شرح الزركشي على مختصر الخرقي

 [كتاب السبق والرمي]
ش: الأصل في مشروعية ذلك الإجماع.
3647 - وقد شهد له ما روى نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سابق بالخيل التي قد أضمرت من الحفيا، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بالخيل التي لم تضمر من الثنية، إلى مسجد بني زريق» ، وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فيمن سابق فيها. متفق عليه، واللفظ لمسلم، زاد البخاري قال سفيان: من الحفيا إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل.
3648 - وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كانت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناقة تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن حقا على الله أن الله تعالى لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه» رواه أحمد والبخاري، وقال

(7/54)


الله سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] .
3649 - قال «عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» رواه مسلم وغيره.
3650 - وعنه أيضا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من علم الرمي ثم تركه فليس منا» » . رواه أحمد ومسلم وغيره.
3651 - وعنه أيضا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال: إن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، والذي يجهز به في سبيل الله، والذي يرمي

(7/55)


به في سبيل الله» ، وقال: «ارموا واركبوا، وأن ترموا خير لكم من أن تركبوا» ، وقال: «كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثا، رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق» رواه الخمسة، والله أعلم.

[ما يكون فيه السبق]
قال: والسبق في الحافر والنصل والخف لا غير.
ش: السبق بفتح الباء الجعل المخرج في المسابقة، وبسكونها مصدر سبقه سبقا ومسابقة، ولا نزاع في جواز المسابقة بغير عوض مطلقا، من غير تقييد بشيء معين، كالمسابقة على الأقدام والسفن والمزاريق، والطيور والفيلة ونحو ذلك، وكذلك المصارعة، ورفع الحجر ليعرف الأشد.
3652 - «وقد سابقت عائشة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رجليها» . رواه أبو داود.

(7/56)


3653 - «وصارع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركانة فصرعه» . رواه الترمذي.
3654 - «ومر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوم يربعون حجرا، أي يرفعونه ليعرفوا الأشد منهم» ، وأما المسابقة بعوض فمذهبنا أنه لا يجوز إلا

(7/57)


في الثلاثة التي ذكرها الخرقي، (في النصل) ، وهو السهام من النشاب والنبل دون غيرها (والخف) وهو الإبل وحدها (والحافر) وهو الخيل وحدها، وهو تسمية الشيء باسم جزئه، أو على حذف مضاف، أي ذي خف، وذي حافر، وذي نصل، وتبع الخرقي في ذلك لفظ الحديث الذي هو المعتمد عليه في المسألة.
3655 - وهو ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وصححه ابن القطان، أي لا سبق شرعي، أو لا سبق يعتبر في الشرع في غير هذه الثلاثة، وقد صرح بمعنى هذا في رواية النسائي، فقال: «لا يحل سبق إلا على خف، أو حافر، أو نصل» وإنما خصت هذه الثلاثة، والله أعلم، بتجويز العوض فيها، لأنها من آلات الحرب المأمور بتعلمها وأحكامها، ولأنها المعهودة المعتادة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، ولهذا قلنا: إن المراد بالنصل والخف والحافر ما تقدم، دون المزاريق، والفيلة، والبغال والحمير، نظرا للمعتاد.

(7/58)


[أخذ العوض في المسابقة]
قال: وإذا أراد أن يستبقا أخرج أحدهما ولم يخرج الآخر.
ش: لا نزاع في جواز جعل العوض في المسابقة من الإمام، لما في ذلك من الحث على تعلم الجهاد، والنفع للمسلمين، وكذلك يجوز عندنا جعله من غير المتسابقين، نظرا لما فيه من المصلحة، فأشبه شراء السلاح والخيل لذلك، ويجوز أيضا عندنا جعله من أحد المتسابقين، كأن يقول مثلا من أراد الإخراج: إن سبقتني فلك عشرة، وإن سبقتك فلا شيء عليك، لما في ذلك من المصلحة، وبهذا خرج عن أن يكون قمارا، إذ المتقامران لا يخلو كل منهما من أن يكون غارما أو غانما، فكل منهما دخل على خطر، وهنا ليس كذلك، إذ أحدهما لا خطر عليه، لأنه إما أن يكون غانما، أو غير غارم، وصاحبه إما غارما أو غير غانم.
(تنبيه) : وشرط العوض كونه معلوما بالمشاهدة، أو بالقدر، والصفة.

قال: فإن سبق من أخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من المسبوق شيئا، فإن سبق من لم يخرج أحرز سبق صاحبه.
ش: اعتمادا على الشرط السابق.

قال: وإن أخرجا جميعا لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا يكافئ فرسه فرسيهما، أو بعيره بعيريهما، أو رميه رمييهما.
ش: قد تقدم أن الفاصل بين المسابقة الشرعية والقمار، أن المقامر يكون على خطر من أن يغنم أو يغرم، بخلاف المسابق، فعلى هذا إذا كان الجعل منهما، ولم يدخلا محللا لم يجز، لوجود معنى القمار فيه، وهو الخطر في كل واحد منهما.

(7/59)


3656 - وقد نبه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك، حيث قال فيما رواه عنه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «من أدخل فرسا بين فرسين، وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس به، ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار» . رواه أحمد واللفظ له، وأبو داود وابن ماجه، فجعله قمارا إذا أمن أن يسبق، لأن كل واحد منهما إذا على خطر من أن يغنم أو يغرم، ولم يجعله قمارا إذا لم يأمن أن يسبق، لأن كل واحد منهما إذا يجوز أن يخلو من ذلك، وإن كان الجعل منهما، وأدخلا محللا جاز للحديث، لكن بشرط أن يكون كما قال الشيخ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكافئ، أي يماثل فرسه فرسيهما إن كانت المسابقة على الخيل، أو بعيره بعيرتهما إن كانت على الإبل. أو رميه رمييهما إن كانت على الرمي لأنه إذا كان كذلك لم يؤمن أن يسبق، فيجوز كما في الحديث، لانتفاء معنى القمار، وإن لم يكن كذلك بأن كان فرساهما

(7/60)


جوادين، وفرسه بطيئا، فهو مأمون سبقه، فيكون وجوده كعدمه، وإذا يكون قمارا كما في الحديث.
(تنبيه) : سمي الداخل بينهما محللا لأن العوض صار حلالا به، فهو السبب لحل العوض، والله أعلم.

قال: فإن سبقهما أحرز سبقهما، وإن كان السابق أحدهما أحرز سبقه، وأخذ سبق صاحبه، فكان كسائر ماله، ولم يأخذ من المحلل شيئا.
ش: إذا جاز إخراج السبق وهو الجعل من كل واحد منهما بالشرط السابق، فلا يخلو من خمسة أحوال: (الحال الأولى) : جاءوا جميعا، فإن كل واحد منهما يحرز سبق نفسه، ولا شيء للمحلل، لأنه لا سابق فيهم. (الثانية) : سبق المستبقان المحلل، فكذلك لتساويهما، وانتفاء سبق المحلل. (الثالثة) : سبقهما المحلل، فإنه يحرز سبقيهما لسبقه. (الرابعة) : سبق أحدهما، فإنه يحرز سبق نفسه، لأنه لا سابق له، ويأخذ سبق صاحبه لسبقه، ولا يأخذ من المحلل شيئا، إذ وضع المحلل أنه لا يدفع شيئا. (الخامسة) : سبق أحدهما مع المحلل، فإن السابق يحرز سبقه، ويكون سبق الآخر بينهما.
(واعلم) أنه يشترط في المسابقة (تعيين) المركوبين والراميين، لا الراكبين والقوسين، (واتحاد) نوع القوسين والمركوبين، فلا يجوز بين قوس عربية وفارسية، ولا بين فرس عربي وهجين على المذهب، وخرج الجواز بناء على تساويهما في السهم (وتحديد) المسافة بما جرت به العادة، وقد تقدم شرط العوض.

(7/61)


قال: ولا يجوز إذا أرسل الفرسان أن يجنب أحدهما إلى فرسه فرسا يحرضه على العدو، ولا يصيح به في وقت سباقه، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا جنب ولا جلب» .
ش: قد ذكر الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحكم وذكر دليله.
3657 - وهو ما روى عمران بن حصين، «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا جلب ولا جنب يوم الرهان» . رواه أبو داود، والنسائي، وزاد «ولا شغار في الإسلام» وكذلك الترمذي، وزاد «ومن انتهب نهبة فليس منا» .
3658 - وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا جلب ولا جنب، ولا شغار في الإسلام» . رواه أحمد، والمعروف في تفسير الحديث ما قاله الخرقي، وفسر القاضي - وكذلك ابن الأثير في جامع الأصول - الجنب بأن يجنب فرسا آخر معه، فإذا قصر المركوب ركب المجنوب،

(7/62)


وهذا التفسير قديم، فإن ابن المنذر قال: كذا قيل، ولا أحسب هذا يصح، لأن الفرس التي يسابق بها لا بد من تعيينها، فإن كانت التي يتحول عنها فما حصل السبق بها، وإن كانت التي يتحول إليها فما حصلت المسابقة بها في جميع الحلبة. ومن شرط السباق ذلك، وعن أبي عبيد أنه فسر الجلب بأن يحشر الساعي أهل الماشية ليصدقهم، قال: فلا يفعل، ليأتيهم على مياههم فيصدقهم، وهذا يرده ظاهر الحديث، وقد يقال يوم الرهان ظرف للجلب فقط، فلا دلالة في الحديث، والله أعلم.

(7/63)