كشف
المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات (كتاب البيع وَسَائِر المعلومات)
وَلما فرغ المُصَنّف رَحمَه الله من الْكَلَام على الْعِبَادَات وَهِي
مُعَاملَة الْخَالِق، شرع يتلكم على الْمُعَامَلَات وَهِي مُعَاملَة
الْخَلَائق فَقَالَ:
(1/357)
كتاب البيع وَسَائِر الْمُعَامَلَات. البيع
مَأْخُوذ من الباع لِأَن كل وَاحِد من الْمُتَبَايعين يُصَافح صَاحبه عِنْد
البيع، وَلذَلِك سمي البيع صَفْقَة. وأركانه ثَلَاثَة: العاقدان والمعقود
عَلَيْهِ والصيغة الْمَعْقُود بهَا. وَهُوَ جَائِز بِالْإِجْمَاع لقَوْله
تَعَالَى (أحل البيع) ، وَحَدِيث (الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم
يَتَفَرَّقَا) مُتَّفق عَلَيْهِ. وَهُوَ لُغَة دفع عوض وَأخذ معوض عَنهُ،
وَشرعا (مُبَادلَة عين مَالِيَّة أَو مَنْفَعَة مُبَاحَة مُطلقًا) أَي
بِأَن لَا تخْتَص إباحتها بِحَال دون آخر كممر دَار وبقعة لحفر بِئْر،
بِخِلَاف نَحْو جلد ميتَة مدبوغ فَلَا يُبَاح هُوَ وَلَا ينْتَفع بِهِ
مُطلقًا بل فِي اليابسات، (بِأَحَدِهِمَا) مُتَعَلق بمبادلة وَلَو فِي
الذِّمَّة، بِشَرْط أَن يكون للْملك على التَّأْبِيد غير رَبًّا وقرض.
ينْعَقد البيع إِن أُرِيد حَقِيقَته بِأَن رغب كل مِنْهُمَا فِيمَا بذل
لَهُ من الْعِوَض لَا إِن وَقع هزلا بِلَا قصد لحقيقته وَلَا تلجئة
وَأَمَانَة، وَهُوَ إِظْهَاره لدفع ظَالِم وَلَا يُرَاد بَيْعه بَاطِنا
فَهَذَا لَا يَصح
(1/359)
بمعاطاة نصا مُتَعَلق ب (ينْعَقد) فِي
الْقَلِيل وَالْكثير كَقَوْلِه: أَعْطِنِي بِهَذَا خبْزًا فيعطيه مَا يرضيه
من الْخبز مَعَ سُكُوته، أَو يساومه سلْعَة بِثمن فَيَقُول بَائِعهَا:
خُذْهَا، أَو: أعطيتكها بدرهم، أَو نَحوه فيأخذها مُشْتَر ويسكت، أَو
يَقُول مُشْتَر: كَيفَ تبيع هَذَا الْخبز فَيَقُول: كَذَا، فَيَقُول لَهُ:
خُذ، أَو اتزنه، فَيَأْخذهُ ويسكت. أَو وضع ثمنه الْمَعْلُوم لمثله عَادَة
وَأَخذه من غير لفظ لوَاحِد مِنْهُمَا صَحَّ ذَلِك كُله. قَالَ فِي
الْمُبْدع وَشرح الْمُنْتَهى: وَظَاهره وَلَو لم يكن الْمَالِك حَاضرا
للْعُرْف. وَإِن تراخي أَحدهمَا عَن الآخر صَحَّ مَا داما فِي الْمجْلس
وَلم يتشاغلا بِمَا يقطعهُ عرفا وَإِلَّا فَلَا. وَينْعَقد بِإِيجَاب
كَقَوْل بَائِع: بِعْتُك، أَو: مَلكتك كَذَا أَو وليتكه. أَي بعتكه بِرَأْس
مَاله ويعلمانه، وَقبُول كَقَوْل مُشْتَر: ابتعت ذَلِك، أَو: قبلت. أَو:
تملكته، وَنَحْوه بِشَرْط أَن يكون الْقبُول على وفْق الْإِيجَاب فِي
النَّقْد وَالْقدر وَالصّفة والحلول وَالْأَجَل. قَالَ فِي التَّلْخِيص:
فَإِن تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب صَحَّ بِلَفْظ أَمر أَو مَاض مُجَرّد
عَن اسْتِفْهَام وَنَحْوه كالتمني والترجي كَمَا لَو قَالَ: أبعتني أَو:
ليتك، أَو لَعَلَّك بعتني هَذَا، فَقَالَ: بعتكه، لم يَصح لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِقبُول. وَكَذَا لَو قدمه بِلَفْظ الْمُضَارع كتبيعني، وَإِن كَانَ
غَائِبا عَن الْمجْلس فكاتبه أَو راسله: إِنِّي بِعْتُك أَو بِعْت فلَانا
دَاري بِكَذَا فَلَمَّا بلغه الْخَبَر قبل صَحَّ، قَالَه فِي الْإِقْنَاع.
وَلَا ينْعَقد البيع إِلَّا بسبعة شُرُوط: أَحدهَا الرِّضَا بِهِ من كل
مِنْهُمَا أَي الْمُتَبَايعين بِأَن تبَايعا اخْتِيَارا فَلَا يَصح إِن
أكرها أَو أَحدهمَا إِلَّا بِحَق كمن أكرهه حَاكم على بيع مَاله لوفاء دينه
فَيصح، لِأَنَّهُ قَول حمل عَلَيْهِ كإسلام الْمُرْتَد،
(1/360)
وَالثَّانِي كَون عَاقد جَائِز التَّصَرُّف
أَي حرا مُكَلّفا رشيدا، فَلَا يَصح من مَجْنُون لَا فِي قَلِيل وَلَا
كثير، أذن لَهُ أَو لَا، وَمثله المبرسم والسكران، وَلَا من سَفِيه وصغير
إِلَّا فِي شَيْء يسير كرغيف وَنَحْوه فَيصح مِنْهُمَا وَمن قن، لِأَن
الْحجر عَلَيْهِم لخوف ضيَاع المَال وَهُوَ مَفْقُود فِي الْيَسِير،
وَإِلَّا إِذا أذن لمميز وسفيه وليهما فَيصح وَلَو فِي الْكثير، وَلَا يَصح
مِنْهُمَا قبُول هبة وَوَصِيَّة بِلَا إِذن وليهما كَبيع، وَاخْتَارَ
الْمُوفق وَالشَّارِح وَغَيرهمَا صِحَّته من مُمَيّز كَعبد، أَي كَمَا يَصح
من العَبْد قبُول الْهِبَة وَالْوَصِيَّة بِلَا إِذن سَيّده نصا ويكونان
لسَيِّده ذكره فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه. وَيحرم إِذْنه لَهما
بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالهمَا بِلَا مصلحَة، وَإِلَّا أذن لقن سَيّده فَيصح
تصرفه لزوَال الْحجر عَنهُ بِإِذن لَهُ، وَالثَّالِث كَون مَبِيع أَي
مَعْقُود عَلَيْهِ ثمنا كَانَ أَو مثمنا مَالا لِأَن غَيره لَا يُقَابل
بِهِ وَهُوَ أَي المَال شرعا مَا فِيهِ مَنْفَعَة مُبَاحَة مُطلقًا كَمَا
تقدم فَيُبَاح اقتناؤه فَخرج مَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ كالحشرات، وَمَا
فِيهِ مَنْفَعَة مُحرمَة كَالْخمرِ وَمَا لَا يُبَاح إِلَّا عِنْد
الِاضْطِرَار كالميتة، ومالا يُبَاح اقتناؤه إِلَّا لحَاجَة كَالْكَلْبِ،
بِخِلَاف بغل وحمار وطير يقْصد صَوته ودود قَز وبزره بِفَتْح الْبَاء
وَكسرهَا قَالَه فِي المطلع، وَنحل مُفْرد عَن كوارته أَو مَعهَا خَارِجا
عَنْهَا أَو وَهُوَ فِيهَا إِذا شوهد دَاخِلا إِلَيْهَا لحُصُول الْعلم
بِهِ بذلك فَيصح بَيْعه لوُجُود الِانْتِفَاع الْمُبَاح لَا بيع كوارة
بِمَا فِيهَا من عسل وَنحل للْجَهَالَة.
(1/361)
وَيصِح بيع لبن الْآدَمِيَّة وَلَو حرَّة
إِذا كَانَ مُنْفَصِلا مِنْهَا لِأَنَّهُ طَاهِر مَعَ الْكَرَاهَة نصا.
وَيصِح بيع هر وفيل وَمَا يصطاد عَلَيْهِ كبومة تجْعَل شباشا، أَو يصطاد
بِهِ كديدان وسباع بهائم وطير، وَوَلدهَا وفرخها وبيضها طَاهِر لِأَنَّهُ
ينْتَفع بِهِ فِي الْحَال والمآل، إِلَّا الْكَلْب فَلَا يَصح بَيْعه
مُطلقًا وَيحرم اقتناؤه كخنزير وَلَو لحفظ بيُوت وَنَحْوهَا، إِلَّا كلب
مَاشِيَة وصيد وحرث إِن لم يكن أسود بهما أَو عقورا، وَيجوز تربية الجرو
لأجل الثَّلَاثَة. وَلَا يَصح بيع ترياق يَقع فِيهِ لُحُوم الْحَيَّات
وَلَا بيع سموم قاتلة كسم الأفاعي. وَحرم بيع مصحف وَلَا يَصح لكَافِر
قَالَه فِي التَّنْقِيح وَبيعه فِي الْمُنْتَهى، وَسَوَاء كَانَ بَيْعه فِي
دين أَو غَيره لما فِيهِ من ابتذاله وَترك تَعْظِيمه، وَمَفْهُومه أَنه
يَصح بَيْعه لمُسلم مَعَ الْحُرْمَة، وَقَالَ فِي الْإِنْصَاف أَنه
الْمَذْهَب. وَإِن ملكه كَافِر بِإِرْث وَغَيره ألزم بِإِزَالَة يَده
عَنهُ، وَلَا يكره شِرَاؤُهُ استنقاذا وَلَا إِبْدَاله لمُسلم بمصحف آخر
وَلَو مَعَ دَرَاهِم من أَحدهمَا، وَيجوز نسخه بِأُجْرَة حَتَّى لكَافِر
ومحدث بِلَا حمل وَلَا مس. وَيصِح شِرَاء كتب الزندقة والمبتدعة ليتلفها
لَا خمر ليريقها، لِأَن فِي الْكتب مَالِيَّة الْوَرق وتعود وَرقا
مُنْتَفعا بِهِ بالمعالجة بِخِلَاف الْخمر فَإِنَّهُ لَا نفع فِيهَا.
(1/362)
وَيصِح بيع نجس يُمكن تَطْهِيره كَثوب
وَنَحْوه لَا بيع أدهان نَجِسَة أَو متنجسة وَلَو لكَافِر يعلم حَاله.
وَيجوز بيع كسْوَة الْكَعْبَة إِذا خلعت عَنْهَا لَا بيع الْحر وَلَا مَا
لَيْسَ مَمْلُوكا كالمباحات قبل حيازتها وتملكها. وَإِن بَاعَ أمة حَامِلا
بَحر قبل وَضعه صَحَّ فِيهَا، وَالرَّابِع كَونه أَي الْمَبِيع مَمْلُوكا
لبَائِعه وَقت عقد وَمثله الثّمن ملكا تَاما حَتَّى الْأَسير بِأَرْض
الْعَدو إِذا بَاعَ ملكه بدار الْإِسْلَام أَو بدار الْحَرْب نفذ تصرفه
فِيهِ لبَقَاء ملكه عَلَيْهِ أَو كَونه مَأْذُونا لَهُ فِيهِ أَي البيع
وَقت عقد من مَالِكه أَو الشَّارِع كوكيل وَولي صَغِير وَنَحْوه وناظر وقف،
وَلَو لم يعلم الْمَالِك أَو الْمَأْذُون صِحَة بَيْعه بِأَن ظَنّه لغيره
فَبَان أَنه قد وَرثهُ أَو قد وكل فِيهِ، لِأَن الِاعْتِبَار فِي
الْمُعَامَلَات بِمَا فِي نفس الْأَمر لَا بِمَا فِي ظن الْمُكَلف، وَإِن
بَاعَ ملك غَيره بِغَيْر إِذْنه وَلَو بِحَضْرَتِهِ وسكوته، أَو اشْترى
لَهُ بِعَين مَاله شَيْئا بِغَيْر إِذْنه لم يَصح وَلَو أُجِيز بعد. وَإِن
اشْترى لَهُ فِي ذمَّته بِغَيْر إِذْنه صَحَّ إِن لم يُسَمِّيه فِي العقد،
سَوَاء نقد الثّمن من مَال الْغَيْر أَو لَا، فَإِن أجَازه من اشْترى لَهُ
ملكه من حِين العقد وَإِلَّا لزم المُشْتَرِي من اشْتَرَاهُ فَيَقَع
الشِّرَاء لَهُ، وَالْخَامِس كَونه أَي الْمَبِيع مَقْدُورًا على تَسْلِيمه
وَكَذَا الثّمن الْمعِين لِأَن غير الْمَقْدُور على تَسْلِيمه
كَالْمَعْدُومِ، فَلَا يَصح بيع الْآبِق والشاره وَالطير والنحل فِي
الْهَوَاء وَلَو لقادر على تَحْصِيل ذَلِك، وَلَا سمك
(1/363)
فِي مَاء إِلَّا مرئيا بمحوز يسهل أَخذه
مِنْهُ، وَلَا مَغْصُوب إِلَّا لغاصبه، أَو لقادر على تخليصه من غاصبه،
وَللْمُشْتَرِي الْفَسْخ إِن لم يقدر على تَحْصِيله بعد البيع إِزَالَة
لضرره وَالسَّادِس كَونه أَي الْمَبِيع مَعْلُوما لَهما أَي الْمُتَبَايعين
لِأَن الْجَهَالَة بِهِ غرر، إِمَّا بِرُؤْيَة تحصل بهَا معرفَة الْمَبِيع
مُقَارنَة للْعقد أَو قبله بِيَسِير فَلَا يَصح إِن سبقت العقد بِزَمن
يتَغَيَّر الْمَبِيع فِيهِ تغيرا ظَاهرا، وَمَا عرف بلمسه أَو ذوقه أَو شمه
فكرؤيتها أَو ب صفة مَعْطُوف على مَا قبله تَكْفِي تِلْكَ الصّفة فِي
السّلم لقِيَام ذَاك مقَام رُؤْيَة الْمُسلم فِيهِ بِأَن يستقصي صِفَات
الْمُسلم فِيهِ، ثمَّ إِن وجد المُشْتَرِي مَا وصف لَهُ أَو تقدّمت
رُؤْيَته متغيرا فَلهُ الْفَسْخ، لِأَن ذَلِك بِمَنْزِلَة عَيبه، وَيحلف
مُشْتَر إِن اخْتلفَا فِي نقص صفة أَو تغيره عَمَّا كَانَ رَآهُ عَلَيْهِ
وَهُوَ على التَّرَاخِي لَا يسْقط إِلَّا بِمَا يدل على الرِّضَا كسوم
وَنَحْوه، لَا بركوب دَابَّة بطرِيق ردهَا، وَإِن أسقط حَقه من الرَّد
فَلَا أرش لَهُ. وَلَا يَصح بيع حمل بِبَطن إِجْمَاعًا، وَلَا لبن بضرع
وَنوى بِتَمْر وصوف على ظهر إِلَّا تبعا وَلَا مسك فِي فأرته وَلَا عسب
فَحل وَهُوَ ضرابه وَلَا لفت وجزر وَنَحْوهمَا قبل قلع. وَلَا ثوب مطوى
وَلَو تَامّ النسج، قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى لمصنفه: حَيْثُ لم ير مِنْهُ
مَا يدل على بَقِيَّته. انْتهى. وَلَا بيع الْمُلَامسَة كَأَن يَقُول لَهُ:
بِعْتُك ثوبي هَذَا على أَنَّك مَتى لمسته أَو إِن لمسته أَو أَي ثوب لمسته
فَعَلَيْك بِكَذَا. وَلَا بيع الْمُنَابذَة وَهُوَ قَوْله مَتى نبذت أَي
طرحت ثَوْبك أَو إِن نبذت هَذَا الثَّوْب أَو أَي ثوب نَبَذته فلك بِكَذَا.
(1/364)
وَلَا بيع الْحَصَاة كارمها فعلى أَي ثوب
وَقعت فلك بِكَذَا أَو بِعْتُك من هَذِه الأَرْض قدر مَا تبلغ هَذِه
الْحَصَاة: إِذا رميتها بِكَذَا. وَلَا بيع شَيْء لم يُعينهُ كَعبد من
عَبْدَيْنِ أَو عبيد، وَلَا شَاة من قطيع أَو شَجَرَة من بُسْتَان وَلَا
هَؤُلَاءِ العبيد إِلَّا وَاحِدًا غير معِين وَلَو تَسَاوَت الْقيمَة فِي
ذَلِك كُله. فَإِن اسْتثْنى معينا من ذَلِك يعرفانه جَازَ. وَيصِح بيع مَا
شوهد من حَيَوَان وَثيَاب وَإِن جهلا عدده، وَبيع مَا مأكوله فِي جَوْفه
كبيض ورمان، وَبيع باقلاء وَجوز ولوز وفستق وَنَحْوه فِي قشرته. وَحب فِي
سنبله وَيدخل السَّاتِر تبعا كنوى تمر، فَإِن اسْتثْنى القشر أَو التِّبْن
بَطل البيع، وَيصِح بيع التِّين دون حبه قبل تصفيته مِنْهُ، لِأَنَّهُ
مَعْلُوم بِالْمُشَاهَدَةِ كَمَا لَو بَاعَ القشر دون مَا دَاخله أَو
التَّمْر دون نَوَاه ذكره صَاحب الْمُنْتَهى فِي شَرحه. وَيصِح بيع قفيز من
هَذِه الصُّبْرَة إِن تَسَاوَت أجزاؤها وزادت عَلَيْهِ، وَبيع رَطْل من دن
أَو زيرة حَدِيد، وَإِن تلفت الصُّبْرَة أَو الدن أَو الزبرة إِلَّا
وَاحِدًا تعين البيع فِيهِ لتعين الْمحل لَهُ، وَلَو خرق قفزانا تَسَاوَت
أجزاؤها وَبَاعَ مِنْهَا وَاحِدًا مُبْهما صَحَّ، وَيصِح بيع صبرَة جزَافا
مَعَ علمهما أَو جهلهما، وَمَعَ علم بَائِع وَحده يحرم بيعهَا نصا،
لِأَنَّهُ لَا يَبِيعهَا جزَافا مَعَ علمه بِالْكَيْلِ إِلَّا للتغرير
ظَاهرا، وَيصِح البيع ولمشتر الرَّد، وَكَذَا مَعَ علم مُشْتَر وَحده،
وَللْبَائِع الْفَسْخ لوُجُود الْغرَر.
فَائِدَة: من بَاعَ صبرَة جزَافا بِعشْرَة مثلا على أَن يزِيدهُ قَفِيزا
أَو ينقصهُ قَفِيزا لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أيزيده أم ينقصهُ. وَإِن
قَالَ: على أَن أزيدك
(1/365)
قَفِيزا وَأطلق لم يَصح أَيْضا لِأَن
القفيز مَجْهُول، فَإِن قَالَ على أَن أزيدك قَفِيزا من هَذِه الصُّبْرَة
الْأُخْرَى، أَو وَصفه بِصفة تَكْفِي فِي السّلم صَحَّ. وَإِن قَالَ على
أَن أنقصك قَفِيزا لم يَصح للْجَهَالَة بِمَا مَعهَا وَهُوَ يُؤَدِّي إِلَى
جَهَالَة مَا يبْقى بعد الصَّاع الْمُسْتَثْنى. وَإِن قَالَ بِعْتُك هَذِه
الصُّبْرَة كل قفيز بدرهم على أَن أزيدك قَفِيزا من هَذِه الصُّبْرَة
الْأُخْرَى لم يَصح، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى جَهَالَة الثّمن فِي
التَّفْصِيل لِأَنَّهُ يصير قَفِيزا وشيئا بدرهم وهما لَا يعرفانه لعدم
معرفتهما بكمية قفزانها. وَلَا يَصح بيع جريب من أَرض وذراع من ثوب مُبْهما
إِلَّا أَن علما ذرعهما وَيكون مشَاعا. وَيصِح اسْتثِْنَاء جريب من أَرض
وذراع من ثوب إِذا كَانَ الْمُسْتَثْنى معينا بابتداء ومنتهى مَعًا، فَإِن
عين أَحدهمَا مَعًا، فَإِن عين أَحدهمَا دون الآخر لم يَصح. ثمَّ إِن نقص
ثوب بِقطع وتشاحا فِي قطعه كَانَا شَرِيكَيْنِ وَلَا فسخ وَلَا قطع حَيْثُ
لم يشْتَرط المُشْتَرِي بل يُبَاع وَيقسم ثمنه على قدر مَا لكل مِنْهُمَا،
وَكَذَا خَشَبَة بسقف وفص بِخَاتم إِذا تشاحا فيهمَا بيعا أَي السّقف
بالخشبة والخاتم بالفص وَقسم الثّمن بالمحاصة. وَلَا يَصح اسْتثِْنَاء حمل
مَبِيع من أمة أَو بَهِيمَة مأكولة أَو لَا، وَلَا شحمه وَلَا رَطْل لحم
أَو شَحم من مَأْكُول لجَهَالَة مَا يبْقى، إِلَّا رَأسه وَجلده وأطرافه
يَصح استثناؤها نصا حضرا أَو سفرا. وَلَا يَصح اسْتثِْنَاء مَالا يَصح
بَيْعه مُفردا إِلَّا فِي هَذِه الصُّورَة للْخَبَر.
(1/366)
وَلَو أَبى مُشْتَر ذبحه وَلم يشْتَرط
عَلَيْهِ البَائِع لم يجْبر مُشْتَر على ذبحه وَيلْزمهُ قيمَة ذَلِك
الْمُسْتَثْنى نصا تَقْرِيبًا، وَإِن شَرطه لزم. وَللْمُشْتَرِي الْفَسْخ
بِعَيْب يخْتَص الْمُسْتَثْنى كعيب بِرَأْسِهِ أَو جلده لِأَن الْجَسَد
شَيْء وَاحِد يتألم كُله بألم عُضْو، وَالسَّابِع كَون ثمن مَعْلُوما حَال
العقد وَلَو بِرُؤْيَة مُتَقَدّمَة بِزَمن لَا يتَغَيَّر فِيهِ، أَو وصف
كَمَا تقدم، وَلَو فِي صبرَة من دَرَاهِم وَنَحْوهَا ثمن وَكَذَا أُجْرَة،
وَيرجع مَعَ تعذر معرفَة ثمن فِي فسخ بِقِيمَة مَبِيع. وَلَو أسرا ثمنا
بِلَا عقد ثمَّ عقداه ظَاهرا بآخر فالثمن الأول، وَلَو عقدا سرا بِثمن ثمَّ
عَلَانيَة باكثر فكنكاح أَي يُؤْخَذ بِالزَّائِدِ مُطلقًا، وَالأَصَح قَول
المنفح: الْأَظْهر أَن الثّمن هُوَ الثَّانِي إِن كَانَ فِي مُدَّة خِيَار
وَإِلَّا فَالْأول. انْتهى. قَالَه فِي الْمُنْتَهى. فَلَا يَصح البيع
بقوله بِعْتُك بِمَا يَنْقَطِع بِهِ السّعر وَلَا كَمَا يَبِيع النَّاس
وَلَا بِدِينَار أَو دِرْهَم مُطلق وَثمّ نقود مُتَسَاوِيَة رواجا فَإِن لم
يكن إِلَّا وَاحِد أَو غلب أَحدهَا صَحَّ وَصرف إِلَيْهِ. وَلَا: بِعشْرَة
صحاحا أَو أحد عشر مكسرة، وَلَا: بِعشْرَة نَقْدا أَو عشْرين نَسِيئَة. مَا
لم يَتَفَرَّقَا فِي الصُّورَتَيْنِ على أحد الثمنين فَإِن تفَرقا على
الصِّحَاح أَو المكسرة فِي الأولى، أَو على النَّقْد أَو النَّسِيئَة فِي
الثَّانِيَة صَحَّ لانْتِفَاء الْمَانِع بِالتَّعْيِينِ وَلَا بيع نَحْو
ثوب برقمه وَلَا بِمَا بَاعَ بِهِ زيد إِلَّا إِن علماهما، وَلَا بِأَلف
ذَهَبا أَو فضَّة، وَلَا بِثمن مَعْلُوم مَعَ رَطْل خمر أَو كلب أَو نَحوه،
وَلَا بِمِائَة دِرْهَم إِلَّا دِينَارا أَو قفيزين وَنَحْوه، وَلَا أَن
يَبِيع من صبرَة أَو ثوب
(1/367)
أَو قطيع كل قفيز أَو ذِرَاع أَو شَاة
بدرهم لِأَن (من) للتَّبْعِيض و (كل) للعد فَيكون مَجْهُولا. وَيصِح بيع
الصُّبْرَة أَو الثَّوْب أَو القطيع كل قفيز أَو ذِرَاع أَو شَاة بدرهم،
وَإِن لم يعلمَا عدد ذَلِك لِأَن الْمَبِيع مَعْلُوم بِالْمُشَاهَدَةِ
وَالثمن يعرف بِجِهَة لَا تتَعَلَّق بالمتعاقدين وَهُوَ كيل الصُّبْرَة أَو
ذرع الثَّوْب أَو عد القطيع. وَيصِح بيع دهن وَعسل وَنَحْوهمَا فِي ظرفه
مَعَه موازنة كل رَطْل بِكَذَا سَوَاء علما بمبلغ كل مِنْهُمَا أَو لَا
لِأَن المُشْتَرِي رَضِي أَن يَشْتَرِي كل رَطْل بِكَذَا من الظّرْف
وَمِمَّا فِيهِ، وكل مِنْهُمَا يَصح إِفْرَاده بِالْبيعِ فصح الْجمع
بَينهمَا كالأرض الْمُخْتَلفَة الْأَجْزَاء. وَإِن احتسب بَائِع بزنة
الظّرْف على مُشْتَر وَلَيْسَ الظّرْف مَبِيعًا وعلما مبلغ كل مِنْهُمَا
صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لجَهَالَة الثّمن. وَإِن بَاعه جزَافا بظرفه أَو دونه
صَحَّ، أَو بَاعه إِيَّاه فِي ظرفه كل رَطْل بِكَذَا على أَن يطْرَح مِنْهُ
وزن الظّرْف صَحَّ. وَإِن اشْترى زيتا وَنَحْوه فِي ظرف فَوجدَ فِيهِ
رَبًّا أَو نَحوه صَحَّ البيع فِي الْبَاقِي بِقسْطِهِ ولمشتر الْخِيَار
وَلم يلْزم البَائِع بدل الرِّبَا. وَإِن بَاعَ شخص شَيْئا مشَاعا بَينه
وَبَين غَيره أَي بَاعَ جَمِيع مَا يملك بعضه بِغَيْر إِذن شَرِيكه أَو
بَاعَ عَبده وَعبد غَيره صَفْقَة وَاحِدَة بِغَيْر إِذن مِنْهُ أَو بَاعَ
عبدا وحرا صَفْقَة وَاحِدَة أَو بَاعَ خلا وخمرا صَفْقَة وَاحِدَة صَحَّ
البيع فِي نصِيبه من الْمشَاع وَصَحَّ فِي عَبده بِقسْطِهِ
(1/368)
دون عبد غَيره وَصَحَّ فِي الْخلّ
بِقسْطِهِ من الثّمن نصا، وتقدر الْخمر خلا وَالْحر عبدا ليقوم لتقسيط
الثّمن، ولمشتر الْخِيَار إِن جهل الْحَال وَقت عقده وَإِلَّا فَلَا خِيَار
لَهُ لدُخُوله على بَصِيرَة. وَإِن بَاعَ عَبده وَعبد غَيره بِإِذْنِهِ
بِثمن وَاحِد أَو بَاعَ عَبْدَيْنِ لاثْنَيْنِ أَو اشْترى عَبْدَيْنِ من
اثْنَيْنِ أَو من وكيلهما بِثمن وَاحِد صَحَّ وقسط على قيمتيهما، وكبيع
إِجَارَة. وَإِن جمع من عقد بَين بيع وَإِجَارَة أَو صرف أَو خلع أَو
نِكَاح بعوض وَاحِد صَحَّ وقسط عَلَيْهِمَا. وَبَين بيع وَكِتَابَة بِأَن
كَاتب عَبده وَبَاعه دَاره بِمِائَة كل شهر عشرَة مثلا بَطل البيع
لِأَنَّهُ بَاعَ مَاله بِمَالِه أشبه مَا لَو بَاعه قبل الْكِتَابَة وَصحت
كِتَابَة بقسطها لعدم الْمَانِع. وَيحرم وَلَا يَصح بِلَا حَاجَة كمضطر
إِلَى طَعَام أَو شراب وجده يُبَاع، وعريان وجد ستْرَة تبَاع، أَو وجد
أَبَاهُ وَنَحْوه يُبَاع مَعَ من لَو تَركه لذهب، وَشِرَاء مركوب لعاجز،
أَو قَائِد لضرير بيع فَاعل يَصح، وَلَا شِرَاء مِمَّن تلْزمهُ الْجُمُعَة
وَلَو بِغَيْرِهِ وَلَو أحد الْمُتَعَاقدين والأخر لَا تلْزمهُ، وَكره
البيع وَالشِّرَاء للْآخر. وَمحل ذَلِك بعد ندائها الْجُمُعَة الثَّانِي
الَّذِي عِنْد أول الْخطْبَة. قَالَ المنقح أَو قبله لمن منزله بعيد
بِحَيْثُ أَنه يُدْرِكهَا. انْتهى. وَيسْتَمر التَّحْرِيم إِلَى انْقِضَاء
الصَّلَاة. وَكَذَا لَو تضايق وَقت مَكْتُوبَة غَيرهَا وَتَصِح سَائِر
الْعُقُود من نِكَاح وَإِجَارَة وَصلح وقرض وَرهن وَضَمان وَنَحْوهمَا
وإمضاء بيع خِيَار، أَو فَسخه بعد ندائها وَلَا يَصح بيع عصير أَو عِنَب
أَو زبيب (لمتخذه) (سقط: أَي الْعصير
(1/369)
أَو الْعِنَب أَو الزَّبِيب) خمرًا وَلَو
لذِمِّيّ لأَنهم مخاطبون بالفروع. وَلَا بيع مَأْكُول ومشروب ومشموم وقدح
لمن يشرب عَلَيْهِ أَو بِهِ مُسكرا، وَلَا بيع سلَاح وَنَحْوه كفرس وَدرع
فِي فتْنَة أَو لأهل حَرْب أَو قطاع طَرِيق إِذا علم ذَلِك وَلَو بقرائن،
وَلَا بيع بيض وَجوز وَنَحْوهمَا لقمار وَلَا أكلهما وَلَا بيع غُلَام
وَأمة لمن عرف بِوَطْء دبر أَو بغناء، وَلَو اتهمَ بِوَطْء غُلَامه فدبره
أَو لَا وَهُوَ فَاجر معلن حيل بَينهمَا كمجوسي تسلم أُخْته وَيخَاف أَن
يَأْتِيهَا فيحال بَينهمَا، وَلَا بيع عبد مُسلم لكَافِر وَلَو وَكيلا
لمُسلم لَا يعْتق عَلَيْهِ فَإِن كَانَ يعْتق عَلَيْهِ كأبيه وَابْنه صَحَّ
شِرَاؤُهُ لَهُ لِأَن ملكه لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ بل يعْتق عَلَيْهِ فِي
الْحَال، وَإِن أسلم عبد لذِمِّيّ أجبر على إِزَالَة ملكه عَنهُ وَلَا
تَكْفِي كِتَابَة.
فَائِدَة يدْخل الرَّقِيق الْمُسلم فِي ملك الْكَافِر ابْتِدَاء
بِالْإِرْثِ من قريب أَو مولى أَو زوج وباسترجاعه بإفلاس المُشْتَرِي بِأَن
اشْترى كَافِر عبدا كَافِرًا ثمَّ أسلم العَبْد وأفلس المُشْتَرِي وَحجر
عَلَيْهِ ففسخ البَائِع البيع، وَإِذا رَجَعَ فِي هِبته لوَلَده بِأَن وهب
الْكَافِر لوَلَده ثمَّ أسلم العَبْد وَرجع الْأَب فِي هِبته، وَإِذا رد
عَلَيْهِ بِعَيْب أَي بَاعه كَافِرًا ثمَّ أسلم وَظهر بِهِ عيب فَرده،
وَكَذَا لَو رد بِغَبن أَو تَدْلِيس أَو خِيَار مجْلِس، وَإِذا اشْترط
الْخِيَار مُدَّة فَأسلم العَبْد فِيهَا وَفسخ البَائِع البيع، وَإِذا وجد
الثّمن الْمعِين معيبا فَرده وَكَانَ قد أسلم للْعَبد، وَفِيمَا إِذا ملكه
الْحَرْبِيّ، وَفِيمَا إِذا قَالَ الْكَافِر لمُسلم أعتق عَبدك الْمُسلم
عني وَعلي
(1/370)
ثمنه فَفعل. ذكره فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه،
وَيدخل الْمُصحف فِي ملك الْكَافِر ابْتِدَاء بِالْإِرْثِ وَالرَّدّ
عَلَيْهِ لنَحْو عيب وبالقهر ذكره ابْن رَجَب وَحرم وَلم يَصح بَيْعه على
بيع أَخِيه الْمُسلم زمن الخيارين الْمجْلس وَالشّرط وَهُوَ قَوْله لمن
اشْترى شَيْئا بِعشْرَة: أُعْطِيك مثله بِتِسْعَة، أَو يعرض عَلَيْهِ
سلْعَة يرغب فِيهَا المُشْتَرِي لفسخ البيع ويعقد مَعَه فَلَا يَصح البيع.
وَحرم وَلم يَصح شِرَاؤُهُ على شِرَائِهِ أَي الْمُسلم كَقَوْلِه لبائع
سلْعَة بِتِسْعَة: عِنْدِي فِيهَا عشرَة وَكَذَا اقتراضه بِأَن يعْقد مَعَه
فَيَقُول آخر: أَقْرضنِي ذَلِك قبل تقييضه للْأولِ فيفسخه ويدفعه
للثَّانِي، وَكَذَا اتهابه على اتهابه وافتراضه بِالْفَاءِ فِي الدِّيوَان
على افتراضه، وَطلب الْعَمَل من الولايات بعد طلب غَيره وَنَحْو ذَلِك،
وَالْمُسَاقَاة والمزارعة والجعالة وَنَحْوهَا كَالْبيع فَتحرم وَلَا تصح
إِذا سبقت للْغَيْر قِيَاسا على البيع لما فِي ذَلِك من الْإِيذَاء ذكره
فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه، وَحرم سومه على سومه أَي الْمُسلم مَعَ الرِّضَا
الصَّرِيح لحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا أَن النَّبِي قَالَ: (لَا يسم
الرجل على سوم أَخِيه) رَوَاهُ مُسلم. وَهُوَ أَن يتساوما على [] فِي غير
المناداة حَتَّى يحصل الرِّضَا من البَائِع، وَأما المزايدة فِي المناداة
قبل الرِّضَا فجائزة بِالْإِجْمَاع، وَكَذَا سوم إِجَارَة، وَيصِح العقد
على السّوم فَقَط. وَمن استولى على ملك غَيره بِلَا حق أَو جَحده أَو مَنعه
إِيَّاه حَتَّى
(1/371)
يَبِيعهُ لَهُ فَفعل لم يَصح. وَمن بَاعَ
شَيْئا نَسِيئَة أَو بِثمن حَال لم يقبض حرم وَبَطل اسْتِرْدَاده لَهُ من
مُشْتَرِيه نصا بِنَقْد من جنس الأول أقل مِنْهُ وَلَو نَسِيئَة وَكَذَا
العقد الأول حَيْثُ كَانَ وَسِيلَة إِلَى الثَّانِي إِلَّا إِن تَغَيَّرت
صفته، وَتسَمى (مسئلة الْعينَة) لِأَن مُشْتَرِي السّلْعَة إِلَى أجل
يَأْخُذ بدلهَا عينا أَي نَقْدا حَاضرا. وعكسها مثلهَا بِأَن يَبِيع شَيْئا
بِنَقْد حَاضر ثمَّ يَشْتَرِيهِ من مُشْتَرِيه أَو وَكيله بِنَقْد أَكثر من
الأول من جنسه غير مَقْبُوض إِن لم تزد قيمَة الْمَبِيع بِنَحْوِ سمن أَو
تعلم صنعتة. وَإِن اشْتَرَاهُ أَبَوَاهُ أَو ابْنه أَو غُلَامه وَنَحْوه
صَحَّ مَا لم يكن حِيلَة، قَالَ شيخ الْإِسْلَام 16 (ابْن تَيْمِية) رَحمَه
الله: وَيحرم على صَاحب الدّين أَن يمْتَنع من إنظار الْمُعسر حَتَّى يقلب
عَلَيْهِ الدّين وَمَتى قَالَ رب الدّين إِمَّا أَن تقلبه وَإِمَّا أَن
تقوم معي إِلَى عِنْد الْحَاكِم وَخَافَ أَن يحْبسهُ الْحَاكِم لعدم ثُبُوت
إِعْسَاره عِنْده وَهُوَ مُعسر فَقلب على هَذَا الْوَجْه كَانَت هَذِه
الْمُعَامَلَة حَرَامًا غير لَازِمَة بِاتِّفَاق الْمُسلمين، فَإِن
الْغَرِيم مكره عَلَيْهَا بِغَيْر حق، وَمن نسب جَوَاز الْقلب على الْمُعسر
بحيلة من الْحِيَل إِلَى مَذْهَب بعض الْأَئِمَّة فقد أَخطَأ فِي ذَلِك
وَغلط، وَإِنَّمَا تنَازع النَّاس فِي الْمُعَامَلَات الاختيارية مثل
التورق والعينة. انْتهى كَلَامه. وَهُوَ ظَاهر ذكره فِي الْإِقْنَاع.
وَيحرم التسعير على النَّاس، وَهُوَ أَن يسعر الإِمَام سعرا وَيجْبر
النَّاس على البيع والتبايع بِهِ. وَيكرهُ الشِّرَاء بِهِ وَإِن هدد حرم
البيع وَبَطل. وَحرم أَن يَقُول لغير محتكر: بِعْ كالناس. وَأوجب شيخ
الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية إِلْزَام السوقة الْمُعَاوضَة بِثمن الْمثل
وَأَنه لَا نزاع فِيهِ لِأَنَّهُ مصلحَة عَامَّة لحق الله تَعَالَى وَلَا
تتمّ مصلحَة النَّاس إِلَّا بهَا.
(1/372)
وَيحرم الاحتكار فِي قوت آدَمِيّ فَقَط
لقَوْله (الجالب مَرْزُوق والمحتكر مَلْعُون) وَهُوَ أَن يَشْتَرِيهِ
للتِّجَارَة ويحبسه ليقل فيغلو. قَالَ فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى: وَمن
جلب شَيْئا أَو استغله من ملكه أَو مِمَّا اسْتَأْجرهُ أَو اشْتَرَاهُ زمن
الرُّخص وَلم يضيق على النَّاس إِذا، أَو اشْتَرَاهُ من بلد كَبِير كبغداد
أَو الْبَصْرَة ومصر وَنَحْوهَا فَلهُ حَبسه حَتَّى يغلو وَلَيْسَ بمحتكر،
نَص عَلَيْهِ، وَترك ادخاره لذَلِك أولى. انْتهى. قَالَ فِي تَصْحِيح
الْفُرُوع بعد حِكَايَة ذَلِك: قلت إِذا أَرَادَ بِفعل ذَلِك وتأخيره
مُجَرّد الْكسْب فَقَط كره، وَإِن أَرَادَ التكسب ونفع النَّاس عِنْد
الْحَاجة لم يكره. وَالله أعلم. وَمن احْتَاجَ إِلَى نقد فَاشْترى مَا
يُسَاوِي مائَة بِمِائَة وَخمسين ليتوسع بِثمنِهِ فَلَا بَأْس نصا، وَهِي
مَسْأَلَة التورق. وَيحرم البيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد، وَلَا يَصح
للمعتكف وَغَيره فِي الْقَلِيل وَالْكثير. وَبيع الْأمة الَّتِي يَطَؤُهَا
قبل استبرائها حرَام وَيصِح العقد. وَلَا يَصح التَّصَرُّف فِي الْمَقْبُوض
بِعقد فَاسد وَيضمن هُوَ وزيادته كمغصوب.
(1/373)
3 - (فصل)
فِي بَيَان الشُّرُوط فِي البيع. والشروط جمع شَرط، وَتقدم تَعْرِيفه فِي
شُرُوط الصَّلَاة، وَهُوَ فِيهِ أَي البيع وَشبهه كَالْإِجَارَةِ
وَالشَّرِكَة إِلْزَام أحد الْمُتَعَاقدين الآخر بِسَبَب العقد مَا لَهُ
فِيهِ مَنْفَعَة وَتعْتَبر مقارنته للْعقد. وَهِي فِي البيع ضَرْبَان ضرب
صَحِيح لَازم وينقسم إِلَى ثَلَاثَة أَنْوَاع، أَحدهَا: مَا يَقْتَضِيهِ
البيع كتقابض وحلول ثمن وَتصرف كل فِيمَا يصير إِلَيْهِ ورده بِعَيْب قديم
وَنَحْوه، وَلم يذكر المُصَنّف رَحمَه الله هَذَا النَّوْع لِأَنَّهُ لَا
أثر لَهُ. النَّوْع الثَّانِي: مَا كَانَ مصْلحَته وَهُوَ مَا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله كَشَرط رهن بِالثّمن وكشرط ضَامِن بِهِ مُعينين وَلَو كَانَ
الرَّهْن الْمَبِيع فَيُصْبِح نصا فَإِذا قَالَ لَهُ: بِعْتُك هَذَا
العَبْد بِكَذَا على أَن ترهننيه على ثمنه، فَقَالَ: اشْتريت ورهنت، صَحَّ
الشِّرَاء وَالرَّهْن. وَلَيْسَ لبائع طلبهما أَي طلب رهن أَو ضَامِن من
مُشْتَر إِن لم يكن اشتراطهما فِيهِ، وك تَأْجِيل ثمن كُله أَو بعضه إِلَى
أجل معِين أَو شَرط صفة فِي الْمَبِيع كَالْعَبْدِ كَاتبا أَو فحلا أَو
خَصيا أَو صانعا أَو مُسلما، وَالْأمة بكرا
(1/374)
أَو تحيض، وَالدَّابَّة هملاجة أَو لبونا
أَو حَامِلا، والفهد أَو الْبَازِي صيودا، وَالْأَرْض خراجها كَذَا،
والطائر مصوتا أَو يبيض أَو يَجِيء من مَسَافَة مَعْلُومَة أَو يَصِيح فِي
وَقت مَعْلُوم كعند الصَّباح والمساء، فَيصح الشَّرْط فِي كل مَا ذكر
لَازِما، فَإِن وفى بِهِ وَإِلَّا فَلهُ فسخ أَو أرش الصّفة، فَإِن تعذر رد
تعين أرش كمعيب تعذر رده، لِأَن فِي اشْتِرَاط هَذِه الصِّفَات قصدا
صَحِيحا، وتختلف الرغبات باختلافها فلولا صِحَة اشْتِرَاطهَا لفاتت
الْحِكْمَة الَّتِي لأَجلهَا شرع البيع. وَإِن شَرط أَن الطير يوقظه
للصَّلَاة أَو أَنه يَصِيح عِنْد دُخُول أَوْقَات الصَّلَاة لم يَصح لتعذر
الْوَفَاء بِهِ، وَلَا كَون الْكَبْش نطاحا أَو الديك مناقرا أَو الْأمة
مغنية أَو الزِّنَا فِي الرَّقِيق، أَو الْبَهِيمَة تحلب كل يَوْم قدرا
مَعْلُوما أَو الْحَامِل تَلد وَقت بِعَيْنِه، لِأَنَّهُ إِمَّا محرم أَو
لَا يُمكن. وَإِن أخبر بَائِع مُشْتَريا بِصفة فصدقة بِلَا شَرط بِأَن
اشْترى وَلم يشترطها فَبَان فقدها فَلَا خِيَار لَهُ لِأَنَّهُ مقصر
بِعَدَمِ الشَّرْط، أَو شَرط الْأمة ثَيِّبًا أَو كَافِرَة أَو سبطة أَو
حَامِلا، فَبَانَت أعلا أَو جعدة أَو حَائِلا فِي خياء لمشتر لِأَنَّهُ
زَاده خيرا، وَلَو شَرط العَبْد كَافِرًا فَبَان مُسلما فَحكمه حكم مَا
إِذا شَرطهَا كَافِرَة فَبَانَت مسلمة، قَالَ فِي ((الْإِنْصَاف)) : قلت
وَهُوَ الصَّحِيح. النَّوْع الثَّالِث: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (و) ك
(شَرط بَائِع نفعا) غير وطئ ودواعية (مَعْلُوما فِي مَبِيع ك) اشْتِرَاط
(سُكْنى الدَّار شهرا) مثلا وحملان الْبَعِير إِلَى مَحل معِين وخدمة
العَبْد الْمَبِيع مُدَّة مَعْلُومَة فَيصح نصا، ولبائغ إِجَارَة مَا
اسْتثْنى من النَّفْع وإعارته لَا لمن هُوَ أَكثر مِنْهُ ضَرَرا، وَإِن
تلفت الْعين قبل اسْتِيفَاء بَائِع للنفع بِفعل مُشْتَر أَو تفريطه لزمَه
أُجْرَة مثله لَا إِن
(1/375)
تلفت بِغَيْر ذَلِك (و) كَشَرط (مُشْتَر
نفع بَائِع) فِي مَبِيع (ك) شَرط (حمل حطب أَو تكسيره) أَو خياطَة ثوب أَو
تَفْصِيله أَو حصاد زرع أَو جزر رطبَة وَنَحْوه فَيصح ذَلِك إِن كَانَ
مَعْلُوما، وَلزِمَ البَائِع فِيهِ مَا شَرط عَلَيْهِ فلمشتر عوض ذَلِك
النَّفْع، وَإِن تَرَاضيا على أَخذ الْعِوَض وَلَا بِلَا عذر جَازَ، وَإِن
شَرط المُشْتَرِي على البَائِع الْحمل إِلَى منزله وَهُوَ لَا يُعلمهُ لم
يَصح الشَّرْط، هَذَا معنى مَا فِي ((شرح الْمُنْتَهى)) وَظَاهره صِحَة
البيع، وَعَلِيهِ فَيثبت الْخِيَار، ذكره فِي ((شرح الْإِقْنَاع)) ، وَإِن
بَاعَ المُشْتَرِي الْعين الْمُسْتَثْنى نَفعهَا صَحَّ البيع، وَتَكون فِي
يَد المُشْتَرِي الثَّانِي مُسْتَثْنَاة أَيْضا فَإِن كَانَ عَالما بذلك
فَلَا خِيَار لَهُ وَإِلَّا فَلهُ الْخِيَار، وَإِن أَقَامَ البَائِع
مقَامه من يعْمل الْعَمَل فَلهُ ذَلِك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأَجِير
الْمُشْتَرك، وَإِن أَرَادَ دفع الْأُجْرَة أَو أَرَادَ المُشْتَرِي
أَخذهَا وأبى الآخر لم يجْبر، وَإِن تَرَاضيا على ذَلِك جَازَ وَإِن جمع
فِي بيع بَين شرطين وَلَو صَحِيحَيْنِ كحمل حطب وتكسيره أَو خياطَة ثوب
وتفصيله بَطل البيع، إِلَّا أَن يَكُونَا من مُقْتَضَاهُ أَو مصْلحَته
كاشتراط رهن وضمين مُعينين بِالثّمن فَيصح، وَيصِح تَعْلِيق فسخ غير خلع
بِشَرْط كبعتك على أَن تنقدني الثّمن إِلَى كَذَا، أَو على أَن ترهننيه
بِثمنِهِ وَإِلَّا فَلَا بيع بَيْننَا، وينفسخ البيع إِن لم يَفْعَله.
وَالضَّرْب الثَّانِي من الشُّرُوط فِي البيع فَاسد وَيحرم اشْتِرَاطه،
وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع أَيْضا، أَحدهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله
وفاسد يُبطلهُ أَي البيع من أَصله كَشَرط عقد آخر من قرض وَغَيره من
الْعُقُود كَبيع أَو سلف
(1/376)
أَو إِجَارَة أَو شركَة أَو صرف للثّمن،
وَهُوَ بيعتان فِي بيعَة المنهى عَنهُ، وَالنَّهْي يَقْتَضِي الْفساد،
قَالَه الإِمَام أَحْمد. وَكَذَا كل مَا كَانَ فِي معنى ذَلِك مثل أَن
تَقول لَهُ: بِعْتُك على أَن تزَوجنِي ابْنَتك، أَو أزَوجك ابْنَتي
وَنَحْوه. وَالنَّوْع الثَّانِي من الْفَاسِد الْمُبْطل مَا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله أَو مَا يتَعَلَّق البيع ك قَوْله بِعْتُك أَو اشْتريت
مِنْك إِن جئتني كَذَا أَو بِعْتُك أَو اشْتريت مِنْك إِن رَضِي زيد
فَهَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة يَقْتَضِي نقل الْملك حَال العقد
وَالشّرط يمنعهُ. وَالنَّوْع الثَّالِث فَاسد غير مُبْطل للْعقد وَهُوَ مَا
أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وفاسد لَا يُبطلهُ أَي البيع كَشَرط يُنَافِي
مُقْتَضَاهُ كَشَرط أَن لَا خسارة عَلَيْهِ أَو أَنه مَتى نفق وَإِلَّا رده
وَنَحْو ذَلِك كَأَن لَا يقفه أَو لَا يَبِيعهُ أَو لَا يعتقهُ أَو إِن
أعْتقهُ فولاؤه لبائع، أَو شَرط عَلَيْهِ أَن يفعل ذَلِك من وقف وَبيع
وَنَحْوه، فَالشَّرْط فَاسد وَالْبيع صَحِيح، إِلَّا شَرط الْعتْق فَيصح
أَن يَشْتَرِطه بَائِع على مُشْتَر وَيجْبر مُشْتَر إِن أَبَاهُ لِأَنَّهُ
مُسْتَحقّ لله تَعَالَى فَإِن أصر أعْتقهُ حَاكم. وَمن قَالَ لغريمه بغني
هَذَا على أَن أقضيك مِنْهُ دينك فَبَاعَهُ إِيَّاه صَحَّ البيع لَا
الشَّرْط. وَإِن قَالَ رب الْحق: اقضني على أَن أبيعك كَذَا بِكَذَا فقضاه
صَحَّ الْقَضَاء دون البيع. وَإِن قَالَ: اقضني أَجود مِمَّا لي عَلَيْك
على أَن أبيعك كَذَا ففعلا فباطلان. وَيصِح: بِعْت وَقبلت إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
(1/377)
وَيصِح بيع العربون وَهُوَ دفع بعض الثّمن
أَو الْأُجْرَة وَيَقُول: إِن أَخَذته أَو جِئْت بِالْبَاقِي وَإِلَّا
فَهُوَ لَك، لَا إِن جَاءَ الْمُرْتَهن بِحقِّهِ فِي مَحَله وَإِلَّا
فالرهن لَهُ، وَمَا دفع من العربون فلبائع ومؤجر إِن لم يتم العقد، وَمن
قَالَ لقنه: إِن بِعْتُك فَأَنت حر، وَبَاعه عتق عَلَيْهِ وَلم ينْتَقل
الْملك فِيهِ لمشتر نصا. وَإِن بَاعَ سلْعَة شَرط على مُشْتَر الْبَرَاءَة
من كل عيب مَجْهُول بهَا لم يبرأ، أَو من عيب كَذَا إِن كَانَ أَو
الْبَرَاءَة من الْحمل أَن مِمَّا يحدث بعد العقد وَقبل التَّسْلِيم
فَالشَّرْط فَاسد وَلم يبرأ بَائِع بذلك، ولمشتر الْفَسْخ بِعَيْب سَوَاء
كَانَ الْعَيْب ظَاهرا وَلم يُعلمهُ المُشْتَرِي أَو بَاطِنا، وَإِن سمى
بَائِع الْعَيْب لمشتر أَن أَبرَأَهُ بعد العقد من عيب كَذَا أَو من كل عيب
برىء. وَمن بَاعَ مَا يذرع على أَنه عشرَة فَبَان أَكثر صَحَّ وَلكُل
الْفَسْخ مَا لم يُعْط بَائِع الزَّائِد مجَّانا فَيسْقط خِيَار مُشْتَر
لِأَن البَائِع زَاد خيرا، وَإِن بَان أقل صَحَّ وَالنَّقْص على بَائِع،
وَيُخَير بَائِع إِن أَخذه مُشْتَر بقسط بَين فسخ وإمضاء، لَا إِن أَخذه
بِجَمِيعِ الثّمن وَلم يفْسخ مُشْتَر البيع.
(1/378)
3 - (فصل)
. وَالْخيَار اسْم مصدر اخْتَار يخْتَار اخْتِيَارا، وَهُوَ هَهُنَا طلب
خير الْأَمريْنِ الْفَسْخ أَو الْإِمْضَاء. وَهُوَ سَبْعَة أَقسَام أَحدهَا
خِيَار مجْلِس بِكَسْر اللَّام وَأَصله مَكَان الْجُلُوس وَالْمرَاد بِهِ
هُنَا مَكَان التبايع، وَيثبت فِي بيع وَلَو لم يَشْتَرِطه الْعَاقِد،
وَصلح وَإِجَارَة وَهبة بعوض مَعْلُوم وَفِيمَا قَبضه شَرط لصِحَّته كصرف
وَسلم وَبيع رِبَوِيّ بِجِنْسِهِ، وَلَا يثبت فِي بَقِيَّة الْعُقُود
كالمساقاة والمزارعة وَالْحوالَة وَالْإِقَالَة وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة
والجعالة وَالشَّرِكَة وَالْمُضَاربَة وَالْهِبَة بِغَيْر عوض والوديعة
وَالْوَصِيَّة قبل الْمَوْت، وَلَا فِي النِّكَاح وَالْوَقْف وَالْخلْع
وَالْإِبْرَاء وَالْعِتْق على مَال وَالرَّهْن وَالضَّمان وَالْكَفَالَة
لِأَن ذَلِك لَيْسَ بيعا وَلَا فِي مَعْنَاهُ، فالمتبايعان بِالْخِيَارِ
مَا لم يَتَفَرَّقَا بأبدانهما عرفا لإِطْلَاق الشَّارِع التَّفَرُّق وَعدم
بَيَانه فَدلَّ أَنه أَرَادَ مَا يعرفهُ النَّاس كَالْقَبْضِ والإحراز.
قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: فَإِن كَانَا فِي مَكَان وَاسع كمجلس كَبِير
وصحراء فَيَمْشِي أَحدهمَا مستدبرا لصَاحبه خطوَات وَلَو لم يبعد عَنهُ
بِحَيْثُ لَا يسمع كَلَامه فِي الْعَادة.
(1/379)
وَفِي الْإِقْنَاع: فَإِن كَانَ البيع فِي
فضاء وَاسع أَو مَسْجِد كَبِير إِن صححنا البيع فِيهِ وَالْمذهب: لَا يَصح،
أَو سوق فبأن يمشي أَحدهمَا مستدبرا لصَاحبه خطوَات بِحَيْثُ لَا يسمع
كَلَامه كالمعتاد. انْتهى. وَإِن كَانَا فِي دَار كَبِير ذَات مجَالِس
وبيوت فبمفارقته إِلَى بَيت آخر أَو صفة أَو نَحْوهَا. وَإِن كَانَا فِي
دَار صَغِيرَة فبصعود أَحدهمَا السَّطْح أَو خُرُوجه مِنْهَا، وَإِن كَانَا
بسفينة كَبِيرَة فبصعود أَحدهمَا إِن كَانَا أَسْفَل أَو نُزُوله أَن
كَانَا أَعْلَاهَا، وَإِن كَانَت صَغِيرَة فبخروج أَحدهمَا مِنْهَا. فَإِن
تفَرقا باختيارهما سقط، لَا كرها لَهما أَو لأَحَدهمَا على التَّفَرُّق أَو
تفَرقا خوفًا من سبع أَو سيل أَو نَار أَو ظَالِم فهما على خيارهما مَا لم
يتبايعا على أَن لَا خِيَار بَينهمَا، أَو يسقطان بعد العقد، وَإِن أسقط
أَحدهمَا بَقِي خِيَار الآخر. وَيَنْقَطِع بِمَوْت أَحدهمَا لَا بجنونه
وَهُوَ على خِيَاره إِذا أَفَاق وَلَا يثبت لوَلِيِّه وَإِن خرس قَامَت
إِشَارَته مقَام نطقه. وَتحرم الْفرْقَة من الْمجْلس خشيَة الاستقالة.
وَالثَّانِي من أَقسَام الْخِيَار خياط شَرط، هُوَ أَي خِيَار الشَّرْط أَن
يشترطاه أَي يشْتَرط العاقدان الْخِيَار أَو يَشْتَرِطه أَحدهمَا فِي صلب
العقد أَو زمن الخيارين مُدَّة مَعْلُومَة وَلَو فَوق ثَلَاثَة أَيَّام
وَلَو فِيمَا يفْسد كبطيخ وَنَحْوه وَيُبَاع ويحفظ ثمنه إِلَى مضيه، وَحرم
شَرط خِيَار فِي عقد بيع إِن جعل حِيلَة ليربح فِي قرض نصا لِأَنَّهُ
وَسِيلَة إِلَى محرم. وَلَا يَصح تصرف فِي ثمن ومثمن قَالَه المنقح وَلم
يَصح البيع كَسَائِر الْحِيَل
(1/380)
وينتقل الْملك فيهمَا أَي الخيارين
الْمجْلس وَالشّرط لمشتر سَوَاء كَانَ خِيَار لَهما أَو لأَحَدهمَا، فَإِن
تلف البيع زمن الخيارين أَو نقص بِعَيْب وَلَو قبل قَبضه إِن لم يكن
مَكِيلًا وَنَحْوه وَلم يمنعهُ البَائِع، أَو كَانَ مَبِيعًا بكيل وَنَحْوه
وَقَبضه مُشْتَر فَمن ضَمَانه، وَحَيْثُ قُلْنَا ينْتَقل الْملك
للْمُشْتَرِي فَيعتق عَلَيْهِ قَرِيبه ونيفسخ نِكَاحه بِمُجَرَّد العقد زمن
الخيارين وَيخرج فطْرَة الْمَبِيع إِذا غربت الشَّمْس زمن الخيارين
وَيلْزمهُ مُؤنَة الْحَيَوَان وَالْعَبْد، وَكَسبه ونماؤه الْمُنْفَصِل
لَهُ، وَإِن أولد مُشْتَر أمة مبيعة وَطئهَا زمن خِيَار فَهِيَ أم ولد لَهُ
وَولده حر وعَلى بَائِع بِوَطْء مبيعته زمن الخيارين الْمهْر لمشتر،
وَعَلِيهِ مَعَ علم تَحْرِيمه وَزَوَال ملكه وَأَن البيع لَا يَنْفَسِخ
بِوَطْئِهِ لمبيعة الْحَد نصا، وَولده قن. وَالْحمل وَقت مَبِيع لإنماء
فَترد الأمات بِعَيْب بقسطها، لَكِن هَذَا اسْتثِْنَاء من قَوْله: وينتقل
الْملك فيهمَا لمشتر يحرم وَلَا يَصح لبائع ومشتر تصرف فِي مَبِيع وَلَا
فِي عوضه مدتهما أَي الخيارين سَوَاء كَانَ الْخِيَار لَهما أَو لأَحَدهمَا
لزوَال أَحدهمَا إِلَى الآخر وَعدم انْقِطَاع عتق زائل الْملك عَنهُ إِلَّا
عتق مُشْتَر إِذا أعتق الْقِنّ الْمَبِيع فَينفذ الْعتْق مُطلقًا أَي
سَوَاء كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو لبائع لقُوَّة الْعتْق وسرايته. وَملك
بَائِع الْفَسْخ لَا يمنعهُ، وَيسْقط فَسخه إِذا كَمَا لَو وهب ابْنه عبدا
فَأعْتقهُ، وَلَا ينفذ عتق بَائِع وَلَا شَيْء من تَصَرُّفَاته سَوَاء
كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو لمشتر إِلَّا بتوكيل مُشْتَر لِأَن الْملك لَهُ
وَيبْطل خيارهما إِن وَكله فِي نَحْو بيع مِمَّا ينْقل الْملك.
(1/381)
وَلَا ينفذ غير عتق مَعَ خِيَار البَائِع
إِلَّا بِإِذْنِهِ أَو مَعَه كَأَن آجره أَو بَاعه لَهُ وَإِلَّا تصرفه أَي
المُشْتَرِي فِي مَبِيع وَالْخيَار لَهُ فَقَط، جملَة حيالة، بِأَن تصرف
فِيهِ بوقف أَو هبة أَو لمس بِشَهْوَة أَو نَحوه فَيصح وَيسْقط خِيَاره
وسومه إِمْضَاء وَإِسْقَاط لخياره، وَلَا يسْقط بِاسْتِعْمَالِهِ لتجربة
كركوب دَابَّة وَنَحْوه، كَمَا لَا يسْقط باستخدام وَلَو لغير تجربة وَلَا
إِن
قبلته الْمَبِيعَة ومل يمْنَعهَا نصا، وَتصرف البَائِع فِي الْمَبِيع
لَيْسَ فسخا للْبيع نصا وَفِي الثّمن إِمْضَاء وَإِبْطَال للخيار.
وَالثَّالِث من أَقسَام الْخِيَار خِيَار غبن يخرج عَن الْعَادة نصا
لِأَنَّهُ لم يرد الشَّرْع بتحديده فَرجع فِيهِ إِلَى الْعرف، فَإِن لم
يخرج عَن الْعَادة فَلَا فسخ لِأَنَّهُ يتَسَامَح بِهِ، وَيثبت فِي ثَلَاث
صور: إِحْدَاهَا تلقي الركْبَان أَي أَن يتلقاهم حَاضر عِنْد قربهم من
الْبَلَد وَلَو كَانَ التلقي بِلَا قصد نصا. إِذا باعوا أَو اشْتَروا قبل
الْعلم بِالسَّفرِ وغبنوا فَلهم الْخِيَار. الثَّانِيَة مَا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله لنجش وَهُوَ أَن يزِيد فِي سلْعَة لَا يُرِيد شراءها وَلَو
بِلَا مواطأة من بَائِع، وَهُوَ محرم لما فِيهِ من تغرير المُشْتَرِي
وخديعته، وَيثبت لَهُ الْخِيَار إِذا غبن الْغبن الْمَذْكُور، وَمن النجش
قَول بَائِع: أَعْطَيْت فِي السّلْعَة كَذَا وَهُوَ كَاذِب. وَلَا أرش مَعَ
إمْسَاك. وَمن قَالَ عِنْد العقد: لَا خلابة بِكَسْر الْخَاء أَي لَا خديعة
فَلهُ الْخِيَار إِذا خلب أَيْضا. وَالثَّالِثَة مَا أَشَارَ إِلَيْهِ
بقوله أَو غَيره أَي النجش كالمسترسل اسْم فَاعل من استرسل إِذا اطْمَأَن
واستأنس، وَشرعا الْجَاهِل بِالْقيمَةِ وَلَا يحسن بماكس من بَائِع ومشتر
لِأَنَّهُ حصل لَهُ الْغبن لجهله بِالْبيعِ أشبه القادم
(1/382)
من سفر، وَيقبل قَوْله بِيَمِينِهِ فِي جهل
الْقيمَة إِن لم تكذبه قرينَة، ذكره فِي الْإِقْنَاع. وَقَالَ ابْن نصر
الله: الْأَظْهر احْتِيَاجه للبينة. انْتهى. وَلَا يثبت خِيَار غبن ل أجل
استعجاله فِي البيع وَلَو توقف لم يغبن لِأَنَّهُ لَا تغرير فِيهِ، وَكَذَا
من لَهُ خبْرَة بِسعْر الْمَبِيع لِأَنَّهُ دخل على بَصِيرَة بِالْغبنِ.
وكبيع إِجَارَة، لَا نِكَاح فَلَا فسخ لأحد الزَّوْجَيْنِ إِن غبن فِي
الْمُسَمّى لِأَن الصَدَاق لَيْسَ ركنا فِي النِّكَاح. وَالرَّابِع من
أَقسَام الْخِيَار خِيَار تَدْلِيس من الدلسة بِالتَّحْرِيكِ بِمَعْنى
الظلمَة، وَفعله حرَام للغرور، وعقده صَحِيح، وَلَا أرش فِيهِ فِي غير
الكتمان. وَهُوَ ضَرْبَان أَحدهمَا الْعَيْب، وَالثَّانِي أَن يُدَلس
الْمَبِيع بِمَا يزِيد بِهِ الثّمن وَإِن لم يكن عَيْبا كتسويد شعر
جَارِيَة وتجعيده وتصرية لبن أَي جمعه فِي الضَّرع وتحمير وَجه وَجمع مَاء
الرَّحَى وإرساله عِنْد عرضهَا للْبيع وتحسين وَجه الصُّبْرَة وتصنيع
النساج وَجه الثَّوْب وصقل وَجه الْمَتَاع وَنَحْوه بِخِلَاف علف
الدَّابَّة حَتَّى تمتلئ خواصرها فيظن حملهَا وتسويد أنامل عبد أَو ثَوْبه
ليظنه كَاتبا وَنَحْو ذَلِك فَلَا خِيَار لَهُ، لِأَنَّهُ لَا تتَعَيَّن
الْجِهَة الَّتِي ظنت. وَيحرم ذَلِك. ولمشتر خِيَار الرَّد حَتَّى وَلَو
حصل التَّدْلِيس من البَائِع بِلَا قصد كحمرة وَجه جَارِيَة لخجل أَو تَعب
وَنَحْوهَا وَخيَار غبن وَخيَار عيب وَخيَار تَدْلِيس على التَّرَاخِي مَا
لم يُوجد من المُشْتَرِي دَلِيل يدل على الرِّضَا من نَحْو بيع فيقسط
خِيَاره
(1/383)
إِلَّا فِي تصرية لبن ف يُخَيّر مُشْتَر
ثَلَاثَة أَيَّام مُنْذُ علم بَين إِِمْسَاكهَا بِلَا أرش وَبَين ردهَا
مَعَ صَاع تمر سليم إِن حَبسهَا، وَلَو زَادَت قِيمَته على مصراة نصا أَو
نقصت عَن قيمَة اللَّبن، فَإِن لم يُوجد التَّمْر فَقيمته مَوضِع العقد.
وَله رد مصراة من غير بَهِيمَة الْأَنْعَام كأمة وأتان مجَّانا، قَالَ
المنقح: بِقِيمَة اللَّبن. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: قلت الْقيَاس
بِمثلِهِ كباقي الْمُتْلفَات. وَالْخَامِس من أَقسَام الْخِيَار خِيَار عيب
ينقص قيمَة الْمَبِيع عَادَة، فَمَا عده التُّجَّار منقصا نيط الحكم بِهِ
كَمَرَض فِي جَمِيع حالاته فِي جَمِيع الْحَيَوَانَات وبخر فِي قن وفقد
عُضْو كيد وزيادته أَي الْعُضْو كأصبع زَائِدَة وعفل وَقرن وفتق ورتق
واستحاضة وجنون وسعال وبحة وبرص وجذام وفالج وقرع وَلَو غير منتن وعمى وعرج
وخرس وطرش وَكَثْرَة كذب واستطالة على النَّاس وحمق من كَبِير فيهمَا،
والأحمق الَّذِي يرتكب الْخَطَأ على بَصِيرَة يَظُنّهُ صَوَابا، وبق
وَنَحْوه غير مُعْتَاد بِالدَّار، وَكَونهَا ينزلها الْجند وَنَحْو ذَلِك
لَا معرفَة غناء فَلَيْسَتْ عَيْبا لِأَنَّهُ لَا نقص فِي قيمَة وَلَا عين،
وَلَا ثيوبة وَعدم حيض وَلَا كفر لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الرّقّ وَلَا فسق
باعتقاد كرافضي أَو فعل غير زنا وَشرب وَنَحْوه وَلَا تغفيل وعجمة لِسَان
وقرابة ورضاع وَكَونه تمتاما أَو فأفاء أَو أرت أَو ألثغ، وَلَا صداع وَحمى
يسيرين وَسُقُوط آيَات يسيرَة عرفا بمصحف وَنَحْوه فَإِذا علم المُشْتَرِي
أَن الْعَيْب كَانَ مَوْجُودا فِي الْمَبِيع قبل العقد أَو بعده قبل قبض
مَا يضمنهُ بَائِع قبل الْقَبْض كثمر على شجر وَنَحْوه وَمَا بيع بكيل أَو
نَحوه، وجهله حَال العقد خير المُشْتَرِي بَين إمْسَاك الْمَبِيع مَعَ أَخذ
أرش الْعَيْب وَلَو لم يتَعَذَّر الرَّد وَرَضي البَائِع بِدفع الْأَرْش
أَو سخط، وَهُوَ قسط مَا بَين قِيمَته صَحِيحا ومعيبا من ثمنه نصا،
(1/384)
فَلَو قوم الْمَبِيع صَحِيحا خَمْسَة عشر
ومعيبا بِاثْنَيْ عشر فقد نقص خمس الْقيمَة فَيرجع بِخمْس الثّمن قل أَو
كثر لِأَن الْمَبِيع مَضْمُون على مُشْتَرِيه بِثمنِهِ فَإِذا فَاتَهُ
جُزْء مِنْهُ سقط عَنهُ مَا يُقَابله من الثّمن لِأَنَّهُ لَو ضمناه نقص
الْقيمَة لَأَدَّى إِلَى اجْتِمَاع الْعِوَض والمعوض عَنهُ فِي نَحْو مَا
لَو اشْترى شَيْئا بِعشْرَة وَقِيمَته عشرُون وَوجد بِهِ عَيْبا ينقصهُ
النّصْف وَأَخذهَا، وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ، مَا لم يفض إِلَى رَبًّا
كَشِرَاء حلى فضَّة بزنته دَرَاهِم ويجده معيبا، أَو شِرَاء قفيز مِمَّا
يجزى فِيهِ الرِّبَا كبر بِمثلِهِ جِنْسا وَقدرا ويجده معيبا، فَيرد
مُشْتَر أَو يمسِكهُ مجَّانا، أَو بَين رد الْمَبِيع الْمَعِيب عطف على
الظّرْف قبله، استدراكا لما فَاتَهُ لما يلْحقهُ من الضَّرَر فِي بَقَائِهِ
فِي ملكه نَاقِصا من حَقه وَعَلِيهِ مئونة رده وَأخذ ثمن كَامِلا حَتَّى
لَو وهبه البَائِع ثمنه أَو أَبرَأَهُ مِنْهُ كُله أَو بعضه ثمَّ فسخ
رَجَعَ بِكُل الثّمن كَزَوج طلق قبل دُخُول بعد أَن أَبرَأته من الصَدَاق
أَو وهبته فَإِنَّهُ يرجع بِنصفِهِ. وَإِن اشْترى حَيَوَانا أَو غَيره
فَحدث بِهِ عيب عِنْد مُشْتَر وَلَو قبل مُضِيّ ثَلَاثَة أَيَّام أَو حدث
فِي الرَّقِيق برص أَو جذام أَو جُنُون أَو نَحوه قبل سنة فَمن ضَمَان
مُشْتَر وَلَيْسَ لَهُ رده نصا وَلَا أرش، وَإِن دلّس بَائِع فَلَا أرش
لَهُ على مُشْتَر بتعيبه عِنْده وَذهب عِنْده وَذهب عَلَيْهِ إِن تلف أَو
أبق نصا، وَإِن لم يكن البَائِع دلّس على المُشْتَرِي الْمَعِيب وَتلف
مَبِيع تعيب بيد مُشْتَر أَو أعتق عبد أَي أعْتقهُ المُشْتَرِي أَو عتق
عَلَيْهِ بِقرَابَة أَو تَعْلِيق ثمَّ علم عَيبه وَنَحْوه كَأَن تلف
الْمَبِيع بِأَكْل مُشْتَر لَهُ أَو قتل العَبْد أَو استولد الْأمة أَو
وهبه أَو رَهنه أَو وَقفه غير عَالم بِعَيْبِهِ ثمَّ علم عَيبه تعين أرش
نصا، وَإِن تعيب الْمَبِيع عِنْده أَي المُشْتَرِي أَيْضا كَأَن اشْترى مَا
مأكوله فِي جَوْفه كرمان وبطيخ فَوَجَدَهُ فَاسِدا وَلَيْسَ لمكسوره قيمَة
كبيض
(1/385)
الدَّجَاج رَجَعَ بِثمنِهِ كُله مجَّانا
وَلَيْسَ عَلَيْهِ رد الْمَبِيع الْفَاسِد لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِيهِ
وَإِن كَانَ لمكسوره قيمَة كبيض النعام وَجوز الْهِنْد خير فِيهِ مُشْتَر
بَين أَخذ أرش عيب الْمَبِيع وَبَين رد الْمَبِيع مَعَ دفع أرش كَسره
وَيَأْخُذ ثمنه لاقْتِضَاء العقد السَّلامَة، وَلَا يفْتَقر رد إِلَى رضَا
البَائِع وَلَا حُضُوره وَلَا حكم، وَسَوَاء كَانَ الرَّد قبل الْقَبْض أَو
بعده، وَإِن اخْتلفَا أَي بَائِع ومشتر عِنْد من حدث الْعَيْب فِي
الْمَبِيع مَعَ احْتِمَال قَول كل مِنْهُمَا كخرق ثوب وجنون وإباق وَنَحْو
ذَلِك وَلَا بَيِّنَة لأَحَدهمَا ف القَوْل قَول مُشْتَر بِيَمِينِهِ
لِأَنَّهُ يُنكر الْقَبْض فِي الْجُزْء الْفَائِت وَالْأَصْل عَدمه فَيحلف
على الْبَتّ بِاللَّه تَعَالَى أَنه اشْتَرَاهُ وَبِه هَذَا الْعَيْب، أَو
أَنه مَا حدث عِنْده وَله رد الْمَبِيع إِن لم يخرج عَن يَده إِلَى غَيره
بِحَيْثُ لَا يصير مشاهدا لَهُ فَإِن خرج عَن يَده كَذَلِك فَلَيْسَ لَهُ
الْحلف وَلَا الرَّد لِأَنَّهُ إِذا غَابَ عَنهُ احْتمل حُدُوثه عِنْد من
انْتقل إِلَيْهِ فَلم يجز الْحلف على الْبَتّ وَلم يجز رده. قَالَ فِي
الْمُبْدع وَغَيره: إِذا خرج من يَده إِلَى يَد غَيره لم يجز لَهُ أَن
يردهُ، نَقله مهنا. وَإِن لم يحْتَمل إِلَّا قَول أَحدهمَا كالإصبع
الزَّائِدَة وَالْجرْح الطري الَّذِي لَا يحْتَمل كَونه قَدِيما فَالْقَوْل
قَوْله بِلَا يَمِين، وَيقبل قَول البَائِع أَن الْمَبِيع لَيْسَ
الْمَرْدُود، إِلَّا فِي خِيَار شَرط فَقَوْل مُشْتَر بِيَمِينِهِ.
وَالسَّادِس من أَقسَام الْخِيَار خِيَار تخير ثمن وَيثبت فِي أَربع
(1/386)
صور: فِي تَوْلِيَة كوليتكه بِرَأْس مَاله
أَو بِمَا اشْتَرَيْته، أَو برقمه ويعلمانه. وَفِي شركَة وَهِي بيع بعضه
بِقسْطِهِ من الثّمن كأشركتك فِي ثلثه، وأشركت فَقَط ينْصَرف إِلَى نصفه
فَإِن قَالَ لوَاحِد أَشْرَكتك ثمَّ قَالَه الآخر عَالم بشركة الأول فَلهُ
نصف نصِيبه وَإِلَّا فَلهُ نصِيبه كُله. وَإِن قَالَ ثَالِث أشركاني
فأشركاه مَعًا أَخذ ثلثه. وَفِي مُرَابحَة وَهِي بَيْعه بِثمنِهِ وَربح
مَعْلُوم، وَإِن قَالَ على إِن أربح فِي كل عشرَة درهما كره نصا. وَفِي
مواضعة وَهِي بيع بخسران كبعتكه بِرَأْس مَاله مائَة وَوضع عشرَة وَكره
فِيهَا مَا كره فِي مُرَابحَة كعلى أَو أَضَع فِي كل عشرَة درهما وَلَا تضر
الْجَهَالَة لزوالها بِالْحِسَابِ وَيعْتَبر للأربع الصُّور علم
الْعَاقِدين بِرَأْس المَال فَمَتَى أخبر بِثمن ثمَّ بَان الثّمن الَّذِي
بَاعَ بِهِ أَكثر مِمَّا اشْترى بِهِ أَو بَان الثّمن الَّذِي اشْترى بِهِ
البَائِع أَنه اشْتَرَاهُ مُؤَجّلا وَلم يبين ذَلِك فلمشتر الْخِيَار.
وَقَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه وَالْمذهب أَنه رَأس المَال مَتى بَان أقل
مِمَّا أخبر بِهِ بَائِع فِي هَذِه الصُّور أَو بَان مُؤَجّلا وَلم يُبينهُ
حط الزَّائِد عَن رَأس المَال فِي الْأَرْبَعَة لِأَنَّهُ بَاعه بِرَأْس
مَاله فَقَط أَو مَعَ مَا قدره من ربح أَو وضيعة، فَإِذا بَان رَأس مَاله
دون مَا أخبر بِهِ كَانَ مَبِيعًا بِهِ على ذَلِك الْوَجْه، وَلَا خِيَار
لَهُ لِأَنَّهُ بالإسقاط قد زيد خيرا كَمَا لَو اشْتَرَاهُ معيبا فَبَان
سليما وكما لَو وكل من يَشْتَرِيهِ بِمِائَة فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلّ ويحط
قسطه فِي مُرَابحَة وينقصه فِي مواضعة وَأجل فِي مُؤَجل وَلَا خِيَار.
انْتهى. وَلَا تقبل دَعْوَى بَائِع غَلطا بِلَا بَيِّنَة لِأَنَّهُ مُدع
لغلطه على غَيره أشبه الْمضَارب إِذا ادّعى الْغَلَط فِي الرِّبْح بعد أَن
أقرّ بِهِ أَو اشْتَرَاهُ مِمَّن
(1/387)
لَا تقبل شَهَادَته لَهُ كَأحد عمودي نسبه
أَو زَوجته أَو مِمَّن حاباه أَو اشْتَرَاهُ بِدَنَانِير وَأخْبر أَنه
اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِم أَو بِالْعَكْسِ أَو اشْتَرَاهُ بِعرْض فَأخْبر أَنه
اشْتَرَاهُ بِثمن أَو بِالْعَكْسِ، وَلم يبين ذَلِك فلمشتر الْخِيَار، أَو
اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ من ثمنه حِيلَة أَو بَاعَ بعضه أَي الْمَبِيع
بِقسْطِهِ وَلم يبين ذَلِك فلمشتر الْخِيَار جَوَاب الشَّرْط، بَين رد
وإمساك كتدليس، وَالسَّابِع من أَقسَام الْخِيَار خِيَار يثبت لاخْتِلَاف
الْمُتَبَايعين فِي الثّمن، وَكَذَا المؤجران فِي الْأُجْرَة فَإِذا
اخْتلفَا أَي الْمُتَبَايعَانِ أَو ورثتهما، أَو أَحدهمَا وورثة الآخر فِي
قدر ثمن أَو فِي قدر أُجْرَة بِأَن قَالَ: بعتكه بِمِائَة فَقَالَ
المُشْتَرِي: بل بِثَمَانِينَ وَلَا بَيِّنَة لأَحَدهمَا أَو كَانَ لَهما
أَي لكل مِنْهُمَا بَيِّنَة بِمَا ادَّعَاهُ حلف بَائِع أَو لَا على
الْبَتّ مَا بِعته بِكَذَا وَإِنَّمَا بِعته بِكَذَا فَيجمع بَين النَّفْي
الْإِثْبَات فالنفي لما ادّعى عَلَيْهِ وَالْإِثْبَات لما ادَّعَاهُ وَيقدم
النَّفْي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْيَمين، ثمَّ حلف مُشْتَر بعد
حلف بَائِع مَا اشْتَرَيْته بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته بِكَذَا وَيحلف
وَارِث على الْبَتّ إِن علم الثّمن وَإِلَّا فعلى نفي الْعلم. فَإِن نكل
أَحدهمَا لزمَه مَا قَالَ صَاحبه بِيَمِينِهِ أَي مَا حلف عَلَيْهِ، وَإِن
نكلا صرفهما الْحَاكِم. وَكَذَا إِجَارَة وَلكُل مِنْهُمَا إِن لم يرض بقول
الآخر وَلَو بِلَا حكم حَاكم وَمَعَ اخْتِلَافهمَا بعد تلف مَبِيع فِي قدر
ثمنه قبل قَبضه يَتَحَالَفَانِ كَمَا لَو كَانَ الْمَبِيع بَاقِيا وَيغرم
مُشْتَر قِيمَته الْمَبِيع إِن فسخ البيع وَظَاهره وَلَو مثلِيا لِأَن
المُشْتَرِي لم يدْخل بِالْعقدِ على ضَمَانه بِالْمثلِ قَالَه فِي شرح
الْمُنْتَهى.
(1/388)
وَإِن اخْتلفَا أَي الْمُتَبَايعَانِ فِي
أجل بِأَن قَالَ المُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِدِينَار مُؤَجل وَأنكر البَائِع
فَقَوْل ناف، أَو اخْتلفَا فِي شَرط صَحِيح أَو فَاسد يبطل العقد أَو لَا،
وَنَحْوه كَأَن يَقُول لَهُ بِعْتُك بِدِينَار على أَن ترهنني عَلَيْهِ
كَذَا وَأنكر مُشْتَر ف القَوْل قَول ناف نصا. أَو أَي وَإِن اخْتلفَا فِي
عين مَبِيع فَقَالَ مُشْتَر بِعني هَذَا العَبْد وَقَالَ البَائِع بل هَذَا
فَقَوْل بَائِع أَو اخْتلفَا فِي قدره الْمَبِيع فَقَالَ المُشْتَرِي بعتني
هذَيْن الْعَبْدَيْنِ بِثمن وَاحِد وَقَالَ البَائِع بل بِعْتُك أَحدهمَا
وَحده ف القَوْل قَول بَائِع وَإِن اخْتلفَا فِي صفة ثمن أَخذ نقد الْبَلَد
إِذا لم يكن بهَا إِلَّا نقد وَاحِد، ثمَّ غلب رواجا، فَإِن اسْتَوَت
فالوسط وَيثبت الْخِيَار للخلف فِي الصّفة إِذا بَاعه بِالْوَصْفِ وَيثبت
الْخِيَار تغير مَا تقدّمت رُؤْيَته.
(1/389)
3 - (فصل.)
وَمن اشْترى مَكِيلًا كقفيز من صبرَة وَنَحْوه أَي الْمكيل كموزون ومعدود
ومذروع كرطل من زبرة حَدِيد أَو كبيض على أَنه مائَة أَو كَثوب على أَنه
عشرَة أَذْرع، ملك الْمَبِيع وَلزِمَ البيع فِيهِ بِالْعقدِ وَلم يَصح
تصرفه أَي المُشْتَرِي فِيهِ أَي فِيمَا اشراه بكيل وَنَحْوه قبل قَبضه أَي
مَبِيع بِبيع وَلَا غَيره. وَيصِح عتقه وَجعله مهْرا وخلع عَلَيْهِ
وَوَصِيَّة بِهِ، وينفسخ العقد فِيمَا تلف قبل قَبضه بِآفَة سَمَاوِيَّة
وَهِي الَّتِي لَا صنع لآدَمِيّ فِيهَا وَتَأْتِي لِأَنَّهُ من ضَمَان
بَائِعه وَيُخَير مُشْتَر إِن بَقِي مِنْهُ شَيْء بَين أَخذه بِقسْطِهِ
ورده. وَإِن تلف بِإِتْلَاف مُشْتَر أَو تعييبه لَهُ فَلَا خِيَار لَهُ.
وبفعل بَائِع أَو أَجْنَبِي يُخَيّر مُشْتَر بَين فسخ وَبَين إِمْضَاء
وَطلب متْلف بِمثل مثلى وَقِيمَة مُتَقَوّم مَعَ تلف، وَأرش نقص مَعَ تعيب.
وَمَا عدا ذَلِك كَعبد معِين وَنَحْوه يجوز التَّصَرُّف فِيهِ قَبضه،
وإجارته وَرَهنه وعتقه وَغير ذَلِك لِأَن التَّعْيِين كَالْقَبْضِ، فَإِن
تلف فَمن ضَمَان مُشْتَر تمكن من قَبضه أَو لَا إِذا لم يمنعهُ بَائِع من
قَبضه، إِلَّا الْمَبِيع بِصفة وَلَو معينا، أَو بِرُؤْيَة مُتَقَدّمَة
فَلَا يَصح التَّصَرُّف فِيهِ قبل قَبضه
(1/390)
وَثمن لَيْسَ فِي الذِّمَّة كَثمن فِي حكمه
فسابق فَلَو اشْترى شَاة بشعير فأكلته قبل قَبضه. فَإِن لم تكن بيد أحد
انْفَسَخ البيع كالآفة السماوية وَإِن كَانَت بيد مُشْتَر أَو أَجْنَبِي
خير بَائِع كَمَا مر. وَمَا فِي ذمَّة من ثمن ومثمن لَهُ أَخذ بدله
لاستقراره فِي ذمَّته. وَحكم كل عوض ملك بِعقد مَوْصُوف بِأَنَّهُ
يَنْفَسِخ بهلاكه قبل قَبضه كَأُجْرَة معينه وَعوض فِي صلح بِمَعْنى بيع
وَنَحْوهمَا حكم عوض فِي بيع فِي جَوَاز التَّصَرُّف وَمنعه، وَكَذَا مَا
لَا يَنْفَسِخ بهلاكه قبل قَبضه كعوض عتق وخلع وَمهر ومصالح بِهِ عَن دم
عمد وَأرش جِنَايَة وَقِيمَة متْلف وَنَحْوه لَكِن يجب بتلفه مثله أَو
قِيمَته وَيحصل قبض مَا بيع بكيل وَنَحْوه كوزن وعد وذرع بذلك أَي
بِالْكَيْلِ أَو الْوَزْن أَو الْعد أَو الذرع مَعَ حُضُور مُشْتَر أَو
حُضُور نَائِبه أَي المُشْتَرِي لقِيَامه مقَامه، ووعاؤه أَي المُشْتَرِي
كَيده لِأَنَّهُمَا لَو نتازعا فِيهِ كَانَ لرَبه. وَتكره زَلْزَلَة
الْكَيْل. يَصح قبض مُتَعَيّن بِغَيْر رضَا بَائِع وَقبض وَكيل من نَفسه
لنَفسِهِ، كَأَن يكون لمدين وَدِيعَة عِنْد رب الدّين من جنسه فيوكله فِي
أَخذ قدر حَقه لَهُ مِنْهَا، لِأَنَّهُ يَصح أَو يُوكل فِي البيع من نَفسه
فصح أَن يُوكله فِي الْقَبْض مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ من غير جنس مَا
الْوَكِيل على الْمُوكل كَأَن كَانَ الدّين دَنَانِير والوديعة دَرَاهِم
فَلَا يَأْخُذ مِنْهَا عوض الدَّنَانِير، لِأَنَّهَا مُعَاوضَة تحْتَاج
إِلَى عقد وَلم يُوجد. وَإِن قَبضه ثِقَة بقول باذل أَنه قدر حَقه وَلم
يحضر كَيْله أَو وَزنه ثمَّ اختبره فَوجدَ نَاقِصا، قبل قَول الْقَابِض فِي
قدر نَقصه بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنكر إِن
(1/391)
لم تكن بَيِّنَة وَتلف أَو اخْتلفَا فِي
بَقَائِهِ على حَاله، وَإِن اتفقَا فِي بَقَائِهِ على حَاله اعْتبر
بِالْكَيْلِ وَنَحْوه. فَإِن صدقه قَابض فِي قدره برىء مقبض وتلفه على
قَابض، وَلَا تقبل دَعْوَى نَقصه بعد تَصْدِيقه. وَيحصل قبض صبرَة يبعت
جزَافا بِنَقْل وَقبض مَنْقُول كأحجار طواحين وَثيَاب بِنَقْل، وحيوان
بتمشيته قَالَه فِي الشَّرْح والمبدع، وَيحصل قبض مَا يتَنَاوَل بِالْيَدِ
كالأثمان والجواهر بتناوله إِذْ الْعرف فِيهِ بذلك وَيحصل قبض غَيره أَي
الْمُتَقَدّم ذكره كعقار وثمر على شجر بتخلية بَائِع بَينه وَبَين مُشْتَر
بِلَا حَائِل، وَلَو كَانَ بِالدَّار مَتَاع بَائِع، لِأَن الْقَبْض مُطلق
فِي الشَّرْع فَيرجع فِيهِ إِلَى الْعرف كالحرز والتفرق، وَالْعرْف فِي
ذَلِك مَا سبق، لَكِن يعْتَبر فِي جَوَاز قبض مشَاع بِنَقْل إِذن شَرِيكه
فَلَو أَبى الشَّرِيك الْإِذْن وَكله مُشْتَر فِي قَبضه، وَإِن أَبى أَن
يُوكل أَو أَبى الشَّرِيك أَن يتوكل نصب حَاكم من يقبض لَهما الْعين وأجرته
عَلَيْهِمَا إِن كَانَ بِأُجْرَة. وَإِن سلم بَائِع الْمَبِيع لمشتر بِلَا
إِذن شَرِيكه فَهُوَ غَاصِب وقرار الضَّمَان على مُشْتَر إِن علم، وَإِلَّا
فعلى بَائِع الْمَبِيع. وَأُجْرَة كيال ووزان وعداد وذراع ونقاد لمنقول قبل
قَبضه على باذل، وَأُجْرَة نقل على مُشْتَر نصا، وَلَا يضمن ناقد حاذق
أَمِين خطا مُتَبَرعا كَانَ أَو بِأُجْرَة، لِأَنَّهُ أَمِين فَإِن لم يكن
حاذقا أَو أَمينا ضمن كَمَا لَو كَانَ عمدا. وَالْإِقَالَة فسخ للْعقد لَا
بيع، فَتَصِح فِي الْمَبِيع وَلَو قبل قَبضه كسلم وَغَيره حَتَّى فِيمَا
بيع بكيل وَنَحْوه قبل قَبضه لِأَنَّهَا فسخ وَتَصِح بعد نِدَاء
(1/392)
جُمُعَة كَسَائِر الفسوخ، وَمن مضَارب
وَشريك وَلَو بِلَا إِذن، وَلَا يَحْنَث بهَا من حلف لَا يَبِيع، وَمؤنَة
رد على بَائِع وَتسن الْإِقَالَة للنادم من بَائِع ومشتر، وَتَصِح مَعَ تلف
ثمن لَا مَعَ تلف مثمن وَلَا مَعَ موت عَاقد وَلَا بِزِيَادَة على ثمن أَو
نَقصه أَو بِغَيْر جنسه. وَالْفَسْخ رفع عقد من حِين فسخ لَا من أَصله،
فَمَا حصل من كسب ونماء مُنْفَصِل فلمشتر.
(1/393)
فصل فِي أَحْكَام الرِّبَا وَالصرْف.
الرِّبَا محرم إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَحرم الرِّبَا)) وَهُوَ
من الْكَبَائِر لعده فِي السَّبع الموبقات. وَهُوَ مَقْصُور يكْتب بِالْألف
وَالْوَاو وَالْيَاء، وَهُوَ لُغَة الزِّيَادَة، وَشرعا تفاضل فِي أَشْيَاء
وَهِي المكيلات والموزونات بالموزونات، وَنسَاء فِي أَشْيَاء وَهِي
المكيلات وَلَو بِغَيْر جِنْسهَا، والموزونات كَذَلِك، مُخْتَصّ بأَشْيَاء
وَهِي المكيلات والموزونات وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحدهمَا رَبًّا فضل،
وَالثَّانِي رَبًّا نَسِيئَة. ف أما رَبًّا الْفضل ف يحرم فِي كل مَكِيل
بيع بجنسة مُتَفَاضلا، وَفِي كل مَوْزُون بيع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا من نقد
وَغَيره وَلَو كَانَ الْمَبِيع يَسِيرا لَا يَتَأَتَّى كَيْله كتمرة بتمرة
أَو تمرتين، وَلَا وَزنه كَمَا دون الأرزة من الذَّهَب وَالْفِضَّة،
وَسَوَاء كَانَ مطعوما كالحبوب وكاللوز والفستق والبندق والعناب والمشمش
وَالتَّمْر وَالزَّبِيب الزعرور وَالزَّيْتُون وَالْملح، أَو غير مطعوم
كالذهب وَالْفِضَّة والنحاس والرصاص وَالْحَدِيد وَالْحَرِير
(1/394)
والكتان وَالصُّوف والقطن، وَمَا عدا ذَلِك
فمعدود لَا يجرى فِيهِ الرِّبَا، وَلَو مطعوما كالبطيخ والقثاء وَالْخيَار
والجوز وَالْبيض وَالرُّمَّان والسفرجل والتفاح وَالثيَاب وَالْحَيَوَان،
وَلَا فِيمَا أخرجته الصِّنَاعَة عَن الْوَزْن كالسلاح والفلوس والأواني من
النّحاس وَنَحْوه غير الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَلَا فِي مَال الْإِبَاحَة
وَعدم ثمن لَهُ عَادَة، وَيصِح بِهِ أَي يَصح بيع قَلِيل بِمثلِهِ وموزون
بِمثلِهِ بِشَرْطَيْنِ. أَحدهمَا: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله مُتَسَاوِيا،
وَالثَّانِي: الْقَبْض قبل التَّفَرُّق. وَيصِح بيع جنس بِغَيْرِهِ مُطلقًا
أَي سَوَاء كَانَ بتفاضل أَو لَا بِشَرْط قبض قبل تفرق من مجْلِس عقد،
فَيصح بيع مد من الْحِنْطَة بِخَمْسَة أَمْدَاد من الشّعير بِشَرْط
الْقَبْض قبل التَّفَرُّق، وَلَا يَصح بيع مَكِيل بِجِنْسِهِ وزنا وَلَا
عَكسه أَي بيع مَوْزُون بِجِنْسِهِ كَيْلا إِلَّا إِذا علم تساويهما أَي
الْمكيل الْمَبِيع بِجِنْسِهِ وزنا وَالْمَوْزُون الْمَبِيع بِجِنْسِهِ
كَيْلا فِي المعيار أَي معياره الشَّرْعِيّ وَيصِح إِذا اخْتلف الْجِنْس
كتمر ببر كَيْلا ووزنا وجزافا لقَوْله: (إِذا اخْتلفت هَذِه الْأَشْيَاء
فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد) رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد،
وَلِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ يجوز التَّفَاضُل بَينهمَا فَجَاز جزَافا. وَيصِح
بيع لحم إِذا نزع عظمه. وَلحم بحيوان من غير جنسه كقطة لحم إبل بِشَاة
وَعسل بِمثلِهِ إِذا صفى وَفرغ مَعَه غَيره لمصْلحَة أَو مُنْفَردا كجبن
بجبن وَسمن بِسمن متماثلا. وَالْجِنْس مَا شَمل أنواعا كالذهب وَالْفِضَّة
وَالْبر وَالشعِير وَالْملح
(1/395)
فَهَذِهِ كلهَا أَجنَاس وفروعها أَجنَاس
أَيْضا كالأدقة والأخباز والأدهان والخلول وَنَحْوهَا، فدقيق الْبر جنس
ودقيق الشّعير جنس وخبز كل وَاحِد جنس والشيرج جنس وَاللَّحم وَاللَّبن
أَجنَاس باخْتلَاف أُصُولهَا والشحم والمخ والألية وَالْقلب وَالطحَال
والرئة والكلية والكبد والأكارع والرءوس والجلود والمعي والأصواف
وَالْعِظَام وَنَحْوهَا أَجنَاس فَيصح بيع رَطْل لحم برطلي مخ وَنَحْو
ذَلِك، وَيصِح بيع دَقِيق رِبَوِيّ بدقيقه إِذا اسْتَويَا نعومة، ومطبوخة
بمطبوخه وخبزه بخبزه إِذا اسْتَويَا نشافا أَو رُطُوبَة، وعصير بعصيره
ورطبه برطبه ويابسه بيابسه ومنزوع نَوَاه بِمثلِهِ بِشَرْط الْمُمَاثلَة
فِي الْكل، وَالْقَبْض قبل التَّفَرُّق. لَا بيع منزوع نَوَاه مَعَ نَوَاه
بِمثلِهِ لِأَنَّهُ يصير كَمَسْأَلَة مد عَجْوَة وَدِرْهَم تأتى وَلَا
منزوع نَوَاه بِمَا نَوَاه فِيهِ، وَلَا حب بدقيقه أَو سويقه، وَلَا دَقِيق
حب بسويقه وَلَا خبز بحب أَو دقيقه أَو سويقه للْجَهْل وَلَا نيئة بمطبوخه
وَلَا أصل بعصيره كزيتون بزيته وَنَحْوه، وَلَا خالصه أَو مشوبه بمشوبه
وَلَا رطب بيابسه، وَلَا المحاقلة وَهِي بيع الْحبّ المشتد فِي سنبله
بِجِنْسِهِ، لِأَن الْجَهْل بالتساوي كَالْعلمِ بالتفاضل. وَيصِح بِغَيْر
جنسه. وَلَا الْمُزَابَنَة وَهِي بيع الرطب على رُءُوس النّخل بِالتَّمْرِ
إِلَّا فِي الْعَرَايَا وَهِي بَيْعه خرصا بِمثل مَا يؤول إِلَيْهِ إِذا جف
كَيْلا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق لمحتاج لرطب وَلَا ثمن مَعَه بِشَرْط
الْحُلُول والتقابض فِي مجْلِس العقد فَقبض مَا على نخل بِتَخْلِيَتِهِ
وتمر بكيل وَتقدم، فَلَو سلم أَحدهمَا ثمَّ مشيا فَسلم الآخر قبل
التَّفَرُّق صَحَّ، وَلَا تصح الْمُزَابَنَة فِي بَقِيَّة الثِّمَار.
(1/396)
وَيصِح بيع نوى بِتَمْر فِيهِ نوى، وَلبن
بِذَات لبن وصوف بحيوان عَلَيْهِ صوف، وَدِرْهَم فِيهِ نُحَاس بنحاس أَو
بِدَرَاهِم مُسَاوِيَة فِي غش، لِأَن النَّوَى بِالتَّمْرِ وَالصُّوف
وَاللَّبن بِالْحَيَوَانِ والنحاس بِالدَّرَاهِمِ غير مَقْصُود فَلَا أثر
لَهُ، أشبه حبات الشّعير بِالْحِنْطَةِ. وَيصِح بيع تُرَاب مَعْدن وصاغة
بِغَيْر جنسه لَا بِجِنْسِهِ، وَلَا يَصح بيع رِبَوِيّ بِجِنْسِهِ
مَعَهُمَا أَو مَعَ أَحدهمَا من غير جنسهما كمد عَجْوَة وردهم بمثلهما، أَو
مد عَجْوَة وَدِرْهَم بمدين أَو بِدِرْهَمَيْنِ إِلَّا أَن يكون مَعَ
الرِّبَوِيّ شَيْء لَا يقْصد كخبز فِيهِ ملح بِمثلِهِ وَنَحْوه فَيصح،
لِأَن الْملح فِي الْخبز لَا يُؤثر فِي الْوَزْن فوجوده كَعَدَمِهِ،
وَيصِح: أَعْطِنِي بِنصْف هَذَا الدِّرْهَم نصفا وبالآخر فُلُوسًا أَو
حَاجَة أَو أَعْطِنِي بِهِ نصا وفلوسا، وَيصِح قَوْله للصائغ: صغ لي
خَاتمًا من فضه وَزنه دِرْهَم وَأُعْطِيك مثل وَزنه وأجرتك درهما، وللصائغ
أَخذ الدرهمين أَحدهمَا فِي مُقَابل فضَّة الْخَاتم وَالثَّانِي أجرته،
وَلَيْسَ بيع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ. ومرجع كيل عرف الْمَدِينَة وَوزن عرف
مَكَّة على عهد النَّبِي ومالا عرف لَهُ هُنَاكَ يعْتَبر فِي مَوْضِعه،
فَإِن اخْتلف اعْتبر الْغَالِب فَإِن لم يكن رد إِلَى أقرب مَا يُشبههُ
بالحجاز، وكل مَائِع مَكِيل. وَأما رَبًّا النَّسِيئَة من النِّسَاء
بِالْمدِّ وَهُوَ التَّأْخِير ف يحرم فِي مَا أَي مبيعين اتفقَا فِي عِلّة
رَبًّا فضل بَيَان فضل وَهُوَ الْكَيْل وَالْوَزْن وَإِن اخْتلف الْجِنْس
كمكيل بيع بمكيل من جنسه أَو غَيره بِأَن بَاعَ مد بر بِجِنْسِهِ أَو شعير
وك مَوْزُون بيع بموزون كَأَن بَاعَ رَطْل حَدِيد بِجِنْسِهِ أَو بنحاس
وَنَحْوه نسَاء فَيشْتَرط فِيمَا بيع بذلك حُلُول وَقبض بِالْمَجْلِسِ.
(1/397)
تَنْبِيه: التَّقَابُض هَهُنَا اعْتبر شَرط
لبَقَاء العقد بِالصِّحَّةِ، إِذْ الْمَشْرُوط لَا يتَقَدَّم على شَرطه.
إِلَّا أَن يكون الثّمن أحد النَّقْدَيْنِ كسكر بِدَرَاهِم وخبز
بِدَنَانِير فَيصح لِأَنَّهُ لَو حرم النِّسَاء فِي ذَلِك لسد بَاب السّلم
فِي الموزونات غَالِبا وَقد رخص فِيهِ الشَّرْع، وأصل رَأس مَاله النقدان،
إِلَّا فِي صرف النَّقْد بفلوس نافقة نصا فَيشْتَرط الْحُلُول وَالْقَبْض
إِلْحَاقًا لَهَا بالنقدين، قَالَه فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه. وَجوز فِي
الْإِقْنَاع النِّسَاء فِي ذَلِك وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ تَقِيّ الدّين
وَابْن عقيل وَغَيرهمَا وَيجوز بيع مَكِيل بموزون كبر بسكر وَيجوز عَكسه
كحديد بشعير مُطلقًا أَي سَوَاء تفَرقا قبل الْقَبْض أَو لَا سَوَاء كَانَ
نسَاء أَو لَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي عِلّة رَبًّا الْفضل
أشبه بيع غير الرِّبَوِيّ بِغَيْرِهِ. وَمَا كَانَ بِمَا لَيْسَ بمكيل
وَلَا مَوْزُون كثياب وحيوان وَغَيرهمَا لجَوَاز النِّسَاء فِيهِ سَوَاء
بيع بِجِنْسِهِ أَو بِغَيْر جنسه متساويان ومتفاضلان. وَلَا يَصح بيع كالىء
بكالىء، وَهُوَ بيع دين بدين مُطلقًا لنَهْيه عَن بيع الكالىء بالكالىء،
وَله صور مِنْهَا بيع مَا فِي الذِّمَّة حَالا من عرُوض وأثمان بِثمن إِلَى
أجل لمن هُوَ عَلَيْهِ وَلغيره، وَمِنْهَا جعل الدّين رَأس مَال سلم، بِأَن
يكون لَهُ
(1/398)
على آخر دين فَيَقُول: جعلت مَا فِي
ذِمَّتك رَأس مَال سلم على كَذَا، وَمِنْهَا لَو كَانَ لكل وَاحِد من
اثْنَيْنِ دين على صَاحبه من غير جنسه كالذهب وَالْفِضَّة وتصادفاهما وَلم
يحضراهما أَو أَحدهمَا فَإِنَّهُ لَا يجوز، سَوَاء كَانَا حَالين أَو
مؤجلين، فَإِن أحضراهما أَو كَانَ عِنْده أَمَانَة أَو غصبا وَنَحْوه جَازَ
وتصارفا على مَا يرضيان بِهِ من السّعر. وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب أَن
يكون بِسعْر يَوْمه وَلَا يجْبر أَحدهمَا على سعر لَا يُريدهُ، فَإِن لم
يتَّفقَا على سعر أدّى كل وَاحِد مَا عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ لرجل على آخر
دِينَار فقضاه دَرَاهِم مُتَفَرِّقَة شَيْئا بعد شَيْء فَإِن كَانَ
يُعْطِيهِ كل نقدة بحسابها من الدِّينَار بِأَن يَقُول لَهُ: هَذَا
الدِّرْهَم عَن عشر الدِّينَار مثلا أَو هَذَانِ الدرهمان عَن خَمْسَة
صَحَّ الْقَضَاء لِأَنَّهُ بيع دين بِعَين، فَإِن لم يفعل ذَلِك ثمَّ
تحاسبا بعد فصارفه بهَا وَقت المحاسبة لم يجز، لِأَنَّهُ بيع دين بدين.
والحيل كلهَا غير جَائِزَة فِي شَيْء من أُمُور الدّين، وَهِي التوسل إِلَى
محرم بِمَا ظَاهره الْإِبَاحَة. وَيجوز صرف ذهب بِفِضَّة وَهُوَ بَيْعه
بِهِ، وَالصرْف مَأْخُوذ من الصريف وَهُوَ تصويت النَّقْد بالميزان وَيجوز
عَكسه أَي صرف فضَّة بِذَهَب. وَالْقَبْض فِي الْمجْلس شَرط، فَإِن طَال
الْمجْلس أَو تماشيا مصطحبين إِلَى منزل أَحدهمَا أَو إِلَى الصراف فتقابضا
عِنْده جَازَ، وَإِذا اقترق متصارفان قبل التَّقَابُض من الْجَانِبَيْنِ
بَطل العقد، وَإِن قبض الْبَعْض ثمَّ افْتَرقَا كفرقة خِيَار مجْلِس قبل
تقابض الْبَاقِي بَطل العقد فِيمَا لم
(1/399)
يقبض نصا. . وَإِن مَاتَ أحد المتصارفين
قبل التَّقَابُض بَطل العقد لَا بعده وَقبل التَّفَرُّق. وَلَو كَانَ لرجل
على آخر عشرَة دَنَانِير فوفاه عشرَة عددا، فَوَجَدَهَا أحد عشر كَانَ
الدِّينَار الزَّائِد فِي يَد الْقَابِض مشَاعا مَضْمُونا لمَالِكه. وَإِن
كَانَ لَهُ عِنْده دِينَار وَدِيعَة فصارفه بِهِ وَهُوَ مَعْلُوم بَقَاؤُهُ
أَو مظنون صَحَّ الصّرْف، وَإِن ظن عَدمه فَلَا، وَإِن شكّ فِي عَدمه صَحَّ
لِأَن الأَصْل بَقَاؤُهُ، فَإِن تبين عَدمه حِين العقد تبنيا أَي العقد
وَقع بَاطِلا. وصارف فضَّة بِدِينَار أعْطى أَكثر مِمَّا بالدينار ليَأْخُذ
قدر حَقه مِنْهُ فَفعل جَازَ وَلَو بعد تفرق لوُجُود التَّقَابُض قبل
التَّفَرُّق وَإِنَّمَا أخر للتمييز، وَالزَّائِد أَمَانَة بِيَدِهِ.
وَيحرم الرِّبَا بَين الْمُسلمين وَبَين الْمُسلم وَالْحَرْبِيّ فِي دَار
الْإِسْلَام وَدَار الْحَرْب، وَلَو لم يكن بَينهمَا أَمَان، لَا بَين سيد
ورقيقه وَلَو مُدبرا أَو أم ولد أَو مكَاتبا فِي مَال الْكِتَابَة فَقَط
فِيمَا إِذا عجل الْبَعْض وَأسْقط عَنهُ الْبَاقِي. وَيجوز الصّرْف
والمعاملة بمغشوش وَلَو بِغَيْر جنسه كالدراهم تغش بنحاس، لمن يعرف
الْغِشّ، فَإِن اجْتمعت عِنْده دَرَاهِم زيوف أَي نُحَاس فَإِنَّهُ
يمْسِكهَا وَلَا يَبِيعهَا وَلَا يُخرجهَا فِي مُعَاملَة وَلَا صَدَقَة،
فَإِن قابضها رُبمَا خلطها بِدَرَاهِم جَيِّدَة وأخرجها على من لَا يعرف
حَالهَا فَيكون تغريرا للْمُسلمين وَإِدْخَال للضَّرَر عَلَيْهِم. قَالَ
الإِمَام 16 (أَحْمد) : إِنِّي أَخَاف يغر بهَا الْمُسلمين وَلَا أَقُول:
إِنَّه حرَام. قَالَ فِي الشَّرْح: فقد صرح بِأَنَّهُ إِنَّمَا كرهه لما
فِيهِ من التَّغْرِير بِالْمُسْلِمين، قَالَه فِي الْإِقْنَاع.
(1/400)
ويتميز ثمن عَن مثمن بباء الْبَدَلِيَّة
وَلَو أَن أَحدهمَا نقد، وَمن اشْترى شَيْئا بِنصْف دِينَار لزمَه شقّ أَي
نصف من دِينَار، ثمَّ إِن اشْترى شَيْئا آخر بِنصْف لزمَه شقّ آخر وَيجوز
إِعْطَاؤُهُ عَنهُ دِينَارا صَحِيحا لِأَنَّهُ قد زَاده خيرا.
(1/401)
3 - (فصل)
فِي بيع الْأُصُول وَالثِّمَار. الْأُصُول جمع أصل وَهُوَ مَا يتَفَرَّع
عَنهُ غَيره، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا أَرض ودور وبساتين وطواحين وحوانيت
ومعاصر وَنَحْوهَا. وَالثِّمَار جمع ثَمَر كجبل وجبال، وَهِي أَعم مِمَّا
يُؤْكَل. وَإِذا بَاعَ شخص أَو وهب أَو رهن أَو وقف دَارا أَو أقرّ أَو
أوصى بدار شَمل البيع وَنَحْوه أرْضهَا بمعونها الجامد وَشَمل بناءها
لِأَنَّهُمَا داخلان فِي مسماها، وَشَمل فناءها بِكَسْر الْفَاء وَهُوَ مَا
اتَّسع أمامها إِن كَانَ لَهَا فنَاء وَشَمل سقفها ودرجها وَشَمل بَابا
مَنْصُوبًا وحلقته وَحجر رحى مَنْصُوبًا وَشَمل سلما بِضَم السِّين وَفتح
اللَّام مَأْخُوذ من السَّلامَة تفاؤلا وَهُوَ الْمرقاة وَشَمل رفا مسمورين
أَي السّلم والرف وَشَمل خابية مدفونة وَنَحْوهَا كأجرنة مَبْنِيَّة
وأساسات حيطان وَشَمل مَا فِيهَا من شجر وعرش وَلَا يشْتَمل البيع وَنَحْوه
قفلا وَلَا مفتاحا وَلَا دلوا وَلَا بكرَة وَنَحْوهَا كفرش وَحجر رحى
فوقاني ومعدن جَار وَمَاء نبع. وَإِن ظهر ذَلِك بِالْأَرْضِ وَلم يعلم
بَائِع فَلهُ الْفَسْخ، وَلَا يَشْمَل كنزا
(1/402)
وحجرا مدفونين ورفوفا مَوْضُوعَة على
الْأَوْتَاد بِغَيْر تسمير وَلَا غرز فِي الْحَائِط لعدم اتصالها، فَإِن
كَانَ فِي الدَّار مَتَاع للْبَائِع لزمَه نَقله بِحَسب الْعَادة فَلَا
يلْزمه لَيْلًا وَلَا جمع الحمالين. أَو أَي إِذا بَاعَ أَو وهب وَنَحْوه
أَرضًا أَو بستانا شَمل البيع وَنَحْوه غرسها وَشَمل بناءها وَلَو لم يقل:
بحقوقها لاتصالهما بهَا وكونهما من حُقُوقهَا. والبستان اسْم للشجر
وَالْأَرْض والحائط، إِذْ الأَرْض المكشوفة لَا تسمى بِهِ. وَلَا يَشْمَل
زرعا لَا يحصد إِلَّا مرّة كبر وَنَحْوه، وَيبقى لبائع إِلَى أول وَقت
أَخذه بِلَا أُجْرَة ولايشمل بذره أَي الزَّرْع إِلَّا بِشَرْط وَلَا يدْخل
شجر مَقْطُوع ومقلوع وَيدخل المَاء تبعا بِمَعْنى أَن يصير أَحَق بِهِ.
وَإِذا بَاعَ قَرْيَة لم تدخل مزارعها إِلَّا بذكرها أَو قرينَة، وَيصِح
البيع وَنَحْوه مَعَ جهل ذَلِك أَي الزَّرْع وَالْبذْر ولمشتر جَهله
الْخِيَار بَين فسخ وإمضاء مجَّانا، وَمَا يجز مرَارًا كرطبة وَبقول أَو
يلقط مرَارًا كقثاء وباذنجان فأصوله لمشتر وَنَحْوه وجزة ولقطة ظاهرتان
وزهر تفتح وَقت عقد لبائع وَعَلِيهِ قطعه فِي الْحَال مالم يَشْتَرِطه
مُشْتَر فَإِن شَرطه كَانَ لَهُ لحَدِيث (الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم) ،
وقصب سكر كزرع يبْقى إِلَى أول أَخذه وقصب فَارسي
(1/403)
كثمرة فَمَا ظهر مِنْهُ فَللْبَائِع
وَعَلِيهِ قطعهَا فِي الْحَال مَا لم يَشْتَرِطه مُشْتَر ويقطعه فِي أول
وَقت أَخذه وعروقه لمشتر، وبذر بَقِي أَصله كبذر قثاء وَنَحْوه كشجر يتبع
الأَرْض. وَمن بَاعَ أَو رهن أَو وهب نخلا قد تشقق طلعه أَي وعَاء عنقوده
وَلَو لم يُؤثر أَي يلقح وَهُوَ وضع طلع الفحال فِي طلع الثَّمر فالثمر
لَهُ أَي لمعط وَنَحْوه فَقَط دون العراجين والليف والجريد والخوص مبقى أَي
متروكا لَهُ إِلَى جذاذ أَي قطع، وَذَلِكَ حَتَّى تتناهى حلاوة ثمره مَا لم
تجر عَادَة بِأَخْذِهِ بسرا أَو يكن بسره خيرا من رطبه فيجذه بَائِع إِذا
استحكمت حلاوة بسره لِأَنَّهُ عَادَة أَخذه مالم يشرطه أَي الْقطع مُشْتَر
على بَائِع فَإِن شَرطه قطع، وَمَا تتضرر الْأُصُول بِبَقَائِهِ أجبر على
قطعه إِزَالَة لضَرَر المُشْتَرِي بِخِلَاف وقف وَوَصِيَّة، فَإِن
الثَّمَرَة تدخل فيهمَا نصا أبر أَو لم يؤبر كفسخ بِعَيْب ومقايلة فِي بيع
وَنَحْو ذَلِك وَكَذَا حكم شجر فِيهِ ثَمَر باد أَي ظَاهر عِنْد العقد لَا
قشر عَلَيْهِ وَلَا نور كعنب وتوت وتين وَجوز ورمان وجميز أَو ظهر من نوره
كمشمش بِكَسْر ميمه وتفاح وسفرجل ولوز وخوخ أَو خرج من أكمامه جمع كم
بِكَسْر الْكَاف وَهُوَ الغلاف كورد وياسمين وبنفسج وقطن، وَمَا مُبْتَدأ،
بيع قبل ذَلِك أَي قبل البدو فِي نَحْو عِنَب وَالْخُرُوج من النُّور فِي
نَحْو مشمش والظهور من الأكمام فِي نَحْو ورد وَالْوَرق بِالرَّفْع
مَعْطُوف على (مَا) مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ يقْصد أَخذه كورق توت لتربية
دود القز أَو لَا يقْصد لمشتر خبر، لِأَنَّهُ دَاخل فِي مُسَمّى الشّجر
وَمن أَجْزَائِهِ.
(1/404)
وَيقبل قَول معط فِي بَدو قبل عقد لتَكون
بَاقِيَة لَهُ. وَإِن ظهر أَو تشقق بعض ثَمَرَة أَو بعض طلع وَلَو من نوع
فلبائع وَغَيره لمشتر إِلَّا فِي الشَّجَرَة الْوَاحِدَة إِذا تشقق بعض
طلعها، أَو ظهر بعض ثَمَرَتهَا فَالْكل لبائع وَنَحْوه، لِأَن الشَّيْء
الْوَاحِد يتبع بعضه. وَلكُل السَّقْي لمصلته وَلَا يمنعهُ الآخر وَلَو
تضرر. وَمن اشْترى شَجَرَة وَلم تتبعها أرْضهَا وَلم يشْتَرط قطعهَا أبقاها
فِي أَرض بَائِع وَلَا يغْرس مَكَانهَا لَو بادت وَله الدُّخُول لمصلحتها.
. وَلَا يَصح بيع ثَمَر قبل بَدو صَلَاحه وَلَا بيع زرع قبل اشتداد حبه
لغير مَالك أصل أَي مَالك الشّجر أَو لغير مَالك أرضه أَي الزَّرْع، فَإِن
بَاعَ الثَّمر قبل بَدو صَلَاحه لمَالِك الأَصْل، أَو الزَّرْع قبل اشتداد
حبه لمَالِك الأَرْض صَحَّ البيع لحُصُول التَّسْلِيم للْمُشْتَرِي على
الْكَمَال لملكه الأَصْل والقرار، فصح كبيعهما مَعَهُمَا إِلَّا إِذا بَاعَ
الثَّمر قبل بَدو صَلَاحه وَالزَّرْع قبل اشتداد حبه بِشَرْط قطع فِي
الْحَال إِن كال مُنْتَفعا بِهِ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ مشَاعا فَيصح، فَإِن لم
يكن مُنْتَفعا بِهِ كثمر الْجَوْز وَزرع الترمس أَو كَانَ مشَاعا لم يَصح،
لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ قطعه إِلَّا بِقطع ملك غَيره وَلم يَصح اشْتِرَاطه
وَكَذَا فِي حكم مَا تقدم بقل ورطبة أَي فصفصة لَا يَصح بيع شَيْء مِنْهَا
مُفردا لغير مَالك الأَرْض إِلَّا جزة جزة بِشَرْط الْقطع فِي الْحَال،
وَلَا يَصح بيع قثاء وَنَحْوه كباذنجان وبامياء إِلَّا لقطَة لقطَة،
مَوْجُودَة لِأَن مَا لم يخلق لَا يجوز بَيْعه أَو إِلَّا مَعَ أَصله
فَيجوز لِأَنَّهُ أصل تَتَكَرَّر ثَمَرَته أشبه الشّجر، وَإِن ترك مُشْتَر
مَا أَي ثمرا أَو زرعا شَرط عَلَيْهِ قطعه حَيْثُ لَا يَصح بِدُونِهِ بَطل
البيع بِزِيَادَة غير يسيرَة عرفا، وَكَذَا لَو اشْترى رطبا عرية
(1/405)
ليأكلها فَتَركهَا حَتَّى أثمرت إِلَّا
الْخشب إِذا بيع يشرط الْقطع وَترك حَتَّى زَاد فَلَا يبطل البيع بذلك
ويشتركان أَي البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِيهَا أَي الزِّيَادَة نصا فَيقوم
الْخشب يَوْم العقد وَيَوْم الْقطع فَالزِّيَادَة مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ
فيشتركان فِيهَا، وحصاد زرع ولقاط مَا يُبَاع لقطَة وجذاذ ثَمَر على
مُشْتَر وَمَتى بدا صَلَاح ثَمَر أَو اشْتَدَّ حب جَازَ بَيْعه بِلَا شَرط
قطع وبشرط التبقية ولمشتر بَيْعه قبل جذه لِأَنَّهُ مَقْبُوض
بِالتَّخْلِيَةِ، وَله قطعه فِي الْحَال وتبقيته، وعَلى بَائِع سقِِي
الثَّمر بسقي الشّجر وَلَو تضرر أصل أَي شجر بالسقي، وَيجْبر بَائِع إِن
أَبى السَّقْي، وَمَا مُبْتَدأ تلف من ثَمَر بيع بعد بَدو صَلَاحه
مُنْفَردا على أُصُوله وَقبل أَوَان أَخذه أَو قبل بَدو صَلَاحه بِشَرْط
الْقطع قبل التَّمَكُّن مِنْهُ سوى يسير لَا يَنْضَبِط لقَتله بِآفَة
مُتَعَلق بِتَلف سَمَاوِيَّة وَهِي الَّتِي لَا صنع لآدَمِيّ فِيهَا كجراد
وجندب وحر وَبرد وريح وعطش وثلج وَبرد وجليد وصاعقة وَنَحْوهَا وَلَو بعد
قبض بتخلية ف ضَمَانه على بَائِع خبر مالم يبع الثَّمر مَعَ أصل فَإِن بيع
مَعَه فَمن ضَمَان مُشْتَر. وَكَذَا لَو بيع لمَالِك أَصله لحُصُول
الْقَبْض التَّام وَانْقِطَاع علقَة البَائِع عَنهُ أَو مالم يُؤَخر
بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَخذ أَي مَا لم يُؤَخر المُشْتَرِي أَخذ الثَّمر
عَن عَادَته فَإِن أَخّرهُ فَمن ضَمَانه لتلفه بتقصيره. وَإِن تعيب الثّمن
بالآفة خير مُشْتَر بَين إِمْضَاء بيع وَأخذ أرش أَو رد وَأخذ ثمن كَامِلا.
وَإِن تلف بصنع آدَمِيّ خير مُشْتَر بَين فسخ أَو إِمْضَاء ومطالبة متْلف.
(1/406)
وأصل مَا يتَكَرَّر حمله كقثاء وَنَحْوه
كشجر، وثمره فِي جائعة وَغَيرهَا وَصَلَاح بعض ثَمَرَة شَجَرَة صَلَاح
لجَمِيع نوعها الَّذِي فِي الْبُسْتَان لِأَن اعْتِبَار الصّلاح فِي
الْجَمِيع يشق فصلاح ثَمَر نخل وَهُوَ البلح أَن يحمر أَو يصفر، وَصَلَاح
عِنَب أَن يتموه بِالْمَاءِ الحلو وَصَلَاح بَقِيَّة ثَمَر كرمان ومشمش
وخوخ وَجوز وسفرجل بَدو نضج وَطيب أكل. وَصَلَاح مَا يظْهر فَمَا بعد فَم
كَخِيَار وقثاء أَن يُؤْكَل عَادَة، وَفِي حب أَن يشْتَد أَو يبيض. ويشمل
بيع دَابَّة كفرس عذارها أَي لجامها ومقودها بِكَسْر الْمِيم ونعلها
لتبعيته لَهَا عرفا ويشمل بيع قن ذكر أَو أُنْثَى لِبَاسه الَّذِي لغير
جمال لَا ثِيَاب الْجمال وَلَا مَا مَعَه من مَال أَو حلي سَوَاء ملكه
إِيَّاه سَيّده أَو خصّه فَمَاله وحليه للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه
المُشْتَرِي أَو بعضه فَيكون لَهُ مَا اشْترط، فَإِن كَانَ قَصده المَال
اشْترط علمه بِهِ وَسَائِر شُرُوط البيع وَله الْفَسْخ بِعَيْب مَاله
كَهُوَ، وَإِن لم يكن قَصده المَال وَثيَاب الْجمال وَلَا الحلى فَلَا
يشْتَرط لَهُ شُرُوط البيع لدُخُوله تبعا غير مَقْصُود أشبه أساسات
الْحِيطَان وتمويه سقف بِذَهَب، وَسَوَاء قُلْنَا الْقِنّ يملك بالتمليك
أَو لَا. وَمَتى رد الْقِنّ الْمَشْرُوط مَاله لنَحْو عيب رد مَاله مَعَه،
لِأَن قِيمَته تكْثر بِهِ وتنقص مَعَ أَخذه فَلَا يملك رده حَتَّى يدْفع
مَا يزِيل نَقصه، فَإِن تلف مَاله ثمَّ أَرَادَ رده فكعيب حدث عِنْد
مُشْتَر.
(1/407)
3 - (فصل)
السّلم بِفَتْح السِّين وَاللَّام لُغَة أهل الْحجاز، وَالسَّلَف لُغَة أهل
الْعرَاق، فهما لُغَة شَيْء وَاحِد، وَسمي سلما لتسليم رَأس المَال
بِالْمَجْلِسِ، وسلفا لتقديمه. وَيُقَال السّلف للقرض. وَشرعا عقد على
مَوْصُوف فِي الذِّمَّة مُؤَجل بِثمن مَقْبُوض بِمَجْلِس عقد، وَيصِح
بِلَفْظِهِ كأسلمتك هَذَا الدِّينَار فِي كَذَا من الْقَمْح، وبلفظ سلف
كأسلفتك كَذَا فِي كَذَا، وبلفظ بيع كابتعت مِنْك قمحا، صفته كَذَا وَكيله
كَذَا إِلَى كَذَا، وَبِكُل مَا ينْعَقد بِهِ البيع لِأَنَّهُ نوع مِنْهُ
إِلَّا أَنه يجوز فِي الْمَعْدُوم. وَله شُرُوط أَخذ المُصَنّف يتَكَلَّم
عَلَيْهَا فَقَالَ: وَيصِح لسلم بسبعة شُرُوط فَإِن اخْتَلَّ شَرط مِنْهَا
لم يَصح: أَحدهَا أَن يكون الْمُسلم فِيهِ فيمايمكن ضبط صِفَاته لِأَنَّهُ
مَالا تنضبط صِفَاته يخْتَلف كثيرا فيفضي إِلَى الْمُنَازعَة والمشاقة
وَعدمهَا مَطْلُوب شرعا وَذَلِكَ كمكيل من حب ودهن وتمر وَلبن وَنَحْوه أَي
الْمكيل كموزون من خبز وَلحم وَلَو مَعَ عظمه إِن عين مَوضِع الْقطع فَإِن
لم يعين لم يَصح، وكمذروع من ثِيَاب وخيوط، وكمعدود من حَيَوَان وَلَو
آدَمِيًّا كَعبد صفته كَذَا لَا فِي أمة وَوَلدهَا أَو أُخْتهَا وَنَحْوه
لنذرة جَمعهمَا فِي الصّفة، وَلَا فِي حَامِل، لَا فِي فواكه مَعْدُودَة
كرمان وخوخ واجاص
(1/408)
وكمثري وَلَو أسلم فِيهَا وزنا لاختلافها
صغرا وكبرا بِخِلَاف نَحْو عِنَب وَرطب، وَلَا فِي بقول وجلود ورؤوس وأكارع
وبيض وَنَحْوهَا، وَأَوَان مُخْتَلفَة رؤوسا وأوساطا كقماقم وأسطال، فَإِن
لم تخْتَلف رؤوسها وأوساطها صَحَّ السّلم فِيهَا، وَلَا فِيمَا لَا
يَنْضَبِط كجوهر وَلَو بعد وَنَحْوهَا، وَلَا فِيمَا يجمع أخلاطا غير
متميزة كمعاجين وند وغالية وَنَحْوهَا لعدم ضَبطهَا بِالصّفةِ وَالشّرط
الثَّانِي ذكر جنس الْمَبِيع فَيَقُول مثلا، تمر وَذكر نَوعه فَيَقُول
مثلا: برني أَو معقلي وَذكر كل وصف يخْتَلف بِهِ أَي الْوَصْف الثّمن
غَالِبا لِأَن السّلم عوض يثبت فِي الذِّمَّة فَاشْترط الْعلم بِهِ
كَالثّمنِ فَفِي نَحْو بر يُقَال: صعيدي أَو بحيري بِمصْر، وحوراني أَو
شمَالي بِالشَّام، وصغار حب أَو كباره وَذكر حَدَاثَة وَذكر قدم فَإِن أطلق
الْعَتِيق وَلم يُقَيِّدهُ بعام أَو أَكثر أَجْزَأَ أَي عَام كَانَ لتناول
الِاسْم لَهُ مَا لم يكن مسوسا أَو حشفا وَهُوَ رَدِيء التَّمْر أَو متغيرا
فَلم يلْزم الْمُسلم قبُوله. وَإِن شَرط عَتيق عَام أَو عَاميْنِ فَهُوَ
على مَا شَرط. وَذكر سنّ حَيَوَان، وذكرا أَو سمينا ومعلوفا أَو ضدها، وصيد
أحبولة أَو كلب أَو صقر أَو شبكة أَو فخ. وَفِي رَقِيق ذكر نوع كرومي أَو
حبشِي أَو زنجي بشبر، قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : يَقُول خماسي أَو سداسي
يَعْنِي خَمْسَة أشبار أَو سِتَّة أعجمي أَو فصيح، ذكر أَو أُنْثَى كحلا
أَو دعجا، بكارة أَو ثيوبة وَنَحْوهَا.
(1/409)
وَفِي طير نوع كحمام وكركي ولونه وَكبره.
وَلَا يَصح اشْتِرَاطه أَجود أأردأ وَله أَخذ دون مَا وصف لَهُ من جنسه،
وَأخذ غير نَوعه من جنسه، وَيلْزمهُ أَخذ أَجود مِنْهُ من نَوعه. وَالشّرط
الثَّالِث ذكر قدره أَي الْمُسلم فِيهِ بِالْكَيْلِ فِي الْمكيل وَالْوَزْن
فِي الْمَوْزُون وَالْعدَد فِي الْمَعْدُود والذرع فِي المذروع وَلَا يَصح
أَن يسلم فِي مَكِيل كلبن وتمر وزيت وشيرج وزنا، وَلَا يَصح عَكسه أَي يسلم
فِي مَوْزُون كَيْلا نصا، لِأَنَّهُ مَبِيع يشْتَرط معرفَة قدره فَلَا يجوز
بِغَيْر مَا هُوَ مُقَدّر بِهِ فِي الأَصْل كَبيع الربويات بَعْضهَا
بِبَعْض وَلِأَنَّهُ قدره بِغَيْر مَا هُوَ مُقَدّر بِهِ قي الأَصْل فَلم
يجز كَمَا لَو أسلم فِي المذروع وزنا أَو بِالْعَكْسِ. وَلَا يَصح شَرط
صنجة أومكيال أَو ذِرَاع لَا عرف لَهُ، لَكِن لَو عين مكيال رجل بِعَيْنِه
أَو مِيزَانه أَو صنجته أَو ذراعه صَحَّ العقد دون التَّعْيِين. وَالشّرط
الرَّابِع ذكر أجل مَعْلُوم نصا، لَهُ وَقع فِي الثّمن عَادَة لِأَن
اعْتِبَار الْأَجَل لتحَقّق الرِّفْق لَا يحصل بِمدَّة وَلَا وَقع لَهَا
فِي الثّمن عَادَة كشهر وَنَحْوه كنصفه كَمَا فِي الْكَافِي فَإِن أسلم
إِلَى أجل قريب كَالْيَوْمِ واليومين وَالثَّلَاثَة لم يَصح السّلم لفَوَات
شَرطه، وَهُوَ أَن مثل ذَلِك لَا وَقع لَهُ فِي الثّمن إِلَّا إِذا أسلم
فِي نَحْو خبز وَلحم ودقيق وَيَأْخُذ مِنْهُ كل يَوْم جُزْءا مَعْلُوما
فَيصح سَوَاء بَين ثمن كل قسط أَولا لدعاء الْحَاجة إِلَيْهِ.
(1/410)
وَمن أسلم أَو بَاعَ أَو أجر أَو شَرط
الْخِيَار مُطلقًا أَي غير موقت أَو لأجل مَجْهُول كحصاد وجذاذ ونزول مطر
أَو إِلَى عيد أَو ربيع أَو جُمَادَى بالتنكير أَو إِلَى النَّفر لم يَصح
من هَذِه الْعُقُود إِلَّا البيع فَيصح حَالا، فَإِن عين الْأَضْحَى أَو
الْفطر أَو ربيعا الأول أَو الثَّانِي أَو جمادي كَذَلِك أَو النَّفر الأول
وَهُوَ ثَانِي أَيَّام التَّشْرِيق أَو الثَّانِي وَهُوَ ثَالِثهَا صَحَّ
لِأَنَّهُ مَعْلُوم. وَيصِح تَأْجِيله
بِشَهْر وَعِيد روميين إِن عرفا. وَيقبل قَول مَدين حَيّ قدر الْأَجَل
ومضيه وَمَكَان التَّسْلِيم بِيَمِينِهِ. وَإِن أَتَى بِمَا عَلَيْهِ من
سلم أَو غَيره قبل مَحَله وَلَا ضَرَر فِي قَبْضَة لزم رب الدّين قبُوله
نصا فَإِن أَبى الْقَبْض قَالَ لَهُ الْحَاكِم إِمَّا أَن تقبض أَو تبرىء
فَإِن أباهما قَبضه الْحَاكِم لَهُ أَي رب الدّين وَمن أَرَادَ قَضَاء دين
عَن غَيره فَأبى ربه، أَو أعْسر بِنَفَقَة زَوجته فبذلها أَجْنَبِي فَأَبت
لم يجْبر أَو ملكت الْفَسْخ وَيَأْتِي فِي النَّفَقَات. وَالشّرط الْخَامِس
أَن يُوجد الْمُسلم فِيهِ غَالِبا فِي مَحَله بِكَسْر الْحَاء أَي وَقت
حُلُوله لوُجُوب تَسْلِيمه إِذا، سَوَاء كَانَ الْمُسلم فِيهِ مَوْجُودا
حَال العقد أَو مَعْدُوما كالسلم فِي الرطب وَالْعِنَب زمن الشتَاء إِلَى
الصَّيف بِخِلَاف عَكسه لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ تَسْلِيمه غَالِبا عِنْد
وجوب أشبه بيع الْآبِق بل أولى. وَيصِح إِن عين نَاحيَة تبعد عَنْهَا آفَة
كتمر الْمَدِينَة لَا صَغِيرَة أَو بستانا وَلَا من غنم زيد أَو نتاج فَحله
أَو فِي مثل هَذَا الثَّوْب. وَإِن أسلم إِلَى مَحل يُوجد فِيهِ مُسلم
عَاما فَانْقَطع وَتحقّق بَقَاؤُهُ لزمَه تَحْصِيله وَلَو شقّ
(1/411)
فَإِن تعذر مُسلم فِيهِ أَو تعذر بعضه صَبر
مُسلم إِلَى وجوده فيطالبه بِهِ أَو فسخ فِي المتعذر كلا كَانَ أَو بَعْضًا
أَو أَخذ رَأس مَاله إِن فسخ لتعذره كُله أَو أخذعوضه إِن عدم لتعذر رده.
وَإِن أسلم ذمِّي إِلَى ذمِّي فِي خمر فَأسلم أَحدهمَا رَجَعَ الْمُسلم
فَأخذ رَأس مَاله. وَالشّرط السَّادِس قبض الثّمن أَي رَأس مَال السّلم قبل
التَّفَرُّق من الْمجْلس لِئَلَّا يصير بيع دين بدين، فَإِن قبض الْبَعْض
ثمَّ افْتَرقَا صَحَّ فِيمَا قبض وَبَطل فِيمَا لم يقبض وَيشْتَرط كَون
رَأس مَال السّلم وَمَعْلُوم الصّفة وَالْقدر لَا بَصِيرَة مُشَاهدَة وَلَا
بِمَا لَا يُمكن ضَبطه كجوهر وَنَحْوه فَإِن فعلا فَبَاطِل وَيرجع إِن
كَانَ بَاقِيا وَإِلَّا فَقيمته أَو مثله فَإِن اخْتلفَا فِي قدر قيمَة
فَقَوْل مُسلم إِلَيْهِ فَإِن قَالَ لَا أعلم قدر ذَلِك فقيمة مُسلم فِيهِ
مُؤَجّلا الْأَجَل الَّذِي عَيناهُ. وَالشّرط السَّابِع إِن يسلم فِي
الذِّمَّة وَلم يذكرهُ بَعضهم للاستغناء عَنهُ بِذكر الْأَجَل إِذْ
الْمُؤَجل لَا يكون إِلَّا فِي الذِّمَّة فَلَا يَصح السّلم فِي عين كدار
وشجرة نابتة وَلَا فِي ثَمَرَة شَجَرَة مُعينَة وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ يُمكن
بَيْعه فِي الْحَال فَلَا حَاجَة إِلَى السّلم فِيهِ وَيجب الْوَفَاء أَي
وَفَاء الْمُسلم فِيهِ مَوضِع العقد إِذا كَانَ مَحل إِقَامَة لِأَن
مُقْتَضى العقد التَّسْلِيم فِي مَكَانَهُ إِن لم يشْتَرط الْوَفَاء فِي
غَيره أَي غير مَكَان العقد فَيلْزم، أَو مَا لم يعْقد ببرية أَو دَار
حَرْب أَو بَحر أَو جبل غير مسكون فَيشْتَرط ذكره لتعذر الْوَفَاء مَوضِع
العقد فَيكون مَحل التَّسْلِيم فَاشْترط تَعْيِينه بالْقَوْل كالزمان،
وللمسلم أَخذه فِي غير
(1/412)
مَكَان العقد إِن رَضِيا لَا مَعَ أُجْرَة
حمله إِلَيْهِ كَمَا لَا يجوز أَخذ بدل السّلم وَلَا يَصح بيع مُسلم فِيهِ
قبل قَبضه وَلَو لمن هُوَ عَلَيْهِ وَلَا هبة دين غَيره لغير من هُوَ فِي
ذمَّته لِأَن الْهِبَة تَقْتَضِي وجود معِين وَهُوَ مُنْتَفٍ هَهُنَا وَلَا
تصح الْحِوَالَة بِهِ أَي بِمُسلم فِيهِ، لِأَنَّهَا مُعَاوضَة بِمُسلم
فِيهِ قبل قَبضه فَلم تجز كَالْبيع وَلَا تصح الْحِوَالَة عَلَيْهِ
لِأَنَّهَا لَا تصح إِلَّا على دين مُسْتَقر وَالسّلم عرضة الْفَسْخ، وَلَا
يَصح أَخذ رهن بِهِ وَلَا أَخذ كَفِيل بِهِ أَي بِمُسلم فِيهِ وَلَا يَصح
أَخذ غَيره عوضا عَنهُ وَيصِح بيع دين مُسْتَقر من ثمن وقرض وَمهر بعد
دُخُول وَأُجْرَة استوفى نَفعهَا وَأرش جِنَايَة وَقِيمَة متْلف وَنَحْوه
لمدين فَقَط، لَكِن إِن كَانَ الدّين من ثمن مَكِيل أَو مَوْزُون بَاعه
بِالنَّسِيئَةِ أَو بِثمن لم يقبض فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يَأْخُذ عوضه مَا
يُشَارك الْمَبِيع فِي عِلّة رَبًّا فضل أَو نَسِيئَة فَلَا يعتاض عَن ثمن
مَكِيل مَكِيلًا وَلَا عَن ثمن مَوْزُون مَوْزُونا حسما لمادة رَبًّا
النَّسِيئَة. وَإِن بَاعه بِمَا لَا يُبَاع بِهِ نَسِيئَة كذهب بِفِضَّة
وبر بشعير، أَو بموصوف فِي الذِّمَّة اشْترط قبض عوضه فِي الْمجْلس قبل
التَّفَرُّق. وَمن أسلم وَعَلِيهِ سلم فَقَالَ لغريمه: اقبض سلمى لنَفسك لم
يَصح لنَفسِهِ، إِذْ هُوَ حِوَالَة بسلم، وَلَا للْآمِر لِأَنَّهُ لم
يُوكله فِي قَبضه والمقبوض بَاقٍ على ملك الدَّافِع، وَصَحَّ إِن قَالَ:
اقبض لي ثمَّ لَك فَيصح قبض وَكيل من نَفسه لنَفسِهِ نصا إِلَّا مَا كَانَ
من غير جنس مَاله فَلَا يَصح.
(1/413)
فصل. الْقَرْض بِفَتْح الْقَاف وَحكى
كسرهَا مصدر قرض الشَّيْء يقْرضهُ بِكَسْر الرَّاء إِذا قطعه وَمِنْه:
المقراض، وَالْقَرْض اسْم مصدر بِمَعْنى الِاقْتِرَاض، وَشرعا دفع مَال
إرفاقا لمن ينْتَفع بِهِ وَيرد بدله، وَيصِح بِلَفْظ قرض وَسلف وكل مَا
أدّى مَعْنَاهُمَا. وَشرط علم قدره وَوَصفه وَكَون مقرض يَصح تبرعه، وَمن
شَأْنه أَن يُصَادف ذمَّة فَلَا يَصح على مَا يحدث ذكره فِي الِانْتِصَار.
قَالَ ابْن عقيل: الدّين لَا يثبت إِلَّا فِي الذمم. وَفِي الموجز يَصح قرض
حَيَوَان وثوب لبيت المَال ولآحاد الْمُسلمين. انْتهى. وَلَا يثبت فِيهِ
خِيَار وَهُوَ من الْمرَافِق الْمَنْدُوب إِلَيْهَا لما فِيهِ من الْأجر
الْعَظِيم لقَوْله (من كشف عَن مُؤمن كربَة من كرب الدُّنْيَا فرج الله
عَنهُ كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة) وَحَدِيث أنس أَن
(1/414)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزاده
شرفا وكرامة قَالَ: (رَأَيْت لَيْلَة أسرى بِي على بَاب الْجنَّة
مَكْتُوبًا: الصَّدَقَة بِعشر أَمْثَالهَا وَالْقَرْض بِثمَانِيَة عشر.
فَقلت: يَا جِبْرِيل مَا بَال الْقَرْض أفضل من الصَّدَقَة قَالَ: لِأَن
السَّائِل يسْأَل وَعِنْده، والمقترض لَا يستقرض إِلَّا عَن حَاجَة) .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه. وَهُوَ مُبَاح للمقترض، وَلَا إِثْم على من سُئِلَ
فَلم يقْرض وَلَيْسَ من الْمَسْأَلَة المذمومة، كل مَا صَحَّ بَيْعه صَحَّ
قرضه من مَكِيل وموزون وَغَيره وجوهر وحيوان إِلَّا بني آدم لِأَنَّهُ لم
ينْقل قرضهم وَلَا هُوَ من الْمرَافِق. وَلَا يَصح قرض مَنْفَعَة. وَيتم
الْقَرْض بِقبُول وَيملك وَيلْزم بِقَبض فَلَا يملك مقرض استرجاعه إِلَّا
إِن حجر على مقترض فَيملك الرُّجُوع فِيهِ بِشَرْطِهِ. وَإِن شَرط رده
بِعَيْنِه لم يَصح وَيجب على الْمُقْتَرض رد مثل فلوس وَلَو تغير سعرها
بِنَقص أَو كسدت وَيجب رد مثل مَكِيل وَمثل مَوْزُون لَا صناعَة فِيهِ
مُبَاحَة يَصح السّلم فِيهِ. قَالَ فِي الْمُبْدع: إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ
يضمن فِي الْغَصْب والإتلاف بِمثلِهِ فَكَذَا هُنَا مَعَ أَن الْمثل أقرب
شبها بِهِ من الْقيمَة مَا لم يتعيب الْقَرْض أَو يكن فُلُوسًا أَو
دَرَاهِم مكسرة فيحرمها السُّلْطَان فَلهُ قيمَة وَقت قرض نصا من غير جنسه
إِن جرى بَينهمَا رَبًّا فضل فَإِن فقد الْمثل ف عَلَيْهِ قِيمَته يَوْم
فَقده لِأَنَّهُ يَوْم ثُبُوتهَا فِي ذمَّته
(1/415)
وَيجب قيمَة غَيرهَا أَي الْفُلُوس والمكيل
وَالْمَوْزُون كجوهر وَنَحْوه مِمَّا لَا يَنْضَبِط بِالصّفةِ يَوْم قَبضه
لاخْتِلَاف قِيمَته فِي الزَّمن الْيَسِير بِكَثْرَة الرواغب وقلتها فتزيد
زِيَادَة كَثِيرَة فيتضرر الْمُقْتَرض وتنقص فيتضرر الْمقْرض. وَتعْتَبر
قيمَة غير الْجَوْهَر وَنَحْوه كمذروع ومعدود يَوْم قرض لِأَنَّهَا
حِينَئِذٍ تثبت فِي ذمَّته. وَيرد مثل كيل مَكِيل دفع وزنا لِأَن الْكَيْل
هُوَ معياره الشَّرْعِيّ، وَكَذَا مثل وزن مَوْزُون دفع كَيْلا. وَيجوز قرض
المَاء كَيْلا كَسَائِر الْمَائِعَات. ولسقي أَرض إِذا قدر بأنبوبة. يجوز
قرضه مُقَدرا بِزَمن عَن نوبَة غَيره ليرد عَلَيْهِ مثله فِي الزَّمن من
نوبَته نصا قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : وَإِن كَانَ فِي غير مَحْدُود
كرهته لِأَنَّهُ لَا يُمكن رد مثله. وقرض الْخبز والخمير عددا ورده عددا
بِلَا قصد زِيَادَة. وَيثبت للقرض الْبَدَل حَالا وَلَو مَعَ تَأْجِيله
وَيحرم الْإِلْزَام بتأجيله وَكَذَا كل دين حَال، وَيجوز شَرط رهن وضمين
فِيهِ لَا شَرط نقص وَفَاء، وَلَا شَرط أَحدهمَا على الآخر أَنه يَبِيعهُ
أَو يؤجره أَو يقْرضهُ كَشَرط زِيَادَة وهدية وَيحرم كل شَرط فِي الْقَرْض
يجر نفعا نَحْو أَن يسكنهُ دَاره مجَّانا أَو رخيصا أَو يعيره دَابَّته أَو
يَقْضِيه خيرا مِنْهُ أَو بِبَلَد أخر، قَالَ فِي المغنى وَالشَّرْح: إِن
لم يكن لحمله مُؤنَة جَازَ وَإِلَّا حرم وَإِن وفاه أَي وَفِي الْمُقْتَرض
الْمقْرض أَجود مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ أَو أَكثر أَو دون مَاله عَلَيْهِ
بتراضيهما فَلَا بَأْس أَو أهْدى الْمُقْتَرض إِلَيْهِ أَي
(1/416)
الْمقْرض هَدِيَّة بعد وَفَاء أَو علمت
زِيَادَته لشهرة سخائه وَفعل ذَلِك بِلَا شَرط وَلَا مواطأة فِي الْجَمِيع
نصا فَلَا بَأْس بِهِ وَقبل وَفَاء وَلم ينْو مقرض احتسابه من دينه أَو
مكافأته لم يجز، إِلَّا أَن جرت عَادَة بَينهمَا بِهِ قبل قرض، فَإِن
كَانَت جَارِيَة فَلَا بَأْس. قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه. وَإِن
زَادَت الْهَدِيَّة على الْعَادة فَالزِّيَادَة حرَام كَذَا قَرَّرَهُ
شَيخنَا التغلبي انْتهى. فَإِن استضافه حسب لَهُ مَا أكل نصا. وَمن طُولِبَ
بِبَدَل قرض أَن غصب بِبَلَد آخر لزمَه أَدَاؤُهُ إِلَّا مَا لحمله مُؤنَة
وَقِيمَته بِبَلَد الْقَرْض أَو الْغَصْب انقص وَلَو بذل الْمُقْتَرض أَو
الْغَاصِب مَا عَلَيْهِ بِغَيْر بلد الْقَرْض أَو الْغَصْب وَلَا مُؤنَة
لحملة لزم ربه قبُوله مَعَ أَمن الْبَلَد وَالطَّرِيق.
(1/417)
3 - (فصل)
. الرَّهْن لُغَة الثُّبُوت والدوام وَمِنْه 19 ((كل نفس بِمَا كسبت
رهينة)) وَشرعا توثقه دين بِعَين يُمكن أَخذه أَو بعضه مِنْهَا أَو من
ثمنهَا إِن تعذر الْوَفَاء من غَيرهَا وَيجوز أَن يرْهن الْإِنْسَان مَال
نَفسه على غَيره وَلَو بِغَيْر رضَا الْمَدِين كَمَا يجوز ضَمَانه وَأولى،
وَلَا يَصح مُعَلّقا بِشَرْط وَلَا بِدُونِ إِيجَاب وَقبُول أَو مَا يدل
عَلَيْهِمَا، وَلَا بُد من معرفَة الرَّهْن وَقدره وَصفته. وكل مَا جَازَ
بَيْعه من الْأَعْيَان جَازَ رَهنه لِأَن الْمَقْصُود فِيهِ الاستيثاق
الْموصل للدّين وَلَو نَقْدا أَو مُؤَخرا أَو معارا، وَيسْقط ضَمَان
الْعَارِية إلاالمصحف فَلَا يَصح رَهنه وَلَو لمُسلم وَلَو قُلْنَا يَصح
بَيْعه، نقل الْجَمَاعَة عَن الإِمَام 16 (أَحْمد) قَالَ: لَا أرخص فِي رهن
الْمُصحف لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى بَيْعه وَهُوَ محرم. وكل مَالا يَصح
بَيْعه كَأُمّ ولد وحر ووقف وكلب وآبق ومجهول وخمر لَا يَصح رَهنه وَكَذَا
ثَمَر وَكَذَا زرع لم يبد صلاحهما أَي الثَّمر وَالزَّرْع فَيصح رهنهما
بِلَا شَرط قطع، لِأَن المنهى عَن بيعهمَا لعدم أَمن العاهة، وَبِتَقْدِير
تلفهما لَا يفوت حق الْمُرْتَهن من الدّين لتَعَلُّقه بِذِمَّة الرَّاهِن
(1/418)
وَكَذَا قن ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى يَصح
رَهنه دون وَلَده وَنَحْوه كأخيه وَأَبِيهِ لِأَن حُرْمَة البيع لأجل
التَّفْرِيق وَهُوَ مَفْقُود هَهُنَا. وَلَا يَصح الرَّهْن إِلَّا من
مَالِكه أَو مَأْذُون لَهُ فِي رَهنه مِمَّن يَصح تبرعه وَلَا رهن يَتِيم
لفَاسِق. وَلَا يَصح إِلَّا مَعَ الْحق أَو بعده، وَعلم مِنْهُ أَنه لَا
يَصح قبل الدّين نَص عَلَيْهِ. وللراهن الرُّجُوع فِي الرَّهْن مَا لم
يقبضهُ الْمُرْتَهن، وَيلْزم الرَّهْن فِي حق رَاهن بِقَبض لِأَن الْحَظ
فِيهِ لغيره فَلَزِمَ من جِهَته كالضمان بِخِلَاف مُرْتَهن، لِأَن الْحَظ
فِيهِ لَهُ وَحده فَكَانَ لَهُ فَسخه كالمضمون لَهُ وَتصرف كل وَاحِد
مِنْهُمَا أَي الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِيهِ أَي الرَّهْن بِغَيْر إِذن
الآخر بَاطِل إِلَّا عتق رَاهن فَيصح سَوَاء كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا
نصا، وَيحرم بِلَا إِذن مُرْتَهن لإبطال حَقه من عين الرَّهْن وَتُؤْخَذ
قِيمَته أَي الرَّهْن مِنْهُ أَي الرَّاهِن تكون مَكَانَهُ رهنا وَكَسبه
ونماؤه الْمُتَّصِل والمنفصل رهن يُبَاع مَعَه فِي وَفَاء الدّين، وَهُوَ
أَي الرَّهْن أَمَانَة فِي يَد مُرْتَهن لَا يضمنهُ إِلَّا بِالتَّعَدِّي
أَو التَّفْرِيط، وَيقبل قَوْله بِيَمِينِهِ فِي عدم ذَلِك، وَإِن تلف بعض
الرَّهْن فباقيه رهن بِجَمِيعِ الْحق وَلَا يَنْفَكّ مِنْهُ شَيْء حَتَّى
يقبض الدّين كُله، وَإِن رهن مَا يَصح رَهنه عِنْد اثْنَيْنِ بدين لَهما
فَكل مِنْهُمَا ارْتهن نصفه ف مَتى وَفِي رَاهن أَحدهمَا أَي المرتهنين
دينه انْفَكَّ فِي نصِيبه أَو رهناه أَي رهن اثْنَان شَيْئا وَاحِدًا
فاستوفي الْمُرْتَهن من أَحدهمَا دينه انْفَكَّ الرَّهْن فِي نصِيبه أَي
الموفي لما عَلَيْهِ،
(1/419)
وَإِذا حل الدّين وَامْتنع مَدين من وفائه
أَي الدّين فَإِن كَانَ الرَّاهِن قد أذن لمرتهن فِي بَيْعه أَي الرَّهْن
أَو أذن لغيره وَلم يرجع عَن إِذْنه بَاعه أَي الرَّهْن مَأْذُون لَهُ من
مُرْتَهن وَغَيره، وَإِلَّا يكن إِذن أَو أذن وَرجع أجبر مَدين أَي أجْبرهُ
حَاكم على الْوَفَاء من غير الرَّهْن أَو أجبر على بيع الرَّهْن ليوفى من
ثمنه فَأن أَبى الْوَفَاء وَالْبيع حبس أَو عزّر أَي حَبسه حَاكم أَو عزره
حَتَّى يفعل مَا أَمر بِهِ فَإِن أصر على الِامْتِنَاع من كل مِنْهُمَا
بَاعه الرَّهْن حَاكم نصا بِنَفسِهِ أَو أَمِينه لتعينه طَرِيقا لأَدَاء
الْوَاجِب ووفى دينه لقِيَامه مقَام الْمُمْتَنع. وغائب فِي الحكم كممتنع.
وَلَا يَبِيعهُ مُرْتَهن إِلَّا بِإِذن ربه أَو الْحَاكِم وَيصِح جعله بيد
عدل معِين جَائِز التَّصَرُّف من مُسلم وَكَافِر عدل أَو فَاسق ذكر أَو
أُنْثَى لِأَنَّهُ تَوْكِيل فِي قبض فِي عقد فَجَاز كَغَيْرِهِ، وَإِن شَرط
الرَّاهِن إِن لَا يُبَاع الرَّهْن إِذا حل الدّين لم يَصح الشَّرْط
لمنافاته الرَّهْن وَلم يفْسد العقد، أَو شَرط للْمُرْتَهن أَنه إِن
جَاءَهُ بِحقِّهِ فِي وَقت كَذَا وَإِلَّا فالرهن لَهُ أَي للْمُرْتَهن
يَأْخُذهُ بِالدّينِ لم يَصح الشَّرْط وَلم يفْسد العقد بل يلْزمه
الْوَفَاء، أَن يَأْذَن للْمُرْتَهن فِي بيع الرَّهْن أَو يَبِيعهُ هُوَ
بِنَفسِهِ فَإِن أصر بَاعه حَاكم كَمَا تقدم، ولمرتهن أَن يركب مَا أَي
حَيَوَانا يركب كفرس وبعير بِقدر نَفَقَته وَله أَن يحلب مَا يحلب واسترضاع
أمة بِقدر نَفَقَته متحريا الْعدْل نصا، وَلَا ينهكه نصا، بِلَا إِذن
الرَّاهِن وَلَو حَاضرا وَلم يمْتَنع. ومئونة الرَّهْن وَأُجْرَة مخزنه
ورده من إباقه وكفنه وَبَقِيَّة تَجْهِيزه إِن مَاتَ وسقيه وتلقيحه وزباره
وجذاذه ورعي مَاشِيَة ومداواته لمَرض وجرح وختانه على الرَّاهِن،
(1/420)
وَإِن أنْفق مُرْتَهن عَلَيْهِ أَي
الرَّهْن بِلَا إِذن رَاهن ليرْجع عَلَيْهِ مَعَ إِمْكَانه لاستئذانه لم
يرجع وَلَو نوى الرُّجُوع لِأَنَّهُ مُتَبَرّع ومفرط بِعَدَمِ
الاسْتِئْذَان، وَإِلَّا يقدر على اسْتِئْذَانه لغيبته أَو تواريه وَنَحْو
ذَلِك فأنفق رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِمَّا أنفقهُ على رهن وَمن نَفَقَة مثله
إِن نَوَاه أَي الرُّجُوع وَلَو لم يسْتَأْذن حَاكما مَعَ قدرته عَلَيْهِ
وَلَو لم يشْهد، وحيوان معار ومؤجر ومودع ومشترك بيد أَحدهمَا بِإِذن الآخر
إِذا أنْفق عَلَيْهِ مستعير ومستأجر ووديع وَشريك كرهن فِيمَا سبق
تَفْصِيله، وَإِن مَاتَ فَكَفنهُ مُرْتَهن فَكَذَلِك وَلَو خرب الرَّهْن
كدار انْهَدَمت فعمره مُرْتَهن رَجَعَ معمر بآلته فَقَط لِأَنَّهَا ملكه،
لَا بِمَا يحفظ بِهِ مَالِيَّة الدَّار كَثمن مَاء ورماد وطين وجص ونورة
وَأُجْرَة معمرين إِلَّا بِإِذن مَالِكهَا. وَإِن جنى رهن تعلق الْأَرْش
بِرَقَبَتِهِ، فَإِن استغرقه خير سَيّده بَين فدائه بِالْأَقَلِّ مِنْهُ
وَمن قِيمَته وَالرَّهْن بِحَالهِ أَو بَيْعه فِي الْجِنَايَة أَو
تَسْلِيمه فِيهَا لاستقرار كَونه عوضا عَنْهَا بذلك فَيبْطل كَونه محلا
للرَّهْن كَمَا لَو تلف أَو بَان مُسْتَحقّا وَإِن لم يسْتَغْرق أرش
الْجِنَايَة الرَّهْن بيع مِنْهُ بِقَدرِهِ وَبَاقِيه رهن، فَإِن تعذر بيع
بعضه أَو نقص بتشقيق بيع كُله وَبَاقِي ثمنه رهن. وَمن قبض الْعين لحظ
نَفسه كمرتهن وأجير ومستأجر ومشتر وبائع وغاصب وملتقط ومقترض ومضارب
وَادّعى الرَّد للْمَالِك فَأنكرهُ لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة.
(1/421)
فصل فِي أَحْكَام الضَّمَان وَالْكَفَالَة
وَالْحوالَة. الضَّمَان جَائِز إِجْمَاعًا فِي الْجُمْلَة، وَيصِح ضَمَان
جَائِز التَّصَرُّف مَا أَي مَالا وَجب على غَيره كَثمن وقرض وَقِيمَة
متْلف مَعَ بَقَائِهِ على مَضْمُون عَنهُ فَلَا يسْقط بِالضَّمَانِ أَو
ضَمَان مَا سيجب على غَيره كجعل على عمل. وَلَا يَصح ضَمَان جِزْيَة سَوَاء
كَانَ قبل وُجُوبهَا أَو بعده من مُسلم أَو كَافِر لفَوَات الصغار عَن
الْمَضْمُون بِدفع الضَّامِن. وَلَا دين كِتَابَة. وَيحصل الِالْتِزَام
بِلَفْظ أَنا ضمين وكفيل وقبيل وحميل وصبير وزعيم، وضمنت دينك أَو تحملته
وَنَحْوه، وَيصِح بِإِشَارَة مفهومة من أخرس وَشرط لصِحَّة الضَّمَان
رِضَاء ضَامِن لِأَن الضَّمَان تبرع بِالْتِزَام الْحق فَاعْتبر لَهُ
الرِّضَا كالتبرع بالأعيان فَقَط أَي لَا يشْتَرط رِضَاء مَضْمُون عَنهُ
وَلَا رِضَاء مَضْمُون لَهُ لِأَنَّهُ وَثِيقَة لَا يعْتَبر لَهَا قبض فَلم
يعْتَبر لَهَا رِضَاء كَالشَّهَادَةِ. وَلَا معرفَة ضَامِن لمضمون لَهُ
ومضمون عَنهُ وَلَا الْعلم بِالْحَقِّ
(1/422)
ولرب الْحق مُطَالبَة من شَاءَ مِنْهُمَا
أَي الضَّامِن والمضمون عَنهُ لثُبُوت الْحق فِي ذمتيهما، ومطالبتهما مَعًا
فِي الْحَيَاة وَالْمَوْت، لَكِن لَو ضمن إِنْسَان دينا حَالا إِلَى أجل
مَعْلُوم صَحَّ وَلم يُطَالب بِهِ قبل مضيه. فَإِن قيل: عنْدكُمْ الْحَال
لَا يُؤَجل فَكيف يُؤَجل على الضَّامِن أَو كَيفَ يثبت فِي ذمَّته على غير
الْوَصْف الَّذِي يَتَّصِف بِهِ فِي ذمَّة الْمَضْمُون عَنهُ فَالْجَوَاب
أَن الْحق يتأجل من ابْتِدَاء ثُبُوته إِذا كَانَ بِعقد وَلم يكن على
الضَّامِن حَالا ثمَّ تأجل، وَيجوز تخَالف مَا فِي الذمتين بِدَلِيل مَا
لَو مَاتَ الْمَضْمُون عَنهُ وَالدّين مُؤَجل. إِذا ثَبت هَذَا وَكَانَ
الدّين مُؤَجّلا إِلَى شهر فضمنه إِلَى شَهْرَيْن لم يكن لَهُ أَن
يُطَالِبهُ إِلَى مضيهما. انْتهى. وَيصِح ضَمَان عُهْدَة الثّمن وَالثمن
إِن ظهر بِهِ عيب أَو خرج مُسْتَحقّا وَضَمان الْمَقْبُوض على وَجه السّوم
وَهُوَ أَن يساوم إِنْسَان على عين وَيقطع ثمنهَا أَو لم يقطعهُ ثمَّ
يَأْخُذهَا ليريها أَهله فَإِن رَضوا أَخذهَا وَإِلَّا ردهَا لِأَنَّهُ
مَضْمُون مُطلقًا. وَإِن أَخذ شَيْئا بِإِذن ربه ليريه أَهله فَإِن رَضوا
بِهِ أَخذه وَإِلَّا رده من غير مساومة وَلَا قطع ثمن فَلَا يضمن إِذا تلف
وَلَا تَفْرِيط، وَلَا يَصح ضَمَانه بل التَّعَدِّي فِيهِ من قبيل
الْأَمَانَات وَتقدم حكمهَا أول الْفَصْل. وَإِن قضى الضَّامِن مَا على
الْمَدِين وَنوى الرُّجُوع عَلَيْهِ رَجَعَ وَلَو لم يَأْذَن لَهُ فِي
الضَّمَان وَالْقَضَاء. وَإِن لم ينْو فَلَا رُجُوع لَهُ وَلَو ضمنه
بِإِذْنِهِ. وَمن ضمن أَو كفل شخصا ثمَّ قَالَ لم يكن عَلَيْهِ حق صدق
خَصمه الْمَضْمُون لَهُ أَو الْمَكْفُول بِيَمِينِهِ فَإِن نكل قضى
عَلَيْهِ بِبَرَاءَة الضمين والأصيل. وَإِن برىء الْمَضْمُون برىء ضامنه
وَلَا عكس.
(1/423)
وَلَو ضمن اثْنَان فَأكْثر وَاحِدًا،
وَقَالَ وَاحِد: ضمنت لَك الدّين، كَانَ لرَبه طلب كل وَاحِد بِالدّينِ
كُله، وَإِن قَالَا: ضمنا لَك الدّين، فبينهما بِالْحِصَصِ. وَتَصِح
الْكفَالَة وَهِي مصدر كفل بِمَعْنى الْتزم وَشرعا أَن يلْتَزم رشيد ب
إِحْضَار بدن من عَلَيْهِ حق مَالِي من دين أَو عَارِية وَنَحْوهمَا إِلَى
ربه. وتنعقد بِمَا ينْعَقد بِهِ الضَّمَان. وَإِن ضمن مَعْرفَته أَخذ بِهِ،
وَتَصِح بِكُل عين يَصح ضَمَانهَا كالمغصوب والعواري لَا ببدن من عَلَيْهِ
حد أَو قصاص وَلَا بِغَيْر معِين كَأحد هذَيْن وَشرط لصحتها رِضَاء كَفِيل
فَقَط لَا مكفول بِهِ وَلَا مكفول لَهُ كضمان. وَتَصِح حَالَة ومؤجلة فَإِن
أطلق كَانَت حَالَة فَإِن سلم كَفِيل مكفولا بِهِ لمكفول لَهُ بِمحل العقد
وَقد حل الْأَجَل أَو لَا وَلَا ضَرَر وَلَيْسَ ثمنه يَد حائلة ظالمة أَو
سلم نَفسه برىء كَفِيل أَو مَاتَ مكفول بِهِ برىء كَفِيل لسُقُوط الْحُضُور
عَنهُ بِمَوْتِهِ أَو تلفت الْعين الْمَضْمُونَة الَّتِي تكفل ببدن من هِيَ
عِنْده بِفعل الله تبَارك وَتَعَالَى قبل طلب لَهَا برِئ كَفِيل لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَة موت الْمَكْفُول. وَإِن تعذر على الْكَفِيل إِحْضَار
الْمَكْفُول مَعَ بَقَائِهِ بِأَن توارى أَو غَابَ أَو امْتنع أَو غير
ذَلِك ومضي زمن يُمكن رده فِيهِ أَو زمن عينه ضمن مَا عَلَيْهِ. والسجان
كالكفيل فَيغرم إِن هرب الْمَحْبُوس وَعجز عَن إِحْضَاره.
وَتجوز الْحِوَالَة، واشتقاقها من التَّحَوُّل لِأَنَّهَا تحول الْحق من
ذمَّة الْمُحِيل إِلَى ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ. وَهِي عقد إرفاق، وَشرعا
انْتِقَال مَال من ذمَّة إِلَى ذمَّة بلفظها كأحلتك بِدينِك أَو بمعناها
الْخَاص بهَا كأتبعتك دينك على زيد وَنَحْوه.
(1/424)
وشروطها خَمْسَة: أَحدهَا مَا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله على دين مُسْتَقر فَلَا تصح على مَال سلم أَو رَأسه بعد فسخ
وَلَا على صدَاق قبل دُخُول. وَلَا يشْتَرط اسْتِقْرَار المَال الْمحَال
بِهِ. الثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله إِن اتّفق الدينان جِنْسا
ووقتا ووصفا وَقدرا فَلَا يَصح أَن يحِيل بِدَنَانِير على دَرَاهِم وَلَا
بِحَال على مُؤَجل وَلَا بصحاح على مكسرة وَلَا بِعشْرَة على خَمْسَة
وَعَكسه، وَتَصِح الْحِوَالَة بِخَمْسَة على خَمْسَة من عشرَة وَيصِح عَكسه
كَأَن يحِيل بِخَمْسَة من عشرَة على خَمْسَة. وَلَا يضر اخْتِلَاف سببي
الدينَيْنِ. وَالثَّالِث علم قدر كل من الدينَيْنِ الْمحَال بِهِ والمحال
عَلَيْهِ لاعْتِبَار التَّسْلِيم، والجهالة تمنع مِنْهُ. وَالرَّابِع كَون
الْمحَال عَلَيْهِ يَصح السّلم فِيهِ من مثلي وَغَيره ومعدود. وَالْخَامِس
مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَيعْتَبر رِضَاء محيل لِأَن الْحق عَلَيْهِ
فَلَا يلْزمه أَدَاؤُهُ من جِهَة الدّين على الْمحَال عَلَيْهِ وَيعْتَبر
أَيْضا رِضَاء محتال بالحوالة على غير ملىء فَإِن أُحِيل على ملىء لم
يعْتَبر وضاه وَيجْبر على اتِّبَاعه نصا، والملىء الَّذِي يجْبر محتال على
اتِّبَاعه الْقَادِر بِمَالِه وَقَوله وبدنه نصا، فَفِي مَاله الْقُدْرَة
على الْوَفَاء، وَفِي قَوْله أَن لَا يكون مماطلا، وَفِي بدنه إِمْكَان
حُضُوره لمجلس الحكم فَلَا يلْزم أَن يحتال على وَالِده وَلَا على من هُوَ
فِي غير بَلَده وَلَا أَن يحِيل على أَبِيه.
(1/425)
وَإِن ظَنّه مليئا وجهله فَبَان مُفلسًا
رَجَعَ على محيل وَلم يجْبر على اتِّبَاعه، فَمَتَى توفرت الشُّرُوط برىء
الْمُحِيل من الدّين بِمُجَرَّد الْحِوَالَة وَلَو أفلس الْمحَال عَلَيْهِ
بعد ذَلِك أَو مَاتَ أَو جحد الدّين وَعَلِيهِ الْمُحْتَال أَو صدق
الْمُحِيل أَو ثَبت بِبَيِّنَة فَمَاتَتْ وَنَحْوه وَإِلَّا فَلَا يقبل
قَول محيل فِيهِ بِمُجَرَّدِهِ فَلَا يبرأ بهَا. وَإِن لم تتوفر الشُّرُوط
لم تصح الْحِوَالَة وَإِنَّمَا تكون وكَالَة.
(1/426)
فصل. وَالصُّلْح لُغَة التَّوْفِيق
وَالسّلم بِفَتْح السِّين وَكسرهَا أَي قطع الْمُنَازعَة. وَشرعا معاقدة
يتَوَصَّل بهَا إِلَى مُوَافقَة بَين مُخْتَلفين. وَهُوَ جَائِز
بِالْإِجْمَاع. وَهُوَ خَمْسَة أَنْوَاع، بَين الْمُسلمين وَأهل الْحَرْب،
وَبَين أهل عدل وبغي، وَبَين زَوْجَيْنِ خيف شقَاق بَينهمَا أَو خَافت
إعراضه، وَبَين متخاصمين فِي غير مَال، وَالْخَامِس مَا أَشَارَ إِلَيْهِ
بقوله فِي الْأَمْوَال وَهُوَ المُرَاد هَهُنَا. وَلَا يَقع فِي الْغَالِب
إِلَّا عَن انحطاط رُتْبَة إِلَى مَا دونهَا على سَبِيل المداراة لحُصُول
بعض الْغَرَض. وَهُوَ من أكبر الْعُقُود فَائِدَة، وَلذَلِك حسن فِيهِ
الْكَذِب. وَهُوَ فِي الْأَمْوَال قِسْمَانِ: أَحدهمَا يكون على
الْإِقْرَار، وَهُوَ أَي الصُّلْح على الْإِقْرَار نَوْعَانِ: أَحدهمَا
الصُّلْح على جنس الْحق الْمقر بِهِ مثل أَن يقر جَائِز التَّصَرُّف لَهُ
بدين مَعْلُوم أَو يقر لَهُ بِعَين بِيَدِهِ فَيَضَع الْمقر الْعين الْمقر
بهَا وَيَأْخُذ الْمقر لَهُ الْبَاقِي من الدّين وَالْعين فَيصح ذَلِك
مِمَّن يَصح تبرعه لِأَنَّهُ جَائِز التَّصَرُّف لَا يمْنَع من إِسْقَاط
بعض حَقه أَو هِبته كَمَا لَا يمْنَع من اسْتِيفَائه، وَقد كلم النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ
(1/427)
وَسلم غُرَمَاء جَابر ليضعوا عَنهُ، فَيصح
إِن كَانَ بِغَيْر لفظ صلح لِأَنَّهُ هضم للحق وَبلا شَرط مثل أَن يَقُول
لَهُ: على أَن تُعْطِينِي فَإِن فعل ذَاك لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يَصح
تَعْلِيق الْهِبَة وَالْإِبْرَاء بِشَرْط. وَلَا يَصح الصُّلْح بأنواعه
مِمَّن لَا يَصح تبرعه كمكاتب وَمن مَأْذُون لَهُ فِي تِجَارَة وَولي
يَتِيم وناظر وقف وَنَحْوهم إِلَّا إِن أنكر من عَلَيْهِ الْحق وَلَا
بَيِّنَة لمدعيه، لِأَن اسْتِيفَاء الْبَعْض عَن الْعَجز عَن اسْتِيفَاء
الْكل أولى من التّرْك، وَيصِح من ولى عَمَّا ادّعى بِهِ على موليه وَبِه
بَيِّنَة فَيدْفَع الْبَعْض وَيَقَع الْإِبْرَاء أَو الْهِبَة فِي
الْبَاقِي لِأَنَّهُ مصلحَة، فَإِن لم يكن بِهِ بَيِّنَة لم يُصَالح عَنهُ
وَظَاهره وَلَو علمه الْوَلِيّ. وَلَا يَصح الصُّلْح عَن دين مُؤَجل
بِبَعْضِه نصا إِلَّا فِي كِتَابَة إِذا عجل الْمكَاتب لسَيِّده بعض
كِتَابَة عَنْهَا لِأَن الرِّبَا لَا يجرى بَينهمَا فِي ذَلِك. وَإِن وضع
رب دين بعض دين حَال وَأجل بَاقِيه صَحَّ الْوَضع لَا التَّأْجِيل، وَإِن
قَالَ لَهُ أقرّ لي بدين وَأُعْطِيك مِنْهُ مائَة فَأقر صَحَّ الْإِقْرَار
وَلزِمَ الدّين وَلم يلْزمه أَن يُعْطِيهِ شَيْئا. وَالنَّوْع الثَّانِي من
نَوْعي الصُّلْح على الْإِقْرَار أَن يُصَالح على غير جنسه الْحق، بِأَن
أقرّ بِعَين أَو دين ثمَّ صَالحه عَنهُ بِغَيْر جنسه فَهُوَ مُعَاوضَة تصح
بِلَفْظ الصُّلْح فَإِن كَانَ بأثمان عَن أَثمَان فَهُوَ صرف لَهُ حكمه
لِأَن بيع أحد النَّقْدَيْنِ بِالْآخرِ فَيشْتَرط لَهُ الْقَبْض فِي
الْمجْلس. وَإِن كَانَ بِعرْض عَن نقد وَعَكسه بِأَن صَالح بِنَقْد عَن عرض
أَو بِعرْض عَن عرض فَهُوَ بيع تثبت فِيهِ أَحْكَام البيع.
(1/428)
وَالصُّلْح عَن دين يَصح بِغَيْر جنسه
بِأَكْثَرَ من الدّين وَأَقل مِنْهُ بِشَرْط الْقَبْض قبل التَّفَرُّق
لِئَلَّا يصير بيع دين بدين. وَيحرم بِجِنْسِهِ إِذا كَانَ مَكِيلًا أَو
مَوْزُونا بِأَكْثَرَ أَو أقل على سيل الْمُعَاوضَة لِأَنَّهُ رَبًّا لَا
ناقل على سَبِيل الْإِبْرَاء والحطيطة فَيصح كَمَا لَو أَبرَأَهُ من الْكل.
وَيصِح الصُّلْح عَمَّا تعذر علمه من دين كمن بَينهمَا مُعَاملَة أَو
حِسَاب مضى عَلَيْهِ زمن طَوِيل كقفيز حِنْطَة وقفيز شعير اختلطا وطحنا
بِمَال مَعْلُوم حَال أَو نَسِيئَة، فَإِن لم يتَعَذَّر علمه فكبراءة من
مَجْهُول جزم بِهِ فِي التَّنْقِيح وَتَبعهُ فِي الْمُنْتَهى وَقدمه فِي
الْفُرُوع، قَالَ فِي التَّلْخِيص: وَقد نزل أَصْحَابنَا الصُّلْح عَن
الْمَجْهُول الْمقر بِهِ بِمَعْلُوم منزلَة الْإِبْرَاء من الْمَجْهُول
فَيصح على الْمَشْهُور لقطع النزاع، وَظَاهر كَلَامه فِي الْإِنْصَاف أَن
الصَّحِيح الْمَنْع لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ وَلِأَن الْأَعْيَان لَا تقبل
الْإِبْرَاء وَقطع بِهِ فِي الْإِقْنَاع، قَالَ فِي الْفُرُوع وَهُوَ ظَاهر
نصوصه. وَالْقسم الثَّانِي من قسمي الصُّلْح فِي الْأَمْوَال الصُّلْح على
الْإِنْكَار، بِأَن يَدعِي إِنْسَان عَلَيْهِ أَي على آخر عينا فِي يَده
أَو دينا فِي ذمَّته فينكر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَو يسكت وَهُوَ يجهل مَا
ادّعى بِهِ عَلَيْهِ ثمَّ يصالحه على نقد أَو نَسِيئَة لِأَن الْمُدَّعِي
ملْجأ إِلَى التَّأْخِير بِتَأْخِير خَصمه فَيصح الصُّلْح وَيكون صلح
الْإِنْكَار إِبْرَاء فِي حَقه أَي الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بذل
الْعِوَض لدفع الْخُصُومَة عَن نَفسه لَا فِي مُقَابلَة حق تثبت عَلَيْهِ
فَلَا شُفْعَة فِيهِ وَلَا يسْتَحق لعيبه شَيْئا وَيكون الصُّلْح بيعا فِي
حق مُدع فَلهُ رد الْمصَالح بِهِ عَمَّا ادَّعَاهُ بِعَيْب يجده فِيهِ
لِأَنَّهُ أَخذه على أَنه عوض عَمَّا ادَّعَاهُ وانفسخ الصُّلْح وَإِن وَقع
على عينه وَإِلَّا طَالب بِبَدَلِهِ
(1/429)
وَمن علم كذب نَفسه من مُدع ومدعى عَلَيْهِ
فَالصُّلْح بَاطِل فِي حَقه أما الْمُدَّعِي فَلِأَن الصُّلْح مَبْنِيّ على
دَعْوَاهُ الْبَاطِلَة، وَأما الْمُدعى عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ مَبْنِيّ على
جَحده حق الْمُدعى ليَأْكُل مَا ينقصهُ بِالْبَاطِلِ، وَمَا أَخذ فَحَرَام
لِأَنَّهُ أكل مَال الْغَيْر بِالْبَاطِلِ، وَلَا يشْهد لَهُ الشَّاهِد
بِهِ إِن علم ظلمه لِأَنَّهُ أَعَانَهُ على بَاطِل. وَمن ادّعى عَلَيْهِ
بِمَال فَأنكرهُ ثمَّ قَالَ صالحني عَن الْملك الَّذِي تدعيه لم يكن مقرا
بِهِ، وَإِن صَالح أَجْنَبِي عَن مُنكر الدَّعْوَى صَحَّ الصُّلْح أذن لَهُ
الْمُنكر أَو لَا لَكِن لَا يرجع عَلَيْهِ بِدُونِ إِذْنه. وَمن صَالح عَن
دَار وَنَحْوهَا فَبَان الْعِوَض مُسْتَحقّا رَجَعَ بِالدَّار مَعَ
الْإِقْرَار بِالدَّعْوَى، قَالَ فِي الرِّعَايَة: أَو قيمَة الْمُسْتَحق
الْمصَالح بِهِ مَعَ الْإِنْكَار. وَلَا يَصح الصُّلْح عَن خِيَار أوشفعة
أَو حد قذف وَتسقط جَمِيعهَا، وَلَا أَن يُصَالح شاربا أَو سَارِقا أَو
زَانيا لِيُطْلِقَهُ أَو شَاهدا ليكتم شَهَادَته.
(1/430)
3 - (فصل)
فِي حكم الْجوَار. بِكَسْر الْجِيم وصمها مصدر جاور وَأَصله الْمُلَازمَة.
وَقَالَ رَسُول الله: (مَا زَالَ جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت
أَنه سيورثه) وَإِذا حصل فِي أرضه أَو على جِدَاره أَو فِي هوائه
الْمَمْلُوك لَهُ هُوَ أَو بعضه أَو منفعَته غُصْن شَجَرَة غَيره أَو غرفته
أَي غرفَة غَيره لزمَه رب الْغُصْن والغرفة إِزَالَته أَي الْغُصْن برده
إِلَى نَاحيَة أُخْرَى أَو قطعه سَوَاء أثر ضَرَره أَو لَا ليخلي ملكه
الْوَاجِب إخلاؤه، والهواء تَابع للقرار وَلَزِمَه إِزَالَة الغرفة أَيْضا
وَضمن رب غُصْن أَو غرفَة مَا تلف بِهِ بعد طلب إِزَالَته ليصيرورته
مُتَعَدِّيا بإبقائه فَإِن أَبى إِزَالَته لم يجْبر فِي الْغُصْن لِأَن
حُصُوله فِي هوائه لَيْسَ من فعله، ولواه أَي الْغُصْن ربه وجوبا فَإِن
أمكن ليه وَنَحْوه لم يجز لرب الأَرْض أَن الْهَوَاء إِتْلَاف كالبهيمة
الصائلة إِذا اندفعت بِدُونِ الْقَتْل، فَإِن أتْلفه فِي هَذِه الْحَالة
فَعَلَيهِ غرمه لتعديه وَإِن لم يُمكن
(1/431)
ليه فَلهُ أَي لرب الأَرْض أَو الْهَوَاء
قِطْعَة أَي الْغُصْن بِلَا حكم حَاكم وَلَا غرم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا
يلْزمه إِقْرَار مَال غَيره فِي ملكه بِلَا رِضَاهُ، وَلَا يَصح صلح رب
الْغُصْن وَلَا من مَال حَائِطه أَو زلق خشبه إِلَى ملك غَيره عَن ذَلِك
بعوض وَيجوز فتح بَاب لاستطراق إِذا كَانَ فِي درب نَافِذ لَا فِي غير
نَافِذ إِلَّا بِإِذن أَهله، وَيجوز نقل بَاب فِي غير نَافِذ إِلَى أَوله
بِلَا ضَرَر كمقابلة بَاب غَيره وَنَحْوه لَا إِلَى دَاخل مِنْهُ نصا إِن
لم يَأْذَن من فَوْقه. . وَإِن أذن من فَوْقه جَازَ وَيكون إِعَارَة
لَازِمَة فَلَا رُجُوع للآذن بعد بِفَتْح الدَّاخِل وسد الأول، وَلَا يجوز
إِخْرَاج جنَاح إِلَى نَافِذ وَهُوَ الروشن على أَطْرَاف خشب أَو حجر
مدفونة فِي الْحَائِط وَلَا إِخْرَاج ساباط وَهُوَ سَقِيفَة بَين حائطين
تحتهَا طَرِيق وَلَا إِخْرَاج ميزاب بنافذ إِلَّا بِإِذن إِمَام أَو
نَائِبه مَعَ أَمن الضَّرَر فِيهِنَّ، وَلَا إِخْرَاج دكان بِضَم الدَّال
الْمُهْملَة وَلَا دكة بِفَتْحِهَا قَالَه فِي الْقَامُوس بطرِيق نَافِذ
سَوَاء أضرّ بالمارة أَو لَا لِأَنَّهُ إِن لم يضر حَالا فقد يضر مَآلًا،
وَسَوَاء أذن فِيهِ الإِمَام أَو لَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَن يَأْذَن
فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مصلحَة لَا سِيمَا مَعَ احْتِمَال أَن يضر فَيضمن مَا
يتْلف بذلك لتعد، وَفعل ذَلِك مُبْتَدأ أَي إِخْرَاج جنَاح وساباط وميزاب
ودكان أَو دكة فِي ملك جَار أَو هوائه وَفِي درب مُشْتَرك أَي غير نَافِذ
وَفتح بَاب فِيهِ لاستطراق حرَام خبر بِلَا إِذن مُسْتَحقّ للدرب لِأَنَّهُ
ملكهم فَلم يجز التَّصَرُّف فِيهِ إِلَّا بإذنهم. وَيجوز الصُّلْح عَن
ذَلِك بعوض لِأَنَّهُ حق لمَالِكه الْخَاص وَلأَهل
(1/432)
الدَّرْب فَجَاز أَخذ الْعِوَض عَنهُ
كَسَائِر الْحُقُوق، وَمحله فِي الْجنَاح وَنَحْوه إِن علم مِقْدَار
خُرُوجه وعلوه. وَيحرم على الْجَار أَن يحدث بِملكه مَا يضر بجاره كحمام
ورحى وتنور لحَدِيث (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) وَهَذَا إِضْرَار بجاره ولجاره
مَنعه من ذَلِك بِخِلَاف طبخ وخبز فِيهِ فَلَا يمْنَع مِنْهُ لدعاء
الْحَاجة إِلَيْهِ وضرره يسير لَا سِيمَا بالقرى، وَمن لَهُ حق مَاء يجْرِي
على سطح جَاره لم يجز لجاره تعلية سطحه فَيمْنَع جرى المَاء أَو ليكْثر
ضَرَره. وَيحرم تصرف فِي جِدَار جَار أَو مُشْتَرك بِفَتْح روزنة أَو طاق
أَو ضرب وتد وَنَحْوه إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَكَذَا يحرم وضع خشب على جِدَار
جَار مُشْتَرك إِلَّا ب أَن لَا يُمكن تسقيف إِلَّا بِهِ ضَرَر ف يجوز نصا
وَلَو ليتيم أَو مَجْنُون وَيجْبر رب الْجِدَار أَو الشَّرِيك إِن أَبى،
وَمَسْجِد فِي حكم مَا تقدم كدار نصا لِأَنَّهُ إِذا جَازَ فِي ملك
الْآدَمِيّ مَعَ شحه وضيقه فَحق الله تَعَالَى أولى. وللإنسان أَن يسْتَند
إِلَى حَائِط غَيره ويسند قماشه وَيجْلس فِي ظله وَنظر فِي ضوء سراجه وَإِن
طلب شريك فِي حَائِط انْهَدم طلقا كَانَ أَو وَقفا أَو فِي سقف انْهَدم
مشَاعا بَينهمَا أَو بَين سفل أَحدهمَا وعلو الآخر شَرِيكه فِيهِ مفعول طلب
للْبِنَاء مَعَه أَي الطَّالِب أجبر جَوَاب الشَّرْط الْمَطْلُوب على
الْبناء مَعَه نصا ك مَا يجْبر على نقض خوف سُقُوط الْحَائِط
(1/433)
أَو السّقف دفها للضَّرَر، فَإِن أَبى أَخذ
حَاكم من مَاله وَأنْفق، فَإِن تعذر اقْترض عَلَيْهِ وَإِن بناه شريك
بِإِذن شريك أَو بِإِذن حَاكم أَو بِدُونِ إذنهما بنية الرُّجُوع على
شَرِيكه وبناه شركَة رَجَعَ على شَرِيكه مِمَّا أنْفق على حِصَّته، وَإِن
بناه لنَفسِهِ بآلته أَي المنهدم فشركة بَينهمَا، وَإِن بناه لنَفسِهِ
بِغَيْر آلَة المنهدم فالبناء لَهُ خَاصَّة وَله نقضه لَا إِن دفع لَهُ
شَرِيكه نصف قِيمَته، لِأَنَّهُ يجْبر على الْبناء فجبر على الْإِيفَاء،
وَكَذَا فِي الحكم نهر وَنَحْوه أَي كبئر ودولاب وناعورة وقناة مُشْتَركَة
بَين اثْنَيْنِ فَأكْثر فَيجْبر الشَّرِيك على الْعِمَارَة إِن امْتنع،
وَفِي النَّفَقَة مَا سبق تَفْصِيله، وَإِن عجز قوم عَن عمَارَة قناتهم أَو
نَحْوهَا فأعطوها لمن يعمرها وَيكون لَهُ مِنْهَا جُزْء مَعْلُوم كَنِصْف
وَربع صَحَّ، وَكَذَا إِن لم يعْجزُوا، وَمن لَهُ علو أَو طبقَة ثَالِثَة
لم يُشَارك فِي بِنَاء مَا انْهَدم تَحْتَهُ من سفل أَو وسط وأجبر مَالِكه
على بنائِهِ ليتَمَكَّن رب الْعُلُوّ من انتفاعه بِهِ. وَيلْزم الْأَعْلَى
ستْرَة تمنع مشارفة الْأَسْفَل، فَإِن لم يكن أَحدهمَا أَعلَى من الآخر
اشْتَركَا فِيهَا. وَإِن هدم الشَّرِيك الْبناء وَكَانَ لخوف سُقُوطه فَلَا
شَيْء عَلَيْهِ لشَرِيكه لوُجُوب هَدمه إِذا، وَإِلَّا لَزِمته إِعَادَته
كَمَا كَانَ لتعديه على حِصَّة شَرِيكه. وَإِن أهمل بِنَاء حَائِط بُسْتَان
اتفقَا على بنائِهِ مِمَّا تلف من ثَمَرَته ضمن حِصَّة شَرِيكه.
(1/434)
فصل فِي الْحجر مَا يتَعَلَّق بِهِ. وَهُوَ
بِالْفَتْح وَالْكَسْر، لُغَة التَّضْيِيق وَالْمَنْع، وَمِنْه سمى
الْحَرَام حجرا قَالَ الله تَعَالَى 19 ((وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا))
أَي حَرَامًا محرما لِأَنَّهُ مَمْنُوع مِنْهُ، وسمى الْعقل حجرا لِأَنَّهُ
يمْنَع صَاحبه من ارْتِكَاب مَا يقبح وتضر عاقبته. وَشرعا منع الْمَالِك من
التَّصَرُّف فِي مَاله، سَوَاء كَانَ الْمَنْع من قبل الشَّرْع كالصغير
وَالْمَجْنُون وَالسَّفِيه أَو الْحَاكِم كمنعه المُشْتَرِي من التَّصَرُّف
فِي مَاله حَتَّى قضى الثّمن الْحَال. والمفلس لُغَة من لَا مَال وَلَا مَا
يدْفع بِهِ حَاجته، وَعند الْفُقَهَاء من دينه أَكثر من مَاله. وَالْحجر
نَوْعَانِ: أَحدهمَا لحق الْغَيْر كعلى مُفلس وراهن ومريض وقن ومكاتب ومرتد
ومشتر بعد طلب الشَّفِيع وَنَحْو ذَلِك، الثَّانِي لَحْظَة نَفسه كعلى
صَغِير وَمَجْنُون وسفيه وَيَأْتِي وَلَا يُطَالب وَلَا يحْجر بدين لم يحل.
ولغريم من أَرَادَ سفرا طَويلا وَلَيْسَ بِدِينِهِ رهن يحرز أَو كَفِيل
ملىء
(2/435)
مَنعه حَتَّى يوثقه بِأَحَدِهِمَا وَلَو
غير مخوف أَو لَا يحل قبل مدَّته قَالَه فِي الْإِقْنَاع، وَلم يُقيد فِي
الْمُنْتَهى بالطويل تبعا لأكْثر الْأَصْحَاب. وَلَا يملك تَحْلِيله إِن
أحرم. وَيجب وَفَاء دين حَال بِطَلَب ربه فَوْرًا على قَادر فَلَا يترخص من
سَافر قبله ويمهل بِقدر مَا يتَمَكَّن بِهِ من الْوَفَاء، ويحتاط إِن خيف
هروبه بملازمته أَو كَفِيل ملىء أَو ترسيم، وَكَذَا لَو طلب مَحْبُوس
تَمْكِينه من الْإِبْقَاء فَيمكن ويحتاط إِن خيف هروبه، أَو توكل إِنْسَان
فِي وَفَاء حق وَطلب الْإِمْهَال لإحضار الْحق فَيمكن مِنْهُ كالموكل،
وَإِن مطل الْمَدِين رب الدّين حَتَّى شكاه وَجب على حَاكم أمره بوفائه
بِطَلَب غَرِيمه وَلم يحْجر عَلَيْهِ وَمَا غرم بِسَبَبِهِ فعلى مماطل.
وَلَو أحضر مدعى عَلَيْهِ مدعى بِهِ فَتَقَع الدَّعْوَى على عينه وَلم يثبت
لمدع لزمَه مُؤنَة إِحْضَاره ورده إِلَى مَحَله لِأَنَّهُ ألجىء إِلَى
ذَلِك. فَإِن أَبى الْمَدِين الْوَفَاء حَبسه وَلَيْسَ لَهُ إِخْرَاجه
حَتَّى يتَبَيَّن أمره، فَإِن كَانَ مُعسرا وَجَبت تخليته وَحرمت
مُطَالبَته وَالْحجر عَلَيْهِ مَا دَامَ مُعسرا، فَإِن أصر على عدم
الْوَفَاء عزره ويكرر حَبسه وتعزيره حَتَّى يَقْضِيه، وَلَا يُزَاد كل
يَوْم على أَكثر من عشرَة أسواط. فَإِن أصر مَعَ ذَلِك بَاعَ مَاله وقضاه،
فَإِن ادّعى الْعسرَة وَلم يصدقهُ رب الدّين وَدينه عَن عوض كَثمن وقرض،
أَو عرض لَهُ مَال سَابق وَالْغَالِب بَقَاؤُهُ، أَو عَن غير عوض كخلع
وصداق وَضَمان وَكَانَ أقرّ أَنه ملىء حبس إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة
بالعسرة، وَيعْتَبر فِي الْبَيِّنَة أَن تخبر بَاطِن حَاله وَلَا يحلف
مَعهَا، وَيَكْفِي فِي الْحَالين أَن
(2/436)
تشهد بالتلف أَو الْإِعْسَار، وَتسمع
بَيِّنَة التّلف ويصدقه على عسرته فَلَا يحبس فِي الْمسَائِل الثَّلَاث
وَهِي مَا إِذا أَقَامَ بَيِّنَة بعسرته، أَو تلف مَاله وَنَحْوه، أَو صدقه
مُدع على ذَلِك. وَإِن أنكر مُدع عسرته وَأقَام بَيِّنَة بقدرته على
الْوَفَاء أَو حلف بِصفة جَوَابه حبس حَتَّى يبرأ أَو تظهر عسرته. وَإِن لم
يكن دينه عَن عوض وَلم يعرف لَهُ مَال الأَصْل بَقَاؤُهُ وَلم يقر أَنه
ملىء وَلم يحلف مُدع طلب يَمِينه أَنه لَا يعلم عسرته، حلف مَدين أَنه لَا
مَال لَهُ وخلى سَبيله. وَلَيْسَ على مَحْبُوس قَول مَا يبذله غَرِيمه لَهُ
مِمَّا عَلَيْهِ فِيهِ منَّة وَحرم إِنْكَار مُعسر وحلفه وَلَو تَأَول نصا
فَقَالَ رَحمَه الله وَمن مَاله لَا يَفِي بِمَا أَي بِالدّينِ الَّذِي
عَلَيْهِ حَال كَونه حَالا وَجب على حَاكم الْحجر عَلَيْهِ أَي على من لَهُ
مَال لَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ بِطَلَب بعض غُرَمَائه فَإِن لم يسْأَل أحد
لم يحْجر عَلَيْهِ وَلَو سَأَلَهُ الْمُفلس، وَسن إِظْهَاره أَي الْحجر
لفلس وسفه ليعلم النَّاس حَالهمَا فَلَا يعاملان إِلَّا على بَصِيرَة، وَسن
الْإِشْهَاد على الْحجر لذَلِك. وَيتَعَلَّق بِالْحجرِ عَلَيْهِ أَرْبَعَة
أَحْكَام: أَحدهَا تعلق حق الْغُرَمَاء بِمَالِه وَلَا ينفذ تصرفه أَي
الْمُفلس فِي مَاله بعد الْحجر بِغَيْر تَدْبِير وَوَصِيَّة وَلَا
إِقْرَاره أَي الْمُفلس عَلَيْهِ أَي على نَفسه بِأَن المَال الَّذِي
بِيَدِهِ لغيره، فَإِن كَانَ صانعا كالقصار والحائك فِي يَده مَتَاع فَأقر
بِهِ لأربابه لم يقبل قَوْله، وتباع الْعين الَّتِي فِي يَده حَيْثُ لَا
بَيِّنَة وتقسم بَين الْغُرَمَاء
(2/437)
وَتَكون قيمتهَا وَاجِبَة على الْمُفلس
إِذا قدر عَلَيْهَا، بل يقبل قَوْله بِأَن مَا بِيَدِهِ من الْمَتَاع أَو
المَال لغيره فِي ذمَّته فَيُطَالب بِهِ بعد فك حجر عَنهُ، وَيكفر هُوَ
وسفيه بِصَوْم. وَإِن تصرف فِي ذمَّته بشرَاء أَو بِإِقْرَار أَو ضَمَان
صَحَّ فَيُطَالب بِهِ بعد فك حجر عَنهُ. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ
بقوله وَمن سلمه أَي الْمُفلس عين مَال بيعا أَو قرضا أَو رَأس مَال سلم
وَنَحْو ذَلِك حَال كَونه جَاهِل الْحجر عَلَيْهِ أَخذهَا بهَا لِأَنَّهُ
أَحَق بهَا من غَيره إِن كَانَت الْعين بِحَالِهَا بِأَن لم تُوطأ بكر وَلم
يخرج قن، فَإِن وطِئت أَو جرح جرحا تنقص بِهِ قِيمَته فَلَا رُجُوع، وَأَن
يكون عوضهَا كلهَا بَاقٍ فِي ذمَّته فَإِن أدّى بعضه فَلَا رُجُوع، وَأَن
تكون كلهَا فِي ملكه فَلَا رُجُوع إِن تلف بَعْضهَا بِبيع أَو وقف أَو
نَحْو ذَلِك، وَلم تختلط بِغَيْر متميز وَلم يتَعَلَّق بهَا حق للْغَيْر
كرهن وَنَحْوه، وَلم تَتَغَيَّر صفتهَا بِمَا يزِيل اسْمهَا كنسج غزل وخبز
دَقِيق، وَلم تزد زِيَادَة مُتَّصِلَة كسمن وَكبر وَتعلم صَنْعَة، وَكَون
مُفلس حَيا إِلَى أَخذهَا. فَمَتَى جد شَيْء من ذَلِك امْتنع الرُّجُوع.
وَيصِح رُجُوعه بقول وَلَو متراخيا بِلَا حَاكم وَهُوَ فسخ لَا يحْتَاج
إِلَى معرفَة مرجوع فِيهِ وَلَا قدرَة على تَسْلِيمه. وَالثَّالِث مَا
أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَيبِيع حَاكم مَاله الَّذِي لَيْسَ من جنس الدّين
لُزُوما ويقسمه هُوَ وَالْمَال الَّذِي من جنسه على غُرَمَائه أَي الْمُفلس
فَوْرًا وَسن إِحْضَاره وإحضار غُرَمَاء عِنْد بيع ليضبط الثّمن،
وَلِأَنَّهُ أطيب لقُلُوبِهِمْ وَأبْعد من التُّهْمَة، وَإِن بَاعه حَاكم
من غير حضورهم كلهم جَازَ،
(2/438)
وَسن بيع كل شَيْء فِي سوقه. وَيجب ترك مَا
يَحْتَاجهُ من مسكن وخادم صالحين لمثله إِن لم يَكُونُوا عين مَال
الْغُرَمَاء، فَإِن كَانَا لم يتْرك شَيْء وَلَو كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ
وَيَشْتَرِي أَو يتْرك لَهُ بدلهما ويبدل أَعلَى بِصَالح لمثله. وَيجب
أَيْضا ترك آلَة حِرْفَة لمحترف، فَإِن لم يكن صَاحب حِرْفَة ترك لَهُ مَا
يتجر بِهِ لمؤنته وَينْفق عَلَيْهِ وعَلى من تلْزمهُ نَفَقَتهم من مَاله
بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ أدنى مَا ينْفق على مثله، وعَلى مَسْكَنه مثله من
مأكل ومشرب وَكِسْوَة. ويجهز هُوَ وَمن تلْزمهُ مُؤْنَته غير زَوجته من
مَاله مقدما على غَيره وَلَو على دين برهن، وَتقدم فِي الْجَنَائِز. ويكفن
فِي ثَلَاث أَثوَاب، وَقدم فِي الرِّعَايَة: فِي ثوب وَاحِد. وَأُجْرَة
مُنَاد وَنَحْوه لم يتَبَرَّع من المَال. وَلَا يلْزم الْغُرَمَاء بِبَيَان
أَن لَا غَرِيم سواهُم. وَمن لم يقدر على وَفَاء شَيْء من دينه أَو هُوَ
أَو دينه مُؤَجل تحرم مُطَالبَته وحبسه وَتقدم بعضه فِي الْفَصْل، وَكَذَا
تحرم ملازمته. وَالرَّابِع انْقِطَاع الطّلب عَنهُ فَمن أقْرضهُ أَو بَاعه
شَيْئا لم يملك الطّلب حَتَّى يَنْفَكّ حجره. وَلَا يحل دين مُؤَجل بفلس
وَلَا بجنون وَلَا بِمَوْت إِن وثق الْوَرَثَة أَو أَجْنَبِي رب الدّين
برهن مُحرز أَو كَفِيل ملىء فَإِن تعذر توثق أَو لم يكن وَارِث حل وَلَو
ضمنه الإِمَام.
(2/439)
وَإِن ظهر غَرِيم آخر بعد الْقِسْمَة أَي
قسْمَة المَال وَدينه حَال رَجَعَ على الْغُرَمَاء بِقسْطِهِ أَي على كل
وَاحِد بِقدر حِصَّته وَلم تنقض الْقِسْمَة، وَإِن ظهر وَدينه مُؤَجل لم
يحل نصا، وَلم يُوقف لَهُ شَيْء وَلم يرجع على الْغُرَمَاء بِشَيْء إِذا حل
دينه.
(2/440)
فصل. ويحجر على الصَّغِير وعَلى
الْمَجْنُون وعَلى السَّفِيه لحظهم، فَلَا يَصح تصرفهم فِي أَمْوَالهم
وَلَا فِي ذممهم قبل الْإِذْن وَمن دفع إِلَيْهِم أَو إِلَى أحدهم مَاله
بِعقد كإجارة وَبيع أَو لَا بِعقد كوديعة وعارية رَجَعَ الدَّافِع فِيمَا
بَقِي من مَاله لبَقَاء ملكه عَلَيْهِ وَلَا يرجع فِي مَا تلف مِنْهُ
بِنَفسِهِ كموت حَيَوَان أَو قن أَو بِفعل مَحْجُور عَلَيْهِ كقتله وَهُوَ
على ملك صَاحبه غير مَضْمُون لِأَنَّهُ سلطه عَلَيْهِ بِرِضَاهُ وَسَوَاء
علم الدَّافِع بِحجر عَلَيْهِ أَو لَا لتَفْرِيطه ويضمنون أَي الْمَحْجُور
عَلَيْهِم لحظ أنفسهم جِنَايَة على نفس أَو طرف ويضمنون إِتْلَاف مَا لم
يدْفع إِلَيْهِم من المَال لِاسْتِوَاء الْمُكَلف وَغَيره فِيهِ. وَمن أَخذ
من أحدهم مَالا ضمنه حَتَّى يَأْخُذهُ وليه لَا إِن أَخذه ليحفظه وَتلف
وَلم يفرط، وَمن بلغ من ذكر أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى حَال كَونه رشيدا
انْفَكَّ الْحجر عَنهُ، أَو بلغ مَجْنُونا ثمَّ عقل ورشد انْفَكَّ الْحجر
عَنهُ بِلَا حكم بفكه، وَسَوَاء رشده الْوَلِيّ أَو لَا وَأعْطى مَاله
لقَوْله تَعَالَى 19 ((فَإِن ءانستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم
أَمْوَالهم)) . وَلَا يعْطى مَاله قبل ذَلِك بِحَال وَلَو صَار شَيخا
لِلْآيَةِ.
(2/441)
وَيحصل بُلُوغ ذكر بإمناء باحتلام أَو جماع
أَو غَيرهمَا كإمناء بِيَدِهِ أَو ب تَمام خمس عشرَة سنة أَو ب نَبَات شعر
خشن أَي الَّذِي يسْتَحق أَخذه بالموس لَا زغب ضَعِيف حول قبله، وبلوغ
أُنْثَى بذلك أَي بِالَّذِي يحصل بِهِ بُلُوغ الذّكر وتزيد عَلَيْهِ بحيض،
وَحملهَا دَلِيل إمنائها لإجراء الْعَادة بِخلق الْوَلَد من مائهما، قَالَ
الله تَعَالَى 19 ((فَلْينْظر الْإِنْسَان مِم خلق، خلق من مَاء دافق يخرج
من بَين الصلب والترائب)) . فَيحكم ببلوغها مُنْذُ حملت وَيقدر ذَلِك بِمَا
قبل وَضعهَا بِسِتَّة أشهر لِأَنَّهُ الْيَقِين. وبلوغ خُنْثَى بسن أَو
نَبَات شعر حول قبليه، فَإِن وجد حول أَحدهمَا فَلَا قَالَه القَاضِي
وَابْن عقيل، وإمناء من أحد فرجيه أَو حيض من قبل أَو هما أَي الْمَنِيّ
وَالْحيض من مخرج وَاحِد، لِأَنَّهُ إِن كَانَ ذكرا فقد أمنى وَإِن كَانَت
أُنْثَى فقد أمنت وحاضت، وَلَا اعْتِبَار بغلظ الصَّوْت وَفرق الْأنف ونهود
الثدي وَشعر الْإِبِط. وَلَا يدْفع إِلَيْهِ أَي إِلَى من بلغ رشيدا ظَاهرا
مَاله
حَتَّى يختبر وَلَا يختبر إِلَّا من يعرف الْمصلحَة من الْمفْسدَة وتصرفه
حَال الإختبار صَحِيح بِمَا يَلِيق بِهِ وَحَتَّى يؤنس أَي يعلم رشده،
وَمحله أَي الإختبار قبل بُلُوغ، والرشد هُنَا أَي فِي الْحجر إصْلَاح
المَال وصونه عَمَّا لَا فَائِدَة فِيهِ، وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف
النَّاس فولد تَاجر يؤنس رشده بِأَن يَبِيع وَيَشْتَرِي ويتكرر ذَلِك
مِنْهُ فَلَا يغبن غَالِبا غبنا فَاحِشا، وَولد رَئِيس
(2/442)
وَصدر كَبِير وَكَاتب الَّذين يصان أمثالهم
عَن الْأَسْوَاق بِأَن يدْفع إِلَيْهِ نَفَقَة لينفقها فِي مَصَالِحه،
فَإِن صرفهَا فِي مصارفها ومواقعها وَاسْتوْفى على وَكيله فِيمَا وكل فِيهِ
وستقصى عَلَيْهِ دلّ ذَلِك على رشده، وَيعْتَبر مَعَ مَا تقدم من إيناس
رشده أَن لَا يبْذل مَاله فِي حرَام كقمار وغناء وَشِرَاء الْمُحرمَات
وَنَحْوه و، لَا فِي غير فَائِدَة كحرق نفط يَشْتَرِيهِ للتفرج عَلَيْهِ،
بِخِلَاف صرفه فِي بَاب بر كصدقة أَو فِي مطعم ومشرب وملبس ومنكح يَلِيق
بِهِ فَلَيْسَ بتبذير إِذْ لَا إِسْرَاف فِي الْخَيْر، وَالْأُنْثَى يُفَوض
إِلَيْهَا مَا يُفَوض إِلَى ربة الْبَيْت من الْغَزل والاستغزال بِأُجْرَة
الْمثل وتوكيلها فِي شِرَاء الْكَتَّان وَنَحْوه وَحفظ الْأَطْعِمَة من
الهر والفأر وَغير ذَلِك، فَإِن وجدت ضابطة لما فِي يَدهَا مستوفية من
وكيلها فَهِيَ رَشِيدَة. وَمن نوزع فِي رشده فَشهد بِهِ عَدْلَانِ ثَبت
رشده، ووليهم أَي ولي صَغِير وَبَالغ مَجْنُون وَمن بلغ سَفِيها وَاسْتمرّ
حَال الْحجر الْأَب الْبَالِغ لكَمَال شفقته فَإِن ألحق الْوَلَد بِابْن
عشر فَأكْثر وَلم يثبت بُلُوغه فَلَا ولَايَة لَهُ، وَيشْتَرط أَن يكون
رشيدا عَاقِلا حرا عدلا ظَاهرا وَلَو كَافِرًا على وَلَده الْكَافِر بِأَن
يكون عدلا فِي دينه. ثمَّ بعد الْأَب ووصيه أَي وصّى الْأَب وَلَو بِجعْل
وَثمّ مُتَبَرّع. ثمَّ بعد الْأَب وَصِيَّة الْحَاكِم لانْقِطَاع
الْولَايَة من جِهَة الْأَب فَتكون للْحَاكِم كولاية النِّكَاح لِأَنَّهُ
ولى من لَا ولى لَهُ، فَإِن عدم الْحَاكِم فأمين يقوم مقَامه. وَلَا
يتَصَرَّف الْوَلِيّ وجوبا لَهُم أَي الْمَحْجُور عَلَيْهِم إِلَّا بالأحظ
لَهُم لقَوْله تَعَالَى: 19 ((وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أحسن)) ، وَالسَّفِيه وَالْمَجْنُون فِي مَعْنَاهُ، فَإِن
تبرع ولى الصَّغِير
(2/443)
وَالْمَجْنُون بِصَدقَة أَو هبة أَو حابى
أَو زَاد على النَّفَقَة عَلَيْهِمَا أَو على من تلزمهما مُؤْنَته
بِالْمَعْرُوفِ ضمن، وتدفع النَّفَقَة إِن أفسدها يَوْمًا بِيَوْم فَإِن
أفسدها أطْعمهُ مُعَاينَة وَإِلَّا كَانَ مفرطا. وَإِن أفسد كسوته ستر
عَوْرَته فَقَط فِي بَيت إِن لم يكن تحيل على إبقائها عَلَيْهِ وَلَو
بتهديد. وَلَا يَصح أَن يَبِيع الْوَلِيّ أَن يَشْتَرِي أَو يرتهن من
مَالهمَا لنَفسِهِ لِأَنَّهُ مَظَنَّة التُّهْمَة، إِلَّا إِذا كَانَ أَبَا
فَلهُ ذَلِك، ويلي طرفِي العقد، والتهمة منتفية بَين الْوَالِد وَولده إِذْ
من طبيعة الشَّفَقَة عَلَيْهِ. وَيسْتَحب إكرام الْيَتِيم وَإِدْخَال
السرُور عَلَيْهِ وَدفع النَّقْص والإهانة عَنهُ، فجبر قلبه من أعظم
مَصَالِحه، وَإِن أقرّ السَّفِيه بِحَدّ أَو نسب أَو طَلَاق أَو قصاص صَحَّ
وَأخذ بِهِ فِي الْحَال، وبمال أَخذ بِهِ بعد فك الْحجر عَنهُ، وَتقدم
بعضه، وَحكم تصرف ولي سَفِيه كولي صَغِير وَمَجْنُون، وللولي غير الْحَاكِم
وأمينه أَن يَأْكُل من مَال موليه مَعَ الْحَاجة الْأَقَل من أُجْرَة مثله
وكفايته، وَلَا يلْزمه عوضه بيساره، وَمَعَ عدم الْحَاجة يَأْكُل مَا
فَرْضه لَهُ الْحَاكِم. ولناظر وقف وَلَو لم يَصح أكل بِمَعْرُوف. ولقن غير
مَأْذُون لَهُ فِي تِجَارَة أَن يتَصَرَّف من قوته بِمَا لَا يضر كرغيف
وبيضة وفلس لجَرَيَان الْعَادة بالمسامحة فِيهِ. ولزوجة وكل متصرف فِي بَيت
كأجير وَغُلَام متصرف فِي بَيت سَيّده الصَّدَقَة مِنْهُ بِلَا إِذن صَاحبه
بِنَحْوِ ذَلِك إِلَّا أَن يمْنَع رب الْبَيْت مِنْهُ أَو يكون بَخِيلًا
فَيحرم فيهمَا الْإِعْطَاء من مَاله بِلَا إِذْنه لِأَن الأَصْل عدم
رِضَاهُ إِذا. وَإِن كَانَت الْمَرْأَة مَمْنُوعَة من التَّصَرُّف فِي بَيت
زَوجهَا كَالَّتِي يطْعمهَا بِالْفَرْضِ، وَلَا يُمكنهَا من طَعَامه فَهُوَ
كَمَا لَو منعهَا بالْقَوْل.
(2/444)
وَمن اشْترى من قن شَيْئا فَوَجَدَهُ معيبا
فَقَالَ الْقِنّ: أَنا غير مَأْذُون لي فِي التِّجَارَة لم يقبل قَوْله
نصا، وَلَو صدقه سَيّده لِأَنَّهُ يَدعِي فَسَاد العقد والخصم يَدعِي
صِحَّته. وَيقبل قَوْله أَي الْمولى بعد فك حجر عَن مَحْجُور عَلَيْهِ
لعقله ورشده فِي مَنْفَعَة وضرورة فِي تلف وَفِي غِبْطَة وَهُوَ شِرَاؤُهُ
لموليه شَيْئا بِزِيَادَة كَثِيرَة على ثمن مثله، وَفِي قدر نَفَقَته وَلَو
على عقار مَحْجُور عَلَيْهِ أَو كسوته أَو كسْوَة زَوجته أَو رَقِيقه
وَنَحْوه. وَفِيمَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ موليه تَعَديا فِي مَاله أَو مُوجب
ضَمَان كتفريط أَو تبرع وَنَحْوهمَا فَالْقَوْل قَول ولي، لِأَنَّهُ أَمِين
مَا لم يُخَالِفهُ عَادَة وَعرف فَيرد للقرينة، وَيحلف ولي غير حَاكم.
وَلَا يقبل قَول ولي يَجْعَل فِي دفع مَال بعد رشد أَو عقل لِأَنَّهُ قبض
المَال لمصلحته أشبه الْمُسْتَعِير إِلَّا من مُتَبَرّع فَيقبل قَوْله فِي
دفع المَال إِذا، لِأَنَّهُ قبض المَال لمصْلحَة الْمَحْجُور عَلَيْهِ
فَقَط أشبه الْوَدِيع. وَلَا يقبل قَول ولي فِي قدر زمن الْإِنْفَاق بِأَن
قَالَ: من انْفَكَّ حجره أنفقت على سنة، فَقَالَ الْوَلِيّ: بل سنتَيْن،
إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَن الأَصْل عدم مَا يَدعِيهِ. وَيتَعَلَّق جَمِيع دين
قن مَأْذُون لَهُ إِن اسْتَدَانَ فِيمَا أذن فِيهِ أَو غَيره نصا بِذِمَّة
سَيّده لِأَنَّهُ غر النَّاس بِإِذْنِهِ لَهُ. وَكَذَا مَا اقترضه
بِإِذْنِهِ يتَعَلَّق بِذِمَّة سَيّده بَالغا مَا بلغ لِأَنَّهُ متصرف
لسَيِّده وَلِهَذَا لَهُ الْحجر عَلَيْهِ وإمضاء بيع خِيَار وفسخه وَيثبت
الْملك لَهُ، وَسَوَاء كَانَ بيد الْمَأْذُون لَهُ أَو لَا. وَيتَعَلَّق
دين غَيره أَي غيرالمأذون لَهُ فِي تِجَارَة بِأَن اشْترى فِي
(2/445)
ذمَّته أَو اقْترض بِغَيْر إِذن سَيّده
وَتلف مَا اشْتَرَاهُ أَو اقترضه بِيَدِهِ أَو يَد سَيّده بِرَقَبَتِهِ،
فيفديه سَيّده بِالْأَقَلِّ من الدّين أَو قِيمَته أَو يَبِيعهُ
وَيُعْطِيه، أَو يُسلمهُ لرب الدّين لفساد تصرفه فَأشبه أرش الْجِنَايَة.
وَمحل تعلقه بِرَقَبَتِهِ إِن تلف باستدانته وَإِلَّا أَخذه مَالِكه حَيْثُ
أمكن. وَأرش جِنَايَة قن وقيم متلفاته يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ أَي الْقِنّ
سَوَاء كَانَ مَأْذُونا لَهُ أَو لَا.
(2/446)
3 - (فصل)
. وَتَصِح الْوكَالَة وَهِي بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا - اسْم مصدر بِمَعْنى
التَّوْكِيل ولغة التَّفْوِيض تَقول: وكلت أَمْرِي إِلَى الله تَعَالَى.
أَي فوضته واكتفيت بِهِ، وَتطلق أَيْضا بِمَعْنى الْحِفْظ وَمِنْه: حَسبنَا
الله وَنعم الْوَكِيل، أَي الحفيظ. وَشرعا استنابة جَائِز التَّصَرُّف مثله
فِيمَا تدخله النِّيَابَة. وَتَصِح مُؤَقَّتَة، كَأَنْت وَكيلِي شهرا،
ومعلقة كوصية وَإِذا دخل رَمَضَان وَنَحْوه، وَتَصِح بِكُل قَول يدل على
إِذن نصا كبع عَبدِي فلَانا أَو أعْتقهُ وَنَحْوه، أَو فوضت إِلَيْك أمره،
أَو جعلتك نَائِبا عني فِي كَذَا، أَو أقمتك مقَامي لِأَنَّهُ لفظ دلّ على
الْإِذْن فصح كلفظها، وَيصِح قبُولهَا أَي الْوكَالَة بِكُل قَول أَو فعل
من الْوَكِيل يدل عَلَيْهِ أَي الْقبُول. وَيصِح فَوْرًا أَو متراخيا، وكل
عقد جَائِز كشركة ومساقاة وَنَحْوهمَا فَهُوَ كَالْوكَالَةِ فِيمَا تقدم،
وَشرط تعْيين الْوَكِيل لَا علمه بِالْوكَالَةِ، فَلَو بَاعَ عبد زيد على
أَنه فُضُولِيّ وَبَان أَن زيدا كَانَ وَكله فِيهِ قبل البيع، صَحَّ
اعْتِبَارا بِمَا فِي نفس الْأَمر لَا بِمَا فِي ظن الْمُكَلف. وللوكيل
التَّصَرُّف بِخَبَر من ظن صدقه بتوكيل زيد لَهُ مثلا، وَيضمن مَا ترَتّب
على تصرفه إِن أنكر زيد الْوكَالَة، وَإِن أَبى الْوَكِيل قبُولهَا فكعزله
نَفسه،
(2/447)
وَشرط كَونهمَا أَي الْمُوكل وَالْوَكِيل
جائزي التَّصَرُّف، فَلَا يَصح تَوْكِيل السَّفِيه فِي عتق عَبده سوى
تَوْكِيل أعمى وَنَحْوه عَالما فِيمَا يحْتَاج لرؤية كجوهر وعقار فَيصح،
وَإِن لم يَصح مِنْهُ ذَلِك بِنَفسِهِ لِأَن منعهما التَّصَرُّف فِي ذَلِك
لعجزهما عَن الْعلم بِالْمَبِيعِ لَا لِمَعْنى فيهمَا يَقْتَضِي منع
التَّوْكِيل. وَمثله توكل فَلَا يَصح أَن يُوجب نِكَاحا عَن غَيره من لَا
يَصح مِنْهُ إِيجَابه لموليته لنَحْو فسق، وَلَا أَن يقبله من لَا يَصح
مِنْهُ لنَفسِهِ ككافر يتوكل فِي قبُول نِكَاح مسلمة لمُسلم، سوى قبُول
نِكَاح أُخْته وَنَحْوهَا لأَجْنَبِيّ، وَسوى قبُول حر وَاجِد الطول نِكَاح
أمة لمن تُبَاح لَهُ الْأمة من قن أَو حر عادم الطول خَائِف الْعَنَت،
وَسوى توكل غَنِي فِي قبض زَكَاة لفقير، وَسوى طَلَاق امْرَأَة نَفسهَا أَو
غَيرهَا بوكالة. وَتَصِح وكَالَة الْمُمَيز بِإِذن وليه فِي كل تصرف لَا
يعْتَبر لَهُ الْبلُوغ كتصرفه بِإِذْنِهِ، وَمن لَهُ تصرف فِي شَيْء فَلهُ
توكل فِيهِ وَله تَوْكِيل فِيهِ أَي فِيمَا لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ،
وَتَصِح الْوكَالَة فِي كل حق آدَمِيّ من عقد وَغَيره كَطَلَاق ورجعة وَبيع
وَشِرَاء وحوالة وَرهن وَضَمان وَشركَة وَكِتَابَة ووديعة ومضاربة وجعالة
ومساقاة وَإِجَارَة وقرض وَصلح وَهبة وَصدقَة وَوَصِيَّة وتدبير وإيقاف
وَقِسْمَة وَنَحْو ذَلِك، وَلَا تصح فِي ظِهَار وَلَا فِي لعان وَلَا فِي
أَيْمَان وَنذر وإيلاء وقسامة وَقسم بَين الزَّوْجَات وَشَهَادَة والتقاط
واغتنام وَدفع جِزْيَة ومعصية ورضاع وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا تدخله
النِّيَابَة، وَتَصِح فِي بيع مَاله كُله أَو مَا شَاءَ مِنْهُ،
(2/448)
وبالمطالبة بحقوقه كلهَا أَو مَا شَاءَ
مِنْهَا، وبالإبراء مِنْهَا كلهَا أَو مَا شَاءَ مِنْهَا. قَالَ فِي
الْإِقْنَاع: وَظَاهر كَلَامهم فِي بِعْ، من مَالِي مَا شِئْت، لَهُ بيع كل
مَاله. وَلَا يَصح: وَكلتك فِي كل قَلِيل وَكثير وَتسَمى المفوضة ذكر
الْأَزجيّ اتِّفَاق الْأَصْحَاب، لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ كل شَيْء من هبة
مَاله وَطَلَاق نِسَائِهِ وَعتق رَقِيقه فيعظم الْغرَر وَالضَّرَر، وَلِأَن
التَّوْكِيل شَرطه أَن يكون فِي تصرف مَعْلُوم. وَلَا يَصح قَوْله: اشْتَرِ
مَا شِئْت أَو اشْتَرِ عبدا بِمَا شِئْت حَتَّى يبين لَهُ نوعا يَشْتَرِيهِ
وَقدر ثمن. وَتَصِح الْوكَالَة فِي كل حق الله عز وَجل تدخله النِّيَابَة
من إِثْبَات حق واستيفائه وَعبادَة كتفرقة صَدَقَة وَنذر وَكَفَّارَة
وَزَكَاة وَحج وَعمرَة، وَتدْخل رَكعَتَا الطّواف تبعا لَهما. وَيصِح: أخرج
زَكَاة مَالِي من مَالك. وللوكيل اسْتِيفَاء حد بِحَضْرَة مُوكله وغيبته
وَلَو فِي قصاص وحد قذف، وَالْأولَى بِحُضُورِهِ فيهمَا. وَلَيْسَ لَهُ أَن
يُوكل فِيمَا يتَوَلَّى مثله إِلَّا بِإِذن مُوكله، وَله أَن يُوكل فِيمَا
يعجز عَنهُ مثله لكثرته وَلَو فِي جَمِيعه وَفِيمَا لَا يتَوَلَّى مثله
لنَفسِهِ كالأعمال الدنية فِي حق أَشْرَاف النَّاس المترفعين عَنْهَا
عَادَة، لِأَن الْإِذْن إِنَّمَا ينْصَرف لما جرت بِهِ الْعَادة، وَإِن أذن
لَهُ مُوكل فِي التَّوْكِيل تعين أَن يكون الثَّانِي أَمينا فَلَا يجوز
لَهُ أَن يُوكل غير أَمِين إِلَّا مَعَ تعْيين الْمُوكل الأول بِأَن قَالَ
لَهُ: وكل زيدا مثلا، فَلهُ تَوْكِيله وَإِن لم يكن أَمينا. وَإِن وكل
أَمينا فخان فَعَلَيهِ عَزله لِأَن إبقاءه تَفْرِيط تَضْييع:
(2/449)
وَلَيْسَ لَهُ أَن يعْقد مَعَ فَقير أَو
قَاطع طَرِيق أَو يَبِيع نسَاء أَو بِمَنْفَعَة أَو عرض أَو بِغَيْر نقد
الْبَلَد غالبه إِن جمع نقودا. أَو بِغَيْر الْأَصْلَح مِنْهَا إِن
تَسَاوَت رواجا إِلَّا بِإِذن مُوكله فِي الْكل. وَهِي أَي الْوكَالَة
وَشركَة ومضاربة ومساقاة ومزارعة ووديعة وجعالة ومسابقة وعارية عُقُود
جَائِزَة من الطَّرفَيْنِ، لِأَن غايتها إِذن وبذل نفع وَكِلَاهُمَا
جَائِز، وَلكُل من الْمُتَعَاقدين فَسخهَا أَي هَذِه الْعُقُود كفسخ
الْإِذْن فِي أكل طَعَامه، وَتبطل كلهَا بِمَوْت أَحدهمَا وجنونه وَالْحجر
عَلَيْهِ لسفه حَيْثُ اعْتبر رشده كالتصرف المالي. فَإِن وكل فِي طَلَاق
ورجعة وَنَحْوهمَا لم تبطل بِسَفَه. وَتبطل بسكر يفسق بِهِ فِيمَا
يُنَافِيهِ كإيجاب نِكَاح. وبفلس مُوكل فِيمَا حجر عَلَيْهِ فِيهِ. وبردته
لَا بردة وَكيله إِلَّا فِيمَا ينافيها. وبتدبيره أوكتابته قِنَا وكل فِي
عتقه لَا بسكناه وَلَا بِبيعِهِ بيعا فَاسِدا مَا وكل فِي بَيْعه. وينعزل
بِمَوْت مُوكله وبعزله وَلَو لم يبلغهُ ذَلِك. وَلَا يقبل قَول مُوكل
إِنَّه عزل وَكيله قبل تصرفه فِي غير طَلَاق بِلَا بَيِّنَة. وَيقبل قَوْله
إِنَّه أخرج زَكَاته قبل دفع وَكيله للساعي، ويأخذها الْوَكِيل من
السَّاعِي إِن بقيت فِي يَده لفساد الْقَبْض فَإِن فرقها على مستحقيها، أَو
تلفت بِيَدِهِ فَلَا رُجُوع عَلَيْهِ. وَحُقُوق عقد مُتَعَلقَة بموكل لِأَن
الْملك ينْتَقل إِلَيْهِ ابْتِدَاء وَلَا يدْخل فِي ملك الْوَكِيل فَلَا
يعْتق قريب وَكيل عَلَيْهِ وَلَا يَصح بِلَا إِذن مُوكل بيع وَكيل لنَفسِهِ
بِأَن يَشْتَرِي مَا وكل فِي بَيْعه من نَفسه لنَفسِهِ وَلَا يَصح
شِرَاؤُهُ أَي الْوَكِيل مِنْهَا أَي من نَفسه لمُوكلِه بِأَن وكل فِي
شِرَاء شَيْء فَاشْتَرَاهُ من نَفسه لمُوكلِه لِأَنَّهُ خلاف الْعرق فِي
ذَلِك، وكما لَو صرح لَهُ فَقَالَ بِعْهُ أَو اشتره من غَيْرك للحوق
(2/450)
التُّهْمَة لَهُ فِي ذَلِك فَإِن أذن لَهُ
صَحَّ إِذا تولى طرفِي العقد فيهمَا، كأب الصَّغِير إِذا بَاعَ من مَاله
لوَلَده أَو اشْترى من مَاله لوَلَده. وَمثله نِكَاح كَأَن يُوكل الْوَلِيّ
الزَّوْج أَو عَكسه أَو يوكلا وَاحِدًا أَو يُزَوّج عَبده الصَّغِير بأمته
وَنَحْوه فيتولى طرفِي العقد. وَولده أَي الْوَكِيل ووالده ومكاتبه
وَنَحْوهم مِمَّن ترد شَهَادَته لَهُ كنفسه فَلَا يجوز البيع لأَحَدهم
وَلَا الشِّرَاء مِنْهُ مَعَ الْإِطْلَاق، لِأَنَّهُ يتهم فِي حَقهم ويميل
إِلَى ترك الِاسْتِقْصَاء عَلَيْهِم فِي الثّمن كتهمته فِي حق نَفسه،
بِخِلَاف نَحْو أَخِيه وَعَمه، وكالوكيل حَاكم وأمينه ووصي وناظر وقف
ومضارب، قَالَ المنقح: وَشريك عنان ووجوه فَلَا يَبِيع أحد مِنْهُم من
نَفسه وَلَا وَلَده ووالده لما تقدم، فَيعلم مِنْهُ أَنه لَيْسَ لناظر
الْوَقْف غير الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أَن يُؤجر عين الْوَقْف لوَلَده وَلَا
وزجته، وَلَا تؤجر ناظرة زَوجهَا وَنَحْوه للتُّهمَةِ وَإِن بَاعَ
الْوَكِيل أَو الْمضَارب بِدُونِ ثمن مثل أَو بِدُونِ ثمن مُقَدّر أَو
اشْترى الْوَكِيل أَو الْمضَارب ب ثمن أَكثر مِنْهُ أَي من ثمن الْمثل أَو
الْمُقدر نصا صَحَّ البيع وَالشِّرَاء لِأَن من صَحَّ بَيْعه وشراؤه بِثمن
صَحَّ بأنقص مِنْهُ وأزيد كَالْمَرِيضِ وَضمن وَكيل ومضارب فِي شِرَاء
زِيَادَة أَي مثل الزِّيَادَة عَن ثمن مثل أَو مُقَدّر أَو أَي وَضمن نقصا
أَي كل النَّقْص عَن مُقَدّر وَضمن كل مَالا يتَغَابَن بِمثلِهِ عَادَة
فِيمَا لم يقدر، بِأَن يُعْطي لوَكِيله ثوبا ثمن مثله مائَة دِرْهَم،
يَبِيعهُ لَهُ وَلم يقدر لَهُ الثّمن فيبيعه بِثَمَانِينَ وَالْحَال أَن
مثل الثَّوْب وَقد يَبِيعهُ غَيره بِخَمْسَة وَثَمَانِينَ درهما، فَهَذِهِ
الْخَمْسَة الَّتِي نقصت عَن ثمن مثله مِمَّا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ
فِي الْعَادة فَلَو أَو الْوَكِيل بَاعَ بِمثل هَذَا النَّقْص لم يضمن
لِأَن التَّحَرُّز عَن مثل هَذَا
(2/451)
عسر، لكنه لَو بَاعَ بِنَقص لَا يتَغَابَن
بِمثلِهِ فِي التِّجَارَة وَهُوَ عشرُون من مائَة فَيضمن جَمِيع هَذَا
النَّقْص. وبعه لزيد، فَبَاعَهُ لغيره لم يَصح. وَمن أَمر بِدفع شَيْء
إِلَى نَحْو قصار معِين ليصنعه فَدفع ونسيه فَضَاعَ لم يضمن. وَإِن أطلقهُ
الْمَالِك فَدفعهُ الْوَكِيل إِلَى من لَا يعرفهُ ضمن، وبعه بدرهم
فَبَاعَهُ بِهِ وبعرض أَو بِدِينَار صَحَّ، وَكَذَا بِأَلف نسَاء فَبَاعَ
بِهِ حَالا وَلَو مَعَ ضَرَر يلْحق الْمُوكل بحفظه الثّمن لِأَنَّهُ زَاده
خيرا مَا لم يَنْهَهُ فَإِن نَهَاهُ لم يَصح للمخالفة. وَبعد فَبَاعَ بعضه
بِدُونِ ثمنه كُله لم يَصح، أَو يكن عبيدا أَو صبرَة وَنَحْوهَا فَيصح
بَيْعه مفرقا مَا لم يقل: صَفْقَة. وَكَذَا شَاءَ فَلَو قَالَ اشْتَرِ لي
عشرَة عبيد أَو عشرَة أَرْطَال غزل أَو عشرَة أَمْدَاد بر صَحَّ شراؤها
صَفْقَة وشيئا بعد شَيْء مَا لم يقل صَفْقَة. وبعه بِأَلف فِي سوق كَذَا
فَبَاعَهُ فِي سوق آخر صَحَّ مَا لم يَنْهَهُ أَو يكن لَهُ فِيهِ غَرَض
صَحِيح. وَإِن قَالَ اشتره بِكَذَا فَاشْتَرَاهُ مُؤَجّلا، أَو اشْتَرِ
شَاة بِدِينَار فَاشْترى شَاتين تساويه إِحْدَاهمَا أَو شَاة تساويه
بِأَقَلّ صَحَّ ووكيل شخص وَكله فِي مَبِيع ليَبِيعهُ لَهُ يُسلمهُ أَي
يملك تَسْلِيمه لمشتريه لِأَنَّهُ من تَمام البيع وَلَا يقبض الْوَكِيل
ثمنه أَي لَا يملك قبض ثمنه فَإِن تعذر قَبضه لم يلْزمه شَيْء كَمَا لَو
ظهر الْمَبِيع مُسْتَحقّا أَو مَبِيعًا، قَالَ المنقح: مَا لم يفض إِلَى
رَبًّا، فَإِن أفْضى إِلَى رَبًّا كأمره بِبيع قفيز بر بِمثلِهِ أَو شعير
فَبَاعَهُ وَلم يحضر مُوكله ملك قَبضه للْإِذْن فِيهِ شرعا وَعرفا إِلَّا
أَن يَأْذَن لَهُ فِي الْقَبْض فَلهُ الْقَبْض أَو إِلَّا بِقَرِينَة تدل
عَلَيْهِ مثل تَوْكِيله فِي بيع ثوب فِي سوق غَائِب عَن الْمُوكل
(2/452)
أَو مَوضِع يضيع الثّمن بترك قبض أَو نَحْو
ذَلِك فَلهُ قَبضه أَيْضا فَمَتَى ترك قَبضه ضمنه، وَسلم وَكيل الشِّرَاء
الثّمن أَي يملك تَسْلِيم الثّمن ووكيل خُصُومَة أَي إِذا وكل شخص آخر فِي
خُصُومَة ف لَا يقبض الْوَكِيل لِأَن الْإِذْن فِيهِ لم يتَنَاوَلهُ نطقا
وَلَا عرفا وَقد يرضى للخصومة من لَا يرضى للقبض ووكيل فِي قبض دين أَو عين
يُخَاصم أَي يكون وَكيلا فِي مخاصمة وَالْوَكِيل أَمِين لَا يضمن مَا تلف
بِيَدِهِ إِلَّا بتعد أَو تَفْرِيط لِأَنَّهُ نَائِب عَن الْمَالِك فِي
الْيَد وَالتَّصَرُّف، فالهلاك فِي يَده كالهلاك فِي يَد الْمَالِك
كَالْمُودعِ وَالْوَصِيّ، وَسَوَاء كَانَ مُتَبَرعا أَو بِجعْل فَإِن فرط
أَو تعدى ضمن وَيقبل قَوْله أَي الْوَكِيل فِي نفيهما أَي التَّعَدِّي
والتفريط بِيَمِينِهِ إِذا ادَّعَاهُ مُوكله، لِأَنَّهُ أَمِين وَلَا
يُكَلف بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ مِمَّا تتعذر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ،
وَلِئَلَّا يمْتَنع النَّاس من الدُّخُول فِي الْأَمَانَات مَعَ الْحَاجة
إِلَيْهَا، وَيقبل قَوْله فِي هَلَاك الْعين أَو الثّمن بِيَمِينِهِ، ك مَا
تقبل دَعْوَى شخص مُتَبَرّع رد الْعين أَو رد ثمنهَا أَي الْعين لموكل
لِأَنَّهُ قبض الْعين لنفع مَالِكهَا لَا غير، فَهُوَ كَالْمُودعِ، وَلَا
يقبل قَول وَكيل يَجْعَل، لِأَن فِي قَبضه نفعا لنَفسِهِ أشبه
الْمُسْتَعِير وَلَا إِذا ادّعى الرَّد لوَرثَته أَي الْمُوكل لأَنهم لم
يأتمنوه وَلَا قَول وَرَثَة وَكيل فِي دفع لموكل إِلَّا بِبَيِّنَة تشهد
بذلك. وَيقبل إِقْرَاره على الْمُوكل فِي كل مَا وكل فِيهِ من بيع
وَإِجَارَة وَصرف وَغَيرهَا.
(2/453)
وَمن عَلَيْهِ حق فَادّعى إِنْسَان أَنه
وَكيل ربه فِي قَبضه أَو أَنه وَصِيّه أَو أُحِيل بِهِ فَصدقهُ مدعى
عَلَيْهِ لم يلْزمه دفع إِلَيْهِ وَإِن كذبه لم يسْتَحْلف، وَإِن دَفعه
وَأنكر صَاحبه ذَلِك حلف وَرجع على دَافع وَحده إِن كَانَ دينا فَإِن نكل
لم يرجع بِشَيْء، وَرجع دَافع على مدعي الْوكَالَة أَو الْحِوَالَة بِمَا
دفع مَعَ بَقَائِهِ وببدله إِن تلف بتعديه أَو تفريطه لَا بِمَنْزِلَة
الْغَاصِب وَبلا تعد أَو تَفْرِيط لم يضمنهُ وَلم يرجع عَلَيْهِ دَافع
بِشَيْء لِأَنَّهُ مقرّ بِأَنَّهُ أَمِين حَيْثُ صدقه فِي دَعْوَى
الْوكَالَة أَو الْوَصِيَّة، وَأما مَعَ دَعْوَى الْحِوَالَة فَيرجع دَافع
على قَابض مُطلقًا أَي سَوَاء بَقِي فِي يَده أَو تلف بتعد أَو تَفْرِيط
أَو لَا، لِأَنَّهُ قَبضه لنَفسِهِ فَدخل على أَنه مَضْمُون عَلَيْهِ.
وَإِن كَانَ الْمَدْفُوع عينا كوديعة وَنَحْوهَا ووجدها رَبهَا أَخذهَا
لِأَنَّهَا عين مَاله، وَإِن لم يجدهَا ضمن أَيهمَا شَاءَ، وَلَا يرجع
الدَّافِع بهَا على غير متْلف أَو مفرط لاعتراف كل مِنْهُمَا بِأَن مَا
أَخذه الْمَالِك ظلم واعتراف الدَّافِع بِأَنَّهُ لم يحصل من الْقَابِض مَا
يُوجب الضَّمَان فَلَا يرجع عَلَيْهِ بظُلْم غَيره، هَذَا كُله إِذا صدق من
عَلَيْهِ الْحق الْمُدَّعِي، وَأما مَعَ عدم تَصْدِيق فَيرجع على مَدْفُوع
إِلَيْهِ بِمَا دَفعه لَهُ مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ دينا أَو عينا، بَقِي
أَو تلف، لِأَنَّهُ لم يقر بوكالته وَلم يثبت بَيِّنَة، وَمُجَرَّد
التَّسْلِيم لَيْسَ تَصْدِيقًا. وَإِن ادّعى مَوته وَأَنه وَارثه لزمَه
دَفعه إِلَيْهِ مَعَ تَصْدِيق، وحلفه مَعَ إِنْكَار موت رب الْحق وَإِن
الطَّالِب وَارثه، وَصفَة الْيَمين أَنه لَا يعلم صِحَة مَا قَالَه لِأَن
الْيَمين هَهُنَا على فعل الْغَيْر فَتكون على نفي الْعلم.
(2/454)
3 - (فصل)
فِي الشّركَة. وَالشَّرِكَة بِفَتْح الشين مَعَ كسر الرَّاء وسكونها وبكسر
الشين مَعَ سُكُون الرَّاء جَائِزَة بِالْإِجْمَاع، وَهِي قِسْمَانِ:
أَحدهمَا اجْتِمَاع فِي اسْتِحْقَاق، وَهِي أَنْوَاع: أَحدهَا فِي
الْمَنَافِع والرقاب كَعبد ودرا بَين اثْنَيْنِ فَأكْثر بِإِرْث أَو بيع
وَنَحْوهمَا، الثَّانِي فِي الرّقاب كَعبد موصى بمنفعته وَرثهُ اثْنَان
فَأكْثر، الثَّالِث فِي الْمَنَافِع كمنفعة موصى بهَا لاثْنَيْنِ فَأكْثر،
الرَّابِع فِي حُقُوق الرّقاب كَحَد قذف إِذا قذف جمَاعَة يتَصَوَّر
مِنْهُم الزِّنَا عَادَة بِكَلِمَة وَاحِدَة فَإِذا طلبُوا كلهم وَجب لَهُم
حد وَاحِد. وَيَأْتِي فِي الْقَذْف. وَالْقسم الثَّانِي اجْتِمَاع فِي
تصرف، وَهِي شركَة الْعُقُود الْمَقْصُودَة هَهُنَا، وَتكره مَعَ كَافِر
كمجوسي نصا لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن مُعَامَلَته بالربا وَبيع الْخمر نَحوه.
وَلَا تكره مَعَ كتابي لَا يَلِي التَّصَرُّف، وَهِي فِي التَّصَرُّف
خَمْسَة أضْرب جمع ضرب أَي صنف: أَحدهَا شركَة عنان بِكَسْر الْعين
الْمُهْملَة وَلَا خلاف فِي جَوَازهَا، بل فِي بعض شُرُوطهَا، سميت بذلك
لِأَنَّهُمَا يستويان فِي المَال وَالتَّصَرُّف
(2/455)
كالفارسين المستويين فِي السّير، فَإِن
عناني فرسيهما يكونَانِ سَوَاء. يملك كل مِنْهُمَا التَّصَرُّف فِي كل
المَال كَمَا يتَصَرَّف الْفَارِس فِي عنان فرسه. وَهِي أَي شركَة
الْعَنَان أَن يحضر كل وَاحِد من عدد اثْنَيْنِ فَأكْثر جَائِز التَّصَرُّف
فَلَا ينْعَقد على مَا فِي الذِّمَّة، وَلَا مَعَ صَغِير وسفيه من مَاله
فَلَا ينْعَقد بِنَحْوِ مَغْصُوب، نَقْدا ذَهَبا أَو فضَّة مَضْرُوبا وَلم
لم يتَّفق الْجِنْس، كَمَا لَو أحضر أَحدهمَا ذَهَبا وَالْآخر فضَّة فَلَا
تصح بِعرْض وَلَو مثلِيا وَلَا بِقِيمَتِه وَلَا بِثمنِهِ الَّذِي اشْترى
بِهِ وَالَّذِي يُبَاع بِهِ وَلَا بمغشوش كثيرا وَلَا بفلوس أَو نافقة
وَلَا بنقرة لم تضرب. وَلَا أثر لغش يسير لمصْلحَة كحبة فضَّة وَنَحْوهَا
فِي دِينَار. وَيشْتَرط أَن يكون النَّقْد مَعْلُوما قدره وَصفته فَلَا تصح
على مجهولين للغرر، فَإِن اشْتَركَا فِي مَال مختلط بَينهمَا شَائِعا صَحَّ
عقد الشّركَة إِن علما قدر مَا لكل مِنْهُمَا فِيهِ لعمل مُتَعَلق بيحضر
فِيهِ أَي فِي المَال جَمِيعه كل مِم لَهُ فِيهِ شَيْء على أَن لَهُ من
الرِّبْح بِنِسْبَة مَا لَهُ بِأَن شَرط لرب نصف المَال نصف الرِّبْح ولرب
الثُّلُث ثلث الرِّبْح ولرب السُّدس سدس الرِّبْح مثلا، أَو على أَن لكل
مِنْهُم جُزْءا مشَاعا مَعْلُوما وَلَو أَكثر من نِسْبَة مَاله كَأَن جعل
لرب السُّدس نصف الرِّبْح لقُوَّة حذقه، أَو يُقَال: بَيْننَا فيستوون
فِيهِ، لَا يشْتَرط خلط الْمَالَيْنِ وكل عقد لَا ضَمَان فِي صَحِيحه لَا
ضَمَان فِي فاسده إِلَّا بِالتَّعَدِّي أَو التَّفْرِيط كالشركة
وَالْمُضَاربَة وَالْوكَالَة والوديعة، وكل عقد يجب الضَّمَان فِي صَحِيحه
يجب فِي فاسده كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالنِّكَاح وَالْقَرْض، وَلكُل من
الشَّرِيكَيْنِ أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي وَيَأْخُذ وَيُعْطِي وَيُطَالب
ويخاصم وَيفْعل كل مَا فِيهِ حَظّ للشَّرِكَة.
(2/456)
وَالضَّرْب الثَّانِي من الشّركَة
الْمُضَاربَة من الضَّرْب فِي الأَرْض أَي السّفر فِيهَا، أَو من ضرب كل
مِنْهُمَا بِسَهْم فِي الرِّبْح وَهَذِه تَسْمِيَة أهل الْعرَاق، وَأهل
الْحجاز يسمونها قراضا من قرض الفار الثَّوْب أَي قطعه كَانَ رب المَال
اقتطع قِطْعَة من مَاله وَسلمهَا لَهُ واقتطع لَهُ قِطْعَة من ربحها. وَهِي
أَي الْمُضَاربَة شرعا دفع مَال أَي نقد مَضْرُوب غير مغشوش كثيرا كَمَا
تقدم، أَو مَا فِي معنى الدّفع كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِية وَالْغَصْب
إِذا قَالَ رَبهَا لمن هِيَ تَحت يَده ضَارب بهَا على كَذَا معِين صفة
المَال فَلَا يَصح: ضَارب بِأحد هذَيْن تَسَاوِي مَا فيهمَا أَو اخْتلف،
مَعْلُوم قدره فَلَا يَصح بصرة دَرَاهِم أَو دَنَانِير لِأَنَّهُ لَا بُد
من الرُّجُوع إِلَى رَأس المَال ليعلم الرِّبْح، وَلَا يُمكن ذَلِك مَعَ
جَهله لمن يتجر فِيهِ أَي المَال مُتَعَلق بِدفع جُزْء مُتَعَلق بيتجر
مَعْلُوم مشَاع من ربحه كنصفه أَو عشره. وَهِي أَمَانَة ووكالة، فَإِن ربحت
فشركة وَإِن فَسدتْ فإجارة أَي كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَة، لِأَن الرِّبْح
كُله لرب المَال وللعامل أُجْرَة مثله نَص عَلَيْهِ. وَلَو خسر المَال.
وَإِن تعدى فَغَضب. قَالَ فِي الْهدى: الْمضَارب أَمِين وأجير ووكيل
وَشريك. فأمين إِذا قبض المَال، ووكيل إِذا تصرف فِيهِ، وأجير فِيمَا
يباشره من الْعَمَل بِنَفسِهِ، وَشريك إِذا ظهر فِيهِ الرِّبْح. انْتهى.
وَلَيْسَ لَهُ شِرَاء من يعْتق على رب المَال بِغَيْر إِذْنه فَإِن فعل
صَحَّ وَعتق وَضمن ثمنه، وَإِن لم يعلم أَنه يعْتق على رب المَال،
لِأَنَّهُ إِتْلَاف، فَإِن كَانَ بِإِذن انْفَسَخت فِي قدر ثمنه لتلفه،
فَإِن كَانَ ثمنه كل المَال
(2/457)
انْفَسَخت كلهَا. وَإِن كَانَ فِي المَال
ربح أَخذ حِصَّته مِنْهُ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا نَفَقَة لِلْعَامِلِ
إِلَّا بِشَرْط نصا. فَإِن شرطت مُطلقَة وَاخْتلفَا فَلهُ نَفَقَة مثله
عرفا من طَعَام وَكِسْوَة، وَإِن تعدد رب المَال فَهِيَ على قدر مَا لكل
مِنْهُمَا أَو مِنْهُم إِلَّا أَن يشترطها بعض أَرْبَاب المَال من مَاله
عَالما بِالْحَال فتختص بِهِ. وَإِن ضَارب الْعَامِل أَي أَخذ مُضَارَبَة
لآخر فأضر اشْتِغَاله بِالْعَمَلِ فِي المَال الثَّانِي رب المَال الأول
حرم عَلَيْهِ ذَلِك، لِأَنَّهُ يمنعهُ مَقْصُود الْمُضَاربَة من طلب
النَّمَاء والحظ، وَإِن لم يضر بِالْأولِ بِأَن كَانَ مَال الثَّانِي
يَسِيرا لَا يشغل عَن الْعَمَل فِي مَال الأول جَازَ. وَإِن ضَارب الآخر
بِحَيْثُ يضر الأول رد الْعَامِل حِصَّته من الْمُضَاربَة فِي الشّركَة أَو
شركَة الأول نصا فَيدْفَع لرب الْمُضَاربَة الثَّانِيَة نصِيبه من الرِّبْح
وَيَأْخُذ نصيب الْعَامِل فيضم لربح الْمُضَاربَة الأولى ويقتسمه مَعَ
رَبهَا على مَا شرطاه لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّه بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي
اسْتحقَّت العقد الأول. ورده صَاحب الْمُغنِي كَمَا ذكره صَاحب الْمُنْتَهى
فِي شَرحه وَإِن تلف رَأس المَال أَو تلف بعضه أَو تعيب بعد تصرف فِيهِ أَو
خسر بِسَبَب مرض أَو تغير صفة أَو نزُول سعر جبر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول
رَأس المَال من ربح بَاقِيه قبل قسْمَة أَي الرِّبْح ناضا أَو قبل تنضيضه
مَعَ محاسبته نصا. وَالْعَامِل أَمِين فَيصدق بِيَمِينِهِ فِي قدر رَأس
المَال وَربح وَعَدَمه وهلاك وخسران. وَلَو أقرّ بِرِبْح ثمَّ ادّعى تلفا
أَو خسارة قبل قَوْله لِأَنَّهُ أَمِين إِلَّا إِن
(2/458)
ادّعى غَلطا أَو كذبا أَو نِسْيَانا أَو
اقتراضا تمم بِهِ رَأس المَال بعد إِقْرَاره بِهِ لرَبه. وَيقبل قَول مَالك
فِي عدم رد مَال الْمُضَاربَة إِن ادّعى عَامل رده إِلَيْهِ وَلَا بَيِّنَة
نصا لِأَنَّهُ مُنكر، وَلِأَن الْعَامِل قَبضه لنفع لَهُ فِيهِ أشبه
الْمُسْتَعِير، وَيقبل قَوْله أَيْضا فِي قدر مَا شَرط لِلْعَامِلِ. وَيجوز
دفع عبد أَو دَابَّة لمن يعْمل عَلَيْهِ بِجُزْء من أجرته وخياطة ثوب أَو
نَسِيج غزل أَو حصاد زرع أَو رضَاع قن أَو اسْتِيفَاء مَال وَنَحْو ذَلِك
بِجُزْء مشَاع مِنْهُ. وَدفع دَابَّة أَو نحل لمن يقوم بهما مُدَّة
مَعْلُومَة بِجُزْء مِنْهُمَا والنماء ملك لَهما. بِجُزْء من النَّمَاء
كالدر والنسل وَالصُّوف وَالْعَسَل. وَالضَّرْب الثَّالِث من الشّركَة
شركَة الْوُجُوه وَهِي أَن يشتركا بِلَا مَال فِي ربح مَا يشتريان فِي
ذمتهما بجاهليهما أَي بوجهيهما وثقة التُّجَّار بهما، سميت بذلك
لِأَنَّهُمَا يعاملان فِيهَا بوجوهما والجاه وَالْوَجْه وَاحِد يُقَال:
فلَان وجيه أَي ذُو جاه. وَهِي جَائِزَة لاشتمالها على مصلحَة بِلَا
مضرَّة. وَلَا يشْتَرط لصحتها ذكر مَا يشتريانه وَلَا قدره وَلَا وَقت
الشّركَة، فَلَو قَالَ أَحدهمَا للْآخر كل مَا اشْتريت من شَيْء فبيننا
وَقَالَهُ الآخر صَحَّ. وكل وَاحِد من شَرِيكي الْوُجُوه وَكيل الآخر فِي
بيع وَشِرَاء وكفيله بِالثّمن لِأَن مبناها على الْوكَالَة وَالْكَفَالَة،
وَيكون الْملك بَينهمَا على مَا شرطاه لحَدِيث (الْمُؤْمِنُونَ عِنْد
شروطهم) وَالرِّبْح كَذَلِك، والوظيفة على قدر الْملك، فَمن لَهُ
الثُّلُثَانِ فَعَلَيهِ ثلثا الْوَظِيفَة، وَمن لَهُ الثُّلُث فَعَلَيهِ
(2/459)
ثلثهَا سَوَاء كَانَ الرِّبْح كَذَلِك أَو
لَا لِأَن الْوَظِيفَة تخص رَأس المَال وَهُوَ مُخْتَصّ بملاكه فيوزع
عَلَيْهِم على قدر الحصص، وتصرفهما كتصرف شَرِيكي عنان فِيمَا يُوجب لَهما
وَعَلَيْهِمَا. وَالضَّرْب الرَّابِع من الشّركَة شركَة الْأَبدَان سميت
بذلك لاشْتِرَاكهمَا فِي عمل أبدانهما وَهِي نَوْعَانِ: أَحدهمَا أَن
يشتركا فِيمَا يتملكان بأبدانهما من مُبَاح كاصطياد وَنَحْوه كاحتشاش
واحتطاب وتلصص على دَار حَرْب وَنَحْو ذَلِك. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله أَو يشتركا فِيمَا يتقبلان أَي الشريكان فِي ذممهما من عمل
كخياطة وقصارة وحدادة وَنَحْوهَا، وَإِن قَالَ أَحدهمَا: أَنا أتقبل وَأَنت
تعْمل وَالْأُجْرَة بَيْننَا صَحَّ لِأَن تقبل الْعَمَل يُوجب الضَّمَان
على المتقبل وَيسْتَحق بِهِ الرِّبْح فَصَارَ كتقبله المَال فِي
الْمُضَاربَة، وَالْعَمَل يسْتَحق بِهِ الْعَامِل الرِّبْح كعمل الْمضَارب
فَينزل منزلَة الْمُضَاربَة فَمَا تقبله أَحدهمَا أَي الشريكان لزمهما عمله
وطولبا بِهِ لِأَن مبناها على الضَّمَان فَكَأَنَّهَا تَضَمَّنت ضَمَان كل
وَاحِد مِنْهُمَا عَن الآخر مَا يلْزمه. وَلكُل من الشَّرِيكَيْنِ طلب
أُجْرَة عمله وَلَو تقبله شَرِيكه، وَيبرأ مُسْتَأْجر بدفعها لأَحَدهمَا،
وَتلف الْأُجْرَة بيد أَحدهمَا بِلَا تَفْرِيط مِنْهُ عَلَيْهِمَا،
وَإِقْرَار أَحدهمَا بِمَا فِي يَده تقبل عَلَيْهِمَا، وَيقسم الْحَاصِل من
الْمُبَاح كَمَا شرطا عِنْد العقد من تساو وتفاضل، وَلَا يشْتَرط اتِّفَاق
صَنْعَة وَلَا مَعْرفَتهَا، فَلَو اشْترك شخصان لَا يعرفان الْخياطَة فِي
تقبلهَا ويدفعان مَا تقبلاه لمن يعمله وَمَا بَقِي من الْأُجْرَة لَهما
صَحَّ وَإِن ترك أَحدهمَا أَي الشريكان الْعَمَل مَعَ شَرِيكه لعذر أَو لَا
(2/460)
بِأَن كَانَ حَاضرا صَحِيحا فالكسب
بَينهمَا على مَا شرطا وَيلْزم من عذر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي حصل
لَهُ عذر من نَحْو مرض فِي ترك عمل مَعَ شَرِيكه أَن يُقيم مقَامه بِطَلَب
شَرِيكه أَو أَي وَيلْزم من لم يعرف الْعَمَل بالصنعة أَن يُقيم مقَامه
عَارِفًا ليعْمَل مَا لزمَه للْمُسْتَأْجر بِطَلَب شريك. وَيصِح جمع بَين
شركَة عنان وأبدان ووجوه ومضاربة. وَالضَّرْب الْخَامِس من الشّركَة شركَة
الْمُفَاوضَة وَهُوَ لُغَة الِاشْتِرَاك فِي كل شَيْء، وَشرعا قِسْمَانِ:
صَحِيح، وَهُوَ نَوْعَانِ: الأول مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَن يُفَوض كل
من الشَّرِيكَيْنِ فَأكْثر إِلَى صَاحبه كل تصرف مَالِي كَبيع وَشِرَاء فِي
الذِّمَّة ومضاربة وتوكيل ومسافرة بِالْمَالِ وارتهان وَضَمان أَي تقبل مَا
يرى من الْأَعْمَال. وَالنَّوْع الثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله:
وَأَن يشتركا فِي كل مَا يثبت لَهما وَعَلَيْهِمَا، فَتَصِح إِن لم يدخلا
فِيهَا أَي الشّركَة كسبا نَادرا كوجدان لقطَة وركاز وَمَا يحصل لَهما من
الْمِيرَاث أَو يلْزم أَحدهمَا من ضَمَان وغصب وَأرش جِنَايَة وَنَحْو
ذَلِك. الْقسم الثَّانِي: فَاسد، وَهُوَ مَا إِذا أدخلا فِيهَا كسبا نَادرا
أَو نَحوه، وَحَيْثُ فَسدتْ فَلِكُل مِنْهُمَا ربح مَاله وَأُجْرَة عمله،
وَمَا يستفيده لَهُ لَا يُشَارِكهُ فِيهِ غَيره لفساد الشّركَة، وَيخْتَص
بِضَمَان مَا غصبه أَو جناه أَن ضمنه عَن الْغَيْر وَكلهَا أَي الْخَمْسَة
الأضرب جَائِزَة، وَلَا ضَمَان فِيهَا إِلَّا بتعد أَو تَفْرِيط.
(2/461)
فصل. وَتَصِح الْمُسَاقَاة وَهِي مفاعلة من
السَّقْي لكَونه أهم أمرهَا بالحجاز لِأَن النّخل تسقى بِهِ نضحا من
الْآبَار فتكثر مشقته. وَشرعا عمل على شجر مَعْلُوم لَهُ ثَمَر يُؤْكَل
فَلَا تصح على قطن ومقائي وَمَا لَا سَاق لَهُ وَمَا لَا ثَمَر لَهُ
مَأْكُول كالصفصاف والسرو وَلَو كَانَ لَهُ زهر يقْصد كنرجس وياسمين.
وَتَصِح الْمُسَاقَاة على ثَمَرَة مَوْجُودَة لم تكمل بِجُزْء مشَاع
مَعْلُوم مِنْهَا أَي الثَّمَرَة، فَلَا تصح الْمُسَاقَاة إِن جعل
لِلْعَامِلِ كل الثَّمَرَة، وَلَا جُزْءا مُبْهما كسهم وَنصِيب، وَلَا آصعا
وَلَو مَعْلُومَة أَو دَرَاهِم، وَلَا ثَمَرَة شَجَرَة فَأكْثر مُعينَة.
وَإِن كَانَ فِي الْبُسْتَان أَجنَاس وَجعل لَهُ من كل جنس جُزْءا مشَاعا
مَعْلُوما كَنِصْف البلح وَثلث الْعِنَب وَربع الرُّمَّان وَهَكَذَا جَازَ
أَو مُسَاقَاة على بساتين أَحدهمَا بِالنِّصْفِ وَالْآخر بِالثُّلثِ
وَنَحْوه، أَو ساقاه على بُسْتَان وَاحِد ثَلَاث سِنِين، السّنة الأولى
بِالنِّصْفِ وَالثَّانيَِة بِالثُّلثِ، وَالثَّالِثَة بِالربعِ وَنَحْوه
جَازَ. وَتَصِح الْمُسَاقَاة على البعل من الشّجر كَالَّذي يحْتَاج للسقي.
وَتَصِح إِجَارَة أَرض بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم مِمَّا يخرج مِنْهَا طَعَاما
كَانَ كبر أَو غير طَعَام كقطن،
(2/462)
وَتَصِح المناصبة وَهِي المغارسة وَهِي دفع
شجر مَعْلُوم لَهُ ثَمَر مَأْكُول بِلَا غرس مَعَ أرضه لمن يغرسه فِيهَا
وَيعْمل عَلَيْهِ حَتَّى يُثمر بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم من الثَّمَرَة أَو
من الشّجر أَو من كل مِنْهُمَا أَي الثَّمَرَة وَالشَّجر نصا. وَيعْتَبر
كَون عاقديها جائزي التَّصَرُّف فَإِن مَاتَ أَحدهمَا أَو فسخ مَالك
الْمُسَاقَاة قبل ظُهُور ثَمَرَة وَبعد شُرُوع فِي عمل فلعامل أجرته أَي
أُجْرَة مثل عمله لاقْتِضَاء العقد الْعِوَض الْمُسَمّى، وَلم يرض
بِإِسْقَاط حَقه مِنْهُ لِأَن الْمَوْت لم يَأْته بِاخْتِيَارِهِ، وَلِأَن
الْمَالِك هُوَ الَّذِي مَنعه من إتْمَام الْعَمَل، فَإِذا تعذر الْمُسَمّى
رَجَعَ إِلَى أُجْرَة الْمثل، وَفَارق ذَلِك فسخ رب المَال الْمُضَاربَة
قبل ظُهُور الرِّبْح، لِأَن الْعَمَل هَهُنَا منفض إِلَى ظُهُور الثَّمَرَة
غَالِبا بِخِلَاف الْمُضَاربَة فَإِنَّهُ لَا يعلم إفضاؤها إِلَى الرِّبْح.
وَإِن بَان الشّجر مُسْتَحقّا فَلهُ أُجْرَة مثله أَو أَي وَإِن فسخ عَامل
الْمُسَاقَاة أَو هرب قبل ظُهُور الثَّمَرَة فَلَا شَيْء لَهُ أَي
الْعَامِل، وَإِن ساقاه إِلَى مُدَّة تكمل فِيهَا الثَّمَرَة فَلم تحمل
تِلْكَ السّنة فَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ. وتملك الثَّمَرَة بظهورها فَيجب
على عَامل تَمام الْعَمَل إِذا فسخت الْمُسَاقَاة بِفَسْخ أَحدهمَا أَو
مَوته وَنَحْوه بعد أَي الظُّهُور، كالمضارب بِبيع الْعرُوض بعد فسخ
الْمُضَاربَة وَظُهُور الرِّبْح لينض المَال، فَإِن ظَهرت ثَمَرَة بعد
الْفَسْخ فَلَا شَيْء لَهُ فِيهَا. قَالَ المنقح: فَيُؤْخَذ مِنْهُ دوَام
الْعَمَل على الْعَامِل فِي المناصبة وَلَو فسخت إِلَى أَن تبيد.
وَالْوَاقِع كَذَلِك. ذكره فِي الْمُنْتَهى.
(2/463)
وعَلى عَامل فِي مُسَاقَاة ومزارعة ومغارسة
عِنْد الْإِطْلَاق كل مَا فِيهِ نمو أَو صَلَاح للثمر وَالزَّرْع من سقِِي
واستقاء وحرث وآلته وبقره وزبار وَقطع مَا يحْتَاج إِلَى قطعه وتسوية
الثَّمَرَة وَإِصْلَاح الْحفر الَّتِي يجْتَمع فِيهَا المَاء على أصُول
النّخل وإدارة الدولاب والتلقيح والتجفيف وَإِصْلَاح طرق المَاء وتفريق
الزبل وَنقل الثَّمر وَنَحْوه لجرين، وَعَلِيهِ أَيْضا حصاد وَنَحْوه كدياس
ولقاط وتصفية حب زرع لِأَن هَذَا كُله من الْعَمَل، وعَلى رب أصل حفظ
الأَصْل كسد حَائِط وَنَحْوه كتحصيل زبل وسباخ، وَعَلَيْهِمَا أَي
الْمَالِك وَالْعَامِل بِقدر حصتيهما جذاذ نصا أَي قطع ثَمَرَة وَيصِح
شَرطه على عَامل نصا وَيتبع الْعرف فِي الكلف السُّلْطَانِيَّة مَا لم يكن
شَرط فَيتبع، فَمَا عرف أَخذه من رب المَال فَهُوَ عَلَيْهِ وَمَا عرف
أَخذه من الْعَامِل كَانَ عَلَيْهِ.
وَتَصِح الْمُزَارعَة، وَهِي دفع أَرض وَحب لمن يزرعه وَيقوم عَلَيْهِ أَو
مزروع ليعْمَل عَلَيْهِ بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم مِمَّا يخرج من الأَرْض
وَتسَمى مخابرة من الخبار بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهِي الأَرْض
اللينة والمؤاكرة، وَالْعَامِل فِيهَا خَبِير وأكار ومؤاكر، وَلَو غير
مَأْكُول كغرة وَنَحْوهَا بِشَرْط علم بذر كقمح مثلا وَعلم قدره أَي الْبذر
معاقدة على عمل فَلم يجز على غير مُقَدّر كَالْإِجَارَةِ، وَيشْتَرط كَونه
أَي الْبذر من رب الأَرْض نصا فَلَا يَصح كَون
(2/464)
الْبذر من عَامل أَو مِنْهُمَا أَو من
أَحدهمَا وَالْأَرْض لَهما، وَلَا الْعَمَل من وَاحِد وَالْبذْر من الآخر،
ولاالأرض من وَاحِد وَالْعَمَل من ثَان وَالْبذْر من ثَالِث وَالْبَقر من
رَابِع، أَو الأَرْض وَالْبذْر وَالْبَقر من وَاحِد وَالْمَاء من الآخر.
وَيكرهُ الْحَصاد والجذاذ لَيْلًا خشيَة الضَّرَر.
(2/465)
فصل. الْإِجَارَة مُشْتَقَّة من الْأجر
وَهُوَ الْعِوَض، وَمِنْه سمى الثَّوَاب أجرا لِأَن الله تَعَالَى يعوض
العَبْد على طَاعَته أَو صبره عَن مَعْصِيَته. وَهِي فِي اللُّغَة المجازاة
يُقَال: آجره على عمله إِذا جازاه عَلَيْهِ. وَشرعا عقد على مَنْفَعَة
مُبَاحَة مَعْلُومَة مُدَّة مَعْلُومَة من عين مُعينَة كسكني هَذِه الدَّار
سنة، أَو مَوْصُوفَة فِي الذِّمَّة كدابة صفتهَا كَذَا للْحَمْل أَو
الرّكُوب سنة، أَو على عمل مَعْلُوم كحمله إِلَى مَوضِع كَذَا بعوض
مَعْلُوم، وَيَأْتِي بَيَان ذَلِك. وتنعقد بِلَفْظ إِجَارَة وكرى كآجرتك
وأكريتك وستأجرت واكتريت، وَمَا بمعناهما كأعطيتك أَو مَلكتك نفع هَذِه
الدَّار سنة بِكَذَا. وَلَا تصح إِلَّا من جَائِز التَّصَرُّف. وَتَصِح
الْإِجَارَة بِثَلَاثَة شُرُوط: أَحدهَا معرفَة مَنْفَعَة لِأَنَّهَا
الْمَعْقُود عيها، فَاشْترط فِيهَا الْعلم كَالْبيع إِمَّا بعرف كسكني
الدَّار شهرا وَنَحْوه، وَإِمَّا بِوَصْف كحمل زبرة حَدِيد وَزنهَا كَذَا
إِلَى مَحل كَذَا وَبِنَاء حَائِط يذكر طوله وَعرضه وسمكه وآلته. وَتَصِح
إِجَارَة أَرض مُعينَة بِرُؤْيَة لزرع أَو غرس أَو بِنَاء مَعْلُوم،
(2/466)
أَو لزرع أَو غرس أَو بِنَاء مَا شَاءَ،
أَو لزرع أَو لغرس أَو لبِنَاء، ويسكت. وَله فِي الأولى زرع مَا شَاءَ،
وَفِي الثَّانِيَة غرس مَا شَاءَ، وَفِي الثَّالِثَة بِنَاء مَا شَاءَ
كَأَنَّهُ اسْتَأْجرهَا لأكْثر من ذَلِك ضَرَرا، أَو يَقُول آجرتك الأَرْض
وَيُطلق وَتصْلح للْجَمِيع. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين ابْن
تَيْمِية) : إِن أطلق وَقَالَ انْتفع بهَا بِمَا شِئْت فَلهُ زرع وغرس
وَبِنَاء. انْتهى. وَإِن كَانَت الْإِجَارَة لركوب اشْترط مَعَ ذكر الْموضع
المركوب إِلَيْهِ معرفَة رَاكب بِرُؤْيَة أَو صفة، وَذكر جنس مركوب كمبيع،
وَمَعْرِفَة مَا يركب بِهِ من سرج وَغَيره، وَكَيْفِيَّة السّير من هملاج
وَغَيره، لَا ذكرريته أَو أنوثيته أَو نَوعه، وَيشْتَرط لحمل مَا يتَضَرَّر
كخزف وَنَحْوه معرفَة حامله، وَمَعْرِفَة حَامِل لمحمول بِرُؤْيَة أَو صفة،
وَذكر جنسه وَقدره، ولحرث معرفَة أَرض بِرُؤْيَة. وَالشّرط الثَّانِي
إباحتها أَي الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا مُطلقًا بِلَا ضَرُورَة،
بِخِلَاف جلد ميتَة أَو إِنَاء ذهب أَو فضَّة لِأَنَّهُ لَا يُبَاح إِلَّا
عِنْد الضَّرُورَة لعدم غَيره، فَلَا تصح الْإِجَارَة على الزِّنَا وَالزمر
والغناء والنياحة، وَلَا إِجَارَة الدَّار لتجعل كَنِيسَة أَو بَيت نَار
أَو لبيع الْخمر والقمار وَسَوَاء شَرط ذَلِك فِي العقد أَو لَا، وَأَن
يكون النَّفْع مَقْصُودا، مُتَقَوّما، يَسْتَوْفِي دون اسْتِهْلَاك
الْأَجْزَاء، مَقْدُورًا عَلَيْهِ لمستأجر. وَلَا تصح على آنِية وشمع
لتجمل، وتفاح لشم، وشمع لشغل، وصابون لغسل، وديك ليوقظه لصَلَاة، فَلَا
يَصح نصا لِأَنَّهُ يقف على فعل الديك وَلَا يُمكن استخراجه مِنْهُ بِضَرْب
وَلَا غَيره، وَلَا اسْتِئْجَار دَابَّة لركوب مؤجر.
(2/467)
وَالْمَنْفَعَة الْمُبَاحَة ككتاب حَدِيث
أَو فقه أَو شعر مُبَاح أَو لُغَة أَو صرف أَو نَحْو ذَلِك لنظر وَقِرَاءَة
وَنقل أَو بِهِ خطّ حسن يكْتب عَلَيْهِ ويتمثل مِنْهُ لِأَنَّهُ تجوز
إعارته لذَلِك فجازت إِجَارَته. وَلَا تصح إِجَارَة مصحف وَلَا طير لسَمَاع
صَوته وَلَا طَعَام أَو شراب لأكل أَو شرب وَلَا كلب أَو خِنْزِير وَلَو
كَانَ يصيد أَو يحرس. وَيدخل نقع بِئْر وَحبر نَاسخ وخيط خياط وكحل كَحال
وصبغ صباغ ودبغ دباغ تبعا للْعَمَل لَا أَصَالَة، فَلَو غَار مَاء بِئْر
دَار مأجورة فَلَا فسخ لمستأجر. وَالشّرط الثَّالِث معرفَة أُجْرَة
لِأَنَّهُ عوض فِي عقد مُعَاوضَة فَاعْتبر علمه كَالثّمنِ، إِلَّا أَجِيرا
وظئرا استؤجرا بطعامهما وكسوتهما فَيصح، وَكَذَا لَو استأجرهما بِدَرَاهِم
مَعْلُومَة وَشرط مَعهَا طعامهما وكسوتهما، وهما عِنْد التَّنَازُع
كَزَوْجَة فَلَهُمَا نَفَقَة مثلهمَا، وَشرط معرفَة مرتضع بمشاهدة وأمد
رضَاع ومكانه، لِأَنَّهُ يشق عَلَيْهَا الرَّضَاع فِي بَيت الْمُسْتَأْجر
ويسهل فِي بَيتهَا، لَا يَصح اسْتِئْجَار دَابَّة بعلفها للْجَهَالَة
إِلَّا إِن اشْتَرَطَهُ مَوْصُوفا كشعير وَنَحْوه، وَقدره بِمَعْلُوم
فَيجوز. وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَجمع الصِّحَّة مُطلقًا
كاستئجار الْأَجِير بطعامه. انْتهى. وَلَا من يسلخها لِأَنَّهُ لَا يعلم
أيخرج سليما أَو لَا وَهل ثخين أَو رَقِيق، فَإِن سلخه على ذَلِك فَلهُ
أُجْرَة مثله، وَلَا أَن يرعاها بِجُزْء من نمائها أَو يطحن كربر بقفيز
مِنْهُ للْجَهَالَة
(2/468)
وَإِن دخل الشَّخْص حَماما أَو ركب سفينة
أَو أعْطى ثَوْبه خياطا أَو قصارا أَو صباغا وَنَحْوه كَمَا لَو اسْتعْمل
دلالا أَو حمالا أَو حلاقا بِلَا عقد مَعَه صَحَّ ذَلِك وَله أَي لمن فعل
ذَلِك أُجْرَة مثل عمله، وَمَا يَأْخُذهُ حمامي فَهُوَ أُجْرَة مَحل وسطل
ومئزر، وَالْمَاء تبع. وَهِي أَي الْإِجَارَة ضَرْبَان: أَحدهمَا إِجَارَة
عين، وَشرط فِيهَا مَعْرفَتهَا أَي الْعين الْمُؤجرَة للعاقدين بِرُؤْيَة
أَو صفة، وَشرط قدرَة من الْمُؤَجّر على تَسْلِيمهَا أَي الْعين، وَشرط عقد
فِي غير ظئر على نَفعهَا أَي الْعين دون أَجْزَائِهَا وَلَا تصح إِجَارَة
الطَّعَام للْأَكْل كَمَا تقدم، وَشرط اشتمالها على النَّفْع الْمَقْصُود
مِنْهَا فَلَا تصح فِي زمنة لحمل أَو سبخَة لزرع. وَشرط كَونهَا أَي الْعين
الْمُؤجرَة ملكا لمؤجر أَو كَونه ماذونا لَهُ فِيهَا بطرِيق الْولَايَة
كحاكم يُؤجر مَال سَفِيه أَو غَائِب أَو وَقفا لَا نَاظر لَهُ، أَو من قبل
شخص معِين كناظر خَاص أَو وَكيل فِي إِجَارَة، لِأَنَّهَا بيع فَاشْترط
فِيهَا ذَلِك كَبيع الْأَعْيَان وَإِجَارَة الْعين الْمَعْقُود عَلَيْهَا
مُعينَة كَانَت أَو مَوْصُوفَة فِي الذِّمَّة قِسْمَانِ: أَحدهمَا أَن تكون
إِلَى أمد كآجرتك هَذِه الدَّار شهرا، أَو فرسا صفته كَذَا وَكَذَا لتركبه
يَوْمًا. مَعْلُوم كشهر من الْآن أَو وَقت كَذَا لِأَنَّهُ الضابطة للمعقود
عَلَيْهِ الْمُعَرّف لَهُ، وَإِن اسْتَأْجرهُ سنة وَأطلق حملت على
الْأَهِلّة، لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَة شرعا يغلب على الظَّن بَقَاؤُهَا أَي
الْعين الْمُؤجرَة فِيهِ أَي الأمد وَإِن طَال. وَالْقسم الثَّانِي من قسمي
إِجَارَة الْعين أَن تكون لعمل مَعْلُوم
(2/469)
كإجارة دَابَّة لركوب أَو حمل عَلَيْهَا
إِلَى مَوضِع معِين وللمستأجر ركُوب مؤجرة لمحل مثله فِي طَرِيق مماثل
للطريق الْمَعْقُود عَلَيْهِ مَسَافَة وسهولة وَغَيرهمَا، وبشرط ضبط
الْعَمَل بِمَا لَا يخْتَلف، وَعلمه لِأَنَّهُ إِن لم يكن كَذَلِك كَانَ
مَجْهُولا، فَمن آجر بَهِيمَة لإدارة رحى اشْترط علمه بِالْحجرِ إِمَّا
بِالْمُشَاهَدَةِ أَو بِالصّفةِ لِأَنَّهُ يخْتَلف بالثقل والخفة، وَأَن
يقدر الْعَمَل إِمَّا بِالزَّمَانِ كَيَوْم أَو بِالطَّعَامِ بِأَن يذكر
جنسه وَكيله. وَإِذا اسْتَأْجر دابتين لموضعين مُخْتَلفين اشْترط
التَّعْيِين، وَيصِح اكتراء ظهر يتعاقبان عَلَيْهِ، وَمن اسْتَأْجر لكحل
أَو مداواة اشْترط تَقْدِير ذَلِك بالمدة كشهر وَنَحْوه، لِأَن الْعَمَل
يخْتَلف وَتَقْدِيره بِزَمن الْبُرْء مَجْهُول. الضَّرْب الثَّانِي من ضربي
الْإِجَارَة عقد على مَنْفَعَة فِي الذِّمَّة فِي شَيْء معِين أَو مَوْصُوف
فَيشْتَرط تقديرها أَي الْمَنْفَعَة بِعَمَل أَو مُدَّة كبناء دَار وخياطة
ثوب وَحمل شَيْء لمحل معِين وَشرط معرفَة ذَلِك وَشرط ضَبطه بِمَا لَا
يخْتَلف، كخياطة ثوب
يذكر جنسه وَقدره وَصفَة الْخياطَة، وكبناء دَار يذكر آلتها وَنَحْوهَا،
أَو بِنَاء حَائِط يذكر طوله وَعرضه وسمكه وَتقدم.
فَائِدَة: يَصح الِاسْتِئْجَار لتطيين الأَرْض والسطوح والحيطان وتجصيصها،
وَلَا يَصح على علم معِين، لِأَن الطين يخْتَلف فِي الرقة والغلظ
وَالْأَرْض مِنْهَا العالي والنازل وَكَذَلِكَ الْحِيطَان والأسطحة
فَلذَلِك لم يَصح إِلَّا على مُدَّة. وَإِن اسْتَأْجرهُ لضرب لبن احْتَاجَ
إِلَى تعْيين عدد وَذكر القالب وَمَوْضِع الضَّرْب، لِأَنَّهُ يخْتَلف
بِاعْتِبَار المَاء وَالتُّرَاب فَإِن كَانَ هُنَاكَ قالب
(2/470)
مَعْرُوف لَا يخْتَلف جَازَ، وَإِن قدره
بِالْعرضِ والطول والسمك جَازَ وَلَا يَكْتَفِي بمشاهدة قالب الضَّرْب إِذْ
لم يكن مَعْرُوفا لِأَنَّهُ قد يتْلف، وَشرط كَون أجِير فِيهَا أَي
الْإِجَارَة آدَمِيًّا جَائِز التَّصَرُّف لِأَنَّهَا مُعَاوضَة على عمل
فِي الذِّمَّة وَشرط كَون عمل مَعْقُود عَلَيْهِ لَا يخْتَص فَاعله أَن
يكون من أهل الْقرْبَة وَهُوَ الْمُسلم كأذان وَإِقَامَة وإمامة وَتَعْلِيم
قُرْآن وَفقه وَحَدِيث ونيابة فِي حج وَقَضَاء، وَلَا يَقع إِلَّا قربَة
لفَاعِله وَيحرم أُجْرَة عَلَيْهِ لَا أَخذ جعَالَة على ذَلِك أَو على رقية
نصا. وللمستأجر اسْتِيفَاء للنفع بِنَفسِهِ أَو بِمثلِهِ بإعارة أَو
غَيرهَا، وَلَو شَرط عَلَيْهِ اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة بِنَفسِهِ فسد
الشَّرْط وَلم يلْزمه الْوَفَاء بِهِ. وَيشْتَرط مماثلة رَاكب فِي طول
وَقصر وَغَيره لَا معرفَة ركُوب، وَمن اكترى أَرضًا لزرع الْحِنْطَة فَلهُ
زرع الشّعير وَنَحْوه لَا دخن وذرة وقطن وَنَحْوهَا، لِأَنَّهُ أَكثر
ضَرَرا من الْحِنْطَة، وَلَا يملك غرسا وَلَا بِنَاء، وَإِن اسْتَأْجرهَا
لأَحَدهمَا لم يملك الآخر، ولغرس لَهُ الزَّرْع لِأَنَّهُ أقل ضَرَرا
وَتقدم. وَإِن اسْتَأْجر داردا للسُّكْنَى لم يعْمل فِيهَا حدادة وَلَا
قصارة وَلَا يسكنهَا دَابَّة وَلَا يَجْعَلهَا مخزنا لطعام. وَإِن اكترى
دَابَّة لركوب أَو حمل لَا يملك الآخر، أَو لحمل قطن أَو حَدِيد لَا يملك
حمل الآخر، فَإِن فعل مكتر مَالا يملكهُ أَو سلك طَرِيقا أشق فَعَلَيهِ
الْأجر الْمُسَمّى مَعَ تفَاوت المنتفعين فِي أُجْرَة الْمثل. فَإِذا
كَانَت الأَرْض أجرتهَا لزرع الْبر ثَمَانِيَة وللدخن عشرَة فَيَأْخُذ مؤجر
مَعَ مَا وَقع عَلَيْهِ العقد اثْنَيْنِ نصا. لِأَنَّهُ لما عين الْبر مثلا
لم يتَعَيَّن فَإِذا زرع مَا يزِيد عَلَيْهِ
(2/471)
ضَرَرا فقد استوفى الْمَنْفَعَة وَزِيَادَة
عَلَيْهَا فَوَجَبَ الْمُسَمّى للمنفعة والتفاوت فِي أُجْرَة الْمثل
للزِّيَادَة. وَمن اكترى لحمولة قدر كمائة رَطْل حَدِيد فَزَاد عَلَيْهِ،
أَو اكترى ليركب أَو يحمل إِلَى مَوضِع فجاوزه فَعَلَيهِ الْمُسَمّى،
ولزائد أُجْرَة مثله، وَإِن تلفت دَابَّة فِي زِيَادَة أَو بعد ردهَا إِلَى
مَكَان عينه أَو بعد وضع الْحمل عَنْهَا فعلى الْمُكْتَرِي قيمتهَا كلهَا،
وَلَو أَنَّهَا بيد صَاحبهَا بِأَن كَانَ مَعهَا وَلم يرض بذلك إناطة
للْحكم بِالتَّعَدِّي، وسكوت رَبهَا لَا يدل على رِضَاهُ، كَمَا لَو بيع
مَاله أَو خرق ثَوْبه وَهُوَ سَاكِت وَلِأَن الْيَد للراكب أَو صَاحب
الْحمل. وَلَا يضمن مُسْتَأْجر إِن تلفت بيد صَاحبهَا وَلَيْسَ لمستأجر
عَلَيْهَا شَيْء بِسَبَب غير حَاصِل من الزِّيَادَة. وعَلى مؤجر على
الْإِطْلَاق كل مَا جرت بِهِ عَادَة وَعرف من آلَة كزمام مركوب وَشد وَرفع
وَحط لمحمول لِأَنَّهُ الْعرف وَبِه يتَمَكَّن الْمُكْتَرِي من
الِانْتِفَاع، وَعَلِيهِ أَيْضا رَحْله نصا وحزامه وقتبه وقوده وسوقه
وَلُزُوم دَابَّة لنزول لحَاجَة وواجب وتبريك بعير لامْرَأَة وَشَيخ ومريض
وَمَا يتَمَكَّن بِهِ مُسْتَأْجر من نفع، كترميم دَار بإصلاح منكسر
وَإِقَامَة مائل وَعمل بَاب وتنظيف سطح من نَحْو ثلج وتطيينه. وعَلى مكتر
بِمَعْنى أَنه لَا يلْزم الْمُؤَجّر بل إِن أَرَادَهُ مكتر فَمن مَاله
نَحْو محمل قَالَ فِي الْقَامُوس: كمجلس شقتان على بعير يحمل فيهمَا
العديلان ومظلة بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا الْكَبِير من الأخبية قَالَه فِي
الْقَامُوس، ووطاء فَوق الرحل وحبل الْقرَان بَين المحملين، وَدَلِيل جهلا
الطَّرِيق وحبل ودلو وبكرة
(2/472)
وَعَلِيهِ أَيْضا تعزيل نَحْو بالوعة وكنيف
وَدَار من قمامة وزبل ورماد إِن تسلمها الْمُكْتَرِي فارغة مِمَّا ذكر،
وعَلى مكر تَسْلِيمهَا أَي الْمُؤجرَة كَذَلِك أَي فارغة بالوعتها وكنيفها
وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِانْتِفَاع بذلك مَعَ إمتلائه. وَتَسْلِيم
مِفْتَاح وَهُوَ أَمَانَة بيد مُسْتَأْجر فَإِن ضَاعَ من غير تَفْرِيط
مُعلى مؤجر بدله.
(2/473)
3 - (فصل)
. وَهِي الْإِجَارَة عقد لَازم من الطَّرفَيْنِ لَيْسَ لأَحَدهمَا فَسخهَا
بِلَا مُوجب لِأَنَّهَا عقد مُعَاوضَة كَالْبيع فَإِن تحول مُسْتَأْجر من
الْمُؤَجّر فِي أثْنَاء الْمدَّة بِلَا عذر أَو لم يكن فِيهَا لعذر يخْتَص
بِهِ أَو لَا فَعَلَيهِ كل الْأُجْرَة، وَإِن حوله الْمُسْتَأْجر مَالك أَو
امْتنع الْأَجِير من تَكْمِيل الْعَمَل فَلَا شَيْء لَهُ لما عمله قبل،
لِأَن كلا مِنْهُمَا لم يسلم إِلَى الْمُسْتَأْجر مَا وَقع عَلَيْهِ عقد
الْإِجَارَة فَلم يسْتَحق شَيْئا، وَإِن شَردت مؤجرة أَو تعذر اسْتِيفَاء
بَاقِي النَّفْع بِغَيْر فعل أَحدهمَا فعلى الْمُسْتَأْجر من الْأُجْرَة
بِقدر مَا استوفى، وَإِن هرب أجِير ومؤجر عين بهَا أَو شَردت دَابَّة مؤجرة
قبل اسْتِيفَاء بعض نَفعهَا حَتَّى انْقَضتْ مُدَّة الْإِجَارَة انْفَسَخت،
فَلَو كَانَت على مَوْصُوف بِذِمَّة كخياطة ثوب اسْتَأْجر من مَاله من
يُعلمهُ فَإِن تعذر خير مُسْتَأْجر بَين فسخ وصبر، وَإِن مَاتَ أَو هرب
وَترك بهائمه الَّتِي أكراها وَله مَال أنْفق عَلَيْهَا مِنْهُ حَاكم،
وَإِن لم يكن لَهُ مَال وَأنْفق مؤجر بِإِذن حَاكم أَو نِيَّة رُجُوع وَلَو
بِدُونِ إِذن حَاكم رَجَعَ لقِيَامه عَنهُ بِوَاجِب، فَإِذا انْقَضتْ
الْإِجَارَة بَاعهَا حَاكم ووفى مَا أنفقهُ على الْبَهَائِم وَحفظ بَاقِي
ثمنهَا لمَالِكهَا. وتنفسخ الْإِجَارَة بِتَلف مَعْقُود عَلَيْهِ كدابة
مَاتَت أَو دَار انْهَدَمت،
(2/474)
قبضهَا الْمُسْتَأْجر أَو لَا، لزوَال
الْمَنْفَعَة بِتَلف الْمَعْقُود عَلَيْهِ، وَقَبضهَا إِنَّمَا يكون
باستيفائها أَو التَّمَكُّن مِنْهُ وَلم يحصل ذَلِك. وَإِن تلف مؤجر فِي
الْمدَّة وَقد مضى مِنْهَا مَاله أُجْرَة انْفَسَخت فِيمَا بقى، وتنفسخ
الْإِجَارَة ب موت مرتضع أَو امْتِنَاعه من الرَّضَاع مِنْهَا لتعذر
اسْتِيفَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ، لِأَن غَيره لَا يقوم مقَامه فِي
الارتضاع لاخْتِلَاف المرتضعين فِيهِ وَقد يدر اللَّبن على وَاحِد دون آخر
وَكَذَا إِن مَاتَت الْمُرضعَة وتنفسخ أَيْضا ب انقلاع ضرس اكترى لقلعه أَو
ببرئه فَأن لم يبرأ وَامْتنع من قلعه لم يجْبر وَنَحْوه أَي نَحْو مَا ذكر
كمن اُسْتُؤْجِرَ ليقتص من آخر أَو يحده فَمَاتَ، أَو ليداويه فبرىء أَو
مَاتَ، وَسَوَاء كَانَ التّلف بِفعل آدَمِيّ كقتله العَبْد الْمُؤَجّر أَو
بِغَيْر فعل أحد كموته حتف أَنفه، وَسَوَاء كَانَ الْقَاتِل الْمُسْتَأْجر
أَو غَيره، وَيضمن مَا أتلف كَالْمَرْأَةِ تقطع ذكر زَوجهَا وتملك
الْفَسْخ، وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِبيع الْعين الْمُؤجرَة وَيصِح
بيعهَا ولمشتر لم يعلم فسخ وإمضاء مجَّانا، وَلَا بهبتها وَلَو لمستأجر
وَلَا بوقفها وَلَا بانتقال الْملك فِيهَا بِإِرْث أَو وَصِيَّة أَو نِكَاح
أَو خلع أَو طَلَاق أَو صلح وَنَحْوه وَلَا يضمن أجِير خَاص وَهُوَ من قدر
نَفعه بالزمن وَيَأْتِي مَا جنت فِيهِ يَده خطأ مَا لم يَتَعَدَّ أَو يفرط
وَلَا يضمن نَحْو حجام وطبيب وبيطار وختان خَاصّا كَانَ أَو مُشْتَركا عرف
حذقهم لأَنهم إِذا لم يَكُونُوا كَذَلِك لم تحل لَهُم مُبَاشرَة الْفِعْل
فيضمنون سرايته كَمَا لَو تعدوا بِهِ إِن أذن فِيهِ أَي الْفِعْل مُكَلّف
وَقع الْفِعْل بِهِ أَو أذن فِيهِ ولي غَيره أَي
(2/475)
الْمُكَلف كولي الصَّغِير وَالْمَجْنُون،
فَإِن لم يَأْذَن لَهُم فِيهِ ضمنُوا، وَأَن لَا يتجاوزا بفعلهم مَالا
يَنْبَغِي تجاوزه بِأَن لم تجن أَيْديهم فَإِن تجاوزوا بالختان الْحَشَفَة
أَو بِقطع السّلْعَة وَنَحْوهَا مَحل الْقطع أَو قطعُوا فِي وَقت لَا يصلح
الْقطع فِيهِ، أَو بِآلَة كالة وَنَحْوهَا ضمنُوا لِأَنَّهُ إِتْلَاف لَا
يخْتَلف ضَمَانه بالعمد وَالْخَطَأ كإتلاف المَال وَلَا يضمن رَاع مَا لم
يَتَعَدَّ أَو يفرطبنوم أَو غيبتها عَنهُ وَنَحْوه. وَإِن اخْتلفَا فِي تعد
أَو تَفْرِيط فَقَوْل رَاع، وَإِن ادّعى مَوتهَا قبل بِيَمِينِهِ وَلَو لم
يحضر جلدا وَلَا غَيره، لِأَنَّهُ أَمِين كالوديع وَلِأَنَّهُ مِمَّا تتعذر
فِيهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فِي الْغَالِب. وَيضمن أجِير مُشْتَرك
وَهُوَ من قدر نَفعه بِالْعَمَلِ وَيَأْتِي أَيْضا مَا تلف بِفِعْلِهِ
وَلَو مَعَ خطئه كتخريق قصار الثَّوْب وَغلط فِي تَفْصِيله وبزلق حمال أَو
عثرته وَسُقُوط عَنهُ كَيفَ كَانَ وسقوطه عَن دَابَّة وَانْقِطَاع حبله
الَّذِي يشد بِهِ حمله، وَكَذَا طباخ وخباز وحائك وملاح السَّفِينَة
وَنَحْوهم حضر رب المَال أَو غَابَ، وَيضمن مَا نقص بخطئه فِي فعل كصباغ
أَمر بصبغ الثَّوْب أصفر فصبغه أسود وخياط أَمر بتفصيله قبَاء ففصله
قَمِيصًا وَنَحْو ذَلِك، وَلَو كَانَ خَطؤُهُ بِدَفْعِهِ إِلَى غير ربه
غَلطا فَإِنَّهُ يضمنهُ لِأَن فَوته عَلَيْهِ، وَلَيْسَ للمدفوع إِلَيْهِ
لبسه إِذا علم وَعَلِيهِ رده للقصار وَنَحْوه نصا، وَغرم قَابض قطعه أَو
لبسه جَاهِلا أَنه ثوب غَيره أرش قطعه أَو لبسه لتعديه على ملك غَيره وَرجع
بهما على دَافع نصا، لِأَنَّهُ غره وَيُطَالب بِثَوْبِهِ إِن وجده وَإِلَّا
ضمنه الْأَجِير، وَلَا يضمن مَا تلف من حرزه أَو بِغَيْر فعله إِذا لم يفرط
نصا وَلَا
(2/476)
أُجْرَة لَهُ لعمل فِيهِ لِأَنَّهُ لم يسلم
عمله إِلَى الْمُسْتَأْجر وَلَا يُمكن تَسْلِيمه إِلَّا بِتَسْلِيم
الْمَعْمُول فَلم يسْتَحق عوضه كمكيل بيع وَتلف قبل قَبضه. وللأجير حبس
مَعْمُول على أجرته إِن أفلس ربه وَإِن لم يفلس فَتلف مَعْمُول أَو أتْلفه
أجِير بعد عمله أَو حمله خير مَالك بَين تَضْمِينه إِيَّاه غير مَعْمُول
أَو مَحْمُول وَلَا أُجْرَة لَهُ أَو مَعْمُولا أَو مَحْمُولا وَله
الْأُجْرَة. وَإِن اسْتَأْجر أجِير مُشْتَرك أَجِيرا خَاصّا فَلِكُل
مِنْهُمَا حكم نَفسه، فَمَا تقبله صَاحب الدّكان وَدفعه إِلَى أجيره فَتلف
فِي يَده بِلَا تعد وَلَا تَفْرِيط لم يضمنهُ لِأَنَّهُ أجِير خَاص
وَضَمنَهُ صَاحب الدّكان لِأَنَّهُ مُشْتَرك. والأجير قِسْمَانِ: خَاص،
ومشترك. فالأجير الْخَاص من قدر نَفعه بالزمن، والأجير الْمُشْتَرك من قدر
نَفعه بِالْعَمَلِ وَتقدم قَرِيبا. فالخاص يسْتَحق الْمُسْتَأْجر نَفعه فِي
جَمِيع الْمدَّة الْمُقدر نَفعه فِيهَا، سوى فعل الصَّلَوَات الْخمس فِي
أَوْقَاتهَا بسننها وَصَلَاة جُمُعَة وَعِيد، وَسَوَاء سلم نَفسه
للْمُسْتَأْجر أَو لَا، وَيسْتَحق الْأُجْرَة بِتَسْلِيم نَفسه عمل أَو لم
يعْمل، وتتعلق الْإِجَارَة بِعَيْنِه فَلَا يَسْتَنِيب، وَتجب الْأُجْرَة
أَي تملك فِي إِجَارَة عين أَو إِجَارَة ذمَّة بِالْعقدِ شَرط الْحُلُول
فِيهِ أَو أطلق كَمَا يجب الثّمن بِعقد البيع، وَالصَّدَاق بِالنِّكَاحِ،
وَيسْتَحق الْأُجْرَة كَامِلَة بِتَسْلِيم عين أَو بذلها، وتستقر بفراغ عمل
مَا بيد مُسْتَأْجر وبدفع غَيره مَعْمُولا مالم تؤجل الْأُجْرَة فَإِن أجلت
لم يملك الْمُطَالبَة بهَا حَتَّى تفرغ مُدَّة الْأَجَل وَلَا ضَمَان على
مُسْتَأْجر فِيمَا تلف فِي يَده كدار انْهَدَمت أَو دَابَّة مَاتَت وَنَحْو
ذَلِك، وَلَو شَرط على نَفسه الضَّمَان لِأَنَّهُ أَمِين إِلَّا إِذا كَانَ
(2/477)
التّلف بتعد أَو تَفْرِيط مِنْهُ،
وَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ فِي نفيهما أَي التَّعَدِّي والتفريط. وَإِن
شَرط الْمُؤَجّر على الْمُسْتَأْجر أَن لَا يسير بهَا فِي اللَّيْل أَو
وَقت القائلة أَو لَا يتَأَخَّر بهَا عَن الْقَافِلَة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا
فِيهِ غَرَض صَحِيح فَخَالف ضمن. وَمَتى انْقَضتْ الْإِجَارَة رفع
الْمُسْتَأْجر يَده عَن الْمُؤَجّر وَلم يلْزمه رد وَلَا مُؤنَة كمودع.
(2/478)
3 - (فصل)
وَتجوز الْمُسَابقَة وَهِي من السَّبق بِسُكُون الْبَاء وَهُوَ بُلُوغ
الْغَايَة قبل غَيره، والسباق فعال مِنْهُ والسبق بِفَتْح الْبَاء والسبقة
الْجعل يسابق عَلَيْهِ وَجمعه أسباق على أَقْدَام وسهام وسفن ومزاريق
ومقاليع وطيور وأحجار وَسَائِر حَيَوَان كإبل وخيل وبغال وحمير وفيله. و
[لَا] تجوز الْمُسَابقَة بعوض [إِلَّا] إِذا كَانَت على [إبل وخيل وسهام
وَشرط] فِيهَا خَمْسَة شُرُوط: أَحدهَا تعْيين المركوبين أَو الراميين
بِالرُّؤْيَةِ سَوَاء كَانَا اثْنَيْنِ أَو جماعتين لَا تعْيين الراكبين
وَلَا القوسين، وَالثَّانِي اتحادهما أَي المركوبين أَو القوسين بالنوع
فَلَا يَصح بَين عَرَبِيّ وهجين، وَلَا قَوس عَرَبِيَّة وَهِي النبل
وفارسية وَهِي النشاب وَشرط تعْيين رُمَاة بِخِلَاف الراكبين كَمَا تقدم،
وَالثَّالِث تَحْدِيد مَسَافَة ومدى رمى بِمَا جرت بِهِ الْعَادة، وَذَلِكَ
إِمَّا بالمشاهد أَو بالذرع لِأَن الْإِصَابَة تخْتَلف بِالْقربِ والبعد،
نَحْو مائَة ذِرَاع أَو مِائَتي ذِرَاع، وَمَا لم تجر بِهِ عَادَة وَهُوَ
مَا زادعلى ثلثمِائة ذِرَاع فَلَا يَصح عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يفوت بِهِ
الْغَرَض الْمَقْصُود بِالرَّمْي، وَقد قيل إِنَّه مَا رمى فِي
أَرْبَعمِائَة ذِرَاع إِلَّا عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ،
(2/479)
وَالرَّابِع علم عوض لِأَنَّهُ مَال فِي
عقد فَوَجَبَ الْعلم بِهِ كَسَائِر الْعُقُود، وَيعلم إِمَّا
بِالْمُشَاهَدَةِ أَو الْوَصْف، وَيجوز حَالا ومؤجلا وَبَعضه حَالا وَبَعضه
مُؤَجّلا كَالْبيع وَشرط إِبَاحَته أَي الْعِوَض أَيْضا وَالْخَامِس خُرُوج
عَن شبه قمار بِكَسْر الْقَاف يُقَال قامره قمارا ومقامرة فقمرة إِذا راهنه
فغلبه بِأَن لَا يخرج جَمِيعهم، وَإِن أخرجَا مَعًا لم يجز إِلَّا بِمُحَلل
لَا يخرج شَيْئا وَلَا يجوز اكثر من مُحَلل وَاجِد يكافىء مركوبه
مركوبيهما، أَو رميه رمييهما فَإِن سبقاه أحرزا سبقيهما وَلم يُؤْخَذ من
الْمُحَلّل شَيْء، وَإِن سبق هُوَ أَو أَحدهمَا أحرز السبقين وَإِن سبق
الْمُحَلّل وَأحد المخرجين فَسبق مَسْبُوق بَينهمَا، وهى جعَالَة لَا
يُؤْخَذ بعوضها رهن وَلَا كَفِيل، وَلكُل فَسخهَا مَا لم يظْهر الْفضل
لصَاحبه فَيمْتَنع عَلَيْهِ، وَتبطل بِمَوْت أحد الْمُتَعَاقدين أَو
المركوبين لَا أحد الراكبين أَو تلف إِحْدَى القوسين أَو السِّهَام،
وَيجْعَل سبق فِي خيل متماثلي الْعُنُق بِرَأْس، وَفِي مختلفيهما وَفِي إبل
مُطلقًا بكتف لتعذر اعْتِبَار الرَّأْس هَهُنَا، فَإِن طَوِيل الْعُنُق قد
يسْبق رَأسه بطول عُنُقه لَا بِسُرْعَة عده، وَفِي الْإِبِل مَا يرفع رَأسه
وفيهَا مَا يمد عُنُقه فَرُبمَا سبق رَأسه بطول عُنُقه لَا بسبقه.
والمناضلة من النضل يُقَال ناضله نضالا ومناضلة وَسمي الرَّمْي نضالا لِأَن
السهْم التَّام يُسمى نضلا، فالرمي عمل بالنضل. وهى ثَابِتَة بِالْكتاب
الْعَزِيز لقَوْله تَعَالَى: 19 ( {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا
نَسْتَبِق} ) . وقرىء ننتضل، وَالسّنة شهيرة بذلك وَمحل بسطها المطولات
فَرَاجعهَا.
(2/480)
3 - (فصل)
3.
وَالْعَارِية بتَخْفِيف الْيَاء وتشديدها الْعين الْمَأْخُوذَة
للِانْتِفَاع بِلَا عوض، والإعارة إِبَاحَة نَفعهَا بِلَا عوض. وَهِي سنة،
وتنعقد بِكُل قَول أَو فعل يدل عَلَيْهَا كأعرتك هذة الدَّابَّة. أَو:
اركبها، أَو: استرح عَلَيْهَا، وَنَحْو دلك. وبدفعه دَابَّته لرفيقه عِنْد
تَعبه، وتغطيته بكساء إِذْ برد، وَنَحْو دلك. وَشرط للإعارة أَرْبَعَة
شُرُوط: أَحدهَا كَون معير أَهلا للتبرع شرعا، لِأَن الْإِعَارَة نوع تبرع،
وَالثَّانِي كَون مستعير أَهلا للتبرع لَهُ بِتِلْكَ الْعين المعارة بِأَن
يَصح مِنْهُ قبُولهَا هبة أشبه إِبَاحَة بِالْهبةِ، فَلَا تصح إِعَارَة عبد
مُسلم لكَافِر لخدمته. وَيَأْتِي فِي الْمَتْن. وَالثَّالِث مَا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله وكل مُبْتَدأ مَا أَي شَيْء ينْتَفع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه
كدواب ورقيق ودور ولباس وَنَحْو تصح إعارته بِخِلَاف مَا لَا ينْتَفع بِهِ
إِلَّا مَعَ تلف عينه كأطعمة وأشربة، فَإِن أَعْطَاهَا بِلَفْظ إِعَارَة
فَقَالَ ابْن عقيل: يحْتَمل أَن يكون اباحة للِانْتِفَاع على وَجه
الْإِتْلَاف. نَقله الْمجد فِي شَرحه وَاقْتصر عَلَيْهِ. وَالرَّابِعَة مَا
أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله نفعا مُبَاحا وَلَو لم يَصح الِاعْتِيَاض
(2/481)
عَنهُ كإعارة كلب لصيد وَنَحْوه تصح إعارته
خبر، فَلَا تصح إِعَارَة لغناء أَو زمر وإناء ذهب أَو فضَّة وحلي محرم على
رجل ليلبسه الا الْبضْع وَهُوَ أَن يعيره أمته ليستمتع بهَا فَيحرم وَلَا
يَصح، فَإِنَّهُ وطىء مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ فَعَلَيهِ الْحَد،
وَكَذَا هِيَ إِن طاوعته وَولده رَقِيق، وَإِن كَانَ جَاهِلا فَلَا حد
وَلَده حر وَيلْحق بِهِ، وَتجب قِيمَته للْمَالِك وَمهر الْمثل فيهمَا
وَلَو مطاوعة إِلَّا أَن يَأْذَن السَّيِّد فَإِن أذن فَلَا مهر. وَأما
للْخدمَة فَإِن كَانَت بَرزَة أَو شوهاء أَو كَبِيرَة لَا يَشْتَهِي مثلهَا
جَازَ، وَكَذَا إِن كَانَت شَابة وَكَانَت الاعارة لمحرم أَو امْرَأَة أَو
صبي، وَإِن كَانَت لشاب كره خُصُوصا العزب لِأَنَّهُ لَا يُؤمن عَلَيْهَا.
وَتحرم الْخلْوَة بهَا وَالنَّظَر إِلَيْهَا بِشَهْوَة وَإِلَّا عبدا
مُسلما فَتحرم إعارته لكَافِر لخدمة خَاصَّة، وَتقدم وَتَصِح إِعَارَة
الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير للوزن فَإِن استعارها لينفقها أَو استعارها
مَكِيلًا أَو مَوْزُونا فقرض. وَتجب إِعَارَة مصحف لمحتاج الى قِرَاءَة
فِيهِ وَلم يجد غَيره وَإِن لم يكن مَالِكه مُحْتَاجا اليه وَإِلَّا صيدا
وَنَحْوه أى الصَّيْد كإعارة آلَة يصيد بهَا وَنَحْوهَا فَتحرم لمحرم فَإِن
فعل فَتلف الصَّيْد ضمنه لله بالجزاء وللمالك بِالْقيمَةِ. وَكَذَا يحرم
أَن يعير أحد لمحرم كل مَا يحرم عَلَيْهِ اسْتِعْمَاله فِي الاحرام،
وَإِلَّا أمة، وَإِلَّا أَمْرَد فَتحرم إعارتهما لغير مَأْمُون لِأَنَّهُ
لَا يُؤمن عَلَيْهِمَا مِنْهُ. وَتكره اسْتِعَارَة أَبَوَيْهِ وَإِن علوا
للْخدمَة. ولمستعير الرَّد مَتى شَاءَ. ولمعير الرُّجُوع مَتى شَاءَ
مُطلقَة كَانَت أَو موقتة مَا لم يُؤذن فِي شغله بشىء يضر بالمستعير
رُجُوعه، مثل أَن يعيره
(2/482)
سفينة لحمل مَتَاعه ولوحا يرقع بِهِ سفينة
فرقعها بِهِ ولج فِي الْبَحْر فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع وَلَا الْمُطَالبَة
مَا دَامَت فِي اللجة حَتَّى ترسو السَّفِينَة. وَله الرُّجُوع قبل
دُخُولهَا فِي الْبَحْر. وَكَذَا من أعَار أَرضًا للدفن أَو الزَّرْع.
وَلَيْسَ لمن أعَار حَائِطا لوضع خشب عَلَيْهِ الرُّجُوع مَا دَامَ
عَلَيْهِ، وَله الرُّجُوع قبل الْوَضع وَبعده مَا لم يبن عَلَيْهِ، فَإِن
سقط لهدم أَو غَيره لم يعد إِلَّا بِإِذْنِهِ أَو عِنْد الضَّرُورَة إِن لم
يتَضَرَّر الْحَائِط. وَمن أعير أَرضًا لغرس أَو بِنَاء وَشرط قلعه بِوَقْت
أَو رُجُوع لزم قلعه عِنْده لَا تسويتها بِلَا شَرط، وَإِن لم يشْتَرط
ذَلِك فلمعير أَخذه بِقِيمَتِه وقلعه وَيضمن نَقصه، وَإِن اخْتَار مستعير
الْقلع سوى الْحفر. ومستعير فِي اسْتِيفَاء النَّفْع كمستأجر إِلَّا أَنه
لَا يعير وَلَا يُؤجر إِلَّا بِإِذن. فَإِن أَعَارَهُ أَرضًا للغراس
وَالْبناء أَو لأَحَدهمَا فَلهُ ذَلِك وَله أَن يزرع مَا شَاءَ، وَإِن
استعارها للزَّرْع لم يغْرس وَلم يبن، وللغرس أَو الْبناء لم يملك الآخر.
وتضمن الْعَارِية مُطلقًا أَي فرط أَو لم يفرط وَلَو شَرط نفي الضَّمَان.
وكل مَا كَانَ أَمَانَة أَو مَضْمُونا لَا يَزُول عَن حكمه بِالشّرطِ بِمثل
مثلى كصنجة من نُحَاس لَا صناعَة بهَا استعارها ليزن بهَا فَتلفت فَعَلَيهِ
مثل مثل وَزنهَا من نوعها. وتضمن الْعَارِية ب [قيمَة غَيره] أَي المثلى
يَوْم تلف لِأَن قيمتهَا
(2/483)
بدل عَنْهَا فَوَجَبَ عِنْد تلفهَا كَمَا
يجب عِنْد إتلافها وَلِأَنَّهُ يَوْم تحقق فَوَاتهَا فِيهِ فَوَجَبَ
اعْتِبَار الضَّمَان فِيهِ. و [لَا] تضمن الْعَارِية إِن تلفت
بِاسْتِعْمَال بِمَعْرُوف كخمل منشفة وطنفسه، وثوب بلَى باللبس، لِأَن
الْإِذْن فِي الِاسْتِعْمَال تضمن الْإِذْن فِي الاتلاف، وَمَا أذن فِي
إِتْلَافه لَا يضمن كالمنافع، فَإِن حمل فِي الثَّوْب تُرَابا وَنَحْوه
فَتلف ضمن لتعديه. وَيقبل قَول مستعير بِيَمِينِهِ إِنَّه لم يَتَعَدَّ،
وَعَلِيهِ مئونه ردهَا، لَا مؤنتها عِنْده زمن انْتِفَاع بل على مَالِكهَا
كالمؤجرة، وَيبرأ بردهَا إِلَى من جرت عَادَة الْإِنْسَان بِالرَّدِّ على
يَده، كسائس وخازن وَزَوْجَة ووكيل عَام ووكيل فِي قبض حُقُوقه لَا بردهَا
إِلَى اصطبله أَو غُلَامه، وَمن سلم لشَرِيكه الدَّابَّة فَتلفت بِلَا تعد
وَلَا تَفْرِيط لم يضمن. وَإِن اخْتلف الْمَالِك والقابض، فَقَالَ: آجرتك،
فَقَالَ: بل أعرتني قبل مُضِيّ مُدَّة من الْقَبْض لَهَا أُجْرَة فَقَوْل
قَابض بِيَمِينِهِ، وَبعدهَا فَقَوْل مَالك فِيمَا مضى بِيَمِينِهِ وَله
أُجْرَة الْمثل. وَكَذَا لَو ادّعى أَنه زرع الأَرْض عَارِية، وَقَالَ
رَبهَا: إِجَارَة. وَإِن قَالَ قَابض لمَالِك: أعرتني أَو آجرتني، فَقَالَ:
بل غضبتني، أَو قَالَ: أعرتك، فَقَالَ: بل آجرتني والبهيمة تالفة
وَاخْتلفَا فِي ردهَا فَقَوْل مَالك بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنكر. وَكَذَا
لَو قَالَ الْقَابِض: أعرتني، قَالَ: غصبتني وَالْعين قَائِمَة فَقَوْل
مَالك بِيَمِينِهِ فِي وجوب الْأجر وَرفع الْيَد ورد الْعين لمَالِكهَا،
لِأَن الأَصْل عدم مَا يَدعِيهِ الْقَابِض. وَإِن قَالَ: أعرتك، فَقَالَ:
أودعتني فَقَوْل مَالك، وَله قيمَة تالفه. وَكَذَا فِي عكسها بِأَن قَالَ
الْمَالِك: أودعتك، فَقَالَ الْقَابِض: أعرتني فَقَوْل مَالك بِيَمِينِهِ
وَله أُجْرَة
(2/484)
مَا انْتفع بهَا. وَإِن قَالَ مَالك:
غصبتني. وَقَالَ قَابض: أودعتني، فَقِيَاس مَا سبق لِأَن الأَصْل فِي قبض
مَال الْغَيْر الضَّمَان. وَلَا تضمن الْعَارِية إِن كَانَت وفقا ككتب علم
وَسلَاح كسيف ورمح وَدرع مَوْقُوفَة على الْغُزَاة إِلَّا بتفريط وَلَا
فِيمَا إِذا أعارها الْمُسْتَأْجر وَعَلِيهِ أَي الْمُسْتَعِير [مُؤنَة
ردهَا] لمَالِكهَا كمغصوب وَإِن أركب شخص دَابَّته مُنْقَطِعًا لله
تَعَالَى فَتلفت تَحْتَهُ لم يضمن الرَّاكِب شَيْئا لِأَنَّهَا بيد
صَاحبهَا لكَون الرَّاكِب لم ينْفَرد بحفظها، أشبه مَا لَو غطى ضَيفه
بلحافه فَحرق عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يضمنهُ. وَمن اسْتعَار ليرهن فالمرتهن
أَمِين لَا يضمن إِلَّا بِالتَّعَدِّي أَو التَّفْرِيط وَيضمن
الْمُسْتَعِير سَوَاء تلفت تَحت يَده أَو يَد الْمُرْتَهن.
(2/485)
3 - (فصل)
3.
وَالْغَصْب مصدر غصب يغصب من بَاب ضرب، وَهُوَ لُغَة: أَخذ الشَّيْء ظلما،
قَالَه الْجَوْهَرِي وَابْن سَيّده، وَشرعا: اسْتِيلَاء غير حَرْبِيّ غَيره
قهرا بِغَيْر حق. وَهُوَ حرَام إِجْمَاعًا بِالْكتاب وَالسّنة لقَوْله
تَعَالَى 19 ((لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ وتدلوا
بهَا إِلَى الْحُكَّام)) . وَقَوله تَعَالَى 19 ((لَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض
مِنْكُم)) وَقَوله (إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ حرَام
عَلَيْكُم) وَقَوله (من غصب شبْرًا من أَرض طوقه الله يَوْم الْقِيَامَة
بِسبع أَرضين)
(2/486)
وَهُوَ كَبِيرَة من الْكَبَائِر الْعِظَام.
فَمن غصب كَلْبا يقتني أَي يجوز اقتناؤه ككلب صيد وَزرع أَو غصب خمر ذمِّي
مُحْتَرمَة أَي مستترة ردهما أَي الْكَلْب وَالْخمر لُزُوما، لِأَن
الذِّمِّيّ غير مَمْنُوع من إِِمْسَاكهَا كخمر الْخلال وَالْكَلب يجوز
الِانْتِفَاع بِهِ، وَإِن تلفا لم تلْزمهُ قيمتهمَا لتحريمهما فهما
كالميتة، وَلَا يلْزمه رد جلد ميتَة غصبه لِأَنَّهُ لَا يطهر بالدباغ،
وأتلف الثَّلَاثَهْ أَي الْكَلْب وَالْخمر وَالْجَلد هدر مُسلما كَانَ أَو
ذِمِّيا. وَإِن استولى إِنْسَان على حر مُسلم، وَلم يُقَيِّدهُ فِي
الْإِقْنَاع والمنتهى وَغَيرهمَا بِالْمُسلمِ، كَبِيرا كَانَ أَو صَغِيرا
بِأَنَّهُ حَبسه وَلم يمنعهُ الطَّعَام وَالشرَاب فَمَاتَ عِنْده لم يضمنهُ
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال، [بل] يضمن [ثِيَاب] حر [صَغِير و] يضمن حليه
وَلَو لم يَنْزِعهَا عَنهُ، لِأَن الصَّغِير لَا ممانعة لَهُ عَن ذَلِك
أشبه مَا لَو غصبه مُنْفَردا. وعَلى من أبعده عَن بَيت أَهله رده إِلَيْهِ
ومؤنته عَلَيْهِ، وَإِن اسْتَعْملهُ الْحر كرها فِي خدمَة أَو خياطَة أَو
غَيرهمَا فَعَلَيهِ أجرته، لِأَنَّهُ استوفى مَنَافِعه المتقومة فضمنها
كمنافع العَبْد أَو حَبسه الْحر مُدَّة لَهَا أُجْرَة فَعَلَيهِ أجرته
مُدَّة حَبسه لِأَنَّهُ فَوت منفعَته بِالْحَبْسِ، وَهِي مَال يجوز أَخذ
الْعِوَض عَنهُ [ك] مَنَافِع [قن] ، وَإِن مَنعه الْعَمَل من غير حبس لم
يضمن، وَلَو كَانَ الْمَمْنُوع عبدا. وَيلْزمهُ أى الْغَاصِب رد مَغْصُوب
إِلَى مَحَله إِن قدر عَلَيْهِ بِزِيَادَتِهِ أَي الْمَغْصُوب
الْمُتَّصِلَة والمنفصله كالسمن وَالْكَسْب، وَلَو غرم على رده أَضْعَاف
قِيمَته لكَونه بعد أَو بنى عَلَيْهِ،
(2/487)
وَإِن نقص الْمَغْصُوب بعد غصبه وَقبل رده
وَكَانَ نَقصه [لغير تغير سعر] كنبات لحية عبد فَعَلَيهِ أى الْغَاصِب
أَرْشه أَي أرش مَا نقص من قِيمَته، وَإِن كَانَ لتغير سعر بِأَن نزل لذهاب
موسم لم يضمن سَوَاء ردَّتْ الْعين أَو تلفت لِأَن الْمَغْصُوب لم تنقص
عينه وَلَا صفته فَلم يلْزمه شَيْء سوى رد الْمَغْصُوب أَو بدله، والفائت
إِنَّمَا هُوَ رغبات النَّاس وَلَا تقَابل بِشَيْء. وَإِن بنى الْغَاصِب
فِي أَرض غصبهَا أَو الشَّرِيك وَلَو من غير غصب لكنه فعله بِغَيْر إِذن
شَرِيكه أَو غرس فِيهَا لزمَه أَي من فعل ذَلِك قلع بنائِهِ وغرسه
وَلَزِمَه أرش نقض وَلَزِمَه تَسْوِيَة أَرض وفيهَا الْأُجْرَة ايضا أَي
أُجْرَة الْمثل، وَلَو غصب مَا اتّجر بِهِ أَو غصب جارحا أَو قوسا أَو فرسا
ف [صَاد] هُوَ أَو غَيره بِهِ أَو عَلَيْهِ أَو غنم فَهُوَ لمَالِكه، [أَو]
غصب منجلا ف [حصد] بِهِ أَو قطع بِهِ خشبا أَو حشيشا [فمهما حصل ب] سَبَب
ذَلِك من مَال تِجَارَة أَو صيد أَو غنيمَة أَو أُجْرَة منجل. وَأما
الْمَقْطُوع والمخضود بالمنجل فَهُوَ لغاصب لحُصُول الْفِعْل مِنْهُ كَمَا
لَو غصب سَيْفا فقاتل، أَو حشيش قطعه بِهِ ف هُوَ لمَالِكه لِأَنَّهُ حصل
بِسَبَب الْمَغْصُوب فَكَانَ لمَالِكه، وَإِن [خلطه] أَي خلط الْغَاصِب
الْمَغْصُوب بِمَا لَا يتَمَيَّز كزيت وَنقد بمثلهما لزم مثله مِنْهُ.
وَإِن خلطه بِدُونِهِ أَو بِخَير مِنْهُ أَو بِغَيْر جنسه على وَجه لَا
يتَمَيَّز كزيت بشيرج ودقيق حِنْطَة بدقيق شعير وَنَحْوه فهما شريكان بِقدر
قيمتهمَا كاختلاطهما من غير غصب نصا، وَحرم تصرق غَاصِب فِي قدر مَاله
فِيهِ أَو صبغ الْغَاصِب الثَّوْب الَّذِي غصبه أَو لت السويق بِزَيْت وَلم
(2/488)
تنقص قيمتهمَا وَلم تزد أَو زادتا مَعًا
فهما شريكان بِقدر ملكيهما لِاجْتِمَاع ملكيهما وَهُوَ يقتضى الاشراك
فَيُبَاع ذَلِك ويوزع الثّمن على قدر الْقِيمَتَيْنِ. وَكَذَا لَو غصب زيتا
فَجعله صابونا. وَإِن نقصت الْقيمَة أَي قيمَة الثَّوْب والصبغ، أَو السويق
وَالزَّيْت أَو قيمَة أَحدهمَا فَالزِّيَادَة لصَاحبه. وَإِن أَرَادَ
أَحدهمَا قلع الصَّبْغ لم يجْبر الآخر عَلَيْهِ لِأَن فِيهِ إتلافا لملك
الآخر. وَلَو أَرَادَ الْمَالِك بيع الثَّوْب فَلهُ ذَلِك وَلَو أَبى
الْغَاصِب، وَإِن أَرَادَ الْغَاصِب بَيْعه لم يجْبر الْمَالِك، وَإِن وهب
الصَّبْغ أَو تزويق الدَّار وَنَحْوهمَا للْمَالِك لزمَه قبُوله.
(2/489)
[فصل وَمن اشْترى أَرضًا فغرس أوبنى]
فِيهَا [ثمَّ] بعد الْغَرْس أَو الْبناء [وجدت] الأَرْض اى ظَهرت
مُسْتَحقَّة لغير بَائِعهَا وَقلع ذَلِك الْغِرَاس أَو الْبناء لِأَنَّهُ
وضع بِغَيْر حق [رَجَعَ] مُشْتَر على بَائِع بِمَا غرمه من ثمنه لقبضه
وَأُجْرَة غارس وَبَان وَثمن مُؤَن مستهلكة وَأرش نقص لقلع وَنَحْو ذَلِك،
لِأَنَّهُ غره وأوهمه أَنَّهَا ملكه وَذَلِكَ سَبَب غراسه وبنائه. وَعلم
مِنْهُ أَن لرب الأَرْض قلع الْغِرَاس وَالْبناء بِلَا ضَمَان نقص،
لِأَنَّهُ وضع فِي ملكه بِغَيْر إِذْنه فَحكمه كالغصب وَإِن غصب شَيْئا ف
أطْعمهُ أى الْمَغْصُوب ل شخص عَالم بغصبه أَي بِأَنَّهُ غصبه وأطعمه
إِيَّاه ضمن آكل مَا أكله: لِأَنَّهُ أتلف مَال غَيره بِغَيْر إِذْنه
عَالما من غير تغرير، وللمالك تضمين الْغَاصِب وتضمين آكله. إِن أطْعمهُ
لغير عَالم بِأَنَّهُ غصبه وَلَو لمَالِك لم يبرأ غَاصِب. وَيضمن
بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مَغْصُوب مثلي وَهُوَ كل مَكِيل أَو موزن لَا
صناعَة فِيهِ مُبَاحَة يَصح السّلم فِيهِ بِمثلِهِ نصا فَإِن أعوز الْمثل
فَقيمته يَوْم إعوازه، فَإِن قدر على الْمثل لَا بعد أَخذ الْقيمَة وَجب
الْمثل لِأَنَّهُ الأَصْل وَيضمن غَيره أَي غير المثلى كَالثَّوْبِ وَالسيف
وَنَحْو ذَلِك إِذا تلف أَو أتلف بِقِيمَتِه يَوْم تلفه فِي بلد غصبه من
نَقده لِأَنَّهُ مَوضِع الضَّمَان
(2/490)
بِمُقْتَضى التَّعَدِّي، فَإِن كَانَ نقود
فَمن غالبها، وَيضمن محرم صناعَة بوزنه من جنسه، وَحرم تصرف غَاصِب وَغَيره
مِمَّن علم الْحَال بمغصوب، وَلَا يَصح عقد من الْعُقُود بِهِ كَالْبيع
وَالْإِجَارَة وَالْهِبَة وَنَحْوهَا، وَلَا تصح عبَادَة بِهِ كاستجمار
بِنَحْوِ حجر مَغْصُوب ووضوء وَغسل وَتيَمّم بمغصوب وَصَلَاة فِي ثوب
مَغْصُوب أَو بقْعَة مغصوبه وَإِخْرَاج زَكَاة أَو حج من مَال مَغْصُوب،
وَالْقَوْل مُبْتَدأ إِن اخْتلفَا فِي قيمَة تَالِف بِأَن قَالَ مَالك:
كَانَ قِيمَته خمسين، فَقَالَ غَاصِب: بل أَرْبَعِينَ، أَو اخْتلفَا فِي
قدره بِأَن قَالَ: عشرَة أَذْرع فَقَالَ غَاصِب: بل ثَمَانِيَة أَو
اخْتلفَا فِي صفته بِأَن قَالَ: كَانَ كَاتبا فَأنكرهُ غَاصِب، أَو
اخْتلفَا فِي ملك ثوب على مَغْصُوب أَو سرج على فرس قَوْله خبر أَي
الْغَاصِب بِيَمِينِهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَة للْمَالِك لِأَنَّهُ، مُنكر
وَالْأَصْل بَرَاءَته من الزَّائِد وَعدم الصِّنَاعَة فِيهِ وَعدم ملك
الثَّوْب أَو السرج عَلَيْهِ، وَإِن اخْتلفَا فِي رده إِلَى مَالِكه أَو
اخْتلفَا فِي عيب فِيهِ بِأَن قَالَ غَاصِب: كَانَ العَبْد أَعور أَو أعرج
أَو يَبُول فِي فرَاشه وَنَحْوه فَالْقَوْل قَول ربه بِيَمِينِهِ على نفي
ذَلِك، لِأَن الأَصْل عدم الرَّد وَالْعَيْب. وَمن بِيَدِهِ غصب غصب أَو
غَيره كرهن وَسَائِر الْأَمَانَات وَالْأَمْوَال الْمُحرمَة وَجَهل ربه أَو
عرفه وفقده وَلَيْسَ لَهُ وَارِث فَلهُ الصَّدَقَة بِهِ أَي الْغَصْب
وَغَيره عَنهُ أَي عَن مَالِكه بنية الضَّمَان لرَبه كلقطة وَيسْقط عَنهُ
إِثْم غصب، وَإِن دَفعه إِلَى حَاكم لزمَه قبُوله وبريء من عهدته. وَلَيْسَ
لمن هُوَ فِي يَده أَخذ شَيْء مِنْهُ فَقِيرا نصا.
(2/491)
وَإِذا تصدق بِالْمَالِ ثمَّ حضر الْمَالِك
خير بَين الْأجر وَالْأَخْذ من الْمُتَصَدّق، فَإِن اخْتَار الْأَخْذ فَلهُ
ذَلِك وَالْأَجْر للمتصدق. وَمن لم يقدر على مُبَاح لم يَأْكُل مَاله غنية
عَنهُ كحلوى وَنَحْوهَا. وَمن أتلف من مُكَلّف أَو غَيره إِن لم يَدْفَعهُ
ربه إِلَيْهِ وَلَو سَهوا مَالا مُحْتَرما لغيره بغيرإذنه وَمثله يضمن ضمنه
متْلف لِأَنَّهُ فَوته عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانه كَمَا لَو غصبه
فَتلف عِنْده فَخرج بِالْمَالِ نَحْو سرجين نجس وكلب، وبالمحترم نَحْو صنم
وصليب، وَبِقَوْلِهِ (لغيره) مَال نَفسه، وَبِقَوْلِهِ بِغَيْر إِذْنه مَا
إِذا أذن لَهُ مُكَلّف رشيد بِإِتْلَاف مَاله فأتلفه، ويقوله وَمثله يضمن
مَا يتلفه أهل الْعدْل من مَال أهل الْبَغي وَقت حَرْب وَعَكسه، وَمَا
يتلفه الْمُسلم من مَال حَرْبِيّ وَعَكسه، وَمَا يتلفه مَحْجُور عَلَيْهِ
لَحْظَة مِمَّا دفع إِلَيْهِ، وَمَا يتلفه بِدفع صائل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ
لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي هَذِه الصُّور. وَإِن أكره على إِتْلَاف مَال
مَضْمُون فأتلفه ضمنه مكرهه وَلَو على إِتْلَاف مَال نَفسه. وَإِن فتح قفصا
عَن طَائِر، أَو حل قيد قن أَو أَسِير، أَو دفع لأَحَدهمَا مبردا فبرد
الْقَيْد، أَو حل فرسا أَو سفينة ففات، أَو عقر شَيْء من ذَلِك بِسَبَب
إِطْلَاقه بِأَن كَانَ الطير جارحا فَقلع عين إِنْسَان وَنَحْوه، أَو حل
وكاء زق فِيهِ مَائِع فأذابته الشَّمْس، أَو بقى يعد حلّه فألقته الرّيح
فاندفق، ضمن فِي الْجَمِيع. وَلَو بقى الطَّائِر أَو الْفرس حَتَّى نفرهما
آخر ضمن المنفر، [وَإِن ربط إِنْسَان] أَو أوقف دَابَّة بطرِيق ضيق ضمن مَا
أتلفته الدَّابَّة مُطلقًا أى سَوَاء كَانَت لَهُ أَو لغيره، يَده
عَلَيْهَا أَو لَا، ضربهَا أَو لَا، وَسَوَاء جنت بمقدمها أَو مؤخرها أَو
فمها.
(2/492)
وَكَذَا لَو ترك بِالطَّرِيقِ نَحْو
خَشَبَة أَو طين أَو عَمُود أَو حجر أَو كيس دَرَاهِم فَإِنَّهُ يضمن مَا
تلف بِسَبَب ذَلِك. وَيجوز قتل هرة تَأْكُل نَحْو لحم كالفواسق، وَفِي
الْفُصُول: حِين أكله، وَفِي التَّرْغِيب: إِن لم تنْدَفع إِلَّا بِهِ
كصائل. وَمن أجج نَارا بِملكه فتعدت إِلَى فتعدت إِلَى غَيره فأتلفته ضمنه
إِن فرط بِأَن أجج نَارا تسري فِي الْعَادة لكثرتها، أَو فِي ريح شَدِيدَة
تحملهَا إِلَى ملك غَيره لَا إِن طَرَأَ ت ريح. وَمن بسط فِي مَسْجِد
حَصِيرا أَو بَارِية أَو بساطا أَو علق أَو أوقد فِيهِ قِنْدِيلًا أَو نصب
فِيهِ بَابا أَو عمدا لمصْلحَة أَو رفا لنفع النَّاس أَو هُوَ سقفه أَو بنى
جدارا وَنَحْوه أَو جلس أَو اضْطجع أَو قَامَ فِيهِ أَو فِي طَرِيق وَاسع
فعثر بِهِ حَيَوَان لم يضمن مَا تلف بِهِ. وَمن اقتنى كَلْبا عقورا أَو لَا
يقتني كَمَا لَو كَانَ لغير مَاشِيَة وَنَحْوهَا أَو أسود بهيما أَو أسدا
أَو نمرا أَو ذئبا أَو جارحا أَو هرا يَأْكُل الطُّيُور ويقلب الْقُدُور
عَادَة فأتلف شَيْئا ضمنه، وَلَا يضمن رب بَهِيمَة غير ضارية أى مَعْرُوفَة
بالصول مَا أتلفته نَهَارا من الْأَمْوَال والأبدان، وَإِن كَانَت
الدَّابَّة بيد رَاكب لَهَا أَو بيد قَائِد لَهَا أَو بيد سائق لَهَا
مَالِكًا كَانَ أَو مُسْتَأْجرًا أَو مستعيرا أَو موصي لَهُ بنفعها وَكَانَ
قَادِرًا على التَّصَرُّف فِيهَا ضمن جِنَايَة مقدمها كفمها ويدها
وَوَلدهَا أَو ضَمَان وَطئهَا الدَّابَّة برجلها لَا مَا نفحت بهَا بِلَا
سَبَب مَا لم يكبحها أى يجذبها باللجام زِيَادَة على الْعَادة أَو يضْرب
وَجههَا. وَلَا جِنَايَة ذنبها.
(2/493)
وَضمن رَبهَا ومستأجرها ومستعيرها ومودعها
مَا أفسدت من زرع وَشَجر وَغَيرهمَا لَيْلًا فَقَط نصا. وَإِن تعدد رَاكب
ضمن الأول أَو من خَلفه إِن انْفَرد بتدبيرها، وَإِن اشْتَركَا فِيهِ أَو
لم يكن إِلَّا سائق وقائد اشْتَركَا فِي الضَّمَان. وَإِن اصطدمت سفينتان
فغرقتا ضمن كل من قيمى السفينتين سفينة الآخر وَمَا فِيهَا من نفس وَمَال
إِن فرط، وَإِن تعمداه فهما شريكان فِي إتلافهما وَمَا فيهمَا، فَإِن قتل
غَالِبا فالقود بِشَرْطِهِ، وَإِن لَا يقتل غاليا فَشبه عمد. وَمن قتل
صائلا عَلَيْهِ وَلَو آدَمِيًّا دفعا عَن نَفسه وَلم ينْدَفع بِغَيْر
الْقَتْل، أَو خنزيرا، أَو أتلف وَلَو مَعَ صَغِير مِزْمَارًا أَو طنبورا
أَو عودا أَو طبلا أَو دفا بصنوج أَو حلق أَو نردا أَو شطرنجا أَو صليبا
أَو كسر إِنَاء فضَّة أَو ذهب أَو إِنَاء فِيهِ خمر مَأْمُور بإراقتها قدر
على إراقتها بِدُونِهِ أَو لَا حليا محرما على ذكر لم يَتَّخِذهُ يصلح
للنِّسَاء أَو آله سحر أَو تعزيم أَو تنجيم أَو صور خيال أَو أوثانا أَو
كتب مبتدعة مضلة أَو كفرا وأكاذيب أَو سخائف لأهل الضَّلَالَة والبطالة أَو
كتابا فِيهِ أَحَادِيث رَدِيئَة أَو حرق مخزن خمر لم يضمن شَيْئا فِي
الْجَمِيع. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى للمؤلف: وَظَاهره وَلَو كَانَ مَعهَا
غَيرهَا. وَأما دف الْعَرُوس الَّذِي لَا حلق فِيهِ وَلَا صنوج فمضمون
لإباحته، وَكَذَلِكَ طبل حَرْب، وَلَا فرق بَين كَون الْمُتْلف مُسلما أَو
كَافِرًا.
(2/494)
3 - (فصل)
3.
بِإِسْكَان الْفَاء من الشفع وَهُوَ الزَّوْج أَو من الشَّفَاعَة أى
الزِّيَادَة أَو التقوية، وَهِي شرعا اسْتِحْقَاق الشَّرِيك انتزاع شقص
شَرِيكه مِمَّن انْتقل إِلَيْهِ بعوض مَالِي إِن كَانَ مثله أَو دونه.
وَلَا تسْقط بحيلة وَلَا تثبيت إِلَّا بطلبها فَوْرًا بِأَن يشْهد
بِالطَّلَبِ حِين يعلم إِن لم يكن عذر، ثمَّ لَهُ أَن يُخَاصم وَلَو بعد
أَيَّام فَإِن أخر الطّلب بِغَيْر عذر سَقَطت لمُسلم مُتَعَلق بتثبت على
مُسلم وَكَافِر ولكافر على كَافِر لَا على مُسلم، نصا، تَامّ الْملك فَلَا
تثبت لمَالِك ملكا غير تَامّ كشركة ووقف وَلَو على معِين، فَلَا يَأْخُذ
مَوْقُوف عَلَيْهِ بِالشُّفْعَة لقُصُور ملكه فِي حِصَّة شَرِيكه المنتقلة
لغيره أَي الشَّفِيع بعوض فَلَا شُفْعَة فِي الْمَوْرُوث والموصي بِهِ
والموهوب بِلَا عوض [مَالِي] صفة لعوض، فَلَا شُفْعَة فِيمَا جعل مهْرا أَو
عوضا فِي خلع أَو صلحا عَن دم عمد وَنَحْوه [بِمَا] أَي بِمثل الثّمن
الَّذِي [اسْتَقر عَلَيْهِ العقد] قدرا وجنسا وَصفَة، فَإِن جهل وَلَا
حِيلَة سَقَطت وَمَعَ الْحِيلَة يجب قيمَة الشّقص،
(2/495)
وَشرط لثُبُوت الْأَخْذ بِالشُّفْعَة تقدم
ملك شَفِيع لرقبة الْعقار فَيثبت لمكاتب كَغَيْرِهِ [لَا] لأحد اثْنَيْنِ
اشتريا دَارا صَفْقَة على الآخر وَشرط أَيْضا كَون شقص مَبِيع [مشَاعا] أَي
غير مفرز من أَرض تجب قسمتهَا أَي الأَرْض إجبارا بِطَلَب من لَهُ فِيهَا
جُزْء [وَيدخل غراس] وَيدخل [بِنَاء] بِالشُّفْعَة تبعا لأرض وَلَا يدْخل
ثَمَرَة ظَاهِرَة [و] لَا [زرع] بشفعة لَا تبعا وَلَا مُفردا، لِأَنَّهُ
لَا يدْخل فِي البيع تبعا فَلَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة. فَلَا شُفْعَة
فِيمَا لَا يَنْقَسِم إجبارا كحمام صَغِير وبئر وطرق وعراص ضيقَة ورحى
صَغِيرَة، وَلَا فِيمَا لَيْسَ بعقار كشجر وحيوان وَبِنَاء مُفْرد وجوهر
وَسيف وسكين وَزرع وثمر وكل مَنْقُول. وَشرط أَيْضا أَخذ جَمِيع مَبِيع
دفعا لضَرَر المُشْتَرِي بتبعيض الصَّفْقَة فِي حَقه بِأخذ بعض الْمَبِيع
مَعَ أَن الشُّفْعَة على خلاف الأَصْل دفعا لضَرَر الشّركَة فَإِذا أَخذ
الْبَعْض لم ينْدَفع الضَّرَر فَإِن أَرَادَ الشَّفِيع أَخذ الْبَعْض من
الْمَبِيع مَعَ بَقَاء الْكل أَي لم يتْلف مِنْهُ شَيْء سَقَطت شفعته،
وَإِن تلف الْبَعْض فَلهُ أَخذ بَاقِيه بِحِصَّتِهِ من ثمنه أَو عجز
الشَّفِيع وَلَو عَن بعض الثّمن بعد إنظاره أَي الشَّفِيع ثَلَاثًا لَيَال
بأيامها حَتَّى يتَبَيَّن عَجزه نصا وَلم يَأْتِ بِهِ سَقَطت حَتَّى وَلَو
أَتَى برهن أَو ضَامِن مَلِيء لبَقَاء ضَرَره بِتَأْخِير الثّمن أَو قَالَ
الشَّفِيع لمشتر: بمعني إِيَّاه أَو قَالَ لَهُ صالحني عَلَيْهِ أَو: هبه
لي، أَو: اشْتريت رخيصا أَو غاليا وَنَحْوه سَقَطت، أَو أخبرهُ بذلك عدل
وَاحِد وَلَو عبدا أَو أُنْثَى فكذبه وَنَحْوه كَأَن أخبرهُ من لَا يقبل
قَوْله كفاسق فَصدقهُ وَلم يطْلب سَقَطت لِأَنَّهُ غير مَعْذُور
(2/496)
فَإِن عَفا بَعضهم أَي الشُّرَكَاء عَن
حَقه من الشُّفْعَة أَخذ باقيهم أى الشُّرَكَاء الْكل بِالشُّفْعَة أَو
تَركه كُله لِأَن فِي أَخذهم الْبَعْض إِضْرَارًا بالمشتري وَإِن مَاتَ
شَفِيع قبل طلب الشُّفْعَة مَعَ قدرَة أَو إِشْهَاد، مَعَ عذر بِطَلَب أَي
سَقَطت لَا بعد طلب أَو إِشْهَاد حَيْثُ اعْتبر الْإِشْهَاد كَمَرَض شَفِيع
وَنَحْوه، وَتَكون لوَرثَته كلهم بِقدر إرثهم فَإِن عدموا فلإمام الْأَخْذ
بهَا، وَإِن كَانَ الثّمن أَي ثمن الشّقص مُؤَجّلا أَخذ مَلِيء أَي قَادر
على الْوَفَاء [بِهِ] أَي بِالثّمن مُؤَجّلا وَأخذ غَيره أَي غير المليء
الشّقص الْمُؤَجل [بكفيل مَلِيء] نصا لِأَنَّهُ تَابع للْمُشْتَرِي فِي
الثّمن وَصفته، والتأجيل من صِفَاته وينتفي عَنهُ الضَّرَر بِكَوْنِهِ
مليئا أَو كفيله مليئا. [وَلَو أقرّ بَائِع بِالْبيعِ] أَي بيع الشّقص
الْمَشْفُوع وَأنكر مُشْتَر ثبتَتْ الشُّفْعَة بِمَا قَالَ البَائِع
فَيَأْخُذ الشَّفِيع الشّقص مِنْهُ وَيدْفَع إِلَيْهِ الثّمن إِن لم يكن
مقرا بِقَبْضِهِ، وَإِن كَانَ مقرا بِالْقَبْضِ من الْمُشْتَرى بقى فِي
ذمَّة الشَّفِيع إِلَى أَن يَدعِيهِ المُشْتَرِي.
(2/497)
3 - (فصل)
. وَيسن قبُول وَدِيعَة وَهِي فعيلة من ودع الشَّيْء إِذا تَركه، وَهِي
متروكة عِنْد الْمُودع، قيل مُشْتَقَّة من الدعة فَكَأَنَّهَا عِنْد
الْمُودع غير مبتذلة للِانْتِفَاع بهَا، وَقيل من ودع الشَّيْء إِذا سكن،
فَكَأَنَّهَا سَاكِنة عِنْد الْمُودع، وَشرعا المَال الْمَدْفُوع إِلَى من
يحفظه بِلَا عوض، فَخرج الْكَلْب وَالْخمر وَمَا ألقته نَحْو ريح من نَحْو
ثوب إِلَى دَار غَيره، وَمَا تعدى بِأَخْذِهِ وَالْعَارِية وَنَحْوهَا
والأجير على حفظ مَال لمن مُتَعَلق بيسن يعلم من نَفسه الْأَمَانَة. وَهِي
عقد جَائِز من الطَّرفَيْنِ [وَيلْزم] الْوَدِيع [حفظهَا] أَي الْوَدِيعَة
فِي [حرز مثلهَا] عرفا أَي فِي كل مَال بِحَسبِهِ وَإِن عينه أَي الْحِرْز
رَبهَا أَي الْوَدِيعَة بِأَن قَالَ: احفظها بِهَذَا الْبَيْت أَو
الْحَانُوت فأحرزها بِدُونِهِ أَي دون الْمعِين رُتْبَة فِي الْحِفْظ
فَضَاعَت ضمنهَا، وَلَو ردهَا إِلَى الْمعِين لِأَنَّهُ تعدى بوضعها فِي
الدون فَلَا تعود أَمَانَة إِلَّا بِعقد جَدِيد، وَإِن أحرزها بِمثلِهِ أَو
فَوْقه وَلَو لغير حَاجَة لم يضمن، أَو إِن تعدى الْوَدِيع فِي الْوَدِيعَة
[أَو فرط] فِي حفظهَا ضمنهَا
(2/498)
لَا بِلَا تعد وَلَا تَفْرِيط لِأَنَّهُ
تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَة، وَالضَّمان يُنَافِي الْأَمَانَة حَتَّى
وَلَو تلفت من بَين مَاله وَلم يذهب مَعهَا شَيْء مِنْهُ [أَو] إِن [قطع]
الْوَدِيع [علف دَابَّة عَنْهَا] أَو سقيها حَتَّى مَاتَت جوعا أَو عطشا
بِغَيْر قَوْله مَالِكهَا ضمن لَا إِن نَهَاهُ مَالِكهَا عَن ذَلِك، وَيحرم
مُطلقًا. وَإِن نَهَاهُ عَن إخْرَاجهَا فأخرجها لشَيْء الْغَالِب مِنْهُ
الْهَلَاك لم يضمن إِن وَضعهَا فِي حرز مثلهَا أَو فَوْقه، فَإِن تعذر
فأحرز بِدُونِهِ لم يضمن وَإِن قَالَ: لَا تخرجها وَإِن خفت عَلَيْهَا
فَحصل خوف فأخرجها أَو لَا لم يضمن. وَإِن قَالَ اتركها فِي جيبك فَتَركهَا
فِي كمه أَو يَده ضمن لَا إِن قَالَ: اتركها فِي كمك أَو يدك فَتَركهَا فِي
جيبه لِأَن الجيب أحرز. وَلَا إِن أَلْقَاهَا عِنْد هجوم ناهب وَنَحْوه
إخفاء لَهَا، وَإِن قَالَ مُودع خَاتم: اجْعَلْهُ فِي البنصر فَجعله فِي
الْخِنْصر ضمن لَا عَكسه، إِلَّا إِن انْكَسَرَ لغلظها أَي البنصر فَيضمنهُ
لِأَنَّهُ أتْلفه بِمَا لم يَأْذَن فِيهِ مَالِكه، وَإِن جعله فِي
الْوُسْطَى وَأمكن إِدْخَاله فِي جَمِيعهَا فَضَاعَ لم يضمنهُ، وَإِن لم
يدْخل فِي جَمِيعهَا فَجعله فِي بَعْضهَا لِأَنَّهُ أدنى من الْمَأْمُور
بِهِ، وَإِن دَفعهَا إِلَى من يحفظ مَاله عَادَة كَزَوْجَة وَعبد
وَنَحْوهمَا أَو لعذر إِلَى أَجْنَبِي ثِقَة أَو حَاكم لم يضمن وَإِن لم
يكن عذر ضمن، وَإِن أخرج الدَّرَاهِم لينفقها أَو لينْظر إِلَيْهَا ثمَّ
ردهَا إِلَى وعائها أَو كسر خَتمهَا أَو حل كيسها أَو جَحدهَا ثمَّ أقرّ
بهَا، أَو ركب الدَّابَّة لَا ليسقيها أَو
لبس الثَّوْب لَا لخوف من عث ضمن وَوَجَب ردهَا فَوْرًا
(2/499)
وَلَا تعود أَمَانَة بِغَيْر عقد متجدد ,
وَصَحَّ قَول مُودع لوديع: كلما خُنْت ثمَّ عدت إِلَى أَمَانَة فَأَنت
أَمِين. وَمن أودعهُ صَغِير وَدِيعَة لم يبرأ إِلَّا بردهَا لوَلِيِّه
ويضمنها إِن تلفت مَا لم يكن الصَّغِير مَأْذُونا لَهُ فِي الْإِيدَاع أَو
يخف هلاكها مَعَه فَإِنَّهُ لَا يضمنهَا. وَإِن أودع جَائِز التَّصَرُّف
مَاله لصغير أَو مَجْنُون أَو سَفِيه فأتلفه لم يضمنهُ [وَيقبل قَول مُودع
فِي ردهَا] أَي الْوَدِيعَة إِلَى رَبهَا أَو إِلَى (غَيره أَي غير رَبهَا
مِمَّن يحفظ مَاله عَادَة من نَحْو زَوْجَة وخازن؛ لِأَنَّهُ أَمِين
بِإِذْنِهِ أَي إِذن لَا إِن ادّعى دَفعهَا إِلَى وَارثه أَي الْمَالِك
إِلَّا بِبَيِّنَة وَيقبل قَوْله فِي [تلفهَا] أَي الْوَدِيعَة بِسَبَب
خَفِي كسرقة لتعذر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ؛ وَلِئَلَّا يمْتَنع
النَّاس من قبُول الْأَمَانَات مَعَ الْحَاجة إِلَيْهِ. وَكَذَا إِن لم
يذكر سَببا لَا بِسَبَب ظَاهر كحريق إِلَّا بِبَيِّنَة تشهد بِوُجُودِهِ
ثمَّ يحلف أَنَّهَا ضَاعَت بِهِ؛ فَإِن لم تقم بِبَيِّنَة بِالسَّبَبِ
الظَّاهِر ضمن لِأَنَّهُ لَا تتعذر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ. وَيقبل
قَوْله فِي عدم تَفْرِيط لِأَنَّهُ أَمِين وَالْأَصْل عَدمه وَفِي عدم تعد
وَعدم خِيَانَة , وَيقبل قَوْله أَيْضا فِي الْإِذْن إِذا قَالَ الْمُودع:
أَذِنت لي بدفعها لفُلَان وَفعلت. [وَإِن أودع اثْنَان] إنْسَانا
[مَكِيلًا] يقسم أَو مَوْزُونا يقسم إجبارا فَطلب أَحدهمَا نصِيبه لغيبة
شريك أَو مَعَ حُضُوره وامتناعه من أَخذ نصِيبه وَمن الْإِذْن لشَرِيكه فِي
أَخذ نصِيبه سلم إِلَيْهِ أَي الطَّالِب نصِيبه وجوبا
(2/500)
ولمودع خبر مقدم [ومضارب ومرتهن ومستأجر]
قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: قلت وَمثلهمْ الْعدْل بِيَدِهِ الرَّهْن ولأجير
عل حفظ عين وَالْوَكِيل فِيهِ وَالْمُسْتَعِير والمجاعل على عَملهَا إِن
غصبت الْعين أَي الْوَدِيعَة أَو مَال الْمُضَاربَة أَو الرَّهْن أَو
الْمُسْتَأْجرَة الْمُطَالبَة بهَا مُبْتَدأ مُؤخر , مِمَّن غصبهَا ,
لِأَنَّهَا من جملَة حفظهَا الْمَأْمُور بِهِ.
وان أكره مُودع على دَفعهَا لغير رَبهَا لم يضمن.
(2/501)
3 - (فصل)
فِي إحْيَاء الْموَات. واشتقاقه من الْمَوْت وَمن أَحْيَا لَو ذِمِّيا أَو
بِلَا إِذن من الإِمَام أَرضًا منفكة عَن الاختصاصات وَعَن ملك مَعْصُوم
مُسلم أَو كَافِر ملكهَا كالخرب الَّتِي ذهبت أنهارها واندرست أثارها وَلم
يعلم لَهَا مَالك وَيحصل إحْيَاء الْموَات بحوزها إِمَّا [بحائط منيع]
سَوَاء أرادها للْبِنَاء أَو الزَّرْع أَو حَظِيرَة للغنم أَو الْخشب أَو
غَيرهَا نصا. وَالْمرَاد بِالْحَائِطِ المنيع أَي يمْنَع مَا وَرَاءه وَلَا
يعْتَبر مَعَ ذَلِك تسقيف أَو ب [إِجْرَاء مَاء] بِأَن يَسُوق إِلَيْهَا من
نهر أَو بِئْر لَا تزرع إِلَّا بِهِ أَي المَاء أَوب قطع مَاء لَا تزرع
مَعَه أَي المَاء [أَو] بِحَفر بِئْر أَو نهر أَو بغرس شجر فِيهَا أَي
الْموَات.
ووارثه أَحَق بهَا من بعده. وَمن حفر بِئْرا بموات ملك حريمها , وَهُوَ من
كل جَانب فِي قديمَة وَتسَمى العادية نِسْبَة لعاد خَمْسُونَ ذِرَاعا
(2/502)
وَفِي غَيرهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ
ذِرَاعا. وحريم عين وقناة خَمْسمِائَة ذِرَاع , ونهر من جانبية مَا يحْتَاج
إِلَيْهِ لطرح كرايته وَطَرِيق شاوية وَنَحْوهَا. وشجرة قدر مد
أَغْصَانهَا. وَأَرْض تزرع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لسقيها وربط دوابها وَطرح
سبخها. [وَمن سبق إِلَى طَرِيق وَاسع فَهُوَ أَحَق بِالْجُلُوسِ فِيهِ مَا
بقى مَتَاعه] أَي مُدَّة بَقَاء مَتَاعه فِيهِ مالم يضر أحدا من النَّاس.
وَمن سبق إِلَى لَقِيط أَو لقطَة فَهُوَ أَحَق بِهِ أَو إِلَى مُبَاح كعنبر
ولؤلؤ ومرجان ومسك وصيد وثمر وحطب وَعسل نحل وطرفاء وقصب وَنَحْو ذَلِك
فَهُوَ لَهُ , وَالْملك مَقْصُور على الْقدر الْمَأْخُوذ فَلَا يملك مَا
يحرزه وَلَا يمْنَع غيرَة مِنْهُ , فان سبق إلية اثْنَان قسم بَينهمَا.
(2/503)
3 - (فصل)
فِي الْجعَالَة. وَالْأَصْل فِي مشروعيتها قَوْله تَعَالَى (وَلمن جَاءَ
بِهِ حمل بعير) وَحَدِيث اللديغ وَيجوز جعل شَيْء مَعْلُوم لمن يعْمل عملا
مُبَاحا وَلَو كَانَ الْعَمَل مَجْهُولا كرد عبد رد لقطَة وَبِنَاء حَائِط
وَنَحْو ذَلِك , فَمن فعله أَي الْعَمَل المجعول على عمله الْجعل بعد علمه
بالجعل اسْتَحَقَّه أَي الْجعل كُله لِأَن العقد اسْتَقر بِتمَام الْعَمَل
فَاسْتحقَّ مَا جعل لَهُ عَلَيْهِ كَالرِّيحِ فِي الْمُضَاربَة , وان بلغه
الْجعل فِي أثْنَاء الْعَمَل اسْتحق حِصَّة تَمَامه إِن أتمه , وَبعد فرَاغ
الْعَمَل لم يسْتَحق شَيْئا. وهى عقد جَائِز من الطَّرفَيْنِ لكل من
القاعدين [فَسخهَا ف] إِن حصل الْفَسْخ من عَامل ف [لَا شَيْء لَهُ]
لإِسْقَاط حق نَفسه حَيْثُ لم يوف بِالشّرطِ علية , وَإِن حصل من جَاعل
فعلية لعامل أُجْرَة مثل عملة وَإِن اخْتلفَا فِي جعل فَقَوْل من يَنْفِيه
, وَفِي قدره أَو مَسَافَة بِأَن قَالَ
(2/504)
جَاعل: جعلته لمن يردهُ من بريدين ,
وَقَالَ عَامل من بريد فَقَوْل جَاعل لِأَنَّهُ مُنكر وَالْأَصْل بَرَاءَة
, وكل مَا جَازَ أَخذ الْعِوَض علية فِي الْإِجَازَة من الْأَعْمَال جَازَ
أَخذه علية فِي الْجعَالَة وَمَا لَا فَلَا , كالغناء وَالزمر وَنَحْوهمَا
من الْمُحرمَات , وَمن يخْتَص فَاعله أَن يكون من أهل الْقرْيَة مِمَّا لَا
يتَعَدَّى نفع فَاعله كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام لَا يجوز أَخذ الْعِوَض
عَلَيْهِ. وَأما [مَا] يتَعَدَّى نَفعه كالأذان وَتَعْلِيم نَحْو فقه
فَيجوز و [إِن عمل] شخص غير معد لأخذ أُجْرَة على عمله لغيره عملا [بِلَا
جعل] مِمَّن لَهُ [أَو] عمل معد لاخذ أُجْرَة لغيره عملا [بِلَا إِذن]
مِمَّن عمله لَهُ فَلَا شَيْء لَهُ لتبرعه بِعَمَلِهِ حَيْثُ بذله بِلَا
عوض وَلِئَلَّا يلْزم الْإِنْسَان مَا لم يلْتَزم بِهِ وَلم تطب بِهِ نَفسه
إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا [تَحْصِيل مَتَاع] غَيره [من بَحر
أَو فلاة] أَو فَم سبع يظنّ هَلَاكه فِي تَركه فَلهُ أجر مثله لانه يخْشَى
هَلَاكه وتلفه على مَالِكه بِخِلَاف اللّقطَة , وَفِيه حث وترغيب على إنقاذ
الْأَمْوَال من الهلكة , والمسئلة الثَّانِيَة مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله
وَإِلَّا فِي رد رَقِيق أبق من قن ومدبر وَأم ولد إِن لم يكن الرَّاد
الإِمَام فَلهُ مَا قدره الشَّارِع وَهُوَ [دِينَار أَو اثْنَا عشر درهما]
سَوَاء رده سَوَاء من خَارج الْمصر أَو من دَاخله قربت الْمسَافَة أَو
بَعدت يُسَاوِي الْمِقْدَار الَّذِي قدره الشَّارِع أَو لَا , أَو كَانَ
الرَّاد زوجا للرقيق أَو ذَا رحم فِي عِيَال الْمَالِك أَو لَا مَا لم يمت
سيد مُدبر وآم ولد قبل وُصُول فيعتقا وَلَا شي لَهُ.
(2/505)
3 - (فصل)
فِي تبين أَحْكَام اللّقطَة واللقيط. واللقطة قَالَ فِي الْقَامُوس: محركة
أَي مَفْتُوحَة اللَّام وَالْقَاف - وَحكى عَن الْخَلِيل: اللّقطَة بِضَم
اللَّام وَفتح الْقَاف الْكثير الِالْتِقَاط , وَحكى عَنهُ فِي الشَّرْح
أَنَّهَا اسْم للملتقط لِأَن مَا جَاءَ على فعله فَهُوَ اسْم الْفَاعِل
كالضحكة والهمزة , وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام: الأول مَالا تتبعه همة أوساط
النَّاس كرغيف وَتَمْرَة وسوط وَشسع بكر الشين الْمُعْجَمَة الْمُتَقَدّمَة
أحد سيور النَّعْل يدْخلهُ بَين الإصبعين فَيملك بِأَخْذِهِ بِلَا تَعْرِيف
وَيُبَاح الِانْتِفَاع بِهِ نصا. الثَّانِي الضوال جمع ضَالَّة اسْم
للحيوان خَاصَّة الَّتِي تمْتَنع من صغَار السبَاع كذئب وَابْن آوى وَأسد
صَغِير , وامتناعها إِمَّا لكبر جثتها [كخيل وابل وبقر] وبغال وحمير
وَإِمَّا لسرعة عدوها كظباء , واما بطيرانها كطير , أَو بنابها كفهد , وقن
كَبِير فَيحرم التقاطها مَا عدا الْقِنّ الْآبِق وَلَا تملك بتعريفها.
الثَّالِث بَاقِي الْأَمْوَال كَثمن أَي ذهب وَفِضة ومتاع كثياب وفرش
وَأَوَان وآلات حَرْب وَنَحْوهَا , ومالا يمْتَنع من صغَار السبَاع ك [غنم
وفصلان] بِضَم الْفَاء وَكسرهَا جمع فصيل ولد النَّاقة إِذا
فصل
(2/506)
عَن أمه و [عجا جيل] جمع عجل ولد
الْبَقَرَة , النَّاس غير الْمَسَاجِد وَهُوَ أَن يُنَادي عَلَيْهَا فِي
الْأَسْوَاق وأبواب الْمَسَاجِد: من ضَاعَ مِنْهُ شَيْء , أَو نفقه؟ قَالَ
فِي الْمُغنِي: يذكر جِنْسهَا لَا غير فَيَقُول: من ضَاعَ مِنْهُ ذهب , أَو
فضَّة , أَو دَنَانِير , أَو دَرَاهِم , أَو ثِيَاب وَنَحْو ذَلِك. انْتهى.
(2/507)
وَأُجْرَة الْمُنَادِي على الْمُلْتَقط ,
وَمَا حرم الْتِقَاطه ضمن آخذه إِن أتلف أَو نقص كغاصب لعدم إِذن الشَّارِع
فِيهِ , وَلَا يضمن كليا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال. وَمن الْتقط مَا لَا
يجوز الْتِقَاطه وكتمه عَن ربه ثمَّ ثَبت بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار فَتلف
فعلية قِيمَته مرَّتَيْنِ لرَبه نصا. وَيَزُول ضَمَانه بِدَفْعِهِ إِلَى
الإِمَام أَو نَائِبه. أَو برده إِلَى مَكَانَهُ بأَمْره [حولا] مُتَعَلق
بيجب [كَامِلا] فَوْرًا , كل يَوْم مرّة أسبوعا , أَي مُدَّة سَبْعَة
أَيَّام , ثمَّ بعد الْأُسْبُوع يعرفهَا شهرا , كل أُسْبُوع مرّة , ثمَّ
بعد ذَلِك يعرفهَا مرّة كل شهر إِلَى آخر الْحول [وتملك] اللّقطَة [بعده]
أَي الْحول [حكما] كالميراث نصا , فيتصرف فِيهَا بِمَا شَاءَ بِشَرْط
ضَمَانهَا وَيحرم على الْمُلْتَقط تصرفه فِيهَا أَي اللّقطَة بعد تَعْرِيفه
الْحول وَلَو بخلط بِمَا لَا تتَمَيَّز مِنْهُ قبل معرفَة وعائها وَهُوَ
كيسها وَنَحْوه [و] قبل معرفَة وكائها وَهُوَ مَا شدّ بِهِ الْوِعَاء هَل
هُوَ سير أَو خيط أَو ابريسم أَو كتَّان أَو غَيره وَقبل معرفَة عفاصها
بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ صفة الشد وَقبل معرفَة قدرهَا بالعد أَو
الْوَزْن أَو الْكَيْل بمعياره الشَّرْعِيّ وَقبل معرفَة جِنْسهَا وصفتها
الَّتِي تتَمَيَّز بهَا من الْجِنْس وَهُوَ لَوْنهَا ونوعها وَمَتى جَاءَ
رَبهَا أَي اللّقطَة يَوْمًا من الدَّهْر فوصفها بصفتها الَّتِي أَمر
الْمُلْتَقط أَن يعرفهَا [لزم] الْمُلْتَقط دَفعهَا أَي اللّقطَة إِلَيْهِ
بنمائها الْمُتَّصِل مُطلقًا , والمنفصل فِي حول التَّعْرِيف لِأَنَّهُ
تَابع لَهَا. وَإِن أدْركهَا بعد حول التَّعْرِيف مبيعة أَو موهوبة لم يكن
لَهُ إِلَّا الْبَدَل. وَمن وجد فِي حَيَوَان نَقْدا أَو درة فلقطة لواجده
يلْزمه تَعْرِيفه , وَمن اسْتَيْقَظَ من نَومه فَوجدَ فِي ثَوْبه مَالا
[لَا] يدْرِي من صرة فَهُوَ لَهُ.
(2/508)
وَمن أَخذ من نَائِم شَيْئا لم يبرأ إِلَّا
بِتَسْلِيمِهِ لَهُ بعد انتباهه وَمن أَخذ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نَعله
وَنَحْوه كخفه وَوجد غَيره مَكَانَهُ ف هُوَ لقطَة يلْزمه تَعْرِيفه.
وَالله أعلم. وأوز ودجاج , وخشبة صَغِيرَة وَقطعَة حَدِيد ونحاس ورصاص ,
وزق من دهن أَو عسل , وغرارة من حب , وَكتب , وَمَا أجْرى مجْرى ذَلِك ,
وَالْمَرِيض من كبار الْإِبِل وَنَحْوهَا كالصغير [ف] يجوز لمن أَمن نَفسه
عَلَيْهَا أَي اللّقطَة [أَخذهَا] وتملك بتعريفها الْمُعْتَبر شرعا
وَالْأولَى مَعَ ذَلِك تَركهَا وَلَو وجدهَا بمضيعة لِأَن فِيهَا تعريضا
لنَفسِهِ لأكل الْحَرَام وتضييع الْأَمَانَة فِيهَا [وَيجب] على من التقطها
حفظهَا جَمِيعًا لِأَنَّهَا صَارَت أَمَانَة بِيَدِهِ بالتقاطها فَإِن
أَخذهَا ثمَّ ردهَا موضعهَا ضمن. وَالْقسم الْأَخير ثَلَاثَة أَنْوَاع:
أَحدهَا مَا التقطه من حَيَوَان فَيلْزمهُ فعل الْأَصْلَح لمَالِكه من
ثَلَاثَة أُمُور , أكله بِقِيمَتِه , أَو بَيْعه وَحفظ ثمنه , أَو حفظه
وَينْفق عَلَيْهِ الْمُلْتَقط من مَاله وَله الرُّجُوع على مَالِكه بِمَا
أنْفق إِن نَوَاه , فَأن اسْتَوَت الثَّلَاثَة خير. الثَّانِي مَا يخْشَى
فَسَاده بتعيبه كالبطيخ والخضراوات وَنَحْوهَا , فَيلْزمهُ فعل الْأَصْلَح
من بَيْعه وَأكله وتجفيفه , فَإِن اسْتَوَت الثَّلَاثَة خير , فَإِن تَركه
حَتَّى تلف ضمنه لِأَنَّهُ مفرط. الثَّالِث بَاقِي المَال الْمُبَاح
الْتِقَاطه من أَثمَان ومتاع وَنَحْوه , فَيلْزمهُ حفظ جَمِيع حَيَوَان
وَغَيره لِأَنَّهُ صَار أَمَانَة فِي يَده بالتقاطه , وَيجب تَعْرِيفهَا
أَي الْجَمِيع فِي مجامع [واللقيط] فعيل بِمَعْنى الْمَفْعُول كالقتيل
والجريح والطريح. وَشرعا طِفْل لَا يعرف نسبه وَلَا رقّه , نبذ
بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي طرح فِي شَارِع أَو غَيره أَو ضل الطَّرِيق -
مَا بَين وِلَادَته إِلَى سنّ التَّمْيِيز فَقَط على الصَّحِيح قَالَه فِي
الْإِنْصَاف وَعند الْأَكْثَر إِلَى الْبلُوغ. قَالَ فِي الْفَائِق: وَهُوَ
الْمَشْهُور. والتقاطه اللَّقِيط فرض كِفَايَة , وَينْفق عَلَيْهِ مِمَّا
مَعَه إِن كَانَ فَإِن لم يكن مَعَه أَي اللَّقِيط شَيْء فَمن بَيت المَال
وَإِن تعذر بَيت المَال اقْترض عَلَيْهِ الْحَاكِم , وَظَاهره وَلَو مَعَ
وجود مُتَبَرّع بهَا؛ لِأَنَّهُ أمكن الْإِنْفَاق عَلَيْهِ بِلَا منَّة
تلْحقهُ أشبه أَخذهَا من بَيت المَال. وَإِن اقْترض الْحَاكِم مَا انفق
عَلَيْهِ ثمَّ بَان رَقِيقا أَو لَهُ أَب مُوسر رَجَعَ عَلَيْهِ , فان لم
يظْهر لَهُ أحد وفى من بَيت المَال فَأن تعذر الِاقْتِرَاض عَلَيْهِ أنْفق
عَلَيْهِ أَي اللَّقِيط عَالم بِهِ وجوبا لِأَنَّهَا فرض كِفَايَة وَلما
فِي ترك الْإِنْفَاق عَلَيْهِ من هَلَاك حفظه عَنهُ وَاجِب كإنقاذه من
الْغَرق [بِلَا رُجُوع] على أحد بِمَا أنفقهُ لوُجُوبه عَلَيْهِ. أَي
اللَّقِيط مُسلم حر فِي جَمِيع أَحْكَامه ان وجد فِي بلد إِسْلَام أَو فِي
بلد أهل حَرْب يكثر فِيهِ أَي الْبَلَد وَإِن وجد فِي بلد أهل حَرْب وَلَا
مُسلم فِيهِ أَو فِيهِ مُسلم كتاجر وأسير فكافر رَقِيق , وَإِن كَانَ بهَا
مُسلم يُمكن كَونه مِنْهُ
(2/509)
فَمُسلم , وَإِن لم يبلغ من قُلْنَا
بِكُفْرِهِ تبعا للدَّار حَتَّى
صَارَت دَار إِسْلَام فَمُسلم. وَالْأولَى بحضانته أَجِدهُ إِن كَانَ
أَمينا عدلا - وَلَو
ظَاهرا - حرا رشيدا مُكَلّفا وَله حفظ مَاله والإنفاق عَلَيْهِ مِنْهُ
وَقبُول هبة وَوَصِيَّة
بِغَيْر حكم حَاكم , وميراثه وديته إِن قتل لبيت المَال , وَيُخَير إِمَام
فِي عمد بَين أَخذهَا
وَالْقصاص , وَإِن قطع طرفه انْتظر بُلُوغه ورشده ليقتص أَو يعْفُو ,
إِلَّا أَن يكون فَقِيرا فَيلْزم الإِمَام الْعَفو عَليّ مَا ينْفق
عَلَيْهِ مِنْهُ. وان ادّعى أَجْنَبِي أَي غير وَاجِد
رقّه وَهُوَ بِيَدِهِ أَي بيد الْمُدَّعِي رقّه صدق بِيَمِينِهِ , وَيثبت
نسبه مَعَ بَقَائِهِ لسَيِّده
وَلَو مَعَ بَيِّنَة بنسبه , وَإِن ادّعى الرّقّ ملتقط لم يقبل إِلَّا
بِبَيِّنَة. وَأَن أقرّ بِهِ أَي بِأَن
اللَّقِيط وَلَده من يُمكن كَونه مِنْهُ أَي الْمقر وَلَو كَانَ الْمقر
كَافِرًا أَو رَقِيقا أَو ذَات
زوج أَو نسب مَعْرُوف ألحق أَي اللَّقِيط وَلَو مَيتا بِهِ أَي الْمقر
وَيثبت نسبه لِأَن
الْإِقْرَار بِالنّسَبِ مصلحَة مَحْضَة للقيط لاتصال نسبه وَلَا مضرَّة على
غَيره فِيهِ
فَقبل كَمَا لَو أقرّ لَهُ بِمَال , وَهَذَا بِلَا خلاف. وَفِي الْمَذْهَب
فِيمَا إِذا كَانَ الْمقر رجلا حرا يُمكن كَونه مِنْهُ نصي عَليّ الإِمَام
أَحْمد فِي رِوَايَة الْجَمَاعَة.
(2/510)
3 - (فصل)
-
وَالْوَقْف مصدر وقف الشَّيْء إِذا حبسهوأحبه، قَالَ الْحَارِثِيّ:
وَأَوْقفهُ لُغَة
لبني تَمِيم وَهُوَ سنة اخْتصَّ بهَا الْمُسلمُونَ قَالَ الشَّافِعِي: لم
يحبس أهل الْجَاهِلِيَّة ووانما حبس أهل الْإِسْلَام. انْتهى. ثمَّ هُوَ
شرعا تحبيس مَالك التَّصَرُّف مَاله المنتفع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه بِقطع
تصرفه وَتصرف غَيره فِي رقبته بِشَيْء من التَّصَرُّفَات يصرف ريعه فِي
جِهَة بر تقربا إِلَى الله تَعَالَى. وَيصِح الْوَقْف بقول وَفعل مَعَ
شَيْء دَال يدل عَلَيْهِ أَي الْوَقْف عرفا لمشاركة القَوْل فِي الدّلَالَة
عَلَيْهِ كمن بنى أرضه مَسْجِدا أَو جعلهَا مَقْبرَة وَأذن للنَّاس إِذْنا
عَاما أَن يصلوا فِيهِ أَي الْمَسْجِد الَّذِي بناه وَأَن [يدفنوا فِيهَا]
أَي الأَرْض الَّتِي جعلهَا مَقْبرَة. وللوقف صَرِيح وكناية , ف صَرِيحَة
قَول الْوَاقِف وقفت وحبست وسبلت لِأَن كل وَاحِدَة من هَذِه الثَّلَاث لَا
تحْتَمل غَيره بعرف الِاسْتِعْمَال وَالشَّرْع , وكنايته أَي الْوَقْف
تَصَدَّقت وَحرمت وأبدت لعدم خلوص كل مِنْهَا عَن الِاشْتِرَاك , فالصدقة
تسْتَعْمل فِي الزَّكَاة وَهِي ظَاهِرَة
(2/511)
فِي صَدَقَة التَّطَوُّع وَالتَّحْرِيم
وَيصِح الْوَقْف من مُسلم على ذمِّي معِين وَلَو أَجْنَبِيّا من الْوَاقِف
, وَيسْتَمر الْوَقْف لَهُ إِذا أسلم , وبلغو شَرط الْوَاقِف ,
(2/512)
وَيصِح [عَكسه] أَي من ذمِّي على مُسلم
معِين أَو طَائِفَة كالمساكين , ولايصح على الْكَنَائِس أَو بيُوت النَّار
أَو البيع أَو الصوامع وَلَو من ذمِّي وَلَا على كتب التوارة وَالْإِنْجِيل
وَلَا على حَرْبِيّ ومرتد وَلَا على نَفسه عِنْد الْأَكْثَر وينصرف
إِلَى من بعده فِي الْحَال , فَمن وقف على نَفسه ثمَّ أَوْلَاده أَو
الْفُقَرَاء صرفه فِي الْحَال
إِلَى أَوْلَاده أَو الْفُقَرَاء لِأَن وجود من لَا يصلح الْوَقْف عَلَيْهِ
كَعَدَمِهِ فَكَأَنَّهُ وَقفه على من بعده ابْتِدَاء فَإِن لم يذكر بعد
نَفسه جِهَة فملكه بِحَالهِ وَيُورث مِنْهُ وَعنهُ يَصح المنقح: اخْتَارَهُ
جمَاعَة ابْن أبي مُوسَى وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَصَححهُ ابْن عقيل
والحارثي وَأَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَة وَالْخُلَاصَة والتصحيح
وَإِدْرَاك الْغَايَة , وَمَال إِلَيْهِ فِي التَّلْخِيص , وَجزم بِهِ فِي
الْمنور وَمُنْتَخب الْآدَمِيّ , وَقدمه فِي الْهِدَايَة وَالْمُسْتَوْعب
وَالْهَادِي وَالْفَائِق وَالْمجد فِي مسودته على الْهِدَايَة وَعَلِيهِ
الْعَمَل فِي زَمَاننَا وَقَبله عِنْد حكامنا من أزمنة متطاولة وَهُوَ أظهر
, وَفِي الْإِنْصَاف: وَهُوَ الصَّوَاب وَفِيه مصلحَة عَظِيمَة وترغيب فِي
فعل الْخَيْر وَهُوَ من محَاسِن الْمَذْهَب. انْتهى من الْمُنْتَهى شَرحه.
(2/513)
وان وقف على غَيره وَاسْتثنى غَلَّته أَو
بَعْضهَا لَهُ ولأولاده أَو الاستنفاع لنَفسِهِ أَو
لأَهله أَو يطعم صديقه مُدَّة حَيَاته أَو مُدَّة مَعْلُومَة صَحَّ
الْوَقْف وَالشّرط , فَلَو مَاتَ
فِي أَثْنَائِهَا فالباقي لوَرثَته. وَتَصِح إِجَارَتهَا. وَمن وقف على
الْفُقَرَاء فافتقر تنَاول مِنْهُ. وَلَو وقف مَسْجِدا أَو مدرسة للفقهاء
أَو رِبَاطًا للصوفية وَنَحْوه مِم يعم فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِي الِانْتِفَاع
بِهِ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: لَكِن من كَانَ من الصُّوفِيَّة جماعا
لِلْمَالِ وَلم يتخلق بالأخلاق المحمودة وَلَا تأدب بالآداب الشَّرْعِيَّة
غَالِبا لَا آدَاب وضعية , أَو كَانَ فَاسِقًا لم يسْتَحق شَيْئا من
الْوَقْف على الصُّوفِيَّة , والصوفي الَّذِي يدْخل فِي الْوَقْف على
الصُّوفِيَّة يعْتَبر لَهُ ثَلَاثَة شُرُوط: الأول أَن يكون عدلا فِي دينه
, الثَّانِي أَن يكون ملازما لغالب الْآدَاب الشَّرْعِيَّة فِي غَالب
الْأَوْقَات وَإِن لم تكن وَاجِبَة كآداب الْأكل وَالشرب واللباس
وَالنَّوْم وَالسّفر والصحبة والمعاملة
مَعَ الْخلق إِلَى صَرِيح فِي الظِّهَار. والتأبيد يسْتَعْمل فِي كل مَا
يُرَاد تأبيده وَمن وقف وَغَيره. وَلَا بُد فِي الْكِنَايَة من نِيَّة
الْوَقْف مَا لم يقل: على قَبيلَة كَذَا , أَو طَائِفَة كَذَا أَو يقرن
الْكِنَايَة بِأحد الْأَلْفَاظ الْخَمْسَة فتصدقت صَدَقَة مَوْقُوفَة أَو
محبسه أَو مسبلة أَو مُحرمَة أَو مؤيدة , أَو قرنها بِحكم كَأَن لَا تبَاع
أَو لَا تورث لِأَن ذَلِك كُله لَا يسْتَعْمل فِي سوى الْوَقْف فانتفت
الشّركَة. وشروطه أَي الْوَقْف خَمْسَة: الأول كَونه فِي عين مَعْلُومَة
يَصح بيعهَا فَلَا يَصح وقف أم ولد وكلب ومرهون غير مصحف أَي فَيصح وَقفه
سَوَاء قُلْنَا بِصِحَّة بَيْعه على مَا فِي شرح الْمُنْتَهى وَغَيره , أَو
بِعَدَمِ الصِّحَّة على مَا فِي الْإِقْنَاع , وَينْتَفع بهَا - عطف على
يَصح بيعهَا - مَا يعد انتفاعا عرفا نفعا مُبَاحا مَعَ بَقَائِهَا أَي
الْعين فَلَا يَصح وقف مطعوم ومشروب ومشموم لَا ينْتَفع بِهِ مَعَ بَقَاء
عينه بِخِلَاف ند أَو صندل وَقطع كافور فَيصح وَقفه لشم مَرِيض وَغَيره لَا
وقف دهن وشمع لشعل وَلَا أَثمَان وقناديل تقد على الْمَسَاجِد وَلَا على
غَيره. وَالثَّانِي كَونه للْوَقْف على جِهَة بر وَهُوَ اسْم جَامع للخير
وَأَصله طَاعَة الله تَعَالَى , وَالْمرَاد اشْتِرَاط معنى الْقرْيَة فِي
الصّرْف إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لِأَن الْوَقْف قربَة وَصدقَة فَلَا
بُد من وجودهَا فِيمَا لأَجله الْوَقْف إِذْ هُوَ الْمَقْصُود , وَسَوَاء
كَانَ الْوَاقِف مُسلما أَو ذِمِّيا. غير ذَلِك من آدَاب الشَّرِيعَة ,
الثَّالِث: أَن يكون قانعا بالكفاية من الرزق بِحَيْثُ لَا يمسك مَا فضل
عَن حَاجته فِي كَلَام طَوِيل ذكره فِي الْفَتَاوَى المصرية. انْتهى. وَلَا
يشْتَرط فِي الصُّوفِي لِبَاس الْخِرْقَة المتعارفة عِنْدهم من يَد شيخ
(2/514)
وَلَا رسوم اشْتهر تعارفها بَينهم , فَمَا
وَافق مِنْهَا الْكتاب وَالسّنة فَهُوَ حق , وَمَا لَا فَهُوَ بَاطِل ,
وَلَا يلْتَفت إِلَى أشتراطه قَالَه الْحَارِثِيّ. انْتهى. وَالثَّالِث
كَونه أَي الْوَقْف فِي غير مَسْجِد وَنَحْوه على معِين من جِهَة أَو شخص
يملك ملكا ثَابتا كزيد وَمَسْجِد , كَذَا فَلَا يَصح على مَجْهُول كَرجل
وَمَسْجِد أَو أحد هذَيْن أَو لَا يملك كقن وَأم ولد أَو ملك من
الْمَلَائِكَة أَو بَهِيمَة أَو ميت أم طير أَو جنى وَلَا على حمل
اسْتِقْلَالا بل تبعا. فَإِن قيل: كَيفَ جوزتم الْوَقْف على الْمَسَاجِد
والسقايات وأشباهها وَهِي لَا تملك , قُلْنَا الْوَقْف هُنَاكَ على
الْمُسلمين إِلَّا أَنه عين فِي نفع خَاص لَهُم. وَالرَّابِع كَون وَاقِف
نَافِذ التَّصَرُّف فَلَا يَصح من مَحْجُور عَلَيْهِ وَلَا مَجْنُون.
وَالْخَامِس أَن يكون وَقفه ناجزا أَي غير مُعَلّق وَلَا مُؤَقّت أَو
مَشْرُوط فِيهِ الْخِيَار فَلَا يَصح تَعْلِيقه إِلَّا بِمَوْتِهِ بِأَن
قَالَ: هُوَ وقف بعد موتِي , وَيلْزم من حِينه وَيكون من ثلث مَاله. وَيجب
الْعَمَل بِشَرْط وَاقِف فِي الْوَقْف إِن وَافق شَرطه الشَّرْع كَشَرط
لزيد كَذَا ولعمرو كَذَا ,
وَمثله اسْتثِْنَاء كعلي أَوْلَاد زيد إِلَّا فلَانا لم يكن لَهُ بِشَيْء ,
ومخصص من صفة كالفقهاء وَالْمَسَاكِين أَو قَبيلَة كَذَا فَيخْتَص بهم ,
لانه فِي معنى الشَّرْط. وَأَن خصص مَقْبرَة أَو رِبَاطًا أَو مدرسة أَو
إمامتها أَو إِمَامَة مَسْجِد بِأَهْل مَذْهَب أَو بلد أَو قَبيلَة
تَخْصِيص لَا الْمُصَلِّين بهَا بِذِي مَذْهَب فَلَا تَخْصِيص لَهُم ,
ولغيرهم الصَّلَاة بهَا لعدم التزاحم وَلَو وَقع لَكَانَ أفضل لِأَن
الْجَمَاعَة ترَاد لَهُ.
(2/515)
وَلَو جهل شَرط الْوَاقِف عمل بعادة
جَارِيَة ثمَّ عرف , وَمَعَ إِطْلَاق الْوَاقِف يَسْتَوِي فِي الْوَقْف
غَنِي وفقير وَذكر وَأُنْثَى لثُبُوت الشّركَة دون التَّفْصِيل ,
وَالنَّظَر عِنْد عدم الشَّرْط أَي شَرط الْوَاقِف نَاظرا أَو شَرطه
فَمَاتَ لموقوف عَلَيْهِ إِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ محصورا وكل
مِنْهُم ينظر على حِصَّته عدلا كَانَ أَو فَاسِقًا وَإِلَّا يكن الْوَقْف
على مَحْصُور [ف] النّظر لحَاكم بلد الْمَوْقُوف كَمَا لَو كَانَ الْوَقْف
[على مَسْجِد وَنَحْوه] كالفقراء , وَمن أطلق النّظر للْحَاكِم شَمل أَي
حَاكم كَانَ , سَوَاء كَانَ مَذْهَب الْحَاكِم مَذْهَب حَاكم الْبَلَد زمن
الْوَقْف أَو لَا. وَشرط فِي النَّاظر إِسْلَام إِن كَانَ الْوَقْف على
مُسلم أَو جِهَة إِسْلَام كالمساجد والمدارس والربط وَنَحْوهَا , وتكليف ,
وكفاية لتصرف وخبرة بِهِ وَقُوَّة عَلَيْهِ. وَيضم لضعيف قوي أَمِين - لَا
الذُّكُورَة وَالْعَدَالَة حَيْثُ كَانَ يَجْعَل الْوَاقِف لَهُ , فَإِن
كَانَ غَيره فَلَا بُد من الْعَدَالَة. وَلَا نظر لحَاكم مَعَ نَاظر خَاص ,
لَكِن لَهُ النّظر الْعَام فيعترض عَلَيْهِ إِن فعل مَالا يسوغ فعله , وَله
ضم أَمِين إِلَيْهِ مَعَ تفريطه وتهمته ليحصل الْمَقْصُود , وَلَا
اعْتِرَاض لأهل الْوَقْف على نَاظر أَمِين وَلَاء الْوَاقِف. ولناظر
الِاسْتِدَانَة على الْوَقْف بِلَا إِذن حَاكم لمصْلحَة , كشرائه للْوَقْف
سَيِّئَة أَو بِنَقْد لم يُعينهُ. ووظيفته حفظ الْوَقْف وعمارته وإيجاره
وزرعه ومخاصمة فِيهِ وَتَحْصِيل ريعه من أُجْرَة أَو زرع أَو ثَمَر
وَالِاجْتِهَاد فِي تنميته صرفه فِي
(2/516)
جهاته من عمَارَة وَإِعْطَاء مُسْتَحقّ
وَنَحْوه , وَله وضع يَده عَلَيْهِ والتقرير فِي وظائفه , وَمن قرر فِي
وَظِيفَة على وفْق الشَّرْع حرم صرفه عَنْهَا بِلَا مُوجب شَرْعِي. وَلَو
آجر النَّاظر الْوَقْف بأنقص صَحَّ وَضمن النَّقْص. وَينْفق على ذِي روح
مِمَّا عين وَاقِف. فَإِن لم يعين فَمن غَلَّته , فَإِن لم يكن فعلى
مَوْقُوف عَلَيْهِ معِين , فَإِن تعذر بيع وَصرف ثمنه فِي عين تكون وَقفا
لمحل الضَّرُورَة , ونفقه مَا على معِين كالفقراء وَنَحْوهم من بَيت المَال
فَإِن تعذر بيع كَمَا تقدم. وَإِن كَانَ عقارا لم تجب عِمَارَته إِلَّا
بِشَرْط وَاقِف فَأن شَرطهَا عمل بِهِ , وان أطلقها بِأَن شَرط أَن يعمر من
ريعه مَا أتهدم تقدم على أَرْبَاب الْوَظَائِف. قَالَ المنقح: مَا لم يفض
إِلَى تَعْطِيل مَصَالِحه فَيجمع بَينهمَا حسب الْإِمْكَان. وَإِن وقف على
عدد معِين ثمَّ الْمَسَاكِين فَمَاتَ بَعضهم رد نصِيبه عَليّ من بقى. فَلَو
مَاتَ الْكل فَهُوَ للْمَسَاكِين. وَإِن لم يذكر لَهُ مَالا بِأَن قَالَ:
هَذَا وقف على زيد وَعَمْرو وَبكر وَسكت , فَمن مَاتَ مِنْهُم صرف نصِيبه
إِلَى الْبَاقِي. ثمَّ إِن مَاتُوا جَمِيعًا صرف مصرف الْمُنْقَطع لوَرَثَة
الْوَاقِف نسبا على قدر إرثهم وَقفا , فَإِن عدموا فللمساكين. وَإِن وقف
على وَلَده أَو ولد غَيره كعلي ولد زيد ثمَّ الْمَسَاكِين فَهُوَ أَي
الْوَقْف لذكر وَأُنْثَى وَخُنْثَى موجودين حَال الْوَقْف وَلَو حملا فَقَط
نصا , لِأَن اللَّفْظ يشملهم إِذْ الْوَلَد مصدر أُرِيد بِهِ اسْم
الْمَفْعُول أَي الْمَوْلُود بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّهُ شرك بَينهم
وَإِطْلَاق ألتشربك يَقْتَضِي التَّسْوِيَة ,
(2/517)
ثمَّ بعد انْقِرَاض أَوْلَاد الصلب ينْصَرف
لولد بنيه أَي الْوَقْف أَو زيد لأَنهم دخلُوا فِي مُسَمّى الْوَلَد
وَسَوَاء وجدوا حَالَة الْوَقْف أَو لَا , ويستحقونه مُرَتبا بعد آبَائِهِم
كَمَا لَو قَالَ: بَطنا بعد بطن. وَلَا يدْخل ولد الْبَنَات [و] إِن وقف
على [بنيه أَو] على بني فلَان ف الْوَقْف [لذكور فَقَط] لَا يشاركهم غَيرهم
من الْإِنَاث والخناثى إِلَّا أَن يتضحوا؛ لِأَن لفظ الْبَنِينَ وضع لذَلِك
قَالَ تَعَالَى (أصطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ) . وان كَانُوا أَي بَنو
فلَان قَبيلَة كبني هَاشم وَبني تَمِيم دخل النِّسَاء لِأَن اسْم
الْقَبِيلَة يَشْمَل ذكرهَا وأنثاها دون أَوْلَادهنَّ أَي أَوْلَاد نسَاء
تِلْكَ الْقَبِيلَة من رجال غَيرهم لأَنهم إِنَّمَا ينتسبون لِآبَائِهِمْ.
وَلَا يدْخل مواليهم لأَنهم لَيْسُوا مِنْهُم حَقِيقَة. وَإِن وقف على عقبه
أَو نَسْله أَو ولد وَلَده أَو ذُريَّته لم يدْخل ولد بَنَاته إِلَّا
بقرينه كَقَوْلِه: من مَاتَ عَن ولد فَنصِيبه لوَلَده. وَإِن وقف على
قرَابَته أَو قرَابَة زيد [أَو] على أهل بَيته أَو على قومه دخل فِي
الْوَقْف ذكر وَأُنْثَى من أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَبِيه وهم إخْوَته
وأخواته وَدخل أَوْلَاد جده وهم أَبوهُ وأعمامه وعماته وَأَوْلَاد جد
أَبِيه وهم جده وأعمام وعمات أَبِيه فَقَط. وَإِن قَالَ: وقفت على
الْأَيَامَى والعزاب فَلِمَنْ لَا زوج لَهُ من رجل وَامْرَأَة , والأرامل
النِّسَاء اللَّاتِي فارقهن أَزوَاجهنَّ - نصا وَبكر وثيب وعانس - وَهُوَ
من بلغ حد التَّزْوِيج وَلم يتَزَوَّج - وأخوة بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد
الْوَاو - وعمومة لذكر وَأُنْثَى. والشاب والفتى من الْبلُوغ إِلَى
الثَّلَاثِينَ , والكهل مِنْهَا إِلَى
(2/518)
الْخمسين , وَالشَّيْخ مِنْهَا إِلَى
السّبْعين , والهرم مِنْهَا إِلَى الْمَوْت , أحسن الله ختاما. وَيَأْتِي
فِي الْوَصَايَا. والرهط مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال خَاصَّة وَلَا
وَاحِد لَهُ من لَفظه وَالْجمع أرهط وأراهط وأراهيط , وَفِي كشف الْمُشكل
الرَّهْط مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة. وَإِن وقف أَو أوصى لأهل
قريته أَو قرَابَته أَو إخْوَته وَنَحْوهم ف لَا يدْخل فِي الْوَقْف
مُخَالف دينه أَي الْوَاقِف أَو الْمُوصي إِلَّا بقرينه تدل على إرادتهم ,
فَلَو كَانُوا كلهم مخالفين لدينِهِ دخلُوا كلهم لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى
رفع اللَّفْظ بِالْكُلِّيَّةِ. فَأن كَانَ فيهم وَاحِد على دينه
وَالْبَاقُونَ
يخالفون فَفِي الِاقْتِصَار عَلَيْهِ وَجْهَان , وَجزم فِي الْإِقْنَاع
بِأَنَّهُ لَا يقْتَصر؛ لِأَن حمل الْعَام على الْوَاحِد بعيد جدا وَإِن
وقف على جمَاعَة يُمكن حصرهم كبنيه وَإِخْوَته أَو بني فلَان وَلَيْسوا
قَبيلَة وَجب تعميمهم بِالْوَقْفِ وَجَبت التَّسْوِيَة بَينهم فِيهِ كَمَا
لَو أقرّ لَهُم وَإِلَّا يُمكن كالوقف على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين لم
يجب تعميمهم وَجَاز التَّفْضِيل بَينهم لِأَنَّهُ إِذا جَازَ حرمَان بَعضهم
جَازَ تَفْضِيل غَيره عَلَيْهِ وَجَاز الِاقْتِصَار على وَاحِد لِأَن
مَقْصُود الْوَاقِف عدم مُجَاوزَة الْجِنْس. وَإِن وقف على الْفُقَرَاء أَو
على الْمَسَاكِين تنَاول الآخر وَلَا يدْفع إِلَى وَاحِد أَكثر مِمَّا
يدْفع إِلَيْهِ من زَكَاة إِن كَانَ على صنف من أصنافها , وَمن وجد فِيهِ
صِفَات أَخذ بهَا كفقير هُوَ غَارِم وَابْن سَبِيل. وَمن يَأْخُذهُ
الْفُقَهَاء من الْوَقْف فَهُوَ كرزق من بَيت المَال لَا كجعل وَلَا
كَأُجْرَة.
(2/519)
وَإِن وقف على الْقُرَّاء فللحافظ , وعَلى
أهل الحَدِيث فَلِمَنْ عرف وَلَو أَرْبَعِينَ حَدِيثا , وعَلى الْعلمَاء
فلحملة الشَّرْع , وعَلى سَبِيل الْخَيْر فَلِمَنْ أَخذ من زَكَاة لحَاجَة.
وَالْوَقْف عقد لَازم بِمُجَرَّد القَوْل لَا يَنْفَسِخ بإقالة وَلَا
غَيرهَا إِلَّا أَن تتعطل مَنَافِعه الْمَقْصُودَة مِنْهُ بخراب وَلم يُوجد
مَا يعمر بِهِ , أَو بِغَيْر خراب وَلَو مَسْجِدا يضيق على أَهله , أَو
خراب محلته أَو حَبِيسًا لَا يصلح للغزو فَيُبَاع وَلَو شَرط واقفه عدم
بَيْعه وَشَرطه إِذن فَاسد نصا , وَيصرف ثمنه فِي مثله أَو بعض مثله ,
وَيصِح بيع بعض الْمَوْقُوف لإِصْلَاح بَاقِيَة إِن اتخذ الْوَاقِف والجهة.
وَيجوز نقض مَنَارَة مَسْجِد وَجعلهَا فِي حَائِطه لتحصينه نصا. وَيجوز
اخْتِصَار آنِية
وانفاق الْفضل على الْإِصْلَاح. وَمن وقف على ثغر فاختل صرف فِي ثغر مثله.
وعَلى قِيَاسه مَسْجِد ورباط وَنَحْوهمَا. وَنَصّ الإِمَام أَحْمد فِيمَن
وقف على قنطرة فانحرف المَاء: يرصد لَعَلَّه يرجع. وَمَا فضل عَن حَاجَة
الْمَوْقُوف عَلَيْهِ مَسْجِدا كَانَ أَو غَيره من حصر وزيت ومغلَّ وَآلَة
وَثمنهَا وأنقاض يجوز صرفه فِي مثله وَإِلَى فَقير نصا وَيحرم حفر بِئْر
وغرس شجر بِمَسْجِد , فَإِن فعل طمت وقلعت فَإِن لم تقلع فثمرتها لمساكينه
, وَإِن غرست قبل بنائِهِ ووقفت مَعَه فَإِن عين مصرفها عمل بِهِ وَإِلَّا
فكوقف مُنْقَطع لوَرَثَة الْوَاقِف.
(2/520)
3 - (فصل)
وَالْهِبَة أَصْلهَا من هبوب الرّيح أَي مروره , يُقَال وهبت لَهُ وهبا
بِإِسْكَان الْهَاء وَفتحهَا وَهبة , وَهُوَ واهب ووهاب ووهوب ووهابة.
وَالِاسْم الموهب والموهبة بِكَسْر الْهَاء فيهمَا , والاتهاب قبُول
الْهِبَة. والاستيهاب سؤالها , وتواهبوا وهب بَعضهم لبَعض. وَشرعا تمْلِيك
جَائِز التَّصَرُّف مَالا مَعْلُوما أَو مَجْهُولا تعذر علمه كدقيق
اخْتَلَط بدقيق لاخر فوهب أَحدهمَا للْآخر ملكه مِنْهُ فَيَصِيح مَعَ
الْجَهَالَة للْحَاجة , وَفِي الْكَافِي: تصح هبة ذَلِك وكلب ونجاسة يُبَاح
نَفعهَا مَوْجُودا مَقْدُورًا على تَسْلِيمه غير وَاجِب , فَلَا تسمى
نَفَقَة الزَّوْجَة وَنَحْوهَا هبة لوُجُوبهَا , وَأَن تكون فِي الْحَيَاة
بِلَا عوض بِمَا يعد هبة عرفا. وَهِي مُسْتَحبَّة إِذا قصد بهَا وَجه الله
تَعَالَى كَالْهِبَةِ للْعُلَمَاء والفقراء وَالصَّالِحِينَ , وَمَا قصد
بِهِ صلَة الرَّحِم لَا مباهاة ورئاء وسَمعه وَتَصِح هبة مصحف. فَإِن قصد
بِإِعْطَاء ثَوَاب الْآخِرَة فَقَط فصدقة وإكراما وتوددا فهدية , وَإِلَّا
فهبة , وعطية ونحلة , وألفاظ ذَلِك متفقة معنى وَحكما ويعم جَمِيعًا لفظ
الْعَطِيَّة وَمن أهْدى ليهدي لَهُ أَكثر فَلَا بَأْس وَيكرهُ ردهَا وَإِن
قلت , بل السّنة أَن يكافىء أَو يَدْعُو لَهُ , وَإِن علم مِنْهُ أَنه
أهْدى حَيَاء وَجب الرَّد.
(2/521)
وَتَصِح هبة كل مَا يَصح بَيْعه قَالَ
الفتوحي وَعلم من هَذَا أَن كل مَا لَا يَصح بَيْعه لَا تصح هِبته وَهُوَ
الْمَذْهَب وَاخْتَارَهُ القَاضِي وَقدمه فِي الْفُرُوع. وتنعقد الْهِبَة
بِكُل مَا يدل عَلَيْهَا عرفا من قَول كوهبتك وَنَحْوه كمعاطاة , فتجهيز
بنته إِلَى بَيت زَوجهَا تمْلِيك وَتلْزم الْهِبَة بفيض قبضهَا كقبض مَبِيع
بِإِذن واهب وَلَا يَصح قيضها إِلَّا بِإِذْنِهِ وان مَاتَ واهب فوارثه
مقَامه فِي إِذن وَرُجُوع , وَلَا تصح لحمل وَيقبل وَيقبض لصغير وَمَجْنُون
وليهما وَمن أَبْرَأ غَرِيمه من دينه أَو وهبه لمدينه أَو أحله مِنْهُ أَو
أسقط عَنهُ أَو تَركه أَو ملكه لَهُ أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ أَو عَفا عَنهُ
صَحَّ ذَلِك كُله وبريء غَرِيم من الدّين , وَكَذَا لَو قَالَ: اعطيتكه.
وَإِنَّمَا صَحَّ بِلَفْظ الْهِبَة وَالصَّدَََقَة والعطية , لِأَنَّهُ لما
لم يكن هُنَاكَ عين مَوْجُودَة يَتَنَاوَلهَا اللَّفْظ انْصَرف الى معنى
الْإِبْرَاء وَلَو وَقع ذَلِك قبل حُلُوله وَلَو لم يقبل الْمَدِين
الْإِبْرَاء؛ لِأَنَّهُ يفْتَقر إِلَى الْقبُول كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق
بِخِلَاف هبة الْعين؛ لِأَنَّهُ تمْلِيك وَلَو جهل رب الدّين قدره وَوَصفه
كَالْأَجْنَبِيِّ أَي فَيصح الْإِبْرَاء وَيبرأ الْمَدِين لَا إِن علم
الْمَدِين فَقَط وكتمه خوفًا من أَنه إِن أعلمهُ لم يُبرئهُ. وَإِن قَالَ:
إِن مت - بِضَم التَّاء - فَأَنت فِي حل فوصية. وَلَا تصح الْهِبَة
مُؤَقَّتَة إِلَّا فِي الْعُمْرَى والرقبة كأعمرتك أَو أرقبتك هَذِه
الدَّار أَو الْفرس أَو الْأمة وَنَصه: لَا يَطَأهَا.
(2/522)
وَحمل على الْوَرع وَتَكون للمعطى ولورثته
من بعده إِن كَانُوا وَإِلَّا فلبيت المَال. وَلَا تصح هبة الدّين لغير من
هُوَ عَلَيْهِ إِلَّا إِن كَانَ ضَامِنا وَيجب على واهب ذكر أَو أُنْثَى
تَعْدِيل فِي عَطِيَّة وَارِث بِأَن يُعْطي كلا من الْوَرَثَة حِصَّة بِقدر
إِرْثه نصا وَيُعْطِي من حدث حِصَّة وجوبا فَإِن فضل بَعضهم على بعض بِلَا
إِذن الْبَقِيَّة حرم عَلَيْهِ وَسوى بِرُجُوع أَي رَجَعَ فَأخذ مِنْهُم
وَدفع الْبَاقِي حَتَّى يستووا , وَله التَّخْصِيص بِإِذن الْبَقِيَّة
مِنْهُم وَإِن مَاتَ معط قبله أَي التَّسَاوِي بَينهم وَلَيْسَت فِي مرض
موت ثَبت تفضيله وَلَا رُجُوع لبَقيَّة الْوَرَثَة عَلَيْهِ نصا. وتباح
قسْمَة مَاله بَين ورثته حَال حَيَاته , وَالسّنة أَن لَا يُزَاد ذكر على
أُنْثَى فِي وقف وَيحرم على واهب وَلَا يَصح أَن يرجع فِي هِبته بعد قبض
وَلَو نقوطا أَو حمولة فِي نَحْو عرس للزومها بِهِ وَكره رُجُوع فِيهَا
قبله أَي الْقَبْض سَوَاء كَانَ الْوَاهِب أما أَو غَيره إِلَّا من وهبت
زَوجهَا شَيْئا بمسألته ثمَّ ضرها بِطَلَاق أَو تزوج عَلَيْهَا وَإِلَّا
الْأَب فَلهُ أَن يرجع بأَرْبعَة شُرُوط: أَن لَا يسْقط حق من الرُّجُوع ,
وَأَن لَا تزيد زِيَادَة مُتَّصِلَة , وَأَن تكون الْعين بَاقِيَة فِي ملكه
, وَأَن لَا يرهنها. فان أسقط حَقه أَو زَادَت نَحْو سمن أَو تلفت أَو
رَهنهَا فَلَا رُجُوع. وَلَا يَصح الا بالْقَوْل فَيَقُول: رجعت فِيهَا ,
أَو: ارتجعتها , أَو: رَددتهَا وَنَحْوه من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة
عَلَيْهِ علم الْوَلَد أ , لَا , وَلَا يحْتَاج إِلَى حكم حَاكم.
(2/523)
وَله أَي الْأَب الْحر أَن يتَمَلَّك
بِقَبض مَعَ قَول تملك أَو مَعَ نِيَّة التَّمَلُّك لِأَن الْقَبْض أَعم من
أَن يكون للتَّمَلُّك أَو غَيره فَاعْتبر القَوْل أَو النِّيَّة لتعين وَجه
الْقَبْض من مَال وَلَده مُتَعَلق بيتملك غير سَرِيَّة أَي أمة للِابْن
وَطئهَا , فَلَيْسَ لِأَبِيهِ تَملكهَا وَلَو لم تكن أم وَلَده لِأَنَّهَا
مُلْحقَة بِالزَّوْجَةِ نصا مَا مفعول يتَمَلَّك شَاءَ أَي أَرَادَ سَوَاء
كَانَ ذَلِك بِعلم وَلَده أَو بِغَيْر علمه صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا ذكرا
أَو أُنْثَى رَاضِيا أَو ساخطا مَعَ حَاجَة وَعدمهَا مَا لم يضرّهُ أَي يضر
الْأَب وَلَده بِمَا يَتَمَلَّكهُ مِنْهُ فَإِن ضره بِأَن تتَعَلَّق بِهِ
حَاجَة الْوَلَد كآلة حرفته وَنَحْوهَا لم يتَمَلَّك لِأَن حَاجَة
الْإِنْسَان مُقَدّمَة على دينه فَلِأَن تقدم على أَبِيه أولى , أَو مَا لم
يكن تملكه ليعطيه الْأَب لولد آخر فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك نصا أَو مَا لم يكن
التَّمَلُّك بِمَرَض موت أَحدهمَا أَي الْأَب أَو الابْن لِأَنَّهُ
بِالْمرضِ قد انْعَقَد السَّبَب الْقَاطِع للتَّمَلُّك أَو مَا لم يكن
الْأَب كَافِرًا وَالِابْن مُسلما فَلَيْسَ لَهُ أَن يتَمَلَّك من مَال
وَلَده الْمُسلم. وَلَا يَصح أَن يتَمَلَّك مَا فِي ذمَّته من مَال وَلَده
وَلَا أَن يبريء نَفسه وَلَا غَرِيم وَلَده وَلَا يملك قبض دين وَلَده من
الْغَرِيم لِأَن الْوَلَد لَا يملك الدّين إِلَّا بِقَبْضِهِ من غَرِيمه.
وَلَو أقرّ الْأَب بِقَبْضِهِ وَأنكر الْوَلَد أَو أقرّ رَجَعَ على غَرِيمه
وَرجع الْغَرِيم على الْأَب وَلَيْسَ لولد وَلَا لوَرثَته أَي الْوَلَد
مُطَالبَة أَبِيه بدين كقرض وَثمن مَبِيع وَنَحْوه أَي الدّين كقيمة متْلف
وَأرش جِنَايَة وَأُجْرَة أَرض وزرعها وَدَار يسكنهَا وَنَحْوه لحَدِيث
أَنْت وَمَالك لأَبِيك بل إِذا مَاتَ الْأَب
(2/524)
أَخذه من تركته من رَأس المَال إِلَّا أرش
الْجِنَايَة , فَيسْقط بِمَوْت الْأَب وَلَيْسَ للْوَلَد الرُّجُوع بِهِ
فِي تركته بل للِابْن الْمُطَالبَة بِنَفَقَة وَاجِبَة على أَبِيه لفقره
وعجزه عَن الْكسْب , زَاد فِي الْوَجِيز: وحبسه عَلَيْهَا وَمن كَانَ مَرضه
غير مخوف كصداع وَحمى يسيرَة كَيَوْم , قَالَه فِي الرِّعَايَة , ورمد وجرب
وتصرفه كتصرف صَحِيح حَتَّى وَلَو صَار مخوفا وَمَات بِهِ أَو أَي وَمن
مَرضه مخوف كبرسام بِكَسْر الْمُوَحدَة وَهُوَ بخار يرتقي إِلَى الرَّأْس
يُؤثر فِي الدِّمَاغ فيختل بِهِ الْعقل. وَقَالَ عِيَاض ورم فِي الدِّمَاغ
فيتغير مِنْهُ عقل الْإِنْسَان ويهذي وإسهال متدارك وَهُوَ الَّذِي لَا
يسْتَمْسك وَإِن كَانَ سَاعَة؛ لِأَن من يلْحقهُ ذَلِك أسْرع فِي هَلَاكه ,
وَكَذَا إسهال مَعْدُوم لِأَنَّهُ يضعف الْقُوَّة , وَذَات الْجنب وَهِي
قُرُوح بباطن الْجنب , ورعاف دَائِم , وفالج فِي ابْتِدَائه , وسل فِي
انتهائه , وَكَذَلِكَ من كَانَ بَين الصفين وَقت الْحَرْب وكل من
الطَّائِفَتَيْنِ يكافىء , أَو هُوَ من الطَّائِفَة المقهورة , أَو كَانَ
باللجة وَقت الهيجان أَو وَقع الطَّاعُون بِبَلَدِهِ , أَو قدم للْقَتْل ,
أَو حبس لَهُ , أَو جرح جرحا موحيا , أَو أسر عِنْد من عَادَته الْقَتْل ,
أَو حَامِلا عِنْد الطلق مَعَ الْأَلَم حَتَّى تنجو من نفَاسهَا , أَو
هَاجَتْ بِهِ الصَّفْرَاء أَو البلغم وَمَا قَالَ طبيبان مسلمان عَدْلَانِ
لَا وَاحِد وَلَا عدم غَيره عِنْد إشكاله أَي الْمَرَض أَنه مخوف كوجع
الرئة والقولنج , وَهُوَ مَعَ الْحمى أَشد خوفًا لَا يلْزم تبرعه أَي تبرع
صَاحب الْمَرَض الْمخوف لوَارث بِشَيْء وَلَا يلْزم تبرعه بِمَا فَوق
الثُّلُث أَي ثلث المَال فَقَط لغيره أَي الْوَارِث وَهُوَ الْأَجْنَبِيّ
إِلَّا بِإِجَازَة الْوَرَثَة.
(2/525)
وَمن امْتَدَّ مَرضه بجذام وَنَحْوه كفالج
فِي دَوَامه وسل لَا فِي حَال انتهائه وَلم يقطعهُ الْمَرَض بفراش فكصحيح
وَإِن قطعه بفراش فمخوف وَيعْتَبر عِنْد الْمَوْت أَي موت واهب أَو موص
كَونه أَي كَون من وهب لَهُ من قبل مَرِيض هبة أَو وصّى لَهُ بِوَصِيَّة
وَارِثا أَو لَا فَلَو أعتق عبدا لَا يملك غَيره ثمَّ ملك مَالا فَخرج
العَبْد من ثلثه تَبينا أَنه عتق كُله. وَإِن صَار عَلَيْهِ دين يسْتَغْرق
لم يعْتق مِنْهُ شَيْء؛ لِأَن الدّين على الْوَصِيَّة. وتفارق الْعَطِيَّة
الْوَصِيَّة فِي أَرْبَعَة أَحْكَام: أَحدهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله
وَيبدأ بِالْأولِ فَالْأول بِالْعَطِيَّةِ وَالْوَصِيَّة يسوى بَين متقدمها
ومتأخرها. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ بقوله وَلَا يَصح الرُّجُوع فِيهَا أَي
الْعَطِيَّة بعد لُزُومهَا بِالْقَبْضِ وَإِن كثرت لِأَن الْمَنْع من
الزِّيَادَة على الثُّلُث لحق الْوَرَثَة لَا لحقه فَلم يملك إِجَارَتهَا
وَلَا ردهَا , وَالْوَصِيَّة بِخِلَاف ذَلِك فَيصح الرُّجُوع فِيهَا لِأَن
التَّبَرُّع بهَا مَشْرُوط بِالْمَوْتِ فَلم يُوجد فِيمَا قبل الْمَوْت
كَالْهِبَةِ قبل الْقبُول. وَالثَّالِث مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله
وَيعْتَبر قبُولهَا عِنْد وجودهَا وَالْوَصِيَّة بِخِلَاف ذَلِك لِأَنَّهَا
تبرع بعد الْمَوْت فَلَا حكم لقبولها وَلَا ردهَا قبله. وَالرَّابِع مَا
أَشَارَ بقوله وَيثبت الْملك فِيهَا أَي الْعَطِيَّة مراعى من حينها ,
وَالْوَصِيَّة بِخِلَاف ذَلِك كُله.
(2/526)
|