كشف
المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات (كتاب الْحُدُود)
. جمع حد، وَهُوَ لُغَة الْمَنْع، وَمِنْه قيل للبواب حداد. وحدود الله
تَعَالَى مَحَارمه لقَوْله تَعَالَى (تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها)
هِيَ أَيْضا مَا حَده وَقدره كالمواريث وتزويج الْأَرْبَع لقَوْله تَعَالَى
(تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تعتدوها) وَمَا حَده الشَّرْع لَا يجوز فِيهِ
زِيَادَة وَلَا نُقْصَان، وَشرعا عُقُوبَة مقدرَة من الشَّارِع فِي
مَعْصِيّة من زنا وَقذف وَشرب وَقطع طَرِيق وسرقة لتمنع من الْوُقُوع فِي
مثلهَا سمى بذلك إِمَّا من الْمَنْع لمَنعه الْوُقُوع فِي مثل تِلْكَ
الْمعْصِيَة، أَو من التَّقْدِير لِأَنَّهُ مُقَدّر شرعا، أَو من معنى
الْمَحَارِم لِأَنَّهُ كَفَّارَة لَهَا وزواجر عَنْهَا. والجنايات
الْمُوجبَة للحد خمس: الزِّنَا وَالْقَذْف وَالسَّرِقَة وَقطع الطَّرِيق
وَشرب الْخمر، وَأما الْبَغي على إِمَام الْمُسلمين وَالرِّدَّة فقد عدهما
قوم فِيمَا يُوجب الْحَد لِأَنَّهُ يقْصد بقتالهم الْمَنْع من ذَلِك، وَلم
يعدهما قوم مِنْهَا لِأَنَّهُ لم يقْصد فِيهَا الزّجر عَمَّا سبق والعقوبة
عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقَاتلُون للرُّجُوع عَمَّا هم عَلَيْهِ من ترك
الطَّاعَة وَالْكفْر.
(2/743)
لَا تجب الْحُدُود إِلَّا على مُكَلّف
وَهُوَ الْبَالِغ الْعَاقِل لحَدِيث (رفع الْقَلَم على ثَلَاثَة) ،
وَالْحَد أولى بالسقوط من الْعِبَادَات لعدم التَّكْلِيف، لِأَنَّهُ يدْرَأ
بِالشُّبْهَةِ، وَمن يخنق إِن أقرّ فِي إِقَامَته أَنه زنا فِي إِقَامَته،
أَخذ بِإِقْرَارِهِ وحد، وَإِن أقرّ فِي إِقَامَته أَنه زنى وَلم يضفه
إِلَى حَال أَو شهِدت بَيِّنَة أَنه زنى وَلم تضفه إِلَى حَال إِفَاقَته،
فَلَا حد للاحتمال، وَكَذَا لَا حد على نَائِم ونائمة مُلْتَزم أحكامنا من
مُسلم وذمى بِخِلَاف حربى ومستأمن عَالم بِالتَّحْرِيمِ لقَوْل عمر
وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَعَن سَائِر الصَّحَابَة وعنى بهم:
لَا حد إِلَّا على من علمه، فَلَا حد على من جهل تَحْرِيم الزِّنَا، أَو
عين الْمَرْأَة كَأَن زفت إِلَيْهِ غير امْرَأَته فَوَطِئَهَا ظَانّا
أَنَّهَا زَوجته وَنَحْو ذَلِك أَو تدفع لَهُ جَارِيَة غَيره فيتركها مَعَ
جواريه ثمَّ يَطَؤُهَا ظَانّا أَنَّهَا من جواريه اللَّاتِي يملكهن لحَدِيث
(ادرؤا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُم) . وَتحرم الشَّفَاعَة
فِي حد الله تَعَالَى وقبولها بعد أَن يبلغ الإِمَام، وَتجب إِقَامَة
الْحَد وَلَو كَانَ مقيمه شَرِيكا فِي تِلْكَ الْمعْصِيَة قَالَه الشَّيْخ
تَقِيّ الدّين وَغَيره لما ذكره الْعلمَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم، أَن
الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لَا يسْقط بذلك بل
عَلَيْهِ أَن يَأْمر وَينْهى وَلَا يجمع بَين معصيتين
(2/744)
وعَلى إِمَّا أَو نَائِبه إِقَامَتهَا أَي
الْحُدُود، سَوَاء الْحُدُود، سَوَاء كَانَت لله كَحَد زنا أَو لآدَمِيّ
كَحَد قذف، وَلِأَنَّهُ يفْتَقر إِلَى اجْتِهَاد، وَلَا يُؤمن فِيهِ الحيف
فَوَجَبَ تفويضه إِلَى نَائِب الله تَعَالَى فِي خلقه. ولسيد حر مُكَلّف
عَالم بِالْحَدِّ وشروطه وَلَو فَاسِقًا أَو امْرَأَة إِقَامَته بجلد
وإقامته تَعْزِير على رَقِيق كُله لَا مبعض، وَلَو مكَاتبا أَو مَرْهُونا
أَو مُسْتَأْجرًا وَتحرم إِقَامَته بِالْمَسْجِدِ، وأشده جلد الزِّنَا
فالقذف فالشرب فالتعزير، وَيضْرب رجل الْحَد حَال كَونه قَائِما، ليعطي كل
عُضْو حَقه من الضَّرْب بِسَوْط وَهُوَ مَا بَين الْقَضِيب والعصا لَا خلق
نصا بِفَتْح اللَّام لِأَنَّهُ لَا يؤلم وَلَا جَدِيد لِئَلَّا يجرج، وَفِي
الرِّعَايَة: بَين الْيَابِس وَالرّطب. وَعَن عَليّ: ضرب بَين ضَرْبَيْنِ
وسوط بَين سوطين، وَأي لَا شَدِيد فَيقْتل وَلَا ضَعِيف فَلَا يردع. وَإِن
كَانَ مَغْصُوبًا أَجْزَأَ، وَإِن رأى الإِمَام الْجلد فِي حد الْخمر
بِالْجَرِيدِ وَالنعال وَالْأَيْدِي فَلهُ ذَلِك، وَلَا يمد الْمَحْدُود
وَلَا يرْبط وَلَا تشد يَده وَلَا يجرد من ثِيَابه بل يكون عَلَيْهِ غير
ثِيَاب شتاء قَمِيص وقميصان، وَإِن كَانَ عَلَيْهِ فرو أَو جُبَّة محشوة
نزعت، ويبالغ فِي ضربه بِحَيْثُ يشق الْجلد. وَلَا يُبْدِي أَي يظْهر ضَارب
إبطه فِي رفع يَده للضرب نصا وَيسن تفريقه أَي الضَّرْب على الْأَعْضَاء
ليَأْخُذ كل عُضْو حَظه من الضَّرْب، وتوالي ضرب عُضْو وَاحِد يُؤَدِّي
إِلَى قَتله وَهُوَ مَأْمُور بِعَدَمِهِ. قَالَ
(2/745)
فِي الشَّرْح: وَيكثر مِنْهُ فِي مَوَاضِع
اللَّحْم كالأليتين والفخذين وَيضْرب من جَالس ظَهره وَمَا قاربه. وَيجب
فِي الْجلد اتقاء وَجه واتقاء رَأس وَفرج واتقاء كل مقتل كفؤاد وخصيتين
لِئَلَّا يُؤَدِّي ضربه فِي شَيْء من ذَلِك إِلَى قَتله وإذهاب مَنْفَعَة
وَالْقَصْد أدبه وَامْرَأَة كَرجل لَكِن تضرب جالسة لقَوْل 19 (عَليّ رَضِي
الله عَنهُ) : تضرب الْمَرْأَة جالسة وَالرجل قَائِما وتشد عَلَيْهَا
ثِيَابهَا وَتمسك يداها لِئَلَّا تنكشف لِأَن الْمَرْأَة عَورَة وَفعل
ذَلِك أستر لَهَا، وَيعْتَبر للحد نِيَّة بِأَن ينويه لله تَعَالَى، فَإِن
جلده للتشفي أَثم وَلَا يُعِيدهُ، وَلَا يُؤَخِّرهُ لمَرض وَلَو رجى
زَوَاله وَلَا لحر أَو برد، فَإِن كَانَ الْحَد جلدا وَخيف من السَّوْط، لم
يتَعَيَّن فيقام بِطرف ثوب وعثكول نخل بِوَزْن عُصْفُور، وَيُؤَخر لسكر
حَتَّى يصحو شَارِب نصا، فَلَو خَالف سقط إِن أحس بألم الضَّرْب وَإِلَّا
فَلَا، وَلَا تعْتَبر الْمُوَالَاة فِي الْحُدُود، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ
الدّين: وَفِيه نظر، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْفُرُوع وَغَيره، وَإِن زَاد
فِي الْحَد سَوْطًا أَو أَكثر عمدا أَو خطأ أَو فِي السَّوْط أَو اعْتمد
فِي ضربه مَا لَا يحْتَملهُ ضمنه بِكُل الدِّيَة كَمَا إِذا ألْقى على
سفينة حجر فغرقها، فَإِن كَانَت الزِّيَادَة من الجلاد من غير أَمر
فَالضَّمَان على عَاقِلَته، وَمن أَمر بِزِيَادَة فَزَاد جَاهِلا
تَحْرِيمهَا ضمن الْآمِر فالضارب، وَلَو تعمد العادَّ فَقَط أَو أَخطَأ
وَادّعى الضَّارِب الْجَهْل ضمنه الْعَاد وتعمد الإِمَام الزِّيَادَة شبه
عمد على الْعَاقِلَة
(2/746)
[وَلَا يحْفر لمرجوم] لأَجله وَلَو أُنْثَى
وَلَو ثَبت بِبَيِّنَة. وَيجب فِي إِقَامَة حد زنا حُضُور إِمَام أَو
نَائِبه وَطَائِفَة من الْمُؤمنِينَ وَلَو وَاحِدًا، وَمن حُضُور من شهد
بِالزِّنَا وبداءتهم بِالرَّجمِ فَلَو ثَبت بِإِقْرَار سنّ بداءة إِمَام
أَو من يقيمه مقَامه، وَمَتى رَجَعَ مقرّ بِالزِّنَا أَو السّرقَة أَو
الشّرْب قبل إِقَامَته وَلَو بعد الشَّهَادَة على إِقْرَاره لم يقم
عَلَيْهِ، وَإِن رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ أَو هرب ترك، وَإِن ثَبت
بِبَيِّنَة فِي الْفِعْل فهرب لم يتْرك وَيحرم بعد حد حبس وإيذاء بِكَلَام
كالتعبير، وَالْحَد كَفَّارَة لذَلِك الذَّنب نَص عَلَيْهِ. وَمن أَتَى حدا
ستر على نَفسه وَلم يسن أَو يقر بِهِ عِنْد الْحَاكِم. وَإِن اجْتمعت
حُدُود الله تَعَالَى من جنس وَاحِد بِأَن زنى مرَارًا أَو سرق مرَارًا أَو
شرب مرَارًا تداخلت، فَلَا يحد سوى مرّة فحكاه ابْن الْمُنْذر إِجْمَاع كل
من يحفظ عَنهُ من أهل الْعلم لِأَن الْغَرَض الزّجر عَن إتْيَان مثل ذَلِك
فِي الْمُسْتَقْبل، وَهُوَ حَاصِل بِحَدّ وَاحِد كالكفارات من جنس، وَإِن
اجْتمعت من أَجنَاس كَأَن شرب وزنى وسرق فَلَا تتداخل بل يجب أَن يبْدَأ
بالأخف فالأخف فَيحد لشرب أَو لَا ثمَّ لزنا ثمَّ يقطع وَإِن كَانَ فِيهَا
قتل استوفى وَحده. وتستوفى حُقُوق آدَمِيّ كلهَا سَوَاء كَانَ فِيهَا قتل
أَو لَا. وَيبدأ بِغَيْر قتل بالأهم وجوبا وَلَا يسْتَوْفى حد حَتَّى يبرأ
مَا قبله. وَمن قتل أَو أَتَى حدا خَارج حرم مَكَّة ثمَّ لَجأ إِلَيْهِ أَو
لَجأ حربى أَو مُرْتَد إِلَيْهِ، وَحرم أَن يُؤَاخذ حَتَّى بِدُونِ قتل
لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَمن دخله كَانَ آمنا)) لَكِن لَا يُبَايع وَلَا
يشاري وَلَا يكلم حَتَّى يخرج فيقام عَلَيْهِ.
(2/747)
وَمن قتل أَو أَتَى حدا أَو قطع طرفا أَو
ارْتَدَّ فِيهِ أَخذ بِهِ فِيهِ لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تقاتلوهم فِي
الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ)) الْآيَة وَلَا تعصم
الْأَشْهر الْحرم شَيْئا من الْحُدُود والجنايات. فَلَو أَتَى شَيْئا من
ذَلِك ثمَّ دخل شهر حرَام أقيم عَلَيْهِ مَا وَجب قبله. وَإِذا أَتَى حدا
أَو قودا وَهُوَ بِأَرْض الْعَدو لم يُؤَاخذ بِهِ حَتَّى يرجع إِلَى دَار
الْإِسْلَام لِأَنَّهُ رُبمَا تلْحقهُ حمية الشَّيْطَان فَيلْحق بالكفار
وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ حد سقط عَنهُ. وَإِذا ثَبت الزِّنَا فيرجم زَان
وَهُوَ الزِّنَى بِالْقصرِ عِنْد أهل الْحجاز وبالمد عِنْد تَمِيم وَهُوَ
فعل الْفَاحِشَة فِي قبل أَو دبر وَهُوَ من أكبر الْكَبَائِر الْعِظَام
وَأَجْمعُوا على تَحْرِيمه لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تقربُوا الزِّنَا
إِنَّه كَانَ فَاحِشَة وساء سَبِيلا)) وَقَالَ تَعَالَى 19 ((وَالَّذين لَا
يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله
إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما)) الْآيَة مُحصن
مُكَلّف نعت بعد نعت بحجارة مُتَعَلق بيرجم متوسطة كَالْكَفِّ فَلَا
يَنْبَغِي أَن يثخن بصخرة كَبِيرَة وَلَا أَن يطول عَلَيْهِ بحصيات
خَفِيفَة. وَيَتَّقِي الْوَجْه حَتَّى يَمُوت وَلَا يجلد قبله وَلَا
يَنْفِي. وَغَيره أَي الْمُحصن يجلد مائَة جلدَة بِلَا خلاف ويغرب إِلَى
مَا يرَاهُ الإِمَام عَاما كَامِلا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا، وَلَو
أُنْثَى بِمحرم باذل نَفسه مَعهَا وجوبا وَعَلِيهِ أجرته فَإِن تَعَذَّرَتْ
مِنْهَا فَمن بَيت المَال فَإِن أَبى أَو تعذر فوحدها مَسَافَة قصر، ويغرب
غَرِيب ومغرِّب إِلَى غير وطنيهما
(2/748)
ويجلد رَقِيق خمسين جلدَة لقَوْله تَعَالَى
19 ((فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب)) وَالْعَذَاب
الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن مائَة جلدَة فَيَنْصَرِف التنصيف إِلَيْهِ دون
غَيره، وَالرَّجم لَا يتأتي تنصيفه، وَلَا يغرب، لِأَنَّهُ عُقُوبَة
لسَيِّده دونه إِذْ العَبْد لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي تغريبه، لِأَنَّهُ
غَرِيب فِي مَوْضِعه، ويترفه فِيهِ بترك الْخدمَة ويتضرر سَيّده بتفويت
خدمته والإنفاق عَلَيْهِ بعده عَنهُ فَيصير الْجلد مَشْرُوعا فِي حق
الزَّانِي وَالضَّرَر على غير الْجَانِي. ويجلد مبعض زنى بِحِسَابِهِ
فيهمَا الْجلد والتغريب، فالمنصف يجلد خمْسا وَسبعين جلدَة ويغرب نصف عَام
ويحسب زمن التَّغْرِيب عَلَيْهِ من نصِيبه الْحر. وَمن ثلثه حر لزمَه ثلثا
حد الْحر سِتّ وَسِتُّونَ جلدَة وَسقط الْكسر لِأَن الْحَد مَتى دَار بَين
الْوُجُوب والإسقاط أسقط، ويغرب ثلث عَام وَالْمكَاتب وَالْمُدبر وَأم
الْوَلَد وَالْمُعَلّق عتقه بِصفة كالقن فِي الْجد لِأَنَّهُ رَقِيق كُله.
وَإِن زنى مُحصن ببكر أَو عَكسه فَلِكُل حَده. وزان بِذَات محرم كبغيرها.
ولوطى فَاعل ومفعول كزان، فَمن كَانَ مِنْهُمَا مُحصنا رجم وَغير الْمُحصن
الْحر يجلد مائَة ويغرب عَاما، وَالرَّقِيق خمسين. والمبعض بِحِسَابِهِ،
ومملوكه إِذا لَاطَ بِهِ كأجنبي. وَمن زنى ببهيمة عزّر وَتقتل مأكولة
كَانَت أَو لَا لِئَلَّا يعير بهَا لَكِن لَا تقتل إِلَّا بِالشَّهَادَةِ
على فعله بهَا إِن لم تكن ملكه لِأَنَّهُ لَا يقبل إِقْرَاره على ملك غَيره
وَيَكْفِي إِقْرَاره إِن ملكهَا وَيحرم أكلهَا وَعَلِيهِ ضَمَانهَا،
(2/749)
والمحصن من وطيء زَوجته لَا سريته بِنِكَاح
صَحِيح لَا بَاطِل وَلَا فَاسد، وَلَو كِتَابِيَّة فِي قبلهَا وَلَو فِي
زمن حيض أَو صَوْم أَو إِحْرَام وَنَحْوه وَلَو مرّة وَاحِدَة وهما مكلفان
حران وَلَو ذميين أَو مستأمنين. وشروطه أَي حد الزِّنَا ثَلَاثَة: أَحدهَا:
تغييب حَشَفَة أَصْلِيَّة من مُكَلّف وَلَو خَصيا فَلَا حد على صَغِير أَو
مَجْنُون، وَإِن زنى ابْن عشر أَو بنت تسع عزرا، قَالَه فِي الرَّوْضَة،
وَقَالَ فِي الْمُبْدع: يُعَزّر غير الْبَالِغ مِنْهُمَا. انْتهى. أَو
تغييب قدرهَا لعدمها فِي فرج أُصَلِّي لآدَمِيّ حَيّ، فَإِن وطيء ميتَة
عزّر وَلَا حد وَلَو دبرا لذكر أَو أُنْثَى. وَالشّرط الثَّانِي: انْتِفَاء
الشُّبْهَة لحَدِيث (ادرأوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُم)
فَلَو وطيء زَوجته أَو سريته فِي حيض أَو فِي نِفَاس أَو فِي دبرهَا، أَو
أمته الْمُحرمَة أبدا برضاع أَو غَيره لموطوءة أَبِيه وَأم زَوجته وَأمته
الْمُزَوجَة أَو الْمُرْتَدَّة أَو الْمُعْتَدَّة أَو الْمَجُوسِيَّة أَو
أمة لَهُ أَو لوَلَده أَو لبيت المَال فِيهَا شرك، أَو فِي نِكَاح مُخْتَلف
فِيهِ يعْتَقد تَحْرِيمه كَنِكَاح مُتْعَة أَو بِلَا ولي، أَو فِي شِرَاء
فَاسد بعد قبض الْمَبِيع أَو فِي ملك بِعقد فُضُولِيّ وَلَو قبل
الْإِجَازَة أَو وطيء امْرَأَة على فرَاشه أَو منزله ظَنّهَا زَوجته أَو
أمته ظن أَن لَهُ أَو لوَلَده فِيهَا شركا أَو جهل تَحْرِيم الزِّنَا لقرب
إِسْلَامه أَو نشوئه ببادية بعيدَة عَن الْقرى، أَو جهل تَحْرِيم نِكَاح
بَاطِل إِجْمَاعًا وَمثله يجهله أَو ادّعى أَنَّهَا زَوجته وَأنْكرت، فَلَا
حد عَلَيْهِ فِي الْجَمِيع لِأَن دَعْوَاهُ ذَلِك شُبْهَة لاحْتِمَال
صَدَقَة، ثمَّ إِن أقرَّت أَرْبعا بِأَنَّهُ زنى
(2/750)
بهَا مطاوعة عَالِمَة بِالتَّحْرِيمِ حدت
وَحدهَا وَلَا مهر نصا. وَإِن وطيء فِي نِكَاح بَاطِل إِجْمَاعًا مَعَ علمه
كَنِكَاح مُزَوّجَة أَو مُعْتَدَّة من غير زنا أَو خَامِسَة أَو ذَات محرم
من نسب أَو رضَاع أَو زنى بحربية مستأمنة أَو بِمن اسْتَأْجرهَا لزنا أَو
غَيره أَو بِمن لَهُ عَلَيْهَا قَود أَو بِامْرَأَة ثمَّ تزَوجهَا، أَو
ملكهَا أَو أقرّ عَلَيْهَا فَسَكَتَتْ أَو جحدت أَو بمجنونة أَو صَغِيرَة
يُوطأ مثلهَا أَو أمته الْمحرم بِنسَب أَو زنا مكْرها أَو جَاهِلا لوُجُوب
الْعقُوبَة، حد فِي الْجَمِيع. وَإِن مكنت مكلفة من نَفسهَا مَجْنُونا أَو
مُمَيّزا أَو من يجهله أَو حَرْبِيّا أَو مستأمنا أَو استدخلت ذكر نَائِم
حدت لَا إِن أكره أكرهت أَو أكره ملوط بِهِ بِأَن غلبهما الواطىء على
أَنفسهمَا أَو بتهديد أَو منع طَعَام أَو شراب مَعَ اضطرار وَنَحْوه فِي
الصُّورَتَيْنِ، فَلَا حد. وَالشّرط الثَّالِث: ثُبُوته أَي الزِّنَا وَلَو
صُورَتَانِ أَشَارَ للأولى بقوله بِشَهَادَة أَرْبَعَة رجال عدُول فِي
مجْلِس وَاحِد وَلَو جَاءُوا مُتَفَرّقين وَاحِدًا بعد وَاحِد، وَصدقهمْ
زَان بزنا وَاحِد مَعَ وَصفه أَي الزِّنَا لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَالَّذين
يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء)) الْآيَة
وَقَوله تَعَالَى 19 ((فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُم)) فَيجوز
لَهُم النّظر إِلَيْهَا حَالَة الْجِمَاع لإِقَامَة الشَّهَادَة
عَلَيْهِمَا. وَاعْتبر كَونهم رجَالًا لِأَن الْأَرْبَعَة اسْم لعدد
الذُّكُور وَلِأَن فِي شَهَادَة النِّسَاء شُبْهَة لتطرق الِاحْتِمَال
إلَيْهِنَّ، وعدولا كَسَائِر الشَّهَادَات، وَكَونهَا فِي مجْلِس، لِأَن
عمر رَضِي الله عَنهُ حد الثَّلَاثَة الَّذين شهدُوا على الْمُغيرَة بن
شُعْبَة بِالزِّنَا لما تخلف الرَّابِع، وَلَوْلَا اعْتِبَار اتِّحَاد
الْمجْلس لم يحدهم لاحْتِمَال أَن يكملوا برابع
(2/751)
فِي مجْلِس آخر، وَمعنى وَصفهم الزِّنَا
أَن يَقُولُوا رَأينَا ذكره فِي فرجهَا، كالمرود فِي المكحلة والرشاء فِي
الْبِئْر، فَإِن شهدُوا فِي مجلسين فَأكْثر أَو امْتنع بَعضهم من
الشَّهَادَة أَو لم يكملها أَو كَانُوا كلهم أَو بَعضهم لَا تقبل
شَهَادَتهم فِيهِ لعمى أَو فسق لكَون أحدهم زوجا، حدوا للقذف كَمَا لَو
بِأَن مشهود عَلَيْهِ محيوبا أَو بَانَتْ رتقاء. وَلَا يحد زوج لَاعن.
وَإِن عين اثْنَيْنِ زَاوِيَة من بَيت صَغِير عرفا وَعين إثنان أُخْرَى
مِنْهُ، أَو قَالَ إثنان: فِي قَمِيص أَبيض أَو قَائِمَة وإثنان فِي قَمِيص
أَحْمَر أَو نَائِمَة كملت شَهَادَتهم لعدم التَّنَافِي لاحْتِمَال كَونه
ابْتَدَأَ الْفِعْل فِي إِحْدَى الزاويتين وكمله فِي الْأُخْرَى، أَو فِي
قَمِيص أَبيض تَحْتَهُ قَمِيص أَحْمَر، ثمَّ خلع قبل الْفَرَاغ، وابتدأ
بهَا الْفِعْل قَائِمَة وأتمه نَائِمَة. وَإِن كَانَ الْبَيْت كَبِيرا أَو
عين إثنان بَيْتا أَو بَلْدَة أَو يَوْمًا وإثنان آخر فالأربعة قذفة وَلَو
اتَّفقُوا على أَن الزِّنَا وَاحِد وَإِن شهد أَرْبَعَة بزناه بفلانة فَشهد
أَرْبَعَة آخَرُونَ أَن الشُّهُود هم الزناة بهَا صدقُوا وَلم يحد مشهود
عَلَيْهِ وحد الْأَولونَ فَقَط للقذف وَالزِّنَا. وكل زنا من مُسلم أَو
ذمِّي أَو أوجب الْحَد لَا يقبل فِيهِ إِلَّا أَرْبَعَة شُهُود، وَيدخل
فِيهِ اللواطة وَوَطْء الْمَرْأَة فِي دبرهَا. وَإِن أوجب التَّعْزِير
كَوَطْء الْبَهِيمَة وَالْأمة الْمُشْتَركَة والمزوجة قبل فِيهِ رجلَانِ
كشهود الْمُبَاشرَة دون الْفرج وَنَحْوهَا، وَإِن حملت من لَا زوج لَهَا
وَلَا سيد لم حملت من لَا زوج لَهَا وَلَا سيد لم تحد بِمُجَرَّد ذَلِك،
وتسأل اسْتِحْبَابا، وَلَا يجب سؤالها لما فِيهِ من إِشَاعَة الْفَاحِشَة
وَهِي مَنْهِيّ عَنْهَا، فَإِن ادَّعَت إِكْرَاها أَو وطئا بِشُبْهَة أَو
لم تقر بِالزِّنَا أَرْبعا لم تحد.
(2/752)
وَإِن شهد أَرْبَعَة فَرَجَعُوا كلهم أَو
بَعضهم قبل الْحَد وَلَو بعد الحكم لم يحد مشهود عَلَيْهِ وحد
الْأَرْبَعَة، وَإِن رَجَعَ بَعضهم بعد حد يجلد رَاجع فَقَط إِن ورث حد قذف
بِأَن طَالب قبل مَوته وَإِلَّا فَلَا. وَالصُّورَة الثَّانِيَة: مَا
أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله أَو إقراراه أَي الزَّانِي الْمُكَلف وَلَو قِنَا
حَال كَونه مُخْتَارًا أَربع مَرَّات وَلَو فِي مجَالِس لِأَن مَا عزا أقرّ
عِنْد النَّبِي أَرْبعا فِي مجْلِس وَاحِد، والغامدية أقرَّت عِنْده فِي
مجَالِس، مَعَ تصريحه ب [ذكر حَقِيقَة الْوَطْء] لحَدِيث ابْن عَبَّاس: لما
أَتَى مَا عز بن مَالك النَّبِي قَالَ لَهُ: لَعَلَّك قبلت أَو غمزت أَو
نظرت، قَالَ: لَا يَا رَسُول الله، قَالَ: أنكتها؟ لَا يكني، قَالَ: نعم،
فَعِنْدَ ذَلِك أَمر برجمه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي
حَدِيث أبي هُرَيْرَة: قَالَ لِلْأَسْلَمِيِّ: أنكتها؟ قَالَ: نعم، قَالَ:
كَمَا يغيب المرود فِي المكحلة والرشاء فِي الْبِئْر قَالَ نعم، قَالَ
فَهَل تَدْرِي مَا الزِّنَا قَالَ: نعم أتيت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي
الرجل من امْرَأَته حَلَالا، قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا القَوْل قَالَ:
أُرِيد أَن تطهروني، فَأمر برجمه. رَوَاهُ دَاوُد الدَّارَقُطْنِيّ،
وَلِأَن الْحَد يدْرَأ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ الْكِنَايَة.
وَلَا يعْتَبر ذكر مَكَان الزِّنَا وَذكر الْمُزنِيّ بهَا إِن كَانَت
الشَّهَادَة على رجل، وَذكر الزَّانِي إِن كَانَت الشَّهَادَة على امْرَأَة
ذكره فِي الْإِقْنَاع،
(2/753)
وَقطع فِي الْمُنْتَهى فِي الشَّهَادَات
بِأَنَّهُ يعْتَبر ذكرهمَا. وَيشْتَرط أَن يسْتَمر على إِقْرَار بِلَا
رُجُوع عَنهُ فَإِن رَجَعَ عَنهُ أَو هرب ترك بِخِلَاف ثُبُوته بِبَيِّنَة
فَإِنَّهُ لَا يتْرك، وَتقدم ذَلِك. والقاذف من الْقَذْف وَهُوَ لُغَة
الرَّمْي بِالزِّنَا واللواطة أَو الشَّهَادَة بِأَحَدِهِمَا وَلم تكمل
الْبَيِّنَة، وَهَذِه كَبِيرَة محرم إِجْمَاعًا إِذا كَانَ مُكَلّفا
مُخْتَارًا وَلَو أخرس بِإِشَارَة مفهومة، وَقذف شخصا مُحصنا وَلَو مجبوبا
أَو ذَات محرم [يجلد حر ثَمَانِينَ] جلدَة لقَوْله تَعَالَى 19
((فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة)) الْآيَة ويجلد قَاذف رَقِيق وَلَو عتق
عقب قذف اعْتِبَارا بِوَقْت الْوُجُوب كَالْقصاصِ نصفهَا أَرْبَعِينَ جلدَة
ويجلد قَاذف مبعض بِحِسَابِهِ فَمن نصفه حر يجلد سِتِّينَ، لِأَنَّهُ حد
يَتَبَعَّض فَكَانَ على الْقِنّ فِيهِ نصف مَا على الْحر سوى أَبَوَيْهِ
فَلَا يجلدان بِقَذْف ولد وَإِن نزل كقود وَلَا يعزران لَهُ. وَيسْقط حد
الْقَذْف بِعَفْو مقذوف وَلَو بعد طلبة، وَمن قذف غير مُحصن وَلَو قنه عزّر
ردعا لَهُ عَن أَعْرَاض المعصومين وكفا لَهُ عَن إيذائهم، والمحصن هُنَا
أَي فِي بَاب [الْقَذْف الْحر الْمُسلم الْعَاقِل الْعَفِيف] عَن الزِّنَا
ظَاهرا وَلَو تَائِبًا وملاعنة وَوَلدهَا ولد زنا كغيرهم نصا فَيحد بِقَذْف
كل مِنْهُم إِذا كَانَ مُحصنا، وَشرط كَون مُحصنا، وَشرط كَون مثله أَي
الْمَقْذُوف يطَأ أَو يُوطأ وَهُوَ ابْن عشر فَأكْثر وَبنت تسع فَأكْثر
للحوق الْعَار بهما، وَلَا يشْتَرط بُلُوغه أَي الْمَقْذُوف. وَلَا يحد
قَاذف غير بَالغ حَتَّى يبلغ وَيُطَالب بِهِ بعد بُلُوغه إِذْ لَا أثر
لطلبه قبله لعدم اعْتِبَار كَلَامه، وَلَا طلب لوَلِيِّه عَنهُ لِأَن
الْغَرَض مِنْهُ التشفي
(2/754)
فَلَا يقوم غَيره مقَامه فِيهِ كالقود،
وَكَذَا لَو جن أَو أُغمي عَلَيْهِ قبل طلبه فَلَا يَسْتَوْفِي حَتَّى
يفِيق وَيُطَالب بِهِ وَإِن جن أَو أغمى عَلَيْهِ بعده أَي الطّلب بِهِ
يُقَام لوُجُود شَرطه وَانْتِفَاء مانعه. وَمن قذف غَائِبا لم يحد حَتَّى
يثبت طلبه فِي غيبته بِشَرْطِهِ أَو يحضر وَيطْلب بِنَفسِهِ. وَمن قَالَ
لمحصنة: زَنَيْت وَأَنت صغيره فَإِن فسره بِدُونِ تسع عزّر وَإِلَّا حد،
وَكَذَا إِن قَالَه لذكر مُحصن وَفَسرهُ بِدُونِ عشر. وَمن قَالَ لِابْنِ
عشْرين سنة: زَنَيْت قبل ثَلَاثِينَ سنة لم يحد للْعلم بكذبه. وَيحرم
الْقَذْف إِلَّا فِي موضِعين أَحدهمَا: أَن يرى زَوجته تَزني فِي طهر لم
يَطَأهَا فِيهِ فيعتزلها ثمَّ تَلد مَا يُمكن كَونه من الزَّانِي فَيلْزمهُ
قَذفهَا أَو نَفْيه، وَكَذَا إِن وَطئهَا فِي طهر زنت فِيهِ وقوى ظَنّه أَو
الْوَلَد من الزَّانِي لشبهه بِهِ أَو لكَون الزَّوْج عقيما، لِأَن ذَلِك
مَعَ تَحْقِيق الزِّنَا دَلِيل على أَن الْوَلَد من الزَّانِي ولقيام
الظَّن مقَام التَّحْقِيق. والموضع الثَّانِي: أَن يَرَاهَا تَزني وَلم
تَلد مَا يلْزمه نَفْيه، أَو يستفيض زنَاهَا أَو يُخبرهُ بِهِ ثِقَة أويرى
مَعْرُوفا بِالزِّنَا عِنْدهَا فَيُبَاح لَهُ قَذفهَا بِهِ، وفراقها أولى.
وَله صَرِيح وكناية، فصريحه يَا منيوكة إِن لم يفسره بِفعل زوج أَو سيد
فَإِن فسره بذلك فَلَيْسَ قذفا، يَا منيوك، يَا زاني، يَا عاهر وأصل العهر
إتْيَان الرجل الْمَرْأَة لَيْلًا للفجور بهَا ثمَّ غلب على الزِّنَا
فَأطلق العاهر على الزَّانِي سَوَاء جاءها للفجور أَو جَاءَتْهُ هِيَ
لَيْلًا أَو نَهَارا. وَقد زَنَيْت، أَو زنى فرجك، أَو يَا لوطى، فَإِن
قَالَ: أردْت
(2/755)
بِقَوْلِي يَا زاني أَي الْعين أَو عاهر
الْيَد أَو إِنَّك من قوم لوط أَو تعْمل عَمَلهم غير إتْيَان الذُّكُور لم
يقبل مِنْهُ، وَلست لأَبِيك أَو بِولد فلَان قذف لأمه. وكنايته والتعريض
بِهِ: زنت يدك أَو رجلك أَو بدنك، وَيَا خنيث بالنُّون، يَا نظيف يَا عفيف،
ولامرأة: يَا قحبة يَا فاجرة، ولزوجة شخص: قد فضحت زَوجك، وغطيت ونكست
رَأسه وَجعلت لَهُ قرونا وعلقت عَلَيْهِ أَوْلَادًا من غَيره وأفسدت
فرَاشه، ولعربي: يَا نبطي أَو يَا فَارسي أَو يَا رومي، ولأحدهم: يَا
عَرَبِيّ، وَلمن يخاصمه: يَا حَلَال يَا ابْن الْحَلَال، مَا يعرفك النَّاس
بِالزِّنَا، أَو مَا أَنا بزان، أَو مَا أُمِّي بزانية، أَو يسمع من يقذف
شخصا فَيَقُول لَهُ: صدقت، أَو صدقت فِيمَا قلت، أَو أَخْبرنِي أَو أشهدني
فلَان بأنك زَنَيْت وَكذبه فلَان. فَإِن فسره بمحتمل كَقَوْلِه: أردْت
بالنبطي نبطي اللِّسَان وبالرومي رومي الْخلقَة، وبقولي أفسدت فرَاشه أَي
خرقته أَو أتلفته وبقولي علقت عَلَيْهِ أَوْلَادًا من غَيره التقطت
أَوْلَادًا ونسبتهم إِلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك قبل وعزر لارتكابه مَعْصِيّة
لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة. وَإِن قذف أهل بَلْدَة أَو جمَاعَة لَا
يتَصَوَّر الزِّنَا مِنْهُم عَادَة، أَو اخْتلفَا فِي أَمر فَقَالَ
أَحدهمَا: الْكَاذِب ابْن الزَّانِيَة عزّر وَلَا حد نصا. وَمن قَالَ
لمكلف: اقذفني، فقذفه لم يحد وعزر، وَمن قذف مَيتا وَلَو غير مُحصن، حد
بِطَلَب وَارِث مُحصن خَاصَّة، فَإِن لم يكن الْوَارِث مُحصنا، لم يحد
قَاذف، وَيثبت حد قذف الْمَيِّت وَالْقَذْف الْمَوْرُوث لجَمِيع الْوَرَثَة
حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَإِن عَفا بَعضهم حد للْبَاقِي كَامِلا.
(2/756)
وَمن قذف نَبيا أَو أمه كفر وَقتل حَتَّى
وَلَو تَابَ أَو كَانَ كَافِرًا فَأسلم، وَمن قذف جمَاعَة يتَصَوَّر
الزِّنَا مِنْهُم عَادَة بِكَلِمَة وَاحِدَة فطالبوه أَو أحدهم، فَعَلَيهِ
حد وَاحِد، وَإِن قذفهم بِكَلِمَات أَي قذف كلا بِكَلِمَة أَي جملَة،
فَعَلَيهِ لكل وَاحِد حد، وَمن حد لقذف ثمَّ أَعَادَهُ أَو قذف مقرا
بِالزِّنَا وَلَو دون أَربع مَرَّات عزّر. وَيُعَزر وَالتَّعْزِير لُغَة
الْمَنْع وَمِنْه التَّعْزِير بِمَعْنى النُّصْرَة كَقَوْلِه تَعَالَى
(ويعزروه ويوقروه) لمنع النَّاصِر المعادي والمعاند لمن ينصره،
وَاصْطِلَاحا التَّأْدِيب فَيجب بِنَحْوِ قَول يَا كَافِر أَو يَا مَلْعُون
أَو يَا أَعور أَو يَا أعرج أَو يَا فَاسق، يَا فَاجر، يَا حمَار، يَا
تَيْس، يَا رَافِضِي، يَا خَبِيث الْبَطن أَو الْفرج، يَا عَدو الله، يَا
كَذَّاب، يَا كَاذِب، يَا خائن، يَا شَارِب الْخمر، يَا مخنث، يَا قرنان،
يَا قواد، يَا ديوث، يَا قرطبان، يَا كشخان، يَا علق، يَا مأبون، يَا
ظَالِم، يَا مُنَافِق، يَا سَارِق، يَا أقطع، يَا أعمى، يَا مقْعد، يَا
ابْن الزَّمن الْأَعْمَى الْأَعْرَج، يَا نمام، يَا حروي، يَا مرائي، يَا
جَائِر، يَا معرص، يَا عَرصَة وَنَحْو ذَلِك. قَالَ إِبْرَاهِيم
الْحَرْبِيّ: الديوث الَّذِي يدْخل الرِّجَال على امْرَأَته. وَقَالَ
ثَعْلَب: القرطبان الَّذِي يرضى أَن يدْخل الرِّجَال على نِسَائِهِ.
وَقَالَ: القرطبان والكشخان لم أرهما فِي كَلَام الْعَرَب، ومعناهما عِنْد
الْعَامَّة مثل معنى الديوث أَو قريب مِنْهُ، والقواد عِنْد الْعَامَّة
السمسار فِي الزِّنَا. ومأبون قَالَ فِي الْفُنُون هُوَ لُغَة الْعَيْب
يَقُولُونَ عود مأبون، وَالِابْن الْجُنُون والابنة الْعَيْب ذكره ابْن
الْأَنْبَارِي فِي كتاب الزَّاهِر.
(2/757)
وَيجب التَّعْزِير فِي كل مَعْصِيّة لَا حد
فِيهَا وَلَا كَفَّارَة فِيهَا كمباشرة دون الْفرج وإتيان الْمَرْأَة
الْمَرْأَة وسرقة لَا قطع فِيهَا، وَجِنَايَة لَا قَود فِيهَا كصفع ووكز
أَي الدّفع وَالضَّرْب بِجمع الْكَفّ وَقذف غير ولد بِغَيْر زنا ولواطه
كَقَوْلِه يَا فَاسق وَنَحْوه، ولعنة وَلَيْسَ لَهُ ردهَا على من لَعنه.
وَدُعَاء عَلَيْهِ، وَالله أكبر عَلَيْك وخصمك الله وَنَحْوه، قَالَ بعض 16
(الْأَصْحَاب) : إِلَّا إِذا شتم نَفسه أَو سبها فَلَا يُعَزّر، وَقَالَ
فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة: إِذا تشاتم الْوَالِد وَولده لم يُعَزّر
الْوَالِد لحق وَلَده وعزر الْوَلَد لحقه، وَلَا يجوز تعزيره إِلَّا
بمطالبة الْوَالِد، وَلَا تحْتَاج إِقَامَة التَّعْزِير إِلَى مُطَالبَة
فِي غير هَذِه، وَإِن تشاتم غَيرهمَا عزّر. وَيُعَزر من سبّ صحابيا وَلَو
كَانَ وَارِثا وَلم يُطَالب بالتعزير. وَيُعَزر بِعشْرين سَوْطًا لشرب
مُسكر فِي نَهَار رَمَضَان مَعَ الْحَد فَتكون جملَة الْجلد مائَة. وَإِن
وطيء أمة امْرَأَته حد مَا لم تكن أحلتها لَهُ، فيجلد مائَة إِن علم
التَّحْرِيم فِيهَا وَفِي الَّتِي قبلهَا وَلَا يرْجم وَلَا يغرب، وَإِن
ولدت مِنْهُ لم يلْحقهُ نسبه. وَلَا يسْقط حد بِإِبَاحَة فِي غير هَذَا
الْموضع وَمن وطيء أمة لَهُ فِيهَا شرك عزّر بِمِائَة سَوط إِلَّا سَوْطًا
نصا لينقص عَن حد الزِّنَا. ومرجعه أَي التَّعْزِير إِلَى اجْتِهَاد
الإِمَام فَلهُ نَقصه فِيمَا سبق بِحَسب اجْتِهَاده وَلَا يُزَاد على عشر
فِي غير مَا تقدم نصا.
(2/758)
وَيحرم تَعْزِير بحلق لحية وَقطع طرف وجرح
وَأخذ مَال وإتلافه. وَلَا بَأْس بتسويد وَجه والمناداة عَلَيْهِ بِذَنبِهِ
وَيُطَاف بِهِ مَعَ ضربه.
)
وَمن قَالَ لذِمِّيّ يَا حَاج ولعنه لغير مُوجب أدب. وَمن عرف بأذى النَّاس
حَتَّى بِعَيْنِه حبس حَتَّى يَمُوت أَو يَتُوب. قَالَ المنقح: لَا يبعد
أَن يقتل العائن إِذا كَانَ يقتل بِعَيْنِه غَالِبا وَأما مَا أتْلفه
فيغرمه. انْتهى. وَفِي شرح منَازِل السائرين لِابْنِ الْقيم: إِذا كَانَ
بِغَيْر اخْتِيَاره وَغلب على نَفسه لم يقْتَصّ مِنْهُ وَعَلِيهِ الدِّيَة،
وَإِن عمد ذَلِك وَقدر على رده وَعلم أَنه يقتل بِهِ سَاغَ للْوَلِيّ أَن
يقْتله بِمثل مَا قتل بِهِ فيعينه إِن شَاءَ كَمَا عان هُوَ الْمَقْتُول.
وَأما قَتله بِالسَّيْفِ قصاصا فَلَا، لِأَن هَذَا لَيْسَ مِمَّا يقتل
غَالِبا وَلَا هُوَ مماثل للجناية، وَفرق بَينه وَبَين السَّاحر من
وَجْهَيْن قَالَ: وَسَأَلت شَيخنَا عَن الْقَتْل بِالْحَال هَل يُوجب
الْقصاص فَقَالَ: للْوَلِيّ ان يقْتله بِالْحَال كَمَا قتل بِهِ. انْتهى
كَلَامه. وَمن استمنى رجل أَو امْرَأَة لغير حَاجَة حرم وعزر، وَإِن فعله
خوفًا من الزِّنَا أَو اللواط، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَا يُبَاح إِلَّا
إِذا لم يقدر على نِكَاح وَلَو لأمة، وَحكم الْمَرْأَة فِي ذَلِك حكم الرجل
تسْتَعْمل شَيْئا مثل الذّكر. وَلَو اضْطر إِلَى جماع وَلَيْسَ من يُبَاح
وَطْؤُهَا حرم الْوَطْء.
(2/759)
3 - (فصل)
فِي حد الْمُسكر. وَهُوَ اسْم فَاعل من السكر وَهُوَ اخْتِلَاط الْعقل.
قَالَ الْجَوْهَرِي: السَّكْرَان خلاف الصاحي وَالْجمع سكرى وسكارى بِضَم
السِّين وَفتحهَا وَالْمَرْأَة سكرى ولغة بني أَسد سكرانة. وكل [شراب مُسكر
يحرم] شربه مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ من الْعِنَب أَو الشّعير أَو
غَيرهمَا، قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِنَّمَا الْخمر
وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ))
وَلِحَدِيث (كل مُسكر خمر وكل مُسكر حرَام) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد
وَأَبُو دَاوُد. وَعَن ابْن عمر مَرْفُوعا (مَا أسكر كَثِيره فقليله حرَام)
رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَابْن مَاجَه إِلَّا لدفع لقْمَة غص بهَا وَلم
يجد غَيره وَأَن يكون مَعَ خوف تلف فَحِينَئِذٍ يجوز، لِأَنَّهُ مُضْطَر
وَيقدم عَلَيْهِ أَي الْمُسكر بَوْل لوُجُوب الْحَد بِاسْتِعْمَالِهِ دون
الْبَوْل، وَيقدم عَلَيْهِمَا مَاء نجس فَإِذا شربه أَي الْمُسكر
(2/760)
أَو شرب مَا خلط بِهِ وَلم يستهلك فِيهِ
أَو استعط أَو احتقن بِهِ أَو أكل عجينا ملوتا بِهِ مُسلم فَاعل شربه
مُكَلّف لَا صَغِير أَو مَجْنُون مُخْتَارًا لَا مكْرها حَال كَونه عَالما
أَن كَثِيره أَي الْمُسكر يسكر وَيصدق إِن قَالَ: لم أعلم أَن كَثِيره
يسكر، وَلَو لم يسكر الشَّارِب حد جَوَاب الشَّرْط حر وجد مِنْهُ شَيْء
مِمَّا تقدم ثَمَانِينَ جلدَة وحد قن فِيمَا تقدم نصفهَا أَي أَرْبَعِينَ
جلدَة ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَو مكَاتبا أَو مُدبرا أَو أم ولد، وَلَو
جهل وجوب الْحَد. وَيُعَزر من وجد مِنْهُ رائحتها أَو حضر شرابها وتشبه
بهم، وَلَا حد وَلَا تَعْزِير إِن جهل التَّحْرِيم، وَلَا تقبل دَعْوَى
الْجَهْل مِمَّن نَشأ بَين الْمُسلمين. وَلَا حد على كَافِر شرب مُسكرا
وَيثبت شرب بِإِقْرَارِهِ بِهِ مرّة كقذف لِأَن كلا مِنْهُمَا لَا
يتَضَمَّن إتلافا بِخِلَاف زنا وسرقة أَو ب شَهَادَة عَدْلَيْنِ على
الشّرْب وَالْإِقْرَار بِهِ وَلَو لم يَقُولَا شرب مُخْتَارًا عَالما
بِتَحْرِيمِهِ، لِأَنَّهُ الأَصْل. وَحرم عصير عِنَب وَنَحْوه كعصير قصب
أَو رمان أَو غَيره إِذا غلى إِلَى كغليان الْقدر بِأَن قذف بزيد نصا.
وَظَاهره وَلَو لم يسكر لِأَن عِلّة التَّحْرِيم الشدَّة الْحَادِثَة وَهِي
تُوجد بِوُجُود الغليان أَو أَي وَحرم عصير وَنَحْوه أَتَى عَلَيْهِ
ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن وَإِن لم يغل نصا لحَدِيث (اشربوا الْعصير
ثَلَاثًا مَا لم يغل) رَوَاهُ الشالنجي.
(2/761)
وَإِن طبخ قبل تَحْرِيمه حل إِن ذهب ثلاثاه
فَأكْثر نصا وَوضع زبيب فِي خَرْدَل كعصير، أَي فَيحرم إِن إِلَى أَو أَتَى
عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام.
(2/762)
3 - (فصل)
. الْقطع فِي السّرقَة أَجمعُوا عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى (وَالسَّارِق
والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا) وَلِحَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا (تقطع
الْيَد فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا) إِلَى غَيره من الْأَخْبَار. وَيقطع
السَّارِق إِذا سرق بِثمَانِيَة شُرُوط: أَحدهَا السّرقَة لِأَنَّهُ
تَعَالَى أوجب الْقطع على السَّارِق، فَإِذا لم تُوجد السّرقَة، لم يكن
الْفَاعِل سَارِقا. وَهِي أَي السّرقَة أَخذ مَال مَعْصُوم خُفْيَة من ملك
أَو نَائِبه فَيقطع الطرار من الطر بِفَتْح الطَّاء أَي الْقطع وَهُوَ من
يبط جيبا أَو كَمَا أَو غَيرهمَا وَيَأْخُذ مِنْهُ نِصَابا، لَا جَاحد
وَدِيعَة ومنتهب ومختطف وغاصب وخائن يُؤمن عَن الشَّيْء فيخفيه أَو بعضه
أَو يجْحَد. وَالثَّانِي: كَون سَارِق مُكَلّفا لِأَن غير الْمُكَلف
مَرْفُوع عَنهُ الْقَلَم،
(2/763)
مُخْتَارًا لِأَن الْمَكْر مَعْذُور،
عَالما بمسروق وب [تَحْرِيمه] أَي الْمَسْرُوق عَلَيْهِ وَلَا قطع
بِسَرِقَة منديل بطرفه نِصَاب مشدود لم يُعلمهُ وَلَا بجوهر يظنّ قِيمَته
دون نِصَاب، وَلَا على جَاهِل تَحْرِيم سَرقَة، وَلَا تقبل دَعْوَى
الْجَهْل مِمَّن نَشأ بَين الْمُسلمين كشرب. وَالثَّالِث: كَون مَسْرُوق
مَالا لِأَن غير المَال لَا يُسَاوِيه فَلَا يلْحق بِهِ، مُحْتَرما لِأَن
غير الْمُحْتَرَم كَمَال الْحَرْبِيّ يجوز سَرقته، وَلَو كَانَ الْمَسْرُوق
من غلَّة وقف وَلَيْسَ من مستحقيه، وَلَا يقطع بِسَرِقَة مكَاتب وَأم ولد
وحر وَلَو صَغِيرا وَلَا بمصحف وَلَا بِمَا مَعَ الْحر والمصحف من حلي
وَنَحْوه، لِأَنَّهُ تَابع لما لَا يقطع بسرقته وَلَا بكتب بدع وتصاوير
وَلَا بِآلَة لَهو أَو صَلِيب أَو صنم وَلَا بآنية فِيهَا خمر أَو مَاء.
وَالرَّابِع: كَونه أَي الْمَسْرُوق نِصَابا، وَهُوَ أَي النّصاب ثَلَاثَة
دَرَاهِم فضَّة خَالِصَة أَو تخلص من مغشوشة أَو ربع مِثْقَال ذَهَبا
وَيَكْفِي الْوَزْن من الْفضة الْخَالِصَة أَو التبر الْخَالِص وَلَو لم
يضربا، ويكمل أَحدهمَا بِالْآخرِ، فَلَو سرق درهما وَنصف دِرْهَم من خَالص
الْفضة وَثمن دِينَار من خَالص الذَّهَب قطع لِأَنَّهُ سرق نِصَابا أَو مَا
أَي مَتَاعا تبلغ قِيمَته أَي قيمَة الْمَتَاع أَحدهمَا أَي نِصَاب
الذَّهَب وَالْفِضَّة من غَيرهمَا كَثوب وَنَحْوه يُسَاوِي ذَلِك،
وَتعْتَبر الْقيمَة حَالَة الْإِخْرَاج من الْحِرْز، فَلَو نقصت بعد
إِخْرَاجه قطع لَا إِن أتْلفه فِي الْحِرْز بِأَكْل أَو غَيره أَو نَقصه
بِذبح أَو غَيره ثمَّ أخرجه. وَالْخَامِس: إِخْرَاجه أَي النّصاب من حرز
مثله فَلَو سرق من غير حرز بِأَن وجد بَابا مَفْتُوحًا فَأخذ مِنْهُ
نِصَابا فَلَا قطع، وَمن أخرج بعض
(2/764)
ثوب قِيمَته نِصَاب قطع بِهِ إِن قطعه من
الثَّوْب لتحَقّق إِخْرَاجه إِذن وَإِلَّا فَلَا قطع وحرز كل مَال مَا حفظ
بِهِ ذَلِك المَال عَادَة لِأَن معنى الْحِرْز الْحِفْظ وَهُوَ مُخْتَلف
باخْتلَاف جنس المَال وبلده وَعدل السُّلْطَان وقوته وضدهما، فحرز جَوْهَر
وَنقد وقماش فِي الْعمرَان بدار ودكان وَرَاء غلق وثيق أَي قفل خشب أَو
حَدِيد، وصندوق بسوق ثمَّ حارس حرز، وحرز بقل وقدور باقلاء وطبيخ وَثمّ
حارس وَرَاء الشرائج، وحرز خشب وحطب الحظائر، وماشية الصير، وَفِي مرعى
براع يَرَاهَا غَالِبا، وسفن فِي شط بربطها، وإبل باركة معقولة بحافظ
حَتَّى نَائِم. وحرز ثِيَاب فِي حمام وأعدال وغزل بسوق أَو خَان وَمَا
كَانَ مُشْتَركا فِي دُخُول بحافظ كقعوده على مَتَاع، وَإِن فرط حَافظ
فَنَامَ، أَو اشْتغل فَلَا قطع على السَّارِق وَضمن حَافظ معد للْحِفْظ
وَإِن لم يستحفظه، وحرز بَاب تركيبه بِموضع وحلقة تركيبها فِيهِ، ونوم على
رِدَاء أَو مجر فرس وَلم يزل عَنهُ ونعل بِرَجُل حرز. وَالسَّادِس:
انْتِفَاء الشُّبْهَة فَلَا قطع بِسَرِقَة من عمودي نسبه، وَأما سَائِر
أَقَاربه إِذا سرق مِنْهُم قطع، أما سَرقته من مَال وَلَده فلحديث (أَنْت
وَمَالك لأَبِيك) وَأما سَرقته من مَال أَبِيه أَو جده أَو أمه أَو جدته
وَإِن علوا
(2/765)
أمومة أَو من مَال ولد ابْنه أَو ولد بنته
وَإِن سفلا، فلأنهم بَينهم قرَابَة تمنع من قبُول شَهَادَة بَعضهم لبَعض،
وَلِأَن النَّفَقَة تجب لأَحَدهم على الآخر حفظا لَهُ فَلَا يجوز إِتْلَافه
حفظا لِلْمَالِ. وَلَا بِسَرِقَة من غنيمَة لأحد مِمَّن ذكرنَا فِيهَا حق
وَلَا بِسَرِقَة مُسلم من بَيت المَال إِلَّا الْقِنّ نصا ذكره فِي
الْمُحَرر وَغَيره بِمَعْنَاهُ وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَهى، قَالَ
المنقح: وَالصَّحِيح لَا قطع. انْتهى. لِأَنَّهُ لَا يقطع بِسَرِقَة من
مَال لَا يقطع بِهِ سَيّده، وسيده لَا يقطع بِالسَّرقَةِ من بَيت المَال
فَكَذَا هُوَ، وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاع فَقَالَ: وَلَا يقطع مُسلم
بسرقته من بَيت المَال وَلَو عبدا إِن كَانَ سَيّده مُسلما. وَلَا سَرقَة
زوج أَو زَوْجَة من مَال الآخر وَلَو أحرز عَنهُ. وَالسَّابِع: ثُبُوتهَا
أَي السّرقَة بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ لقَوْله تَعَالَى 19 ((واستشهدوا
شهيدين من رجالكم)) يصفانها أَي السّرقَة فِي شَهَادَتهمَا وَإِلَّا لم
يقطع لِأَنَّهُ حد فيدرأ بِالشُّبْهَةِ كَالزِّنَا، وَلَا تسمع
شَهَادَتهمَا قبل الدَّعْوَى من مَالك مَسْرُوق أَو من يقوم مقَامه أَو
ثُبُوتهَا ب [إِقْرَار] السَّارِق مرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ يتَضَمَّن إتلافا
فَاعْتبر تكْرَار الْإِقْرَار فِيهِ كَالزِّنَا، أَو يُقَال: الْإِقْرَار
أحد حجتي الْقطع فَاعْتبر فِيهِ التّكْرَار، وَاحْتج الإِمَام 16 (أَحْمد 6
(فِي رِوَايَة مهنأ بِمَا حَكَاهُ عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن
عَليّ: لَا تقطع يَد السَّارِق حَتَّى يشْهد على نَفسه مرَّتَيْنِ مَعَ
وصفهَا أَي السّرقَة أَي يصفها فِي كل مرّة لاحْتِمَال ظَنّه وجوب الْقطع
عَلَيْهِ مَعَ فقد بعض الشُّرُوط ودوام عَلَيْهِ أَي الْإِقْرَار بِأَن
(2/766)
لَا يرجع عَنهُ حَتَّى يقطع فَإِن رَجَعَ
ترك، وَلَا بَأْس بتلقينه الْإِنْكَار ليرْجع عَن إِقْرَاره، وَلَا
بالشفاعة إِذا لم يبلغ الإِمَام فَإِذا بلغه حرمت وَلزِمَ الْقطع.)
)
16 - (
16 - (وَالثَّامِن: مطابة مَسْرُوق مِنْهُ أَو مُطَالبَة وَكيله أَو
مُطَالبَة وليه إِن كَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ لحظه كسفيه وَنَحْوه لِأَن
المَال يُبَاح بالبذل وَالْإِبَاحَة فَيحْتَمل إِبَاحَة مَالك إِيَّاه أَو
إِذْنه لَهُ فِي دُخُول حرزه وَنَحْوه مِمَّا يسْقط الْقطع فَإِن طَالب رب
المَال زَالَ هَذَا الِاحْتِمَال وانتفت الشُّبْهَة، فَلَو أقرّ بِسَرِقَة
من مَال غَائِب أَو قَامَت بهَا بَيِّنَة انْتظر حُضُوره ودعواه لتتكامل
شُرُوط الْقطع فَيحْبس السَّارِق إِلَى قدومه وَطَلَبه أَو تَركه وتعاد
شَهَادَة الْبَيِّنَة بِهِ بعد دَعْوَاهُ لِأَن تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ شَرط
للاعتداد بهَا، وَإِن كذب مُدع نَفسه سقط الْقطع فَإِذا وَجب الْقطع لتوفر
الشُّرُوط الْمُوجبَة لَهُ قطعت يَده أَي السَّارِق الْيُمْنَى لقِرَاءَة
ابْن مَسْعُود فَاقْطَعُوا أيمانهما. وَهُوَ إِمَّا قِرَاءَة أَو تَفْسِير
سَمعه من رَسُول الله إِذْ لَا يظنّ بِمثلِهِ أَن يثبت فِي الْقِرَاءَة
شَيْئا بِرَأْيهِ وَلِأَنَّهُ قَول أبي بكر وَعمر وَلَا مُخَالف لَهما من
الصَّحَابَة، وَلِأَن السّرقَة جِنَايَة الْيُمْنَى غَالِبا فتقطع من مفصل
كَفه لقَوْل أبي بكر: تقطع يَمِين السَّارِق من الْكُوع وحسمت وغمست وجوبا
فِي زَيْت مغلي، وَالْحكمَة فِي الغمس أَن الْعُضْو إِذا قطع فَغمسَ فِي
زَيْت مغلي استدت أَفْوَاه الْعُرُوق فَيَنْقَطِع الدَّم إِذْ لَو ترك
بِلَا غمس لنزف الدَّم فَأدى إِلَى مَوته. وَسن تَعْلِيقهَا ثَلَاثَة
أَيَّام إِن رَآهُ الإِمَام فَإِن عَاد من قطعت يمناه إِلَى السّرقَة قطعت
رجله الْيُسْرَى من
(2/767)
مفصل كَعبه بترك عقبَة نَص عَلَيْهِ، أما
قطع الرجل فلحديث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا فِي السَّارِق (إِن سرق
فَاقْطَعُوا يَده ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله) وَلِأَنَّهُ قَول أبي بكر
وَعمر وَلَا مُخَالف لَهما من الصَّحَابَة. وَأما كَونهَا الْيُسْرَى
فقياسا على الْمُحَاربَة وَلِأَنَّهُ أرْفق بِهِ لِأَن الْمَشْي على الرجل
الْيُمْنَى أسهل وَأمكن لَهُ من الْيُسْرَى. وَأما كَونه من مفصل كَعبه
وَترك عقبه فَلَمَّا رُوِيَ عَن عَليّ أَنه كَانَ يقطع من شطر الْقدَم
وَيتْرك عَقبهَا يمشي عَلَيْهِ وحسمت كَمَا تقدم فِي الْيَد، فَإِن عَاد
فَسرق بعد قطع يَده وَرجله [حبس حَتَّى يَتُوب] وَيحرم أَو يقطع. وَقَالَ
فِي الْإِقْنَاع: وَإِن وَجب قطع يمناه فَقطع الْقَاطِع يسراه بَدَلا عَن
يمناه أَجْزَأت وَلَا تقطع يمناه، وَأما الْقَاطِع فَإِن كَانَ قطعهَا من
غير اخْتِيَار من السَّارِق أَو كَانَ أخرجهَا السَّارِق دهشة أَو ظنا
مِنْهُ أَنَّهَا تُجزئه فَعَلَيهِ دِيَتهَا. وَإِن كَانَ السَّارِق أخرجهَا
اخْتِيَارا عَالما بالأمرين فَلَا شَيْء على الْقَاطِع وَلَا تقطع يمنى
السَّارِق. انْتهى. وَجزم بِهِ فِي التَّصْحِيح وَالنّظم وَقدمه فِي
الْمُنْتَهى. وَالْوَجْه الثَّانِي: تقطع جزم بِهِ فِي الْوَجِيز والتنقيح
وَهُوَ ظَاهر مَا قدمه فِي الْفُرُوع.
(2/768)
ويجتمع الْقطع وَالضَّمان فَيرد مَا سرق
لمَالِكه، وَإِن تلف فَمثل مثلي وَقِيمَة غَيره ويعمر مَا خربه من الْحِرْز
وَعَلِيهِ أُجْرَة قَاطع وَثمن زَيْت حسم وَمن سرق ثمرا أَو جمار نخل
وَهُوَ الكثر قبل إِدْخَال الْحِرْز كأخذه من رُءُوس نخل وَشَجر من غير حرز
غرم قِيمَته مرَّتَيْنِ وَلَا قطع،)
)
16 - (
16 - (أَو سرق مَاشِيَة من المرعى من غير حرز غرم قِيمَته مرَّتَيْنِ وَلَا
قطع، وَمن لم يجد مَا يَشْتَرِيهِ من نَحْو قوت أَو لم يجد مَا يَشْتَرِي
بِهِ الْقُوت زمن مجاعَة غلاء لم يقطع بِسَرِقَة مَا سَرقه نصا. وَإِذا سرق
الضَّيْف من مَال مضيفه من الْموضع الَّذِي أنزل فِيهِ أَو مَوضِع لم يحرزه
عَنهُ لم يقطع، أَو مُحرز عَنهُ فَإِن كَانَ مَنعه قراه فَسرق بِقَدرِهِ لم
يقطع وَإِلَّا قطع.
(2/769)
3 - (فصل)
فِي حد الْمُحَاربين. وهم قطاع الطَّرِيق المكلفون بالغين من الْمُسلمين
وَأهل الذِّمَّة وينتقض بِهِ عَهدهم وَلَو أُنْثَى أَو رَقِيقا الَّذين
يعترضون النَّاس بسلاح وَلَو عَصا أَو حجر فِي صحراء أَو بُنيان أَو بَحر
فيغصبون مَالا مُحْتَرما مجاهرة، فَخرج الصَّغِير وَالْمَجْنُون
وَالْحَرْبِيّ وَمن يعرض لنَحْو صيد أَو يعرض للنَّاس بِلَا سلَاح لأَنهم
لَا يمْنَعُونَ من قصدهم، وَخرج أَيْضا من يغصب نَحْو كلب أَو سرجين نجس
أَو مَال حَرْبِيّ وَنَحْوه وَمن يَأْخُذ خُفْيَة لِأَنَّهُ سَارِق، وَأما
الْمُحَارب فيعتصم بِالْقِتَالِ دون الْخفية. وهم [أَنْوَاع] أَرْبَعَة
أَشَارَ للْأولِ بقوله: فَمن قدر عَلَيْهِ مِنْهُم وَقد قتل إنْسَانا فِي
الْمُحَاربَة مكافئا لَهُ كَالْحرِّ الْمُسلم يقتل مثله أَو قتل غَيره أَي
غير مكافيء لَهُ كَوَلَد يقْتله أَبوهُ وقن يقْتله حر وذمي يقْتله مُسلم
وَكَانَ كل مَا ذكر بِقصد مَاله وَأخذ المَال عطف على قتل [قتل] حتما
لوُجُوبه لحق الله تَعَالَى كالقطع فِي السّرقَة ثمَّ صلب قَاتل [مكافيء]
دون غَيره وَهُوَ من يُقَاد بِهِ لَو قَتله فِي غير محاربة لقَوْله
تَعَالَى: 19 ((أَن يقتلُوا أَو يصلبوا))
(2/770)
حَتَّى يشْتَهر ليرتدع غَيره ثمَّ ينزل
وَيغسل ويكفن وَيصلى عَلَيْهِ ويدفن، ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَلَا يقطع
مَعَ ذَلِك. وَلَو مَاتَ أَو قتل قبل قَتله للمحاربة لم يصلب، وَلَو قتل
بَعضهم فَيثبت حكم الْقَتْل فِي حق جَمِيعهم. فَإِن قدر عَلَيْهِم قبل أَن
يتوبوا قتل من قتل وَمن لم يقتل من الْمُكَلّفين. وَإِن قتل بعض وَأخذ
المَال بعض تحتم قتل الْجَمِيع وصلبهم. وَالثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ
بقوله: وَمن قتل فَقَط لقصد المَال وَلم يَأْخُذ المَال قتل حتما وَلَا صلب
لِأَن جنايتهم بِالْقَتْلِ وَأخذ المَال تزيد على جنايتهم بِالْقَتْلِ
وَحده فَوَجَبَ اخْتِلَاف العقوبتين. الثَّالِث: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ
بقوله: وَمن أَخذ المَال أَي نِصَابا فَأكْثر لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ من
بَين الْقَافِلَة لَا عَن مُنْفَرد عَنْهَا فَقَط أَي وَلم يقتل أحدا قطعت
يَده أَي يَد كل من قطاع الطَّرِيق الْيُمْنَى ثمَّ رجله الْيُسْرَى
لقَوْله تَعَالَى 19 ((من خلاف)) ورفقا بِهِ فِي إِمْكَان مَشْيه فِي مقَام
وَاحِد حتما مُرَتبا وجوبا فَلَا ينظر بِقطع إِحْدَاهمَا اندمال الْأُخْرَى
لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمر بقطعهما بِلَا تعرض لتأخير وَالْأَمر للفور فتقطع
يمنى يَدَيْهِ وتحسم ثمَّ رجله الْيُسْرَى وتحسم وحسمتا وجوبا لحَدِيث 19
((اقطعوه واحسموه)) وخلى عَنهُ لِاسْتِيفَاء مَا لزمَه كمدين يُوفي دينه:
فَلَو كَانَت يَده الْيُسْرَى مفقودة أَو يَمِينه شلاء مَقْطُوعَة أَو
مُسْتَحقَّة فِي قَود قطعت رجله الْيُسْرَى فَقَط.
(2/771)
الرَّابِع: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله:
وَإِن أَخَاف السَّبِيل فَقَط أَي لم يقتل أحدا وَلَا أَخذ مَا يبلغ
نِصَابا مِمَّا لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ من حرزه نفي وشرد وَلَو قِنَا
لقَوْله تَعَالَى (أَو ينفوا من الأَرْض) فَلَا يتْرك يأوي إِلَى بلد
حَتَّى تظهر تَوْبَته وتنفي الْجَمَاعَة مُتَفَرِّقَة كل إِلَى جِهَة
لِئَلَّا يجتمعوا على الْمُحَاربَة ثَانِيًا. وَشرط لوُجُوب حد قطاع
الطَّرِيق ثَلَاثَة شُرُوط: أَحدهَا ثُبُوت ذَلِك أَي قطع الطَّرِيق
بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار مرَّتَيْنِ، وَالثَّانِي حرز بِأَن يَأْخُذهُ عَن
يَد مُسْتَحقَّة وَهُوَ بالقافلة فَلَو وجده مطروحا أَو أَخذ من سارقه أَو
غاصبه أَو مُنْفَرد عَن قافلة لم يكن مُحَاربًا، وَالثَّالِث نِصَاب يقطع
بِهِ السَّارِق وَهُوَ ثَلَاثَة دَرَاهِم فضَّة أَو ربع دِينَار ذَهَبا
وَمن تَابَ مِنْهُم أَي قطاع الطَّرِيق قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سقط عَنهُ
حق الله تَعَالَى من صلب وَقطع وَنفي وتحتم قتل لقَوْله تَعَالَى 19
((إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم فاعلموا أَن الله
غَفُور رَحِيم)) ، وَكَذَا خارجي وباغ مُرْتَد تَابَ قبل الْقُدْرَة
عَلَيْهِ. وَأما من تَابَ مِنْهُم بعد الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَلَا يسْقط
عَنهُ شَيْء مِمَّا وَجب عَلَيْهِ لمَفْهُوم قَوْله تَعَالَى 19 ((من قبل
أَن تقدروا عَلَيْهِم)) وَلِأَن ظَاهر حَال من تَابَ قبل الْقُدْرَة
عَلَيْهِ أَن تَوْبَته إخلاص وَأما بعدهمَا فَالظَّاهِر أَنَّهَا تَوْبَة
تقية من إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، وَإِن فِي قبُول تَوْبَته قبل
الْقُدْرَة ترغيبا لَهُ بِخِلَاف مَا بعْدهَا فَإِنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى
ترغيبه فِيهَا،
(2/772)
وَأخذ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول عطف على
سقط بِحَق آدَمِيّ إِن طلبه ربه من قصاص فِي نفس أَو دونهَا أَو غَرَامَة
مَال أَو دِيَة لَا قصاص فِيهِ وحد قذف كَمَا قبل الْإِسْلَام وَقَوله
تَعَالَى 19 ((قل للَّذين كفرُوا أَن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف))
وَحَدِيث (الْإِسْلَام يجب مَا قبله) فِي الْحَرْبِيين أَو فِي الْكفْر
جمعا بَين الْأَدِلَّة، وَمن وَجب عَلَيْهِ حد للَّه تَعَالَى كشرب وسرقة
فَتَابَ عَنهُ قبل ثُبُوته عِنْد حَاكم سقط عَنهُ بِمُجَرَّد تَوْبَته قبل
صَلَاح عمل. وَمن أُرِيد أَي قصد مَاله أَو أريدت نَفسه بقتل أَو بِفعل
الْفَاحِشَة أَو أريدت حرمته كَأُمِّهِ وَأُخْته ونحوهن بزنا أَو قتل وَلَو
لم يكافىء من أريدت نَفسه وَنَحْوهَا المريد فَلهُ دَفعه بأسهل مَا يظنّ
أَن ينْدَفع بِهِ، فَإِن ظن أَنه ينْدَفع بِضَرْب عَصا لم يكن لَهُ ضربه
بحديد، وَإِن ولى هَارِبا لم يكن لَهُ قَتله وَلَا اتِّبَاعه. وَإِن ضربه
فعطله لم يكن لَهُ أَن يثني عَلَيْهِ، وَإِن ضربه فَقطع يَمِينه فولى
هَارِبا فَضَربهُ فَقطع رجله فالرجل مَضْمُونَة بقصاص أَو دِيَة، فَإِن
مَاتَ بسراية القطعين فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة، وَإِن لم ينْدَفع المريد
الْأَذَى إِلَّا بِالْقَتْلِ أَو خَافَ ابْتِدَاء أَن يبدره بِالْقَتْلِ
إِن لم يعاجل بِالدفع أُبِيح قَتله وَقطع طرفه حِينَئِذٍ وَلَا ضَمَان
عَلَيْهِ، وَإِن قتل المصول عَلَيْهِ فَهُوَ شَهِيد مَضْمُون. وَيجب الدّفع
عَن حرمته إِن أريدت نصا، وَحُرْمَة غَيره وَكَذَا عَن نفس وَنَفس غَيره
فِي غير فتْنَة وَكَذَا
(2/773)
عَن مَال غَيره، قَالَ فِي الْمُنْتَهى
وَشَرحه: مَعَ ظن سلامتهما أَي الدَّافِع والمدفوع وَإِلَّا حرم. انْتهى.
وَهُوَ خلاف ظَاهر الْإِقْنَاع فَإِن قَالَ: وَلَا يلْزمه الدّفع عَن مَاله
وَلَا حفظه عَن الضّيَاع والهلاك كَمَال غَيره. انْتهى. وَله بذله لمن
أَرَادَهُ مِنْهُ ظلما.
ثمَّ أَخذ يتَكَلَّم على قتال الْبُغَاة والبغاة جمع بَاغ من الْبَغي أَي
الْجور وَالظُّلم والعدول عَن الْحق وَالْبَغي بتَشْديد الْيَاء
الزَّانِيَة ذَوُو أَصْحَاب شَوْكَة يخرجُون على الإِمَام لَو غير عدل
بِتَأْوِيل سَائِغ لَو لم يكن فيهم مُطَاع، سموا بغاة لعدولهم عَن الْحق
وَمَا عَلَيْهِ أَئِمَّة الْمُسلمين، وَالْأَصْل فِي قِتَالهمْ قَوْله
تَعَالَى 19 ((فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله))
وَمَتى اخْتَلَّ شَرط مِمَّا تقدم بِأَن كَانُوا جمعا يَسِيرا لَا شَوْكَة
لَهُم كالعشرة أَو لم يخرجُوا على الإِمَام أَو خَرجُوا بِلَا تَأْوِيل أَو
بِتَأْوِيل غير سَائِغ فهم قطاع طَرِيق. وَنصب الإِمَام فرض كِفَايَة،
وَيعْتَبر كَونه قرشيا مُكَلّفا سميعا بَصيرًا ناطقا عدلا حرا ذكرا عَالما
ذَا بَصِيرَة كَافِيا ابْتِدَاء ودواما للحرب والسياسة وَإِقَامَة
الْحُدُود، وَلَا تلْحقهُ رأفة فِي ذَلِك وَلَا فِي الذب عَن الْأمة،
وَالْإِمَام يَنْعَزِل بِفِسْقِهِ بِخِلَاف القَاضِي. فَيلْزمهُ الإِمَام
مراسلتهم أَي الْبُغَاة لِأَنَّهَا طَرِيق إِلَى الصُّلْح ولرجوعهم إِلَى
الْحق، وَيلْزمهُ [إِزَالَة مَا يَدعُونَهُ من شُبْهَة ومظلمة] لِأَنَّهَا
وَسِيلَة إِلَى الصُّلْح الْمَأْمُور بِهِ بقوله تَعَالَى (فأصلحوا
بَينهمَا) فَإِن فاءوا أَي رجعُوا عَن الْبَغي وَطلب
(2/774)
الْقِتَال تَركهم [وَإِلَّا] يفيئوا
قَاتلهم إِمَام قَادر على قِتَالهمْ لُزُوما لقَوْله تَعَالَى (فَقَاتلُوا
الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله) وعَلى رَعيته معونته، فَإِن
قَالَ لَهُ الْبُغَاة: أنظرنا مُدَّة حَتَّى نرى رَأينَا، وَرَجا فيئهم
أنظرهم وجوبا حفظا لدماء الْمُسلمين، وَإِن خَافَ مكيدة فَلَا وَلَو
أَعْطوهُ مَالا ورهنا، وَإِن تركُوا الْقِتَال حرم قَتلهمْ وَقتل مدبرهم
وجريحهم وَلَا يغنم مَا لَهُم وَلَا تسبى ذَرَارِيهمْ وَيجب رد ذَلِك
إِلَيْهِم، وَلَا يضمنُون مَا أتلفوه حَالَة الْحَرْب كَمَا لَا يضمن أهل
عدل مَا أتلفوه لبغاة حَالَته، ويضمنان مَا أتلفاه فِي غير حَرْب، وَمَا
أَخَذُوهُ حَال امتناعهم من زَكَاة وخراج وجزية اعْتد بِهِ لمَالِكه وَتقبل
بِلَا يَمِين دَعْوَى دفع زَكَاة إِلَيْهِم لَا جِزْيَة وَلَا خراج إِلَّا
بِبَيِّنَة، وهم فِي شَهَادَتهم وإمضاء حكمهم كَأَهل عدل. وَمن كفر أهل
الْحق وَالصَّحَابَة واستحل دِمَاء الْمُسلمين وَأَمْوَالهمْ بِتَأْوِيل
فهم خوارج بغاة فسقة ذكره فِي الْمُنْتَهى عَن الْفُرُوع قَالَ الشَّيْخ
تَقِيّ الدّين: نصوصه صَرِيحَة على عدم كفر الْخَوَارِج والقدرية والمرجئة
وَغَيرهم وَإِنَّمَا كفر الْجَهْمِية لَا أعيانهم، قَالَ: وَطَائِفَة تحكى
عَنهُ رِوَايَتَيْنِ فِي تَكْفِير أهل الْبدع مُطلقًا حَتَّى المرجئة
والشيعة المفضلة لعَلي رَضِي الله عَنهُ. وَعنهُ: كفار، قَالَ المنقع:
وَهُوَ أظهر. انْتهى. قَالَ فِي " الْإِنْصَاف " وَهُوَ الصَّوَاب
وَالَّذِي ندين الله بِهِ، انْتهى من " الْمُنْتَهى " و " شَرحه ".
(2/775)
وَإِن اقْتتلَتْ طَائِفَتَانِ لعصبية أَو
رياسة فهما ظالمتان تضمن كل طَائِفَة مَا تتلفه على الْأُخْرَى وضمنتا
سَوَاء مَا جهل متلفه كَمَا لَو قتل دَاخل بَينهمَا يصلح وَجَهل قَاتله،
وَإِن علم كَونه من طَائِفَة بِعَينهَا وَجَهل عينه ضمنته وَحدهَا بِخِلَاف
الْمَقْتُول فِي زحمة جَامع أَو طواف لِأَنَّهُ لَيْسَ فيهمَا تعد بِخِلَاف
الأول ذكره ابْن عقيل.
(2/776)
3 - (فصل)
فِي بَيَان حكم الْمُرْتَد فَقَالَ رَحمَه الله: [وَالْمُرْتَدّ] لُغَة
الرَّاجِع، يُقَال ارْتَدَّ فَهُوَ مُرْتَد إِذا رَجَعَ، قَالَ تَعَالَى 19
((وَلَا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين)) وَشرعا من كفر طَوْعًا وَلَو
كَانَ مُمَيّزا بعد إِسْلَامه، فَمَتَى ادّعى النُّبُوَّة أَو صدق من
ادَّعَاهَا كفر، لِأَنَّهُ يكذب الله تَعَالَى فِي قَوْله 19 ((وَلَكِن
رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين)) وَلِحَدِيث (لَا نَبِي بعدِي) وَفِي
الْخَبَر 19 ((لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج ثَلَاثُونَ دجالًا كلهم
يزْعم أَنه رَسُول الله)) أَو سبّ الله تبَارك وَتَعَالَى أَو أشرك بِهِ
أَو سبّ رَسُوله أَي رَسُولا من رسله، أَو سبّ ملكا كفر، لِأَنَّهُ لَا
يسبه إِلَّا وَهُوَ جَاحد بِهِ
(2/777)
أَو جحد ربوبيته تَعَالَى أَو وحدانيته أَو
جحد صفة ذاتية لَهُ تَعَالَى [من صِفَاته] الْعلية كَالْعلمِ والحياة، كفر
أَو جحد كتابا لَهُ أَو جحد رَسُولا لَهُ مجمعا عَلَيْهِ أَو ثَبت تواترا
لَا آحادا كخالد بن سِنَان أَو جحد ملكا لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مجمعا
عَلَيْهِ كفر، لِأَنَّهُ مكذب لله وَرَسُوله فِي ذَلِك لِأَن جحد بعض من
ذَلِك كجحد الْكل، أَو جحد الْبَعْث أَو جحد وجوب إِحْدَى الْعِبَادَات
الْخمس الْمشَار إِلَيْهَا بِحَدِيث (بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَات
أَلا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة
وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت) وَمِنْهَا الطَّهَارَة
فيكفر من جحد وُجُوبهَا وضُوءًا كَانَت أَو غسلا أَو تيمما أَو جحد حكما
ظَاهرا بَين الْمُسلمين بِخِلَاف السُّدس لبِنْت الابْن مَعَ بنت الصلب
مجمعا عَلَيْهِ إِجْمَاعًا قَطْعِيا لَا سكوتيا، لِأَنَّهُ فِيهِ شُبْهَة،
كجحد تَحْرِيم الزِّنَا أَو لحم الْخِنْزِير، أَو جحد حل خبز وَنَحْوه كلحم
مذكى أَو شكّ فِي تَحْرِيم الزِّنَا وَنَحْوه أَو فِي حل نَحْو خبز وَمثله
لَا يجهله أَو كَانَ يجهله وَعرف وأصر أَو سجد لكوكب أَو نَحوه أَو أَتَى
بقول أَو فعل صَرِيح فِي الِاسْتِهْزَاء بِالدّينِ أَو امتهن الْقُرْآن أَو
ادّعى اختلافه أَو الْقُدْرَة على مثله أَو أسقط حرفا مِنْهُ كفر لقَوْله
تَعَالَى
(2/778)
19 - ((أَفلا يتدبرون الْقُرْآن وَلَو
كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا)) ، وَلَا يكفر من
حكى كفرا سَمعه وَلَا يَعْتَقِدهُ. وَإِن ترك عبَادَة من الْخمس تهاونا
مَعَ إِقْرَاره بِوُجُوبِهَا لم يكفر إِلَّا بِالصَّلَاةِ أَو شَرط أَو ركن
لَهَا مجمع عَلَيْهِ إِذا دَعَاهُ الإِمَام أَو نَائِبه إِلَى شَيْء من
ذَلِك وَامْتنع من فعله حَتَّى تضايق وَقت الَّتِي بعْدهَا فَإِنَّهُ يكفر،
ويستتاب كمرتد ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن أصر قتل كفرا بِخِلَاف الزَّكَاة
وَالصِّيَام وَالْحج فَإِنَّهُ يقتل فِيهِنَّ حدا. فَمن ارْتَدَّ مُكَلّفا
مُخْتَارًا [ف] إِنَّه يَدعِي إِلَى الْإِسْلَام ويستتاب ثَلَاثَة أَيَّام
وجوبا وَيَنْبَغِي أَن يضيق عَلَيْهِ وَيحبس فَإِن تَابَ لم يُعَزّر وَلم
يحبط عمله وَإِن أصر على ردته وَلم يتب قتل بِالسَّيْفِ وَلَا يحرق
بالنَّار لحَدِيث (إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم
فَأحْسنُوا القتلة) وَحَدِيث (من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ وَلَا تعذبوه
بِعَذَاب الله) يَعْنِي النَّار. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد،
إِلَّا رَسُول كفار فَلَا يقتل وَلَو مُرْتَدا بِدَلِيل رَسُولي
مُسَيْلمَة، وَلَا يقْتله إِلَّا الإِمَام أَو نَائِبه فَإِن قَتله
غَيرهمَا أَسَاءَ وعزر لافتياته على أولى الْأَمر وَلَا ضَمَان وَلَو قبل
استتابته إِلَّا إِذا لحق بدار الْحَرْب فَلِكُل أحد أَن يقْتله وَيَأْخُذ
مَا مَعَه. وَيصِح إِسْلَام مُمَيّز يعقله وَيَأْتِي آخر الْكتاب فِي
الشَّرْح إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(2/779)
وَتَصِح ردته فَإِن أسلم حيل بَينه وَبَين
كفار، فَلَو قَالَ بعد إِسْلَامه لم أرد مَا قلته فَكَمَا لَو أرتد، وَلَا
يقتل هُوَ وسكران حَتَّى يستتابا بعد بُلُوغه وصحو ثَلَاثَة أَيَّام، وَإِن
مَاتَ فِي سكر أَو قبل بُلُوغه مَاتَ كَافِرًا، وَلَا تقبل ظَاهرا أَي
بِحَسب أَحْكَام الدُّنْيَا تَوْبَة مِمَّن سبّ الله تَعَالَى أَو سبّ
رَسُوله أَي رَسُولا لَهُ أَو ملكا لَهُ أَو تنقص أحدا مِنْهُم أَو أَي
وَلَا تقبل تَوْبَة مِمَّن تَكَرَّرت ردته لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِن
الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا كفرا لم
يكن الله ليغفر لَهُم وَلَا ليهديهم سَبِيلا)) وَقَوله تَعَالَى 19 ((وَإِن
الَّذين كفرُوا بعد إِيمَانهم ثمَّ ازدادوا كفرا لن تقبل تَوْبَتهمْ)) .
وَلَا تقبل ظَاهرا تَوْبَة من مُنَافِق وَهُوَ الَّذِي يظْهر الْإِسْلَام
ويخفي الْكفْر، وَلَا تقبل تَوْبَة سَاحر مكفر بِفَتْح الْفَاء
الْمُشَدّدَة بسحره كَالَّذي يركب المكنسة فِي الْهَوَاء لحَدِيث جُنْدُب
بن عبد الله مَرْفُوعا (حد السَّاحر ضربه بِالسَّيْفِ) ، وَمن أظهر
الْخَيْر وأبطن الْفسق فَهُوَ فِي تَوْبَته من فسقه كزنديق فِي تَوْبَته من
كفره فَلَا تقبل شَهَادَته وَنَحْوهَا. وتوبة مُرْتَد وكل كَافِر إِتْيَانه
بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَلَا يُغني قَوْله: مُحَمَّد رَسُول الله عَن كلمة
التَّوْحِيد. وَلَا بُد من إِقْرَار جَاحد بِفَرْض أَو تَحْلِيل أَو
تَحْرِيم أَو كتاب أَو رِسَالَة مُحَمَّد إِلَى غير الْعَرَب بِمَا جَحده.
وَقَوله:
(2/780)
أَنا مُسلم تَوْبَة، وَإِن شهد إثنان على
مُسلم أَنه كفر فَادّعى الْإِكْرَاه قبل مَعَ قرينَة فَقَط، وَلَو شهد
عَلَيْهِ بِكَلِمَة كفر فَادّعى الْإِكْرَاه قبل مُطلقًا أَي بِقَرِينَة
وَغَيرهَا. وَإِن أكره ذمِّي على إِقْرَار بِإِسْلَام لم يَصح، وَقَول من
شهد عَلَيْهِ بردة أَنا بَرِيء من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام تَوْبَة،
وَإِن كتب كَافِر الشَّهَادَتَيْنِ، أَو قَالَ: أسلمت أَو أَنا مُسلم أَو
أَنا مُؤمن صَار مُسلما، فَلَو قَالَ: لم أعلم الْإِسْلَام أَو لم أعتقده
صَار مُرْتَدا وأجبر على الْإِسْلَام، نَص عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يعلي
الصَّغِير فِي مفرداته: لَا خلاف أَن الْكَافِر لَو قَالَ أَنا مُسلم وَلَا
أنطق بِالشَّهَادَتَيْنِ لم يحكم بِإِسْلَامِهِ. انْتهى. وَمن قَالَ
لكَافِر: أسلم وَخذ ألفا فَأسلم فَلم يُعْطه فَأبى الْإِسْلَام قتل،
وَيَنْبَغِي أَن يَفِي بِمَا وعده. وَمن أسلم على أقل من الصَّلَوَات
الْخمس قبل مِنْهُ وطولب بالخمس. وَمن ارْتَدَّ لم يزل ملكه عَن مَاله
فَيملك التَّمَلُّك وَيمْنَع من التَّصَرُّف فِي مَاله وَيَقْضِي مِنْهُ
دُيُونه وأروش جناياته وَينْفق مِنْهُ عَلَيْهِ وعَلى من تلْزمهُ نَفَقَته
فَإِن أسلم فَمَاله لَهُ وَإِلَّا صَار فَيْئا من حِين مَوته مُرْتَدا،
وَإِن لحق بدار حَرْب فَهُوَ وَمَا مَعَه كحربي. وَيُؤْخَذ مُرْتَد بِحَدّ
أَتَاهُ فِي ردته لَا بِقَضَاء مَا ترك فِيهَا من عبَادَة. وَتجب
التَّوْبَة فَوْرًا على كل مذنب فِي كل وَقت من كل ذَنْب كَبِير أَو
صَغِير، وَهِي أَي التَّوْبَة إقلاع عَن الذَّنب وَنَدم على فعله وعزم على
أَن لَا يعود لذنب فَهَذِهِ ثَلَاثَة شُرُوط للتَّوْبَة، وَقد تزيد شرطا
رَابِعا مَعَ هَذِه الثَّلَاثَة، كَمَا إِذا كَانَت مظْلمَة فَلَا بُد من
التَّوْبَة من رد مظْلمَة
(2/781)
لصَاحِبهَا لتبرأ ذمَّته مِنْهَا، لِأَن
حُقُوق الْعباد مَبْنِيَّة على المشاحة، وَلَا يجب استحلال من نَحْو غيبَة
وَقذف كشتم وَسَب، وَظَاهره بلغَة أَو لم يبلغهُ لِأَن فِيهِ زِيَادَة غم.
وَيحرم تعلم السحر وتعليمه وَفعله، وَهُوَ عقد ورقى وَكَلَام يتَكَلَّم
بِهِ أَو يَكْتُبهُ أَو يعْمل شَيْئا يُؤثر فِي بدن المسحور أَو قلبه أَو
عقله من غير مُبَاشرَة لَهُ، وَله حَقِيقَة فَمِنْهُ مَا يقتل وَمَا يمرض
وَمَا يَأْخُذ الرجل عَن زَوجته فيمنعه من وَطئهَا أَو يعْقد المتزوج فَلَا
يُطيق وَطأهَا، وَمَا كَانَ مثل فعل لبيد بن الأعصم حِين سحر النَّبِي فِي
مشط ومشاطة، أَو يسحره حَتَّى يهيم بَين الوحوش، وَمِنْه مَا يفرق بَين
الْمَرْء وَزَوجته وَمَا يبغض أَحدهمَا إِلَى الآخر أَو يحبب بَين
اثْنَيْنِ. وَيكفر السَّاحر بتعليمه وَفعله سَوَاء اعْتقد تَحْرِيمه أَو
إِبَاحَته كَالَّذي يركب المكنسة وَغَيرهَا فتسير بِهِ فِي الْهَوَاء أَو
يدعى أَن الْكَوَاكِب تخاطبه. وَيقتل إِن كَانَ مُسلما، وَكَذَا من يعْتَقد
حلّه من الْمُسلمين فَيقْتل كفرا وَلَا يقتل ساحرا ذمِّي إِلَّا أَن يقتل
بِهِ وَيكون مِمَّا يقتل غَالِبا فيقتص مِنْهُ، فَأَما من يسحر بأدوية
وتدخين وَسقي شَيْء يضر فَإِنَّهُ لَا يكفر وَلَا يقتل، وَيُعَزر بليغا دون
الْقَتْل إِلَّا أَن يقتل غَالِبا فيقتص مِنْهُ وَإِلَّا فَالدِّيَة، وَأما
الَّذِي يعزم على الْجِنّ وَيَزْعُم أَنه يجمعها وَتُطِيعهُ فَلَا يكفر
وَلَا يقتل، وَيُعَزر بليغا دون الْقَتْل. وَالله الْمُوفق إِلَى الْخَيْر.
(2/782)
3 - (فصل)
فِي مَا يُبَاح من الْأَطْعِمَة وَمَا يحرم. وكل طَعَام مُبْتَدأ وَهُوَ
مَا يُؤْكَل وَيشْرب طَاهِر صفة لطعام خرج النَّجس والمتنجس لَا مضرَّة
فِيهِ احْتِرَاز من السمُوم، وَذَلِكَ كالحبوب وَالثِّمَار وَغَيرهمَا من
سَائِر المأكولات حَتَّى الْمسك والفاكهة المسوسة أَو المدودة حَلَال خبر
واصله الْحل قَالَ الله تَعَالَى 19 ((هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي
الأَرْض جَمِيعًا)) وَحرم نجس صرح بِالْمَفْهُومِ. وَلَو لم يكن فِيهِ
مضرَّة كَدم وميتة لقَوْله تَعَالَى 19 ((حرمت عَلَيْكُم الْميتَة
وَالدَّم)) وَلِأَن أكل الْميتَة أقبح من الإدهان بدهنها وَأَن يستصبح بِهِ
وهما حرامان، فَلِأَن يحرم مَا هُوَ أقبح بِالطَّرِيقِ الأولى. وَحرم
أَيْضا لحم خِنْزِير بِلَا خلاف بَين الْمُسلمين لقَوْله تَعَالَى 19
((وَلحم الْخِنْزِير)) وَكَذَا الْبَوْل والروث وَحرم مُضر كسم وَحرم من
حَيَوَان بر حمر أَهْلِيَّة وفيلة وَمَا يفترس أَي ينهش بنابه كأسد ونمر
وفهد وثعلب على الْأَصَح [وَابْن آوى] وَابْن عرس وذئب وكلب وقرد ودب ونمس
وسنور أهليا كَانَ أَو وحشيا وسنجاب وفنك بِفَتْح الْفَاء وَالنُّون وسمور،
وَلَا يحرم [ضبع] بِضَم الْبَاء وَيجوز إسكانها وَجمعه ضباع لوُرُود
الرُّخْصَة فِيهِ،
(2/783)
وَحرم من طير مَا يصيد بمخلب كعقارب وصقر
وباز وباشق وشاهين وحدأة وبوم وَحرم من طير مَا يَأْكُل الْجِيَف كنسر ورخم
ولقلق طَائِر نَحْو [الأوزة] طَوِيل الْعُنُق يَأْكُل الْحَيَّات، وعقعق
وَهُوَ القاق، وغراب الْبَين والأبقع وَحرم مَا تستخبثه الْعَرَب ذَوُو
الْيَسَار وهم أهل الْحجاز من أهل الْأَمْصَار، لأَنهم أولو النهى
وَعَلَيْهِم نزل الْكتاب وخوطبوا بِهِ وبالسنة فَرجع فِي مُطلق ألفاظها
إِلَى عرفهم دون غَيرهم بِخِلَاف الجفاة من أهل الْبَوَادِي، لأَنهم
للمجاعة يَأْكُلُون مَا وجدوه كوطواط وَيُسمى خفاشا وخشافا، قَالَ الإِمَام
16 (أَحْمد) : وَمن يَأْكُل الخشاف. وقنفذ لحَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ ذكر
الْقُنْفُذ لرَسُول الله فَقَالَ: هُوَ خَبِيث من الْخَبَائِث. رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد ونيص هُوَ عَظِيم القنافذ قدر السخلة على ظَهره شوك طَوِيل
نَحْو ذِرَاع. وحية وفار وزنبور وَنحل وذباب وهدهد وفراش وخطاف وحشرات وكل
مَا أَمر الشَّارِع بقتْله أَو نهى عَنهُ، وَحرم مَا تولد من مَأْكُول
وَغَيره كبغل متولد من خيل وحمر أهليه، وحمار متولد بَين حمَار أَهلِي
وَوَحْشِي، وَسمع بِكَسْر السِّين وَسُكُون الْمِيم ولد الضبع من ذِئْب.
وَمَا تجهله الْعَرَب من الْحَيَوَان وَلَا ذكر لَهُ فِي الشَّرْع يرد
إِلَى أقرب
(2/784)
الْأَشْيَاء شبها بِهِ بالحجاز فَإِن أشبه
محرما أَو حَلَالا ألحق بِهِ وَإِن أشبه مُبَاحا ومحرما غلب التَّحْرِيم.
وَمَا تولد من مَأْكُول طَاهِر كذباب باقلاء ودود خل والجبن يُؤْكَل تبعا
لَا مُنْفَردا. وَيُبَاح مَا عدا هَذَا كبهيمة النعام والوحوش كزرافة وأرنب
ووبر ويربوع نصا وبقر وَحش وحمره وضب وظباء وَبَاقِي الطير كنعام ودجاج
وطاووس وببغاء وَهِي الدرة وزاغ وغراب زرع وَيُبَاح حَيَوَان بَحر كُله سوى
ضفدع فَيحرم نصا وَاحْتج بِالنَّهْي عَن قَتله واستخباثها فَيدْخل فِي
قَوْله تَعَالَى 19 ((وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث)) وَسوى تمساح نصا
لِأَن لَهُ نابا يفترس بِهِ وَسوى حَيَّة لِأَنَّهَا من المستخبثات. وَتحرم
الْجَلالَة وَهُوَ الَّتِي أَكثر عَلفهَا النَّجَاسَة وَيحرم لَبنهَا
وبيضها، وَيكرهُ ركُوبهَا لأجل عرقها حَتَّى تحبس ثَلَاثًا وَتطعم
الطَّاهِر وتمنع من النَّجَاسَة طائرا كَانَت أَو بَهِيمَة وَتقدم بعضه فِي
إِزَالَة النَّجَاسَة، وَمثله خروف ارتضع من كلبة ثمَّ شرب لنا طَاهِرا.
وَيُبَاح أَن يعلف النَّجَاسَة مَا لم يذبح ويحلب قَرِيبا، وَمَا سقى أَو
سمد بِنَجس من زرع وثمر فَيحرم نصا حَتَّى يسقى بِمَاء طَاهِر يستهلك عين
النَّجَاسَة، وَيكرهُ أكل تُرَاب وفحم وطين وغدة وَأذن قلب، وبصل وثوم
وَنَحْوهمَا مَا لم ينضج وَحب ديس بحرم أَهْلِيَّة نصا. وَتكره مذاومة أكل
لحم قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: قلت ومداومة تَركه لِأَن كلا مِنْهُمَا
يُورث قسوة الْقلب. انْتهى.
(2/785)
وَلحم منتن ونيء ذكره فِي " الْإِقْنَاع ":
وَخَالفهُ فِي " الْمُنْتَهى " فَقَالَ: لَا لحم نيء وَلَا منتن.) وَيحرم
ترياق فِيهِ لُحُوم الْحَيَّات أَو الْخمر، وتداو بألبان حمر وكل محرم غير
بَوْل إبل. وَسُئِلَ الإِمَام أَحْمد عَن الْخبز فَقَالَ: يُؤْكَل من كل
أحد، فَقيل لَهُ عَن الْخبز الَّذِي تَصنعهُ الْمَجُوس فَقَالَ: مَا
أَدْرِي. وَمن اضْطر بِأَن خَافَ التّلف إِن لم يَأْكُل نقل 16 (حَنْبَل) :
إِذا علم أَن النَّفس تكَاد تتْلف، وَفِي الْمُنْتَخب: أَو مَرضا أَو
انْقِطَاعًا عَن الرّفْقَة أَي بِحَيْثُ يَنْقَطِع فَيهْلك كَمَا فِي
الرِّعَايَة أكل وجوبا نصا لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تلقوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة)) قَالَ مَسْرُوق: من اضْطر فَلم يَأْكُل
وَلم يشرب فَمَاتَ، دخل النَّار من محرم مُتَعَلق بِأَكْل غير سم وَمُضر
مَا مفعول لأكل يسد رمقه بِفَتْح الْمِيم وَالْقَاف أَي بَقِيَّة روحه أَو
قوته بعد أكله مَا لم يكن فِي سفر محرم كسفر لقطع طَرِيق أَو زنا وَنَحْو
ذَلِك فَإِن كَانَ فِيهِ فَلَا، وَحَيْثُ أُبِيح الْأكل جَازَ التزود إِن
خَافَ الْحَاجة، قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَلَيْسَ لَهُ الشِّبَع، كَمَا
فَوق الشِّبَع، وَقَالَ الْمُوفق وَتَبعهُ جمَاعَة إِن كَانَت الضَّرُورَة
مستمرة جَازَ الشِّبَع وَإِن كَانَت مرجوة الزَّوَال فَلَا. انْتهى. وَيجب
تَقْدِيم السُّؤَال على أكله الْمحرم نصا خلافًا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين
فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب السُّؤَال وَلَا يَأْثَم وَإنَّهُ ظَاهر
الْمَذْهَب. انْتهى. وَإِن وجد ميتَة وَطَعَامًا يجهل مَالِكه أَو وجد
ميتَة حَيا أَو ميتَة أَو بيض صيد سليما وَهُوَ محرم قدم الْميتَة، لِأَن
فِيهَا جِنَايَة وَاحِدَة وَهُوَ مَنْصُوص عَلَيْهَا وَيقدم عَلَيْهَا لحم
صيد ذبحه محرم، وَيقدم على
(2/786)
صيد حى طَعَاما يجهل، وَيقدم مُضْطَر محرم
أَو غَيره ميتَة مُخْتَلفا فِيهَا كمتروك التَّسْمِيَة عمدا، وثعلبا ذبح
على مجمع على تَحْرِيمهَا. ويتحرى فِي مذكاة اشتبهت بميتة. وَمن لم يجد
إِلَّا طَعَام غَيره فربه الْمُضْطَر أَو الْخَائِف أَن يضْطَر أَحَق بِهِ
وَلَيْسَ لَهُ إيثاره لِئَلَّا يلقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة، وَإِن
لم يكن مُضْطَرّا لزمَه بذل مَا يسد رمقه فَقَط بِقِيمَتِه نصا وَلَو فِي
ذمَّة مُعسر، فَإِن أَبى بذله أَخذه بالأسهل ثمَّ قهرا وَيُعْطِيه عوضه
مثله أَو قِيمَته يَوْم أَخذه فَإِن مَنعه فَلهُ قِتَاله عَلَيْهِ فَإِن
قتل الْمُضْطَر ضمن رب الطَّعَام بِخِلَاف عَكسه فَإِنَّهُ هدر. وَمن اضْطر
إِلَى نفع مَال الْغَيْر مَعَ بَقَاء عينه كَثوب لبرد وحبل ودلو للاستقاء
وَجب بذله مجَّانا مَعَ عدم حَاجته. وَمن لم يجد إِلَّا مُبَاح الدَّم
كحربي وزان مُحصن ومرتد فَلهُ قَتله وَأكله لَا أكل مَعْصُوم ميت، أَو عضوا
من أَعْضَاء نَفسه. وَمن مر بثمرة بُسْتَان لَا حَائِط عَلَيْهِ وَلَا
نَاظر فَلهُ الْأكل وَلَو بِلَا حَاجَة مجَّانا من غير صعُود على شَجَرَة
وَلَا ضربه أَو رميه بِشَيْء نصا. وَلَا يحمل وَلَا يَأْكُل من جنى إِلَّا
لضَرُورَة، وَكَذَا زرع قَائِم وَشرب لبن، وَألْحق جمَاعَة بذلك باقلاء
وحمصا أخضرين. قَالَ المنقح: وَهُوَ قوي. وَيلْزم مُسلما لَا ذِمِّيا
ضِيَافَة مُسلم لَا ذمِّي مُسَافر لَا مُقيم فِي قَرْيَة لَا مصر يَوْمًا
وَلَيْلَة قدر كِفَايَته مَعَ أَدَم، وَفِي الْوَاضِح: لفرسه تبن
(2/787)
لَا شعير. قَالَ فِي الْفُرُوع:
وَيتَوَجَّهُ وَجه كأدمه، وَأوجب شَيخنَا الْمَعْرُوف عَادَة، قَالَ:
كَزَوْجَة وَقَرِيب ورقيق. انْتهى. وَيجب إنزاله فِي بَيته مَعَ عدم
مَسْجِد وَنَحْوه كخان ورباط، فَإِن أَبى فللضيف طلبه بِهِ عِنْد حَاكم،
فَإِن تعذر جَازَ لَهُ الْأَخْذ من مَاله بِقدر مَا وَجب لَهُ. وَتسن
الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن. وَالْمرَاد يَوْمَانِ مَعَ
الْيَوْم الأول، وَمَا زَاد فصدقة. وَأول من أضَاف الضَّيْف إِبْرَاهِيم
الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام. وَلَيْسَ لضيفان قسم طَعَام قدم إِلَيْهِم.
وَمن امْتنع من الطَّيِّبَات بِلَا سَبَب شَرْعِي فَهُوَ مُبْتَدع
مَذْمُوم، فَإِن كَانَ لسَبَب فِيهِ شَرْعِي كطيب فِيهِ شُبْهَة أَو
عَلَيْهِ فِيهِ كلفة فَلَا بدع. وَمَا نقل عَن الإِمَام أَحْمد أَنه امْتنع
من أكل بطيخ لعدم علمه بكيفية أكل النَّبِي فكذب، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ
الدّين.
(2/788)
3 - (فصل)
. الذَّكَاة لُغَة تَمام الشَّيْء، وَمِنْه الذكاء فِي السن أَي تَمَامه.
سمى الذّبْح ذَكَاة لِأَنَّهُ إتْمَام لزهوق الرّوح، وَشرعا ذبح حَيَوَان
مَقْدُور عَلَيْهِ مُبَاح أكله يعِيش فِي الْبر. لَا يُبَاح حَيَوَان يعِيش
فِي الْبر غير جَراد وَشبهه كالدبا إِلَّا بذكاته بِقطع حلقوم ومريء أَو
عقر مُمْتَنع، وَيُبَاح وجراد وَشبهه وسمك وَمَا يعِيش فِي المَاء
بِدُونِهَا وَلَا يُبَاح مَا يعِيش فِي المَاء وَالْبر كسلحفاة وسرطان وكلب
مَاء إِلَّا بهَا وذكاة سرطان أَو يفعل مَا يَمُوت بِهِ. وَكره الإِمَام 16
(أَحْمد) شي السّمك الْحَيّ لَا الْجَرَاد الْحَيّ وَيحرم بلع السّمك حَيا،
ذكره ابْن حزم إِجْمَاعًا، وَفِي الْمُغنِي وَالشَّرْح: وشروطهما أَي
الذَّكَاة أَرْبَعَة: أَحدهَا: كَون ذابح أَو ناحر عَاقِلا ليَصِح مِنْهُ
قصد التذكية وَلَو معتديا كغاصب أَو مُمَيّزا أَو مكْرها أَو قِنَا أَو
أُنْثَى أَو خُنْثَى أَو حَائِضًا أَو نفسَاء أَو فَاسِقًا وَلَو كتابيا
حَرْبِيّا أَو من نَصَارَى بني تغلب لَا من أحد أصليه غير كتابي تَغْلِيبًا
للتَّحْرِيم، وَلَا ذَبِيحَة وثنى ومجوسي وزنديق ومرتد وسكران.
(2/789)
وَالثَّانِي: الْآلَة وَهِي كل محدد حَتَّى
حجر لَهُ حد أَو قصب أَو خشب وَذهب وَفِضة وَعظم غير سنّ وظفر نصا لحَدِيث
(مَا أنهر الدَّم فَكل، لَيْسَ السن وَالظفر) مُتَّفق عَلَيْهِ، وَلَو
مَغْصُوبًا لعُمُوم الْخَيْر. وَالثَّالِث: قطع حلقوم وَهُوَ مجْرى النَّفس
وَقطع مريء بِالْمدِّ وَهُوَ مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب وَهُوَ تَحت
الْحُلْقُوم سَوَاء كَانَ الْقطع فَوق الغلصمة وَهِي الْموضع الناتيء فِي
الْحلق أَو دونهَا وَلَا يشْتَرط قطع شَيْء غَيرهمَا وَلَا إبانتهما بل
يَكْفِي قطع الْبَعْض مِنْهُمَا وَلَا يضر رفع يَده إِن عَاد فَأَتمَّ
الذَّكَاة على الْفَوْر وَسن قطع الودجين وَلَا يشْتَرط، وهما عرقان محيطان
بالحلقوم، وَالْأولَى قطعهمَا خُرُوجًا من الْخلاف فَإِن قطع رَأسه حل
سَوَاء كَانَ من جِهَة وَجهه أَو قَفاهُ أَو غَيرهمَا، وَمَا ذبح من قَفاهُ
وَلَو عمدا إِن أَتَت الْآلَة على مَحل الذّبْح وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة
حل بذلك وَإِلَّا فَلَا، وَمَا أَصَابَهُ سَبَب موت من منخنقة وموقوذة
ومتردية ونطيحة وأكيلة سبع ومريضة وَمَا صيد بشبكة أَو فخ أَو أنقذه من
مهلكة، إِن ذكاه وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة كترحيك يَده أَو رجله أَو طرف
عينه وَنَحْو ذَلِك حل، وَمَا قطع حلقومه أَو أبينت حشوته فوجود حَيَاته
كعدمها، وَمَا عجز عَنهُ أَي عَن ذبحه كواقع فِي بِئْر ومتوحش مثل أَن يند
الْبَعِير ومترد من علو فَلَا يقدر المذكي على ذبحه يَكْفِي جرحه حَيْثُ
كَانَ أَي فِي أَي مَوضِع أمكنه من بدنه وَهَذَا قَول أَكثر الْفُقَهَاء،
فَإِن أَعَانَهُ أَي الْجرْح على قَتله غَيره ككون رَأسه الْوَاقِع فِي
نَحْو بِئْر فِي المَاء وَنَحْوه مِمَّا يقتل لَو انْفَرد لم يحل لحُصُول
الْقَتْل بمبيح وحاظر فغلب الخظر كَمَا لَو اشْترك مُسلم ومجوسي فِي ذبحه.
(2/790)
وَالرَّابِع: قَول باسم الله عِنْد
تَحْرِيك يَده أَي الذَّابِح بِذبح، وَذكر جمَاعَة: وَعند الذّبْح قَرِيبا
مِنْهُ وَلَو فصل بِكَلَام، كالتسمية على الطَّهَارَة. وَلَا يقوم غَيرهَا
مقَامهَا كتسبيح وَنَحْوه، واختص بِلَفْظ الله لِأَن إِطْلَاق التَّسْمِيَة
ينْصَرف إِلَيْهِ، ويجزىء بِغَيْر الْعَرَبيَّة وَلَو أحْسنهَا لِأَن
الْمَقْصُود ذكر الله تَعَالَى، وَقِيَاسه الْوضُوء وَالْغسْل
وَالتَّيَمُّم، بِخِلَاف التَّكْبِير فَإِن الْمَقْصُود لَفظه، وتجزىء
إِشَارَة أخرس بِرَأْسِهِ أَو طرفه إِلَى السَّمَاء لقِيَامه مقَام نطقه
[وَتسقط] التَّسْمِيَة سَهوا و [لَا] تسْقط هَهُنَا [جهلا] .
تَنْبِيه: يضمن أجِير ترك التَّسْمِيَة إِن حرمت الذَّبِيحَة. قَالَ فِي
النَّوَادِر: لغير شَافِعِيّ. وَفِي الْفُرُوع: يتَوَجَّه يضمن النَّقْص
إِن حلت. انْتهى. وَمن ذكر مَعَ اسْم الله تَعَالَى اسْم غَيره حرم وَلم
يحل، وَتحصل ذَكَاة جَنِين مبرح خرج من بطن أمه المذكاة مَيتا وَنَحْوه
كَمَا لَو خرج متحركا مَذْبُوح وساء نبت شعره أَو لَا [بِذَكَاة أمه] .
وَاسْتحبَّ الإِمَام أَحْمد أَن يذبحه ليخرج دَمه، وَلم يبح مَعَ حَيَاة
مُسْتَقِرَّة إِلَّا بذَبْحه نصا. وَلَا يُؤثر جَنِين محرم الْأكل كسمع فِي
ذَكَاة أمه الْمُبَاحَة وَهِي الضبع، لِأَن تبع فَلَا يمْنَع حل متبوعة.
وَمن وجأ بطن أم جَنِين
مسميا فَأصَاب مذبحه فَهُوَ مذكى وَالأُم ميتَة، وكرهت الذَّكَاة بِآلَة
كالة، لِأَن الذّبْح بالكالة تَعْذِيب للحيوان، وَكره حَدهَا أَي الْآلَة
بِحَضْرَة حَيَوَان مذكى، وَكره سلخ حَيَوَان مذكى وَكسر عنق قبل زهوق
نَفسه، وَكره نفخ لحم بيع لِأَنَّهُ
(2/791)
غش، وَسن تَوْجِيهه أَي المذكى إِلَى
الْقبْلَة فَإِن كَانَ لغَيْرهَا حل وَلَو عمدا وَكَونه [على شقَّه
الْأَيْسَر] ، وَسن رفق بِهِ وَحمل على الْآلَة بِقُوَّة وإسراع بالشحط،
وَسن مَعَ قَوْله باسم الله تَكْبِير لما ثَبت أَن النَّبِي كَانَ إِذا ذبح
قَالَ (باسم الله وَالله أكبر) وَكَانَ ابْن عمر يَقُوله، وَلَا خلاف أَن
قَول (باسم الله) يَكْفِيهِ. وَلَا تسن الصَّلَاة على النَّبِي.
(2/792)
3 - (فصل)
. الصَّيْد مصدر صَاد يصيد، وَشرعا اقتناص حَيَوَان حَلَال متوحش طبعا غير
مَقْدُور عَلَيْهِ، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا المصيود، وَهُوَ مُبَاح
إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى 19 ((يسئلونك مَاذَا أحل لَهُم قل أحل لكم
الطَّيِّبَات وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين)) الْآيَة، فَقَالَ
رَحمَه الله: الصَّيْد مُبَاح لقاصده وَيكرهُ لهوا، وَهُوَ أفضل مَأْكُول
والزراعة أفضل مكتسب، وَأفضل التِّجَارَة فِي بز وعطر وغرس وَزرع وماشية،
وأبغضها ورقيق وَصرف، وَأفضل الصِّنَاعَة خياطَة، وَنَصّ الإِمَام أَحْمد
رَحمَه الله أَن كل مَا نصح فِيهِ فَهُوَ حسن وَأَدْنَاهُ حياكة وحجامة
وَنَحْوهمَا، وأشدها كَرَاهَة صبغ وصياغة وحدادة وَنَحْوهَا. وَمن أدْرك
صيدا مجروحا متحركا فَوق حَرَكَة مَذْبُوح واتسع الْوَقْت لتذكيته لم يبح
إِلَّا بهَا وَلَو خشى مَوته وَلم يجد مَا يذكيه بِهِ، وَإِن امْتنع بعدوه
فَلم يتَمَكَّن من ذبحه حَتَّى مَاتَ تعبا فحلال بِشُرُوطِهِ الْآتِيَة
لِأَنَّهُ غير مَقْدُور عَلَيْهِ أشبه مَا لَو أدْركهُ مَيتا وَإِن لم
يَتَّسِع الْوَقْت لتذكيته فكميت يحل بِشُرُوطِهِ.
(2/793)
وشروطه أَي الصَّيْد أَرْبَعَة أَحدهَا:
كَون صائد من أهل ذَكَاة أَي تحل ذَبِيحَته وَلَو أعمى، فَلَا يحل صيد
شَارك فِي صَيْده من لَا تحل ذَبِيحَته كمجوسي ومتولد بَينه وَبَين كتابي.
وَالثَّانِي: الْآلَة وَهِي نَوْعَانِ: أَحدهمَا: آلَة ذَكَاة وَيشْتَرط
جرحه بهَا فَإِن قَتله بثقله كشبكة وعصا وفخ وبندقة وَلَو مَعَ شدخ أَو قطع
حلقوم ومريء لم يبح، وَمن نصب سكينا أَو منجلا أَو نَحْوهمَا مسميا حل مَا
قَتله بِجرح وَلَو بعد موت ناصب أَو ردته، فَإِن لم يقْتله بجرحه لم يحل
وَمَا رمى من صيد فَوَقع فِي مَاء أَو تردى من علو أَو وطيء عَلَيْهِ شَيْء
وكل ذَلِك مِمَّا يقتل مثله لم يحل وَلَو مَعَه أَي جرحه، وَإِن رَمَاه
بالهواء أَو على شَجَرَة حَائِط فَسقط أَو غَابَ مَا عقر وَأُصِيب يَقِينا
وَلَو لَيْلًا ثمَّ وجد وَلَو بعد مَوته مَيتا حل كَمَا لَو وجد بِفَم
جارحه أَو وَهُوَ يعبث بِهِ أَو فِيهِ سَهْمه. وَلَا يحل مَا وجد أثرا آخر
يحْتَمل إعانته على قَتله كَأَكْل سبع. وَيحرم عُضْو أبانه صائد من صيد
بمحدد مِمَّا بِهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة لحَدِيث (مَا أبين من حَيّ فَهُوَ
ميتَة) ، فَإِن مَاتَ الصَّيْد فِي الْحَال حل كَمَا لَو لم تبْق فِيهِ
حَيَاة مُسْتَقِرَّة.
(2/794)
وَالنَّوْع الثَّانِي: من آلَة الصَّيْد
مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَو جارح معلم سَوَاء كَانَ مِمَّا يصيد كفهد
وكلب أَو بمخلبه من الطير كصقر وباز وَنَحْوهمَا غير كلب أسود بهيم وَهُوَ
مَا لَا بَيَاض فِيهِ نصا فَيحرم صَيْده نصا كَغَيْر الْمعلم إِلَّا أَن
يُدْرِكهُ فِي الْحَيَاة فيذكي، لِأَنَّهُ أَمر بقتْله وَقَالَ: إِنَّه
شَيْطَان رَوَاهُ مُسلم، وَيحرم اقتناؤه وتعليمه، وَيسن قَتله وَلَو معلما،
وَكَذَا الْخِنْزِير، وَيحرم الِانْتِفَاع، وَفِي الْمُنْتَهى: يُبَاح
قَتله أَي الْكَلْب الْأسود البهيم، وَيجب قتل الْعَقُور وَلَو معلما
وَيحرم اقتناؤه. قَالَ فِي الغنية: وَيحرم تَركه قولا وَاحِدًا لَا إِن
عقرت كلبة من قرب وَلَدهَا أَو خرقت ثَوْبه بل تنقل وَلَا يُبَاح قتل
غَيرهمَا، وَهُوَ أَي تَعْلِيم مَا يصيد بنابه ثَلَاثَة أَشْيَاء أَن
يسترسل إِذا أرسل وينزجر إِذا زجر قَالَ فِي الْمُغنِي: لَا فِي وَقت
رُؤْيَة الصَّيْد، وَمَعْنَاهُ فِي الْوَجِيز وَإِذا أمسك صيدا لم يَأْكُل
مِنْهُ وَلَا يعْتَبر تكَرر ذَلِك مِنْهُ، فَلَو أكل بعد لم يخرج عَن كَونه
معلما وَلم يحرم مَا تقدم من صَيْده وَلم يبح صيد أكل مِنْهُ، وَيجب غسله
مَا أصَاب فَم كلب. وَتَعْلِيم مَا يصيد بمخلبه بِكَسْر الْمِيم كصقر وباز
وَنَحْوهمَا بأَمْره أَن يسترسل إِذا أرسل وَيرجع إِذا دعى لَا بترك الْأكل
لقَوْل ابْن عَبَّاس: إِذا أكل الْكَلْب فَلَا تَأْكُل وَإِذا أكل الصَّقْر
فَكل، رَوَاهُ الْخلال. وَيعْتَبر جرحه فَلَو قَتله بصدم وخنق لم يبح.
(2/795)
وَالثَّالِث: إرسالها أَي الْآلَة حَال
كَون الْمُرْسل قَاصِدا للْفِعْل فَلَو احتك صيد بمحدد أَو وَقع عَلَيْهِ
محدد فعقره بِلَا قصد أَو استرسل جارح بِنَفسِهِ فَقتل صيدا لم يحل وَمن
حصل أَو عشش بِملكه صيد أَو طَائِر لم يملكهُ بذلك. وَيكرهُ صيد بشباش
وَهُوَ طَائِر كالبومة تخيط عَيناهُ ويربط، وَأَن يصاد من وَكره لَا صيد
الفرخ من وَكره وَلَا الصَّيْد لَيْلًا وَلَا بِمَا يسكر الصَّيْد نصا.
وَيُبَاح شبكة وفخ ودبق وكل حِيلَة. وَذكر جمَاعَة يكره بمثقل كبنذق، وَكره
الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الرَّمْي ببندق مُطلقًا لنهي عُثْمَان. وَنقل ابْن
مَنْصُور وَغَيره لَا بَأْس بِبيع البندق يَرْمِي بِهِ الصَّيْد لَا
الْعَبَث. وَالرَّابِع: التَّسْمِيَة أَي قَول باسم الله وتجزى بِغَيْر
عَرَبِيَّة وَلَو مِمَّن يحسنها صَححهُ فِي الْإِنْصَاف عِنْد رمي نَحْو
سهم أَو عِنْد إرْسَال جارح كذكاة، وَلَا تسْقط التَّسْمِيَة هَهُنَا أَي
فِي الصَّيْد بِحَال أَي وَلَو سَهوا بِخِلَاف الذَّكَاة وَلَا يضر تقدم
يسير. وَلَو سمى على صيد فَأصَاب غير حل لَا إِن سمى على سهم ثمَّ
أَلْقَاهُ وَرمى بِغَيْرِهِ بِخِلَاف مَا لَو سمى على سكين ثمَّ أَلْقَاهَا
وَذبح بغَيْرهَا لوُجُود التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة هَهُنَا وَسن
تَكْبِير مَعهَا أَي التَّسْمِيَة، أَي قَول (باسم الله وَالله أكبر) كذكاة
وَمن أعتق صيدا لم يزل ملكه عَنهُ أَو أرسل بَعِيرًا أَو غَيره كبقرة لم
يزل ملكه عَنهُ.
(2/796)
|