كشف
المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات (بَاب الْأَيْمَان)
. بِفَتْح الْهمزَة وَاحِدهَا يَمِين وَهُوَ الْقسم بِفَتْح الْقَاف
وَالسِّين الْمُهْملَة وأصل الْيَمين الْيَد، سمى الْحلف بهَا، لِأَن
الْحَالِف يُعْطي يَمِينه فِيهِ وَيضْرب بهَا على يَمِين صَاحبه كَمَا فِي
الْعَهْد وَالْمُعَاقَدَة. وَالْحلف على مُسْتَقْبل إِرَادَة تَحْقِيق خبر
فِيهِ مُمكن بقوله يقْصد بِهِ الْحَث على فعل الْمُمكن كَقَوْلِه وَالله
لأقومن وَنَحْوه، أَو على تَركه كَقَوْلِه: وَالله لَا أزني أبدا، أَو على
مَاض إِمَّا (بر) وَهُوَ الصَّادِق أَو (غموس) وَهُوَ الْكَاذِب أَو
(لَغْو) وَهُوَ مَا لَا أجر فِيهِ وَلَا إِثْم فِيهِ وَلَا كَفَّارَة.
وَالْحلف قد يعْتَبر فِيهِ الْأَحْكَام الْخَمْسَة: فَالْوَاجِب مثل أَن
يُنجي إنْسَانا مَعْصُوما من مهلكة وَلَو نَفسه مثل أَن تتَوَجَّه عَلَيْهِ
أَيْمَان الْقسَامَة فِي دَعْوَى الْقَتْل عَلَيْهِ وَهُوَ بَرِيء، ومندوب
مثل أَن تتَعَلَّق بِهِ مصلحَة من إصْلَاح بَين متخاصمين وَإِزَالَة حقد من
قلب مُسلم على الْحَالِف أَو غَيره أَو دفع شَرّ، فَإِن حلف على فعل طَاعَة
أَو ترك مَعْصِيّة فَلَيْسَ بمندوب. والمباح كالحلف على فعل الْمُبَاح أَو
تَركه أَو على الْخَبَر بِشَيْء هُوَ صَادِق فِيهِ أَو يظنّ أَنه فِيهِ
صَادِق.
(2/797)
وَالْمَكْرُوه كالحلف على فعل مَكْرُوه،
أَو ترك مَنْدُوب، وَمِنْه الْحلف فِي البيع وَالشِّرَاء وَالْمحرم كالحلف
كَاذِبًا عمدا أَو على فعل مَعْصِيّة أَو ترك وَاجِب، وَمَتى كَانَت
الْيَمين على فعل وَاجِب كَانَ حنثها محرما وَيجب بره، فَقَالَ رَحمَه
الله: تحرم الْأَيْمَان وَلَا تَنْعَقِد بِغَيْر ذَات الله تبَارك
وَتَعَالَى نَحْو وَالله وَبِاللَّهِ وتالله، أَو باسم من أَسْمَائِهِ
الَّتِي لَا يُسمى بهَا غَيره كالرحمن وَالْقَدِيم والأزلي وَالْأول
الَّذِي لَيْسَ قلبه شَيْء وَالْآخر الَّذِي لَيْسَ بعده شَيْء وخالق
الْخَالِق ورازق أَو رب الْعَالمين والعالم بِكُل شَيْء وَنَحْو ذَلِك،
وَأما مَا يُسمى بِهِ غَيره وإطلاقه ينْصَرف إِلَى الله تَعَالَى كالرحيم
والعظيم والرب وَالْمولى وَالسَّيِّد وَنَحْو ذَلِك، فَإِن نوى بِهِ الله
تَعَالَى أَو أطلق كَانَ يَمِينا وَإِلَّا فَلَا، أَو أَي وَتحرم
الْأَيْمَان بِغَيْر صفة من صِفَاته تَعَالَى كوجه الله تَعَالَى نصا
وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته وَعَهده وميثاقه وَحقه وأمانته وإرادته
وَقدرته وجبروته، أَو أَي وَتحرم الْأَيْمَان بِغَيْر الْقُرْآن الْعَظِيم
وَإِن قَالَ: يَمِينا أَو قسما أَو شَهَادَة أَو حلفا أَو ألية أَو
عَزِيمَة بِاللَّه تَعَالَى انْعَقَدت يَمِينه
(2/798)
وَكَذَا بالمصحف وَكَلَام الله تَعَالَى
أَو سُورَة أَو آيَة مِنْهُ وبالتوراة وَالْإِنْجِيل وَنَحْوهمَا من الْكتب
الْمنزلَة، وَقَوله: وأيم الله وَمثله أَيمن الله يَمِين وهمزته همزَة وصل،
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ جمع يَمِين وهمزته همزَة قطع فَكَانُوا
يحلفُونَ بِالْيَمِينِ فَيَقُولُونَ وَيَمِين الله قَالَه أَو عُبَيْدَة،
وَهُوَ مُشْتَقّ من الْيَمين بِمَعْنى الْبركَة، وَقَوله لعمر الله يَمِين
أَيْضا، وَعمر بِفَتْح الْعين وَضمّهَا الْحَيَاة والمستعمل فِي الْقسم
المفتوح خَاصَّة وَاللَّام للابتداء وَخَبره مَحْذُوف وجوبا أَي قسمي،
وَأَقْسَمت أَو أقسم، وَشهِدت أَو أشهد، وَحلفت أَو أَحْلف، وعزمت أَو أعزم
وآليت أَو أولى بِاللَّه تَعَالَى يَمِين بِشَرْط أَن يذكر اسْم الله
تَعَالَى فِي كل لفظ مِنْهَا كأقسمت بِاللَّه واقسم بِاللَّه وَنَحْوه
وَإِلَّا فَلَا يكون يَمِينا بِاللَّه إِلَّا بنية. وَمن حلف بمخلوق
كالأولياء والأنبياء والكعبة وَنَحْوهَا حرم وَلَا كَفَّارَة وَعند أَكثر
الْأَصْحَاب إِلَّا إِذا حلف بنبينا مُحَمَّد فتستحب الْكَفَّارَة إِن حنث
وَنَصّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أبي طَالب، لِأَنَّهُ أحد شرطي
الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يصير بهما الْكَافِر مُسلما وَاخْتَارَ ابْن
عقيل أَن الْحلف بِغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاء كَهُوَ وَالْأَشْهر لَا تجب
بِهِ وَهُوَ قَول أَكثر الْفُقَهَاء لعُمُوم الْأَخْبَار وَيكرهُ حلف
بالأمانة كمعق وَطَلَاق. قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَفِي
(2/799)
الْإِقْنَاع: كَرَاهَة تَحْرِيم لحَدِيث
(من حلف بالأمانة فَلَيْسَ منا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَمن حلف يَمِينا
وَحنث بهَا وَجَبت عَلَيْهِ أَي الْحَالِف الْكَفَّارَة. ولوجوبها
أَرْبَعَة شُرُوط فَلَا تجب مَعَ فقد وَاحِد مِنْهَا: الأول قصد عقد
الْيَمين فَلَا تَنْعَقِد لَغوا بِأَن سبق على لِسَانه بِلَا قصد كَقَوْلِه
لَا وَالله وبلى وَالله فِي عرض حَدِيثه وَلَا كَفَّارَة فِيهَا، وَالْعرض
بِالضَّمِّ الْجَانِب وبالفتح خلاف الطول، وَلَا من نَائِم وَمَجْنُون
وَنَحْوهمَا لأَنهم لَا قصد لَهُم. وَالشّرط الثَّانِي: كَونهَا أَي
الْيَمين على مُسْتَقْبل مُمكن ليتأتى بره وحنثه بِخِلَاف الْمَاضِي وَغير
الْمُمكن فَلَا تَنْعَقِد الْيَمين على مَاض كَاذِبًا عَالما بِهِ أَي
بكذبه وَهِي الْغمُوس سميت بِهِ، لِأَنَّهَا تغمس صَاحبهَا فِي الْإِثْم
ثمَّ فِي النَّار وَلَا كَفَّارَة فِيهَا. وَلَا تَنْعَقِد إِن حلف على
مَاض ظَانّا صدق نَفسه فيبين بِخِلَافِهِ أَي بِخِلَاف ظَنّه وَلَا
كَفَّارَة حَكَاهُ ابْن عبد الْبر إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى 19 ((لَا
يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم)) وَهَذَا مِنْهُ، لِأَنَّهُ
يكثر فَلَو وَجب لَهُ كَفَّارَة لشق وَحصل الضَّرَر وَهُوَ مُنْتَفٍ شرعا
وَلَا تَنْعَقِد يَمِين علق الْحِنْث فِيهَا على وجود فعل مُسْتَحِيل لذاته
كَقَوْلِه وَالله لَا شربت مَاء الْكوز وَلَا مَاء فِيهِ، أَو لغيره
كَقَوْلِه: وَالله لَا قتلت فلَانا الْمَيِّت أَو لَا أحييته.
(2/800)
وتنعقد بِحلف على عدم المستحيل كَقَوْلِه
وَالله لأشربن مَاء الْكوز وَلَيْسَ فِيهِ مَاء أَو لأرددن أمس أَو لأقتلن
فلَانا الْمَيِّت أَو إِن لم أفعل ذَلِك وَنَحْوه وَتجب الْكَفَّارَة
عَلَيْهِ فِي الْحَال لِاسْتِحَالَة الْبر فِي المستحيل. وَالشّرط
الثَّالِث: كَون حَالف مُخْتَارًا للْيَمِين فَلَا ينْعَقد من مكره
عَلَيْهِ. وَالشّرط الرَّابِع: حنثه أَي الْحَالِف بِفعل مَا حلف على تَركه
أَو ترك مَا حلف على فعله فَإِن لم يَحْنَث فَلَا كَفَّارَة لِأَنَّهُ لم
يهتك حُرْمَة الْقسم، وَلَو كَانَا محرمين كَأَن حلف على ترك الْخمر
فَشربهَا أَو صَلَاة فرض فَتَركهَا لوُجُود الْحِنْث حَال كَونه غير مكره،
فَلَو حلف لَا يدْخل دَارا فَحمل مكْرها فَدَخلَهَا لم يَحْنَث، لِأَن فعل
الْمُكْره لَا ينْسب إِلَيْهِ أَو غير جَاهِل أَو نَاس كَمَا لَو دخل فِي
الْمِثَال نَاسِيا ليمينه أَو جَاهِلا أَنَّهَا للمحلوف عَلَيْهَا فَلَا
كَفَّارَة، لِأَنَّهُ غير آثم، وَكَذَا إِن فعله مَجْنُونا. وَمن حلف
بِاللَّه تَعَالَى لَا يفعل أَو ليفعلن كَذَا إِن شَاءَ الله أَو أَرَادَ
الله أَو إِلَّا أَن يَشَاء الله واتصل لفظا أَو حكما كانقطاعه بتنفس أَو
سعال لم يَحْنَث فعل أَو ترك بِشَرْط أَن يقْصد لاستثناء قبل تَمام
الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. وَيسن حنث من حلف وَيكرهُ بر إِذا كَانَت يَمِينه
على فعل مَكْرُوه أَو على ترك مَنْدُوب وَعَكسه أَي الحكم كَمَا لَو حلف
على ترك مَكْرُوه أَو فعل مَنْدُوب بعكسه أَي فَيكْرَه حنثه وَيسن بره.
وَيجب إِن كَانَت على فعل محرم أَو ترك وَاجِب وَعَكسه بعكسه وَمن حلف على
فعل وَاجِب أَو ترك محرم حرم حنثه لما فِيهِ من
(2/801)
من ترك الْوَاجِب أَو فعل الْمحرم، وَوَجَب
بره، وَمن حلف على فعل محرم أَو ترك وَاجِب، وَجب حنثه؛) لِئَلَّا يَأْثَم
بترك الْوَاجِب أَو فعل الْمحرم وَحرم بره. وَيُخَير فِي مُبَاح، وَحفظ
الْيَمين فِي أولى من حنثه لقَوْله تَعَالَى 19 ((واحفظوا أَيْمَانكُم))
كَمَا لَو وَجَبت عَلَيْهِ يَمِين وَاجِب عِنْد حَاكم. وَلَا يلْزم محلوفا
عَلَيْهِ إبرار قسم كَمَا لَا تلْزمهُ إِجَابَة سُؤال بِاللَّه تَعَالَى بل
يسن.
(2/802)
3 - (فصل)
. وَإِن حرم أمته أَو حرم حَلَالا غير زَوْجَة كَقَوْلِه: مَا أحل الله على
حرَام وَلَا زَوْجَة لَهُ أَو: هَذَا الطَّعَام عليَّ حرَام، أَو: طَعَامي
عَليّ كالميتة وَالدَّم وَنَحْوه، أَو علقه بِشَرْط مثل: إِن أَكلته فَهُوَ
عليَّ حرَام، أَو: حرَام عَليّ إِن فعلت كَذَا وَكَذَا وَنَحْوه لم يحرم
عَلَيْهِ مَا حرم وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين إِن فعله نصا لقَوْله
تَعَالَى (قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم) يَعْنِي التَّكْفِير،
وَعَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر أَن النَّبِي جعل تَحْرِيم الْحَلَال
يَمِينا وَمن قَالَ: هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ أَو
يعبد الصَّلِيب أَو غير الله تبَارك وَتَعَالَى أَو مُشْرك إِن فعل كَذَا،
أَو بَرِيء من الْإِسْلَام أَو من النَّبِي أَو هُوَ كَافِر بِاللَّه
تَعَالَى إِن لم يفعل كَذَا فقد ارْتكب محرما وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين،
إِن فعل مَا نَفَاهُ أَو ترك مَا أثْبته، وَمن أخبر عَن نَفسه بِأَنَّهُ
حلف بِاللَّه تَعَالَى وَلم يكن حلف فكذبة لَا كَفَّارَة فِيهَا نصا،
(2/803)
وَتجب الْكَفَّارَة فَوْرًا بحنث نصا
لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْأَمر وإخراجها قبله وَبعده سَوَاء وَلَو
بِالصَّوْمِ، وَلَا تجزىء قبل حلف إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ تَقْدِيم للْحكم
على سَببه كتقديم الزَّكَاة على ملك النّصاب وَيُخَير حَالف فِيهَا أَي فِي
كَفَّارَة الْيَمين بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من جنس
وَاحِد أَو أَكثر مَا يجزىء من بر وشعير وتمر وزبيب وأقط، بِأَن أطْعم
بَعضهم برا وَبَعْضهمْ تَمرا مثلا أَو كسوتهم كسْوَة تصح بهَا صَلَاة فرض
من رجل أَو امْرَأَة [أَو عتق رَقَبَة مُؤمنَة] سليمَة مِمَّا يضر
بِالْعَمَلِ ضَرَرا بَينا وَتقدم تَفْصِيله فِي الطَّهَارَة، وتجزىء
الْكسْوَة من كتَّان وقطن وصوف ووبر وشعير، وللنساء من حَرِير، لِأَنَّهُ
تَعَالَى أطلق كسوتهم فَأَي جنس كساهم خرج بِهِ عَن الْعهْدَة، ويجزيء
الْجَدِيد واللبيس مَا لم تذْهب قوته فَإِن عجز من وَجَبت عَلَيْهِ
كَفَّارَة يَمِين عَن هَذِه الثَّلَاثَة [ك] عجز عَن فطْرَة صَامَ ثَلَاثَة
أَيَّام لِلْآيَةِ متتابعة وجوبا لقِرَاءَة ابْن مَسْعُود فَصِيَام
ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة إِن لم يكن عذر فِي التَّتَابُع من نَحْو مرض.
ويجزيء أَن يطعم بَعْضًا ويكسو بَعْضًا لَا تَكْمِيل عتق إطْعَام أَو
كسْوَة بِأَن أعتق نصف رَقَبَة وَأطْعم أَو كسا خَمْسَة مَسَاكِين،
لِأَنَّهُ لم يعْتق رَقَبَة وَلم يطعم أَو يكس عشرَة مَسَاكِين كَبَقِيَّة
الْكَفَّارَات. وَمن لَزِمته أَيْمَان مُوجبهَا وَاحِد وَلَو على أَفعَال
نَحْو: وَالله لَا دخلت دَار فلَان، وَالله لَا أكلت كَذَا، وَالله لَا
لَيست كَذَا وَحنث فِي الْكل قبل
(2/804)
التَّكْفِير فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَاحِدَة،
وَكَذَا حلف بنذور مكررة. وَإِن وَاخْتلف مُوجبهَا كظهار وَيَمِين بِاللَّه
تَعَالَى لزمتاه وَلم تتداخلا. وَمن حلف يَمِينا وَاحِدَة على أَجنَاس
مُخْتَلفَة كَقَوْلِه: وَالله لَا ذهب إِلَى فلَان وَلَا كَلمته وَلَا أخذت
مِنْهُ فعلت كَفَّارَة وَاحِدَة سَوَاء حنث فِي الْجَمِيع أَو فِي
الْجَمِيع أَو فِي وَاحِد وتنحل الْبَقِيَّة، لِأَنَّهَا يَمِين وَاحِدَة
وحنثها وَاحِد، وَإِن حلف أيمانا على أَجنَاس كَقَوْلِه: وَالله لَا وهبت
كَذَا، وَالله لَا شربت كَذَا، وَالله لَا لبست كَذَا فنحث فِي وَاحِد
وَكفر ثمَّ حنث فِي أُخْرَى لَزِمته كَفَّارَة ثَانِيَة لوُجُوبهَا
بِالْحِنْثِ بعد أَن كفر عَن الأولى كَمَا لَو وطيء فِي نَهَار رَمَضَان
فَكفر ثمَّ وطيء فِيهِ أُخْرَى بِخِلَاف مَا لَو حنث فِي الْكل قبل أَن
يكفر. وَلَيْسَ لقن. أَن يكفر بِغَيْر صَوْم يضر بِهِ أَو لَا. وَلَا
لسَيِّد مَنعه مِنْهُ وَلَا مَنعه من صَوْم نذر. وَيكفر كَافِر وَلَو
مُرْتَدا بِغَيْر صَوْم، لِأَنَّهُ لَا يَصح من الْكَافِر وَيتَصَوَّر عتقه
للْمُسلمِ بقوله لمُسلم اعْتِقْ عَبدك عني وعَلى ثمنه فيفعل أَو يكون
دَاخِلا فِي ملكه بِنَحْوِ إِرْث ومبنى يَمِين على الْعرف وَهُوَ مَا شهر
مجازه حَتَّى غلب على حَقِيقَته كالرواية حَقِيقَة فِي الْجمل يسقى
عَلَيْهِ وَعرفا للمزادة، وكالظعينة حَقِيقَة النَّاقة يظعن عَلَيْهَا
وَعرفا الْمَرْأَة فِي الهودج، وكالدابة حَقِيقَة مَا دب ودرج وَعرفا
الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير، وكالغائط حَقِيقَة الْمَكَان المطئن من
الأَرْض وَعرفا الْخَارِج المستقذر. وكالعذرة حَقِيقَة فنَاء الدَّار
وَعرفا الْغَائِط وَنَحْو ذَلِك.
(2/805)
فتتعلق الْيَمين بِالْعرْفِ دون
الْحَقِيقَة، لِأَنَّهَا صَارَت مهجورة فَلَا يعرفهَا أَكثر النَّاس،
وَتَأْتِي تفاريع ذَلِك فِي الشَّرْح إِن شَاءَ الله. وَيرجع بِالْبِنَاءِ
للْمَفْعُول فِيهَا أَي الْيَمين إِلَى نِيَّة حَالف فِي مبناها ابْتِدَاء
لَيْسَ بهَا أَي الْيَمين أَو النِّيَّة ظَالِما نصا إِن احتملها أَي
النِّيَّة لَفظه الْحَالِف كنيته بِبِنَاء أَو سقف السَّمَاء وبالفراش
والبساط الأَرْض وباللباس اللَّيْل، وبنسائي طَوَالِق أَقَاربه النساد،
وجواري أَحْرَار سفنه. فَمن دعى لغداء فَحلف لَا يتغدى لم يَحْنَث بغداء
غَيره إِن قَصده لاختصاصه بِالْحلف، وَلَا يشرب لَهُ المَاء من عَطش
وَنِيَّته أَو السَّبَب قطع منته حنث بِأَكْل خبزه واستعارة دَابَّته وكل
مَا فِيهِ منَّة لَا بِأَقَلّ كعقوده فِي ضوء ناره. وَلَا يدْخل دَار فلَان
وَقَالَ: نَوَيْت الْيَوْم قبل حكما وَلَا يَحْنَث بِدُخُولِهَا فِي غير
ذَلِك الْيَوْم. لَا عدت رَأَيْتُك تدخلين دَار فلَان يَنْوِي منعهَا
فَدخلت حنث وَلَو لم يرهَا. فَإِن لم ينْو شَيْئا رَجَعَ إِلَى سَبَب
الْيَمين وَمَا هيجها، فَمن حلف ليقضين زيدا حَقه غَدا فقضاه قبله لم
يَحْنَث إِذا قصد عدم تجاوزه أَو اقْتَضَاهُ السَّبَب. وَلَا يَبِيع كَذَا
إِلَّا بِمِائَة فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ لم يَحْنَث وَإِن بَاعه بِأَقَلّ
حنث. وَلَا يَبِيعهُ بِمِائَة فَبَاعَهُ بهَا أَو بِأَقَلّ حنث. وَلَا
يدْخل بلد كَذَا لظلم فِيهَا فَزَالَ دَخلهَا. أَو لَا يكلم زيدا لشربه
الْخمر فَكَلمهُ وَقد تَركه لم يَحْنَث. وَإِن عدم النِّيَّة وَالسَّبَب
رَجَعَ إِلَى التَّعْيِين وَهُوَ الْإِشَارَة فَمن حلف
(2/806)
على دَار [فلَان هَذِه] لَا يدخلهَا
فَدَخلَهَا وَقد بَاعهَا أَو وَهبهَا أَو وَهِي فضاء مَسْجِد أَو حمام، أَو
لَا لبست هَذِه الْقَمِيص فلبسه وَهُوَ رِدَاء أَو نَحوه، أَو لَا كلمت
هَذَا الصَّبِي فَصَارَ شَيخا، أَو كلمت امْرَأَة فلَان هَذِه أَو عَبده
أَو صديقه هَذَا فَزَالَ ذَلِك ثمَّ كَلمهمْ، أَو لَا أكلت هَذَا الرطب
فَصَارَ تَمرا أَو خلا أَو دبسا أَو لَا شربت هَذَا اللَّبن فَصَارَ جبنا
وَأكله حنث فِي الْجَمِيع لبَقَاء الْمَحْلُوف عَلَيْهِ كحلفه: لَا لبست
هَذَا الْغَزل فَصَارَ ثوبا. وَإِن عدم النِّيَّة وَالسَّبَب وَالتَّعْيِين
رَجَعَ إِلَى مَا يتَنَاوَلهُ الِاسْم وَهُوَ ثَلَاثَة: شَرْعِي فعرفي
فلغوي، فاليمين الْمُطلقَة تَنْصَرِف إِلَى الشَّرْعِيّ وتتناول الصَّحِيح
مِنْهُ، فَمن حلف لَا يَبِيع أَو لَا يَشْتَرِي وَالشَّرِكَة
وَالتَّوْلِيَة وَالسّلم وَالصُّلْح على مَال شِرَاء فعقد عقدا فَاسِدا لم
يَحْنَث لَكِن لَو قيد يَمِينه بممتنع الصِّحَّة كحلفه لَا يَبِيع الْخمر
ثمَّ بَاعهَا حنث بِصُورَة ذَلِك. وَإِن عدم الشَّرْعِيّ فمبني الْيَمين
على الْعرف كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف رَحمَه الله وَتقدم تَعْرِيفه
هُنَاكَ. ولنمثل بعض مَا يتَفَرَّع مِنْهُ حَيْثُ وعدنا بذلك، فَمن حلف لَا
يطَأ امْرَأَته أَو أمته حنث بجماعها، وَلَا يطَأ دَارا أَو لَا يضع قدمه
فِي دَار فلَان حنث بِدُخُولِهَا رَاكِبًا وماشيا حافيا ومنتعلا، وَلَا
يدْخل بَيْتا حنث بِدُخُول بَيت الشّعْر وَالْحمام وَالْمَسْجِد وَبَيت
أَدَم والخيمة لَا بِدُخُول صفة دَار ودهليزها، وَلَا يضْرب فُلَانُهُ
فخنقها أَو عضها أَو نتف شعرهَا حنث لَا إِن عضها للتلذذ وَلم يقْصد
تأليمها. وَإِن عدم الْعرف رَجَعَ إِلَى اللُّغَة، فَمن حلف لَا يَأْكُل
لَحْمًا حنث بِكُل لحم حَتَّى بالمحرم كالميتة وَالْخِنْزِير لَا بِمَا لَا
يُسمى لَحْمًا كالمخ
(2/807)
والكلية والشحم والمرق وَنَحْوه إِلَّا
بنية اجْتِنَاب الدسم فَيحنث بذلك كُله. وَلَا يَأْكُل شحما فَأكل شَحم
الظّهْر أَو الْجنب أَو سمينهما أَو الإلية أَو السنام حنث. وَلَا يَأْكُل
لَبَنًا فَأَكله وَلَو من أكل صيد أَو آدمية حنث، وَلَا يشرب من لبن آدمية
فَشرب مِنْهُ وَهِي ميتَة حنث وَتقدم فِي الرَّضَاع لَا زبدا وَسمنًا أَو
كشكا أَو مصلا أَو جبنا أَو أقطا، والأقط بِكَسْر الْقَاف اللَّبن المجفف
وَتقدم تَعْرِيفه بأبسط من هَذَا فِي زَكَاة الْفطر. وَلَا يَأْكُل زبدا
أَو سمنا مأكل الآخر وَلم يظْهر فِيهِ طعمه، أَو لَا يأكلهما فَأكل لَبَنًا
لم يَحْنَث. وَلَا يَأْكُل بيضًا أَو رَأْسا حنث بِأَكْل رَأس طير وسمك
وجراد وبيض ذَلِك. وَلَا يَأْكُل من هَذَا الدَّقِيق فاستفه أَو خبزه
وَأكله حنث. وَلَا يَأْكُل فَاكِهَة حنث بِأَكْل بطيخ وثمر شجر غير بري
كبلح وعنب ورمان وَلَو يَابسا كصنوبر وعناب وَجوز ولوز وبندق وَنَحْوه،
لِأَن اليبس لَا يُخرجهُ من كَونه فَاكِهَة، وَلَا يَحْنَث بِأَكْل قثاء
وَخيَار وزيتون وبلوط وبطم وزعرور بِضَم الزَّاي أَحْمَر بِخِلَاف أَبيض،
وَلَا يَأْكُل مَا يكون بِالْأَرْضِ كجزر ولفت وفجل وَنَحْوه. وَلَا
يَأْكُل رطبا أَو بسرا فَأكل الآخر أَو لَا يَأْكُل تَمرا فَأكل رطبا أَو
بسرا أَو دبسا أَو ناطفا لم يَحْنَث. وَلَا يَأْكُل أدما حنث بِأَكْل بيض
وشواء وَجبن وملح وتمر وزيتون وَلبن وخل وكل مصطبغ بِهِ أَي مَا جرت
الْعَادة بِأَكْل الْخبز بِهِ.
(2/808)
وَلَا يَأْكُل قوتا حنث بِأَكْل خبز وَلحم
وتمر وَلبن وكل مَا تبقى مَعَه البنية وَلَا يَأْكُل طَعَاما حنث بِكُل مَا
يُؤْكَل وَيشْرب من قوت وأدم وحلوى وَفَاكِهَة وجامد ومائع. لَا بِشرب مَاء
ورد وَأكل ورق شَجَرَة وتراب وَنَحْوهمَا. وَلَا يشرب مَاء حنث بِمَاء مالح
ونجس لَا بجلاب. وَلَا يَأْكُل مَائِعا فَأَكله بِخبْز أَو لَا يشرب من
النَّهر أَو الْبِئْر فاعترف بِإِنَاء وَشرب حنث لَا إِن حلف لَا يشرب من
الْكوز فصب مِنْهُ فِي إِنَاء وشربه. وَلَا يَأْكُل من هَذِه الشَّجَرَة
حنث بثمرتها فَقَط وَلَو لقطها من تحتهَا، وَلَا يلبس شَيْئا فَلبس ثوبا
أَو درعا أَو جوشنا أَو خفا أَو نعلا. وَلَا يدْخل دَارا مُعينَة فَدخل
سطحها، أَو لَا يدْخل بَابهَا فتحول وَدخل حنث لَا إِن دخل طاق الْبَاب أَو
وقف على حائطها. وَلَا يكلم إنْسَانا حنث بِكَلَام كل إِنْسَان كَبِيرا
كَانَ أَو صَغِيرا ذكرا أَو حرا أَو ضدهما حَتَّى بقول تَنَح، أَو اسْكُتْ،
لَا بِسَلام من صَلَاة صلاهَا. وَلَا كلمت زيدا فكاتبه أَو راسله حنث مَا
لم ينْو مشافهة، لَا إِذا أرتج عَلَيْهِ فِي صَلَاة فَفتح حَالف عَلَيْهِ
وَإِن لم يكن إِمَامًا فَلَا يَحْنَث لِأَنَّهُ كَلَام الله عز وَجل
وَلَيْسَ كَلَام الْآدَمِيّين.
(2/809)
وَلَا بَدأته بِكَلَام فتكلما مَعًا لم
يَحْنَث. وَلَا كَلمته حَتَّى يكلمني أَو يبدأني بِكَلَام فتكلما مَعًا
حنث. وَلَا كَلمته زَمنا أَو أمدا أَو دهرا أَو بَعيدا أَو مَلِيًّا أَو
طَويلا أَو حقبا أَو وقتا فَأَقل زمَان. لَا كَلمته الْعُمر أَو الْأَبَد
أَو الدَّهْر فَكل الزَّمَان. أَو أشهرا أَو شهورا أَو أَيَّامًا
فَثَلَاثَة أشهر فِي الْأَوَّلين وَثَلَاثَة أَيَّام فِي الثَّالِثَة.
وليضربنه بِمِائَة فجمعها وضربه بهَا ضَرْبَة بر لَا إِن حلف ليضربنه مائَة
فجمعها وضربه بهَا وَاحِدَة وَلَو آلمه، لِأَن ظَاهر يَمِينه أَن يضْربهُ
مائَة ضَرْبَة ليتكرر ألمه بِتَكَرُّر الضَّرْب. وَإِن حلف لَا يلبس أَو
لَا يقوم، أَو لَا يقْعد أَو لَا يُسَافر أَو لَا يطَأ أَو لَا يمسك أَو
لَا يُشَارك أَو لَا يَصُوم أَو لَا يحجّ أَو لَا يطوف وَهُوَ متلبس بِمَا
حلف لَا يَفْعَله، أَو لَا يدْخل دَارا هُوَ داخلها أَو لَا يضاجعها على
فرَاش فضاجعته ودام، أَو لَا يدْخل على فلَان بَيْتا فَخَل فلَان عَلَيْهِ
فَأَقَامَ مَعَه حنث فِي الْجَمِيع مَا لم تكن لَهُ نِيَّة كَأَن نوى لَا
يلبس ثوبا من غزلها غير مَا هُوَ لابسه أَو غير هَذَا الْيَوْم أَو لَا
يُسَافر أَو لَا يطَأ غير هَذِه الْمرة فَيرجع إِلَى نِيَّته، فَإِن لم تكن
فَإلَى سَبَب الْيَمين، وَمن حلف لَا يسكن هَذِه الدَّار أَو ليخرجن أَو
ليرحلن مِنْهَا لزمَه الْخُرُوج بِنَفسِهِ وَأَهله ومتاعه الْمَقْصُود،
فَإِن أَقَامَ فَوق زمن يُمكنهُ الْخُرُوج فِيهِ عَادَة وَلم يخرج حنث،
فَإِن لم يجد مسكنا أَو مَا ينْقل مَتَاعه عَلَيْهِ أَو أَبَت زَوجته
الْخُرُوج مَعَه وَلم يُمكنهُ إجبارها فَخرج وَحده لم يَحْنَث، وَكَذَا
الْبَلَد إِلَّا أَنه يبر بِخُرُوجِهِ وَحده إِذا حلف ليخرجن مِنْهُ، وَلَا
يَحْنَث
(2/810)
بِالْعودِ إِلَى الدَّار أَو الْبَلَد إِذا
حلف ليخرجن أَو ليرحلن مِنْهَا مَا لم تكن لَهُ نِيَّة أَو قرينَة أَو
سَبَب يَقْتَضِي هجران مَا حلف على الرحيل مِنْهُ فَيحنث بعوده، وَالسّفر
الْقصير سفر يبر بِهِ من حلف ليسافرن وَيحنث بِهِ من حلف لَا يُسَافر،
وَكَذَا النّوم الْيَسِير يبر بِهِ من حلف لينًا من وَيحنث من حلف لَا
ينَام. وَمن حلف لَا ينَام. وَمن حلف لَا يستخدم فلَانا فخدمه وَهُوَ
سَاكِت حنث. وَلَا يبات أَو لَا يَأْكُل بِبَلَد كَذَا فَبَاتَ أَو أكل
بِخَارِج بنيانها لم يَحْنَث. وَفعل الْوَكِيل كالموكل، فَمن حلف لَا يفعل
كَذَا فَوكل فِيهِ من يَفْعَله حنث وليشربن هَذَا المَاء أَو ليضربن
غُلَامه إِذا أَو فِي غَد أَو أطلق بِأَن لم يُقيد بِوَقْت فَتلف
الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَلَو بِغَيْر اخْتِيَاره قبل الْغَد أَو فِيهِ قبل
الشّرْب أَو الضَّرْب حنث حَال تلف الْمَحْلُوف عَلَيْهِ لَا إِن جن حَالف
قبل الْغَد حَتَّى خرج الْغَد، وَإِن أَفَاق قبل خُرُوجه حنث إِن أمكنه
فعله أَو لَا أَو مَاتَ قبل الْغَد أَو أكره على ترك شربه أَو ضربه حَتَّى
خرج الْغَد.
(2/811)
3 - (فصل)
. النّذر لُغَة الْإِيجَاب، يُقَال: فلَان نذر دم فلَان، أَي أوجب قَتله،
وَشرعا إِلْزَام مُكَلّف مُخْتَارًا وَلَو كَافِرًا بِعبَادة نصا نَفسه لله
بِكُل قَول يدل على الِالْتِزَام. نَفسه مفعول ثَان لإلزام غير لَازم
بِأَصْل الشَّرْع وَلَا محَال. بِخِلَاف: لله على أَن أجمع بَين ضدين فَلَا
ينْعَقد. وَأَجْمعُوا على صِحَّته ولزومه وَالْوَفَاء بِهِ قَالَ الله
تَعَالَى 19 ((يُوفونَ بِالنذرِ)) وَقَالَ تَعَالَى 19 ((وليوفوا نذورهم))
وَحَدِيث عَائِشَة (من نذر أَن يُطِيع الله فليطعمه وَمن نذر أَن يعصيه
فَلَا يَعْصِهِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَة إِلَّا مُسلما. فَقَالَ رَحمَه الله
النّذر مَكْرُوه لحَدِيث (النّذر لَا يَأْتِي بِخَير، وَإِنَّمَا يسْتَخْرج
بِهِ من مَال الْبَخِيل) وَقَالَ ابْن حَامِد وَغَيره: لَا يرد قَضَاء.
وَلَا يَصح النّذر إِلَّا من مُكَلّف مُخْتَارًا وَلَو كَافِرًا
(2/812)
وَالنّذر المنعقد سِتَّة أَنْوَاع
أَحْكَامهَا مُخْتَلفَة: أَحدهَا: النّذر [الْمُطلق] ك قَوْله لله على نذر
أَو إِن فعلت كَذَا فَللَّه على نذر وَالْحَال أَنه لَا نِيَّة لحالف
بِشَيْء ف عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين إِن فعله أَي فعل مَا علق عَلَيْهِ
نَذره النَّوْع الثَّانِي: نذر لجاج وَغَضب. وَهُوَ تَعْلِيقه أَي النّذر
بِشَرْط يقْصد الْمَنْع مِنْهُ أَي من فعل الشَّيْء أَو يقْصد الْحمل
عَلَيْهِ، فَالْأول: ك قَوْله إِن كلمتك فعلى كَذَا أَي حج أَو صَوْم سنة
أَو عتق وَنَحْو ذَلِك. وَالثَّانِي: إِن لم أخْبرك بِكَذَا فعلى كَذَا
فَيُخَير بَين فعله وَكَفَّارَة يَمِين وَلَا يضر قَوْله: على مَذْهَب من
يلْزمه بذلك. أَو: لَا أقلد من يرى الْكَفَّارَة، وَمن علق صَدَقَة شَيْء
بِبيعِهِ وعلقها آخر بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ كفر كل وَاحِد كَفَّارَة
يَمِين نصا كَمَا لَو حلف وَحنث. النَّوْع الثَّالِث نذر فعل مُبَاح ك
قَوْله لله على أَن ألبس ثوبي أَو أركب دَابَّتي وَنَحْوه فَيُخَير أَيْضا
بَين فعله وَكَفَّارَة يَمِين. النَّوْع الرَّابِع نذر فعل مَكْرُوه ك نذر
طَلَاق وَنَحْوه كَأَكْل ثوم وبصل وَنَحْوهمَا فالتكفير فِي حَقه أولى من
فعله. النَّوْع الْخَامِس نذر فعل مَعْصِيّة وَهُوَ من مُفْرَدَات
الْمَذْهَب فَينْعَقد على الْأَصَح كشرب خمر وَصَوْم يَوْم عيد أَو حيض أَو
أَيَّام تَشْرِيق أَو ترك وَاجِب فَيحرم الْوَفَاء بِهِ وَيجب التَّكْفِير
على من لم يَفْعَله وَيَقْضِي غير يَوْم حيض. وَمن نذر ذبح مَعْصُوم حَتَّى
نَفسه فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين فَقَط.
(2/813)
وتتعدد الْكَفَّارَة على من نذر ذبح وَلَده
بِتَعَدُّد ولد لِأَنَّهُ مُفْرد مُضَاف فَيعم مَا لم ينْو معينا. النَّوْع
السَّادِس نذر تبرر كَصَلَاة وَصِيَام واعتكاف وَحج وَعمرَة وزيارة أَخ فِي
الله تَعَالَى وعيادة مَرِيض وشهود جَنَازَة بِقصد التَّقَرُّب بذلك
مُطلقًا أَي غير مُعَلّق بِشَرْط أَو مُعَلّقا بِشَرْط وجود نعْمَة أَو دفع
نقمة كَقَوْلِه إِن شفى الله مريضي أَو سلم مَالِي فَللَّه عَليّ كَذَا
فَيلْزم الْوَفَاء بِهِ أَي النّذر. وَيجوز إِخْرَاج مَا نذر من الصَّدَقَة
وَفعل مَا نذر من الطَّاعَة قبل وجود مَا علق عَلَيْهِ لوُجُود سَببه
وَهُوَ النّذر كإخراج كَفَّارَة يَمِين قبل حنث وَمن نذر الصَّدَقَة بِكُل
مَاله بِقصد الْقرْبَة أجزاه أَي النَّاذِر ثلثه يَوْم نذر يتَصَدَّق بِهِ
وَلَا كَفَّارَة نصا. وببعض مَاله مُسَمّى كَنِصْف وَنَحْوه لزمَه مَا
سَمَّاهُ. وَمن حلف أَو نذر لَا رددت سَائِلًا، فَهُوَ كمن حلف أَو نذر
الصَّدَقَة بِمَالِه فيجزئه الصَّدَقَة بِثُلثِهِ، فَإِن لم يتَحَصَّل لَهُ
إِلَّا مَا يَحْتَاجهُ فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين وَإِن تحصل لَهُ فَوق
مَا يَحْتَاجهُ تصدق بِثلث الزَّائِد عَن حَاجته. وحبه بر وَنَحْوهَا لَيست
سُؤال السَّائِل وَحَدِيث (اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة) يدل على
إِجْزَاء نصف التمرة وَنَحْوهَا فَأكْثر لَا أقل. وَمن قَالَ: إِن ملكت
مَال فلَان فعلي تصدق بِهِ فملكه بِكَمَالِهِ يُجزئهُ ثلثه.
(2/814)
وَمن حلف فَقَالَ: عليَّ الرَّقَبَة لَا
فعلت كَذَا فَحنث فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين كالحلف بِاللَّه تَعَالَى أَو
أَي وَمن نذر صَوْم شهر وَأطلق وَنَحْوه كجمعة لزمَه التَّتَابُع، لِأَن
إِطْلَاق الشَّهْر يَقْتَضِيهِ سَوَاء صَامَ شهرا هلاليا أَو ثَلَاثِينَ
يَوْمًا بِالْعدَدِ، وَإِن قطعه بِلَا عذر استأنفه، وبعذر يُخَيّر بَين
الِاسْتِئْنَاف بِلَا كَفَّارَة وَبَين الْبناء وَيتم ثَلَاثِينَ يَوْمًا
وَيكفر. وَإِن عين الشَّهْر كربيع مئلا لزمَه تتَابع أَيْضا، فَإِن أفطر
لغير عذر حرم وَلَزِمَه اسْتِئْنَاف الصَّوْم مَعَ كَفَّارَة يَمِين
لفَوَات الْمحل، ولعذر يَبْنِي على مَا مضى وَكفر لفَوَات التَّتَابُع،
وَالْفطر فِي السّفر لَا يقطعهُ. وَمن نذر صَوْم سنة مُعينَة لم يدْخل فِي
نَذره شهر رَمَضَان وَيَوْم الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق. وَنذر
اعْتِكَاف كَصَوْم على مَا تقدم تَفْصِيله وَلَا يلْزمه التَّتَابُع نصا،
وَلَا يلْزمه التَّتَابُع نصا إِن نذر أَن يَصُوم أَيَّامًا مَعْدُودَة
وَلَو ثَلَاثِينَ إِلَّا بِشَرْط بِأَن يَقُول متتابعة. وَمن نذر صوما
مُتَتَابِعًا غير معِين فَأفْطر لمَرض يجب مَعَه الْفطر أَو الْحيض خير
بَين الِاسْتِئْنَاف وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَبَين الْبناء وَيكفر. وَإِن
أفطر فِيهِ لسفر أَو بِمَا يُبِيح الْفطر مَعَ الْقُدْرَة على الصَّوْم
كَمَرَض يجوز مَعَه لم يَنْقَطِع التَّتَابُع صَححهُ فِي الْإِنْصَاف
وَقَالَ ابْن المنجا: يَجِيء على قَول الْخرقِيّ يُخَيّر بَين
الِاسْتِئْنَاف وَبَين الْبناء وَالْكَفَّارَة كَمَا تقدم، قَالَ فِي
الْإِنْصَاف: وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وَالْأَصْحَاب لعدم تفريقهم
فِي ذَلِك. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى لمؤلفة: وَهَذَا الْأَخير لَا يعدل
عَنهُ فَإِنَّهُ
(2/815)
لَا وَجه لكَون الْمَرَض الَّذِي يجب مَعَه
الْفطر يقطع التَّتَابُع، وَالْفطر فِي السّفر لَا يقطعهُ. انْتهى. وَإِن
أفطر بِغَيْر عذر يلْزمه أَن يسْتَأْنف بِلَا كَفَّارَة. وَمن نذر صوما
فعجز عَنهُ لكبر أَو مرض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَو نَذره حَال عَجزه أطْعم
لكل يَوْم مِسْكينا وَكفر كَفَّارَة يَمِين. وَإِن نذر صَلَاة وَنَحْوهَا
وَعجز فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة فَقَط، وطوافا أَو سعيا فأقله أُسْبُوع. وَسن
الْوَفَاء بالوعد وَلَا يلْزمه نصا وَحرم الْوَعْد بِلَا اسْتِئْنَاف
لقَوْله تَعَالَى (وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك إِذا إِلَّا أَن
يَشَاء الله) أَي لَا تقولن ذَلِك إِلَّا مُعَلّقا بِأَن يَشَاء الله عز
وَعظم سُلْطَانه.
(2/816)
|