كشف
المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات (بَاب النَّفَقَات)
. جمع نَفَقَة وَتجمع على نفاق كثمرة وثمار , وَهِي لُغَة الدَّرَاهِم
وَنَحْوهَا من الْأَمْوَال , مَأْخُوذَة من النافقاء مَوضِع يَجعله اليربوع
فِي مُؤخر الْجُحر رَقِيقا بعده لِلْخُرُوجِ إِذا أَتَى من بَاب الْجُحر
رَفعه بِرَأْسِهِ وَخرج مِنْهُ , وَمِنْه النِّفَاق لِأَنَّهُ خُرُوج من
الْإِيمَان أَو خُرُوج الْإِيمَان من الْقلب فَسمى الْخُرُوج نَفَقَة
لذَلِك. وَشرعا كِفَايَة من يمونه خبْزًا وأدم وَكِسْوَة وتوابعها كَمَاء
شرب وطهارة وإعفاف وَنَحْوه , وَيجب على زوج نَفَقَة زَوجته وَلَو
مُعْتَدَّة من وَطْء بِشُبْهَة غير مطاوعة لواطىء؛ لِأَن للزَّوْج أَن
يسْتَمْتع مِنْهَا بِدُونِ الْفرج فَإِن طاوعت فَلَا نَفَقَة لَهَا
لِأَنَّهَا فِي معنى الناشز من مَأْكُول ومشروب وَكِسْوَة وسكنى
بِالْمَعْرُوفِ لحَدِيث (عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ) وويعتبر
حَاكم ذَلِك بحالهما إِن تنَازعا فيفرض لموسرة مَعَ مُوسر عِنْد
(2/684)
تنَازع الزَّوْجَيْنِ من أرفع خبز الْبَلَد
الْخَاص وأدمه الْمُعْتَاد لمثلهَا وَلَحْمًا عَادَة الموسرين بمحلهما ,
وتنقل متبرمة من أَدَم إِلَى آخر , وَلَا بُد من ماعون الدَّار ويكتفي بخزف
وخشب وَالْعدْل مَا يَلِيق بهما وَمن الْكسْوَة مَا يلبس مثلهَا من حَرِير
وقز وجيد كتَّان وقطن على مَا جرت بِهِ الْعَادة لمثلهَا من الموسرات بذلك
الْبَلَد وَأقله قَمِيص وَسَرَاويل وطرحة هِيَ مَا تضيفه فَوق المقنعة
ومقنعة ومداس وجبة الشتَاء , ويفرض لَهَا مَا ينَام مثلهَا عَلَيْهِ وَهُوَ
فرَاش ولحاف ومخدة وَأَقل مَا يفْرض للجلوس بِسَاط ورفيع الْحصْر. ويفرض
لفقيرة مَعَ فَقير كفايتها من أدنى خبز الْبَلَد وَهُوَ الخشكار وأدمه وزيت
مِصْبَاح وَلحم الْعَادة. ويفرض لفقيرة من كسْوَة وَمَا يلبس مثلهَا وَمَا
ينَام مثلهَا عَلَيْهِ. وَيجْلس عَلَيْهِ , ويفرض لمتوسطة مَعَ متوسط
وموسرة مَعَ فَقير وعكسها أَي فقيرة مَعَ مُوسر مَا بَين ذَلِك لِأَنَّهُ
اللَّائِق بحالتهما لِأَن فِي إِيجَاب الْأَعْلَى لموسرة تَحت فَقير ضَرَرا
عَلَيْهِ بتكليفه مَا لَا يَسعهُ حَاله وَإِيجَاب الْأَدْنَى ضَرَر
عَلَيْهَا فالتوسط أولى , وَإِيجَاب الْأَعْلَى لفقيرة تَحت مُوسر زِيَادَة
على مَا يَقْتَضِيهِ حَالهَا , وَقد أَمر بِالْإِنْفَاقِ من سعته فالتوسط
أولى , وموسر نصفه حر كمتوسطين , ومعسر نصفه حر كمعسرين , وَلَا يملك
الْحَاكِم أَن يفْرض الْقيمَة أَي قيمَة النَّفَقَة إِلَّا برضاهما أَي
الزَّوْجَيْنِ , وَإِن طلبت مَكَان الْخبز حبا أَو دَرَاهِم أَو دَقِيقًا
أَو غير ذَلِك أَو مَكَان الْكسْوَة دَرَاهِم أَو غَيرهَا لم يلْزمه بذله ,
وَلَا يلْزمهَا قبُوله بِغَيْر رِضَاهَا لَو بذله , وَلَو تَرَاضيا على
ذَلِك جَازَ.
(2/685)
وَعَلِيهِ أَي الزَّوْج مُؤنَة نظافتها أَي
الزَّوْجَة من دهن وَسدر وَثمن مَاء ومشط وَأُجْرَة قيمَة بتَشْديد الْيَاء
التَّحْتَانِيَّة الَّتِي تغسل شعرهَا وتسرحه وتضفره وَعَلِيهِ كنس الدَّار
وَنَحْوه و [لَا] يلْزمه [دَوَاء وَأُجْرَة طيب] لَو مَرضت لِأَن ذَلِك
لَيْسَ من حَاجَتهَا الضرورية الْمُعْتَادَة بل لعَارض فَلَا يلْزمه ,
وَلَا يلْزمه أَيْضا ثمن طيب وحناء وخضاب وَنَحْوه , وَإِن أَرَادَ مِنْهَا
تزينا بِمَا ذكر أَو قطع رَائِحَة كريهة وأتاها بِهِ لَزِمَهَا
اسْتِعْمَاله. وَيجب عَلَيْهَا ترك حناء وزينة نهى عَنْهُمَا الزَّوْج
قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين. وَعَلِيهِ لمن كَانَت بِلَا خَادِم ويخدم
مثلهَا وَلَو لمَرض خَادِم وَاحِد وَيجوز كَونه امْرَأَة كِتَابِيَّة ,
وَإِن قَالَت: أَنا أخدم نَفسِي وآخذ مَا يجب لخادم , أَو قَالَ هُوَ أَنا
أخدمك بنفسي وَأبي الآخر لم يجْبر. وَيلْزمهُ مؤنسة لحَاجَة. وَالْوَاجِب
دفع الْقُوت أول نَهَار كل يَوْم , وَيجوز مَا اتفقَا عَلَيْهِ من تَعْجِيل
وَتَأْخِير وَلَا يجْبر من أبي , وَتجب النَّفَقَة وَالْكِسْوَة
وَنَحْوهمَا لمطلقة رَجْعِيَّة سَوَاء كَانَت حَامِلا أَو لَا كَزَوْجَة ,
وَتجب ل [بَائِن] بِفَسْخ أَو طَلَاق حَامِل وَكَذَا ناشز [حَامِل] وَلَا
شَيْء لغير الْحَامِل , وَلَا تجب النَّفَقَة لزوجة متوفى عَنْهَا زَوجهَا
من مَاله وَلَو حَامِلا بل من نصيب الْحمل , قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَلَا
نَفَقَة من التَّرِكَة لمتوفى عَنْهَا زَوجهَا وَلَو حَامِلا , وَنَفَقَة
الْحمل من نصِيبه , وَلَا لأم ولد حَامِل وتنفق من مَال حملهَا نصا وَلَا
سُكْنى لَهما وَلَا كسْوَة. انْتهى.
(2/686)
وَتجب لحمل ملاعنة إِلَى أَن يَنْفِيه
بِلعان بعد وَضعه. وَمن أنْفق على بَائِن يَظُنهَا حَامِلا فَبَانَت
حَائِلا رَجَعَ عَلَيْهَا. وَمن ترك الْإِنْفَاق يَظُنهَا حَائِلا فَبَانَت
حَامِلا لزمَه نَفَقَة مَا مضى. وَمن ادَّعَت حملا وَجب إِنْفَاق ثَلَاثَة
أشهر فان مَضَت وَلم يبن رَجَعَ , وَالنَّفقَة لنَفس الْحمل لَا لَهَا من
أَجله. فَتجب بِوُجُودِهِ وَتسقط عِنْد انقضائه , وعَلى هَذَا لَو مَاتَ
بِبَطْنِهَا انْقَطَعت لِأَنَّهَا لَا تجب لمَيت , قَالَ فِي شرح
الْمُنْتَهى: وَتسقط نَفَقَته بِمُضِيِّ الزَّمَان كَسَائِر الْأَقَارِب ,
قَالَ المنقح: مَا لم تستدن بِإِذن الْحَاكِم أَو تنْفق بنية الرُّجُوع.
انْتهى وَمن حبست عَن زَوجهَا وَلَو ظلما سَقَطت نَفَقَتهَا أَو نشزت أَو
صَامت صوما نفلا أَو صَامت لكفارة أَو قَضَاء رَمَضَان وَوَقته أَي
الْقَضَاء متسع سَقَطت نَفَقَتهَا أَو حجت حجا نفلا بِلَا إِذْنه أَو
سَافَرت لحاجتها أَو لزيارة أَو نزهة وَلَو بِإِذْنِهِ أَو زنت فسافرت لأجل
التَّغْرِيب سَقَطت نَفَقَتهَا لعدم التَّمْكِين بِخِلَاف حج فرض أَو
صَلَاة مَكْتُوبَة فِي وَقتهَا بسنتها. وَلها أَي الزَّوْجَة الْكسْوَة على
الزَّوْج والغطاء والوطاء كل عَام مرّة فِي أَوله من زمن الْوُجُوب وتملكه
بِقَبض فَلَا بدل لما سرق أَو بلَى , وَإِن انْقَضى الْعَام وَالْكِسْوَة
بَاقِيَة فَعَلَيهِ كسْوَة الْعَام الْجَدِيد اعْتِبَارا بِمُضِيِّ
الزَّمَان. وَإِن أكلت مَعَه أَو كساها بِلَا إِذْنهَا سَقَطت وَمَتى لم
ينْفق عَلَيْهَا مُدَّة لعذر أَو غَيره وَلَو غَائِبا أَو مُعسرا لم تسْقط
وَلَو لم يفرضها حَاكم وَتبقى النَّفَقَة دينا فِي ذمَّته أَي الزَّوْج ,
وَلَو منع مُوسر نَفَقَة أَو كسْوَة أَو بعضهما وقدرت على مَاله أخذت
كفايتها
(2/687)
وكفاية وَلَدهَا الصَّغِير عرفا بِغَيْر
إِذْنه وَإِن لم تقدر أجْبرهُ حَاكم فَإِن أبي حَبسه فَإِن أصر على
الْحَبْس وَقدر الْحَاكِم على مَاله أنْفق مِنْهُ , فَإِن لم يقدر على
مَاله أخذا وَلم يقدر على النَّفَقَة من مَال غَائِب وَلم يجد إِلَّا
عرُوضا أَو عقارا بَاعه وَأنْفق عَلَيْهَا مِنْهُ , فَيدْفَع إِلَيْهَا
نَفَقَة يَوْم بِيَوْم فَإِن تعذر ذَلِك فلهَا الْفَسْخ بحاكم , وَإِذا
أعْسر بنفقتها فبذلها غَيره لم تجبر إِلَّا إِن ملكهَا الزَّوْج أَو
دَفعهَا إِلَيْهَا وَكيله وَكَذَا من أَرَادَ قَضَاء دين عَن غَيره فَلم
يقبل ربه أَي الدّين فَلَا يجْبر وَتقدم فِي السّلم , وَإِن أنفقت
الزَّوْجَة من مَاله أَي الزَّوْج فِي غيبته فَإِن الزَّوْج مَيتا رَجَعَ
عَلَيْهَا أَي الزَّوْجَة وَارِث بِمَا أنفقته بعد مَوته , سَوَاء أنفقته
بِنَفسِهَا أَو بِأَمْر حَاكم لانْقِطَاع وجوب النَّفَقَة عَلَيْهِ
بِمَوْتِهِ [وَمن تسلم من] أَي زَوْجَة [يلْزمه] الزَّوْج [تسلمها] وَهِي
الَّتِي يُوطأ مثلهَا وَجَبت نَفَقَتهَا وكسوتها أَو بذلته أَي التَّسْلِيم
للزَّوْج تسلما تَاما هِيَ أَو وَليهَا وَجَبت عَلَيْهِ نَفَقَتهَا وكستها
وَلَو مَعَ صغره أَي الزَّوْج ومرضه وعنته وجبه أَي قطع ذكره بِحَيْثُ لَا
يُمكنهُ الْوَطْء , أَو مَعَ تعذر وَطْء لحيض ونفاس أَو رتق أَو قرن أَو
لكَونهَا نضوة الْخلقَة أَو مَرِيضَة أَو حدث بهَا شَيْء من ذَلِك عِنْده
فَيلْزمهُ نَفَقَتهَا وكسوتها لَكِن لَو امْتنعت ثمَّ مَرضت فبذلته فَلَا
نَفَقَة لَهَا , وَإِن كَانَت الزَّوْجَة صَغِيرَة لَا يُمكن وَطْؤُهَا
وَزوجهَا طِفْل أَو بَالغ لم تجب نَفَقَتهَا وَلَو مَعَ تَسْلِيم نَفسهَا
لِأَنَّهَا لَيست للاستمتاع. وَمن بذلته وَزوجهَا غَائِب لم يفْرض لَهَا
حَتَّى يراسله حَاكم ويمضي زمن يُمكن قدومه فِي مثله
(2/688)
وَلها أَي الزَّوْجَة منع تَسْلِيم نَفسهَا
لزَوجهَا قبل دُخُول بهَا لقبض مهر حَال , وَلها عَلَيْهِ النَّفَقَة إِذا
, وَعلم مِنْهُ أَنه لَيْسَ لَهَا منع نَفسهَا بعد الدُّخُول حَتَّى تقبضه
, وَلَا قبله حَتَّى تقبض الْمهْر الْمُؤَجل حَتَّى وَلَو حل الدُّخُول
فَإِن فعلت فَلَا نَفَقَة لَهَا , وَكَذَا وَلَو تساكنا بعد العقد فَلم
يطْلبهَا الزَّوْج وَلم تبذل نَفسهَا وَلَا بذلها وَليهَا , وَإِن طَال
مقَامهَا على ذَلِك فَلَا نَفَقَة لَهَا لِأَن النَّفَقَة فِي مُقَابلَة
التَّمْكِين الْمُسْتَحق وَلم يُوجد , وَإِن أعْسر الزَّوْج بِنَفَقَة
مُعسر فَلم يجد الْقُوت أَو أعْسر بكسوة مُعسر أَو أعْسر ب بَعْضهَا أَي
النَّفَقَة أَو الْكسْوَة , أَو أعْسر بمسكن مُعسر , أَو صَار مُعسرا ,
وَصَارَ لَا يجد النَّفَقَة إِلَّا يَوْمًا دون يَوْم فلهَا الْفَسْخ
فَوْرًا ومتراخيا , وَلها الْمقَام مَعَه مَعَ منع نَفسهَا وبدونه ,
وَسَوَاء كَانَت حرَّة بَالِغَة رَشِيدَة أَو رقيقَة أَو صَغِيرَة أَو
سَفِيهَة دون سَيِّدهَا أَو وَليهَا أَي فَلَا خيرة لَهُ وَلَا مَجْنُونَة
لاخْتِصَاص الضَّرَر بهَا وَلَا تفسخ الزَّوْجَة إِن أعْسر زَوجهَا بِمَا
أَي دين فِي ذمَّته أَو إِن غَابَ عطف على قَوْله: إِن أعْسر أَي إِن غَابَ
مُوسر عَن زَوجته وتعذرت عَلَيْهَا النَّفَقَة باستدانة أَو غَيرهَا كَمَا
إِذا لم يكن لَهُ مَال تتَنَاوَل مِنْهُ فلهَا أَي الزَّوْجَة الْفَسْخ
جَوَاب الشَّرْط لتعذر الْإِنْفَاق عَلَيْهَا , وَلَا يمْنَعهَا تكسبا
وَلَا يحبسها مَعَ عسرته إِذا لم تفسخ لِأَنَّهُ إِضْرَار بهَا , وَسَوَاء
كَانَت غنية أَو فقيرة , لِأَنَّهُ إِنَّمَا يملك حَبسهَا إِذا كفاها
المئونة وأغناها عَمَّا لَا بُد لَهَا مِنْهُ. وتملك الْفَسْخ بعد رِضَاهَا
بالْمقَام مَعَه وَبعد قَوْلهَا رضيت بعسرته أَو تزوجته عَالِمَة بهَا.
(2/689)
وَتبقى نَفَقَة مُعسر وَكسوته ومسكنه
لزوجته إِن أَقَامَت مَعَه وَلم تمنع نَفسهَا دينا فِي ذمَّته , وَمن قدر
أَن يكْسب أجبر. وَلَا تملك الْفَسْخ إِلَّا بحاكم فَيفْسخ بطلبها أَو تفسخ
بأَمْره وَترجع الزَّوْجَة على زَوجهَا بِمَا استدانته لَهَا أَو لولدها
الصَّغِير مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت استدانتها بِإِذن حَاكم أَو لَا.
(2/690)
3 - (فصل)
. فِي نَفَقَة الْأَقَارِب والمماليك من الْآدَمِيّين والبهائم. وَالْمرَاد
بالأقارب من يَرِثهُ بِفَرْض أَو تعصيب كَمَا يَأْتِي , وَأَجْمعُوا على
وجوب نَفَقَة الْوَالِدين وَالْولد بقوله تَعَالَى 19 (: (وعَلى
الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ) وَقَوله تَعَالَى: 19
(وَقضى رَبك أَن لَا تعبدا إِلَّا إِيَّاه والوالدين إحسانا) وَمن
الْإِحْسَان الْإِنْفَاق عَلَيْهِمَا عِنْد حاجتهما , وَحَدِيث هِنْد (خذي
مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ) مُتَّفق عَلَيْهِ. وَمن عَائِشَة
مَرْفُوعا إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه , وان وَلَده من كَسبه رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد. وَلِأَن ولد الْإِنْسَان بعضه وَهُوَ بعض وَالِده فَكَمَا
يجب عَلَيْهِ أَن ينْفق على نَفسه وَزَوجته , فَكَذَلِك على بعضه وَأَصله
فَقَالَ رَحمَه الله: وَتجب النَّفَقَة أَو إكمالها عَلَيْهِ أَي على
الشَّخْص بِمَعْرُوف لكل وَاحِد من أَبَوَيْهِ أَي أَبِيه وَأمه وان علوا ,
أَو أَي وَتجب عَلَيْهِ لكل وَاحِد من وَلَده وَإِن سفل وَلَو حجبه أَي
الْغَنِيّ مِنْهُم مُعسر كجد مُوسر مَعَ وجود أَب مُعسر وَنَحْوه ,
(2/691)
وَتجب النَّفَقَة لكل من أَي فَقير يَرِثهُ
قَرِيبه الْغَنِيّ بِفَرْض كالأخ لأم أَو تعصيب كَابْن عَم لغير أم لَا إِن
كَانَ يَرِثهُ برحم كخال سوى عمودي نسبه فَتجب لَهُم وَعَلَيْهِم مُطلقًا
أَي سَوَاء كَانَ حجب الْغَنِيّ بالفقير أَو لَا وانما تجب حَيْثُ قُلْنَا
تجب مَعَ فقر من تجب لَهُ النَّفَقَة وَمَعَ عَجزه عَن كسب وَلَا يعْتَبر
نَقصه فَتجب لصحيح مُكَلّف لَا حِرْفَة لَهُ لِأَنَّهُ فَقير إِذا كَانَت
النَّفَقَة [فاضلة] مُتَعَلق بتجب عَن قوت نَفسه أَي الْمُنفق وقوت زَوجته
وَعَن قوت رَقِيقه يَوْمه وَلَيْلَته وَعَن الْكسْوَة والمسكن كفطرة إِمَّا
من مَاله أَو كَسبه لَا من رَأس مَال تِجَارَة وَثمن ملك وَآلَة صَنْعَة ,
وَتسقط النَّفَقَة هَاهُنَا , أَي نَفَقَة الْأَقَارِب بِمُضِيِّ زمن مَا
لم يفرضها حَاكم أَو مَا لم تستدن الْأَقَارِب النَّفَقَة [بِإِذْنِهِ]
الْحَاكِم فَلَا تسْقط فيهمَا وَإِن امْتنع من النَّفَقَة من أَي زوج أَو
قريب وَجَبت عَلَيْهِ النَّفَقَة فأنفق غَيره رَجَعَ عَلَيْهِ أَي على
الْمُمْتَنع منفق على زَوْجَة أَو قريب بنية الرُّجُوع لِأَن الِامْتِنَاع
قد يكون لضعف من وَجَبت لَهُ وَقُوَّة من وَجَبت عَلَيْهِ , فَلَو لم يملك
الْمُنفق الرُّجُوع لضاع الضَّعِيف. وعَلى من تلْزمهُ نَفَقَة صَغِير ظئره
أَي مرضعته حَوْلَيْنِ وَهِي أَي النَّفَقَة على كلا وَاحِد من الْوَرَثَة
بِقدر ارثه فَقَط وَلَا يلْزم الْمُوسر مِنْهُم مَعَ فقر الآخر سوى قدر
إِرْثه , كَمَا إِذا كَانَ الأخوان أَحدهمَا مُوسر فَعَلَيهِ نصف
النَّفَقَة فَقَط لِأَنَّهُ إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ مَعَ يسَار الآخر ذَلِك
الْقدر , فَلَا يحْتَمل غَيره إِذا لم يجد الْغَيْر مَا يجب عَلَيْهِ إِذا
لم يكن عمودي النّسَب , كمن لَهُ ابْنَانِ أَحدهمَا مُوسر فينفرد بِجَمِيعِ
النَّفَقَة , وَكَذَا
(2/692)
جد مُوسر مَعَ فقر أَب , وَجدّة موسرة مَعَ
فقر أم , لعدم اشْتِرَاط الْإِرْث فِي عمودي النّسَب لقُوَّة الْقَرَابَة
وَتقدم بعضه قَرِيبا. و [إِن كَانَ] لَهُ أَب [غَنِي] انْفَرد بهَا أَي
نَفَقَة وَلَده لقَوْله تَعَالَى 19 (: (وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن
وكسوتهن) الْآيَة وَتقدم ذَلِك. وَمن لَهُ جد وَأَخ أَو أم أم وَأم أَب
فالنفقة بَينهمَا سَوَاء , أَو لَهُ أم وجد , أَو ابْن وَبنت فأثلاثا , أَو
أم وَبنت أَو جدة وَبنت فأرباعا , أَو جدة وعاصب فأسداسا وعَلى هَذَا
حِسَاب النَّفَقَات. وَتجب النَّفَقَة أَولا على نَفسه لحَدِيث (ابدأ
بِنَفْسِك) ثمَّ على زَوجته ثمَّ تجب عَلَيْهِ لرقيقة وَلَو كَانَ
الرَّقِيق آبقا وَالْأمة ناشزا أَو مَعَ اخْتِلَاف الدّين وَلَا نَفَقَة
مَعَ اختلافه إِلَّا بِالْوَلَاءِ , أَو كَانَ أعمى أَو مَرِيضا أَو زَمنا
أَو انْقَطع كَسبه , وَهِي من غَالب قوت الْبَلَد وأدم مثله , وَالْكِسْوَة
من غَالب الْكسْوَة لأمثال العبيد فِي ذَلِك الْبَلَد الَّذِي هُوَ فِيهِ
وغطاء وَوَطْء ومسكن وماعون , وَإِن مَاتَ كَفنه وجهزه وَدَفنه. وَيسن أَن
يلْبسهُ مِمَّا يلبس ويطعمه مِمَّا يطعم وعيه أَن يعفه إِن طلب وَلَا يجوز
لَهُ أَن يكلفه عملا مشق كثيرا لَا يطيقه فَإِن كلفه أَعَانَهُ وَيجب
عَلَيْهِ أَن يريحه وَقت قائلة وَوقت [نوم ول] أَدَاء صَلَاة فرض لِأَنَّهُ
الْعَادة وَلِأَن تَركه إِضْرَار بِهِ , ويركبه عقبَة إِذا سَافر أَي يركب
تَارَة وَيَمْشي أُخْرَى.
(2/693)
وَلَا يجوز تَكْلِيف أمة رعيا لِأَن السّفر
مَظَنَّة الطمع فِيهَا لبعدها عَمَّن يدْفع عَنْهَا , وَلَا ضربه على وَجهه
وَلَا شتم أَبَوَيْهِ وَلَو كَافِرين.
وَتسن مداواته إِذا مرض , وَقَالَ جمَاعَة: تجب , ذكره فِي الْفُرُوع ,
وَقَالَ فِي الْإِنْصَاف:
قلت الْمَذْهَب أَن ترك الدَّوَاء أفضل على مَا تقدم فِي أول كتاب
الْجَنَائِز. انْتهى. وَلَا يجوز لَهُ أكل من مَال سَيّده إِلَّا
بِإِذْنِهِ نصا؛ لِأَنَّهُ افتيات عَلَيْهِ مَا لم يمنعهُ السَّيِّد مَا
وَجب لَهُ عَلَيْهِ فَلهُ أَن يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ كَالزَّوْجَةِ
والقريب. ولزوج وَأب ولسيد تَأْدِيب زَوْجَة وَولد ورقيق إِذا أذنبوا
بِضَرْب غير مبرح , وَيسن أَن يعْفُو عَن الرَّقِيق مرّة أَو مرَّتَيْنِ ,
وَلَا يجوز بِلَا ذَنْب وَلَا ضربا مبرحا , وَله تَقْيِيده إِذا خَافَ
إباقا نصا قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : يُبَاع أحب إِلَى. وَلَا يلْزم
بَيْعه بِطَلَب مَعَ الْقيام بِحقِّهِ , ثمَّ بعد تَقْدِيم الزَّوْج نَفسه
وَزَوجته ورقيقه ينْفق على وَلَده فأبيه فأمه فولد ابْنه فجده فأخيه ثمَّ
الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه السِّرّ
المصون معاشرة الْوَلَد باللطف والتأديب والتعليم وَإِذا احْتِيجَ إِلَى
ضربه ضرب , وَيحمل على أحسن الْأَخْلَاق , ويجنب سيئها , وَإِذا كبر فالحذر
مِنْهُ , وَلَا يطلعه على كل الْأَسْرَار , وَمن الْغَلَط ترك تَزْوِيجه
إِذا بلغ فَإنَّك مَا هُوَ فِيهِ بِمَا كنت فِيهِ فصنه عَن الزلل عَاجلا
خُصُوصا الْبَنَات , وَإِيَّاك أَن تزوج الْبِنْت بشيخ أَو شخص مَكْرُوه.
وَأما الْمَمْلُوك فَلَا يَنْبَغِي أَن تسكن إِلَيْهِ بِحَال بل كن مِنْهُ
على حذر وَلَا تدخل الدَّار مِنْهُم مراهقا وَلَا خَادِمًا فَإِنَّهُم رجال
مَعَ النِّسَاء وَنسَاء مَعَ الرِّجَال وَرُبمَا امتدت عين امْرَأَة إِلَى
غُلَام محتقر. انْتهى ذكره فِي الْإِقْنَاع. وَيجب عَلَيْهِ أَي على مَالك
بهائم علف بهائمه أَو إِقَامَة من
(2/694)
يرعاها وَيجب عَلَيْهِ سقيها أَي بهائمه
لحَدِيث ابْن عمر: (عذبت امْرَأَة فِي هرة حبستها حَتَّى مَاتَت جوعا ,
فَلَا هِيَ أطعمتها وَلَا هِيَ أرسلتها تَأْكُل من خشَاش الأَرْض) مُتَّفق
عَلَيْهِ. وَإِن عجز مَالك عَن نَفَقَتهَا [أجبر على بيعهَا] أَو على
إِجَارَة هَا أَو على ذبح مَأْكُول مِنْهَا إِزَالَة لظلمها؛ وَلِأَنَّهَا
تتْلف إِذا تركت بِلَا نَفَقَة , وإضاعة المَال مَنْهِيّ عَنْهَا , فان
أَبى فعلى الْحَاكِم الْأَصْلَح من الثَّلَاثَة أَو اقْترض عَلَيْهِ ,
وَيجوز انْتِفَاع بهَا فِي غير مَا خلقت لَهُ كبقر الْحمل وركوب وإبل وحمر
لحرث وَنَحْوه , وجيفتها إِن مَاتَت لمالكهاوإز التها عَلَيْهِ دفعا لأذاها
, وَحرم تحميلها أَي الْبَهِيمَة شَيْئا مشقا لما قي ذَلِك من تَعْذِيب
الْحَيَوَان , وَحرم لعنها وَحرم حلبها مَا أَي شَيْئا يضر بِوَلَدِهَا
لِأَنَّهُ لبنه مَخْلُوق لَهُ أشبه ولد الْأمة. وَحرم ذبح غير مَأْكُول لَا
رَاحَة وَحرم ضرب وَجه وَحرم وسم فِيهِ أَي الْوَجْه قَالَ فِي الْفُرُوع:
لعن النَّبِي من وسم أَو ضرب الْوَجْه وَنهى عَنهُ , فتحريم ذَلِك ظَاهر
كَلَام الإِمَام أَحْمد وَالْأَصْحَاب , وَيجوز الوسم فِي غَيره أَي
الْوَجْه إِذا كَانَ لغَرَض صَحِيح وَيكرهُ خصاء الْحَيَوَان وجز مَعْرفَته
وناصيته وذنبه وَتَعْلِيق جرس ونزو حمَار على فرس.
(2/695)
3 - (فصل)
. الْحَضَانَة بِفَتْح الْحَاء مصدر حضنت الصَّغِير حضَانَة أَي تحملت
مئونته وتربيته مُشْتَقَّة من الحضن وَهُوَ الْجنب لضم المربي والكافل
الطِّفْل وَنَحْوه إِلَى حضنه وَتجب الْحَضَانَة لحفظ صَغِير وَمَجْنُون
ومعتوه وَهُوَ المختل الْعقل عَمَّا يضرهم وتربيتهم بِعَمَل مصالحهم من غسل
بدنهم وثيابهم ودهنهم وتكحيلهم وربط طِفْل فِي المهد وتحريكه لينام وَنَحْو
ذَلِك , وَهِي وَاجِبَة كإنفاق عَلَيْهِ , ومستحقها رجل عصبَة وَامْرَأَة
وارثة أَو مدلية بوارث كالخالة وَبَنَات الْأَخَوَات أَو مدلية بعصبة كبنات
الْإِخْوَة والأعمام وَذي الرَّحِم غير من تقدم وحاكم , والأحق بهَا أَي
الْحَضَانَة أم مَعَ أهليتها وحضورها وقبولها لِأَنَّهَا أشْفق عَلَيْهِ
وَأقرب وَلَا يشاركها فِي الْقرب إِلَّا الْأَب وَلَيْسَ لَهُ مثل شفقتها ,
وَلَا يتَوَلَّى الْحَضَانَة بِنَفسِهِ وانما يَدْفَعهُ إِلَى امْرَأَته
أَو غَيرهَا من النِّسَاء , وَأمه أولى من الَّتِي يَدْفَعهُ إِلَيْهَا
فَتقدم على غَيره وَلَو بِأُجْرَة مَعَ وجود متبرعة كرضاع , وَلَو امْتنعت
لم تجبر , ثمَّ الأحق بالحضانة بعد الْأُم أمهاتها الْقُرْبَى فالقربى
لِأَنَّهُنَّ نسَاء لَهُنَّ ولادَة متحققة فهن فِي معنى الْأُم , ثمَّ
الأحق بهَا أَب لِأَنَّهُ
(2/696)
أصل النّسَب إِلَيّ الطِّفْل , وأحق
بِولَايَة مَاله فَكَذَلِك فِي الْحَضَانَة ثمَّ أمهاته الْأَب كَذَلِك أَي
الْقُرْبَى فالقربى لإدلائهن بعصبة قريبَة , ثمَّ جد لِأَنَّهُ فِي معنى
الْأَب ثمَّ أمهاته الْجد كَذَلِك أَي الْقُرْبَى فالقربى لإدلائهن بعصبة
ثمَّ أُخْت لِأَبَوَيْنِ لقُوَّة قرابتها , ثمَّ أُخْت لأم لِأَن هَؤُلَاءِ
نسَاء يدلين بهَا فَكَانَ من يُدْلِي بهَا أولى مِمَّن يُدْلِي بِالْأَبِ
كالجدات , ثمَّ أُخْت الْأَب , ثمَّ خَالَة لِأَبَوَيْنِ أَي أُخْت أم
الْمَحْضُون , ثمَّ خَالَة لأم ثمَّ لأَب [ثمَّ عمَّة] لِأَبَوَيْنِ ثمَّ
لأَب ثمَّ خَالَة أَب وَعَمَّته كَذَلِك ثمَّ بنت أَخ لِأَبَوَيْنِ ثمَّ
لأم ثمَّ لأَب وَبعدهَا بنت أُخْت لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأم ثمَّ لأَب [ثمَّ
بنت عَم] لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأم ثمَّ لأَب [و] بنت [عمَّة] كَذَلِك ثمَّ
بنت عَم أَب لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأم ثمَّ لأَب وَبنت عمته أَي الْأَب على
مَا فصل التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم [ثمَّ] تكون الْحَضَانَة لباقي الْعصبَة
أَي عصبَة الْمَحْضُون الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب فَتقدم الْإِخْوَة الأشقاء
ثمَّ لأَب ثمَّ بنوهم ثمَّ الأعمامُم بنوهم كَذَلِك وَهَكَذَا وَشرط كَونه
الْعصبَة محرما وَلَو برضاع وَنَحْوه كمصاهرة [لأنثى] محضونة فَلَا حضَانَة
عَلَيْهَا لِابْنِ الْعم وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَيْسَ من محارمها وَفِي
الْمُغنِي والمنتهى: إِذا بلغت سبعا لِأَنَّهَا مَحل الشَّهْوَة وَقبلهَا
لَهُ الْحَضَانَة وَهُوَ قوي. ويسلمها غير محرم كَابْن عَم وَتعذر غَيره
إِلَى ثِقَة يختارها الْعصبَة
(2/697)
ثمَّ بعد جَمِيع الْعصبَة تكون الْحَضَانَة
لذِي رحم ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى غير مَا تقدم وأولاهم أَبُو أم فأمهاته
فأخ لأم فخال ثمَّ تكون بعد ذِي الرَّحِم [لحَاكم] لِأَنَّهُ لَهُ ولَايَة
على من لَا أَب لَهُ وَلَا وَصِيّ. والحضانة ولَايَة. وتنتقل مَعَ امْتنَاع
مستحقها أَو عدم أَهْلِيَّته كالرقيقة إِلَى من بعده وَلَا تثبت
الْحَضَانَة وَإِن قل لِأَنَّهَا ولَايَة كولاية النِّكَاح ولاحضانة
[لكَافِر على مُسلم] لِأَنَّهُ يفتنه عَن دينه ويخرجه عَن الْإِسْلَام
بتعليمه الْكفْر وتربيته عَلَيْهِ وَفِي ذَلِك كل الضَّرَر وَلَا حضَانَة
الْفَاسِق ظَاهر لِأَنَّهُ لَا يوثق بِهِ فِي أَدَاء وَاجِب الْحَضَانَة.
ولاحظ لمحضون لِأَنَّهُ رُبمَا نَشأ على أَحْوَاله وَلَا لمَجْنُون وَلَو
غير مطبق وَلَا لمعتوه وَلَا لطفل وَلَا لعاجز عَنْهَا كأعمى وَنَحْوه
وَلَا حضَانَة لأمرأة مُزَوّجَة رجل أَجْنَبِي من محضون من حِين عقدا وَلَو
رَضِي زَوجهَا بحضانتها لقَوْله (أَنْت أَحَق بِهِ مَا لم تنكحي) وَلِأَن
الزَّوْج يملك منافعا بِمُجَرَّد العقد وَيسْتَحق مِنْهَا من الْحَضَانَة
أشبه مَا لَو دخل بهَا. فَإِن تزوجت بقريب محضونها وَلَو غير محرم لَهُ لم
تسْقط حضانتها وَإِن أَرَادَ أَبَوَيْهِ أَي الْمَحْضُون نقلة إِلَى بلد
آمن وَطَرِيقه أَي الْبَلَد مَسَافَة قصر فَأكْثر ليسكنه وَكَانَ آمنا
أَيْضا فأب أَحَق لِأَنَّهُ الَّذِي يقوم عَادَة بتأديبه وَحفظ نسبه.
فَإِذا لم يكن بِبَلَد أَبِيه
(2/698)
ضَاعَ. وَمَتى اجْتمع الأبوان عَادَتْ
الْحَضَانَة لأم أَو أَي وَإِن أَرَادَ أحد أَبَوَيْهِ نَقله الى بلد قريب
دون مَسَافَة الْقصر [للسُّكْنَى فَأم] أَحَق فَتبقى على حضانتها
لِأَنَّهَا أَثم شُفْعَة كَمَا لَو لم يُسَافر أَحدهمَا وَإِن أَرَادَ أحد
أَبَوَيْهِ سفرا [لحَاجَة] وَيعود مَعَ بعد الْبَلَد الَّذِي أَرَادَ أَو
لَا أَي مَعَ عدم بعده فمقيم من أَبَوَيْهِ أَحَق بحضانته إِزَالَة لضَرَر
السّفر. قَالَ فِي الْهدى: هَذَا كُله مَا لم يرد بالنقلة مضارة الْأُخَر
وانتزاع الْوَلَد. فَإِن أَرَادَ ذَلِك لم يجب إِلَيْهِ. انْتهى. وَإِذا
بلغ صبي محضون سبع سِنِين عاقلاأي تمت لَهُ السَّبع خير بَين أَبَوَيْهِ
فَكَانَ عِنْد من اخْتَارَهُ مِنْهُمَا على الْأَصَح قضى بذلك عمر وعَلى
وَشُرَيْح للْحَدِيث. وَلِأَن التَّقْدِيم فِي الْحَضَانَة لحق الْوَلَد
فَيقدم من هُوَ أشْفق وَمن حَظّ الْوَلَد عِنْده أَكثر. واعتبرنا
الشَّفَقَة بمظنتها إِذْ لم يُمكن اعْتِبَارهَا بِنَفسِهَا فَإِذا بلغ
الْغُلَام حدا يعبر فِيهِ عَن نَفسه ويميز بَين الْإِكْرَام وضده فَمَال
إِلَى أحد الْأَبَوَيْنِ دلّ على أَنه أرْفق بِهِ وأشفق فَقدم بذلك وقيدناه
بالسبع لِأَنَّهَا أول حَال أَمر الشَّارِع فِيهِ بمخاطبته بِالْأَمر
بِالصَّلَاةِ. وَلِأَن الْأُم قد قدمت فِي حَالَة الصغر لِحَاجَتِهِ الى من
يحملهُ ويباشر خدمته لِأَنَّهَا أعرف بذلك وأقوم بِهِ. فَإِذا اسْتغنى عَن
ذَلِك تَسَاوِي والداه لقربهما مِنْهُ فَرجع بِاخْتِيَارِهِ فَإِن اخْتَار
أَبَاهُ كَانَ عِنْده لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا يمْنَع من زِيَارَة أمه
وَإِن اخْتَار أمه كَانَ عِنْدهَا لَيْلًا وَعند أَبِيه نَهَارا يؤدبه
ويعلمه.
(2/699)
وَإِن عَاد فَاخْتَارَ الآخر نقل إِلَيْهِ
وان عَاد فَاخْتَارَ الأول رد إِلَيْهِ وَهَكَذَا أبدا فَإِن لم يخْتَر
أَحدهمَا أَو أختارهما أقره ثمَّ إِن اخْتَار غير من قدم بِالْقُرْعَةِ رد
اليه. وَإِن اخْتَار أَبَاهُ ثمَّ زَالَ عقله رد إِلَى الْأُم وَبَطل
أخياره وَلَا يقر محضون بيد من لَا يصونه وَلَا يصلحه لِأَن وجود ذَلِك
كَعَدَمِهِ فينقل عَنهُ إِلَى من يَلِيهِ. وَلَا حضَانَة وَلَا رضَاع لأم
جذماء وَلَا برصاء كَمَا أفتى بِهِ الْمجد وَبَعْضهمْ. وَتَكون بنت سبع
سِنِين تَامَّة عِنْد أَب وجوبا أَو عِنْد من يقوم مقَامه أَي الْأَب إِلَى
حِين زفاف بِكَسْر أَوله لِأَنَّهُ أحفظ لَهَا وأحق بولايتها من غَيره
فَوَجَبَ أَن تكون تَحت نظره ليؤمن عَلَيْهَا من دُخُول الْفساد لكَونهَا
معرضة للآفات لَا يُؤمن عَلَيْهَا الانخداع. وَلِأَنَّهَا إِذا بلغت
السَّبع قاربت الصلاحية للتزويج ويمنعها الْأَب أَو من يقوم مقَامه من
الِانْفِرَاد وَلَا تمنع من زِيَارَة أمهَا وَلَا أمهَا من زيارته إِن لم
يخف الْفساد. وَلَا تثبت الْحَضَانَة على الْبَالِغ الرشيد الْعَاقِل
وَإِلَيْهِ الْخِبْرَة فِي الْإِقَامَة عِنْد من شَاءَ مِنْهُمَا فَإِن
كَانَ رجلا فالانفراد بِنَفسِهِ إِلَّا أَن يكون أَمْرَد يخَاف عَلَيْهِ
الْفِتْنَة فَيمْنَع من مفارقتهما. وَلما فرغ المُصَنّف رَحمَه الله من
الْكَلَام على أَحْكَام النِّكَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ شرع يتَكَلَّم على
أَحْكَام الْجِنَايَات وَمَا يتَعَلَّق بهَا فَقَالَ:
(2/700)
|