أبو محمد عن القاضي أنه رتب الحكم على الملك وعدمه، فإن قلنا:
يملك. لم يشترط، وإن قلنا: لا يملك. اشترط، وحكى صاحب التلخيص عن الأصحاب
أنهم رتبوا الحكم على القصد وعدمه، كما يقوله أبو محمد، ثم قال: وهذا على
القول بأن العبد يملك، أما على القول بأنه لا يملك، فيسقط حكم التبعية،
ويصير كمن باع عبدا ومالا، وهذا
(3/596)
عكس طريق أبي البركات، ثم يلزم منه التفريع
على الرواية الضعيفة، ويتلخص في المسألة أربع طرائق، والله أعلم.
[البيع بشرط البراءة من العيوب]
قال: ومن باع حيوانا أو غيره بشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ، سواء علم به
البائع أم لم يعلم.
ش: من باع شيئا وشرط البراءة من كل عيب - بأن يقول: بعتك وأنا بريء من كل
عيب - لم يبرأ، وكذلك إن لم يعمم ولم يبين، بأن قال: من عيب كذا إن كان
فيه، ولا فرق في ذلك بين علم البائع وعدمه، على المنصوص والمختار للأصحاب
من الروايات، لأنه خيار ثبت شرعا بمطلق العقد، فلم يسقط بشرط الإسقاط،
الدليل عليه خيار الرؤية، وخيار الفسخ عند انقطاع المسلم فيه في المحل،
ولأن في ذلك خطرا وغررا، وهما منفيان شرعا.
(والرواية الثانية) : إن علم البائع بالعيب وكتمه لم يبرأ، لأنه إذا مدلس
مذموم.
1939 - قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس منا من غش» وقال:
«من غش فليس مني» .
(3/597)
1940 - وقال: «المسلم أخو المسلم، لا يحل
لمسلم إن باع من أخيه بيعا أن لا يبينه له» وإن لم يعلم برئ، لعدم ارتكابه
الذم، وتمهد عذره في ذلك.
1941 - وبهذا قضى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ففي الموطأ أن ابن عمر
باع غلاما له بثمانمائة درهم، وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه: بالغلام
داء ولم يسمه، فاختصما إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال الرجل:
باعني عبدا وبه داء ولم يبينه لي. فقال ابن عمر: بعته بالبراءة، فقضى عثمان
على ابن عمر باليمين، أن يحلف له: لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه. فأبي
عبد الله أن يحلف له، وارتجع العبد، فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة
درهم، ومثل هذا يشتهر ولم ينكر، فينزل منزلة الإجماع، مع أن مالكا قد حكاه
إجماعا لهم، فقال: الأمر المجتمع عليه عندنا في من باع عبدا أو حيوانا
بالبراءة، فقد برئ من كل عيب، إلا أن يكون علم في ذلك عيبا فكتمه، فإن كان
علم عيبا فكتمه لم تنفعه
(3/598)
تبرئته، وكان ما باع مردودا عليه، (وعن
أحمد) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحة البراءة من المجهول، فخرج من ذلك أبو
الخطاب وأتباعه صحة هذا الشرط، لأن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - علل الرواية
بالجهالة ويستدل لهذا التحريم بعموم «المسلمون عند شروطهم» ونحو ذلك.
1942 - وبدليل الأصل، وهو ما روي «أن رجلين اختصما في مواريث درست إلى رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: استهما وتوخيا الحق، وليحلل كل منكما صاحبه»
(3/599)
انتهى.
(فعلى المذهب) يلغو الشرط، ويصح العقد، وخرج أبو الخطاب أيضا ومن تبعه قولا
ببطلانهما، من الرواية في الشروط الفاسدة، وفرق القاضي في المجرد بأن إطلاق
العقد يقتضي عدم الرد، إذ الأصل السلامة، واشتراط عدم الرد شرط من مقتضى
العقد، وكأنه اشتراه بغير شرط البراءة، وقد أصاب به عيبا، فيخير بين
الإمساك والرد. «وعلى الثانية» لو ادعى المشتري أن البائع علم بالعيب،
وإنما اشترط البراءة تدليسا، فالقول قول البائع مع يمينه، ولا تفريع على
الثالثة.
(3/600)
ونص الخرقي على الحيوان لينبه على مذهب
الغير.
(تنبيه) ليس منصوص المسألة: بعتك على أن به عيب كذا، وأنا بريء منه، بل هنا
يصح الشرط، كما لو قال: وبه هذا العيب، وأوقفه عليه، والله أعلم.
قال: ومن باع سلعة بنسيئة، لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها به.
ش: أي نقدا، بقرينة ذكر النسيئة أولا.
1943 - وذلك لما روى الدارقطني بسنده إلى أبي إسحاق السبيعي، عن امرأته،
أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم، فقالت: يا أم المؤمنين
إني بعت غلاما من زيد بثمانمائة درهم نسيئة، وإني ابتعته منه بستمائة نقدا،
فقالت لها عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: بئس ما اشتريت، وبئس ما شريت،
إن جهاده مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد بطل إلا
أن يتوب. ومثل هذا لا يقال قياسا، إنما يقال توقيفا،
(3/601)
وأيضا ما تقدم من سد الذرائع، إذ ذلك وسيلة
إلى بيع ثمانمائة بستمائة إلى أجل، وإنه لا يجوز.
1944 - ومن ثم يروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في مثل ذلك
أنه قال: أرى مائة بخمسين بينهما حريرة.
1945 - وقد روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: سمعت رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا تبايعتم بالعينة،
وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا
ينزعه
(3/602)
حتى تراجعوا دينكم» رواه أبو داود وقد فسر
أبو عبيد الهروي العينة بما تقدم.
وقيل: بالجواز، كما لو كان الشراء بعد قبض ثمنه بدونه، أو قبله بمثله أو
أكثر، ونحو ذلك، وينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم يكن حيلة، أما إن قصد
الحيلة ابتداء فإن العقدين يبطلان، وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن
كان هذا ثابتا - أي ما روي عن عائشة - فتكون عابت عليه بيعا إلى العطاء،
لأنه أجل غير معلوم، بناء منه على أن في بعض الروايات:
(3/603)
إني بعته جارية إلى العطاء. مردود بأن في
رواية أخرى قالت: أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ قالت عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا -: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى}
[البقرة: 275] وهذا دليل على أنها - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رأت أن ذلك
ربا، وعابته لذلك، (وقوله أيضا) : إن زيدا خالفها، وإن القياس معه، فقوله
أولى. معترض بأنه لم ينقل أنه خالفها بعد إنكارها عليه، والظاهر أنه لم يكن
عنده علم بالمسألة، فاعتمد على الأصل في الإذن في البيع، وإذا فتوعد عائشة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على استمراره على ذلك، ولا نسلم أن القياس معه،
بل القياس المنع، اعتمادا على [قاعدة سد الذرائع، ثم لا نسلم أن موافقة
القياس تقتضي ترجح قوله، بل العكس، إذ من] خالف القياس الظاهر أن قوله عن
توقيف، ومن ثم قال بعض العلماء: إن قول الصحابي إذا خالف القياس حجة، بخلاف
ما إذا لم يخالفه. انتهى.
(3/604)
والخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترجم المسألة
بقوله: ومن باع سلعة إلى آخره، اكتفاء بالمعتاد في ذلك، وتمام ترجمتها «بأن
يشتري ما باعه نقدا، هو أو وكيله، من مشتريه، بدون ما باعه به نسيئة، قبل
قبض ثمنه، مع بقاء صفته» «فنقدا» يخرج ما لو كان البيع بعرض والشراء بنقد،
أو بالعكس، أو البيع بعرض والشراء بآخر، فإنه يجوز إذ لا ربا بين الأثمان
والعروض، ولا بين عرضين، «وهو أو وكيله» يخرج ما لو كان المشتري أباه أو
ابنه، ونحو ذلك، فإنه يجوز، وفيه تصريح بأن فعل الوكيل كفعل الموكل، و «من
مشتريه» يخرج ما لو اشتراه من غيره، بعد انتقاله إليه، ونحو ذلك، فإنه
يجوز، و «بدون ما باعه به» يخرج ما إذا باعه بمثله أو أزيد، فإنه يجوز،
ويخرج ما إذا باعه بجنس - كالدراهم مثلا - واشتراه بجنس آخر، كالدنانير،
فإنه يجوز على قول الأصحاب، كما لو اشتراه بعرض، وأبو محمد يختار المنع،
لأن النقدين كالجنس الواحد في معنى الثمنية، و «نسيئة» هو أحد شقي المسألة،
أن يبيع نقدا ويشتري نسيئة، و «قبل قبض ثمنه» يخرج ما إذا باعه
(3/605)
بعد قبض الثمن، فإنه يجوز، و «مع بقاء
صفته» يخرج ما إذا تغيرت صفته بما ينقصه، فإنه يجوز شراؤه بأقل مما باع به،
أما لو تغيرت بزيادة فبطريق التنبيه لا يجوز، ويفهم من تغير الصفة أنه لا
أثر لتغير السعر.
(تنبيه) : عكس هذه المسألة إذا كان البيع حالا، والشراء بأكثر مما باعها به
نسيئة، وفي ذلك روايتان، حكاهما أبو العباس: (إحداهما) : - ونص عليها في
رواية حرب - المنع كالتي قبلها. (والثانية) : - وهي احتمال لأبي محمد -
الجواز ما لم يكن حيلة، نظرا لأصل حل البيع، خرج منه الصورة المتقدمة، وهذه
لا تساويها، لندرة وقوعها، فتبقى على الأصل، والله أعلم.
قال: وإذا باع شيئا مرابحة، فعلم أنه زاد في رأس المال، رجع عليه بالزيادة
وحظها من الربح.
ش: المرابحة البيع برأس المال وربح معلوم، نحو: بعتك برأس مالي وربح عشرة.
أو: على أن أربح في كل عشرة
(3/606)
درهما، وهو «ده يازده» ويشترط للصحة في
الصورتين معرفة البائع والمشتري لرأس المال حال العقدين، فلو جهلا أو
أحدهما لم يصح.
إذا عرف هذا، وتبايعا كذلك، ثم علم المشتري بعد ذلك - ببينة أو إقرار - أن
البائع زاد في رأس المال، - كأن كان رأس المال تسعين، فأخبر أنه مائة - فإن
المشتري يرجع عليه بالزيادة - لأن البائع التزم له البيع برأس المال -
بحظها من الربح، لأن العشرة مثلا إذا سقطت يسقط ما يقابلها، لأنه إنما ثبت
تبعا لها، ولأبي محمد احتمال في:
(3/607)
وربح عشرة. أن المشتري لا يرجع بشيء من
الربح، لأن البائع إنما رضي بإخراجها عن ملكه بهذا الربح. انتهى.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار للمشتري والحال هذه، وهو إحدى الروايتين،
واختيار صاحب التلخيص فيه، لأنه ازداد خيرا، إذ من رضي بمائة وعشرة مثلا،
يرضى بتسعة وتسعين، (والثانية) : له الخيار. لاحتمال أن له غرضا في الشراء
بالثمن الأول، لتحلة قسم، أو وفاء بعهد، ونحو ذلك، ثم مع ظهور خيانة البائع
يزول ائتمان المشتري له في الثمن الثاني، والله أعلم.
قال: وإن أخبر بنقصان من رأس ماله، كان للمشتري ردها أو إعطاؤه ما غلط به.
ش: إذا باع مرابحة ثم أخبر بنقصان من رأس المال - مثل أن يخبر أن رأس ماله
مائة، ثم يدعي أن رأس ماله إنما هو
(3/608)
مائة وعشرة، وأنه غلط فيما أخبر به أولا -
فهل (القول قوله) وهو ظاهر قول الخرقي، لأن البائع لما دخل معه في المرابحة
فقد ائتمنه، والقول قول الأمين، (أو لا يقبل قوله) إلا أن يكون معروفا
بالصدق، لترجح قوله إذا، بخلاف ما إذا لم يكن معروفا بذلك، فإن الظاهر
كذبه، فيلغى قوله، (أو لا يقبل إلا ببينة) ، لأن مجرد قوله الثاني يعارضه
قوله الأول، فيتساقطان، بخلاف ما إذا كان مع الثانية بينة، فإنه يترجح بها،
وهذا اختيار أبي محمد، وحمل كلام الخرقي عليه، مدعيا أن الخرقي إنما لم
يذكر ذلك لأنه عطفه على قوله قبل: فعلم أنه زاد في رأس المال. والعلم يكون
ببينة أو إقرار، كذلك هنا. (أو لا يقبل قوله) وإن أتى ببينة، لتكذيبه لها
ظاهرا؟ أربع روايات.
فعلى الأولى إن صدق المشتري البائع فلا يمين عليه، وإن كذبه فعليه اليمين،
كغيره من الأمناء، وهذه اليمين تستفاد من قول الخرقي بعد: وكل من قلنا:
القول قوله. فلصاحبه عليه اليمين. وصفة هذه اليمين، كما قاله أبو الخطاب:
إني غلطت، وشراؤها علي كذا، لأنه يحلف على فعل نفسه،
(3/609)
فيمينه على البت، وكذلك الحكم على الثانية
إن كان معروفا بالصدق، وإلا فدعواه ملغاة رأسا إن لم يكن له بينة، وكذلك
تلغى دعواه على الثالثة إن لم يكن له بينة، وكذلك على الرابعة مطلقا، بقي
إذا لم يقبل مجرد قوله، فادعى أن المشتري يعلم غلطه، فأنكر، فإن القول
قوله، لإنكاره، وهل ذلك مع يمينه، وهو رأي أبي محمد، أو لا يمين عليه، وهو
رأي القاضي لأنه مدع، واليمين على المدعى عليه؟ على قولين، ورد قول القاضي
بأنه - والحال هذه - مدعى عليه.
إذا عرف هذا فحيث ثبت أنه أخبر بنقصان - إما بتصديق المشتري له، وإما
بقوله، أو ببينة، ونحو ذلك - فإن المشتري يخير بين إعطاء البائع ما غلط به،
لأن بيعه كان
(3/610)
برأس ماله، ورأس ماله قد ثبت أنه كذلك، فإن
لم يعطه كان له الفسخ، وبين الرد، لأنه لم يرض بالزائد، نعم إن رضي البائع
بترك الزيادة فلا رد له. ولم يذكر الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن البائع -
والحال هذه - يرجع على المشتري بحظ ما غلط به من الربح، وكذا أبو الخطاب في
الهداية، وصاحب التلخيص فيه، وأبو البركات، وقال أبو محمد: يرجع بحظ ذلك من
الربح، فإذا قال: وربح درهم في كل عشرة. رجع بدرهم، إذا كان الغلط بعشرة،
وكذلك إن قال: وربح عشرة. وكان ما أخبر به أولا مائة، وله احتمال في هذه
الصورة فقط، أنه لا يرجع بشيء، لرضاه في السلعة بربح عشرة، والله أعلم.
قال: وله أن يحلفه أنه وقت ما باعها لم يعلم أن شراءها أكثر من ذلك.
ش: حيث ثبت أن البائع أخبر بنقصان - إما بقوله، أو ببينة، ونحو ذلك - فادعى
عليه المشتري أنه وقت البيع كان عالما أن شراءها أكثر مما أخبر به، فإن
دعواه تسمع، لأن
(3/611)
البائع لو أقر بذلك لزم البيع في حقه بما
أخبر به، أولا، لرضاه به، وتعاطي سببه، فهو كمشتري المعيب عالما بعيبه، ثم
إن أقر البائع بذلك لزم البيع بما حصل الإخبار به أولا، لما تقدم، وإن أنكر
- بأن قال: ما علمت ذلك. ونحوه - فللمشتري أن يحلفه على حسب جوابه، فإن حلف
فلا كلام، وإن نكل، أو أقر قضي عليه، والله أعلم.
[اختلاف المتبايعين في البيع]
قال: وإن باع شيئا واختلفا في ثمنه تحالفا.
ش: إذا اختلف المتبايعان في ثمن المبيع - كأن قال البائع: بعته بمائة.
مثلا، وقال المشتري: إنما اشتريته بخمسين. ونحو ذلك - فإن كانت لأحدهما
بينة حكم بها، وإلا تحالفا، على المشهور، والمختار للأصحاب من الروايات.
1946 - لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء
رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» متفق عليه واللفظ لمسلم.
(3/612)
1947 - وللبيهقي «البينة على المدعي،
واليمين على من أنكر» وكل من المتبايعين مدع ومنكر، إذ البائع في مثالنا
يدعي فضل الثمن، والمشتري ينكره، والمشتري يدعي السلعة بأقل، والبائع
ينكره، وإذا يحلف كل واحد منهما على ما أنكره، عملا بعموم الحديث.
1948 - وللبيهقي في سننه عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن [الفقهاء من] أهل
المدينة، كانوا يقولون: إذا تبايع الرجلان واختلفا في الثمن تحالفا، فأيهما
نكل لزمه القضاء، فإن حلفا فالقول قول البائع، وخير المبتاع، إن شاء أخذ
بذلك الثمن، وإن شاء ترك، وقد زعم أبو محمد أن في بعض ألفاظ حديث ابن مسعود
الآتي «إذا اختلف المتبايعان، والسلعة قائمة، ولا بينة لأحدهما تحالفا»
(والثانية) القول
(3/613)
[قول] البائع مع يمينه، حكاها ابن أبي
موسى، وابن المنذر، وزاد: ويترادان البيع.
1949 - لما روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اختلف المتبايعان، وليس بينهما
بينة، فالقول ما يقول صاحب السلعة، أو يترادان» رواه الإمام أحمد، وأبو
داود، والنسائي، وفي رواية: «أو يتتاركان» وفي أخرى «فالقول ما قال البائع،
والمبتاع بالخيار» وفي أخرى لأحمد والنسائي «عن أبي عبيدة، وأتاه رجلان
تبايعا سلعة، فقال هذا: أخذت بكذا وكذا، وقال هذا: بعت بكذا وكذا. فقال أبو
عبيدة: أتي عبد الله في مثل هذا، فقال: حضرت النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مثل هذا، فأمر بالبائع أن يستحلف، ثم يخير
المبتاع، إن شاء أخذ، وإن شاء ترك» . ولم أر في شيء
(3/614)
من ألفاظ الحديث «تحالفا» .
وهذه الرواية، وإن كانت خفية مذهبا، فهي ظاهرة دليلا، اعتمادا على هذا
الحديث، لا يقال: هذا الحديث منقطع، كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
وكذا قال ابن عبد البر [وغيره: إن فيه انقطاعا. لأنا نقول: لما تعددت طرقه،
تقوى بعضها ببعض، ودل ذلك على أن له أصلا، وقد قال ابن عبد البر] : هو
محفوظ، مشهور، أصل عند جماعة
(3/615)
العلماء، تلقوه بالقبول، وبنوا عليه كثيرا
من فروعه، قد اشتهر عنهم بالحجاز، والعراق، شهرة يستغنى بها عن الإسناد.
1950 - كما اشتهر حديث «لا وصية لوارث» انتهى.
ويشهد لذلك أيضا (من جهة المعنى) أن السلعة كانت للبائع، والمشتري يدعي
نقلها بعوض، والبائع ينكره إلا
(3/616)
بالعوض الذي عينه، والقول قول المنكر، وعدم
الرضى إلا بذلك، (ومن جهة المذهب) إذا اختلف المكاتب وسيده في عوض الكتابة:
القول قول السيد. على رواية مرجحة عند البعض.
وما ذكر للرواية الأولى فغايته أنه عموم، على أنه قد يمنع أن كلا منهما،
منكر، بل قد يقال: البائع هو المنكر للنقل بالعوض الذي ذكره المشتري، أو
المنكر هو المشتري، لأن حقيقة ما يدعي عليه قدر رأس المال، وهو ينكره.
(والثالثة) : حكاها أبو الخطاب في الانتصار: إن كان قبل القبض تحالفا، لما
تقدم أولا، وإن كان بعده فالقول قول المشتري، لاتفاق البائع والمشتري على
حصول الملك له، ثم البائع يدعي عليه عوضا، والمشتري ينكر بعضه، والقول قول
المنكر، والله أعلم.
(3/617)
قال: فإن شاء المشتري أخذه بعد ذلك بما قال
البائع، وإلا انفسخ البيع بينهما.
ش: هذا تفريع على المذهب من أنهما يتحالفان، وإذا هل ينفسخ البيع بينهما
بنفس التحالف، وهو المنصوص، على ما زعم ابن الزاغوني، لأن المقصود من
التحالف رفع العقد، فاعتمد ذلك أو لا ينفسخ بذلك، وهو المشهور، والمعروف،
والمختار للخرقي، وابن أبي موسى، وأبي الخطاب، والشيخين وغير واحد، لأنه
عقد صحيح، فتنازعهما لا يقتضي فسخه، كما لو أقام كل منهما بينة؟ على قولين،
وعلى الثاني إن شاء المشتري الأخذ بما قال البائع أخذ به ولا فسخ، لما تقدم
من حديث ابن مسعود، وكذلك إن رضي البائع بما حلف عليه المشتري.
وإن امتنعا من ذلك فهل ينفسخ البيع بمجرد إبائهما، وهو ظاهر كلام الخرقي،
أو لا ينفسخ بذلك، وهو المعروف عند الشيخين وغيرهما؟ على قولين، وعلى
الثاني: هل يفتقر الفسخ إلى حاكم؟ وهو احتمال لأبي الخطاب في الهداية، وقطع
به ابن الزاغوني، لوقوع الخلاف في ذلك، أو لا يفتقر
(3/618)
إلى ذلك، بل لكل منهما الفسخ، وهو مختار
الشيخين وغيرهما، لما تقدم من حديث ابن مسعود «أو يترادان البيع،
(3/619)
أو يتتاركان البيع، ثم يخير المبتاع، إن
شاء أخذ، وإن شاء ترك» وفي الحديث أن الأشعث بن قيس قال لعبد الله بن مسعود
- وكانا اختلفا في ثمن مبيع -: فإني تارك لك البيع؟ على قولين، والله أعلم.
قال: والمبتدي باليمين البائع.
ش: لما قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن البائع والمشتري يتحالفان. فلا بد من
أن أحدهما يبدأ باليمين، فقال: إن المبتدئ بها هو البائع، وذلك لتساويهما
من حيث الإنكار، وترجح البائع لكون العين ترجع إليه بعد التحالف، ومن نكل
منهما عن اليمين، أو عن بعضها قضي عليه.
(تنبيه) صفة اليمين أن كلا منهما يحلف يمينا واحدة، يجمع فيها بين النفي
والإثبات، فيحلف البائع: ما بعته بكذا، وإنما بعته بكذا، أو ما بعته إلا
بكذا. ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا. أو: ما
اشتريته إلا بكذا، لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه، فالإثبات لدعواه، والنفي
لما ادعي عليه، ثم هل يبدأ بالنفي،
(3/620)
وهو المشهور، لدفع قول الخصم، أو بالإثبات،
لإثبات دعواه ابتداء؟ على وجهين، والله أعلم.
قال: وإن كانت السلعة تالفة تحالفا.
ش: يعني أنه لا فرق بين أن تكون السلعة قائمة أو تالفة، أنهما يتحالفان،
وهذا إحدى الروايتين، (والثانية) - وهي أنصهما، واختيار أبي البركات -: إن
كانت السلعة باقية تحالفا، وإن كانت تالفة فالقول قول المشتري مع يمينه.
(3/621)
1951 - لأن في حديث ابن مسعود - في رواية
ابن ماجه - والبيع قائم بعينه وفي رواية لأحمد والسلعة كما هي ومفهومه أن
السلعة إذا تلفت لا يكون القول قول البائع، وإذا يكون قول المشتري، لأن
حقيقة ما يدعى عليه قدر رأس المال، وهو ينكر بعضه، والقول قول المنكر، وقد
صرح بذلك الدارقطني في رواية، فقال: «إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع،
فإذا استهلك فالقول ما قال المشتري» وهذا نص.
والرواية الأولى اختيار الخرقي والأكثرين، لأن المشهور والصحيح من الرواية
في الحديث ما تقدم، وهذه الرواية قد ضعفت، من قبل أن راويها محمد بن أبي
ليلى، وهو سيء الحظ، ورواية الدارقطني فيها الحسن بن عمارة، وهو متروك.
1952 - ثم يعارضه ما روى الدارقطني أيضا في الحديث عن عبد الله، عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا اختلف البيعان، والمبيع
مستهلك،
(3/622)
فالقول قول البائع» لكنه من رواية عبد الله
بن عصمة، وهو ضعيف، انتهى.
واعلم أن هذه الرواية المنصورة، وقد أخذها القاضي في روايتيه من إطلاق أحمد
أن المتبايعين إذا اختلفا تحالفا، ولم يفرق، وعلى هذا من يخص عام كلام إمام
بخاصه تكون المسألة عنده رواية واحدة، في أن القول مع التلف قول المشتري.
ثم اعلم أن أبا محمد ينصر الرواية المنصورة عند الأصحاب، لكن يقول: ينبغي
أن قيمة السلعة إذا كانت مساوية للثمن الذي ادعاه المشتري، أن القول قول
المشتري مع يمينه، لعدم الفائدة في يمين البائع، وفسخ البيع، إذ حاصله يرجع
إلى ما ادعاه المشتري، وله فيما إذا كانت القيمة أقل احتمالان: (أحدهما) :
كالأول، إذ لا فائدة للبائع في الفسخ، بل وفيه ضرر عليه: (والثاني) : يشرع
(3/623)
التحالف، لحصول الفائدة للمشتري، والله
سبحانه أعلم.
قال ورجعا إلى قيمة مثلها، إلا أن يشاء المشتري أن يعطي الثمن على ما قاله
البائع.
ش: يعني إذا كانت السلعة تالفة وتحالفا فإن شاء المشتري أن يعطي الثمن عل
ما قال البائع، وإلا انفسخ البيع بينهما على ما قاله الخرقي، وإذا يرجع كل
منهما إلى ما خرج عنه، والذي خرج عن المشتري هو الثمن، فيرجع فيه، إن كان
قد قبض، والذي خرج عن البائع هو السلعة، وقد تعذر الرجوع فيها، فيرجع في
بدلها وهو القيمة، فإن تساويا، وكانا من جنس واحد، تقاصا وتساقطا، وإلا سقط
الأقل، ومثله من الأكثر، هذا المشهور والمعروف.
وقال ابن المنجا: إن كلام أبي الخطاب أن القيمة إن زادت على الثمن أن
المشتري لا تلزمه الزيادة، لأنه قال: المشتري بالخيار بين دفع الثمن الذي
ادعاه البائع، وبين دفع
(3/624)
القيمة، وذلك لأن البائع لا يدعي الزيادة
(قلت) : وكلام أبي الخطاب ككلام الخرقي، وليس فيه أن ذلك بعد الفسخ، بل هذا
التخيير مصرح به بأنه بعد التحالف، وليس إذ ذاك فسخ، ولا شك أن المشتري
والحال هذه مخير - على المشهور كما تقدم - عند قيام السلعة، فكذلك عند
تلفها، والذي قاله ابن المنجا كأنه بحث لصاحب النهاية، فإنه حكى عنه بعد
ذلك أنه قال: وجوب الزيادة أظهر لأن بالفسخ سقط اعتبار الثمن.
وقد بحث أبو العباس ذلك أيضا، فقال: يتوجه أن لا تجب قيمته إلا إذا كانت
أقل من الثمن، أما إن كانت أكثر فهو قد رضي بالثمن، فلا يعطى زيادة،
لاتفاقهما على عدم استحقاقها، قال: كما قلنا مثل هذا في الصداق ولا فرق،
إلا أن هنا انفسخ العقد الذي هو سبب استحقاق المسمى، بخلاف الصداق، فإن
المقتضي لاستحقاقه قائم. والله أعلم.
(3/625)
قال: فإن اختلفا في صفتها فالقول قول
المشتري مع يمينه في الصفة.
ش: أي إذا تحالفا ورجعا إلى قيمة السلعة، فإن اتفقا على قيمتها فلا كلام،
وإن اختلفا في صفتها، والصفة ليست عيبا - كالسمن والكتابة ونحوهما - فالقول
قول المشتري مع يمينه، بلا نزاع نعلمه، لأنه غارم، والقول قول الغارم،
واعتمادا على أصل براءة الذمة، ثم الأصل عدمها، وإن كانت عيبا، كالبرص،
والخرق في الثوب، ونحو ذلك، فهل القول قول المشتري، وهو المشهور، وظاهر
كلام الخرقي، لما تقدم من أنه غارم، أو قول البائع في نفي ذلك، لأن الأصل
عدمها؟ فيه وجهان، وملخص الأمر أنه قد تعارض أصلان، فخرج قولان، والله
أعلم.
[بيع العبد الآبق والطير في الهواء]
قال: ولا يجوز بيع الآبق.
ش: لأنه بيع غرر، وإنه منهي عنه شرعا، والنهي يقتضي الفساد.
(3/626)
1953 - ودليل النهي ما روى أبو هريرة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الغرر» .
1954 - على أن في المسند، وسنن ابن ماجه، عن أبي سعيد: «نهى رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع ما في بطون الأنعام، وعما في
ضروعها إلا بكيل، وعن شراء الغنائم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض،
وعن شراء العبد وهو آبق، وعن ضربة الغائص» . إلا أن فيه كلاما، ومن ثم قال
البيهقي: هذا وإن لم يثبت فكله داخل في بيع الغرر، [قلت
(3/627)
وهذا صحيح، إذ الغرر]- على ما فسره القاضي
من أصحابنا [وغيره]- ما تردد بين جائزين، ليس هو في أحدهما أظهر، والآبق
كذلك، لأنه متردد بين الحصول والعدم، وكلام الخرقي شامل لآبق يعلم خبره أو
لا يعلم، وهو كذلك، والله أعلم.
قال: ولا الطائر قبل أن يصاد.
ش: لأن ذلك من الغرر المتقدم، وقد دخل في كلام الخرقي المملوك وغير
المملوك، وما يألف العود أو لا يألفه، وهو كذلك.
وقوله: قبل أن يصاد، يخرج منه ما إذا صيد [وهو واضح، ثم: ما صيد. يدخل فيه
ما صيد] ببرج ونحوه،
(3/628)
وقد اختلف في بيع الطائر في البرج، فأجازه
أبو محمد، بشرط كون الباب مغلوقا، إناطة بالقدرة على التسليم، وشرط القاضي
مع ذلك إمكان أخذه بسهولة، فإن لم يمكن أخذه إلا بتعب ومشقة لم يجز، لأن
قدر ذلك غير معلوم، والله أعلم.
قال: ولا السمك في الآجام.
ش: لما تقدم أيضا.
1955 - وقد روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تشتروا السمك في الماء،
فإنه غرر» رواه الإمام أحمد، لكن قال البيهقي: إن فيه انقطاعا.
وقوله: في الآجام. يخرج منه ما إذا كان بيده ونحوه ذلك، كأن كان في بركة
معدة للصيد، وعرف إما برؤيته كما إذا رئي في الماء لصغر البركة، ونحوها،
وأمكن أخذه،
(3/629)
صح بيعه، لانتفاء المحذور، وهو عدم القدرة
على التسليم، نعم إن كان في أخذه كلفة ومشقة خرج فيه ما تقدم من الخلاف في
الطائر في البرج، وأبو محمد هنا يسلم أن البركة إذا كانت كبيرة، وتطاولت
المدة في أخذه، أنه لا يجوز بيعه، للجهل بوقت إمكان التسليم، والله أعلم.
قال: والوكيل إذا خالف فهو ضامن، إلا أن يرضى الآمر فيلزمه.
ش: أما ضمان الوكيل إذا فلأنه خرج بمخالفته من حيز الأمانة إلى حيز
الخيانة، وإذا يضمن، لتعديه وظلمه، وأما زوال الضمان عنه برضى الآمر فلأن
الضمان كان لمخالفته، وبرضى الآمر كأن المخالفة قد زالت.
هذا من حيث الجملة، أما من حيث التفصيل فمخالفة الوكيل تارة تكون في أصل ما
وكل فيه، كأن يوكله في شراء عبد، فيشتري ثوبا، أو في بيع عبده زيد، فيبيع
عبده سعيدا، ونحو ذلك، فهذا لا إشكال في ضمان ما فوته على المالك، لعدم
موافقته المأمور بوجه، ثم ينظر فإن كان البيع لأعيان مال الموكل، أو الشراء
بعين ماله، لم يصح تصرفه، على الصحيح المشهور من الروايتين، لارتكابه
النهي.
(3/630)
1956 - بدليل حديث «حكيم بن حزام: نهاني
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أبيع ما ليس عندي» .
وفي لفظ: «لا تبع ما ليس عندك» رواه البخاري وغيره، أي: ما ليس في ملكك.
1957 - بدليل ما في سنن البيهقي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، «أن
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل عتاب بن أسيد إلى
أهل مكة «أن أبلغهم عن أربع خصال، إنه لا يصلح شرطان في بيع، [ولا بيع
وسلف] ، ولا بيع ما لم يملك، ولا ربح ما لم يضمن» .
(3/631)
(والثانية) يقع التصرف موقوفا على إجازة
مالكه، إن أجازه جاز، وإن رده بطل.
1958 - لحديث «عروة بن أبي الجعد البارقي، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاه دينارا ليشتري به شاة، فاشترى له به شاتين،
فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو
اشترى التراب لربح فيه» ، رواه البخاري وغيره.
(3/632)
وإن كان الشراء في الذمة فهل ذلك كما لو
كان الشراء بالعين، تجري فيه الروايتان، وهو قول القاضي في روايتيه، أو يصح
هذا في الجملة بلا خلاف، وهو المعروف المشهور؟ على طريقتين للأصحاب، وعلى
الثاني: هل من شرط الصحة أن لا يسمي الموكل في العقد، وهو رأي القاضي، وأبي
البركات، أو لا يشترط ذلك، وهو رأي أبي محمد؟ وفيه قولان، وحيث حكم بالصحة
فإن رضي الموكل بذلك التصرف لزمه، وزال الضمان عن الوكيل، فيما دفعه من مال
ونحو ذلك، وإلا لزم الوكيل ما اشتراه، وعليه ضمان الثمن إن كان قد نقده،
وعلى هذه الصورة يحمل كلام الخرقي، انتهى.
(3/633)
وتارة يخالف الوكيل في صفة ما وكل فيه،
فهذا إن شهد العرف أن مخالفته كلا مخالفة لم تضر، وذلك كأن يوكله في بيع
شيء بمائة، فيبيعه بمائة وعشرة، أو بدرهم فيبيعه بدينار، على أحد الوجهين،
لحصول المقصود بالدرهم من الدينار من كل وجه، بخلاف العرض، أو يأمره بالبيع
نساء، أو الشراء حالا، فيبيع حالا، أو يشتري نسيئة، ولا ضرر على الموكل في
حفظ الثمن، وعن القاضي أنه لم يشترط نفي الضرر، أو يأمره بالبيع بثمن في
سوق، فيبيع به في آخر، لعدم تعلق الغرض به غالبا، بخلاف ما لو قال: بعه
لزيد، فباعه لعمرو، فإنه لا يصح لتعلق عرضه بذلك غالبا، انتهى.
وإن لم يشهد العرف بذلك لكن يمكن تدارك ما حصل من الضرر عن الموكل، مثل أن
يوكله في بيع شيء بمائة، أو شراء شيء بخمسين فيبيع بخمسين ويشتري بمائة،
ونحو ذلك، فهذا هل يصح ويضمن الوكيل الزيادة والنقص، لتفريطه، ومخالفته،
وهو المنصوص، لزوال الضرر عن الموكل، ولا يلزم من زوال الوصف زوال الأصل،
أو لا يصح، وهو اختيار أبي محمد في المغني، وبه جزم صاحب
(3/634)
التلخيص، وقال: إنه الذي تقتضيه أصول
المذهب، ويحكى رواية، لأنه مع مخالفته خرج عن حيز الأمانة، فصار بمنزلة
الأجنبي، أو يصح البيع ولا يصح الشراء، لئلا يلزم العوض لغير من حصل له
المعوض، وهذا المحذور فائت في البيع، وهو الذي قطع به أبو محمد في المقنع؟
على ثلاثة أقوال، انتهى.
وإن لم يشهد العرف بذلك، ولم يمكن التدارك، كما تقدم فيما إذا أمره بالبيع
لزيد فباع لعمرو، ونحو ذلك، فإنه لا يصح قولا واحدا، والله أعلم.
[بيع الملامسة والمنابذة]
قال: وبيع الملامسة والمنابذة غير جائز.
ش: المراد هنا بالجواز الصحة، وبعدمه البطلان، وإنما لم يصحا للنهي عنهما،
المقتضي للفساد شرعا.
(3/635)
1959 - ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
نهى عن الملامسة والمنابذة» ، وفي رواية لمسلم «أما الملامسة فأن يلمس كل
واحد منهما ثوب صاحبه، بغير تأمل، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه
إلى الآخر، ولم ينظر كل واحد منهما ثوب صاحبه» .
1960 - وفي الصحيحين عن أبي سعيد نحوه، متنا وتفسيرا، والمنع من ذلك كان
لاختلال شرط في المبيع، وهو العلم به، وقد فسر أيضا بأن يقول: أي ثوب لمسته
فهو علي بكذا، أو أي ثوب نبذته فهو علي بكذا، وهنا يجتمع مفسدان: الجهالة،
والتعليق على شرط، والله أعلم.
[بيع الحمل في البطن دون الأم]
قال: وكذلك بيع الحمل في البطن دون الأم.
ش: أي غير جائز، وقد حكى ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك.
1961 - وفي الصحيحين عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، «أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع حبل الحبلة» ، وكان
بيعا يتبايعه أهل
(3/636)
الجاهلية، يبتاع الجزور إلى أن تنتج
الناقة، وتنتج التي في بطنها.
1962 - وروى مالك عن ابن شهاب، أن سعيد بن المسيب كان يقول: لا ربا في
الحيوان، «وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما نهى
في بيع الحيوان عن ثلاث، المضامين والملاقيح، وحبل الحبلة» ، فالمضامين ما
في بطون إناث الإبل، والملاقيح ما في ظهور الجمال، والنهي عن ذلك لعدم
العلم بالمبيع، وانتفاء
(3/637)
القدرة على التسليم.
وقول الخرقي: دون الأم. احترازا مما إذا باعه مع أمه، فإنه يصح، تبعا لأمه،
كأس الحيط، ويدل هذا من كلامه على أن للحمل حكما، وأنه يأخذ قسطا من الثمن،
وهو التحقيق، واختيار أبي محمد وغيره، وعن القاضي أنه لا حكم له وبيان ذلك،
وما يتفرع عليه له محل آخر.
(تنبيه) : «حبل الحبلة» بفتح الباء فيهما على الصحيح رواية ولغة، والحبل
مصدر: حبلت المرأة. بكسر الباء: تحبل. بفتحها، إذا حملت، والحبلة جمع حابل
كظالم وظلمة، وأصل الحبل في بنات آدم، والحمل في غيرهن، قاله أبو عبيد، وقد
فسر ابن عمر ذلك، وإلى تفسيره صار الفقهاء، وقال المبرد: حبل الحبلة حمل
الكرمة قبل أن تبلغ، والحبلة الكرمة، بسكون الباء وفتحها «والمضامين،
والملاقيح» قد فسرهما سعيد بن المسيب، قال الشافعي: الملاقيح ما في بطون
الإناث، والمضامين ما في
(3/638)
ظهور الجمال. وكذا فسره أبو عبيد وغيره،
والله أعلم.
[بيع عسب الفحل]
قال: وبيع عسب الفحل غير جائز.
ش: عسب الفحل ضرابه، وبيع ذلك - وكذلك إجارته لذلك - لا تصح، للنهي عن ذلك.
1963 - ففي البخاري عن ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نهى عن عسب الفحل» .
1964 - وفي مسلم: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن
ضراب الفحل» ، ولأنه لا يتحقق تسليم ذلك، لأنه معلق باختيار الفحل وشهوته.
(3/639)
ولابن عقيل احتمال: يجوز إجارته لذلك،
لأنها منفعة مقصودة، والغالب حصول النزو، فيكون ذلك مقدورا عليه، وجوز أبو
محمد دفع الأجرة دون أخذها، لاحتياج الدافع إلى ذلك.
1965 - ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى الحجام.
1966 - وقال: «إن كسبه خبيث» وفيما قاله نظر، لأنه إن سلم أن الخبيث المحرم
فالمراد بالكسب الأجرة، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم
يدفع إليه ذلك أجرة، وإلا يلزم أنه أعانه على المعصية،
(3/640)
وهو ممتنع قطعا، وإنما دفع إليه ما دفعه
على سبيل البر والصلة.
وقد بالغ إمامنا - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فمنع أن يعطى صاحب الفحل شيئا على
سبيل الهدية ونحوها، وقوفا على ما ورد، وقال: لم يبلغنا أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى في مثل هذا شيئا، كما بلغنا في الحجام،
وقد قرر القاضي ذلك، وقال: إنه مقتضى النظر، لكن ترك في الحجام للنص، فيبقى
فيما عداه على مقتضى المنع، وأبو محمد حمل كلام الإمام أحمد على التورع،
وجوز الدفع إليه على سبيل الهدية ونحوها.
1967 - لما روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا من بني كلاب سأل
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عسب الفحل، فنهاه عن
ذلك، فقال: يا رسول الله إنا نطرق ونكرم، فرخص في الكرامة» ، رواه الترمذي،
(قلت) : وهذا الحديث الظاهر أنه لم
(3/641)
يثبت عند الإمام، والله سبحانه أعلم.
[بيع النجش]
قال: والنجش منهي عنه.
ش: هذا مما لا ريب فيه.
1968 - فعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تتلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على
بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد» .
1969 - وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: «نهى رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النجش» ، والنجش أن تعطيه بسلعته
أكثر من ثمنها، وليس في نفسك شراؤها، فيقتدي بك غيرك.
(3/642)
1970 - وقال ابن أبي أوفى: الناجش آكل ربا،
خائن، وهو خداع باطل لا يحل. ذكره البخاري تعليقا.
وظاهر كلام الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن البيع مع النجش صحيح، لأنه قال:
والنجش منهي عنه، وقال فيما تقدم: غير جائز، وهذا هو المذهب المشهور، لأن
النهي لحق آدمي معين، ويمكن تداركه، فأشبه تلقي الركبان، وبيع المدلس، ونحو
ذلك، وقيل عن أحمد رواية أخرى، أن البيع باطل تغليبا لحق الله تعالى في
النهي، وقال أبو محمد: إن هذا اختيار أبي بكر، والذي في التنبيه: أن النجش
لا يجوز.
وفي المذهب قول ثالث، صححه ابن حمدان: إن نجش البائع، أو واطأ على ذلك بطل
البيع، وهذا القول خرجه صاحب التلخيص من قول أبي بكر، في إبطال البيع
بتدليس العيب، وهو يؤيد رد ما حكاه عنه أبو محمد من البطلان
(3/643)
مطلقا، انتهى، ووجه هذا القول أن البائع
أحد ركني العقد، فارتكابه النهي يفسد البيع، بخلاف الأجنبي.
وإذا صح البيع فحيث غر المشتري - وذلك بأن كان جاهلا بالقيمة، فغبن غبنا
يخرج عن العادة - ثبت له الخيار، نص عليه، دفعا للضرر عنه المنفي شرعا، أما
إن كان عارفا بالقيمة فلا خيار له، لأنه الظالم لنفسه بتفريطه.
والخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يتعرض للخيار، فيحتمل أنه لم ير ذلك، كما
هو قول بعض أهل العلم، لأنه فرط، حيث اشترى ما لا يعرف قيمته، والله أعلم.
قال: وهو أن يزيد في السلعة، وليس هو مشتريا لها.
ش: هذا تفسير النجش، وإذا يغر المستام، وهو نحو تفسير ابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو حرام وخداع، كما قال ابن أبي أوفى، وقد زاد بعض
أصحابنا في تفسيره، فقال: ليغر الغر. وهو حسن، لأن غير الغر - وهو العارف
بالقيم -
(3/644)
لا يغتر بمثل ذلك، وإن اغتر فذلك لعجلته،
وعدم تأمله، وأصل النجش قيل: الاستثارة والاستخراج، ومنه سمي الصائد ناجشا،
لاستخراجه الصيد من مكانه، فالزائد في السلعة كأنه استخرج من المستام في
ثمن السلعة ما لا يريد أن يخرجه، وقيل: أصل النجش مدح الشيء وإطراؤه،
والناجش يغر المشتري بمدحه، ليزيد في الثمن، انتهى. وحكم زيادة المالك في
الثمن - كأن يقول: أعطيت في هذه السلعة كذا. وهو كاذب - حكم نجشه، والله
أعلم.
[بيع الحاضر للبادي]
قال: فإن باع حاضر لباد فالبيع باطل.
ش: الحاضر المقيم في المدن والقرى، والبادي المقيم بالبادية، والمراد هنا
بالبادي - على ما قال أبو محمد - من يدخل البلدة من غير أهلها، وإن كان من
قرية أو من بلدة أخرى، والحاضر المقيم في البلد، ولا ريب «أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن
بيع الحاضر للبادي» .
1971 - فعن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا بيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله
بعضهم من بعض» رواه مسلم، والترمذي، وأبو داود، والنسائي.
(3/645)
1972 - وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،
قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبيع حاضر
لباد، وإن كان أخاه لأبيه وأمه» .
1973 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تلقوا الركبان، ولا يبع حاضر
لباد» متفق عليهما.
1974 - وروي أيضا ذلك من حديث ابن عمر، وأبي هريرة، وطلحة بن عبيد الله،
وإنما نهى عن ذلك - والله أعلم - لأنه متى ترك القادم يبيع سلعته اشتراها
الناس منه برخص، وتوسع عليهم السعر، بخلاف ما إذا تولى الحاضر بيعها، فإنه
لا يبيعها غالبا إلا بغلاء، وإذا يحصل الضرر لأهل البلد،
(3/646)
وقد أشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في تعليله إلى ذلك.
ولما كان هذا المعنى وجوده في أول الإسلام أكثر، لما كان عليهم من الضيق،
اختلف العلماء في بقاء النهي، وعن إمامنا - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ذلك
روايتان (إحداهما) زواله، وقال: كان ذلك مرة.
(والثانية) - وهي المشهورة عنه، وعليها الأصحاب - بقاؤه، لعمومات النهي،
ووجود المعنى إذا، فعلى الأولى لا تفريع، أما على المذهب فإذا باع الحاضر
لهم، فهل يبطل البيع بشرطه، وبه قطع الخرقي، اعتمادا على النهي لاقتضائه
فساد المنهي عنه، ولأن الضرر لا يمكن تداركه لأنه لآدمي غير معين، بخلاف
تلقي الجلب، أولا يبطل، لأن النهي لمعنى يتعلق بعين المعقود عليه، وهو
النظر لأهل البلد، لمقصود التوسعة، فهو كتلقي الركبان، نظرا لحق الجالبين،
لكن ثبت الخيار ثم، لاختصاص الضرر بالعاقد، وهنا غلاء السعر عام؟ على
روايتين، وجعل ابن المنجا الصحة على القول بزوال النهي، والبطلان على القول
ببقائه ليس بشيء، إنما الروايتان على القول بالبقاء.
(3/647)
ومقتضى كلام الخرقي صحة الشراء للبادي، وهو
كذلك، لأن النهي إنما ورد عن البيع، لمعنى يختص به، وهو الرفق بأهل الحضر،
وهذا غير موجود في الشراء للبادي، إذ لا يتضرر الحاضر إذا لم يغبن البادي،
والخلق في نظر الشارع على السواء.
(تنبيه) : هل للحاضر أن يشير على البادي، من غير أن يباشر العقد؟ مال أبو
محمد إلى جواز ذلك.
1975 - اقتداء بطلحة بن عبيد الله، فإنه قال لباد سأله أن يبيع له: «إن
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يبيع حاضر لباد» ،
ولكن اذهب إلى السوق، فإن جاءك من يبايعك فشاورني، حتى آمرك وأنهاك.
1976 - (قلت) : وقد روى البيهقي في سننه عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادعوا
الناس يرزق الله بعضهم من بعض، فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه» وهذا نص إن
صح، والله أعلم.
(3/648)
قال: وهو أن يخرج الحضري إلى البادي، وقد
جلب السلع، فيعرفه السعر، ويقول: أنا أبيع لك بكذا، فنهى رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، وقال: «دعوا الناس يرزق الله
بعضهم من بعض» .
ش: أي بيع الحاضر للبادي - الذي قد نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والذي هو باطل - هو هذا، وهو (أن يخرج الحضري إلى
البادي) أي ليبيع له، فإن كان القاصد هو البادي لم يكن للحاضر أثر في
الفعل، وإذا يصح البيع، ويزول النهي، وعموم الأحاديث - وهو الذي فهمه طلحة
ابن عبيد الله - يقتضي عدم اشتراط ذلك، انتهى. (وأن يكون) البادي جلب
السلع، أي للبيع لا للخزن ونحو ذلك، [لأن المنع كان لأجل التوسعة، ومع قصد
الخزن ونحو ذلك التوسعة في ترغيبه في البيع] . (وأن يكون) البادي جاهلا
بالسعر، والحاضر عارفا به، ليعرفه إياه، لأنه
(3/649)
إذا كان عارفا بالسعر لم يزده الحاضر على
ما عنده شيئا، وحكى ابن أبي موسى رواية بالبطلان وإن عرف البادي السعر،
ورواية بالبطلان أيضا وإن جهل الحاضر السعر.
وزاد القاضي وغيره شرطين آخرين (أحدهما) أن يريد البادي البيع بسعر اليوم،
فإن كان قصده البيع بسعر معلوم، كان المنع من البيع من جهته، لا من جهة
الحاضر، وزاد بعضهم في هذا الشرط: أن يقصد البيع بسعر اليوم حالا لا نسيئة.
(الشرط الثاني) أن يكون بالناس حاجة إليها، لأن مع عدم حاجتهم التوسعة
مستغنى عنها، وهذه الشروط الخمسة شروط للبطلان والنهي، متى فقد واحد منها
صح البيع، وزال النهي، والله سبحانه أعلم.
[حكم تلقي الركبان]
قال: ونهى عن تلقي الركبان.
1977 - ش: الأصل في ذلك ما روى ابن عمر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن تلقي السلع حتى يهبط بها الأسواق» .
(3/650)
1978 - وعن ابن عباس: «نهى رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تتلقى الركبان، ولا يبيع حاضر
لباد» . متفق عليهما.
1979 - وفي الصحيح أيضا نحو ذلك عن ابن مسعود، وأبي هريرة.
(تنبيه) : يجوز تلقي الجلب في أعلى السوق، قاله أبو محمد، لأن في حديث ابن
عمر: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن تتلقى
السلع حتى يهبط بها إلى السوق» . والله أعلم.
قال: فإن تلقوا واشترى منهم فهم بالخيار إذا دخلوا السوق، وعرفوا أنهم قد
غبنوا، إن أحبوا أن يفسخوا البيع فسخوا.
ش: إذا تلقيت الركبان فاشترى منهم، فهل يصح البيع، وهو المذهب المنصوص
المقطوع به.
1980 - لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى
منه شيئا فصاحبه بالخيار إذا جاء السوق» روه مسلم، وأبو داود،
(3/651)
والترمذي. ولأن الحق في النهي لآدمي معين،
أمكن تداركه، وبهذا فارق الحاضر للبادي، والبيع في وقت النداء، أو لا يصح،
اعتمادا على عامة الأحاديث في النهي المطلق؟ على روايتين.
وعلى المذهب للركبان الخيار إذا هبطوا السوق، ورأوا أنهم قد غبنوا، على
ظاهر الحديث، وقول عامة الأصحاب، ولم يشترط ذلك بعض المتأخرين، بل العلم
بالغبن لأن دخول السوق في الحديث حيلة - والله أعلم - بمعرفة الغبن، فإذا
عرف قبل ثبت له الخيار.
وشرط ثبوت الخيار بالغبن أن يكون فاحشا، يخرج عن العادة على المذهب، وقدره
بعض الأصحاب بالسدس،
(3/652)
وبعضهم بالثلث، والخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ
- أطلق الغبن فيحتمل أنه اكتفى بمجرد الغبن، ويحتمل أن يكون موافقا
للأصحاب، إذ الغبن إذا لم يخرج عن العادة لم يطلق عليه في العرف غبن.
وحكم البيع لهم حكم الشراء منهم، إذ الخديعة موجودة فيهما، وإذا الخرقي
إنما ذكره الشراء لأنه الغالب.
وقوة كلام الخرقي يقتضي أن الحكم مخصوص بقصد التلقي، فلو خرج بغير قصد،
فوافقهم فاشترى منهم، لم يحرم عليه ذلك، وهو احتمال لأبي محمد، وقال
القاضي: لا فرق بين القصد وعدمه في امتناع الشراء منهم، إذ النهي دفعا
للخديعة والغبن عنهم، وهذا موجود وإن لم يقصد التلقي.
(3/653)
(تنبيه) : المعنى في النهي عن التلقي،
والله أعلم، أن المتلقي غالبا إما أن يكذب في سعر البلد، وإذا يكون غارا
غاشا، أو يسكت فيكون مدلسا خادعا، أما إن صدق في سعر البلد، فهل يثبت
للركبان الخيار، لعموم النهي أو لا يثبت لانتفاء الخديعة؟ فيه احتمالان
والله أعلم.
[بيع العصير ممن يتخذه خمرا]
قال: وبيع العصير ممن يتخذه خمرا باطل.
ش: هذا هو المذهب بلا ريب، لأنه وسيلة إلى المحرم، والوسيلة إلى المحرم
محرمة بلا ريب، وإذا يبطل البيع لارتكاب المحرم، قال جل وعلا:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى
الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] .
1981 - وفي السنن «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن
الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وشاربها، وبائعها،
ومبتاعها، وساقيها» وأشار إلى كل معاون عليها ومساعد فيها.
(3/654)
وفي المذهب قول آخر: يصح البيع مع التحريم،
وشرط البطلان على البائع قصد المشتري ذلك، إما بقوله، أو بقرائن دلت على
ذلك، أما إن ظن ذلك ولم يتحققه فإن البيع يصح مع الكراهة، قاله صاحب
التلخيص، وحكم ما كان وسيلة إلى المحرم كذلك، كبيع السلاح للبغاة، أو لأهل
الحرب، أو الجارية للغناء، أو الأقداح والخبز والفواكه والمشموم والشموع
لمن يشرب عليها المسكر، والبيض للقمار، والحرير لمن يحرم عليه، ونحو ذلك،
أما بيع السلاح من أهل
(3/655)
العدل لقتال البغاة، وقطاع الطريق، فجائز،
والله أعلم.
قال: ويبطل البيع إذا كان فيه شرطان، ولا يبطله شرط واحد.
ش: يبطل البيع بشرطين في الجملة.
1982 - لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا
بيع ما ليس عندك» رواه أبو داود، والترمذي وصححه، ولا يبطل بشرط واحد،
لمفهوم ما تقدم.
1983 - وللحديث الصحيح «من باع نخلا مؤبرة فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط
المبتاع» .
1984 - قال الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما نهى رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شرطين في البيع، قال: وحديث جابر يدل على
إباحة
(3/656)
الشرط، حين باعه جملة، واستثنى ظهره إلى
المدينة، ويستثنى من ذلك - على رأي الخرقي - جز الرطبة فقط، وما في معناها
على ما تقدم.
وعموم كلام الخرقي يدخل فيه الشرط الفاسد، فلا يفسد البيع به، وهو إحدى
الروايتين، وقد تقدم ذلك أيضا.
(تنبيه) : اختلف في الشرطين المبطلين للعقد، فعن القاضي في المجرد أنهما
شرطان مطلقا، أي سواء كانا صحيحين أو فاسدين، من مصلحة العقد أو من غير
مصلحته، زاعما أن هذا ظاهر كلام أحمد، ومعتمدا على إطلاق الحديث، وكذلك قال
ابن عقيل في التذكرة، معللا بأن اشتراط الشرطين يفضي إلى اشتراط الثلاثة،
وما لا
(3/657)
نهاية له، وعن أحمد أنه فسرهما بشرطين
صحيحين، ليسا من مصلحة العقد، كأن يشتري حزمة حطب، ويشترط على البائع حملها
وتكسيرها، أو ثوبا ويشترط خياطته وتفصيله، ونحو ذلك، لا ما كان من مصلحته،
كالرهن، والضمين، فإن اشتراط مثل ذلك لا يؤثر، وإن كثر، ولا ما كان من
مقتضاه بطريق الأولى، ولا الشرطين الفاسدين، إذ الواحد كاف في البطلان،
وهذا اختيار الشيخين، وصاحب التلخيص، والقاضي في شرحيه، وغالى أبو محمد
فقال: إن ما كان من مقتضى العقد كاشتراط تسليم المبيع، وحلول الثمن، لا
يؤثر فيه بلا خلاف. وعن الإمام أنه فسرهما بشرطين فاسدين، وكذلك بعض
الأصحاب، وضعفه صاحب التلخيص، بأن الواحد يؤثر في العقد، فلا حاجة إلى
التعدد، ويجاب بأن الواحد في تأثيره خلاف، أما الشرطان فلا خلاف في
تأثيرهما، والله أعلم.
(3/658)
قال: وإذا قال: أبيعك بكذا، على أن آخذ منك
الدينار بكذا، لم ينعقد البيع، وكذلك إن باعه بذهب، على أن يأخذ منه دراهم
بصرف ذكراه.
ش: إذا شرط عقدا في عقد، مثل أن باعه شيئا بدراهم، وشرط أن يصارفه عن
الدراهم بدنانير معلومة: أو بذهب وشرط أن يأخذ دراهم، أو باعه داره على أن
يبيعه داره الأخرى، أو على أن يبيعه المشتري داره، أو على أن يؤجرها له،
ونحو ذلك، فالمذهب المشهور أن العقد يبطل.
1985 - لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيعتين في بيعة» ، رواه الترمذي
وصححه، قال إمامنا:
(3/659)
هذا معناه. ولما تقدم في حديث عبد الله بن
عمرو «لا يحل سلف وبيع» وفي المذهب قول آخر، حكاه أبو محمد، تخريجا من
الشروط المنافية لمقتضى العقد، كأن لا يبيع، ولا يهب، وأبو البركات حكاه
رواية: يصح العقد، ويبطل الشرط، كما ثبت ذلك بالنص في شرط الولاء.
واعلم أن الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال قبل: إن البيع لا يبطله شرط
واحد، وقال هنا بالبطلان، فيحتمل أن مذهبه أن كل الشروط الفاسدة تبطل
البيع، ويكون ما تقدم مرادا به الشرط الصحيح، ويحتمل أن يخص البطلان بهذا
الشرط وما في معناه من اشتراط عقد في عقد.
(تنبيه) : للعلماء في تأويل بيعتين في بيعة تأويل آخر، قاله مالك، والشافعي
وغيرهما، وهو أن يقول بعتك
(3/660)
بعشرة نقدا، أو بعشرين نسيئة، أو بعتك
بدينار، أو بعشرة دراهم، ونحو ذلك، وهذا أيضا لا يصلح على المذهب، لعدم
العلم بالمبيع، وخرج أبو الخطاب في الهداية صحة ذلك، من رواية: إن خطته
اليوم فلك درهم، وإن خطته غدا فلك نصف درهم، وتردد أبو محمد في التخريج،
وفرق على البيع بأن العقد ثم تمكن صحته، لكونه جعالة، تحتمل فيها الجهالة،
وبأن العمل الذي يستحق به الأجرة لا يقع إلا على إحدى الصفتين، فتتعين
الأجرة المسماة عوضا، فلا تنازع، بخلاف هنا، وفي كليهما نظر، لأن العلم
بالعوض في الجعالة شرط، كما هو في الإجارة، والبيع والقبول أيضا في البيع
لا يقع إلا على إحدى الصفتين فيتعين ما سمي لها، والله أعلم.
1986 - ش: لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ولي ليتيم مالا فليتجر به، ولا يدعه
حتى تأكله الصدقة» رواه الترمذي.
(3/661)
1987 - وروي نحوه عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، قال علماء الحديث: وهو أصح من المرفوع.
1988 - وعن القاسم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: كانت عائشة تزكي
أموالنا وإنها لتتجر بها في البحرين. ولأن ذلك أحظ لليتيم، لكون نفقته تكون
في ربحه، والولي يفعل الأحظ، ويشعر هذا التعليل بأن شرط الاتجار به كونه في
المواضع الآمنة، ولا بد من ذلك، وحكم الأب والحاكم، وأمينه حكم الوصي بل
أولى، وظاهر كلام أبي محمد في
(3/662)
المغني أو صريحه أن ذلك على سبيل الجواز
والندبية، لا على سبيل الوجوب، إذ لا يجب على الولي أن يحصل له نفع، بل
الواجب عليه أن لا يضره، وأورد على هذا إذا وهب له من يعتق عليه، ولا تلزمه
نفقته، أنه يجب على الولي القبول، ويجاب بأن هنا محض مصلحة، من غير ضرر ما،
بخلاف ما تقدم، فإن على الولي ضررا في تفويت منافعه، والله أعلم.
قال: ولا ضمان عليه.
ش: أي إذا اتجر الوصي بمال اليتيم، فخسر المال أو تلف، فلا ضمان عليه، لأنه
فعل ما أذن له فيه، أشبه ما لو أحرزه في حرز مثله فتلف، ونحو ذلك، والله
أعلم.
(3/663)
قال: والربح كله لليتيم.
ش: لأنه نماء ملكه، فكان له كبقية أملاكه، وليس للولي من ذلك شيء، لأنه
إنما يكون له ذلك بعقد، وليس له أن يعقد مع نفسه، لقوة التهمة عليه في ذلك،
والله أعلم.
قال: فإن أعطاه لمن يضارب له به فللمضارب من الربح ما وافقه عليه الوصي.
ش: للوصي أن يدفع المال إلى من يتجر فيه، كما لو أن يتجر فيه بنفسه.
1989 - وقد روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه فعل ذلك وله أن يجعل
للمدفوع إليه جزءا من الربح، لأن ذلك مما يعد في العرف [مصلحة] و [تصرف]
الولي منوط بالمصلحة، والله أعلم.
قال: وما استدان العبد فهو في رقبته، يفديه سيده، أو يسلمه، فإن جاوز ما
استدان قيمته لم يكن على سيده أكثر من قيمته، إلا أن يكون مأذونا له في
التجارة، فيلزم مولاه جميع ما استدان.
(3/664)
ش: للعبد في استدانته ونحوها حالتان:
(إحداهما) : أن يكون مأذونا له في التجارة، فهذا ما استدانه كبيع أو قرض
ونحوهما (هل يلزم سيده) ؟ وهو المشهور من الروايات واختيار الخرقي،
والقاضي، وأبي الخطاب، وغيرهم، لأنه أغرى الناس بمعاملته، بإذنه فيها، أشبه
ما لو قال: داينوه.
1990 - ولعموم ما روي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من باع عبدا وله مال، فله ماله
وعليه دينه، إلا أن يشترط المبتاع» رواه البيهقي في سننه، وقال: هذا إن صح
فالمراد العبد المأذون له في التجارة. (أو برقبة العبد) ؟ لأنه القابض
للمال، المتصرف فيه، أشبه غير المأذون له. (أو بذمة السيد) لإذنه، (ورقبة
العبد) لقبضه المال؟ على ثلاث روايات، وبنى أبو العباس الروايتين الأولتين
على أن تصرفه مع الإذن هل هو لسيده فيتعلق ما أدانه بذمته كوكيله، أو لنفسه
فيتعلق برقبته؟ على روايتين، انتهى.
ومحل الخلاف فيما ثبت ببينة، أو بإقرار السيد، أما ما أنكره
(3/665)
السيد، ولا بينة به، فإنه يتعلق بذمة العبد
إن أقر به، وإلا فهو هدر.
وعموم كلام الخرقي وكثير من الأصحاب يقتضي جريان الخلاف [وإن كان في يده
مال، ويؤيد إرادة ذلك ما حكاه أبو محمد، بعد حكاية الخلاف] عن مالك،
والشافعي رحمهما الله، أنهما قالا: إن كان في يده مال قضي دينه منه، وإلا
تعلق بذمته، ومقتضى ذلك أنا نخالفهما في ذلك، ثم إذا قلنا: إنه كالوكيل.
فإن العهدة تتعلق بالموكل الذي هو السيد هنا، وإن كان له في يد موكله مال،
وجعل ابن حمدان محل الخلاف فيما إذا عجز ما في يده عن الدين.
«تنبيهان» : «أحدهما» : حكم ما استدانه أو اقترضه بإذن سيده حكم ما استدانه
حيث أذن له في التجارة، قاله في المغني، وقطع في التلخيص والبلغة بلزومه
للسيد، وكذا قال أبو العباس، وهو ظاهر كلام المجد. «الثاني» : قال أبو
(3/666)
محمد - وتبعه ابن حمدان -: لا فرق في الذي
استدانه بين أن يكون في [الذي] أذن له فيه، أو في الذي لم يأذن له فيه، كأن
يأذن له في التجارة في البر مثلا، فيتجر في غيره، إناطة بتغرير السيد، وفيه
نظر.
(الحالة الثانية) العبد غير المأذون له، ولتصرفه حالتان أيضا: (إحداهما) :
أن يتصرف في عين المال، إما لنفسه أو للغير، فهذا كالغاصب، أو كالفضولي،
على ما هو مقرر في موضعه (الثانية) أن يتصرف في الذمة، فهل يصح تصرفه،
إلحاقا له بالمفلس، إذ الحجر عليه لحق غيره وهو السيد، أو لا يصح إلحاقا له
بالسفيه، إذ أهليته ناقصة، وإذن السيد مكمل لها؟ فيه قولان، حكاهما أبو
محمد، وصاحب التلخيص وجهين، وأبو البركات روايتين، فعلى الأول ما اشتراه أو
اقترضه، إن وجد في يده انتزع منه، لتحقق إعساره، قاله أبو محمد وصاحب
التلخيص، وغيرهما، وإن أخذه سيده لم ينتزع منه على المشهور، لأنه وجده في
يد مملوكه بحق، أشبه ما لو وجد في يده صيدا ونحو ذلك، واختار صاحب التلخيص
جواز الانتزاع منه،
(3/667)
معللا بأن الملك واقع للسيد ابتداء، وإن
تلف بيد السيد لم يضمنه، ثم هل يتعلق ثمنه برقبة العبد، أو بذمته، على
الخلاف الآتي؟ وكذلك إن تلف بيد العبد، ومقتضى كلام أبي البركات أنه لا
ينتزع ولو كان بيد العبد، وأن الثمن يتعلق بذمته بلا نزاع، ويظهر قوله إن
علم البائع أو المقرض بالحال، أما إذا لم يعلم فيتوجه قول الأكثرين، وعلى
الثاني - وهو بطلان التصرف - يرجع مالك العين في عينه حيث وجدها، فإن تلفت
في يد العبد فهل تتعلق قيمتها برقبته كجناياته، وهو المشهور، واختيار
الخرقي، وأبي بكر، أو بذمته، يتبع بها إذا عتق، حذارا من تضرر السيد.
1991 - ولعموم ما روى ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الفقهاء التابعين من أهل
المدينة، قال: كانوا يقولون: دين المملوك في ذمته. رواه البيهقي في سننه،
أو إن علم رب العين
(3/668)
بكونه عبدا فلا شيء له، لأنه المتلف لماله،
نص عليها في رواية حنبل، معللا بما تقدم؟ على ثلاث روايات، وإن تلفت بيد
السيد فكذلك، على مقتضى كلام المجد، وقال أبو محمد، وصاحب التلخيص،
وغيرهما: يرجع إن شاء على السيد، وإن شاء على العبد، ثم إن أبا محمد مال
إلى رقبته، ومال صاحب التلخيص وابن حمدان إلى ذمته.
وحيث علق شيء من ذلك برقبة العبد، فإن سيده يخير بين تسليمه أو فدائه، فإن
سلمه برئ، وإن لم تف قيمته بالحق، أما إن سلم فبيع، وفضلت من ثمنه فضلة عن
أرش جنايته، فهل تكون لسيده - وهو اختيار أبي محمد -، أو للمجني عليه - وهو
ظاهر كلام الإمام، على ما قاله القاضي -؟ فيه قولان، وإن فداه وكذا إن
أعتقه فهل يلزمه أرش الجناية، بالغة ما بلغت، أو لا يلزمه إلا الأقل من
قيمته، أو أرش جنايته، وهو المشهور؟ على روايتين، والله أعلم.
(3/669)
[بيع الكلب]
قال: وبيع الكلب باطل، وإن كان معلما.
1992 - ش: لما في الصحيحين، عن أبي مسعود الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ثمن الكلب،
ومهر البغي وحلوان الكاهن» .
1993 - وقال «ثمن الكلب خبيث» رواه مسلم.
1994 - وأصرح منها ما في سنن البيهقي - وقد جود إسناده - عن أبي هريرة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لا يحل ثمن الكلب، ولا حلوان الكاهن، ولا مهر البغي» .
(3/670)
وقول الخرقي: وإن كان معلما. لأن بعض
العلماء أجاز بيع المعلم دون غيره، وإليه ميل بعض المتأخرين من أصحابنا.
1995 - لأن في رواية لأبي هريرة إلا كلب الصيد وكذلك في حديث لجابر، لكنهما
ضعيفان، قال البيهقي: الثابت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- خال من هذا الاستثناء والاقتناء، ونحو ذلك قال الدارقطني وغيره، والله
أعلم.
(3/671)
قال: ومن قتله وهو معلم فقد أساء.
(3/672)
ش: فسر أبو محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
«أساء» بالتحريم، وذلك لأنه حيوان يباح اقتناؤه، والانتفاع به، فحرم إتلافه
كالشاة.
1996 - ولعموم «لا ضرر ولا ضرار» وكذلك حكم كل كلب يباح اقتناؤه ككلب
الماشية والزرع، لا لحفظ البيوت على الأشهر، أما ما لا يباح اقتناؤه، ولا
أذى فيه، فقال أبو محمد: لا يباح قتله. ويحتمله كلام الخرقي في المحرم في
قوله: وله أن يقتل الحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور، وكل ما عدا
عليه، أو آذاه، ولا فداء عليه.
1997 - لما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: «أمرنا رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من
البادية بكلبها، فنقتله، ثم نهى عن قتلها، وقال: «عليكم بالأسود البهيم،
(3/673)
ذي النقطتين، فإنه شيطان» رواه مسلم.
وقوة كلام الخرقي هنا يقتضي عدم التحريم، لتخصيصه الحكم بالمعلم، وبه قطع
أبو البركات، مع القول بالكراهة، وقد ينبني ذلك على النهي بعد الأمر. [هل
هو لما قبل الأمر] ، أو للكراهة؟ على قولين، أشهرهما الأول، ويستثنى على كل
حال الكلب الأسود البهيم، فإنه يباح قتله للحديث، وكذلك الكلب العقور.
1998 - لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خمس من الدواب كلهن فواسق، يقتلن في
الحرم، الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» ويقتلان وإن
كانا معلمين، ويلحق بالكلب العقور كل ما آذى الناس وضرهم في أنفسهم
وأموالهم، فإنه يباح قتله، وما لا أذى فيه لا يباح قتله على قول أبي محمد،
ويباح على قول المجد، ولا غرم عليه عند المجد، لكن يكره تنزيها، والله
أعلم.
قال: ولا غرم عليه.
ش: إذا قتل الكلب قاتل غرم عليه، وإن كان معلما
(3/674)
لأنه لا يقابل بالعوض شرعا للنهي عنه وجعله
خبيثا.
1999 - وقد جاء في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: «نهى
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ثمن الخمر، ومهر
البغي، وثمن الكلب، وقال: «إذا جاء يطلب ثمن الكلب، فاملأ كفه ترابا» رواه
أبو داود.
2000 - وما جاء عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعبد الله بن عمرو بن
العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما غرما قاتل الكلب، فقد ضعفا.
والله أعلم.
[بيع الفهد والصقر المعلم والهر]
قال: وبيع الفهد والصقر المعلم جائز.
ش: وكذلك ما في معناهما كالشاهين، والبازي، ونحوهما، وهذا إحدى الروايتين،
واختيار أبي محمد، لأنه حيوان يباح
(3/675)
نفعه واقتناؤه مطلقا، فأشبه البغل والحمار،
[ولعموم {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] إن قيل بعمومه.
(والثانية) : - واختارها أبو بكر، وابن أبي موسى - لا يجوز، إلحاقا لها
بالكلب، لنجاستها، إذ المنع منه معلل بذلك، وخرج البغل والحمار] ، وإن قيل
بنجاستهما بالإجماع، على أن ابن عقيل خرج فيهما قولا بالمنع. انتهى، ومقتضى
هذا التعليل تخصيص محل الخلاف، وجعله على القول بنجاسة ذلك، وكثير من
الأصحاب يطلق الخلاف، وقد أكد ابن حمدان إرادة الإطلاق، فقال - بعد ذكر
الروايتين -: وقيل: ما قيل بطهارته منها صح بيعه، وما لا فلا.
وقول الخرقي: المعلم. يحترز عن غير المعلم فإنه لا يجوز بيعه، لعدم
الانتفاع به، نعم إن قبل التعليم جاز بيعه على الأشهر، كالجحش الصغير،
والله أعلم.
(3/676)
قال: وكذلك بيع الهر.
ش: أي يجوز بيعه، وهذا إحدى الروايتين، واختيار أبي محمد، لما تقدم.
2001 - ولما في الصحيح «أن امرأة دخلت النار في هرة لها حبستها» ، والأصل
في اللام أنها للملك، (والثانية) : واختارها أبو بكر: لا يجوز.
2002 - لما في مسلم، «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه سئل عن ثمن
الكلب والسنور، فقال: زجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عن ذلك» .
(3/677)
2003 - وعنه أيضا: «نهى رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] عن ثمن الهر» ، رواه أبو داود، وحمل على غير
المملوك، أو على ما لا نفع فيه، أو على الهر المتوحش، أو على أن ذلك كان في
الابتداء، لما كان محكوما بنجاسته، ثم لما حكم بطهارة سؤره حل ثمنه، وكلها
محامل ودعوى لا دليل عليها، والله أعلم.
قال: وكل ما فيه المنفعة.
ش: أي يجوز بيعه، وقد علم من هذا إناطة الحكم عنده بما فيه منفعة، وكذلك
الثياب، والعقار، وبهيمة الأنعام، ونحو ذلك، لأن الحكمة في جواز البيع
الانتفاع وشرط المنفعة أن تكون مباحة، لتخرج آلات اللهو ونحوها، ويستثنى من
ذلك الوقف، وأم الولد، والمدبر، والزيت النجس، على خلاف في بعض ذلك، وبسط
ذلك يحتاج إلى طول، والله سبحانه أعلم.
(3/678)
|