كشف
المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات (كتاب الْجِنَايَات)
كتاب الْجِنَايَات. جمع جِنَايَة وَهِي لُغَة التَّعَدِّي يُوجب على نفس
أَو مَال وَشرعا التَّعَدِّي على نفس الْبدن بِمَا يُوجب قصاصا أَو مَالا
قَالَ أَبُو السعادات: الْجِنَايَة الجرم والذنب وَمَا يَفْعَله
الْإِنْسَان مِمَّا يُوجب عَلَيْهِ الْعَذَاب أَو الْعقَاب فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة. انْتهى. وجمعت الْجِنَايَة وَإِن كَانَ مصدرا بِاعْتِبَار
أَنْوَاعهَا على جنايات وجنايا كعطايا وَالْفَاعِل جَان وَالْجمع جناه كقاض
وقضاة. وَالْقَتْل يَقع على ثَلَاثَة أضْرب: وَاجِب كَقَتل الْمُحَارب
وَالزَّانِي والمحصن وَالْمُرْتَدّ ومباح كَالْقَتْلِ قصاصا ومحظور وَهُوَ
الْقَتْل عمدا بِغَيْر حق وَهُوَ من الْكَبَائِر. وتوبة الْقَاتِل
مَقْبُولَة عِنْد أَكثر أهل الْعلم وَأمره إِلَى الله تَعَالَى إِن شَاءَ
عذبه وان شَاءَ غفر لَهُ وَلَا يسْقط حق الْمَقْتُول فِي الْآخِرَة
بِمُجَرَّد التَّوْبَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: فعلى هَذَا يَأْخُذ
الْمَقْتُول من حَسَنَات الْقَاتِل بِقدر مظلمته فَإِن اقْتصّ من
الْمَقْتُول أَو عُفيَ عَنهُ فَفِي مُطَالبَته بِالآخِرَة وَجْهَان. قَالَ
ابْن الْقيم: وَالتَّحْقِيق فِي الْمَسْأَلَة أَن الْقَتْل يتَعَلَّق بِهِ
ثَلَاثَة حُقُوق: حق الله وَحقّ الْمَقْتُول وَحقّ الْوَلِيّ.
(2/701)
فَإِن سلم الْقَاتِل نَفسه طَوْعًا
واختيارا إِلَى الْوَلِيّ ندما على مَا فعله وخوفا من الله تبَارك
وَتَعَالَى وَتَابَ تَوْبَة نصُوحًا سقط حق الله تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ
وَحقّ الْأَوْلِيَاء بِالِاسْتِيفَاءِ أَو الصُّلْح أَو الْعَفو وبقى حق
الْمَقْتُول يعوضه الله تعلى يَوْم الْقِيَامَة من عَبده التائب المحسن
فَلَا يضيع حق هَذَا وَلَا يعطل تَوْبَة هَذَا. فَقَالَ رَحمَه الله
تَعَالَى: الْقَتْل أَي فعل تزهق بِهِ النَّفس أَي تفارق بِهِ الرّوح
الْجَسَد ثَلَاثَة أضْرب: أَحدهَا عمد، وَالثَّانِي شبه عمد وَيُقَال خطأ
الْعمد وَعمد الْخَطَأ [و] الثَّالِث [خطأ] . وقسمه فِي الْمقنع وَأَبُو
الْخطاب وَصَاحب الْوَجِيز وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيرهم إِلَى أَرْبَعَة
أَقسَام وَزَادُوا مَا أجْرى مجْرى الخطا كانقلاب النَّائِم على شخص فيقتله
وَمن يقتل بِالسَّبَبِ كحفر الْبِئْر وَنَحْوه تَعَديا فَيَمُوت بِهِ أحد
وَهَذِه الصُّورَة عِنْد الْأَكْثَر من قسم الخطا أَعْطوهُ حكمه. وَفِي
الإتصاف: قلت الَّذِي نظر إِلَى الْأَحْكَام المترتبة على الْقَتْل جعل
الْأَقْسَام ثَلَاثَة وَالَّذِي نظر إِلَى الصُّورَة فَهِيَ أَرْبَعَة
بِلَا شكّ وَأما الْأَحْكَام فمتفق عَلَيْهَا: فالعمد يخْتَص الْقود بِهِ
فَلَا يثبت فِي غَيره والقود قتل الْقَاتِل بِمن قَتله مَأْخُوذ من قَود
الدَّابَّة لِأَنَّهُ يُقَاد الى الْقَتْل بِمن قَتله وَهُوَ أَي الْعمد
أَن يقْصد الْجَانِي من يُعلمهُ آدَمِيًّا مَعْصُوما فيقتله بِمَا أَي
بِشَيْء يغلب على الظَّن مَوته بِهِ وَله تسع صور إِحْدَاهمَا مَا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله كجرحه بِمَا لَهُ نُفُوذ أى دُخُول فِي الْبدن من حَدِيد
كسكين ومسلة بِكَسْر الْمِيم أَو غير ذَلِك كشوكة وقصب وَلَو جرحا صَغِيرا
كَشَرط حجام أَو فِي غير مقتل أَو بِشَيْء صَغِير كإبرة وَنَحْوهَا من مقتل
كالفؤاد وَنَحْوه أَو فِي
(2/702)
غَيره كفخذ وَيَد فتطول علته أَو يصير ضمنا
وَلَو لم يداو مَجْرُوح قَادر على المداواة جرحه حَتَّى يَمُوت أَو يَمُوت
فِي الْحَال لِأَن الظَّاهِر مَوته بِفعل الْجَانِي.
الثَّانِيَة أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله كضربه بِحجر كَبِير لَو فِي غير مقتل
لِأَنَّهُ يقتل غَالِبا وكضربه بمثقل فَوق عَمُود الْفسْطَاط لَا كَهُوَ
نصا وَهُوَ الْخَشَبَة الَّتِي يقوم عَلَيْهَا بَيت الشّعْر أَو بِمَا يغلب
على الظَّن مَوته بِهِ من كوزين وَهُوَ مَا يدق بِهِ الدقاق الثِّيَاب ولت
بِضَم اللَّام وَتَشْديد التَّاء نوع من السِّلَاح مَعْرُوف وسندان حداد
وَفِي مقتل أَو فِي حَال ضعف قُوَّة أَو مرض أَو صغر أَو كبر أَو حر أَو
برد وَنَحْو ذَلِك من شَاهِق أَو يلقِي عَلَيْهِ حَائِطا أَو سقفا
وَنَحْوهمَا فَيَمُوت فَفِي ذَلِك كُله الْقود وَلَو قَالَ لم اقصد قَتله
لم يصدق الثَّالَّةِ أَن يلقيه بزبية الْأسد بِضَم الزَّاي أَي حفيرته أَو
مكتوفا بفضاء بِحَضْرَة ذَلِك أَو فِي مضيق بِحَضْرَة حَيَّة أَو بنهشه
كَلْبا أَو يلسعه عقربا من القواتل غَالِبا فَيقْتل بِهِ. الرَّابِعَة أَن
يلقيه فِي مَاء يغرقه أَو نَار وَلَا يُمكنهُ التَّخَلُّص مِنْهُمَا
فَيَمُوت فيقاد بِهِ وَأَن أمكنه التَّخَلُّص فيهمَا فَهدر الْخَامِسَة:
أَن يخنقه بِحَبل أَو غَيره أَو سد فَمه وَأَنْفه أَو يعصر خصيته زَمنا
يَمُوت فِي مثله غَالِبا فَيقْتل بِهِ. السَّادِسَة: أَن يحْبسهُ ويمنعه
الطَّعَام وَالشرَاب فَيَمُوت جوعا وعطشا لزمن يَمُوت فِيهِ من ذَلِك
غَالِبا بِشَرْط تعذر الطّلب عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا قَود وَلَا دِيَة
كتركه شدّ فصده.
(2/703)
السَّابِعَة: أَن يسْقِيه سما يقتل غَالِبا
لَا يعلم بِهِ أَو يخلطه بِطَعَام أَو يطعمهُ لَهُ ويخلطه بِطَعَام أكله
فَأَكله جهلا فَيَمُوت فيقاد بِهِ: فَإِن علم آكل مُكَلّف بالسم أَو خلطه
بِطَعَام نَفسه فَأَكله أحد بِلَا إِذن فَمَاتَ فَهدر الثَّامِنَة: أَن
يقْتله بِسحر يقتل غَالِبا أَو مَتى أدعى قَاتل بِسم أَو بِسحر عدم علمه
أَن السم أَو السحر قَاتل أَو جهل مرض يقتل مَعَه ذَلِك لم يقبل.
التَّاسِعَة: أَن يشْهد رجلَانِ على شخص بقتل عمدا أَو ردة حَيْثُ امْتنعت
تَوْبَته أَو أَرْبَعَة بزنا مُحصن فَيقْتل بِشَهَادَتِهِم ثمَّ ترجع
الْبَيِّنَة وَتقول عمدنا قَتله أَو يَقُول الْحَاكِم والوالي: علمت كذبهما
وعمدت قَتله فيقاد بذلك كُله وَشبهه بِشَرْط. وَلَا قَود على بَيِّنَة
وَلَا على حَاكم مَعَ مُبَاشرَة ولي عَالم بِالْحَال وَيخْتَص بِالْقصاصِ
مبَاشر عَالم فولي فَبَيِّنَة وحاكم وَمَتى لَزِمت حَاكما وَبَيِّنَة دِيَة
فعلى عَددهمْ وَلَو رَجَعَ الْوَلِيّ وَالْبَيِّنَة ضمنه الْوَلِيّ وَحده
لمباشرته الْقَتْل. وَشبه الْعمد أَي الْمُسَمّى بخطأ الْعمد وَعمد الخطا
أَن يقْصد الْجَانِي جِنَايَة لَا تقتل غَالِبا وَلم يجرحه بهَا أى
الْجِنَايَة كضرب سَوط أَو عَصا أَو حجر صَغِير إِلَّا أَن يصغر جدا كقلم
وإصبع فِي غير مقتل أَو يمسهُ بالكبير بِلَا ضرب فَلَا قصاص وَلَا دِيَة
أَو لكز أَو لكم غَيره فِي غير مقتل أَو أَلْقَاهُ فِي مَاء قَلِيل أَو
سحره بِمَا لَا يقتل غَالِبا أَو صَاح بعاقل اغتفله فَيسْقط فَيَمُوت أَو
بصغير أَو معتوه على نَحْو سطح فيسقطان فيموتان فَفِيهِ الْكَفَّارَة فِي
مَال جَان وَالدية على عَاقِلَته.
(2/704)
وَإِن صَاح بمكلف لم يغتفله فَلَا شَيْء
عَلَيْهِ مَاتَ أَو ذهب عقله. وَالْخَطَأ ضَرْبَان: ضرب فِي الْقَصْد وَضرب
فِي الْفِعْل. فَضرب الْقَصْد نَوْعَانِ أَحدهمَا أَن يَرْمِي مَا يَظُنّهُ
صيدا أَو مُبَاح الدَّم فيتبين آدَمِيًّا أَو مَعْصُوما أَو يفعل مَا لَهُ
فعله كَقطع لحم فَيقْتل إنْسَانا أَو يتَعَمَّد الْقَتْل صَغِيرا أَو
مَجْنُونا فالكفارة فِي مَاله وَالدية على عَاقِلَته. النَّوْع الثَّانِي
أَن يقتل بدار حَرْب أَو صف كفار من يَظُنّهُ حَرْبِيّا فيتبين مُسلما أَو
يَرْمِي وجوبا لكفار تترسوا بِمُسلم وَيجب رميهم حَيْثُ خيف على الْمُسلمين
إِن لم نرمهم فيقصدهم دونه فيقتله بِلَا قصد فَفِيهِ الْكَفَّارَة فَقَط
أَي دون الدِّيَة. وَالضَّرْب الثَّانِي: فِي الْفِعْل وَهُوَ أَن يفعل مَا
لَهُ فعله كرمي صيد وَنَحْوه كهدف فَيُصِيب آدَمِيًّا مَعْصُوما
اعْتَرَضَهُ لم يَقْصِدهُ أَو يَنْقَلِب وَهُوَ نَائِم أَو مغمى عَلَيْهِ
وَنَحْوه على إِنْسَان فَيَمُوت فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة فِي مَاله وَالدية
على عَاقِلَته وَعمد صبي وَعمد [مَجْنُون خطأ] لِأَنَّهُ لَا قصد لَهما
فعمدهما كخطأ الْمُكَلف وَمن قَالَ كنت يَوْم قتلت صَغِيرا أَو مَجْنُونا
وَأمكن صدق بِيَمِينِهِ. وَإِن كَانَ الرَّامِي ذِمِّيا فَأسلم بَين رمي
وإصابة ضمن الْمَقْتُول فِي مَاله لمباينة دين عَاقِلَته بِإِسْلَامِهِ
وَلَا يُمكن ضيَاع دِيَة الْمَقْتُول فَتكون فِي مَال الْجَانِي. وَمن قتل
بِسَبَب كحفر بِئْر وَنصب سكين أَو حجر أَو نَحوه تَعَديا إِن قصد جِنَايَة
فَشبه عمد وَإِلَّا فخطأ وإمساك الْحَيَّة محرم وَجِنَايَة لانه ألْقى
نَفْيه إِلَيّ التَّهْلُكَة فَلَو قتلت ممسكا من يدعى مشيخة وَنَحْوه
فَهُوَ قَاتل
(2/705)
نَفسه وَمَعَ ظن أَنَّهَا لَا تقتل شبه عمد
بِمَنْزِلَة من أكل حَتَّى بشم وَلَا شَيْء لوَرثَته من دِيَته على
عَاقِلَته لقَتله نَفسه فيضيع هدرا كَمَا لَو تعمد ذَلِك. وَمن أُرِيد
قَتله قودا بِبَيِّنَة لَا إِقْرَار فَقَالَ شخص: أَنا الْقَاتِل لَا هَذَا
فَلَا قَود على وَاحِد مِنْهُمَا وعَلى مقرّ الدِّيَة وَلَو أقرّ الثَّانِي
بعد إِقْرَار الأول قتل الأول وَيقتل عدد أَي مَا فَوق الْوَاحِد بِوَاحِد
قَتَلُوهُ إِن صلح فعل كل وَاحِد مِنْهُم للْقَتْل بِهِ بِأَن كَانَ فعل كل
وَاحِد لَو انْفَرد لوَجَبَ فِيهِ الْقصاص لإِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِن لم
يصلح وَلَا تواطؤ فَلَا قصاص وَمَعَ عَفْو عَن قَود يجب عَلَيْهِم دِيَة
وَاحِدَة لَا اكثر لِأَن الْقَتِيل وَاحِد فَلَا يلْزمهُم أَكثر من دِيَته
كَمَا لَو قَتَلُوهُ خطأ وَإِن جرح وَاحِد جرحا وَآخر مائَة فَسَوَاء فِي
الْقصاص أَو الدِّيَة وَمن أكره شخصا مُكَلّفا على قتل شخص آخر معِين فَفعل
فعلى كل مِنْهُمَا الْقود أَو إكراهه على أَن يكره عَلَيْهِ أَي قتل
الْمعِين فَفعل أَي أكره من قَتله فعلى كل وَاحِد من الثَّلَاثَة الْقود
إِن لم يعف وليه أَو الدِّيَة إِن عَفا وَقَول قَادر على مَا هدد بِهِ
غَيره: اقْتُل نَفسك وَإِلَّا قتلتك إِكْرَاه فَيقْتل بِهِ إِن قتل نَفسه
كَمَا لَو أكره عَلَيْهِ غَيره وان أَمر إِنْسَان بِهِ الْقَتْل شخصا غير
مُكَلّف كصغير وَمَجْنُون فَقتل أَو أَمر بِهِ من يجهل تَحْرِيمه كمن نشا
بِغَيْر دَار الْإِسْلَام فَقتل أَو أَمر سُلْطَان ظلما من أَي إنْسَانا
جهل ظلمه أَي الْآمِر فِيهِ أى الْقَتْل لزم الْقصاص الْآمِر لعذر
الْمَأْمُور لوُجُوب طَاعَة الإِمَام فِي غير الْمعْصِيَة وَالظَّاهِر أَن
الْإِسْلَام لَا يَأْمر إِلَّا بِحَق.
(2/706)
وَإِن علم الْمَأْمُور الْمُكَلف تَحْرِيمه
لزمَه الْقصاص وأدب آمُر. وَمن دفع لغير مُكَلّف آلَة قتل وَلم يَأْمُرهُ
بِهِ فَقتل لم يلْزمه شَيْء. وَلَو قَالَ مُكَلّف غير قن لغيره: اقتلني أَو
أجرحني فَفعل فَهدر نصا. كَمَا لَو قَالَ لَهُ: اقتلني وَإِلَّا قتلتك
قَالَ فِي الِانْتِصَار: وَلَا إِثْم هَهُنَا وَلَا كَفَّارَة وَلَو قَالَ
ذَلِك قن ضمنه الْقَاتِل بِقِيمَتِه أَو أرش الْجراحَة. وَمن أمسك إنْسَانا
لآخر حَتَّى قَتله أَو قطع طرفه فَمَاتَ أَو فتح فَمه حَتَّى سقَاهُ سما
قتل قَاتل بِالْفِعْلِ أَو السم لقَتله عمدا من يُكَافِئهُ بِغَيْر حق
وَحبس مُمْسك حَتَّى يَمُوت وَلَا قَود عَلَيْهِ وَلَا دِيَة وَإِن كَانَ
الممسك لَا يعلم أَن الْقَاتِل يقْتله فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
(2/707)
3 - (فصل)
وَيشْتَرط لوُجُوب الْقصاص أَي الْقود [أَرْبَعَة شُرُوط] بالاستقراء:
أَحدهَا تَكْلِيف قَاتل أَي بِأَن يكون بَالغا عَاقِلا قَاصِدا لِأَن
الْقصاص عُقُوبَة مُغَلّظَة فَلَا تجب على [غير] مُكَلّف كصغير وَمَجْنُون
ومعتوه لأَنهم لَيْسَ لَهُم قصد صَحِيح كقاتل خطأ. وَإِن قَالَ جَان: كنت
حَال الْجِنَايَة صَغِيرا وَقَالَ ولي الْجِنَايَة: بل مُكَلّفا وَأَقَامَا
بينتين تَعَارَضَتَا وَتقدم أَن القَوْل قَول الصَّغِير حَيْثُ أمكن وَلَا
بَيِّنَة. وَالشّرط الثَّانِي: عصمَة مقتول وَلَو مُسْتَحقّا دَمه بقتل
لغير قَاتله. فَإِن قتل حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا قبل تَوْبَته إِن قبلت
ظَاهرا أَو زَانيا مُحصنا وَلَو قبل ثوبته عِنْد حَاكم إِذا ثَبت أَنه زنى
مُحصنا بعد قَتله فَلَا قَود وَلَا دِيَة وَلَو أَنه مثله وَيُعَزر
لاقتفائه على الإِمَام وَمن قطع طرف مُرْتَد أَو حَرْبِيّ فَأسلم ثمَّ وَقع
بِهِ المرمى فَمَاتَ فَهدر. وَمن قطع طرفا أَو أَكثر من مُسلم فَارْتَد
ثمَّ مَاتَ فَلَا قَود وَعَلِيهِ
(2/708)
الْأَقَل من دِيَة النَّفس أَو دِيَة مَا
قطع يَسْتَوْفِيه الإِمَام، لِأَن مَال الْمُرْتَد فَيْء للْمُسلمين
واستيفاؤه للْإِمَام. وَلَو عَاد لِلْإِسْلَامِ وَلَو بعد زمن تسري فِيهِ
الْجِنَايَة فَكَمَا لَو لم يرْتَد فعلى قَاتله الْقود نصا لِأَنَّهُ مُسلم
حَال الْجِنَايَة وَالْمَوْت أشبه مَا لَو لم يرْتَد. وَالشّرط الثَّالِث
مكافأته أَي الْمَقْتُول لقَاتل حَال الْجِنَايَة بِأَن لَا يفضله قَاتله
بدين وَلَا بحريّة وَلَا ملك فَيقْتل مُسلم أَو عبد بِمثلِهِ وكتابي بمجوسي
وذمي بمستأمن وَكَافِر غير حَرْبِيّ جنى ثمَّ أسلم بِمُسلم لَا حربقن ومبعض
وَلَا مكَاتب بقنه وَلَو كَانَ ذَا رحم محرم. وَإِن انْتقض عهد ذمِّي بقتل
مُسلم حر أَو عبد وَقتل لنقض الْعَهْد فَعَلَيهِ دِيَة الْحر أَو قيمَة
العَبْد. وَالشّرط الرَّابِع عدم الْولادَة بِأَن لَا يكون الْمَقْتُول
ولدا للْقَاتِل وَإِن سفل وَلَا ولد بنت وَإِن سفلت فَيقْتل ولد بأب وَأم
وجد وَجدّة لَا أحد الأَصْل من النّسَب بِالْوَلَدِ ولد الْبِنْت وَإِن سفل
وَلَو كَانَ الْوَلَد أَو وَالِد الْبِنْت وان سفل حرا مُسلما وَالْقَاتِل
كَافِرًا قِنَا. وَيُؤْخَذ حر بِالدِّيَةِ وَمَتى ورث قَاتل أَو وَلَده بعض
دم الْمَقْتُول فَلَا قَود على قَاتل لِأَن الْقصاص لَا يَتَبَعَّض وَلَا
يتَصَوَّر وُجُوبه للْإنْسَان [على] نَفسه وَلَا لوَلَده عَلَيْهِ كَمَا
لَو قتل زَوجته فَورثَهَا وَلَدهَا مِنْهُ سقط الْقصاص أَو قتل أخاها
فورثته ثمَّ مَاتَت فَورثَهَا الْقَاتِل أَو وَلَده فَكَذَلِك أَو قتلت أَو
أَخا زَوجهَا فورثه زَوجهَا ثمَّ مَاتَ زَوجهَا فورثته هِيَ أَو وَلَدهَا
فَلَا قصاص.
(2/709)
وَمن قتل شخصا لَا يعرف بِإِسْلَام وَلَا
حريَّة أَو قتل ملفوفا وَادّعى كفره أَو رقّه أَو مَوته وَأنكر وليه أَو
قتل شخصا فِي دَاره أَي الْقَاتِل وَادّعى أَنه دخل لقَتله أَو أَخذ مَاله
فَقتله دفعا عَن نَفسه وَأنكر وليه، أَو تجارح اثْنَان وَادّعى كل الدّفع
عَن نَفسه فالقود إِن وَجب شَرطه، أَو الدِّيَة وَيصدق مُنكر بِيَمِينِهِ،
وَمَتى صدق الْوَلِيّ فَلَا قَود وَلَا دِيَة، وَيشْتَرط لاستيفائه أَي
الْقصاص [ثَلَاثَة] شُرُوط: أَحدهَا تَكْلِيف مُسْتَحقّ لَهُ لِأَن غير
الْمُكَلف لَيْسَ أَهلا للاستيفاء وَلَا تدخله النِّيَابَة وَلَا يملك
استيفاءه لصغير أَو مَجْنُون أَب كوصي وحاكم، فَإِن احتاجا للنَّفَقَة
فلولي مَجْنُون لَا صَغِير الْعَفو إِلَى الدِّيَة. وَالثَّانِي اتِّفَاقهم
أَي الْمُسْتَحقّين للْقصَاص عَلَيْهِ أَي على الِاسْتِيفَاء فَلَيْسَ
لبَعْضهِم اسْتِيفَاء بِدُونِ إِذن البَاقِينَ، لِأَنَّهُ يكون مُسْتَوْفيا
لحق غَيره بِلَا إِذْنه وَلَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ أشبه الدّين. [و]
الثَّالِث أَن يُؤمن فِي اسْتِيفَائه أَي الْقصاص تعديه الِاسْتِيفَاء
[إِلَى غير جَان] لقَوْله تَعَالَى (فَلَا يسرف فِي الْقَتْل) فَلَو لزم
الْقود حَامِلا أَو حَائِلا فَحملت لم تقتل حَتَّى تضع حملهَا وتسقيه
اللبأ، ثمَّ إِن وجد من يرضعه أقيد مِنْهَا، وَإِلَّا فحتى تفطمه لحولين،
وَكَذَا حد برجم. وتقاد فِي الطّرف وتحد بجلد بِمُجَرَّد وضع. وَمَتى
ادَّعَت الْحمل وَأمكن قبل وحبست لقود وَلَو مَعَ غيبَة ولي مقتول حَتَّى
يتَبَيَّن أمرهَا فِي الْحمل وَعَدَمه.
(2/710)
[وَيحبس] جَان [لقدوم] وَارِث [غَائِب] ول
[بُلُوغ] وَارِث صَغِير ول إفاقة وَارِث مَجْنُون لأَنهم شُرَكَاء فِي
الْقصاص وَلِأَنَّهُ أحد بدلى النَّفس فَلَا ينْفَرد [بِهِ بَعضهم كَمَا
لَا ينْفَرد] بِالدِّيَةِ لَو وَجَبت. وَيسْتَحق كل وَارِث من الْقود بِقدر
إِرْثه من المَال وَمن لَا وَارِث لَهُ فالإمام وليه لَهُ أَن يقْتَصّ أَو
يعْفُو إِلَى المَال. وَيجب اسْتِيفَاؤهُ أَي الْقصاص بحضره سُلْطَان أَو
نَائِبه لافتقاره إِلَى اجْتِهَاد، وَيحرم الحيف فِيهِ، فَلَو خَالف وَفعل
أَي اقْتصّ بِغَيْر حُضُوره وَقع الْموقع وَله تعزيره لافتئاته عَلَيْهِ،
وَيجب اسْتِيفَاؤهُ بِآلَة مَاضِيَة وعَلى الإِمَام تفقدها فَإِن كَانَت
كالة أَو مَسْمُومَة مَنعه من الِاسْتِيفَاء بهَا فَإِن عجل وَاسْتوْفى
بهَا عزّر، وَينظر الإِمَام أَو نَائِبه فِي الْوَلِيّ فَإِن كَانَ يقدر
على الِاسْتِيفَاء وَيحسن مكنه مِنْهُ، وَيُخَير ولي بَين أَن يُبَاشر
وَلَو فِي طرف وَبَين أَن يُوكل، وَإِن لم يحسن الِاسْتِيفَاء أمره
السُّلْطَان أَو نَائِبه أَن يُوكل. وَيجب اسْتِيفَاء فِي النَّفس بِضَرْب
الْعُنُق أَي عتق الْجَانِي بِسيف لحَدِيث (إِذا قتلم فَأحْسنُوا القتلة)
وَلِحَدِيث (قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ) وَلِأَن الْقَصْد إِتْلَاف جملَته
وَقد أمكن بِضَرْب عُنُقه لَا يجوز تعذيبه بِإِتْلَاف أَطْرَافه كقتله
بِآلَة كالة. وَيحرم بِغَيْر سيف سَوَاء كَانَ قتل بِهِ أَو بِمحرم لعَينه
كسحر وتجريع
(2/711)
خمر ولواط أَو بِحجر أَو تغريق أَو تحريق
أَو هدم أَو حبس أَو خنق أَو غَيره، وَمن قطع طرف شخص ثمَّ قَتله قبل برئه
دخل قَود طرفه فِي قَود نَفسه وَكفى قَتله، وَمن فعل بِهِ ولي الْجِنَايَة
كَفِعْلِهِ فقد أَسَاءَ وَلم يضمنهُ، وَلَا يجوز قطع طرف بِغَيْر سكين.
(2/712)
3 - (فصل)
فِي الْعَفو عَن الْقصاص. وَهُوَ المحو والتجاوز، وَأَجْمعُوا على جَوَازه
وَيجب ب قتل عمد عدوان الْقود أَو الدِّيَة، فَيُخَير ولي الْجِنَايَة
بَينهمَا و [الْعَفو مجَّانا أفضل] لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَأَن تعفوا أقرب
للتقوى)) . وَلِحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (مَا عَفا رجل عَن مظْلمَة
إِلَّا زَاده الله تَعَالَى عزا) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ. وَيصِح عَفوه بِلَفْظ صَدَقَة. وكل مَا أدّى مَعْنَاهُ
لِأَنَّهُ إِسْقَاط ثمَّ لَا تَعْزِير على جَان، فَإِن اخْتَار الْوَلِيّ
الْقود فَلهُ أَخذ الدِّيَة وَالصُّلْح على أَكثر مِنْهَا، وَمَتى اخْتَار
الدِّيَة ابْتِدَاء تعيّنت فَلَو قَتله قتل بِهِ [أَو عَفا] عَن الْقود
عفوا مُطلقًا بِأَن قَالَ: عَفَوْت عَن الْقود وَلم يقل على مَال أَو بِلَا
مَال تعيّنت الدِّيَة أَو هلك جَان تعيّنت الدِّيَة فِي مَاله لتعذر
اسْتِيفَاء الْقود. وَمن قطع طرفا عمدا كإصبع فعفى عَنهُ ثمَّ سرت
الْجِنَايَة
(2/713)
إِلَى عُضْو آخر كَبَقِيَّة الْيَد أَو
إِلَى النَّفس وَالْعَفو على مَال أَو غَيره كخمر وَنَحْوه فَلَا قصاص وَله
تَمام دِيَة مَا سرت إِلَيْهِ من يَد أَو نفس وَلَو مَعَ موت جَان فيغلي
أرش مَا عفى عَنهُ من دِيَة مَا سرت إِلَيْهِ وَيجب الْبَاقِي لِأَنَّهُ حق
الْمَجْنِي عَلَيْهِ فِيمَا سرت إِلَيْهِ الْجِنَايَة لَا فِيمَا عفى
عَنهُ، وَمن وكل غَيره فِي اسْتِيفَاء قَود ثمَّ عَفا مُوكل عَن قَود وكل
فِيهِ وَالْحَال أَنه لم يعلم وَكيل بعفوه حَتَّى اقْتصّ فَلَا شَيْء
عَلَيْهِمَا أَي لَا على الْوَكِيل وَلَا على الْمُوكل لِأَنَّهُ محسن
بِالْعَفو، وَلَا تَفْرِيط من الْوَكِيل لعدم تمكن استدراكه، أشبه مَا لَو
عَفا بعد مَا رَمَاه، فَإِن علم الْوَكِيل فَعَلَيهِ الْقصاص وَإِن وَجب
لقن قَود أَو وَجب لَهُ تَعْزِير قذف فَطَلَبه أَي طلب مَا وَجب لَهُ من
قَود أَو تَعْزِير قذف لَهُ [وإسقاطه] أَي إِسْقَاط مَا وَجب لَهُ عَن
ذَلِك لَهُ أَي للقن لاختصاصه بِهِ وَإِن مَاتَ الْقِنّ قبل اسْتِيفَاء
ذَلِك ف طلبه وإسقاطه لسَيِّده لِأَنَّهُ أَحَق بِهِ مِمَّن لَيْسَ فِيهِ
ملك والقود فِيمَا دون النَّفس كالقود فِيهَا أَي النَّفس، أَي من أَخذ
بِغَيْرِهِ فِي النَّفس أَخذ فِيمَا دونهَا وَمن لَا فَلَا، كالأبوين مَعَ
ولدهما، وَالْحر مَعَ العَبْد، وَالْمُسلم مَعَ الْكَافِر. [وَهُوَ] الْقود
فِيمَا دون النَّفس نَوْعَانِ: أَحدهمَا فِي الطّرف فَيُؤْخَذ كل من عين
وأنف وَأذن وَسن وَنَحْوهَا كجفن وشقة وَيَد وَرجل وَنَحْو ذَلِك بِمثلِهِ
أَي الْعُضْو الْمُتْلف فتؤخذ الْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن
بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجفن بالجفن والشقة الْعليا
(2/714)
بالعليا والسفلى بالسفلى وَالْيَد
بِالْيَدِ وَالرجل بِالرجلِ والإصبع بالإصبع وَالذكر بِالذكر والخصية
والألية والشفر وَنَحْوه كل وَاحِد بِمثلِهِ لقَوْله تَعَالَى 19 ((وكتبنا
عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ)) الْآيَة. وَيشْتَرط للْقصَاص
فِي الطّرف ثَلَاثَة شُرُوط الأول مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله بِشَرْط
مماثلة فِي الِاسْم كَالْيَدِ بِالْيَدِ، وَفِي الْموضع كاليمين
بِالْيَمِينِ، فَلَا تُؤْخَذ يَد بِرَجُل وَلَا يَمِين بيسار وَعَكسه.
وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وبشرط أَمن من حيف أَي يُمكن
الِاسْتِيفَاء بِلَا حيف، بِأَن يكون الْقطع من مفصل بِفَتْح أَوله وَكسر
ثالثه أَو يَنْتَهِي إِلَى حد كمارن أنف وَهُوَ مَا لَان فَلَا قصاص فِي
جَائِفَة وَكسر عظم غير سنّ وَنَحْوه كضرس، وَلَا إِن قطع قَصَبَة الْأنف
أَو بعض ساعد أَو سَاق أَو ورك، وَأما الْأَمْن من الحيف فَشرط لجَوَاز
الِاسْتِيفَاء لوُجُوب الْقصاص حَيْثُ وجدت شُرُوطه، وَهُوَ العداون على
مكافئه عمدا مَعَ الْمُسَاوَاة فِي الِاسْم وَالصِّحَّة والكمال لَكِن
الِاسْتِيفَاء غير مُمكن لخوف الْعدوان. وَفَائِدَة ذَلِك أَنا إِذْ
قُلْنَا: إِنَّه شَرط للْوُجُوب تعيّنت الدِّيَة إِذا لم يُوجد الشَّرْط،
وَإِن قُلْنَا إِنَّه شَرط للاستيفاء دون الْوُجُوب، فَإِن قُلْنَا
الْوَاجِب الْقصاص عينا لم يجب بذلك شَيْء إِلَّا أَن الْمَجْنِي عَلَيْهِ
إِذا عَفا يكون قد عَفا حَتَّى يحصل لَهُ ثَوَابه، وَإِن قُلْنَا مُوجب
الْعمد أحد شَيْئَيْنِ انْتقل الْوُجُوب إِلَى الدِّيَة قَالَه فِي
الْمُنْتَهى وَشَرحه. وَالثَّالِث: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وبشرط
اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ فِي
(2/715)
صِحَة وَكَمَال فَلَا تُؤْخَذ يَد أَو رجل
كَامِلَة الْأَصَابِع والأظفار بناقصتها رضى أَو لَا، وَلَا عين صَحِيحَة
بقائمة، وَلَا لِسَان نَاطِق بأخرس، وَلَا عُضْو صَحِيح بأشل وَلَا ذكر
فَحل بِذكر خصي أَو عنين وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا اسْتِوَاء فِيهِ. وَمن
أذهب بعض لِسَان أَو مارن أَو شفة أَو حَشَفَة أَو أذن أَو سنّ أَو قيد
مِنْهُ مَعَ أَمن قلع لسن بِقدر الَّذِي أذهبه جَان بِنِسْبَة الْأَجْزَاء
كثلث وَربع وَخمْس، وَلَا قَود وَلَا دِيَة لما رجى عوده فِي مُدَّة
تَقُولهَا أهل الْخِبْرَة من عين كسن وضرس وَنَحْوهمَا، أَو مَنْفَعَة كعدو
وَنَحْوه فَلَو مَاتَ فِي تِلْكَ الْمدَّة تعيّنت دِيَة الذَّاهِب.
النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي الْقود فِيمَا دون النَّفس فِي الجروح وَيجوز
الْقصاص فِيهَا بِشَرْط انتهائها أَي الجروح إِلَى عظم كموضحة فِي رَأس
وَوجه وجرح عضد وساعد وَنَحْوهمَا كفخذ وسَاق وَقدم وَنَحْوه، ولمجروح جرحا
أعظم من مُوضحَة كهاشمة ومنقلة أَن يقْتَصّ مُوضحَة وَيَأْخُذ مَا بَين
دِيَتهَا ودية الشَّجَّة، فَيَأْخُذ فِي هاشمة خمْسا من الْإِبِل وَفِي
منقلة عشرا وتضمن سرَايَة جِنَايَة بقود أَو دِيَة فِي نفس ودونها وَلَو
اندمل الْجرْح واقتص من جَان ثمَّ انْتقصَ فسرى، لحُصُول التّلف بِفعل
الْجَانِي أشبه مَا لَو بَاشرهُ، فَلَو قطع إصبعا فتآكلت أُخْرَى أَو
الْيَد وَسَقَطت فالقود، وَفِيمَا يشل الْأَرْش، وَلَا تضمن سرَايَة [قَود]
لقَوْل 16 (عمر وَعلي) : من مَاتَ عَن أحد أَو قصاص لَا دِيَة لَهُ، الْحق
قَتله، رَوَاهُ سعيد بِمَعْنَاهُ، فَلَو قطع طرفا قودا
(2/716)
فسرى إِلَى النَّفس فَلَا شَيْء على قَاطع،
لَكِن لَو قطعه قهرا مَعَ حر أَو برد أَو بِآلَة كالة أَو مَسْمُومَة
وَنَحْوه لزمَه بَقِيَّة الدِّيَة. وَلَا يقْتَصّ مجني عَلَيْهِ أَي يحرم
عَلَيْهِ ذَلِك عَن جِنَايَة طرف وَلَا جِنَايَة [جرح] قبل الْبُرْء
لحَدِيث جَابر أَن رجلا جرح رجلا وَأَرَادَ أَن يستقيد فَنهى النَّبِي أَن
يستقاد من الْجَارِح حَتَّى يبرأ الْمَجْرُوح. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
وَلَا يطْلب لَهما أَي جِنَايَة الطّرف وَالْجرْح دِيَة قبل الْبُرْء
لاحْتِمَال السَّرَايَة، فَإِن اقْتصّ مَجْرُوح قبل برْء فسراية الْجَانِي
والمجني عَلَيْهِ بعد الاقتصاص هدر.
(2/717)
3 - (فصل)
. الدِّيات جمع دِيَة مُخَفّفَة وَهِي مصدر وديت الْقَتِيل إِذا أدّيت
دِيَته، كالعدة من الْوَعْد والزنة من الْوَزْن، وَشرعا المَال الْمُؤَدِّي
إِلَى مجني عَلَيْهِ أَو وليه بِسَبَب جِنَايَة، فَمن أتلف إنْسَانا أَو
جُزْءا مِنْهُ مُسلما أَو ذِمِّيا أَو معاهدا بِمُبَاشَرَة أَو سَبَب
كَشَهَادَة وَنَحْوهَا فَالدِّيَة. ودية الْعمد على الْجَانِي لِأَن
الْعَاقِلَة لَا تحْتَمل الْعمد. وَغَيرهَا أَي غير دِيَة الْعمد وَهُوَ
الْخَطَأ وَشبه الْعمد على عَاقِلَته أَي الْجَانِي، فَمن ألْقى على
آدَمِيّ أَفْعَى أَي حَيَّة خبيثة قَالَه فِي الْقَامُوس أَو أَلْقَاهُ
عَلَيْهَا فَقتله أَو طلبه بِسيف أَو نَحوه مُجَردا فَتلف فِي هربه وَلَو
غير ضَرِير، أَو روعه بِأَن شهره فِي وَجهه، أَو دلاه من شَاهِق فَمَاتَ
أَو ذهب عقله، أَو حفر بِئْرا محرما حفره كبئر فِي طَرِيق ضيق أَو وضع حجرا
أَو قشر بطيخ أَو خِيَار أَو باقلاء، أَو صب مَاء بفنائه أَو فِي
الطَّرِيق، أَو بَال أَو بَالَتْ دَابَّته بهَا أَي الطَّرِيق وَيَده
عَلَيْهَا كراكب وسائق وقائد أَو رمى من منزله حجرا أَو غَيره أَو حمل
بِيَدِهِ رمحا جعله بَين يَدَيْهِ أَو خَلفه لَا قَائِما فِي الْهَوَاء
وَهُوَ يمشي أَو وَقع على نَائِم بِفنَاء جِدَار فأتلف إنْسَانا أَو تلف
بِهِ،
(2/718)
فَعَلَيهِ دِيَته، فَمَا مَعَ قصد فَشبه
عمد وَمَا بِدُونِهِ فخطأ، وَفِي كل مِنْهُمَا الدِّيَة على الْعَاقِلَة
وَالْكَفَّارَة فِي مَاله. وَمن سلم على غَيره أَو أمسك يَده فَمَاتَ أَو
تلف وَاقع على نَائِم غير متعمد بنومه فَهدر، وَإِن تلف النَّائِم فَغير
هدر. وَمن قيد حرا مُكَلّفا بَالغا عَاقِلا وغله فَتلف بحية أَو صَاعِقَة
فَالدِّيَة لهلاكه فِي حَال تعديه، وَمُقْتَضَاهُ أَنه إِذا قَيده فَقَط
أَو غله لَا ضَمَان لِأَنَّهُ يُمكنهُ الْفِرَار، أشبه مَا لَو أَلْقَاهُ
فِي مَاء يُمكنهُ الْخَلَاص مِنْهُ أَو غصب حرا صَغِيرا أَو مَجْنُونا
فَتلف بحية أَو صَاعِقَة وَهِي نَار تنزل من السَّمَاء فِيهَا رعد شَدِيد
قَالَ الْجَوْهَرِي - فَالدِّيَة لهلاكه فِي حَال تعديه بحبسه، وَإِن لم
يُقيد وَلم يغله لضَعْفه عَن الْهَرَب من الصاعقة والبطش بالحية أَو
دَفعهَا عَنهُ وَلَا يضمن الْحر الْمُكَلف من قَيده وغله أَو الصَّغِير من
حَبسه إِن مَاتَ بِمَرَض أَو مَاتَ فَجْأَة نصا لِأَن الْحر لَا يدْخل تَحت
الْيَد، وَلَا جِنَايَة إِذا، وَأما الْقِنّ فَيضمنهُ غاصبه تلف أَو أتلف.
وَإِن تجاذب حران مكلفان حبلا أَو نَحوه فَانْقَطع فسقطا فماتا فعلى عاقله
كل دِيَة الآخر، سَوَاء انكبا أَو استلقيا أَو انكب أَحدهمَا واستلقى الآخر
لتسبب كل فِي قتل الآخر، لَكِن نصف دِيَة الْمنْكب مُغَلّظَة وَنصف دِيَة
المستلقي مُخَفّفَة قَالَه فِي الرِّعَايَة، وَإِن اصطدما وَلَو ضريرين أَو
أَحدهمَا فماتا فكمتجاذبين. وَإِن اصطمدت امْرَأَتَانِ حاملان فماتا
فكرجلين. فَإِن أسقطت كل مِنْهُمَا جَنِينهَا فعلى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا
نصف ضَمَان جَنِينهَا وَنصف ضَمَان جَنِين صاحبتها
(2/719)
لاشْتِرَاكهمَا فِي قَتله وعَلى كل
مِنْهُمَا عتق ثَلَاثَة رِقَاب وَاحِدَة لقتل صاحبتها وَاثْنَتَانِ
لمشاركتها فِي الجنينين. وَإِن أسقطت إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى وماتتا
اشتركتا فِي ضَمَانه وعَلى كل مِنْهُمَا عتق رقبتين. وَإِن اصطدما عمدا
وَذَلِكَ يقتل غَالِبا فَعمد يلْزم كلا دِيَة الآخر فِي ذمَّته فيتقاصان
وَلَا شَيْء على الْعَاقِلَة لِأَنَّهَا لَا تحمل الْعمد، وعَلى هَذَا إِن
مَاتَ أَحدهمَا وَحده فالقصاص أَو الدِّيَة فِي مَال صَاحبه. وَإِن لم يقتل
غَالِبا فَشبه عمد. وَإِن كَانَا راكبين فَمَا تلف من دابتيهما فَقيمته على
الآخر. وَإِن كَانَ أَحدهمَا وَاقِفًا أَو قَاعِدا فضمان مَا لَهما أَي
الْوَاقِف والقاعد على سَائِر نصا، وديتهما على عَاقِلَته لحُصُول التّلف
بصدمه. وَإِن انحرف الْوَاقِف فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين. وَإِن
اصطدم قنان ماشيان فماتا فَهدر. وَإِن مَاتَ أَحدهمَا فَقيمته فِي رَقَبَة
الآخر كَسَائِر جناياته. وَإِن كَانَ حرا وقنا فماتا فقيمة قن فِي تَركه
الْحر وَتجب دِيَة الْحر كَامِلَة فِي تِلْكَ الْقيمَة وَمن أركب صغيرين
وَلَا ولَايَة لَهُ على كل مِنْهُمَا فاصطدما فماتا فديتهما وَمَا تلف بهما
من مَاله، فَإِن أركبهما ولي لمصْلحَة كتمرين على ركُوب مَا يصلح لركوبهما
وَكَانَا يثبتان بأنفسهما أَو ركبا من عِنْد أَنفسهمَا فهما كبالغين
مخطئين.
(2/720)
وَإِن اصطدم كَبِير وصغير فَمَاتَ
الصَّغِير فَقَط ضمنه الْكَبِير، وَإِن مَاتَ الْكَبِير ضمنه مركب
الصَّغِير إِن تعدى بإركابه، وَإِن أركبه لمصْلحَة وَركب من عِنْد نَفسه
فكبالغ مخطيء على مَا سبق. وَمن قرب صَغِيرا من هدف فأصيب ضمنه. وَمن
أرْسلهُ لحَاجَة فأتلف نفسا أَو مَالا فجنايته خطأ من مرسله. وَإِن جنى
عَلَيْهِ ضمنه مرسله، قَالَ ابْن حمدَان: إِن تعذر تضمين الْجَانِي، فَإِن
لم يتَعَذَّر فَالضَّمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مبَاشر والمرسل متسبب. وَمن
أتلف نَفسه أَو طرفا خطأ فَهدر كعمد. وَمن حفر بِئْرا قَصِيرَة فعمقها آخر
فضمان مَا تلف بَينهمَا، وَإِن وضع ثَالِث سكينا فأثلاثا. وَمن اضْطر إِلَى
طَعَام غير مُضْطَر أَو شرابه فَطَلَبه حَتَّى مَاتَ، أَو أَخذ طَعَام
غَيره أَو شرابه وَهُوَ عَاجز عَن دَفعه فَتلف أَو تلفت دَابَّته أَو أَخذ
مِنْهُ مَا يدْفع بِهِ صائلا عَلَيْهِ من سبع أَو حَيَّة أَو نمر
وَنَحْوهَا فَأَهْلَكَهُ ضمنه، لَا من أمكنه إنجاء نفس من هلكه فَلم يفعل.
وَمن أفزع إنْسَانا أَو ضربه وَلَو صَغِيرا فأحدث بغائط أَو بَوْل أَو ريح
وَلم يدم فَعَلَيهِ ثلث الدِّيَة وَإِن دَامَ فَالدِّيَة كَامِلَة. وَإِن
أدب إنْسَانا امْرَأَته بنشوز بِلَا إِسْرَاف فَلَا ضَمَان أَو أدب ولدا
معلم صَبِيه أَو أدب سُلْطَان رَعيته بِلَا إِسْرَاف أَي لم يزدْ على
الضَّرْب الْمُعْتَاد فِيهِ لَا فِي عدد وَلَا شدَّة فَتلف فَلَا ضَمَان
بِتَلف شَيْء من ذَلِك كُله على الْمُؤَدب نصا،
(2/721)
وَمن أَمر من مُكَلّف وَغَيره مُكَلّفا أَن
ينزل بِئْرا أَو يصعد شَجَرَة فَهَلَك بِهِ أَي بنزول الْبِئْر أَو بصعود
الشَّجَرَة لم يضمن وَإِن لم يكن الْمَأْمُور مُكَلّفا ضمنه الْآمِر. أَو
سلم مُكَلّف نَفسه أَو وَلَده إِلَى سابح حاذق ليعلمه السباحة فغرق، أَو
وضع نَحْو جرة أَو حجر على سطحه أَو حَائِطه وَلَو متطرفا فرمته ريح أَو
طَائِر على آدَمِيّ فَتلف لم يضمن مَا تلف بذلك لسقوطه بِغَيْر فعله وزمن
وَضعه كَانَ فِي ملكه. وَمن دَفعهَا حَال سُقُوطهَا عَن نَفسه أَو تدحرجت
فَدَفعهَا لم يضمن مَا تلف بِدَفْعِهِ. وَلَو مَاتَت حَامِل أَو مَاتَ
حملهَا من ريح طَعَام وَنَحْوه كرائحة الكبريت ضمن ربه إِن علم ذَلِك أَي
إِن علم أَن الْحَامِل تَمُوت أَو يَمُوت حملهَا من ريح ذَلِك عَادَة أَي
بِحَسب الْمُعْتَاد وَأَن الْحَامِل هُنَاكَ وَإِلَّا فَلَا إِثْم وَلَا
ضَمَان.
(2/722)
3 - (فصل)
. فِي مقادير ديات النَّفس. وَهِي جمع مِقْدَار وَهُوَ مبلغ الشَّيْء
وَقدره فَقَالَ رَحمَه الله: ودية الْحر الْمُسلم مائَة بعير أَو ألف
مِثْقَال ذَهَبا أَو إثنا عشر ألف دِرْهَم إسلامي فضَّة أَو مِائَتَا بقرة
أَو ألفا شَاة قَالَ 16 (القَاضِي) : لَا يخْتَلف الْمَذْهَب أَن أصُول
الدِّيَة الْإِبِل وَالذَّهَب وَالْوَرق وَالْبَقر وَالْغنم. وَهَذِه
الْخَمْسَة فَقَط أُصُولهَا فَيُخَير من عَلَيْهِ دِيَة بَينهَا أَي بَين
هَذِه الْخَمْسَة فَإِذا أحضر أَحدهَا لزم ولي الْجِنَايَة قبُوله. [وَيجب
فِي] قتل عمد وَفِي شبهه أَي الْعمد من إبل ربع الْمِائَة خمس وَعِشْرُونَ
بنت مَخَاض وَربع بنت لبون وَربع حقة وَربع جَذَعَة. وتغلظ فِي طرف كَمَا
تغلظ فِي نفس لَا فِي غير إبل لعدم وُرُوده. وَتجب الدِّيَة فِي قتل خطأ
أَخْمَاسًا ثَمَانُون من الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة أَي
عشرُون بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ
جَذَعَة وَعِشْرُونَ ابْن مَخَاض وَهِي تَمام الْمِائَة قَالَ فِي
الشَّرْح: لَا يخْتَلف فِيهِ الْمَذْهَب وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود رَضِي
الله عَنهُ. وَتُؤْخَذ دِيَة من بقر نصف مسنات وَنصف أتبعه. وَتُؤْخَذ
دِيَة من غنم نصف ثنايا وَنصف أجذعة. وَتعْتَبر السَّلامَة من كل عيب فِي
كل
(2/723)
الْأَنْوَاع، لِأَن الطَّلَاق يَقْتَضِي
السَّلامَة وَلَا تعْتَبر [الْقيمَة] أَي لَا يعْتَبر فِي قيمتهَا أَن تبلغ
دِيَة نقد لعُمُوم حَدِيث (فِي النَّفس المؤمنة مائَة من الْإِبِل) وَهِي
مُطلق فَلَا يجوز تَقْيِيده إِلَّا بِدَلِيل وَلِأَنَّهَا كَانَت تُؤْخَذ
على عَهده وَقيمتهَا ثَمَانِيَة آلَاف وَقَول عمر إِن الْإِبِل قد غلت
فقومها على أهل الْوَرق بإثني عشر ألفا دَلِيل على أَنَّهَا فِي حَال رخصها
أقل قيمَة من ذَلِك. ودية أُنْثَى نصف دِيَة رجل من أهل دِيَتهَا بمثناة
تَحت فمثناة فَوق. أَي خَمْسُونَ من الْإِبِل أَو خَمْسمِائَة ذَهَبا أَو
سِتَّة آلَاف دِرْهَم فضَّة أَو مائَة بقرة أَو ألف شَاة. [وجراحها] أَي
الْمَرْأَة فِي قطع أَو جرح تَسَاوِي جراحه أَي الرجل من أهل دِيَتهَا
فِيمَا يُوجب دون ثلث دِيَته فَإِذا بلغت أَو زَادَت عَلَيْهِ صَارَت على
النّصْف مِنْهُ. قَالَ ربيعَة قلت لسَعِيد بن الْمسيب: كم فِي إِصْبَع
الْمَرْأَة قَالَ: عشر. قلت: فَفِي إِصْبَعَيْنِ قَالَ: عشرُون. قلت: فَفِي
ثَلَاث أَصَابِع؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ. قلت: فَفِي أَربع قَالَ: عشرُون. قلت
لما عظمت مصيبتها قل عقلهَا قَالَ: هَكَذَا السّنة يَا ابْن أخي. انْتهى.
ودية خُنْثَى مُشكل حر مُسلم نصف دِيَة كل مِنْهُمَا أَي ثَلَاثَة أَربَاع
دِيَة الذّكر لاحْتِمَال الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة احْتِمَال وَاحِد وَقد
أيس من انكشاف
(2/724)
حَاله فَوَجَبَ التَّوَسُّط بَينهمَا
وَالْعَمَل بِكُل وَاحِد من الِاحْتِمَالَيْنِ. وَكَذَا جِرَاحَة. ودية
كتابي أَي يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو متدين بِالتَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيل حر ذمِّي أَو معاهد أَو مستأمن نصف دِيَة حر مُسلم وَكَذَا
جِرَاحَة ودية مَجُوسِيّ حر ذمِّي أَو معاهد أَو مستأمن ثَمَانمِائَة
دِرْهَم، ودية وَثني أَي عَابِد وثن وَغَيره من الْمُشْركين مستأمن أَو
معاهد بِدَارِنَا أَو غَيرهَا ثَمَانمِائَة دِرْهَم إسلامي، وجراحاتهم من
دياتهم كجراحات الْمُسلمين من دياتهم نصا، وَمن لم تبلغه الدعْوَة إِن
كَانَ لَهُ أَمَان فديته دِيَة أهل دينه فَإِن لم يعرف دينه فكمجوسي
لِأَنَّهُ الْيَقِين، وَإِن لم يكن لَهُ أَمَان فَلَا شَيْء فِيهِ، ودية
أنثاهم على النّصْف من ذكرهم، قَالَ فِي الشَّرْح: لَا نعلم فِيهِ خلافًا
[ودية رَقِيق] ذكرا أَو أُنْثَى صَغِيرا أَو كَبِيرا وَلَو مُدبرا أَو أم
ولد أَو مكَاتبا قِيمَته عمدا كَانَ الْقَتْل أَو خطأ من حر أَو غَيره
وَسَوَاء ضمن بِالْيَدِ أَو الْجِنَايَة، وَلَو كَانَت قِيمَته فَوق دِيَة
الْحر لِأَنَّهُ مَال فضمن بِكَمَال قِيمَته كالفرس، وَضَمان الْحر لَيْسَ
بِضَمَان مَال وَلذَلِك لم يخْتَلف باخْتلَاف صِفَاته الَّتِي تزيد بهَا
قِيمَته لَو كَانَ قِنَا وَإِنَّمَا يضمن بِمَا قدره الشَّارِع، وَضَمان
الْقِنّ ضَمَان مَال يزِيد بِزِيَادَة الْمَالِيَّة وَينْقص بنقصها هُنَا،
وجرحه أَي الْقِنّ إِن كَانَ مِقْدَار من الْحر فَهُوَ مُقَدّر مِنْهُ أَي
الْقِنّ مَنْسُوبا إِلَى قِيمَته فَفِي لِسَانه قيمَة كَامِلَة وَفِي يَده
نصفهَا وَفِي مُوضحَة عشر قيمَة سَوَاء نقص بجنابة أقل من ذَلِك أَو أَكثر
مِنْهُ
(2/725)
وَإِلَّا يكن فِيهِ مُقَدّر من الْحر
كالعصعص وخرزة الصلب ف على جَان مَا نَقصه بِجِنَايَة بعد برْء لِأَن
الْأَرْش جبر لما فَاتَ بِالْجِنَايَةِ وَقد انجبر بذلك فَلَا يُزَاد
عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ من الْحَيَوَانَات، فَلَو جنى على رَأسه أَو وَجهه دون
مُوضحَة ضمن مَا نقص وَلَو أَكثر من أرش مُوضحَة وَفِي نصفه حر نصف دِيَة
حر وَنصف قِيمَته، وَكَذَا جراحه، وَلَيْسَت أمة كحرة فِي رد أرش جراح بلغت
ثلث قيمتهَا أَو أَكثر إِلَى نصفه، وَمن قطع خصيتي عبد وَذكره، أَو أَنفه
وَأُذُنَيْهِ لزمَه قِيمَته كَامِلَة لسَيِّده، وَإِن قطع ذكره ثمَّ خصاه
فَعَلَيهِ قِيمَته لقطع ذكره وَعَلِيهِ قِيمَته مَقْطُوعًا ذكره لقطع
خصيتيه وَملك سَيّده بَاقٍ عَلَيْهِ ودية جَنِين مُبْتَدأ وَلَو أُنْثَى حر
مُسلم وَهُوَ الْوَلَد الَّذِي فِي بطن أمه من الأجنان وَهُوَ السّتْر
لِأَنَّهُ أجنه بطن أمه أَي ستره قَالَ الله تَعَالَى 19 ((وَإِذ أَنْتُم
أجنة فِي بطُون أُمَّهَاتكُم)) إِذا سقط بِجِنَايَة عمدا أَو خطأ أَو
فَزعًا من طلب سُلْطَان أَو من ريح طَعَام مَعَ علم ربه كَمَا تقدم، أَو
ظهر بعض يَده وَرجله وَرَأسه، أَو ألقته حَيا لدوّنَ سِتَّة أشهر أَو
أَلْقَت جزءأ من أَجزَاء الْآدَمِيّ، فِي حَيَاتهَا أَو بعد مَوتهَا، أَو
أَلْقَت مَا تصير بِهِ الْأمة أم ولد وَهُوَ مَا تبين فِيهِ خلق أنسان
وَلَو خفِيا لَا مُضْغَة أَو علقَة غرَّة خبر وَالْأَصْل فِي الْغرَّة
الْخِيَار سمى بهَا العَبْد وَالْأمة لِأَنَّهُمَا من أنفس الْأَمْوَال،
وَلَيْسَ الْبيَاض فِيهَا شرطا عِنْد الْفُقَهَاء وتتعدد الْغرَّة بتعدده،
بِخِلَاف مَا إِذا أَلْقَت رَأْسَيْنِ أَو أَربع أيد فَلَا تجب إِلَّا
غرَّة وَاحِدَة عبدا أَو أمة
(2/726)
موروثة عَنهُ أَي الْجَنِين كَأَنَّهُ سقط
حَيا ثمَّ مَاتَ وَلَا حق فِيهَا لقَاتل وَلَا لكامل الرّقّ قيمتهَا أَي
الْغرَّة عشر دِيَة أمه أَي الْجَنِين الْحر خمس من الْإِبِل ودية جَنِين
قن عشر قيمتهَا أَي قيمتهَا أَي قيمَة أمة يَوْم الْجِنَايَة تقدر أَو
الْجَنِين أمة، وَقِيمَة الْأمة بِمَنْزِلَة دِيَة الْحرَّة، وَلِأَنَّهُ
جُزْء مِنْهَا فَقدر بدل من قيمتهَا كَسَائِر أعضائها، ودية الْجَنِين
الْمَحْكُوم بِكُفْرِهِ كجنين ذِمِّيَّة من ذمِّي لَا حق بِهِ غرَّة
قيمتهَا عشر دِيَة أمة وَإِن أَلْقَت الجينين حَيا لوقت يعِيش لمثله وَهُوَ
نصف سنة فَأكْثر وَلَو لم يستهل ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ مَا فِي الْحَيّ فَإِن
كَانَ حرا فَفِيهِ دِيَة كَامِلَة وَإِن كَانَ رَقِيقا فَقيمته إِن
اخْتلفَا فِي خُرُوجه حَيا أَو مَيتا فَقَوْل الْجَانِي مَعَ يَمِينه،
وَفِي جَنِين الدَّابَّة مَا نقص من قيمَة أمه، وتقدر حرَّة حَامِل برقيق
بِأَن أعْتقهَا سَيِّدهَا واستثناه أمة وَيُؤْخَذ عشر قيمتهَا يَوْم
جِنَايَة تقدر كَسَائِر أروش الْأَمْوَال، وتقدر أمة حَامِل بَحر حرَّة
لتَكون بِصفة الْجَنِين فَفِي جَنِينهَا غرَّة قيمتهَا خمس من الْإِبِل
وَإِن جنى رَقِيق عبد أَو أمة وَلَو مُدبرا أَو أم ولد أَو مُعَلّقا عتقه
بِصفة [خطأ أَو عمدا] لَا قَود فِيهِ أَو عمدا فِيهِ قَود واختير المَال
أَو أتلف مَالا بِغَيْر إِذن سَيّده تعلق بِرَقَبَتِهِ وَخير سَيّده بَين
فدائه بِأَرْش الْجِنَايَة أَو تَسْلِيمه أَي الرَّقِيق لوَلِيّهَا أَي
الْجِنَايَة فَيملكهُ أَو يَبِيعهُ وَيدْفَع ثمنه لوَلِيّهَا فَإِن كَانَت
الْجِنَايَة أَكثر من قِيمَته لم يكن على السَّيِّد أَكثر من قِيمَته
إِلَّا أَن يكون أمره بِالْجِنَايَةِ أَو أذن لَهُ فِيهَا فَيلْزمهُ
الْأَرْش كُله، وَإِن لم تكن بأَمْره أَو إِذْنه وَلَو أعْتقهُ وَلَو كَانَ
إِعْتَاقه بعد علمه بِالْجِنَايَةِ فيفديه بِالْأَقَلِّ مِنْهُ أَو من
قِيمَته.
(2/727)
وَإِن سلمه لوَلِيّ الْجِنَايَة فَأبى
قبُوله وَقَالَ بِعْ لم يلْزمه ويبيعه حَاكم ولسيده التَّصَرُّف فِيهِ
بِبيع أَو هبة أَو غَيرهَا كوارث فِي تَركه موروثه الْمَدِين، ثمَّ إِن وفى
الْحق نفذ تصرفه وَإِلَّا رد التَّصَرُّف وَنفذ عتقه، وَإِن مَاتَ
الْجَانِي أَو هرب قبل مُطَالبَة سَيّده أَو بعده وَلم يمْنَع مِنْهُ فَلَا
شَيْء عَلَيْهِ. وَإِن جنى عمدا فَعَفَا ولى قَود على رقبته لم يملكهُ
بِغَيْر رضَا سَيّده. وتغلظ دِيَة قتل الْخَطَأ فِي كل من حرم وإحرام وَشهر
حرَام بِثلث الدِّيَة، وَهَذَا على الْأَصَح الَّذِي نَقله الْجَمَاعَة عَن
الإِمَام أَحْمد وَهُوَ من مُفْرَدَات الْمَذْهَب فَمَعَ اجْتِمَاع
الثَّلَاثَة يجب ديتان وَإِن قتل مُسلم كَافِرًا عمدا ضعفت دِيَته أَي
صَارَت كدية الْمُسلم، وَظَاهره لَا إضعاف فِي جراحه ذكره فِي الْوَجِيز
وَلم يتَعَرَّض لَهُ فِي الْإِنْصَاف.
(2/728)
3 - (فصل)
فِي دِيَة الْأَعْضَاء ومنافعها. وَمن أتلف مَا فِي الْإِنْسَان مِنْهُ
شَيْء وَاحِد كأنف ولسان وَذكر وَلَو لصغير نصا فَفِيهِ أَي الْعُضْو
الْمُتْلف دِيَة نَفسه أَي نفس الْمَقْطُوع مِنْهُ ذَلِك أَو أَي وَمن أتلف
مَا فِيهِ مِنْهُ اثْنَان كعينين وأذنين وشفتين ولحيين وثندوتى رجل وأنثييه
وثدي أُنْثَى ويدين وَرجلَيْنِ وَنَحْو ذَلِك ففيهما الدِّيَة كَامِلَة
وَفِي أَحدهمَا نصفهَا أَو أتلف مَا فِيهِ مِنْهُ ثَلَاثَة كأنف يشْتَمل
على المنخرين والحاجز بَينهمَا فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة وَفِي كل وَاحِد
مِنْهَا ثلثهَا، أَو أتلف مَا فِيهِ مِنْهُ أَكثر من ثَلَاثَة كأجفان
الْعَينَيْنِ وَالْأَرْبَعَة فَكَذَلِك أَي فَفِي إتلافها كلهَا الدِّيَة
وَفِي أحد ذَلِك الْمَذْكُور نسبته مِنْهَا أَي الدِّيَة، وَفِي أَصَابِع
الْيَد كلهَا الدِّيَة وَكَذَا فِي الرجلَيْن، وَفِي إِصْبَع كل مِنْهُمَا
عشرهَا. وَفِي الْأُنْمُلَة وَلَو بِلَا ظفر إِن كَانَت من إِبْهَام نصف
عشرهَا، وَمن غَيرهَا ثلثه وَفِي الظفر إِن لم يعد، أَو عَاد أسود خمس
دِيَة إِصْبَع نصا وَهِي بعيران وَفِي السّنة خَمْسَة أَبْعِرَة، وَفِي
مارن أنف وَهُوَ مالان مِنْهُ وحشفة الذّكر، وحلمة الثدي، وتسويد سنّ وظفر
وأنف وَأذن، بِحَيْثُ لَا يَزُول التسويد، وشلل غير أنف وَذكر ليد وَرجل
وَنَحْوهمَا أَو ذهَاب نفع عُضْو
(2/729)
دِيَة ذَلِك الْعُضْو كَامِلَة، وَفِي أذن
أَصمّ وأنف أخشم دِيَته كَامِلَة لِأَن الصمم وَعدم الشم عيب فِي غير
الْأذن وَالْأنف وجمالهما بَاقٍ. وَفِي ذكر وأنثيين قطعت مَعًا، أَو هُوَ
ثمَّ هما ديتان، وَإِن قطعتا، ثمَّ قطع ففيهما الدِّيَة وَفِيه حُكُومَة،
وَمن قطع أنفًا أَو أذنين فَذهب الشم أَو السّمع فَعَلَيهِ ديتان، لِأَن
الشم من غير الْأنف والسمع من غير الْأُذُنَيْنِ، فَلَا تدخل دِيَة
أَحدهمَا فِي الآخر. وتندرج دِيَة نفع الْأَعْضَاء فِي دِيَتهَا فتندرج
دِيَة الْبَصَر فِي الْعَينَيْنِ، وَاللِّسَان فيندرج فِيهِ الْكَلَام
والذوق وَكَذَا سَائِر الْأَعْضَاء، وَفِي قطع نصف ذكر بالطول نصف دِيَته
أَي الذّكر لإذهابه نصفه كَسَائِر مَا فِيهِ مُقَدّر. ذكره فِي الْمُنْتَهى
وَشَرحه. وَاخْتَارَ فِي الْإِقْنَاع وَغَيره دِيَته كَامِلَة، فَإِذا ذهب
نِكَاحه بذلك فديَة كَامِلَة للمنفعة. وَتجب الدِّيَة كَامِلَة فِي كل
حساسة أَي القوى الحاسة، يُقَال حس وأحس، أَي علم وأيقن. وبالألف أفْصح
وَبهَا جَاءَ الْقُرْآن. قَالَ الْجَوْهَرِي: الْحَواس المشاعر الْخمس،
السّمع وَالْبَصَر والشم والذوق واللمس. وَكَذَا كَلَام أَي إِذا جنى
عَلَيْهِ فخرس فَعَلَيهِ دِيَة كَامِلَة، لِأَن كل مَا تعلق الدِّيَة
بإتلافه تعلّقت بإتلافته منفعَته كَالْيَدِ وَكَذَا عقل، كَمَا إِذا جنى
عَلَيْهِ فجن فَعَلَيهِ دِيَة كَامِلَة، قَالَ بَعضهم: بِالْإِجْمَاع.
وَتجب كَامِلَة فِي حدب وصعر بِفَتْح الْأَوَّلين المهملين من كل مِنْهُمَا
بِأَن يضْربهُ فَيصير وَجهه فِي جَانب، وَكَذَا تسويده وَلم يزل، وَكَذَا
مَنْفَعَة أكل، لِأَنَّهُ نفع مَقْصُود أشبه الشم، وَكَذَا مَنْفَعَة مَشى،
لِأَنَّهُ مَقْصُود أشبه الْكَلَام، وَكَذَا مَنْفَعَة نِكَاح، كَأَن
انْكَسَرَ صلبه
(2/730)
فَذهب نِكَاحه، روى عَن عَليّ، لِأَنَّهُ
نفع مَقْصُود أشبه الْمَشْي، وَكَذَا صَوت وبطش. وَفِي إذهاب بعض يعلم قدره
بِقَدرِهِ، كَأَن جنى عَلَيْهِ فَصَارَ يجن يَوْمًا يفِيق يَوْمًا. أَو
يذهب ضوء عين أَو شم منخر أَو سمع أذن وَاحِدَة أَو أحد المذاق الْخمس
وَهِي الْحَلَاوَة والمرارة والعذوبة والملوحة والحموضة، وَفِي كل وَاحِد
خمس الدِّيَة [وَفِي] اثْنَيْنِ خمساها وَهَكَذَا. وَفِي إذهاب بعض
الْكَلَام بِحِسَاب، وَيقسم على ثَمَانِيَة وَعشْرين حرفا جعلُوا للألف
المتحركة واللينة حرفا وَاحِدًا لتقارب مخرجيهما وانقلاب إِحْدَاهمَا إِلَى
الْأُخْرَى، وَلذَلِك إِذا احتاجوا إِلَى تَحْرِيك الْألف قلبوها همزَة،
وَإِلَّا فَهِيَ تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا كَمَا فِي حَدِيث أبي ذَر فَفِي
نقص حرف مِنْهَا ربع سبع الدِّيَة وَفِي حرفين نصف سبعها وَفِي أَرْبَعَة
سبعها وَهَكَذَا. وَإِن لم يعلم قدر الْبَعْض الذَّاهِب، كنقص سمع وبصر
ومشي وشم وَانْحِنَاء قَلِيلا، أَو بِأَن صَار مدهوشا أَو فِي كَلَامه
تمتمة، أَو لَا يلْتَفت، أَو لَا يبلع رِيقه إِلَّا بِشدَّة أَو أسود
بَيَاض عَيْنَيْهِ، أَو أَحْمَر، أَو تقلصت شفته بعض التقلص، أَو تحركت
سنه، أَو احْمَرَّتْ، أَو اصْفَرَّتْ، أَو اخضرت، أَو كلت أَي ذهبت حدتها
بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ عض شَيْء، فَحُكُومَة عدل فِي جَمِيع مَا تقدم. وَمن
صَار ألثغ فَلهُ دِيَة الْحَرْف الذَّاهِب وَيقبل قَول مجني عَلَيْهِ فِي
نقص بَصَره وسَمعه بِيَمِينِهِ، وَفِي قدر مَا أتلف كل من جانبين فَأكْثر.
وَإِن اخْتلفَا فِي ذهَاب بصر أرى أهل الْخِبْرَة فَإِن لم يُوجد أهل
خبْرَة أَو تعذر معرفَة ذَلِك امتحن بِأَن يُوقف فِي عين الشَّمْس وَيقرب
الشَّيْء إِلَى عينه وَقت غفلته فَإِن حركهما فَهُوَ يبصر، لِأَن طبع
الْآدَمِيّ الحذر على
(2/731)
عَيْنَيْهِ إِن بَقِيَتَا بحالهما حكم
بِيَمِينِهِ لعلمنا بِأَنَّهُ لَا يبصر وَإِن اخْتلفَا فِي ذهَاب سمع أَو
شم أَو ذوق صِيحَ بِهِ وَقت غفلته وأتبع بمنتن وَأطْعم المر فَإِن فزع من
الصياح أَو عبس للمنتن أَو المر سَقَطت دَعْوَاهُ وَإِلَّا صدق بِيَمِينِهِ
لِأَن الظَّاهِر صِحَة دَعْوَاهُ، وَيرد الدِّيَة آخذ علم كذبه، [وَمن وطيء
زوجه يُوطأ مثلهَا لمثله] أَو أَجْنَبِيَّة كَبِيرَة مطاوعة وَلَا شُبْهَة
فخرق الواطيء بِوَطْئِهِ مَا بَين مخرج بَوْل ومني أَو خرق [مَا بَين
السَّبِيلَيْنِ فَهدر] لِأَنَّهُ ضَرَر حصل من فعل مَأْذُون فِيهِ فَلم
يضمنهُ كأرش بَكَارَتهَا وكما لَو أَذِنت فِي قطع يَدهَا فسرى إِلَى
نَفسهَا وَإِلَّا يُوطأ مثلهَا بِأَن كَانَت صَغِيرَة أَو نحيفة وخرق مَا
بَين مخرج بَوْل ومني أَو مَا بَين السَّبِيلَيْنِ ف هِيَ جَائِفَة
فَفِيهَا ثلث الدِّيَة إِن استمسك بَوْل وَإِلَّا يسْتَمْسك ف عَلَيْهِ
الدِّيَة كَامِلَة لِأَن للبول مَكَانا من الْبدن يجْتَمع فِيهِ
لِلْخُرُوجِ فَعدم إِمْسَاكه إبِْطَال لنفع ذَلِك الْمحل كَمَا لَو لم
يسْتَمْسك الْغَائِط، وَفِي كل وَاحِد من الشُّعُور الْأَرْبَعَة شعر رَأس
وَشعر حاجبين وَشعر أهداب الْعَينَيْنِ وَشعر لحية الدِّيَة كَامِلَة يروي
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَزيد بن ثَابت: فِي الشّعْر الدِّيَة، ولأذنه
أذهب الْجمال على الْكَمَال كأذنى الْأَصَم وأنف الأخشم بِخِلَاف الْيَد
الشلاء فَلَيْسَ جمَالهَا كَامِلا، وَفِي حَاجِب نصفهَا أَي الدِّيَة لِأَن
فِيهِ من شَيْئَيْنِ، وَفِي هدب ربعهَا أَي الدِّيَة لِأَن فِيهِ أَرْبَعَة
وَفِي شَارِب حُكُومَة نصا وَمَا عَاد من شعر سقط مَا وَجب فِيهِ من دِيَة
أَو بَعْضهَا أَو حُكُومَة.
(2/732)
وَإِن قطع جفنا بهدبه فديَة الجفن فَقَط
لتبعية الشّعْر لَهُ فِي الزَّوَال كالأصابع مَعَ الْكَفّ وَإِن قطع لحيين
بأسنانهما فديَة الْكل، وَإِن قطع كفا بأصابعه لم تجب غير دِيَة الْيَد،
وَإِن كَانَ بِهِ بَعْضهَا دخل فِي دِيَة الْأَصَابِع مَا حاذاها وَعَلِيهِ
أرش بَقِيَّة الْكَفّ، وَفِي كف بِلَا أَصَابِع وذراع بِلَا كف وعضد بِلَا
ذِرَاع ثلث دِيَته. وَكَذَا تَفْصِيل رجل وَفِي عين الْأَعْوَر دِيَة
كَامِلَة، لِأَنَّهُ أذهب الْبَصَر كُله فَوَجَبَ عَلَيْهِ جَمِيع دِيَته،
كَمَا لَو أذهبه الْعَينَيْنِ، لِأَنَّهُ يحصل بِعَين الْأَعْوَر مَا يحصل
بِعَين الصَّحِيح لرُؤْيَته الْأَشْيَاء الْبَعِيدَة وإدراكه الْأَشْيَاء
اللطيفة وَعَمله عمل البصراء. وَإِن قلعهَا أَي يَمِين الْأَعْوَر صَحِيح
الْعَينَيْنِ أقيد، أَي قلعت عينه بِشَرْطِهِ السَّابِق فِي اسْتِيفَاء
الْقصاص وَعَلِيهِ أَي الصَّحِيح أَيْضا مَعَ الْقود نصف الدِّيَة،
لِأَنَّهُ أذهب بصلا الْأَعْوَر كُله وَلَا يُمكن إذهاب بَصَره كُله لما
فِيهِ من أَخذ عينين بِعَين وَاحِدَة وَقد استوفى نصف الْبَصَر تبعا لعَينه
بالقود وَبَقِي النّصْف الَّذِي لَا يُمكن الْقصاص فِيهِ فَوَجَبت دِيَته
وَإِن قلع الْأَعْوَر مَا يماثل صحيحته أَي عينه الصَّحِيحَة من شخص صَحِيح
الْعَينَيْنِ عمدا ف على الْأَعْوَر دِيَة كَامِلَة وَلَا قَود عَلَيْهِ،
وَإِن فعل ذَلِك خطأ فنصفها، وَإِن قلع الْأَعْوَر عين صَحِيح فالقود
وَالدية والأقطع من يَد أَو رجل كَغَيْرِهِ يَعْنِي مَقْطُوع الْيَد أَو
الرجل إِذا قطعت يَده أَو رجله الْأُخْرَى وَلَو عمدا وَمَعَ ذهَاب الأولى
هدرا، لَيْسَ فِيهَا إِلَّا نصف دِيَته ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى
مُسلما أَو كَافِرًا أَو رَقِيقا كَبَقِيَّة الْأَعْضَاء،
(2/733)
وَلَو قطع الأقطع يَد صَحِيح أقيد
بِشَرْطِهِ السَّابِق لوُجُود الْمُوجب وَانْتِفَاء الْمَانِع والشجاج جمع
شجة وأصل الشج: الْقطع، من شججت الْمَفَازَة أَي قطعتها، وَهِي اسْم لجرح
الرَّأْس وَالْوَجْه خَاصَّة وَبِاعْتِبَار أسمائها المنقولة عَن الْعرف
عشر دِيَة خمس مِنْهَا مقدرَة وَخمْس فِيهَا حُكُومَة، فالتي فِيهَا
مِقْدَار إِحْدَاهَا: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله [وَفِي الْمُوَضّحَة]
وَهِي الَّتِي توضح فِيهَا الْعظم أَي تبرزه، وَلَو بِقدر رَأس إبرة نصف
عشر الدِّيَة [خمس من الْإِبِل] وَهِي وَإِن عَمت الرَّأْس أَو لم تعمه
وَنزلت إِلَى الْوَجْه موضحتان، وَإِن أوضحه ثِنْتَيْنِ بَينهمَا حاجز
فَعَلَيهِ عشر أَبْعِرَة، فَإِن ذهب الحاجز بِفعل جَان أَو سرايته صَار
الجرحان مُوضحَة وَاحِدَة. وَالثَّانيَِة: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله
وَفِي الهاشمة وَهِي الَّتِي توضح الْعظم وتهشمه أَي تكسره عشر من
الْإِبِل. وَالثَّالِثَة: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله والمنقلة أَي
الَّتِي توضح الْعظم وتهشمه وتنقله خَمْسَة عشر بَعِيرًا فَإِن كَانَتَا
منقلتين فعلى مَا سبق، وَالرَّابِعَة: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَفِي
المأمومة وَهِي الَّتِي تصل إِلَى جلدَة الدِّمَاغ وَتسَمى أم الدِّمَاغ
والآمة بِالْمدِّ قَالَ ابْن عبد الْبر: أهل الْعرَاق يَقُولُونَ لَهَا
الآمة وَأهل الْحجاز المأمومة [ثلث الدِّيَة ك] مَا فِي [الْجَائِفَة]
وَيَأْتِي تَعْرِيفهَا فِي الشَّرْح قَرِيبا.
(2/734)
وَالْخَامِسَة: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا
بقوله [و] فِي [الدامغة] بالغين الْمُعْجَمَة وَهِي الَّتِي تصل إِلَى
جلدَة الدِّمَاغ وتخرقها ثلث الدِّيَة أَيْضا كالمأمومة. فِي كتاب عَمْرو
بن حزم مَرْفُوعا (وَفِي المأمومة ثلث الدِّيَة) وَعَن ابْن عمر مَرْفُوعا
مثله، والدامغة أولى وصاحبها لَا يسلم غَالِبا. وَالْخمس الَّتِي فِيهَا
حُكُومَة إِحْدَاهَا: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله وَفِي الحارصة بِالْحَاء
وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي الَّتِي تحرص الْجلد أَي تشقه وَلَا تدميه
حُكُومَة، وَالثَّانيَِة: فِي البازلة وَهِي الدامعة بِالْعينِ الْمُهْملَة
أَي الَّتِي تدميه حُكُومَة، وَالثَّالِثَة: فِي الباضعة أَي الَّتِي تبضع
اللَّحْم أَي تشقه بعد الْجلد حُكُومَة، وَالرَّابِعَة: فِي المتلاحمة
وَهِي الَّتِي أخذت فِي اللَّحْم حُكُومَة، وَالْخَامِسَة: فِي السمحاق
وَهِي الَّتِي بَينهَا وَبَين الْعظم قشرة رقيقَة تسمى السمحاق سميت
الْجراحَة الْوَاصِلَة إِلَيْهَا بهَا فَفِي هَذِه الْخمس حُكُومَة
لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيف فِيهَا من الشَّرْع وَلَا قِيَاس يَقْتَضِيهِ،
وَعَن مَكْحُول قَالَ: قضى النَّبِي فِي الْمُوَضّحَة بِخمْس من الْإِبِل
وَلم يقْض فِيمَا دونهَا، وَفِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة وَهِي كل مَا وصل
إِلَى بَاطِن الْجوف كداخل بطن وَلَو لم تخرق المعا وَظهر وَصدر وَحلق
ومثانة وَبَين خصيين وَنَحْو ذَلِك، وَإِن جرح جانبا فَخرج من آخر فجائفتان
نصا.
(2/735)
وَفِي كسر ضلع بِكَسْر الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام وتسكينها جبر مُسْتَقِيمًا وَفِي ترقوة كَذَلِك
بعير، وَفِي الترقوتين بعيران، والترقوة بِفَتْح التَّاء الْعظم المستدير
حول الْعُنُق من النَّحْر إِلَى الْكَتف لكل آدَمِيّ ترقوتان. وَإِن لم
يجْبر الضلع والترقوة مستقيمين فَفِي كل مِنْهُمَا حُكُومَة. وَفِي كسر كل
عظم من نَحْو زند بِفَتْح الزَّاي وعضد وفخذ وسَاق وذراع وَهُوَ الساعد
الْجَامِع لعظمى الزند بعيران نصا، وَفِيمَا عدا ذَلِك من نَحْو جرح وَكسر
عظم ككسر خرزة صلب وعصعص وَعظم عانة حُكُومَة، وَهِي أَن يقوم مجنى
عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قن لَا جِنَايَة عَلَيْهِ ثمَّ يقوم وَهِي بِهِ قد برأت
فَمَا نقص من الْقيمَة بِالْجِنَايَةِ فللمجني عَلَيْهِ على جَان كنيسته من
الدِّيَة، فَيجب فِيمَن قوم صَحِيحا بِعشْرين ومجنيا عَلَيْهِ بِتِسْعَة
عشر نصف عشر دِيَته.
(2/736)
3 - (فصل)
. فِي الْعَاقِلَة وَمَا تحمله وَهِي جمع عَاقل، يُقَال عقلت فلَانا إِذا
أدّيت دِيَته وعقلت عَن فلَان إِذا غرمت عَنهُ دِيَة جِنَايَته، وَأَصله من
عقل الْإِبِل وَهِي الحبال الَّتِي تشد بهَا أيديها إِلَى ركبتها.
وَقيل من الْعقل وَهُوَ الْمَنْع لأَنهم يمْنَعُونَ عَن الْقَاتِل، وَقيل
لأَنهم يتحملون الْعقل وَهِي الدِّيَة سميت بذلك لِأَنَّهَا تعقل لِسَان
ولي الْمَقْتُول. فَقَالَ رَحمَه الله: [وعاقلة جَان] ذكرا أَو أُنْثَى
[ذُكُور عصبته نسبا وَوَلَاء] حَتَّى عمودى نسبه وَمن بعد كَابْن ابْن عَم
جَان لَكِن لَو عرف نسبه من قَبيلَة وَلم يعلم من أَي بطونها لم يعقلوا
عَنهُ. وَيعْقل هرم وزمن وأعمى وغائب كضدهم إِذا كَانُوا أَغْنِيَاء
لاستوائهم فِي التَّعْصِيب وكونهم من أهل الْمُوَاسَاة وَلَا عقل على فَقير
أَي من لَا يملك نِصَابا عِنْد حُلُول الْحول فَاضلا عَنهُ كحج وَكَفَّارَة
ظِهَار وَلَو معتملا وَلَا على غير مُكَلّف كصغير أَو مَجْنُون أَو
مَجْنُون وَلَا على امْرَأَة وَلَو مُعتقة وَلَا خُنْثَى مُشكل وَلَا على
قن وَلَا مُخَالف دين جَان لفَوَات النُّصْرَة وَلَا تعاقل بَين ذمِّي
(2/737)
وحربي، ويتعاقل أهل ذمَّة اتّحدت مللهم،
فَإِن اخْتلفت فَلَا تعاقل كَمَا لَا توارث، وَلَا يعقل عَن الْمُرْتَد أحد
لَا مُسلم وَلَا ذمِّي لِأَنَّهُ لَا يقر فخطؤه فِي مَاله وَخطأ إِمَام
وحاكم فِي حكمهَا فِي بَيت المَال، وَفِي غير حكمهَا على عاقلتهما، وَلَا
تحمل الْعَاقِلَة عمدا رَجَب بِهِ قَود أَو لَا كجائفة ومأمومة وَلَا تحمل
عبدا قتل عمدا أَو خطأ وَلَا دِيَة طرفه وَلَا جِنَايَته وَلَا تحمل صلحا
أَي صلح إِنْكَار وَلَا تحمل اعترافا بِأَن يقر على نَفسه بِجِنَايَة خطأ
أَو شبه عمد توجب ثلث دِيَة فَأكْثر وتنكر الْعَاقِلَة، وَلَا قيمَة
دَابَّة وَلَا تحمل مَا دون ثلث الدِّيَة أَي دِيَة الْحر الْمُسلم الذّكر
كَامِلَة، وَلَا تحمل الْعَاقِلَة يجب مُؤَجّلا فِي ثَلَاث سِنِين فِي آخر
كل سنة ثلثه إِن كَانَ دِيَة كَامِلَة كدية نفس أَو طرف كأنف، وَإِن كَانَ
الثُّلُث كدية المأمومة وَجب فِي آخر السّنة الأولى، وَإِن كَانَ نصف
الدِّيَة كدية الْيَد أَو الرجل أَو الْمَرْأَة أَو الْكِتَابِيّ، أَو
ثلثيها كدية المنخرين وَجب الثُّلُث فِي آخر السّنة الأولى وَالثلث
الثَّانِي أَو السُّدس الْبَاقِي من النّصْف فِي آخر السّنة الثَّانِيَة.
وَإِن كَانَ أَكثر من دِيَة مثل إِذا أذهب سمع إِنْسَان وبصره بِجِنَايَة
وَاحِدَة فَفِي سِتّ سِنِين فِي كل سنة ثلث دِيَة. وَمن قتل نفسا مُحرمَة
غير عمد أَي لم يتَعَمَّد قَتلهَا بِأَن كَانَ خطأ أَو شبه عمد أَو شَارك
قَاتلا فِيهِ أَي الْقَتْل وَلَو لنَفسِهِ أَو قنه أَو مستأمن أَو معاهد
أَو قتل بِسَبَب فِي حَيَاته أَو بعد مَوته كحفر بِئْر وَنصب سكين
وَشَهَادَة زور، وَسَوَاء كَانَ الْمَقْتُول مُسلما أَو كَافِرًا مَضْمُونا
حرا أَو عبدا صَغِيرا أَو كَبِيرا ذكرا أَو أُنْثَى، وَكَانَ الْقَاتِل
كَافِرًا أَو عبدا أَو صَغِيرا
(2/738)
أَو مَجْنُونا أَو أُنْثَى أَو لَا أَو ضرب
بطن حَامِل فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا أَو حَيا ثمَّ مَاتَ لِأَنَّهُ نفس
مُحرمَة لَا فِي قتل عمد مَحْض وَقتل أَسِير يُمكنهُ أَن يَأْتِي بِهِ
الإِمَام فَقتله قبله وَقتل نسَاء حَرْب وذريتهم وَقتل من لم تبلغه
الدعْوَة إِن وجد فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة فِي مَاله الْجُمْلَة جَوَاب
الشَّرْط. وَهِي أَي الْكَفَّارَة ككفارة ظِهَار أَي عتق رَقَبَة مُؤمنَة
سليمَة من الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ فَإِن لم يجد فَصِيَام
شَهْرَيْن مُتَتَابعين إِلَّا أَنَّهَا لَا إطْعَام أَي لَا يَكْفِي
إطْعَام فِيهَا أَي فِي كَفَّارَة قتل. وَيكفر عد وسفيه ومفلس بِالصَّوْمِ
لِأَنَّهُ لَا مَال لَهُ بِعِتْق مِنْهُ. وَيكفر من مَال غير مُكَلّف وليه
فَيعتق عَنهُ رَقَبَة لعدم إِمْكَان الصَّوْم مِنْهُمَا وَلَا تدخله
النِّيَابَة. وتتعدد الْكَفَّارَة بِتَعَدُّد قتل.
والقسامة بِفَتْح الْقَاف اسْم الْقسم أقيم مقَام الْمصدر من، أقسم إقساما
وقسامة، فَهِيَ الْإِيمَان إِذا كثرت على وَجه الْمُبَالغَة وَهِي إِيمَان
مكررة فِي دَعْوَى قتل مَعْصُوم فَلَا تكون فِي طرف وَلَا جرح، وشروط
صِحَّتهَا عشرَة، أَحدهَا: اللوث وَهِي الْعَدَاوَة الظَّاهِرَة، وجد
مَعهَا أثر قتل أَو لَا. وَلَو كَانَت مَعَ سيد مقتول، الثَّانِي: تَكْلِيف
قَاتل لتصح الدَّعْوَى، الثَّالِث: إِمْكَان الْقَتْل مِنْهُ فَلَا تصح من
نَحْو زمن، الرَّابِع: وصف الْقَتْل فِي الدَّعْوَى كَأَن يَقُول جرحه
بِسيف وَنَحْوه فِي مَحل كَذَا من بدنه أَو خنقه وَنَحْوه فَلَو استحلفه
حَاكم قبل تَفْصِيله لم يعْتد بِهِ.
(2/739)
الْخَامِس: طلب جَمِيع الْوَرَثَة،
السَّادِس: اتِّفَاقهم على الدَّعْوَى فَلَا يَكْفِي عدم تَكْذِيب بَعضهم
بَعْضًا إِذْ السَّاكِت لَا ينْسب إِلَيْهِ حكم، السَّابِع: اتِّفَاقهم على
الْقَتْل فَإِن أنكر بَعضهم فَلَا قسَامَة، الثَّامِن: اتِّفَاقهم على عين
قَاتل نصا، فَلَو قَالَ: بَعضهم قَتله زيد، وَبَعْضهمْ: عَمْرو، فَلَا
قسَامَة، التَّاسِع: كَونهم بَينهم ذُكُور مكلفون، وَلَا يقْدَح غيبَة
بَعضهم وَلَا عدم تَكْلِيفه وَلَا نُكُوله، فلذكر حَاضر مُكَلّف أَن يحلف
لقسطه من الْأَيْمَان وَيسْتَحق نصِيبه من الدِّيَة، وَلمن قدم أَو كلف أَن
يحلف بقسط نصِيبه وَيَأْخُذهُ، الْعَاشِر: كَون الدَّعْوَى على وَاحِد
معِين فَلَو قَالُوا قَتله هَذَا مَعَ آخر أَو قَتله أَحدهمَا فَلَا
قسَامَة. وَلَا يشْتَرط كَونهَا بقتل عمد لِأَنَّهَا حجَّة شَرْعِيَّة
فَوَجَبَ أَن يثبت بهَا الْخَطَأ كالعمد. وَإِذا تمت شُرُوطهَا أَي
الْقسَامَة بديء بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول بِإِيمَان ذُكُور عصبته أَي
الْقَتِيل [الْوَارِثين فَيحلفُونَ خمسين يَمِينا كل وَاحِد بِقدر إِرْثه]
من الْقَتِيل لِأَنَّهُ حق يثبت تبعا لميراث أشبه المَال [وَيجْبر كسر]
كَابْن وَزوج فَيحلف الابْن ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ، وَالزَّوْج ثَلَاثَة
عشر. وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة بَنِينَ حلف كل وَاحِد مِنْهُم سَبْعَة عشر
يَمِينا، وَإِن انْفَرد وَاحِد بِالْإِرْثِ حَلفهَا، وَإِن جاوزوا خمسين
حلف خَمْسُونَ كل وَاحِد يَمِينا. وَالسَّيِّد كالوارث فَإِن نكلوا أَي
ذُكُور الْعصبَة من أَيْمَان الْقسَامَة أَو كَانَ الْكل نسَاء أَو خناثى
حَلفهَا أَي الْخمسين يَمِينا مدعى عَلَيْهِ وبريء إِن
(2/740)
رَضوا بأيمانه وَمَتى نكل لَزِمته
الدِّيَة. وَإِن نكلوا وَلم يرْضوا بِيَمِينِهِ فدى الإِمَام الْقَتِيل من
بَيت المَال كميت فِي زحمة جُمُعَة وَطواف، فَإِن تعذر لم يجب على الْمُدعى
عَلَيْهِ شَيْء. وَإِن كَانَ فِي مَحل الْقَتْل فِي الزحمة من بَينه
وَبَينه عَدَاوَة أَخذ بِهِ إِذا تمت شُرُوط الْقسَامَة، نَقله مهنأ، قَالَ
القَاضِي فِي قوم ازدحموا فِي مضيق وَتَفَرَّقُوا عَن قَتِيل: إِن كَانَ
فِي الْقَوْم من بَينه وَبَينه عَدَاوَة وَأمكن أَن يكون هُوَ قَتله فَهُوَ
لوث. انْتهى. وَإِذا حلف الْأَوْلِيَاء استحقوا الْقود إِذا كَانَت
الدَّعْوَى أَنه قَتله عمدا إِلَّا أَن يمْنَع مَانع كَعَدم الْمُكَافَأَة.
وَصفَة الْيَمين أَن يَقُول الْوَارِث: وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا
هُوَ عَالم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور لقد قتل فلَان ابْن
فلَان الْفُلَانِيّ وَيُشِير إِلَيْهِ فلَانا ابْني أَو أخي مُنْفَردا
بقتْله مَا شَاركهُ غَيره عمدا أَو شبه عمد أَو خطأ بِسيف أَو بِمَا يقتل
غَالِبا وَنَحْو ذَلِك فَإِن اقْتصر على لَفظه (وَالله) كفى، وَيكون
بِالْجَرِّ فَإِن قَالَ وَالله مضموما أَو مَنْصُوبًا أَجْزَأَ قَالَ 16
(القَاضِي) : تَعَمّده أَو لم يتَعَمَّد، لِأَنَّهُ لحن لَا يحِيل
الْمَعْنى، وَبِأَيِّ اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، أَو صفة من صِفَات
ذَاته حلف أَجْزَأَ إِذا كَانَ إِطْلَاقه ينْصَرف إِلَى الله تَعَالَى.
وَيَقُول الْمُدعى عَلَيْهِ: وَالله مَا قتلته وَلَا شاركت فِي قَتله وَلَا
فعلت شَيْئا مَاتَ مِنْهُ وَلَا كَانَ سَببا فِي مَوته وَلَا معينا
عَلَيْهِ.
(2/741)
|