مسائل
الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه 1النكاح2 والطلاق3
__________
1 بداية اللوحة رقم: 43 من نسخة ظ.
2 النكاح: لغة الوطء، وقد يطلق على العقد- تقول: نكحتها ونكحت هي، أي
تزوجت، وامرأة ناكح يقصد بها ذات زوج، وقيل للتزوج نكاح لأنه سبب الوطء
المباح. وقيل النكاح: الضم والجمع، ومنه قولهم تناكحت الأشجار أي انضم
بعضها إلى بعض.
[] انظر: تهذيب اللغة: 4/102، ولسان العرب: 2/625-626، ومقاييس اللغة:
5/475.
والنكاح شرعاً: هو عقد التزويج، فعند إطلاقه ينصرف إليه ما لم يصرفه دليل،
وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء لأنه الأشهر في الكتاب والسنة، ولهذا
قيل: ليس في القرآن العظيم لفظ النكاح بمعنى الوطء إلا قوله تبارك وتعالى:
{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} البقرة، آية: 230.
[] انظر: المبدع: 7/3-4، وكشاف القناع: 5/5-6، والمغني: 6/445، والإنصاف:
8/3، وتحفة الأحوذي: 4/196.
3 الطلاق لغة: مصدر طلّقت المرأة: بانت من زوجها، وأصل الطلاق في اللغة:
التخلية والإرسال. يقال: طلقت الناقة: إذا سرحت حيث شاءت، وحبسوه في السجن
طلقاً، أي: بغير قيد، ولا كبل، وامرأة طالق، إذا طلّقها زوجها.
[] راجع: تاج العروس 6/425، ومقاييس اللغة 3/420-421، ولسان العرب
1/226-227.
والطلاق شرعاً: حلّ قيد النكاح، أو بعضه، وهو راجع إلى معناه لغة، لأنّ من
حلّ قيد نكاحها فقد خليت.
انظر: المبدع: 7/249، كشاف القناع: 5/232، غاية المنتهى: 3/105.
(4/1465)
[856-] قلت1 لأبي
عبد الله2 أحمد بن محمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-: قول3 رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم: "استأمروا4 النساء في أبضاعهن". 5
__________
1 القائل هو صاحب المسائل إسحاق الكوسج يقول أحياناً: "قلت لأبي عبد الله"،
وأحياناً: "قلت لأحمد"، وأحياناً: "قلت لإسحاق"، وأحياناً: "قلت قال فلان
كذا".
2 يكنى الإمام أحمد بابنه عبد الله وهو مشهور بذلك.
3 الحديث عن ابن أبي مليكة عن أبي عمرو ذكوان مولى عائشة -رضي الله عنها-:
وهو متفق عليه. ورواه أيضاً أحمد والنسائي.
اللفظ المذكور هنا لأحمد، ولفظ البخاري في كتاب الإكراه: "قالت: قلت: يا
رسول الله يستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: نعم، قلت: فإن البكر تستأمر
فتستحي فتسكت، قال سكاتها إذنها" ونحو هذا لفظ مسلم والنسائي.
[] انظر: البخاري: 8/57، 62 صحيح مسلم: 2/1037، النسائي:6/85-86، المسند:
6/45، 203.
4 قوله: "استأمروا" الائتمار والاستئمار المشاورة، والتآمر على وزن التفاعل
ومن المؤامرة المشاورة فيكون المعنى: شاوروهن في تزويجهن.
انظر: الصحاح: 2/582، تاج العروس: 10/86، النهاية في غريب الحديث: 1/66.
5 قوله: "أبضاعهن" جمع بضع والبضع اختلف فيه، فقيل هو الفرج وقيل هو
الجماع. يقال: أبضعت المرأة إبضاعاً، إذا زوجتها، ويقال ملك فلان بضع فلانة
إذا ملك بعقده نكاحها، وهو كناية عن موضع الغشيان، وقال بعضهم: ابتضع فلان
وبضع، إذا تزوج، والمباضعة المباشرة، يقال: باضعها مباضعةً إذا باشرها.
[] انظر: تهذيب اللغة: 1/488، الصحاح: 3/1186، النهاية في غريب الحديث:
1/132-133.
(4/1466)
للرجل أن يزوج ابنته بكراً من غير أن
يستأمرها؟
قال:1 ما يعجبني2، فإذا سكتت فزوجت ثم رجعت، فليس لها ذلك3، وإن زوّجها
أبوها بغير أمرها فالنكاح جائز، وأحب إلي أن يستأمرها.4
__________
1 من هنا تبدأ إجابة الإمام أحمد.
2 هذا اصطلاح عند الإمام أحمد -رحمه الله- وفيه وجهان عند الحنابلة:
أحدهما: أن المقصود به الكراهة. والوجه الآخر: أن المقصود به التحريم.
والذي قال عنه الإمام أحمد: ما يعجبني تزويج البكر من غير استئذان، إذا
زوجها غير أبيها وكانت بالغة كما يفهم من كلامه الآتي: "وإن زوجها أبوها".
ومسائل تزويج الصغير تأتي مفصلة، ومذهب الإمام أحمد أنه ليس لغير الأب
إجبار كبيرة.
راجع المغني: 6/489، الإشراف: 4/35، المبدع: 7/22، الكافي: 3/27.
3 ويأتي ذلك عن الإمام أحمد في مسألة رقم: 859.
4 روي عن الإمام أحمد روايتان في تزويج الأب ابنته البكر البالغة العاقلة
وإجبارها.
إحداهما: هذه وهي أن له الإجبار مع استحباب استئذانها.
والثانية: ليس له إجبارها لما صح من عدم تزويجها إلا بعد استئذانها، ومن
ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "
لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن". فقالوا: يا رسول
الله كيف إذنها؟ قال: "أن تسكت".
أخرجه البخاري: باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما 6/132.
ومسلم: باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت 2/1036.
والرواية الأولى هي المشهورة عن الإمام أحمد وعليها المذهب، ومما استدل به
عليها مفهوم حديث أبي هريرة السابق والحديث الذي أخرجه مسلم 2/1037، عن ابن
عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الأيّم
أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صُماتها".
قال ابن قدامة: فلما قسم النساء قسمين وأثبت الحق لإحداهما، دل على نفيه عن
الأخرى وهي البكر، فيكون وليها أحق منها بها.
ومسألة صحة نكاح من أجبرها أبوها على النكاح كما هو المذهب، فيما إذا زوجها
الولي كفؤاً وأبوها يجبرها لكن يكون ذلك إذا زوجها كفؤاً، فإن زوجها غير
كفء بدون رضاها فعن الإمام أحمد في صحة النكاح روايتان.
وقال ابن مفلح في المبدع ونقله عنه البهوتي في كشاف القناع: "وقد صرح بعض
العلماء أنه يشترط للإجبار شروط: أن يزوجها من كفء، بمهر المثل، وأن لا
يكون المزوج معسراً، وأن لا يكون بينها وبين الأب عداوة ظاهرة، وأن يزوجها
بنقد البلد."
[] انظر: المغني: 6/487-488، المبدع: 7/22-23، الإنصاف: 8/56، الكافي:
3/26، [] [] الإشراف: 4/35، كشاف القناع: 5/43-44.
(4/1467)
قال إسحاق: كما قال1، وإن أبت2 قبل أن
يزوجها وهى بكر
__________
1 من بداية المسألة إلى هنا غير موجودة في نسخة ع.
2 في ع بلفظ: "فإن أبت".
(4/1468)
جبرت عليه، ذكر عن النبي صلّى الله عليه
وسلّم1 ذلك، وبه أخذ2 ابن أبي ليلى.
[857-] قلت: فحديث3 خنساء4 ابنة خذام
__________
1 أي روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على ذلك ومن ذلك حديث ابن
عباس -رضي الله عنهما- السابق الذي أخرجه مسلم. ووجه الاستدلال به على
المسألة سبق نقله عن ابن قدامة.
انظر: عن قول الإمام إسحاق في المسألة: الإشراف: 4/35، المغني: 6/487، ونيل
الأوطار: 6/123، وتحفة الأحوذي: 4/242.
2 نسب ذلك ابن المنذر في الإشراف لابن أبي ليلى، وكذلك ابن قدامة في المغني
والشوكانى في نيل الأوطار.
انظر: الإشراف: 4/35، المغني: 6/487، نيل الأوطار: 6/123.
3 حديث خنساء المذكور أخرجه البخاري في صحيحه، باب إذا زوج ابنته وهي
كارهة، فنكاحه مردود: 6/135.
ونص الحديث: عن يزيد بن جارية عن خنساء بنت خذام الأنصارية "أن أباها زوجها
وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحه."
وأخرجه أبو داود: 2/279، والنسائي: 6/86، وأحمد في المسند:1/273،
والدارقطني: 3/321، والدارمي: 2/139.
4 هي خنساء بنت خذام بن خالد بن وديعة من بني عمرو بن عوف من الأوس
الأنصارية، أنكحها أبوها وهي كارهة فرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
نكاحها، وتزوجت بعد ذلك أبا لبابة بن عبد المنذر، فولدت له السائب. واختلفت
الأحاديث في حالها في ذلك الوقت هل كانت بكراً أم ثيباً؟
والراجح أنها كانت ثيباً، وهو الذي نقله الإمام مالك، والثابت في صحيح
البخاري ورجحه ابن عبد البر.
انظر: الإصابة: 4/279، الاستيعاب: 4/287.
(4/1469)
في1 الثيب؟
قال: هكذا هو.
[858-] قلت: الثيب لا بد من2 أن يستأمرها، فإن
زوجها أبوها وهي كارهة يرد النكاح؟ قال: نعم،3 ولا يرد نكاح الأب في
البكر
__________
1 ومعنى السؤال: أتقول حديث خنساء التي رد الرسول نكاحها بعد ما زوجها
أبوها وهي كارهة، خاص بالثيب؟ فأجاب الإمام أحمد بأنه هكذا.
2 في ع بحذف: (من) .
3 وردت عن الإمام أحمد نحو هذه الرواية في مسائله برواية ابنه عبد الله ص
226 لحديث خنساء بنت خذام السابق تخريجه في مسألة رقم: 857، ولا خلاف في
ذلك عند الحنابلة إذا كانت بالغة عاقلة.
قال المرداوي: "الثيب البالغة العاقلة ليس له إجبارها بلا نزاع، وأما الثيب
العاقلة التي لها تسع سنين فأكثر ولم تبلغ ففي جواز إجبار أبيها لها وجهان
للأصحاب، والمذهب ليس له إجبارها، وعليه جماهير أصحاب الإمام أحمد، والثيب
العاقلة التي لها دون تسع سنين، ففي جواز إجبار أبيها لها وجهان أيضاً".
قال المرداوي: "له إجبارها على الصحيح من المذهب، وقطع به كثير من الأصحاب"
ا. هـ.
[] انظر: المبدع: 7/23-24، الإنصاف: 8/56، 57، كشاف القناع: 5/43، المغني:
6/491- 493، الكافي: 3/26.
(4/1470)
إذا لم يستأمرها.1
قال إسحاق: هو2 كما قال، لأنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في تزويج
الثيب لا بد من أن تعرب عن نفسها، وصح3 ذلك.
[859-] قلت: الصغيران إذا زوجا بغير أمرهما ثم أدركا خُيِّرا، دخل بها أو
لم يدخل؟
قال أحمد: إذا دخل بها فقد رضي، وإذا لم يكن زوجهما أبواهما خُيِّرا.4
__________
1 على المذهب وسبق هذا في مسألة رقم: 856.
2 في ع بلفظ: "كذا هو".
3 ومن ذلك حديث أبي هريرة المتفق عليه: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر".
وحديث ابن عباس الذي أخرجه مسلم "الأيم أحق بنفسها من وليها"، وسبق
تخريجهما في مسألة رقم: 856.
وانظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف على مذاهب العلماء: 4/36.
4 للأب خاصة تزويج ابنه الصغير، وكذلك بنته الصغيرة، أذنا أو كرها، وقد بوب
له البخاري في صحيحه، باب إنكاح الرجل ولده الصغار، لقوله تعالى:
{وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ
فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} سورة الطلاق:
3، فجعل عدة الصغيرة ثلاثة أشهر قبل البلوغ فدل على أن نكاحها قبل البلوغ
جائز.
وروى البخاري في صحيحه: 6/134 "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج عائشة
وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع سنين".
وكذلك رواه مسلم تحت باب تزويج البكر الصغيرة: 2/1038.
ولأنه يتصرف في ماله بغير توليه فكان له تزويجه.
قال المرداوي في الإنصاف: "هذا هو الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب
ونص عليه في كل واحد منهما." ا. هـ.
أما غير الأب، فليس له ولاية على صغير ولا صغيرة.
وعن الإمام أحمد رواية أن لغير الأب أن يزوجهما، ولكن إذا زوجهما يثبت
الخيار لهما إذا أدركا ليستدركا ما فاتهما، وهذا ما أجاب به الإمام أحمد في
هذه المسألة.
وورد عن الإمام أحمد نحو هذه الرواية في مسائل ابن هانئ: 1/200، وكذلك في
مسائله برواية أبي داود السجستاني: 163.
انظر: الإنصاف: 8/52، 53، 57، 60، والمغني: 6/499، والمبدع: 7/37، والفروع:
5/172.
(4/1471)
قال إسحاق:1 هو كما قال، إلا أن يكون دخل
بها قبل أن تبلغ
__________
1 العبارة في ع بلفظ:" قال إسحاق: لا يكون للدخول بها قبل أن يبلغ موضع
الاختيار".
(4/1472)
موضع الاختيار.1
قال إسحاق: إذا زوّجهما أبواهما صغيرين فماتا توارثا،2 ولا يتوارثان إذا لم
يزوجهما الأبوان.3
[860-] قال أحمد: لا أرى للولي ولا للقاضي أن يزوِّج اليتيمة4 حتى تبلغ تسع
سنين، فإذا بلغت تسع سنين فرضيت فلا خيار لها.5
__________
1 وهو ما قبل تسع سنين كما سيأتي عن الإمام إسحاق في مسألة رقم: 862.
2 لصحة تزويج الأب أولاده الصغار، ومن أصرح الأدلة على ذلك تزويج أم
المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي صغيرة
لم تدرك، وسبق تخريجه في التعليق رقم: 4، من هذه المسألة: 859.
3 ولأبي داود في مسائله عن الإمام أحمد عدم التوارث.
انظر: مسائل أبي داود: ص/163، وانظر أيضاً: المبدع: 7/26.
4 اليتيمة هي الصغيرة التي مات أبوها.
انظر: المغني: 6/490، وتحفة الأحوذي: 4/245.
والصحيح من المذهب أن الصغيرة إذا بلغت تسع سنين لها إذن معتبر، ومن ثم إذا
بلغت تسع سنين جاز لكل ولي من أوليائها أن يزوجها برضاها على المذهب كما
ذكره المرداوي، فإذا رضيت فزوجت فلا خيار لها بعد ذلك.
[] انظر: الإنصاف: 8/57، كشاف القناع: 5/43-44.
5 اختلفت الروايات عن الإمام أحمد في إنكاح الصغيرة اليتيمة إلى ثلاث
روايات:
إحداها: أنه لا يجوز إنكاح اليتيمة حتى تبلغ لما وري أن قدامة بن مظعون زوج
ابنة أخيه من عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، فرفع ذلك إلى النبي -صلى
الله عليه =
(4/1473)
...............................................................................
__________
وسلم- فقال: "إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها".
وفي حديث أبي هريرة: "تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن
أبت فلا جواز عليها."
أخرجه أبو داود: 2/574، والترمذي وحسنه: 3/417.
الثانية: والتي وافق فيها الإمام إسحاق الإمام أحمد أنه يجوز إنكاح
اليتيمة، ولها الخيار إذا بلغت، وهو قول الحنفية، دليلهم قوله تعالى:
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ
لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} سورة النساء، آية: 3.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: فيه دلالة على تزويج الولي لليتيمة التي
دون البلوغ بكراً كانت أو ثيباً، وقد أذن في تزويجها بشرط أن لا يبخس من
صداقها. فدلت الآية بمفهومها أن نكاح اليتيمة جائز إذا أقسطوا لها في
الصداق، وإذا لم يقسطوا لها في الصداق ولم ترغب ذلك نُهوا عن ذلك.
الرواية الثالثة: يجوز إنكاح الصغيرة اليتيمة إذا بلغت تسعاً بإذنها، ولا
يجوز قبل ذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن
سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها ". رواه أبو داود: 2/574.
ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل بعائشة -رضي الله عنها- وهي ابنة تسع
وقيدت بابنة تسع لقول عائشة: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة".
وروي ذلك مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وسبق تخريج ذلك في مسألة رقم: 859، ولأنها حينئذ تصلح للنكاح وتحتاج إليه.
والصحيح من المذهب أن الصغيرة إذا بلغت تسع سنين لها إذن معتبر، ومن ثم إذا
بلغت تسع سنين جاز لكل ولي من أوليائها أن يزوجها برضاها على المذهب، كما
ذكره المرداوي، فإذا رضيت فزوجت فلا خيار لها بعد ذلك.
[] انظر: الإنصاف 8/57، وكشاف القناع 5/43-44.
[] وانظر أيضاً: الكافي: 3/26-27، المغني: 6/490، بدائع الصنائع: 2/239،
فتح القدير: [3/277،] فتح الباري: 9/197، تحفة الأحوذي: 4/246-247، جامع
الترمذي: 3/417.
(4/1474)
قال أحمد: ولا أرى للرجل1 أن يدخل بها إذا
زوجت وهي صغيرة دون تسع سنين2.3
[861-] قلت: فإن ماتا يتوارثان؟
قال: لا أدرى.4
__________
1 في ع بلفظ: "ولا أرى للزوج".
2 هذا لما ثبت في الحديث المتفق عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل
بعائشة أم المؤمنين وهي ابنة تسع سنين، ولما ورد عن عائشة -رضي الله عنها-
أنها قالت: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ".
والحديث سبق تخريجه في المسألة رقم: 859. وانظر أيضاً: تحفة الأحوذى:
4/245.
3 نهاية اللوحة رقم: 81 من نسخة ع، وبداية اللوحة رقم: 82.
4 في هذه المسألة تفصيل:
فإذا كان الزواج للصغيرين من قبل الأبوين، فعن الإمام أحمد روايتان:
والمعتمد أنهما يتوارثان لما حكاه ابن قدامة عن الأثرم أن قدامة بن مظعون
-رضي الله عنه- تزوج ابنة الزبير -رضي الله عنهما- حين نفست، فقيل له،
فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني، وإن عشت كانت امرأتي.
وزوج علي -رضي الله عنه- ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهي
صغيرة.
أما إذا كان الذي زوج الصغيرين غير الأبوين، فعن الإمام أحمد روايتان
أيضاً.
والراجح عنده أنهما لا يتوارثان، وبذلك قال الإمام إسحاق، وبه قال قتادة.
روى عبد الرزاق بسنده عن قتادة إذا أنكح الصغيرين وليهما، فماتا قبل أن
يدركا فلا ميراث بينهما.
انظر: المغني: 6/487، والإنصاف: 8/57، والمبدع: 7/26، ومصنف عبد الرزاق:
6/163.
(4/1475)
قال إسحاق: كما قال، ولا يتوارثان.
قال إسحاق: وأما الرجل يزوج ابنة أخيه وهي صغيرة1، فبنى بها الزوج وهي
صغيرة فحاضت عند الزوج، فقالت: لا أرضى، فإن السنة في ذلك إذا كان دخل2 بها
وقد [ظ-23/أ] أدركت
__________
1 ويكون ذلك فيما إذا رغبت هي الزواج فيزوجها ويكون لها الخيار بعد
الإدراك، يقول الإمام إسحاق في المسألة رقم:862 الآتي: "ولا نرى للولي- أي
غير الأب- أن يزوج الصغار أبداً دون أن تبلغ تسع سنين، إلا أن تكون راغبة
فحينئذ تُزوّج ويكون لها الخيار إذا أدركت".
ويأتي عنه رحمه الله في المسألة المذكورة والحالة هذه أنها لا توطأ حتى
ترضى، أي ولا يعتد برضاها إلا بعد الإدراك.
2 في ع بلفظ: "إن كان دخوله"، والمعنى يستقيم باللفظين.
(4/1476)
إدراك العقل ممن توطأ فرضيت حينئذ جاز
ذلك،1 وإن لم تكن حاضت وقد كانت سلمت إلى الزوج 2 وهي ممن لا توطأ فإن ذلك
لا يحل وليس له أن يجامعها أبداً حتى ترضى، ثم يجامعها بلغت الوطء أم لا.3
وجهل هؤلاء إذ قالوا له أن يجامعها [والخيار لها إذا حاضت وإن كان] 4 بعد
ذلك فإن ذلك لا يسع أن يجامعها حتى تبلغ مبلغها فتختار لأنه ليس لها أن
تختار نفسها وقد وطئت قبل ذلك برضاها.5
__________
1 أي: إذا رضيت حينئذ بالوطء، وكانت مدركة جاز ذلك، ولم يضر قولها بعد ذلك
لا أرضى، وصدر المسألة فيما إذا وطئت وهي صغيرة، ولكن الحكم الذي ذكره
الإمام إسحاق فيما إذا وطئت بعد الإدراك كما يفهم من كلامه.
2 نهاية اللوحة رقم: 43، من ظ، وبداية اللوحة رقم: 44 من ظ.
3 ويأتي عن الأئمة الثلاثة أحمد وإسحاق وسفيان أنها إذا رضيت يشهدان على
ذلك في مسألة رقم: 864.
4 ما بين المعقوفين عبارة ع، وعبارة ظ "فالخيار لها إذا كانت، وإن كانت بعد
ذلك"، وما أثبت يستقيم به الكلام أكثر.
5 يصح نكاح غير الأب للصغير والصغيرة عند الحنفية، ولهما الخيار إذا بلغا
عند أبي حنفية ومحمد بن الحسن، ولا خيار لهما عند أبي يوسف.
وإذا بلغت الصغيرة ولم يطأها قبل البلوغ وسكتت بعده انقطع بذلك اعتبار
رضاها، وإن كان وطئها قبل البلوغ، فبلغت وهي ثيّب- كما هي عبارة الكاساني
الحنفي في بدائع الصنائع- فسكتت، لا يبطل خيارها بذلك بل لا بد من صريح
الرّضى بالنكاح.
انظر: بدائع الصنائع: 2/239، 316، فتح القدير: 3/277، 278.
أي أننا إذا جعلنا لها رضى معتبراً فوطئت برضاها لا يكون لها الخيار بعد
ذلك.
(4/1477)
وإن كانت لم ترض بالوطء "يجعلون"1 لها
أمراً ورد حتى تحيض فوطئت، فلما حاضت ردت2 فإن المهر لها على الزوج ثم يفرق
بينهما. وكل متزوجين على هذه الحال يموت أحدهما قبل الإدراك فلا ميراث
بينهما أبداً، فكيف يكون ميراث بعضهم من بعض وكان الخيار لهما قائماً في
فسخ النكاح، وإنما الميراث لأحدهما من الآخر إذا كان نكاحاً تاماً، وذلك أن
لو زوجهما
__________
1 العبارة غير واضحة وفي النسختين "لا يجعلون"، وحذفت "لا" لإيجاد معنى
تستقيم به العبارة إلى حد ما، وهؤلاء- على حد تعبير الإمام إسحاق- ما داموا
قالوا: يثبت لها الخيار إن وطئت بالرضى، فلأن يثبت الخيار لمن وطئت بدون
رضاها أولى، ولم أر من قال لا يجعل لها الأمر إذا وطئت بدون رضاها.
2 الظاهر أن قوله "وردت" وما بعده من كلام الإمام إسحاق، فإنه بعد ما بين
من قال: يجوز وطؤها ولها الخيار إذا بلغت، عقبه بتوضيح مذهبه في المسألة،
وأن ذلك لا يجوز عنده، ثم بين أيضاً أنهم جعلوا لها الأمر في حالة ما إذا
لم ترض بالوطء وأنه لا يختلف الأمر في ذلك عندهم، فعقبه أيضاً بما يلزم
عنده فيما إذا وطئت بدون رضاها وأنها ترد منه وتعاد إليه بعد الحيض أي
البلوغ، فإن رضيت وطئها زوجها، وإلا فرق بينهما برضاها. والله تعالى أعلم.
(4/1478)
الآباء وكانا صغيرين فيكون الميراث هو1 لكل
واحد من الآخر لو مات قبل الإدراك لأنه لا خيار لواحد منهما لما تم النكاح
بينهما، وكلما زوّج أحد من الأولياء غير الآباء فلها الخيار إذا أدركت،
كذلك لو زوّجهما القاضي أيضاً كان الخيار لهما أيضاً.
[862-] وسألت2 إسحاق عن اليتيمة ليست بمدركة زوّجها الولي؟ فإن زوجها الولي
كان اختيارها نفسها فرقة أم لا؟ وهل يدخل بها قبل أن تدرك؟ ومتى إدراكها؟
ولها أن تختار قبل أن تدرك؟
قال إسحاق: السنة في ذلك أن تختار إذا أدركت، وإدراكها إذا جاوزت تسع سنين
لأنها حينئذ ممن تحيض وتلد، فإن زوجها الولي فأراد أن يبني بها قبل الإدراك
لم يحكم له بها حتى تختار، وليس اختيارها بشيء ما لم تدرك.
وإذا ماتا أو أحدهما قبل الإدراك لم يتوارثا أبداً، ولا نرى للولي بأن
يزوّج الصغيرة أبداً دون أن تبلغ تسع سنين [ع-42/أ] ، إلا أن تكون راغبة
فحينئذ تزوَّج ويكون لها الخيار إذا أدركت.
__________
1 في ع بحذف "هو".
2 المسألة في ع بلفظ: "قال سألت إسحاق عن اليتيمة ليست بمدركة، يزوجها
الولي، فإن زوجها الولي جعل اختيارها لنفسها".
(4/1479)
وإن1 أدركت فاختارت نفسها فلها أن تتزوج من
غير أن يفرق بينهما الحاكم، وأخطأ هؤلاء حين قالوا2 يفرق بينهما الحاكم3
كما لا يتوارثان.
[863-] قلت لأحمد:4 قال سفيان:5 إذا استأمرت
البكر وقد زوجتها، فقالت: لا أرضى فلها ذلك.
قال أحمد: إذا كان من غير أب.6
__________
1 في ع بلفظ: "وإذا".
2 في ع زيادة: "ما لم".
3 سبق في المسألة رقم: 861 ما يتعلق بتعبير الإمام إسحاق -رحمه الله- "وجهل
هؤلاء".
وعلل الحنفية ما ذهبوا إليه من أنه لا بد أن يفرق بينهما الحاكم أن أصل
النكاح هنا ثابت وحكمه نافذ، وإنما الغائب وصف الكمال وهو صفة اللزوم، فكان
الفسخ باختيارها رفعاً للأصل بفوات الوصف، وفوات الوصف لا يوجب رفع الأصل
لما فيه من جعل الأصل تبعاً للوصف، فلا بد من رفعه حينئذ إلى من له الولاية
العامة وهو القاضي ليرفع النكاح باختيار أحد الزوجين الذي ثبت له خيار
الإدراك.
[] راجع بدائع الصنائع: 3/1514، وفتح القدير لابن الهمام: 3/277-278.
4 في ع بحذف: "لأحمد".
5 انظر: عن قول سفيان في عدم جواز إجبار غير الأب البكر.
معالم السنن للخطابي: 2/574، وجامع الترمذي: 3/417، والمغني: 6/489.
6 لا يجوز لولي غير الأب تزويج بكر بالغة عاقلة إلا بإذنها، وتزويج الأب
لها من غير إذن مختلف فيه فلأن لا يجوز لولي آخر أولى.
أما الأب فقد سبق في المسألة رقم: 856.
(4/1480)
قال سفيان:1 فإن قالوا لها: لا تردي أمرنا
فإنا قد زوجناك، فترضى.
قال: يستقبلون نكاحاً جديداً فإن لم يفعلوا2 وأقروها على نكاحها ثم قالت
بعد: لا أرضى، فلها ذلك.
قال أحمد: هو كما قال إذا كان3 من غير أب.
قال إسحاق: هو هكذا كما قال.
[864-] قلت: قال سفيان: يتيمة زوجت ودخل4 بها
الزوج ثم حاضت عند الزوج بعد؟
قال:5 تخير فإن اختارت نفسها لم يقع التزويج وهي أحق
__________
1 في ع بحذف كلمة "سفيان".
2 توجد في ع كلمة غير واضحة.
3 في ع بحذف: "كان".
4 في ع: "ثم".
5 انظر: عن قول الإمام الثوري هذا: الأوسط لوحة رقم: 190، واختلاف العلماء
لمحمد بن نصر المروزي لوحة رقم: 20.
(4/1481)
بنفسها، وإن1 قالت: قد اخترت الزوج
فليشهد2، وهما على نكاحهما.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما3 قال.
[865-] قلت:4 قال سفيان: في الثيب إذا زوجت
فضحكت أو بكت أو سكتت؟
قال: لا يجزئ5 حتى تتكلم بإذن.
__________
1 في ع بلفظ: "فإن".
2 لأنه باختيارها زوجها يلزم النكاح، والنكاح تلزم فيه الشهادة على الرواية
المعتمدة عند الحنابلة، وهو رأي الإمامين سفيان وإسحاق.
[] انظر: عن لزوم الشهادة: المغني: 6/420-451، والمبدع: 7/47، وكشاف
القناع: 5/65، واختلاف العلماء لوحة رقم: 19، والأوسط لوحة رقم: 193.
3 انظر: عن قول الإمام إسحاق الأوسط لوحة رقم: 190، واختلاف العلماء لوحة
رقم: 20.
4 في ع بلفظ: "قال وسألت سفيان".
5 في ع بلفظ: "لا يجوز"، وما في نسخة ظ موجود في الإشراف مع عبارة السؤال
منسوبة للثوري فاعتضد بذلك، وهذا مما يؤيد أن ما في ظ هو الصواب.
انظر: الإشراف: 4/36.
وكذلك أيضاً نقلها ابن المنذر في كتابه الأوسط لوحة رقم: 189.
(4/1482)
قال أحمد: نعم، حتى تتكلم بإذن.1
قال إسحاق: هو كما قال في الأمرين جميعاً،2 ولكن لا يجوز الدخول بها قبل
الحيض3، وإن كان ضحكها على مذهب الرضى فهو كالسكوت في البكر إذا علم ذلك.
[866-] قلت: قول علي -رضي الله عنه-: "لا نكاح4
إلا بولي، فإذا بلغ
__________
1 قال ابن قدامة في المغني: "أما الثيب فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً في
أن إذنها الكلام" ا.?.
انظر: المغني: 6/493، والإنصاف: 8/64، والمبدع: 7/27.
2 الظاهر أنه يقصد الإجزاء بالكلام وعدم الإجزاء بما سواه وجعل نطقها
بالإذن غاية في حصوله، وهذا أقرب من أن يجعل الأمرين البكاء والسكوت. ويقال
إنه ذكر بعد ذلك الضحك لما نقل عنه ابن المنذر في الإشراف كالإمامين أحمد
وسفيان: بأنه لا يجوز قبول الضحك والسكوت والبكاء من الثيب حتى تتكلم،
وكلامه هنا دال على ذلك.
راجع الإشراف: 4/36، والأوسط لوحة رقم: 189.
3 في ع بلفظ: "قبل الحيض أبداً"، أي: قبل سن الحيض، رضيت أو لم ترض؛ لأنه
لا يعتبر رضاها حينئذ، كما سبق عن الإمام إسحاق في المسألتين رقم: 861،
862.
4 قول علي هذا ذكر الألباني في إرواء الغليل أنه رواه أبو عبيد في الغريب،
وكذلك رواه ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث: 1/414، إرواء الغليل:
6/251، 252.
(4/1483)
النساء نص الحقاق1 فالعصبة أولى".
قال أحمد: العصبة أولَى أن يزوجها.
قال إسحاق: يقول إذا بلغت المرأة أن توطأ، فحينئذ العصبة أولى بتزويجها
[ظ-23/ب] .
وقيل: ذلك لا ينبغي للعصبة أن يزوجوا، إنما ذلك للأب قبل أن تدرك.2
[867-] قلت: حديث زياد: 3 أيما امرأة نزعت إلى
رجل وأبى وليها أن
__________
1 الحقاق: المخاصمة، وهو أن يقول كل واحد من الخصمين: أنا أحق به. ونص
الشيء غايته ومنتهاه. والمعنى: أن الجارية ما دامت صغيرة فأمها أولى بها،
فإذا بلغت فالعصبة أَولى بأمرها، فمعنى بلغت نص الحقاق: غاية البلوغ.
وقيل أراد بنص الحقاق بلوغ العقل والإدراك لأنه إنما أراد منتهى الأمر الذي
تجب فيه الحقوق، وقيل المراد بلوغ المرأة الحد الذي يجوز فيه تزويجها
وتصرفها في أمرها تشبيهاً بالحقاق من الإبل، جمع حق وحقة وهو الذي دخل في
السنة الرابعة، وعند ذلك يتمكن من ركوبه وتحميله، وهو الذي فسر به الإمام
إسحاق، ويدل عليه كلام الإمام أحمد.
انظر: لسان العرب: 10/53، النهاية في غريب الحديث: 1/414، كشاف القناع:
5/52، المغني: 6/456.
2 كما تكرر ذلك في المسائل السابقة. انظر: مسألة رقم: 859، 862.
3 هو زياد بن أبي سفيان ويقال زياد بن أبيه وزياد بن أمه وزياد بن سمية،
واختلف في وقت مولده، فقيل عام الفتح وقيل عام الهجرة وقيل غير ذلك، يكنى
أبا المغيرة. وكان رجلاً عاقلاً في دنياه، داهية خطيباً. مات بالكوفة سنة
ثلاث وخمسين. الاستيعاب: 2/548.
(4/1484)
يزوجها إياه، فإن كان كفؤاً1 زوجته؟ 2
قال أحمد: إذا لم يزوجها الولي، وكان كفؤاً زوجها السلطان، وإن كان وليها
أبوها فلم يزوجها وكان كفؤاً زوجها السلطان.3
__________
1 الكفؤ: المثيل والنظير، والكفاءة لغة المماثلة والمساواة.
انظر: مختار الصحاح: ص 573، لسان العرب: 1/139.
وشرعاً: كون الزوج نظيراً للزوجة، ويدخل تحت الكفاءة خمسة أشياء: الدين،
المنصب، الحرية، الصناعة، اليسار.
[] انظر: كشاف القناع: 5/67-68، المغني: 6/482، المجموع: 16/182.
2 حديث زياد هذا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 6/202 عن الثوري عن يونس عن
الحسن قال: قال زياد: أيما امرأة ترغب إلى رجل، نظرنا: فإن رأينا أنها ترغب
إلى كفء زوجناها وإن أبى الولي، وإن كانت ترغب إلى غير كفء لم نزوجها.
3 وهذا يسمى بالعضل وهو منع المرأة التزوج بكفء إذا طلبت ذلك ورغب كل منهما
في صاحبه.
وفي المسألة روايتان عن الإمام أحمد:
إحداهما: ما أجاب به الإمام هنا، وهي أن الولاية تنتقل إلى السلطان.
الثانية: أنها تنتقل إلى الأبعد، وهو الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب
كما في الإنصاف، وصححها ابن مفلح في المبدع.
ونصرها ابن قدامة في المغني حيث قال: "ولنا أنه تعذر التزويج من جهة الأقرب
فملكه الأبعد كما لو جن، ولأنه يفسق بالعضل فتنتقل الولاية عنه كما لو شرب
الخمر، فإن عضل الأولياء كلهم زوج الحاكم."
[] انظر: المغني: 6/476، والمبدع: 7/36، والإنصاف: 8/75، والفروع:
5/176-177.
(4/1485)
قال إسحاق: هو كما قال.1
[868-] قلت لأحمد: قول عمر -رضي الله عنه-: "لأمنعنّ فروج2 ذوات الأحساب3
إلا من
__________
1 انظر: عن قول الإمام إسحاق الإشراف على مذاهب العلماء: 4/45.
2 الفروج جمع فرج: وهو ما بين الرجلين، يقال للفرس ملأ فرجه وفروجه إذا عدا
وأسرع، وبه سمي فرج المرأة والرجل لأنه بين الرجلين، ويطلق على الفرج
العورة وكذلك السوأة.
[] انظر: لسان العرب: 2/342-343، مختار الصحاح: ص 495، النهاية في غريب
الحديث: 3/423.
3 الأحساب: جمع حسب، والحسب بفتح المهملتين ثم موحدة أي الشرف، والحسب في
الأصل الشرف بالآباء والأقارب، مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا
عدّوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على غيره،
وقيل الفعال الحسنة، وقيل المال.
[] انظر: لسان العرب 1/310-311، ومختار الصحاح ص135، والنهاية في غريب
الحديث 1/381.
(4/1486)
الأكفاء"؟ 1
قال أحمد: الكفؤ في الحسب والدين والمال.
قلت: رجل له حسب ومال ويشرب هذا الشراب؟ 2
قال: ما هو بكفء لها.
قلت: يفرّق بينهما؟
__________
1 الأكفاء جمع كفء، وسبق تعريف الكفء في المسألة رقم: 867.
ونص في كتاب الروايتين والوجهين لوحة رقم: 114 على رواية ابن منصور هذه.
وقول عمر -رضي الله عنه- هذا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/152. قال عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه-: لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء.
وأخرجه الدارقطني في سننه: 3/298 بنفس السند المذكور.
[] وقال عنه الألباني في إرواء الغليل 6/265-266: إنه ضعيف حيث فيه انقطاع،
فإن إبراهيم بن محمد بن طلحة لم يدرك عمر.
2 المقصود بالشراب الخمر، والخمر ما خامر العقل وغطاه، وقد نص عن الإمام
أحمد -رحمه الله- أن الذي يشرب الخمر ليس بكفء يفرَّق بينه وبين زوجته،
وذلك لأن شرب الخمر محرم بالإجماع لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
المائدة، آية 90.
فشرب الخمر معصية ونقص في الدين، ويأتي الدليل أن الدين مما يعتبر في
الكفاءة فلم يكن عاص يشرب الخمر كفؤاً لمطيعة لا يظهر منها نقصان في الدين.
انظر: المغني: 6/480، والمقنع بحاشيته: 3/29، وأحكام القرآن لابن العربي:
2/655.
(4/1487)
قال: نعم.1
قال إسحاق: كما قال.
[869-] قلت: سئل سفيان عن وليين زوّجا، لا يدرى أيهما زوّج قبل الآخر؟
قال: إن كان2 يدرى أيهما قبل الآخر فهي للأول، وإن كان لا يدرى فارق كل
واحد منهما.3
__________
1 الدليل على اعتبار الدين في الكفاءة قوله تبارك وتعالى: {أَفَمَنْ كَانَ
مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} الآية: 18 من سورة
السجدة.
ولأن الفاسق مرذول مردود الشهادة والرواية، غير مأمون على النفس والمال،
مسلوب الولاية، ناقص عند الله وعند خلقه، قليل الحظ في الدنيا والآخرة، فلا
يجوز أن يكون كفؤاً لعفيفة ولا مساوياً لها، بل يكون كفؤاً لمثله.
[] انظر: المغني: 6/483-484، المبدع: 7/52، غاية المنتهى: 3/26، الروايتين
والوجهين لوحة رقم: 115.
والدليل على اعتبار الحسب والمال والتقوى ما رواه سمرة بن جندب قال: قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحسب المال، والكرم التقوى."
أخرجه أحمد في المسند: 5/10، والحاكم في المستدرك: 2/163، وقال: صحيح على
شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
2 في ع زيادة "لا".
3 انظر: عن قول الإمام الثوري: جامع الترمذي: 3/419، الإشراف: 4/41.
(4/1488)
قال أحمد: يقرع1 بينهما فمن أصابته القرعة
فهي له.2
قال إسحاق: هو في القرعة كما قال.
__________
1 الاقتراع: الاستهام ومنه قوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ
الْمُدْحَضِينَ} سورة الصافات، آية: 141.
قال الخطابي وغيره: قيل الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا
اختلفوا في الشيء، فمن خرج سهمه غلب.
انظر: لسان العرب: 8/226، الجامع لأحكام القرآن: 15/123، فتح الباري:
2/236.
2 هذا إذا لم يعلم السابق منهما، وعن الإمام أحمد رواية أخرى أنه يفسخ
النكاحان، نص عليه أحمد في رواية الجماعة، وقدم ابن قدامة رواية الجماعة،
وبين المرداوي في الإنصاف أنها المذهب، أما إذا علم السابق منهما فعن
الإمام أحمد روايتان:
إحداهما: أنها للسابق ما لم يدخل بها الثاني، فإن دخل بها الثاني صار أولى،
لقول عمر -رضي الله عنه-: "إذا أنكح الوليان فالأول أحق، ما لم يدخل بها
الثاني".
الثانية: أنه إذا علم السابق فإنها تكون له وإن دخل بها الثاني، ووطء
الثاني لها وهو لا يعلم وطء شبهة يجب لها به المهر، فتعتد من الزوج الثاني
وترجع إلى زوجها الأول، لما رواه سمرة وعقبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
أنه قال: "أيما امرأة زوّجها وليان فهي للأول، ومن باع من رجلين فهو للأول
منهما."
رواه الحاكم وقال: صحيح، ووافقه الذهبي، وأخرجه أبو داود، وصححه أبو زرعة
وأبو حاتم، كما ذكره الحافظ في تلخيص الحبير: 3/165.
[] انظر: المغني: 6/510-512، الإنصاف: 8/88-90، الكافي: 3/14، المبدع:
7/42، بدائع الصنائع: 3/1374، تحفة الأحوذي: 4/248.
(4/1489)
[870-] قلت:1 سئل سفيان عن امرأة قالت
لأخيها، وهو صغير لم يحتلم [بعد] :2 زوّجني، فزوجها؟
قال: ليس بولي حتى يحتلم.3
[871-] وسئل عن المعتق4.
__________
1 في ع زيادة "قال" قبل قلت.
2 لفظة "بعد" التي بين المعقوفين ساقطة من ظ وأثبتها من ع.
3 الاحتلام في اللغة: مصدر احتلم إذا رأى في نومه، تقول احتلم، وحلم بفتح
الحاء واللام، وحلماً بضم اللام وسكونها مع ضم الحاء.
انظر: مختار الصحاح: 152، تاج العروس: 8/355، لسان العرب: 12/145.
وفي الاصطلاح: الاحتلام هو إنزال الماء الدافق من القبل، سواء كان يجماع أو
غيره، سواء كان في اليقظة أو المنام، ولو رأى في نومه أنه يجامع ولم ير
الماء لم يحكم ببلوغه، ويأتي ما يعتبر به البلوغ وتوضيحه في كلام إسحاق في
المسألة 871.
انظر: المبدع: 4/332، فتح الباري: 11/256.
وسيأتي توثيق قول الإمام الثوري في المسألة: 871.
4 انظر: عن قول الإمام الثوري في الصغير الذي لم يحتلم لا يكون ولياً،
وكذلك في المعتق لا يكون ولياً. الأوسط لوحة رقم: 191.
والمعنى أي: وسئل عن المعتق هل يكون ولياً؟ فأجاب بأنه لا يكون ولياً.
والعتق لغة: هو الخلوص، ومنه عتاق الخيل والطير أي خالصها، وسمي به البيت
الحرام لخلوصه من أيدي الجبابرة، والعتق خلاف الرق وهو الحرية.
انظر: تهذيب اللغة: 1/210، وتاج العروس: 7/3.
واصطلاحاً: العتق: إخراج النسمة من ذل الرق إلى عز الحرية، أو تحرير الرقبة
وتخليصها من الرق، وخصت به الرقبة، وإن تناول الجميع، لأن ملك السيد له
كالغل المانع له من الخروج، فإذا أعتق فكأن رقبته أطلقت من ذلك.
انظر: المبدع: 6/291، حلية الفقهاء: 208
(4/1490)
قال: ليس بولي.
قال أحمد: جيد. 1
قال إسحاق: كلاهما كما2 قال، أو يبلغ خمس عشرة سنة،3
__________
1 الاحتلام شرط في ظاهر مذهب الإمام أحمد لصحة الولاية.
وعن الإمام رواية مرجوحة أن الغلام إذا بلغ عشراً زوّج وتزوج وأجيزت
وكالته. قال المرداوي عن الرواية الأولى: "نص عليه في رواية ابن منصور" ا.
?.
وبين أنه هو المذهب، وقال ابن قدامة في المغني: "ولأن الولاية يعتبر لها
كمال الحال لأنها تتقيد بالتصرف في حق غيره فاعتبرت نظراً له، والصبي مولى
عليه لقصوره فلا تثبت له الولاية كالمرأة".
انظر: المغني: 6/466، والإنصاف 8/73، والكافي: 3/15، والمبدع: 7/35.
2 أي أن الصبي ليس بولي حتى يحتلم، وكذلك المعتق ليس بولي.
وانظر: عن قول الإمام إسحاق في اشتراط البلوغ في الولاية في النكاح المغني:
6/465.
ونقل الترمذي كلامه في العلامات الثلاث في جامعه: 3/642، ماعدا قوله ستة
أشبار.
3 الدليل على أن بلوغ الغلام خمس عشرة سنة علامة من علامات البلوغ: ما روي
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عرضه وهو ابن
أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه،
قال نافع- راوي الحديث-: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا
الحديث فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا
لمن بلغ خمس عشرة.
[] أخرجه البخاري في صحيحه، باب بلوغ الصبيان وشهاداتهم: 3/158-159.
قال الحافظ بن حجر: وقد استدل بقصة ابن عمر -رضي الله عنهما- هذه على أن من
استكمل خمس عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين، فيكلف بالعبادات وإقامة
الحدود، ويستحق سهم الغنيمة، ويُقتل إن كان حربياً، ويفك عنه الحجر إن أونس
رشده، وغير ذلك من الأحكام. وقد عمل به عمر بن عبد العزيز، وأقره نافع راوي
الحديث.
[] راجع: فتح الباري: 5/276-279.
(4/1491)
أو قد نبتت عانته1 او يحتلم فأي الخصال
الثلاث كانت فيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإنبات: هو أن ينبت الشعر الخشن حول ذكر الرجل أو فرج المرأة الذي أستحق
أن يؤخذ بالموس، وهو المقصود بالعانة.
أنظر المغني: 4/509، المبدع 4/333.
والدليل على أن الإنبات من علامات البلوغ ما روي عن عطية القرظي قال: كنت
من بني قريظة فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكنت
فيمن لم ينبت.
وفي رواية فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت، فجعلوني مع السبي.
أخرجه أبو داود تحت باب الغلام يصيب الحد 4/516.، وأخرجه الترمذي حديث
1584، وقال: حديث حسن صحيح.
(4/1492)
جاز تزويجه إلا أن يكون فاسقاً.1 وإن لم
يعرف [ع-44/ب] من العلامات الثلاث علامة وعلم أنه بلغ ستة أشبار2 فهو مثل
إحدى العلامات الثلاث.
[872-] قلت: وليان زوّجا امرأة فدخل بها الذي تزوجها بعد؟
قال: يفرق بينها وبين هذا ولها صداقها بما استحل منها، وترد إلى الأول.3
__________
1 عن الإمام أحمد في الفاسق روايتان:
الأولى: أن ولاية الفاسق لا تصح، ويكفي مستور الحال على الصحيح من المذهب
كما في الإنصاف.
وهذه هي الرواية المعتمدة في المذهب.
والرواية الثانية: عن الإمام أحمد: أن الفاسق تصح ولايته.
[] انظر: المغني: 6/466، والمبدع: 7/35، والكافي: 3/16، والإنصاف: 8/73-74.
2 الشبر بالكسر ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر، مذكر أشبار.
انظر: تاج العروس: 3/288، والصحاح: 2/692.
وما ذكره الإمام إسحاق -رحمه الله- من أن الغلام إذا بلغ ستة أشبار فهو مثل
إحدى العلامات الثلاث لم أقف عليه.
ويصعب تقدير البلوغ بذلك فإن خلقة الناس تتباين في ذلك، ولا يمكن أن تقاس
أعمارهم بطولهم وقصرهم.
3 سبق تفصيل الكلام على هذا في المسألة رقم: 869.
(4/1493)
قال إسحاق: هو كما قال.1 لما صح نكاح الأول
فلا يتم للثاني نكاح.
[873-] قلت: وليان زوّجا امرأة لا يدرى أيهما زوّج قبل؟
قال أحمد: ما أرى لواحد هاهنا2 نكاحاً.
قال إسحاق: هو كما قال إذا لم يتحقق الأول.3
[874-] قلت: سئل4 سفيان عن امرأة أسلمت على يدي
رجل، أيزوجها نفسه؟ 5
__________
1 في ع بلفظ "قال إسحاق كما قال هو لما صح نكاح الأول ولا يتم للثاني
نكاح".
2 في الإنصاف: 8/89، قال الإمام أحمد -رحمه الله- في رواية ابن منصور:"ما
أرى لواحد منهما نكاحاً." فيراجع.
3 سبقت المسألة والتفصيل فيها في المسألة رقم: 869.
4 في ع بلفظ: "سألت".
5 وردت نحو هذه المسألة في كتاب: الترجل، من مسائل الإمام أحمد، لوحة: 63.
والمسألة فيمن يكون ولياً لامرأة ويريد أن يتزوجها، وهي مبنية على أن من
أسلمت على يديه امرأة يكون وليها، وهو قول إسحاق، ورواية عن الإمام أحمد،
ونسبها إليهما ابن قدامة في المغني.
وقال عن الرواية الأخرى عن الإمام أحمد: "لا يكون ولياً لها ولا يزوج، يأتي
السلطان لأنه ليس من عصباتها، ولا يعقل عنها، ولا يرثها، فأشبه الأجنبي".
انظر: المغني: 6/461، الإنصاف: 8/70.
(4/1494)
فحدثني1 عن ابن سيرين أنه كان لا يرى به
بأساً.2
وكان الحسن يقول: لا، حتى يأتي السلطان.3
قال أحمد: [لا يزوج نفسه حتى يولي] 4 رجلاً يزوجها على حديث5 المغيرة بن
شعبة.
__________
1 القائل هو الراوي عن سفيان الثوري.
2 وهو قول سفيان الثوري أيضاً.
انظر: عن قوليهما: المغني: 6/470.
وعن قول الثوري أيضاً: الإشراف: 4/42، وفتح الباري: 9/188.
3 ونسب إليه في الإشراف: 4/42، والمغني: 6/470، مثل قول ابن سيرين، ولعل
ذلك روايتان عنه.
4 ما بين المعقوفين عبارة ع، وعبارة ظ "لا تزوج نفسها حتى تولي"، وما أثبتُ
يقتضيه سياق الكلام.
5 قال ابن قدامة في المغني: "قال أحمد -رحمه الله- في رواية ابن منصور: لا
يزوج نفسه حتى يولي رجلاً على حديث المغيرة بن شعبة، وهو ما روى أبو داود
بإسناده عن عبد الملك بن عمير "أن المغيرة بن شعبة أمر رجلاً زوجه امرأة
المغيرة أولى بها منه" ا.?
وما ذكره من أن الحديث رواه أبو داود فيه نظر، حيث إني لم أجده في مظانه من
سنن أبي داود.
والحديث أخرجه البخاري معلقاً تحت باب إذا كان الولي هو الخاطب.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: هذا الأثر وصله وكيع في مصنفه،
والبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عمير "أن المغيرة بن شعبة
أراد أن يتزوج امرأة وهو وليها، فجعل أمرها إلى رجل المغيرة أولى منه
فزوجه".
وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري وقال فيه: "فأمر أبعد منه فزوجه".
وأخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي ولفظه: "أن المغيرة خطب بنت عمه عروة
بن مسعود، فأرسل عبد الله بن أبي عقيل فقال: زوجنيها، فقال: ما كنت لأفعل،
أنت أمير البلد وابن عمها، فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها
منه" ا. ?.
قال الشيخ الألباني عن صاحب منار السبيل الذي نسب الحديث إلى أبي داود:
"وعزو المصنف لهذا الأثر إلى أبي داود، ما هو إلا وهم، فإنه ليس في سننه،
ولو كان عنده لم يخف على الحافظ إن شاء الله تعالى"، وصححه الشيخ الألباني.
وعدم جواز تولي طرفي العقد للولي الذي يرغب في نكاح من هو ولي لها إحدى
الروايتين عن الإمام أحمد في المسألة.
ونقل المرداوي عن الزركشي أنه قال عن هذه الرواية: "هذه الرواية أشهرهما
وأنصهما" ا.?.
والرواية الثانية: مثل قول الأئمة ابن سيرين والثوري وإسحاق، وهو أنه يجوز
ذلك.
قال المرداوي: "وهذا المذهب" ا.?
(4/1495)
قال إسحاق: هو كما1 قال، فإن فعلت2 جاز
فإنه وليها.
__________
1 أي ما قاله الإمام أحمد هو أولى، فأما الجواز فإنه يجوز تولي طرفي عقد
النكاح كما هي نص عبارته بعد ذلك.
انظر عن قوله ذلك: الإشراف: 4/46، المغني: 6/470.
2 في ع بلفظ "وإن فعل لأنه وليها".
(4/1496)
[875-] قلت: حديث
المغيرة بن شعبة أنه أمر رجلا أن يزوجه امرأة المغيرة أولى بها.
قال أحمد: كذاك نقول.1
قال إسحاق: كما قال، وإن تزوجها هو وأشهد فهو نكاح تام، لأن إذنه حين تزوج
منه وفعله سواء.2
[876-] قلت: كان يقال: الفروج إلى العصبة
والأموال إلى الأوصياء؟ 3
قال أحمد: جيد.4
__________
1 سبق تحرير قول الإمام أحمد في المسألة رقم: 874 السابقة.
2 سبقت الإشارة إلى قول الإمام إسحاق في المسألة السابقة رقم: 874.
3 وذلك ما روى عبد الرزاق في مصنفه: 6/202 عن الثوري قال: سمعنا أن الفرج
إلى العصبة والأموال إلى الأوصياء عمن يرضى به.
4 اختلفت الروايات عن الإمام أحمد هل تستفاد الولاية في النكاح بالوصية أم
لا، وعنه في ذلك ثلاث روايات:
ثالثتها: أنه لا تستفاد ولاية النكاح بالوصية إذا كان للموصي عصبة.
والمذهب أنها تستفاد بالوصية مطلقاً كما في الإنصاف.
قال ابن قدامة في المغني مستدلاً لها: "أنها ولاية ثابتة للأب فجازت وصيته
بها كولاية المال، ولأنه يجوز أن يستنيب فيها في حياته فيكون نائبه قائماً
مقامه بعد موته، فجاز أن يستنيب فيها كولاية المال" ا. هـ.
[] انظر: المغني: 6/463-464، الإنصاف: 8/83-84.
الروايتين والوجهين لوحة رقم: 110.
(4/1497)
قال إسحاق: كما قال.1
[877-] قلت: من أحق بالمرأة أن يزوجها؟
قال أحمد: أبوها، ثم الابن ثم الأخ ثم ابن أخيها ثم عمها2، فإن اجتمع الأخ3
والجد كان الجد أعجب إليّ أو الابن فالابن أعجب4 إلي.
__________
1 انظر: عن قول الإمام إسحاق الأوسط لابن المنذر، لوحة رقم: 190.
2 هذا ما عليه مذهب الإمام أحمد، وتوضيحه أنه يقدم في ولاية المرأة الحرة
أبوها وإن علا، ثم ابنها ثم ابنه وإن سفل، ثم الأخ، ثم ابن الأخ، ثم العمّ،
ثم ابن العم، ثم المولى المنعم بالعتق، ثم عصباته الأقرب فالأقرب، ثم
السلطان. أما الأمة فوليها سيدها، وإن كانت لامرأة فوليها ولي سيدتها.
[] انظر: المغني: 6/456-461، الإنصاف: 8/69-72.
3 في ع "فإن اجتمع الأخ والجد كان الجد أحب إليّ، الجد والابن فالابن
أعجب".
4 المذهب أن الجد يتقدم في الولاية على غير الأب من ابن وأخ وغيرهما.
وعن الإمام أحمد رواية أن الابن يتقدم على الجد، بل وحتى على الأب، وهو قول
الإمام إسحاق.
ويأتي تفصيل ذلك عند التعليق على كلام الإمام إسحاق في المسألة.
وأما الجد والأخ إذا اجتمعا فعن الإمام أحمد ثلاث روايات:
إحداها: ما عليه المذهب، وهو أن الجد مقدم في ذلك، وأجاب بذلك في مسألتنا
هذه.
والرواية الثانية: يقدم الأخ.
والثالثة: أنهما سواء في ذلك.
انظر: المغني: 6/457، الإنصاف: 8/69.
(4/1498)
قال إسحاق: كله كما قال، إلا أن الابن أولى
ثم الأب.1
وإن كان أخ لأب، وأخ لأب وأم، أو ابن عم للأب والأم، وابن عم لأب، فزوج
الذي للأب فقد أخطأ إذ لم يدع أن يلي ذلك أقربهما2 منها، ولكن لا يرد فعله3
إذا كان زوّجها من كفء
__________
1 وهو رواية عن الإمام أحمد كما سبقت الإشارة إلى ذلك في التعليق السابق،
وهو قول الإمام مالك أيضاً.
[] انظر: المغني: 6/456-459، المبدع: 7/30-32، المدونه: 2/143، الكافي في
مذهب أهل المدينة: 1/429، بداية المجتهد: 2/13.
2 في ع بلفظ "إذ لم يدع حتى يلي ذلك أقربهما".
3 إذا اجتمع أخ لأبوين وأخ لأب فعن الإمام أحمد روايتان:
إحداهما: أنهما سواء في الولاية لأنهما استويا في الإدلاء بالجهة التي
تستفاد منها العصوبة، وقال عنها ابن قدامة في المغني "وهو المشهور".
وبهذا قال الإمام إسحاق كما في المسألة.
الرواية الثانية: أن الأخ من الأبوين أولى من الأخ لأب، وذلك لأنه حق
يستفاد بالتعصيب، وهكذا الحال في بني الإخوة والأعمام وبنيهم.
انظر: المغني: 6/459، والمبدع: 7/31.
(4/1499)
لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا أنكح الوليان فالنكاح للأول"،1 وكل من وصفنا أولياء، فإذا كان أحدهما
أقرب من الآخر فإنما استحق بالقرب الميراث دون الآخر، ولا يزول عن أدناهما
اسم الولاية وذلك أنه ليس من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الوليين:
أيهما أقرب،2 وكل ولي كذلك، قاله3 مالك بن أنس ومن اتبعه.
[878-] قلت: إذا تزوجت بغير إذن وليها ثم أذن
الولي بعد ذلك؟
قال أحمد: أعجب [ع-43/أ] إليّ أن يستأنف النكاح الذي
__________
1 الحديث سبق تخريجه والتعليق عليه في المسألة رقم: 869.
2 المعنى والله أعلم: أنه إذا كان أحد الأولياء أقرب من الآخر فإنما استحق
بهذا القرب التقدم في الميراث، وهو أولى بالولاية في النكاح، ولكن نكاح
الأبعد منه صحيح لأنه له ولاية حيث إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين ذكر
الوليين في الحديث لم يفرق بين البعيد والقريب.
3 قال في المدونة: 2/143: "قلت أرأيت المرأة يكون أولياؤها حضوراً كلهم،
وبعضهم أقعد بها من بعض، منهم العم والأخ والجد وولد الولد والولد نفسه،
فزوجها العم فأنكر ولدها وسائر الأولياء تزويجها؟ قال: ذلك جائز".
(4/1500)
أخر.1
قال إسحاق: هو كما قال.2
__________
1 لأن الولي شرط في صحة النكاح على المذهب، كما في الإنصاف.
قال المرداوي:"وعليه الأصحاب، ونص عليه.
قال الزركشي:"لا يختلف الأصحاب في ذلك."ا.?
وعن الإمام رواية بأن الولي ليس شرطاً في صحة النكاح مطلقاً، وخصه بعض
الحنابلة بما إذا لم يكن هناك ولي أو سلطان.
ومما ورد في بطلان النكاح المذكور حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي
-صلى الله عليه وسلم- قال: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها
باطل. فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي
من لا ولي له."
أخرجه أبو داود: 2/567، 568، والترمذي: 3/408، وقال: حديث حسن، وأخرجه أحمد
في المسند: 6/47.
وصححه السيوطي في الجامع الصغير: 1/119، والألباني في إرواء الغليل: 6/243.
انظر: عن المسألة: المغني: 6/449، الإنصاف: 8/66، الإشراف: 4/39، 40،
والمحرر: [2/15-16.
2] مذهب الإمام إسحاق أن النكاح بلا ولي باطل كما يأتي تصريحه بذلك في
المسألة الآتية بعد هذه، ولكنه يصح عنده إن أجاز ذلك الولي للأثر الآتي عن
علي -رضي الله عنه-.
وانظر: عن مذهب الإمام إسحاق في عدم صحة النكاح بدون ولي: الاستذكار لوحة
رقم: 91، فقد نقل مسألة ابن منصور هذه وذكر إجابة الإمامين أحمد وإسحاق.
انظر أيضاً عن قوله: المغني: 6/449، شرح السنة: 9/41.
(4/1501)
ولكن إن1 أجاز جاز لأن علي بن أبى طالب
-رضي الله عنه- حيث رفع إليه حديث [ظ-24/أ] ابنة هانئ2 إذ زوجتها أمها
__________
1 في ع بلفظ "إذا".
2 هي بحرية بنت هانئ الأعور، وورد أيضاً بنت هانئ بن قبيصة، وهي مجهولة كما
ذكره الحافظ الدارقطني في سننه.
وحديثها ما رواه الدارقطني بسنده على الشيباني: "وهو أبو إسحاق سليمان بن
أبي سليمان الكوفي كما في التعليق المغني على الدارقطني." قال: كان فينا
امرأة يقال لها بحرية، زوجتها أمها وأبوها غائب، فلما قدم أبوها أنكر ذلك،
فرفع ذلك إلى علي ابن أبي طالب، فأجاز النكاح."
وروى القصة الدارقطني بسند آخر أن علياً قضى بذلك.
وروى الدارقطني عن الشيباني المذكور عن بحرية بنت هانئ الأعور أنه سمعها
تقول: زوجها أبوها رجلاً وهو نصراني فزوجت نفسها القعقاع بن شور، فجاء
أبوها إلى علي -رضي الله عنه-، فأرسل إليها، ووجد القعقاع قد بات عندها،
وقد اغتسل، فجيء به إلى علي وأن عليه خلوقاً، فقال أبوها: فضحتني والله، ما
أردت هذا، قال: أترى بنائي يكون سراً؟ فارتفعوا إلى علي –رضي الله عنه-
فقال: دخلت بها؟ قال: نعم، فأجاز نكاحها نفسها."
وما دامت راوية القصة مجهولة كما ذكره الحافظ الدارقطني، فإنه لا يقوى هذا
الأثر على معارضة الأدلة الصحيحة الواردة في اشتراط الولي في النكاح التي
منها حديث عائشة السابق، لا سيما أن في إحدى روايات القصة أن أباها كان
نصرانياً ولا ولاية لكافر على مسلمة.
[] انظر: عن هذا الأثر: سنن الدارقطني: 3/323-324.
(4/1502)
أجاز علي نكاحها وليس فيه تجديد النكاح،
وعلي يومئذ خليفة، فكل عقد نكاح مثل هذا [موقوف] 1 حتى يجيزه الولي أو
السلطان.
[879-] قلت:2 إذا تزوجها بغير إذن ولي ثم
طلقها؟
قال: أحتاط لها أجيز طلاقه.3
قال إسحاق: كلما طلقها وقد عقد النكاح بلا ولي لم يقع عليها طلاق، ولم يقع4
بينهما ميراث، لا شك في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فنكاحها
باطل ثلاثاً"،5 فالباطل منفسخ لا
__________
1 ما بين المعقوفين أثبته من ع لأنه به يكمل الكلام وتستقيم العبارة.
2 في ع بلفظ: "قال: قلت: إذا تزوجها بغير ولي ثم طلقها".
3 أي أجيز طلاقه من باب الاحتياط ومراعاة لخلاف من قال بصحة النكاح،
فالأورع عند الإمام أحمد أن من يريد ترك امرأة عقد عليها بدون ولي أن
يطلقها.
وقد سبق تحرير مذهب الإمام أحمد في النكاح بدون ولي في المسألة السابقة
رقم: 878.
وقد نص في كتاب الروايتين والوجهين لوحة رقم: 110 أن هذه رواية ابن منصور.
4 في ع بتكرار عبارة: "لم يقع".
5 ورد ذلك في حديث عائشة وسبق في المسألة السابقة رقم: 878 تخريجه.
(4/1503)
يحتاج إلى فسخ حاكم ولا غيره، وإن رفع إلى
حاكم فشرع في فسخه فحسن جميل لأن النكاح في العدة حرام أيضاً، وقد رفع إلى
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ففرّق1 بينهما، وهل شك أحد أن النكاح في
العدة لا يثبت؟ فكيف فرّق عمر -رضي الله عنه-، إنما قال فرّق بينهما لما
أراد من إعلام الناس أنه لم يكن بينهما نكاح.
[880-] قلت: تزوجها في العدة؟
قال: ليس هذا مثل ذاك، إذا طلقها لم يكن شيء.2
__________
[1] أثر عمر هذا هو ما رواه بن أبي شيبة في مصنفه: 4/131-132 بسنده عن
عكرمة ابن خالد قال: جمعت الطريق ركباً، فجعلت امرأة منهم تبث أمرها إلى
رجل من العوام غير وليها، فأنكحها رجلاً قال: فجلد عمر الناكح والمنكح
وفرّق بينهما".
[] وأخرجه عبد الرزاق بنفس السند في مصنفه: 6/198-199.
2 أجاز الإمام أحمد طلاق من عقد على امرأة بدون ولي وإن لم يصح النكاح، على
وجه الاحتياط للاختلاف في صحته، ولم ير طلاق من عقد على معتدة شيئاً لعدم
الخلاف في بطلان العقد على معتدة، فلا يجوز نكاحها أبداً للنهي الصريح
القاطع في ذلك وهو قوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ
حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} البقرة: آية: 235.
انظر: الكافي: 3/50، المبدع: 7/69، المحلى: 9/478، كشاف القناع: 5/82.
الروايتين والوجهين لوحة رقم: 110.
(4/1504)
قال إسحاق: كلما تزوجها بغير ولي ثم طلق لم
يكن1 طلاقاً أبداً وفي العدة كما قال.
[881-] قلت2 لأحمد: المهر3 على ما تراضوا عليه؟
قال أحمد: كذاك نقول.4
__________
1 في ع بلفظ "لم يقع".
2 في ع بحذف "لأحمد".
3 المهر لغة: الصداق، والجمع مهور، وقد مهر المرأة يمهرها ويمهرها مهرا
وأمهرها.
انظر: لسان العرب: 5/184، ومختار الصحاح: 638.
والمهر اصطلاحاً: العوض المسمى في عقد النكاح، أو بعده لمن لم يسم لها فيه.
انظر: غاية المنتهى: 3/53، والتنقيح المشبع: 301، وكشاف القناع: 5/128،
والمبدع: 7/130.
4 هذه المسألة نص في أن المهر ما اتفق عليه الأهلون ورضوا به، لما روى عبد
الله بن عامر عن أبيه: "أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال لها
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ " قالت:
نعم، فأجازه".
[] أخرجه الترمذي في باب ما جاء في مهور النساء: 3/420-421، وقال: حديث حسن
صحيح، وابن ماجة حديث رقم: 1888، وأحمد في المسند: 3/445.
قال ابن قدامة: "ولأن النكاح عقد معاوضة فيعتبر رضَى المتعاقدين كسائر عقود
المعاوضات، فإن كان الولي الأب فمهما اتفقا هو والزوج عليه جاز أن يكون
صداقاً قليلاً كان أو كثيراً، بكراً كانت أو ثيباً، صغيرة كانت أو كبيرة،
وكذلك زوّج شعيب عليه السلام موسى عليه السلام ابنته وجعلا الصداق إجارة
ثماني حجج من غير مراجعة الزوجة. وإن كان الولي غير الأب اعتبر رضَى المرأة
والزوج لأن الصداق لها وعوض منفعتها" ا.?.
[] انظر: المغني: 6/687، والمبدع: 7/131-132، وكشاف القناع: 5/129، وتحفة
الأحوذي: [4/250-252.
(4/1505)
[882-]] قلت: الذي
قال: زوجتكها على ما معك من القرآن؟ 1
فكرهه، وقال: الناس يقولون: على أن يعلّمها، يضعونها على غير هذا، وليس هذا
في الحديث.2
__________
1 لما روى سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءته
امرأة فقالت: إني وهبت نفسي لك، فقامت طويلاً، فقال رجل: يا رسول الله
زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجه. فقال: هل عندك من شيء تصدقها؟ فقال: ما
عندي إلا إزاري. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إزارك إن أعطيتها
جلست ولا إزار لك، فالتمس شيئاً، قال: لا أجد، قال: التمس ولو خاتماً من
حديد، فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: زوجتكها
بما معك من القرآن.".
أخرجه البخاري في باب التزويج على القرآن بغير صداق: 6/138.
وأخرجه مسلم حديث رقم: 1425.
2 أي تأول بعض الناس الحديث وقالوا معناه على أن تعلّمها ما معك من القرآن،
ولم يرتضه الإمام أحمد في هذه الرواية، بل كره أن يعقد النكاح على ذلك.
واختلفت الرواية عن الإمام أحمد -رحمه الله- في جعل تعليم القرآن صداقاً:
فقال في موضع: أكرهه.
وقال في موضع: لا بأس أن يتزوج المرأة على أن يعلّمها سورة من القرآن.
وفي رواية أخرى: أنه لا يجوز جعل تعليم القرآن صداقاً. وبهذا القول قال
إسحاق.
[] انظر: المغني: 6/684، الفروع: 5/262، المقنع بحاشية: 3/74-75، المحلى:
9/497-499
(4/1506)
قال أحمد: على ما تراضوا عليه، يعني المهر.
قال إسحاق: كما قال، وإذا تزوجها على ما معه من القرآن جاز النكاح، ويجعل
لها مهراً لما سن النبي صلى الله عليه وسلم في بناته ونسائه.1
__________
1 أي كان يسمي لهن صداقاً، ولم يخل زواج بناته ونسائه من ذكر الصداق.
ومما ورد في ذلك عن أبي سلمة قال: سألت عائشة -رضي الله عنها- عن صداق
النبي -صلي الله عليه وسلم- قالت: "ثنتا عشرة أوقية ونشّ، فقلت وما النش؟
قالت نصف أوقية".
أخرجه مسلم في النكاح باب الصداق، حديث:1426، والنسائي: 6/116، وأبو داود:
2/582، وابن ماجة، حديث: 1886، وأحمد في المسند: 6/94، والدارمي: 2/141،
والحاكم: 2/181.
وعن أبي الجعفاء السلمي قال: خطبنا عمر -رضي الله عنه- قال: "ألا لا تغالوا
بصداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم
بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة
من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية".
[] أخرجه أبو داود باب الصداق 2/582-583 والترمذي، حديث رقم: 1122 وصححه،
وابن ماجة، حديث رقم: 1887، والدارمي: 2/141، وأحمد: 1/40، وابن حبان
وصححه: 1259، والحاكم: 2/ 175.
(4/1507)
[883-] قلت: إذا
تزوجها على حكمها؟
قال أحمد: نقول على ما قال عمر -رضي الله عنه- للأشعث بن قيس:1 لها حكم
نسائها2 لا وَكْس3 ولا شطط.
__________
1 الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكندي الصحابي، روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم وعن عمر -رضي الله عنه- ويكنى أبا محمد. مات بالكوفة حين صالح الحسن
معاوية فصلى عليه، وله من العمر ثلاث وستون سنة.
انظر: الإصابة:1/66، تهذيب التهذيب: 1/359.
[2] قول عمر رضي الله عنه هو ما أخرجه البيهقي في سننه:7/247-248، تحت باب
الرجل يتزوج بامرأة على حكمها، بسنده عن ابن سيرين أن الأشعث بن قيس تزوج
امرأة عشقها على حكمها، فاحتكمت عليه مملوكين له، فأتى عمر بن الخطاب -رضي
الله عنه- فقال: عشقت امرأة. قال: ذاك ما لم تملك. قال: جعلت لها حكمها.
قال: حكمها ليس بشيء لها سنة نسائها.
3 الوكس: النقصان والخسارة، الشطط: الجور والظلم والبعد عن الحق، وقيل:
الزيادة على الواجب المعتاد.
انظر: النهاية في غريب الحديث 2/475، معالم السنن: 2/589، جامع الأصول في
أحاديث الرسول: 7/19، لسان العرب: 7/334.
قال صاحب الإقناع: إن تزوجها على حكمها فالنكاح صحيح ولها مهر المثل، وذلك
لأن المرأة لم تأذن في تزويجها إلا على صداق لكنه مجهول فقط، فوجب مهر
المثل بالعقد لأنها تملك المطالبة به فكان واجبا كالمسمى، ولأنه لو لم يجب
بالعقد لما استقر بالموت، ولقول ابن مسعود -رضي الله عنه- وقد سئل عن امرأة
تزوجت برجل لم يفرض لها صداقاً، ولم يدخل بها حتى مات، قال ابن مسعود: "لها
صداق نسائها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث"، فقام معقل بن
سنان، فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق بمثل ما
قضيت، ففرح بها ابن مسعود".
رواه أبو داود 2/588، ورواه الترمذي، حديث رقم: 114، وقال: حسن صحيح، ورواه
النسائي [6/121-123،] والحاكم 2/181، وصححه ووافقه الذهبي.
وانظر أصل المسألة في: كشاف القناع عن متن الإقناع 5/156، والمبدع 7/167،
ومطالب أولي [] النهى 5/218، والمقنع 3/91، وتحفة الأحوذي 4/299-300
(4/1508)
قال إسحاق:1 كلما تزوجها على حكمها لها سنة
النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربعمائة وثمانون درهماً2 [ع-43/ب] .
__________
1 انظر: عن نص قول الإمام إسحاق هذا في الإشراف على مذاهب العلماء 4/49.
ويشير الإمام إسحاق بقوله هذا إلي الحديث الذي ورد فيه أنه "ما أصدق رسول
الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من
اثنتي عشرة أوقية".
وسبق تخريجه في المسألة رقم: (882) السابقة.
والأوقية: أربعون درهماً، فيكون الجميع أربعمائة وثمانين درهماً.
انظر: عن مقدار الأوقية: النهاية في غريب الحديث 5/56.
والراجح أنه لها مثل مهر نسائها وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ولفعل
عمر -رضي الله عنه-.
2 في ع زيادة "وزناً".
(4/1509)
[884-] قلت1: إذا
تزوج الرجل المرأة أله أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟
قال أحمد:2 نعم.
قلت: بحديث من تقول هذا؟
قال: بحديث خيثمة3.
واحتج بحديث بروع4 ابنة واشق.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في ع بلفظ "قال: قلت".
2 يجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئاً سواء كانت مفوضة أو مسمى لها،
وذلك لحديث خيثمة الذي احتج به الإمام أحمد هنا وهو: عن خيثمة عن عائشة
قالت: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن
يعطيها شيئاً".
أخرجه: أبو داود 2/597، وابن ماجة 1992.
وكذلك احتج بحديث بروع ابنة واشق والذي فيه أنه تزوج امرأة على حكمها.
وقد سبق تخريجه في المسألة السابقة رقم: (946) .
انظر: المغني: 6/ 720، مطالب أولي النهى: 5/ 221، المبدع: 7/128.
3 خيثمة: هو خيثمة بن عبد الرحمان بن أبي سبرة لأبيه ولجده صحبة، وهو تابعي
ثقة، وكان رجلاً صالحاً، وكان سخياً. روى عنه زر بن حبيش وطلحة بن مصرف
وقتادة والأعمش وغيرهم. مات سنة ثمانين، وقيل: بعد ثمانين.
انظر: عن ترجمته: التاريخ الكبير للبخاري: 3/215، وتقريب التهذيب: 95،
وتهذيب التهذيب: 3/178.
4 حديثها سبق تخريجه في المسألة رقم: (883) .
وبروع بنت واشق الرواسبية الكلابية أو الأشجعية، زوج هلال بن مرة الأشجعي.
مات عنها زوجها ولم يفرض لها صداقاً، فقضى لها رسول الله صلى الله عليه
وسلم بمثل صداق نسائها. روى حديثها أبو سنان معقل بن سنان وجراح الأشجعيان
وناس من أشجع، وشهدوا بذلك عند ابن مسعود.
انظر: الإصابة: 4/244، والاستيعاب 4/248.
(4/1510)
[885-] قلت:1 إذا
أراد الرجل أن يتزوج ينظر إليها قبل ذلك؟
قال أحمد: لا بأس به ما لم يكن2 يرى منها محرماً.3
__________
1 في ع بلفظ "قال: قلت".
2 في ع بحذف "يكن".
3 قال ابن قدامة في المغني: "لا نعلم خلافاً في إباحة النظر إلى المرأة لمن
أراد نكاحها، وقد روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا
خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل".
قال: فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها".
أخرجه: أحمد 3/334، وأبو داود 2/565 والحاكم في المستدرك 2/165 وقال: صحيح
على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك حديث المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر: إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".
وفسر الإمام الترمذي هذا بقوله: "أحرى أن تدوم المودة بينكما".
قال الترمذي أيضاً: هذا حديث حسن، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث
وقالوا: لا بأس أن ينظر إليها ما لم ير منها محرماً، وهو قول أحمد وإسحاق.
[] انظر: سنن الترمذي 3/397، وأخرج الحديث أيضاً النسائي 6/69-70، وابن
ماجة 1/599.
[] وانظر عن المسألة: المغني 6/552، والمبدع 7/7-8، والكافي 3/5، والإنصاف
8/16-18، والفروع 5/152، والمحرر 2/13.
(4/1511)
قال إسحاق: كما قال لأن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " إذا ألقى الله عز وجل في قلب امرئ خطبة امرأة، فلا بأس أن
ينظر إليها وهي لا تعلم إلى ما لا بأس منها." 1
[886-] قلت:2 رجل تزوج امرأة فزنى قبل أن يدخل
بها؟
قال أحمد: لا يفرق بينهما.3
__________
1 هذا الحديث أخرجه الإمامان أحمد وابن ماجة عن محمد بن سلمة قال: خطبت
امرأة فجعلت أتخبأ لها، حتى نظرت إليها في نخل لها، فقيل له: أتفعل هذا
وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة، فلا بأس أن ينظر
إليها". واللفظ لابن ماجة.
قال صاحب بلوغ الأماني: "وفى إسناده الحجاج ابن أرطأة فيه كلام، ولكن أخرجه
ابن حبان في صحيحه بإسناد آخر وصححه، وسكت عنه الحافظ في التلخيص".
انظر: بلوغ الأماني مع الفتح الرباني 16/153، ومسند الإمام أحمد 3/493،
وسنن ابن ماجة 1/599.
2 في ع بلفظ "قال: قلت".
3 في المخطوطتين "فزنى قبل أن يدخل بها" كما أثبته، والحديث الذي استدل به
الإمام أحمد وكلام الإمام إسحاق يدلان على أنه زنى بمن يتزوجها.
ويمكن أن يستدل بذلك على من زنى مطلقاً، وفى كلتا الحالتين لا يفرق بينهما؛
ففي حالة زناه ممن يريد زواجها، فكما يأتي عن عمر وابن عباس -رضي الله
تعالى عنهما-.
وأما زناه من غيرها، فقد قال ابن مفلح في تعليل عدم انفساخ النكاح بذلك:
"أن دعواه الزنى عليها لا يبينهما، ولو كان النكاح ينفسخ به لانفسخ بمجرد
دعواه كالرضاع، ولأنه معصية، أشبهت السرقة، ولكن استحب أحمد مفارقتها إذا
زنت، وقال: لا أرى أن يمسك مثل هذه". المبدع: 7/70.
وسيأتي مزيد بيان لما يتعلق بنكاح الزانية في المسألة رقم: (1018) .
(4/1512)
قلت: بحديث من تقول هذا؟
قال: بحديث عبيد1 الله بن أبي يزيد عن أبيه عن
__________
1 عبيد الله بن أبي يزيد المكي مولى آل قارظ بن شيبه، روى عن ابن عباس وابن
عمر وابن الزبير، وروى عن أبيه أبي يزيد ومجاهد وسباع بن ثابت. وروى عنه
ابنه محمد وابن المنكدر وابن جريج وسفيان بن عيينة وآخرون. وثقه ابن
المديني وابن معين والنسائي، وقال ابن عينية: مات سنة ست وعشرين ومائتين.
[] انظر: ترجمته في: تقريب التهذيب: ص 228، وتهذيب التهذيب: 7/56-57.
وأبوه: أبو يزيد المكي حليف بنى زهرة روى عن عمر بن الخطاب وأم أيوب
الأنصارية وغيرهما، وممن روى عنه ابنه عبيد الله. قال الحافظ في التقريب
يقال: له صحبة، وذكر في التقريب والتهذيب أن ابن حبان وثقه، وأشار فيهما
إلى أنه من رجال سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة.
انظر: التقريب 433، وتهذيب التهذيب 12/280.
(4/1513)
عمر.1
قال إسحاق: كما قال2 سواء لأن بعد الزنى حرص عمر أن يجمع بينهما، فأبى
الغلام ذلك.
[887-] قلت: إذا تزوج الرجل المرأة فوجد بها جنوناً أو جذاماً3 أو برصاً؟ 4
فلم يقل شيئاً.
__________
1 روى بن أبي شيبة في مصنفه: 4/248 تحت باب في الرجل يفجر بالمرأة ثم
يتزوجها من رخص فيه عن ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه أن سباع
بن ثابت تزوج ابنة رباح بن وهب وله ابن من غيرها ولها ابنة من غيره، ففجر
الغلام بالجارية فظهر بالجارية حمل، فرفعا إلى عمر بن الخطاب فاعترفا،
فجلدهما وحرص أن يجمع بينهما، فأبى الغلام.
وروى بسنده عن ابن عباس في رجل وامرأة أصاب كل واحد منهما من الآخر حداً،
ثم أراد أن يتزوجها، قال: لا بأس، أوله سفاح وآخره نكاح.
2 انظر: عن قول الإمام إسحاق في جواز نكاح الرجل المرأة وقد زنى بها إذا
تابا: الإشراف: 4/101.
وفى عدم مفارقة المرأة بزناها، الإشراف: 4/77.
3 الجُذام داء معروف تتهافت منه الأطراف ويتناثر منه اللحم.
انظر: لسان العرب 12/87، ومعجم ألفاظ الفقه الحنبلي 11/324.
4 البرص: داء معروف وهو بياض يخالف بقية البشرة.
انظر: لسان العرب: 7/5، معجم ألفاظ الفقه الحنبلي: 11/423.
(4/1514)
قلت: تقول بحديث عمر1 وعلي؟ 2
قال: لا أدري.
سألته بعد ذلك؟
فقال: لا أدري إلا أن يرجع على الولي.3
قلت: ويفارقها؟
__________
1 حديث عمر -رضي الله عنه- هو ما أخرجه مالك في الموطأ، باب الصداق
والحباء، عن سعيد عن عمر: "أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص
فمسها فلها صداقها كاملاً، وذلك لزوجها غرم على وليها". زاد ابن عيينة عن
يحيى بن سعيد بسنده "أو قرن".
انظر: شرح الزرقاني على موطأ مالك: 3/13.
قال الألباني في إرواء الغليل: 6/328، رجاله ثقات رجال الشيخين، لكنه منقطع
بين سعيد وعمر.
2 أخرج الدارقطني بسنده في سننه عن علي -رضي الله عنه-: "أيما رجل تزوج
امرأة مجنونة أو جذماء أو بها برص أو بها قرن، فهي امرأته إن شاء أمسك وإن
شاء طلق".
سنن الدارقطني: 3/267. وأخرجه سعيد بن منصور في سننه: 1/245.
وقال في التعليق المغني على الدارقطني: 3/267 "وإسناد هذا الأثر صحيح".
3 أي لا يأخذ المهر من المرأة ولكن يرجع على وليها الذي غره بها ولم يبين
عيبها.
وتوقف الإمام أحمد عن الجواب كان على من يعود بالمهر لا في ثبوت الخيار
للرجل بالعيوب المذكورة، فإنه لم تختلف الرواية عن الإمام أحمد في أن
العيوب المذكورة تثبت الخيار لأحد الزوجين.
انظر: المحرر: 2/24، المقنع بحاشيته: 3/57، منار السبيل: 2/179.
(4/1515)
قال: نعم.1
قال إسحاق: السنة فيه قول عمر في العيوب الأربعة2 إلا أن يكون دخل بها، فإن
كان دخل بها فهي امرأته.3
[888-] قلت: إذا تزوج البكر علي الثيب، أو
الثيب على البكر؟
__________
1 الجذام والبرص والجنون: هذه عيوب إذا وجدت يثبت بها خيار الفسخ رواية
واحدة، وهي مشتركة بين الرجل والمرأة، وذلك لما روي "أن النبي صلى الله
عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار، فرأى بكشحها بياضاً فقال: ألحقي بأهلك".
أخرجه أحمد في المسند: 3/493.
ولكن ضعفه الألباني في إرواء الغليل: 6/326.
ولأن هذه الأمراض تثير نفرة في النفس تمنع قربان أحد الزوجين من الآخر،
ويخشى تعدي هذه الأمراض إلى النفس والنسل، والجنون يثير النفرة المذكورة
ويخاف ضرره سواء كان مطبقاً أي دائماً أو يفيق بعض الأحيان، أي يعتريه في
وقت دون آخر، لأن النفس لا تسكن إلى من هذه حاله.
[] انظر: المغني: 6/650، والإقناع: 3/199، والمبدع: 7/106-107، والإنصاف:
8/194، كشف المخدرات: 366، الزوائد: 656.
2 المذكورة في أثر عمر السابق تخريجه في أول هذه المسألة.
3 لأنه إن دخل بها أو استمتع بها فقد رضي بالعيب وبطل خياره بذلك، وإن دخل
بها وهو لا يعلم العيب كان له الخيار وعليه المهر.
انظر: الإشراف: 4/76،المغني:6/654، الروايتين والوجهين، لوحة رقم: 119.
(4/1516)
قال: يقيم عند البكر سبعاً ثم يدور، وعند
الثيب ثلاثاً ثم يدور.1
قال إسحاق: كما قال.2
[889-] قلت: [تزوج] 3 اليهودية والنصرانية؟
قال: لا بأس به.4
__________
1 وذلك لما رواه أبو قلابة عن أنس قال: "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب
أقام عندها سبعاً، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم. قال أبو
قلابة: لو شئت لقلت: إن أنساً رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ".
متفق عليه: البخاري: 6/154، ومسلم:2/1083.
وانظر عن المسألة: الكافي: 3/134، وغاية المنتهي: 3/97، والمغني: 7/44،
والمقنع: 3/110.
[2] انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف على مذاهب العلماء: 4/134-135، شرح
السنة: 9/154.
3 ما بين المعقوفين من ع ولفظ ظ "تزويج"، وما أثبته تستقيم به العبارة.
4 دليل حل حرائر نساء أهل الكتاب قوله عز وجل: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّبَاتُ} -إلى قوله:- {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنّ} المائدة من
الآية:5.
وكذلك إجماع الصحابة على ذلك، كما ذكره ابن قدامة في المغني.
انظر: المغني: 6/590، الإنصاف:8/135، الكافي: 3/47.
(4/1517)
قلت: والمجوسية؟ 1
قال: لا يعجبني إلا من أهل الكتاب.2
قال إسحاق:3 كما قال، والمجوسية لا تحل.
[890-] قلت: تزويج المملوكة المسلمة؟
قال: نعم.4
__________
1 في ع بلفظ "فالمجوسية".
2 لا يجوز نكاح نساء المجوس لقوله عز وجل: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ} الممتحنة، الآية:10، ثم رخص في الزواج من أهل الكتاب، وما
عدا ذلك يبقى على عموم التحريم.
انظر: المغني: 6/591،كشاف القناع:5/85.
3 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف:4/92، الجامع لأحكام القرآن:3/70.
4 لا يجوز للحر المسلم نكاح الأمة المسلمة إلا بثلاثة شروط:
أ- أن تكون مؤمنة لقوله تعالى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} النساء
من الآية:25.
ب- عدم الطَّول، وهو العجز عن نكاح حرة أو شراء أمة.
ج- خشية العنت، وهو الوقوع في الزنى لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله:
{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} النساء: آية:25.
فإن أمكنه نكاح حرة كتابية لم تحل له الأمة المسلمة، لأنه لا يخشى العنت،
ولأنه أمكنه صيانة ولده عن الرق فحرم عليه إرقاقه، كما لو قدر على نكاح
مؤمنة.
[] انظر: الإنصاف: 8/138-139، الكافي: 3/48-49، الروض الندي:359.
(4/1518)
إذا خاف العنت.1
قال إسحاق:2 كما قال، إذا خاف الزنى فله3 أن يتزوجها، وإذا خاف الزنى على
الحرة والأمة.4
[891-] قلت: إذا تزوج الحرة على الأمة؟
قال: يكون طلاقاً للأمة.5
__________
1 العنت لغة: دخول المشقة على الإنسان، ولقاء الشدة. والمقصود به هنا
الفجور والزنى.
انظر: لسان العرب: 2/61، والنهاية في غريب الحديث: 3/306، وتفسير ابن كثير
1/478، وفتح القدير: 1/452.
2 انظر: عن قول الإمام إسحاق: المغني: 6/597.
3 في ع بلفظ "وله".
4 أي إذا خاف الزنى يجوز له أن ينكح الأمة وعنده زوجة حرة أو أمة.
5 إذا تزوج حرة على أمة صح، وفي بطلان نكاح الأمة روايتان:
إحداهما: لا يبطل نكاح الأمة، وهي ظاهر المذهب.
الثانية: يبطل وينفسخ، واستدل لها بأثر عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-
الآتي تخريجه في آخر المسألة، ولأنه إنما أبيح للحاجة، فإذا زالت الحاجة لم
يجز له استدامته، كمن أبيح له أكل الميتة للضرورة، فإذا وجد الحلال لم
يستدمه.
واستدل ابن قدامة للرواية الأولى بما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 4/150،
عن علي -رضي الله عنه- قال: "إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة يوماً
وللحرة يومين"، فإنه لو بطل بنكاح الحرة لبطل بالقدرة عليه، فإن القدرة على
المبدل كاستعماله بدليل الماء مع التراب.
[] انظر: المغني: 6/599، الإنصاف: 8/142-143، المحرر:2/22، الكافي:
3/48-49.
(4/1519)
قلت: بحديث من تقول هذا؟
قال: بحديث1 ابن عباس -رضي الله عنهما-.
قال إسحاق:2 كما قال سواء.3
[892-] قلت:4 تزويج المملوكة اليهودية5
والنصرانية؟
قال: لا يتزوجها. 6
__________
1 حديث ابن عباس هو ما أخرجه ابن أبي شيبه في مصنفه: 4/149 بسنده عن ابن
عباس رضي الله عنه قال: "نكاح الحرة على الأمة طلاق الأمة."
2 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف: 4/120، المغني: 6/299، الاستذكار،
لوحة رقم: 122.
3 نهاية اللوحة رقم: (46) من ظ.
4 بداية اللوحة رقم: (47) من ظ.
5 في ع بلفظ: "النصرانية واليهودية" أي بتقديم النصرانية.
6 ليس للمسلم وإن كان عبداً نكاح أمة كتابية لقوله تبارك وتعالى: {فَمِنْ
مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} النساء من
آية: 25، فشرط في إباحة نكاحهن الإيمان، ولأنه اجتمع فيها نقص الرق والكفر،
فأشبهت المجوسية، فإنه اجتمع فيها الكفر وعدم الكتاب، وحذراً من استرقاق
الولد.
وعن الإمام أحمد رواية مرجوحة أنه يجوز نكاحها بالشروط في الأمة المسلمة
والرواية الأولى هي المذهب.
انظر: الإنصاف: 8/138، المغني: 6/596، المبدع: 7/73.
(4/1520)
قال إسحاق: 1 كما قال سواء شديداً [ظ-24/ب]
.
[893-] قلت:2 العبد ينكح الأمة على الحرة؟
قال: يقسم للحرة يومين وللأمة يوماً،3 حديث4 ابن أبي
__________
1 انظر عن قول الإمام إسحاق: المغني:6/596، المقنع بحاشيته:3/39.
2 في ع بلفظ "قال: قلت". هذه المسألة ساقطة من نسخة الأصل.
3 أجاب الإمام أحمد بأمر القسمة، ومعناه أنه يجوز ذلك، وهو المعتمد في مذهب
الإمام أحمد لقول علي رضي الله عنه: " إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة
يوماً وللحرة يومين ".
أخرجه: ابن أبي شيبه في مصنفه: 4/150.
وعن الإمام أحمد رواية أنه لا يجوز نكاح العبد للأمة على الحرة، لما روي عن
سعيد ابن المسيب أنه قال: " تنكح الحرة على الأمة ولا تنكح الأمة على الحرة
".
[] انظر: المغني: 6/600-601، الإنصاف: 8/146، المبدع: 7/76.
4 الحديث أخرجه ابن أبي شيبه في مصنفه: 4/150، بسنده: تحت باب في الحرة
والأمة إذا اجتمعتا كيف قسمتهما، عن علي قال: "إذا تزوج الحرة على الأمة
قسم للأمة يوماً وللحرة يومين".
(4/1521)
ليلى1 عن المنهال2 عن عباد3 عن علي.4
قال إسحاق: كما قال.
[894-] قلت: إذا تزوج أختين في عقدة؟
قال: يختار [إحديهما5] .
__________
1 ابن أبي ليلى تقدمت ترجمته في المسألة رقم: (856) .
2 المنهال بن عمرو الأسدي الكوفي، روى عن أنس إن كان محفوظاً، وأرسل عن
يعلى ابن مرة ومحمد بن الحنفية ومجاهد وزر بن حبيش وعبد الرحمن بن أبي ليلى
وعباد بن عبد الله، وعنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش والحجاج
بن أرطأة وغيرهم، صدوق وربما وهم.
انظر: ترجمته في: تقريب التهذيب: 348، تهذيب التهذيب: 10/319.
3 عباد بن عبد الله الأسدي الكوفي رَوَى عن علي رضي الله عنه، وعنه روى
المنهال، قال البخاري: فيه نظر، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال علي بن
المديني: ضعيف الحديث، وقال ابن حزم: هو مجهول.
انظر: تهذيب التهذيب: 5/98.
4 سبقت ترجمته في المسألة رقم: (866) .
5 ما بين المعقوفين عبارة ع وعبارة ظ "أحدهما"، والصواب ما أثبته.
وتأول القاضي رواية ابن منصور هذه على أن يختار إحداهما بعقد مستأنف،
والصحيح من المذهب أنه إذا تزوج أختين في عقد واحد لم يصح على واحدة منهما
لأنه لا يمكن تصحيحه فيهما، ولا مزية لإحداهما على الأخرى، فيبطل فيهما كما
لو زوجت المرأة لرجلين، وهكذا لو تزوج خمس نساء في عقد واحد بطل في الجميع.
[] انظر: الإنصاف: 8/123-124، المغني: 6/581-582، منار السبيل: 2/165،
الكافي:3/40.
(4/1522)
قال إسحاق: كما قال.1
[895-] قلت: إذا تزوج حرة ومملوكة قي عقدة؟ 2
قال: يثبت نكاح الحرة، ويفارق الأمة.3
__________
1 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الأوسط لابن المنذر، لوحة رقم: 217، الجامع
لأحكام القرآن: 5/118.
2 في ع بحذف "عقدة".
3 إن تزوج حرة تعفه وأمة في عقد واحد، فسد نكاح الأمة لعدم شرطه وهو عدم
طول الحرة.
وهناك رواية: أنه يجوز لأن كل واحدة منهما يجوز إفرادها بالعقد، فجاز الجمع
بينهما كالأمتين.
وقال المرداوي: "يفسد النكاحان على الصحيح من المذهب" ا.?
قال: "ونقل ابن منصور يصح في الحرة " ا.? مشيراً إلى هذه الرواية.
انظر: الإنصاف: 8/146، المبدع: 7/76، الكافي: 3/49، منار السبيل: 2/170،
المحرر: 2/22.
(4/1523)
قال إسحاق: كما قال.
[896-] قلت: يكره أن يجمع1 بين ابنتي عم؟
قال: لا أكرهه2، إنما كرهه الحسن.
قال3 إسحاق: إنما يكره4 ذلك للتفاسد، لا للتحريم.
__________
1 في ع بلفظ "الجمع".
2 لا يحرم الجمع بين ابنتي العم، وكذلك الجمع بين ابنتي الخال، لعدم النص
فيهما بالتحريم ودخولهما في عموم قوله تبارك وتعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا
وَرَاءَ ذَلِكُمْ} سورة النساء من الآية: 24، وذلك بعد أن ذكر المحرمات من
النساء.
ولأن إحداهما تحل لها الأخرى لو كانت ذكراً، وفي كراهة ذلك روايتان عن
الإمام أحمد:
إحداهما: يكره ذلك، وهو مروي عن الحسن وعطاء وذلك لما روى بن أبي شيبة في
مصنفه: 4/247 عن عيسي بن طلحة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
تزوج المرأة على ذي قرابتها كراهية القطيعة". ولأنه مفضٍ إلى قطيعة الرحم
المأمور بصلتها فيؤدي إلى التفاسد، فأقل أحواله الكراهة.
والرواية الأخرى: لا يكره، وهو قول سليمان بن يسار والشعبي والأوزاعي
وإسحاق وأبي عبيد، وذلك لما ذكرنا في أول المسألة، ولأنه ليست بينهما قرابة
تحرم الجمع فلا يقتضي كراهته كسائر الأقارب.
انظر: الإنصاف: 8/123، المبدع: 7/73، المغني: 6/573، الكافي: 3/44، كشاف
القناع: [5/76،] الإشراف: 4/100، شرح السنة:
9/69-70.
3 في ع بلفظ "إنما كرهه الحسن للتفاسد لا للتحريم، قال إسحاق: كما قال".
4 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف 4/100، والمغني: 6/574.
(4/1524)
[897-] قلت: كم يغيب
الرجل عن امرأته؟
قال: ستة أشهر.
قال إسحاق: هكذا.1
قال أحمد: يكتب إليه، فإن أبى أن يرجع يفرّق الحاكم بينهما.2
__________
1 في ع بلفظ "كذا" وتوجد بعدها كلمة غير واضحة.
2 في ع بتقديم "بينهما" على لفظ الحاكم.
وإذا غاب الرجل عن زوجته ولم يكن له عذر مانع من الرجوع، فإن الإمام أحمد
-رحمه الله- ذهب إلى توقيته بستة أشهر، وقد يغيب أكثر من ذلك لأمر لا بد له
منه كحج وطلب رزق محتاج إليه، فإن غاب أكثر من ذلك لغير عذر يكتب إليه، فإن
أبى أن يرجع فرّق بينهما.
وإنما صار إلى تقديره بهذا لما نقل ابن الجوزي في كتابه سيرة عمر بن الخطاب
ص 72، قال: بينما عمر يحرس المدينة فمر بامرأة في بيتها وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه ... وطال على أن لا خليل ألاعبه
ووالله لولا خشية الله وحده ... لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عنها عمر رضي الله عنه، فقيل: هذه فلانة زوجها غاز في سبيل الله،
فأرسل إليها امرأة تكون معها وبعث إلى زوجها، ثم دخل على حفصة فقال: بنية
كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله مثلك يسأل عن هذا؟ فقال: لولا
أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك. فقالت: خمسة أشهر، ستة أشهر. فوقّت
للناس في مغازيهم ستة أشهر: يسيرون شهراً، ويقيمون أربعة أشهر، ويسيرون
شهراً راجعين.
[] انظر: المقنع بحاشيته: 3/105، الزوائد: 683، المبدع: 7/199-200، الروض
الندي: [381،] الإنصاف: 8/355، المغني: 7/29-31.
(4/1525)
قال إسحاق: إنما يكتب الوالي إذا مضى
سنتان: [ع-44/أ] إن رجعت وإلا فرقت، فإن رجع وإلا فرق.
[898-] قلت: تزوج امرأة1 فلم يدخل بها، يقول: أدخل بها غداً إلى شهر، يُجبر
على الدخول بها؟
قال أحمد: أذهب إلى أربعة أشهر،2 أي إن دخل بها وإلا فرّق بينهما.3
قال إسحاق: هو حسن.
[899-] قلت: إذا زوج الرجل ابنته أو أخته واشترط لنفسه شيئاً؟
__________
1 في ع بحذف "امرأة"، وهذه المسألة في ع متأخرة عن المسألة التي تليها في
ظ.
2 في ع بلفظ "إذا تمت أربعة أشهر".
3 ممن نقل رواية ابن منصور هذه عن الإمام أحمد مصرحاً بأنها رواية ابن
منصور: ابن قدامة في المغني، وبرهان الدين بن مفلح في المبدع، ومما يوجه
تقدير ذلك بأربعة أشهر أن الله تعالى قدره بأربعة أشهر في حق المولي، فكذلك
في حق غيره.
وعن الإمام أحمد رواية أنه لا يفرق بينهما، ووجهها لأنه لو ضرب المدة لذلك
وفرق بينهما لم يكن للإيلاء أثر، ولا خلاف في اعتباره.
انظر: المبدع: 7/199، والمغني: 7/30، ومنار السبيل: 2/221، وغاية المنتهى:
3/92، والزوائد: 682.
(4/1526)
قال: لا يجوز [لغير الأب] 1.
قلت:2 لأن يد الأب مبسوطة في مال ولده يأخذ ما شاء؟
قال: نعم.3
قال إسحاق:4 هو كما قال، ولا يجوز لغير الأب أن يشترط لنفسه شيئاً.
__________
1 ما بين المعقوفين أثبته من ع، وعبارة ظ "لا يجوز غير الأب" وما أثبتُه
أوضح.
2 في ع زيادة "قال".
3 يجوز للأب أن يشترط من صداق ابنته بدليل قوله تعالى في قصة شعيب -عليه
السلام-: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ
عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} القصص، آية: 27، فجعل الصداق
الإجارة على رعاية غنمه وهو شرط لنفسه، ولأن للوالد الأخذ من مال ولده
بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من
أموالهم".
[] أخرجه: أبو داود: 2/80-81، والترمذي في حديث رقم: 1358، وقال: حديث حسن.
وإن فعل ذلك غير الأب كالجد والأخ فالكل لها دونه، والشرط باطل لأن جميع ما
اشترطه عوض في تزويجها، فيكون صداقاً لها كما لو جعله لها.
انظر: الإنصاف: 8/248، المغني 6/696، التنقيح المشبع:226، الإقناع: 3/212،
المحرر: [2/32-33،] الإشراف: 4/55.
4 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف: 4/55.
(4/1527)
[900-] قلت: الشرط
في النكاح أن لها كذا وكذا إذا أخرجها من دارها ونحو ذلك؟
قال: لها شرطها.1
__________
1 إذا شرط لها إذا أخرجها من دارها أن لها كذا وكذا فإن هذا الشرط صحيح
يلزم الوفاء به، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحق الشروط
أن يوفى به ما استحللتم به الفروج".
متفق عليه، ويأتي تخريجه في آخر المسألة.
ولعمومات الوفاء بالعقود والعهود، ولأن الشارع حرم مال الغير إلا عن تراض
منه، ولا شك أن المرأة إذا لم ترض ببذل فرجها إلا بهذا الشرط فلها ذلك، لأن
شأن الفرج أعظم من المال، فإذا حرم المال إلا بالتراضي فالفرج أولى.
ولما روي أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها فخاصموه إلى
عمر رضي الله عنه، فقال: لها شرطها. فقال الرجل: إذا يطلقننا، فقال عمر رضي
الله عنه: "مقاطع الحقوق عند الشروط".
ويأتي تخريجه في آخر المسألة.
ولأنه شرط لها فيه نفع ومقصوده لا ينافي مقصود النكاح، فصح كالزيادة في
المهر، فإن لم يفِ به فلها فسخ النكاح لأنه شرط لازم في عقد، فثبت حق الفسخ
بفواته كشرط الرهن في البيع.
وعن الإمام أحمد رواية أنه لا يلزم الوفاء بهذا الشرط لقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل".
أخرجه: البخاري: 3/29.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرّم حلالاً".
[] أخرجه الترمذي: 3/625-626 وقال: حديث حسن صحيح
(4/1528)
قال إسحاق:1 كما قال سواء، لقول2 عمر رضي
الله عنه: "مقاطع الحقوق عند الشروط".
ولقول3 النبي صلى الله عليه وسلم: "أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به
__________
1 انظر: عن قول الإمام إسحاق: سنن الترمذي: 3/425، الإشراف: 4/72.
2 تقدم نص قول عمر هذا في أول التعليق على قول الإمام أحمد في هذه المسألة.
أما تخريجه فقد علقه البخاري في باب الشروط في النكاح: 6/138. وأخرجه ابن
أبي شيبة في [] مصنفه: 4/199، والبيهقي في سننه: 7/249، وسعيد بن منصور في
سننه: 1/211-212.
3 هذا الحديث أخرجه: البخاري في النكاح، باب الشروط في النكاح: 6/138.
ومسلم في النكاح، باب الوفاء بالشروط، حديث رقم: 1418 ج 2/1035.
وأبو داود تحت باب في الرجل يشترط لها دارها: 2/604.
والترمذي في النكاح، باب الشرط عند عقد النكاح: 3/424.
والنسائي في النكاح، باب الشروط في النكاح: 6/92.
وابن ماجة في النكاح، باب الشروط في النكاح: 1/628.
والإمام أحمد في المسند: 4/144، 150، 152.
(4/1529)
الفروج."
[901-] قلت: تزويج العبد بغير إذن مولاه؟
قال: هو على1 قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: زنى.
__________
1 أظهر الروايتين عن الإمام أحمد والتي أجمع عليها أصحابه أن نكاح العبد
بغير إذن سيده لا ينعقد.
وهناك رواية على أن نكاحه موقوف على إجازة السيد، وبها قال إسحاق كما فهم
من كلامه في المسألة، وابن عمر -رضي الله عنهما- ممن يرى بأن ذلك لا يجوز
بل إنه زنى كما ذكر عنه الإمام أحمد هنا، وكما أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه
4/261 أن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نكاح العبد بغير إذن سيده زنى،
ويعاقب الذي زوّجه.
وكما أخرج أبو داود في السنن 2/563 حديثاً مرفوعاً: "إذا نكح العبد بغير
إذن مولاه فنكاحه باطل"، وبين أنه موقوف على ابن عمر.
وفي نفس المصدر عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً: "أيما عبد تزوج بغير إذن
مواليه فهو عاهر".
قال المرداوي في الإنصاف 8/256 عن الرواية الأولى: هذا المذهب نقله الجماعة
عن الإمام أحمد -رحمه الله-، فإن تزوجها فرق بينهما، ولا مهر لها إذا لم
يدخل بها، فإن دخل بها فأظهر الروايتين أن لها المهر بما استحل من فرجها.
انظر: المغني 6/515، ومنار السبيل 2/192، وكشاف القناع 5/139، والمبدع شرح
المقنع 7/148.
(4/1530)
قلت: فإن أجاز المولى بعد ذلك؟
قال: يستأنف النكاح.1
قيل له: يجلد؟
قال: على قول ابن عمر -رضي الله عنهما- نعم2، ولكن حديث3 أبي موسى رضي الله
عنه.
[902-] قلت: فليس لها4 صداق ولا عليها عدة؟
__________
1 بناء على أظهر الروايتين على أن النكاح باطل، ولا يتوقف على إجازة السيد،
كما مر.
2 حيث يرى أن دخوله بذلك الزواج زنى كما مر عنه.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه 4/261 بسنده عن ابن عمر -رضي الله عنهما- "أنه
كان إذا تزوج بغير إذن ضربه الحد".
3 أي أن حديث أبي موسى رضي الله عنه الوارد في تزويج العبد بغير إذن سيده
ليس فيه حد، وذلك معارض لما هو منقول عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وحديث أبي موسى رضي الله عنه هو أن غلاماً له تزوج أمة بخمس من الإبل بغير
إذن سيده، وطلب أبو موسى برد الغلام والإبل، فاختصموا إلى عثمان رضي الله
عنه فقضى لهم عثمان بخمسَيْ ما استحل به فرج صاحبتهم، وردّ على أبي موسى
ثلاثة أخماسه.
أخرجه: ابن أبي شيبة في مصنفه 4/260، وسعيد بن منصور 1/241.
4 في ظ بلفظ "قلت: فليس عليها صداق ولا عليها العدة"، فصححتها من ع كما هو
في الأعلى.
(4/1531)
قال: هكذا هو قول ابن عمر -رضي الله
عنهما-،1 كأنه مال2 إلى حديث أبي موسى3 رضي الله عنه.
قال إسحاق: يستأنف النكاح أحب إلينا ولكن لا يجلد الحد، وإن أجازه المولى
جاز4 وإن كان دخل بها فالعدة عليها والعقر.5
[903-] قلت:6 ابن عباس -رضي الله عنهما- كان
يزوج أمته عبده بغير مهر؟ 7
__________
1 حيث يرى أن ذلك زنى كما مر، والزنى لا حكم له.
2 يقول الكوسج: كأن الإمام أحمد يذهب إلى القول بأن لها الصداق وعليها
العدة مخالف لما حكاه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، وهذا أدب رفيع في حكاية
قول المخالف من كل من الإمامين أحمد والكوسج.
3 في ع بلفظ "حديث أبي موسى حديث إسحاق بن منصور أبي يعقوب قال: قال إسحاق
بن إبراهيم الحنظلي".
4 وهي الرواية الثانية في مقابل الأظهر عن أحمد وخلاف المذهب، وهو قول
الإمام إسحاق كما بينا آنفاً.
5 العقر: هو المهر. انظر: لسان العرب 4/595.
والمعنى: فعليها العدة ولها المهر، ويكون لها الصداق أي المهر بما استحل من
فرجها، وتكون عليها العدة لاستبراء الرحم.
6 في ع بلفظ "قال: قلت: ابن عباس -رضي الله عنهما- كان يزوج عبده أمته".
7 أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: لا بأس
أن يزوج الرجل أمته عبده بغير مهر.
انظر: المصنف لابن أبي شيبة: 4/142.
والمذهب أنه لم يجب مهر أصلاً.
وقيل: وجب وسقط. وقيل: وجب ويتبعه به السيد إذا عتق.
انظر: الإنصاف: 8/258، المبدع: 7/129، المحرر: 2/34، الكافي: 3/111.
(4/1532)
قال: إن أمهر فحسن وإلا فذاك.1
[904-] قلت: الشهود في ذلك؟
قال: ما أحسنه.
قال إسحاق: كما قال سواء، ولا بد من الشهود.2
[905-] قلت: للعبد أن يتسرى؟ 3
__________
1 في ع بلفظ "وإلا فهو ذاك".
2 حكى ابن أبي شيبة ما ذهب إليه الإمام أحمد عن الحسن وعطاء، وقول عطاء: أن
يشهد أحب إلي وإن لم يفعل فهو جائز، وما ذهب إليه الإمام إسحاق بناء على
عموم أدلة الشهادة في النكاح.
انظر: المصنف لابن أبي شيبة: 4/144.
3 أي يتخذ سرية: والسرية الجارية المتخذة للملك والجماع، وهي فعيلة منسوبة
إلى السر وهو الجماع والإخفاء، لأن الإنسان كثيراً ما يسرها ويسترها عن
حرمته.
انظر: لسان العرب: 4/358، القاموس المحيط: 2/48.
(4/1533)
قال: نعم.1
قال إسحاق: كما قال لأن ابن عمر وابن عباس2 -رضي الله عنهما- قالا ذلك.
[906-] قلت: كم عدّة الأمة إذا طلقت؟
قال: إن3 كانت ممن تحيض فحيضتين، وإن لم تحض
__________
1 في ع بلفظ "قال: نعم إذا أذن له سيد"، وهذه المسألة متأخرة عن المسألة
قبلها في ع.
وورد نحو هذه المسألة في مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود السجستاني ص
168.
2 روى عن كل منهما ابن أبي شيبة ذلك في مصنفه: 4/174، ونقله عنهما أيضاً
ابن المنذر في الإشراف: 4/130.
قال ابن قدامة: هذا هو المنصوص عن الإمام أحمد في رواية الجماعة.
وهذه المسألة مبنية على هل يملك العبد بتمليك سيده أوْ لا؟ وفي ذلك للإمام
أحمد روايتان. فلذلك قال القاضي أبو يعلى يجب أن يكون في مذهب أحمد في تسري
العبد وجهان مبنيان على الروايتين في ثبوت الملك له بتمليك سيده، كما نقل
عنه في المغني، وبين ابن قدامة أن قول ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما-
لا يعرف لهما فيه مخالف من الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- ويكون تسري
العبد بإذن سيده، وتأتي المسألة برقم: (1277) .
انظر: المغني 6/541، وانظر بالتوسع عن تسري العبد: المحلى 9/444 و445،
الإشراف 4/130.
3 في ع "لو كانت".
(4/1534)
فشهرين.1
وعدّتها إذا مات عنها زوجها شهران وخمس ليال.2
قال إسحاق: كما قال سواء.3
[907-] قلت: كم يطلق العبد الحرة؟ وكم تعتد؟
قال: الطلاق4 بالرجال والعدة بالنساء.5
__________
1 في ع "فشهران".
2 وذلك لأن الصحابة -رضي الله عنهم- أجمعوا على أن عدة الأمة على النصف من
عدة الحرة.
قال ابن قدامة: وكان القياس يقتضي أن تكون حيضة ونصفاً، كما كان حدها على
النصف من حد الحرة، إلا أن الحيض لا يتبعض فكمل حيضتين.
[] انظر: المغني 7/457- 458، والكافي 3/357-358، والمبدع 8/113.
3 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف على مذاهب العلماء 4/291،
والاستذكار، لوحة رقم: 192.
4 في نسخة ع بلفظ "الطلاق للرجال والعدة للنساء".
5 ورد بهذا اللفظ حديث قال عنه الزيلعي صاحب نصب الراية: غريب مرفوعاً،
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه موقوفاً على ابن عباس، وقال عنه محقق شرح
السنة للبغوي: فيه أشعث بن سوار ضعيف.
[] انظر: نصب الراية 3/225، وشرح السنة للبغوي تحقيق الأرناؤوط 9/60-61.
ومعناه: أنه يعتبر الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، فإذا كانت تحت عبد حرة
يملك تطليقتين، أو كانت أمة تحت حر يملك ثلاث تطليقات، كما ورد في أصل
المسألة.
وأخرج البيهقي بسنده عن عمر رضي الله عنه قال: ينكح العبد امرأتين ويطلق
تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين.
البيهقي 7/422، وصححه الألباني في إرواء الغليل 7/120.
وهناك رواية عن الإمام أحمد بأن الطلاق بالنساء، فيملك زوج الحرة ثلاثاً
وإن كان عبداً، وزوج الأمة اثنتين وإن كان حراً لأن المرأة محل الطلاق
فيعتبر بها كالعادة، والمعتمد في المذهب الرواية الأولى.
[] انظر: المبدع 7/291، والكشاف 5/259، ومنار السبيل 2/242، وشرح السنة
للبغوي [9/60-61.
(4/1535)
[908-]] قلت: يطلق الحر الأمة ثلاثاً وتعتد
حيضتين؟
قال: نعم.
[909-] قلت: ويطلق العبد الحرة تطليقتين؟
قال: نعم.
[910-] قلت: وتعتد ثلاث حيض؟
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال.1
__________
1 في ع زيادة "سواء".
(4/1536)
[911-] قلت: إذا
تزوج الرجل1 المرأة على عمتها أو على خالتها؟
قال: يفرق بينهما.2
قال إسحاق:3 كما قال لما صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم التفريق بينهما.4
وكذلك فرّق5 عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- اتباعاً، لقول
__________
1 في ع بحذف كلمة "الرجل"، وتقديم الخالة على العمة.
2 من بين ما صح في ذلك الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة مرفوعاً: "لا يجمع
بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها".
أخرجه: البخاري، باب لا تنكح المرأة على عمتها 6/128، ومسلم 2/1030.
3 انظر: عن قول إسحاق في الأوسط، لوحة رقم: 217.
4 ورد في الأحاديث الصحاح التي منها ما ذكر آنفاً نهي النبيّ صلى الله عليه
وسلم عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها المقتضي لفساد العقد والتفريق
بينهما، ولكن لم يرد نصٌّ، فيما اطلعت عليه، فيه تفريق النبيّ صلى الله
عليه وسلم بينهما، ولعل إسحاق عبر بالتفريق عن النهي الذي يقتضيه، وذلك من
إطلاق المسبب على السبب، وقوله في حكاية فعل عمر رضي الله عنه "اتباعاً"
يشير إلى ذلك.
والتفريق بين المرأة وعمتها مجمع عليه بين أهل العلم، ولم يخالف فيه أحد
إلا من لا يعتد بخلافه، كالرافضة والخوارج.
انظر: المغني: 6/573، والمبدع: 7/57، وكشاف القناع: 5/74، والإنصاف: 8/122.
5 روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب رجلاً تزوج
امرأة على عمتها، وفرق بينهما. المصنف 4/247
(4/1537)
النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
[912-] قلت: كم يتزوج العبد؟
قال: اثنتين.
قال إسحاق: كما قال.1
[913-] قلت: 2 إذا تزوج المرأة وقد زنى بها قبل
ذلك؟
قال: إذا تابت، فليس به بأس أن يتزوجها.3
__________
1 قال ابن قدامة: وقد روى ليث بن أبي سليم عن الحكم بن قتيبة قال: أجمع
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين،
ويقوي هذا ما روى الإمام أحمد بإسناده عن محمد بن سيرين أن عمر رضي الله
عنه سأل الناس: كم يتزوج العبد؟ فقال عبد الرحمن بن عوف باثنتين وطلاقه
باثنتين، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، فلم ينكر منهم أحد.
انظر: المغني 6/540، المبدع 7/67، كشاف القناع 5/81.
[] وانظر: مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله ص 329-330.
2 ورد نحو هذه المسألة في مسائل ابن هانئ 1/203.
3 تشترط توبة الزانية في نكاحها سواء نكحها الزاني أو غيره، وأما توبة
الزاني فتشترط أيضاً عند إسحاق، وهي رواية عن الإمام أحمد، ذكرها صاحب
المبدع، والمشهور من المذاهب أنها لا تشترط.
انظر: المغني 6/603، والمبدع 7/70، والفروع 5/206، وغاية المنتهى 3/33.
(4/1538)
قال إسحاق: كما قال، إذا تابت وتاب.1
[914-] قلت: إذا قبّل أم امرأته أو زنى بها؟
قال: إذا زنى بها أحب إلي أن يفارقها، وإذا قبّلها فلا يفارقها.
قلت: 2 (بحديث من؟) .
قال: أحتج بحديث3 عبد بن زمعة: 4 (فإذا زني بها) ألا ترى أن
__________
1 بهذا القول قال أبو عبيد.
وانظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف على مذاهب العلماء 4/101، الاستذكار،
لوحة رقم: 117.
2 العبارة التي بين القوسين هي عبارة ع أما عبارة ظ فهي "قلت حديث من؟
فاحتج بحديث بن زمعة فإذا زنى بها"، وما أثبت يستقيم به المعنى أكثر.
3 الحديث متفق عليه: روي عن عائشة -رضي الله عنها- وفيه كان عتبة بن أبي
وقاص وصّى أخاه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن ابن وليدة زمعة مني
فاقبضه، فلما كان عام الفتح أخذه، فقام عبد بن زمعة وقال: ابن وليدة أبي،
فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هو لك يا عبد بن زمعة،
الولد للفراش وللعاهر الحجر"، ثم قال لسودة: "احتجبي منه يا سودة" لما رأى
من شبهه بعتبة، فما رآها حتى لقي الله.
أخرجه: البخاري في البيوع، باب المشتبهات 3/4.
ومسلم، كتاب الرضاع 2/1080.
وأخرجه أبو داود في الطلاق، باب الولد للفراش 2/703.
4 هو عبد بن زمعة بن قيس القرشي العامري، وأمه عاتكة بنت الأحنف بن علقمة،
أخو سودة أم المؤمنين. أسلم يوم الفتح، ثبت خبر مخاصمته هو وسعد بن أبي
وقاص في ابن وليدة زمعة في الصحيحين، قال عنه ابن عبد البر في الاستيعاب:
كان شريفاً سيداً من سادات الصحابة.
انظر ترجمته في: الإصابة 2/425، والاستيعاب 2/434.
(4/1539)
النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لسودة:
[ظ-25/أ] "احتجبي منه" ثَبَّتَ لعتبة نسباً1 من زنى [ع-44/ب] .2
قال إسحاق: هو كما قال، 3 إلا أن احتجاجه بعبد ابن زمعة وعتبة فإنه ليس
ببين أنه في هذا.
قال أحمد: إذا زنى بامرأة لا يتزوج أمها ولا ابنتها، واحتج4 بحديث ابن زمعة
أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لسودة:5 "احتجبي منه"، ألا
__________
1 في ع بلفظ "نسبا لزنى".
2 قوله صلى الله عليه وسلم لسودة: "احتجبي منه"، أي: دال على نسبة الولد
إلى عتبة عن طريق الزنى.
3 وطء الحرام محرم كما يحرم وطء الحلال، فإذا زنى بأم امرأته فارق ابنتها
كما اتفق الإمامان هنا. انظر: المبدع 7/56، وكشاف القناع 5/69، والمغني
6/576، والمحرر 2/19.
4 الاستدلال بهذا على المسألة المذكورة موجود في كثير من الكتب.
انظر: على سبيل المثال: المبدع 7/56، وكشاف القناع 5/69.
ومحل الشاهد من الحديث هو إثبات الرسول صلى الله عليه وسلم للزنى حكماً وهو
أمره لسودة أن تحتجب من ولد على فراش أبيها.
5 سودة بنت زمعة بن قيس القرشية أم المؤمنين تزوجها ابن عمها السكران بن
عمرو، وتوفي عنها فتزوجها رسول صلى الله عليه وسلم، وكانت أول امرأة تزوجها
بعد خديجة بمكة، وقد كانت امرأة ثقيلة وأسنّت عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم فهمّ بطلاقها، فقالت: لا تطلقني وأسكني واجعل يومي لعائشة، فإنما أود
أن أحشر في زمرة أزواجك، فأمسكها حتى توفي عنها. توفيت في آخر زمن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وقيل غير ذلك.
انظر: الإصابة 4/333، والاستيعاب 4/317.
(4/1540)
ترى أنه قد ثبت لعتبة نسباً وقد كان زنى
بها، فأما دون الفرج1 فإنه لا يحرم الحرام الحلال.2
[915-] قلت: قال سفيان في رجل قبّل ابنته من شهوة3 وهو يرى أنها امرأته:
حرمت عليه امرأته؟
قال أحمد: أما أنا فلا أحرم إلا بالغشيان.
قلت: قيل له -يعني سفيان-: رجل تزوج امرأة4 ذات محرم وهو يعلم؟
__________
1 في نسخة ع بلفظ "وأما ما دون الفرج".
2 تقبيل أم المرأة بشهوة من دون دخول في عقد صحيح لا يحرم، ولأن لا يحرم
تقبيلها في غير عقد أولى كما بينه الإمام هنا. انظر أيضاً: المغني 6/579.
3 في ع بلفظ "الشهوة".
4 في ع بحذف "امرأة".
(4/1541)
قال: لا1 أرى عليه حداً ولكن يعزر.2
قال أحمد: قبح الله هذا القول.
قلت:3 أليس تقول يقتل؟
قال: يقتل إذا كان على العمد.4
__________
1 في ع بحذف "لا".
وانظر: عن قول الإمام سفيان في معالم السنن للخطابي 4/603، والمغني 8/182.
2 التعزير لغة: التأديب والتوقير.
واصطلاحاً: العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها، ويجب في كل معصية لا حد
فيها ولا كفارة.
انظر: المغني 8/324، والمبدع 9/108.
3 في ع بلفظ "قال أليس نقول".
4 التحريم في المحرمات بالمصاهرة يكون بالدخول عليهن، إلا أن العقد على
البنت يحرم أمها، وأما الاستمتاع الحرام فوطء الحرام محرم كما يحرم وطء
الحلال والشبهة، وما دون ذلك من الحرام لا يترتب عليه حكم، فلا بد فيه من
الغشيان ليترتب عليه الحكم، كما صرح الإمام أحمد في هذه المسألة.
قال ابن قدامة في المغني 6/456: في الشخص الذي يطأ امرأة بالنكاح الباطل،
إذا علم التحريم فهو زان وعليه الحد ولا يلحق النسب فيه، وأما إذا كان عن
غير قصد فلا حد. وعن الإمام رواية يقتل بكل حال، وعنه ويؤخذ ماله لبيت
المال.
وإيجاب الحد، لأنه وطء في فرج امرأة مجمع على تحريمه من غير ملك ولا شبهة
ملك، والواطئ من أهل الحد عالم بالتحريم.
ويؤيد ما ذهب إليه الإمامان هنا حديث: "ومن أتى ذات محرم فاقتلوه" الآتي في
ضمن هذه المسائل بمسألة رقم: 1104، ولكنه فيه ضعف ولكن يعضده حديث البراء
قال: "لقيت عمي ومعه الراية فقلت أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده، أن أضرب عنقه وآخذ ماله ".
[] أخرجه أحمد: 4/292، والترمذي 3/643، وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود
4/602-604، والحاكم 2/191.
وصححه الألباني في إرواء الغليل: 8/18.
[] انظر: عن الموضوع: المغني 8/182، المبدع 9/63، الإنصاف: 10/185، المحلى
[9/529-531،] سنن سعيد بن منصور 1/249.
(4/1542)
قال إسحاق: كما قال سواء.1
[916-] قلت: تزوج2 امرأة فطلقها قبل أن يدخل
بها، أيتزوج أمها أو ابنتها؟
قال: أما الابنة3 فيتزوج، وأما الأم
__________
1 انظر: عن قول الإمامين: سنن الترمذي: 4/62، معالم السنن للخطابي: 4/603،
المغني: 8/162.
2 في ع "قلت: إذا تزوج".
3 لقوله تعالى في تعداد المحرمات من النكاح: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي
فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ
لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} النساء آية:
23، فاشترط في الآية في تحريم الربيبة -وهي بنت الزوجة من غير زوجها -
الدخول بأمها، فإذا لم يدخل بها كما في السؤال فلا تحريم.
(4/1543)
فمبهمة.1
قال إسحاق: كما قال.
[917-] قال أحمد:2 إذا تزوج الرجل المرأة فماتت
فلا بأس أن يتزوج ابنتها3، ومن4 الناس من يكرهه من أجل الميراث،5
وإذا
__________
1 قوله فمبهمة: أي لم يشترط في تحريم أم الزوجة الدخول كما اشترط في تحريم
الربيبة، فقال تعالى: {وأمهات نسائكم} النساء آية: 23، فلا تجوز الأم بحال
سواء دخل بالربيبة أم لا، بل تحرم بالعقد. قال زيد بن ثابت رضي الله عنه:
الأم مبهمة ليس فيها شرط، وإنما الشرط في الربائب، كما في الموطأ: 2/533.
وانظر: عن معنى المبهمة بالتفصيل: جامع الأصول في أحاديث الرسول: 11/470،
وجامع البيان لابن جرير الطبري: 4/321.
وهذا ما لخصه الفقهاء بقولهم العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول
بالأمهات يحرم البنات.
انظر عن الموضوع: الإنصاف: 8/114، والمغني:6/569
ولقول إسحاق وأحمد: الإشراف على مذاهب العلماء: المجلد الرابع ص 94،كشاف
القناع: 5/70.
2 بداية إجابة مسألة جديدة.
3 كما إذا طلقها، المقصود بزواج الأم العقد عليها قبل الدخول.
4 في ع توجد كلمة "قبل الناس" غير واضحة.
5 ممن كره ذلك زيد بن ثابت رضي الله عنه كما ذكر في الإشراف على مذاهب
العلماء: 4/93، ومعنى من أجل الميراث أي: أنه إذا تزوج امرأة فماتت قبل
الدخول، فإنه يرثها وذلك مما يقوي العلاقة الزوجية بينهما ويترك لها أثراً،
فكره بذلك زيد أن يتزوج ابنتها ولو لم يدخل بها.
(4/1544)
طلقها فلا بأس أن يتزوج ابنتها، وأما أمها
فلا يتزوجها ماتت أو طلقها.1
[918-] قلت: 2 الرجل ينكح المرأة ثم تموت قبل
أن3 يصيبها.
قال4 [زيد بن ثابت رضي الله عنه: إذا ماتت قبل أن يصيبها فإنه لا يتزوج
أمها ولا ابنتها؟ قال:5 كرهه] زيد بن ثابت من أجل الميراث.
قال: وليس به بأس الابنة،6 ولكن إن طلقها تزوج7 ابنتها لأنها إذا ماتت8
__________
1 كما بينا في المسألة السابقة.
2 في ع بلفظ "قلت: لأحمد".
3 في ع بلفظ "قبل أن يتغشاها".
4 ما بين المعقوفين غير موجود في نسخة ع.
5 من هنا يبدأ جواب الإمام أحمد.
6 أي لا بأس بزواج بنت الزوجة المتوفاة قبل الدخول، وهذا رأي الإمام أحمد،
وأما زيد بن ثابت رضي الله عنه فمكروه عنده.
7 اتفاقاً.
8 نهاية اللوحة: (87) من ع، وبداية اللوحة: (88)
(4/1545)
[ع- 45/أ] ورثها.1
قلت: حديث من هذا؟
قال: حديث2 زيد بن ثابت.
[919-] قال أحمد:3 ثلاث مبهمات:4 قوله عز وجل: {وَلا تَنْكِحُوا مَا
__________
1 تعليل لكراهة زيد رضي الله عنه زواج بنت المتوفاة قبل الدخول.
2 الحديث أخرجه الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه قال: سئل زيد بن
ثابت عن رجل تزوج امرأة ثم فارقها قبل أن يصيبها، هل تحل له أمها؟ فقال:
زيد بن ثابت: لا، الأم مبهمة، ليس فيها شرط، وإنما الشرط في الربائب.
وجه الاستدلال من الحديث هنا جواز نكاح ابنة الزوجة التي فارقها زوجها قبل
الدخول. الموطأ: 2/33، باب مالا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته.
وانظر أيضاً عن الموضوع: المغني: 6/569، الإشراف على مذاهب العلماء:4/93،
الإنصاف: 8/114.
3 إجابة جديدة من الإمام أحمد لمسألة أخرى لم يذكر السؤال هنا.
4 قوله ثلاث مبهمات أي: ثلاث من المحرمات في النكاح مبهمات أي مطلقات،
بمعنى لا شرط في تحريم نكاحهن، فلا تحل واحدة منهن بحال، كما شرط في تحريم
الربيبة الدخول بأمها.
فالمحرمات على الأبد -بالمصاهرة - أربعة: أم الزوجة، وزوجة الأب، وزوجة
الابن، وبنت الزوجة من غير الزوج التي هي الربيبة، فالثلاثة الأول يحرمن
بمجرد العقد وهن المبهمات اللآتي ذكرهن الإمام في صلب المسألة هنا،
والربيبة يشترط في تحريمها الدخول بأمها بنص القرآن، فليست بمبهمة.
انظر: المغني: 6/569،المبدع 7/58، العدة: 37.
(4/1546)
نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا
مَا قَدْ سَلَفَ} ،1 وقوله: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلابِكُمْ} .2
وقوله {وأمهات نسائكم} ،3 فإذا تزوج الرجل المرأة لم يتزوجها ابنه ولا أبوه
دخل بها أولم يدخل لقوله [سبحانه وتعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ
آبَاؤُكُمْ} .
ولقوله جل ذكره] :4 {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} وإذا تزوج الرجل المرأة لم
يتزوج أمها وإن لم يكن دخل بها لقوله تعالى: {وأمهات نسائكم} ، ولا بأس أن
يتزوج الابنة إذا لم يدخل بالأم ماتت أو طلقها لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ
تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} .5
__________
1 تكملة الآية من نسخة ع: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} من الآية 22من النساء.
2 من الآية 23 من النساء.
3 من الآية 23 من النساء.
4 ما بين المعقوفين مزيد من نسخة ع.
5 من الآية 23 من سورة النساء.
(4/1547)
قال إسحاق: كما1 قال.
[920-] قلت: لأحمد متعة2 النساء، تقول: إنه
حرام؟
قال: أجتنبها أعجب3 إليّ.4
__________
1 في نسخة ع في آخر المسألة توجد كلمة غير واضحة لعلها "كلها".
2 المتعة لغة: بكسر الميم وضمها اسم للتمتع، وهو في الأصل كل شيء ينتفع به،
ويتبلغ به، ويتزود به ويأتي عليه الفناء في الدنيا. وتطلق المتعة أيضاً على
العمرة إلى الحج.
ومتعة النكاح المنسوخة هي أن يتزوج الرجل امرأة يتمتع وقتاً ثم يديكها، أو
نكاح يشترط فيه الطلاق في وقت.
انظر: القاموس المحيط: 3/86، وأقرب الموارد:2/1181، وتهذيب اللغة: 2/290،
والمبدع: 7/88، وكشاف القناع: 5/96، والكافي: 3/56.
3 في ع بلفظ "أحب إلي".
4 أورد ابن مفلح في المبدع: 7/87 نص جواب الإمام هنا وذلك بعد ذكر سؤال
الكوسج عن المتعة، وهذا محكي عن الإمام والمشهور عنه أنه يقول بحرمتها
رواية واحدة كالجمهور، ولذلك اختلف علماء المذهب في توجيه هذا الجواب عن
الإمام إلى أربعة أقوال لخصها ابن مفلح بقوله:
[1-] أثبت ذلك رواية أبي بكر في الخلاف.
[2-] وأبى ذلك القاضي في خلافه.
[3-] وقال ابن عقيل: إن الإمام أحمد رجع عنها.
[4-] والشيخ تقي الدين يقول: توقف عن لفظ الحرام ولم ينفه.
(4/1548)
قال إسحاق: حرام بلا شك1 لما ثبت نهيه
وتحريمه بعد إحلاله.2
ونسخ ذلك العدة والميراث والطلاق3 مع أن المتعة كانت بالولي والشهود
والإعلان لذلك إلى أجل مسمى.
__________
1 في ع بلفظ "لا شك".
2 مما يدل على أنه كان حلالاً: الحديث المتفق على صحته عن جابر وسلمة بن
الأكوع -رضي الله عنهما- قالا: "كنا في جيش فأتانا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا".
صحيح البخاري مع فتح الباري: 9/167. وصحيح مسلم مع شرحه للنووي: 9/182.
ومن الأحاديث الدالة على تحريمه بعد ذلك ما رواه الإمام مسلم عن الربيع بن
سيدة الجهني عن أبيه مرفوعاً: "يا أيها الناس: إني قد كنت أذنت لكم في
الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده
منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً".
صحيح مسلم مع شرحه للنووي: 9/182.
3 معنى الكلام أن الأحكام المتعلقة بالنكاح من عدة وميراث وطلاق لا تنطبق
على المتعة، فهذه الأحكام التي شرعت والمتفق عليها عند الجميع تؤكد نسخ
المتعة، فمثلاً الطلاق لا ينطبق على المتعة حيث لا تحتاج إلى طلاق بل
فراقها يحصل بانقضاء الأجل المحدود له بدون طلاق.
وهذا الكلام يقرب مما في المبدع: 7/87 "والأحكام المتعلقة بالنكاح من
الطلاق والظهار والتوارث لا تجري فيه، فدل على أنه ليس بنكاح إذ هي لازمة
للنكاح الصحيح، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم".
(4/1549)
وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول:
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ [إلى أجل مسمى] فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنّ} .1
[921-] قلت:2 الجمع بين الأختين المملوكتين
تقول إنه حرام؟ 3
__________
1 النساء من آية (24) ، نقل ابن جرير في تفسيره روايات مختلفة عن ابن عباس
في هذه القراءة أي بزيادة (إلى أجل مسمى) ويكون معنى الاستمتاع عنده المتعة
حيث كان يرى جوازها، مع أنه حكي عنه الرجوع عن ذلك كما في شرح النووي على
مسلم: 9/181.
ومعنى الاستمتاع عند الجمهور: النكاح.
ويقول ابن جرير:" وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله: فما
نكحتموه منهن فجامعوهن فآتوهن أجورهن لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء
على غير وجه النكاح الصحيح أو الملك الصحيح على لسان رسول الله صلى الله
عليه وسلم".
تفسير الطبري: 6/13، والجامع لأحكام القرآن: 5/130، وتفسير ابن كثير:
1/474.
2 في ع لفظ "قال" قبل "قلت".
3 في ع بلفظ "تقول: إنه حرام لقول الله عز وجل: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ
الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} يعني ليسا وراحيل حين جمع بينهما
يعقوب صلى الله عليه وسلم". توجد المسألة بهذا النص في ع. وهي ليس بهذا
الترتيب في نسخة ظ.
(4/1550)
قال: لا أقول إنه حرام ولكن ينهى عنه.1
قال إسحاق: حرام2 لقول الله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ
إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} .3
يعني ليسا وراحيل4 جمع بينهما يعقوب عليه السلام.5
__________
1 المقصود بجمعهما هنا هو الجمع بالوطء، والمذهب أن ذلك حرام، وعليه
الأصحاب كما في الإنصاف، وفي المغني والمبدع نص سؤال ابن منصور وجوابه.
وخير ما يحمل عليه هذا القول حيث إنه مجمع في المذهب على تحريم جمعهما، هو
ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "وأحمد -رحمه الله- إنما قال: لا
أقول إنه حرام ولكن ينهى عنه، وكان يهاب قول الحرام إلا فيما فيه نص".
كما ذكر عنه المرداوي في الإنصاف، وذلك مشابه لقول ابن مفلح: "وهذا أدب في
الفتوى كثيراً ما يستعمله السلف، لا يطلقون لفظ التحريم، يقولون ينهى عنه".
[] الإنصاف: 8/125، والمبدع: 7/65-66، والفتاوى لابن تيمية: 32/69،
والمغني: 6/584.
2 حرام كالقول المعتمد عليه في مذهب الإمام أحمد. انظر: عن قول إسحاق في
الإشراف على مذاهب العلماء: 4/97، المغني:6/585.
3 النساء آية: 23.
4 كأنهما أختان جمع بينهما نبي الله يعقوب عليه السلام، وقد يكون ذلك
جائزاً في شريعته فنسخ بهذه الآية، وهذا مثال من إسحاق -رحمه الله- وإلا
الآية تشمل كل ما مضى.
5 نهاية اللوحة 88 من ع.
(4/1551)
[922-] قلت: رجل
قذف1 امرأة له أمة؟
قال: يلاعنها.2
[923-] قلت: عبد قذف امرأة له حرة؟
قال: يلاعن؟ قال: كلا الزوجين يلاعن.
[924-] قلت: عبد قذف امرأة له أمة؟
قال: يلاعنها.
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 القذف: قذف المحصنة أي سبها، وفي حديث هلال بن أمية: أنه قذف امرأته
بشريك، القذف ههنا رمي المرأة بالزنى أو ما كان في معناه، وأصله الرمي ثم
استعمل في هذا المعنى حتى غلب عليه.
انظر: لسان العرب: 9/277، معجم الفقه الحنبلي مع المبدع: 11/371، 372.
2 اللعان: هو مصدر: لاعن لعاناً، إذا فعل ما ذكر، أو لعن كل واحد منهما
الآخر، وهو مشتق من اللعن، لأن كل واحد منهما يلعن نفسه في الخامسة، سمي به
لأن كل واحد من الزوجين لا ينفك عن أن يكون كاذباً فتحصل اللعنة عليه، وهي
الطرد والإبعاد.
[] انظر: لسان العرب:13/388-389، مختار الصحاح: 599.
وفي الشرع: شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة باللعن والغضب، قائمة
مقام حد القذف في جانبه، وحد زنى في جانبها. انظر: المبدع: 8/73.
3 انظر: عن قول أحمد: الإنصاف: 9/242، المبدع: 8/81، المغني: 7/392.
وعن قول إسحاق: شرح السنة للبغوي: 9/242، والإشراف على مذاهب العلماء:
4/265.
وهذه الرواية المذكورة في المسألة هنا هي الرواية الراجحة في المذهب
الحنبلي، وهناك رواية تشترط أن يكون المتلاعنان حرين.
انظر: الإنصاف: 9/242، المبدع 8/81.
(4/1552)
إذا وقع عليها اسم الزوجة1 لاعنها.
[925-] قلت: من أحق بالولد صغيراً؟ 2
قال: الأم أحق حتى إذا كبر يخير.
قلت: إذا كانت المرأة ظالمة لزوجها، يؤخذ منها الولد إذا كان صغيراً؟
قال: لا، هي آثمة فيما تصنع، وهي أحق بولدها ما دام صغيراً.
قال إسحاق: هو كما قال سواء.
قلت لإسحاق: متى يخير؟
قال: إذا بلغ سبعاً فحسن.3
__________
1 في ع لفظ "الزوج".
2 في ع بلفظ "من أحق بالولد ما دام صغيراً".
3 انظر لقول أحمد وإسحاق: شرح السنة للبغوي: 9/333، 334، وسنن الترمذي:
3/639، والمغني 7/612، والمحلى 7/323.
ومن بين الأدلة على ذلك ما رواه سعيد بن منصور في سننه أن أبا بكر الصديق
رضي الله عنه حكم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعاصم لأمه أم عاصم،
وقال: ريحها وشمها ولطفها خير له منك.
انظر: سنن سعيد بن منصور: 2/139، وشرح السنة للبغوي: 9/331.
وأما التخيير فالدليل عليه ما رواه أبو هريرة "أن النبيّ صلى الله عليه
وسلم خير غلاماً بين أبيه وأمه".
أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند بعض أهل العلم، وهو
قول أحمد وإسحاق، وقالا: "ما كان الولد صغيراً فالأم أحق، فإذا بلغ الغلام
سبع سنين خيّر بين أبويه".
[] سنن الترمذي: 3/638-639.
(4/1553)
[926-] قلت لأحمد:
إيلاء العبد؟
قال: نعم، عليه1 إيلاء،2 وإيلاؤه أربعة أشهر.
__________
1 هذا اللفظ من نسخة ع، وفي نسخة ظ بلفظ "قال: نعم إيلاء وإيلاؤه".
2 الإيلاء - بالمد - الحلف، وهو مصدر: يولي إيلاء، ويقال: تألى يتألى، وفي
الخبر: "من يتأل على الله يكذبه"، والأليية بوزن فعيلة اليمين، وجمعها:
ألايا بوزن خطايا، قال كثير:
قليل الألايا حافظ ليمينه إذا صدرت منه الألية برّت
وكذلك الألوة بسكون اللام وتثليث الهمزة. انظر: لسان العرب 14/40.
وشرعاً: حلف زوج يمكنه الجماع بالله تعالى أو بصفة من صفاته على ترك وطء
امرأته الممكن جماعها ولو قبل الدخول في قبل.
انظر: كشاف القناع: 5/353، المبدع: 8/3.
(4/1554)
قال أحمد: إنما قال الله عز وجل
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} 1 ولم يذكر العبيد ولا اليهود ولا
النصارى.
قال إسحاق: إيلاء العبد إنما هو شهران لأن كل أمره في الطلاق، والعدّة على
النصف.2
[927-] قلت: عدّة أم الولد؟
قال: تعتدّ حيضة إذا توفي سيدها،3 والمدبرة4 تعتد حيضة.5
قال إسحاق: تعتد عدة المتوفى عنها زوجها6 وفي
__________
1 البقرة، آية: 226.
2 انظر لقول أحمد: الإنصاف: 9/183.
وعن قول إسحاق وأحمد: الإشراف على مذاهب العلماء: 4/232، المحلى: 7/48.
وقول الإمام هنا هو المذهب، وعليه الجماهير كما قال صاحب الإنصاف.
وهناك رواية عن الإمام بأن إيلاء العبد على النصف من الحر كما قال إسحاق.
3 هذا هو المشهور عن الإمام أحمد قياساً على سائر المعتقات والمملوكات.
انظر: المغني: 7/501.
4 المدبرة: الأمة التي علق عتقها بموت سيدها، وسميت بذلك لأنها تعتق في دبر
حياة سيدها. انظر: المغني: 9/386.
5 وردت نحو هذه المسألة في مسائل أبي داود ص 185.
6 انظر: عن قول إسحاق: المغني: 7/501، وشرح السنة للبغوي: 9/317، ومعالم
السنن للخطابي مع سنن أبي داود: 2/731، والإشراف على مذاهب العلماء: 4/289.
وهناك رواية عن الإمام أحمد توافق قول إسحاق. انظر: المغني 7/501.
(4/1555)
العتاق1 تعتد ثلاث حيض على الاحتياط،2
والمدبرة3 تعتد حيضة كما قال [ظ-25/ب] .4
[928-] قلت:5 أرأيت إن زوّج أم ولده رجلا يستبرئها؟
قال: إذا كان هو يطؤها.
قلت: كذا هو.6
__________
1 في ع بحذف "تعتد".
2 نقل ابن المنذر -رحمه الله- هذا القول عن الأوزاعي ولم يذكر عن الإمام
أحمد بالنسبة لهذه المسألة شيئاً، وهو عدة أم الولد إذا اعتقت، والحكم فيها
عنده أنها تعتد بحيضة.
وهناك رواية مرجوحة توافق رأي إسحاق.
[] انظر: الإشراف على مذاهب العلماء 2/289، والمغني 7/501-506، والإنصاف
5/326.
3 في ع بحذف عبارة "تعتد حيضة".
4 نهاية اللوحة رقم: (47) من ظ.
5 نهابة اللوحة: (48) من ظ، وبداية اللوحة: (49) .
6 في ع بحذف لفظ "كذا هو".
(4/1556)
قال: نعم.1
قال إسحاق: كما قال.2
[929-] قلت: إذا زوّج جاريته من رجل فاستبان بها حمل دون ستة أشهر؟
قال: لا يكون هذا تزويجاً، [ع-50/ب] الولد من الأول، فإن كان قد وطئها
زوجها فلها مهرها مثل الذي تزوجها في عدتها، وترد إلى مالكها الأول.3
__________
1 إذا زوج الرجل أم ولده رجلاً وكان هذا الرجل يطأ هذه الأمة، لزم
استبراؤها.
انظر: المغني: 7/506، والإنصاف: 9/323 والفروع: 5/561، وغاية المنتهى
3/213.
2 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف على مذاهب العلماء: 4/321.
3 إذا تزوجت الجارية برجل ثم طلقها فتزوجت آخر وولدت لأقل من ستة أشهر من
حين تزوجها الثاني فالولد للأول، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فبان أنها
كانت حاملاً قبل زواجها الثاني.
ومثلها مسألة الجارية التي أجاب عنها الإمامان هنا وقاسا على من تزوجت في
عدتها برجل آخر، فإنها إن لم يدخل بها يفرق بينهما لفساد النكاح، وإن دخل
بها فرق الحاكم بينهما ووجب مهر المثل، فكذلك ترد الجارية في مسألتنا هذه،
والولد منه وعلى الزوج مهر المثل.
[] انظر: الإنصاف 9/259، والمغني 7/428، 6/454-456، والمبدع 8/99، والفروع
5/518، وكشاف القناع 5/406.
(4/1557)
قال إسحاق: هو كما قال.1
[930-] قلت: امرأة ولدت لستة أشهر؟
قال: إذا كان لتمام ستة أشهر فهو لزوجها الآخِر، وإذا كان أقل2 من ستة أشهر
فهو للأول.
قال:3 قلت: وإن أتى على ذلك4 سنون؟
قال: ما لم تتزوج فالولد للأول.
قال: يقول أهل المدينة: أربع سنين، وابن5 عجلان ولدته أمه لثلاث سنين.6
__________
1 انظر عن قول أحمد وإسحاق: الإشراف على مذاهب العلماء 4/255.
2 في ع بلفظ "أقل بستة أشهر".
3 في ع بحذف "قال".
4 في ع بلفظ "سنين".
5 ابن عجلان: هو محمد بن عجلان الإمام القدوة الصادق، وثقه أحمد والنسائي
وابن معين وأبو حاتم الرازي وغيرهم، وأخرج له مسلم ثلاثة عشر حديثاً، وأخرج
حديثه أصحاب السنن الأربع، توفي سنة 148 ?.
انظر: سير أعلام النبلاء: 6/317، والجرح والتعديل: 8/49، وميزان الاعتدال:
3/644، وتقريب التهذيب: 311.
6 في هذه المسألة والمسألتين التاليتين لها توضيح لأقل مدة الحمل وأكثره،
وأقل مدة الحمل ستة أشهر كما سبق في المسألة السالفة. =
(4/1558)
..........................................................................................
__________
= ومن الأدلة على ذلك ما رواه البيهقي في سننه الكبرى: 7/442: "أن عمر -رضي
الله تعالى عنه- أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمّ برجمها، فقال علي رضي
الله عنه: ليس عليها رجم، قد قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} البقرة آية:233، وقال تعالى:
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} الأحقاف آية: 15، فستة أشهر
حمله وحولان رضاعه، فخلى عمر سبيلها.
والخليفة الأموي عبد الملك بن مروان روي أنه ولد لستة أشهر، فلذلك يلحق نسب
الولد بأبيه إذا ولدته أمه لتمام ستة أشهر إذ هي أقل مدة الحمل، فإن أنكره
الأب لم ينتف عنه إلا باللعان، وقيل لا ينتفي عنه بلعان ولا غيره.
وأما أكثر مدة الحمل فأربع سنين على ظاهر المذهب، وحكى ذلك الإمام أحمد هنا
عن أهل المدينة وعلى رأسهم إمام دار الهجرة مالك.
فقد أخرج الإمام البيهقى في سننه عن الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس:
حديث عائشة -رضي الله عنها-: "لا تزيد المرأة على سنتين في الحمل، قال
مالك: "سبحان الله من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة بن عجلان امرأة صدوق
وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل كل بطن أربع
سنين". أخرجه البيهقي: 7/443.
وقال أحمد: "نساء بنى عجلان يحملن أربع سنين، وامرأة عجلان حملت ثلاثة بطون
كل دفعة أربع سنين، وقد وقع هذا لعدة أشخاص بقوا في بطون أمهاتهم أربع
سنين".
فإذا تقرر ذلك وجب تقييد أقصى مدة الحمل به، وعمر رضي الله عنه ضرب لامرأة
المفقود أربع سنين، ولم يكن ذلك إلا لأنه أقصى مدة الحمل.
وهناك رواية عن الإمام أحمد أن أقصى مدة الحمل سنتان، والمعتمد الرواية
الأولى.
انظر: المغني: 7/477، والمبدع: 8/111، والإنصاف: 9/274، وكشاف القناع:
5/414، [] [] والجامع لأحكام القرآن 16/193، والإشراف على مذاهب العلماء:
4/978-279.
(4/1559)
[931-] قيل: 1 قال:
وإن طلقها فأقرت بانقضاء العدة فتزوجت فجاءت بولد لستة أشهر فأكثر
فادعاه الأول والأخير، كان للأخير لأن الفراش له.2
[932-] قلت: امرأة ولدت لسنتين؟
قال: هو ولد صاحبها فإن نفاه لاعنها، وأهل المدينة يقولون أربع سنين
__________
1 في نسخة ع "قلت: وإن طلقها" وفي كلا التقديرين إشكال في السياق، والأقرب
أنها "قيل: قال" بمعنى أن هذا الجواب المضاف إلى كلام الإمام السابق لم
يسمعه الكوسج مباشرة منه، وإنما سمعه من غير الإمام عنه.
2 لأنه أمكن كونه منه لمضي أقل مدة الحمل، وينسب إليه ويحكم له لقوله صلى
الله عليه وسلم في حديث عائشة: "الولد للفراش".
أخرجه: البخاري في كتاب البيوع، باب تفسير المشتبهات 2/4، ومسلم، حديث
1457، والنسائي 6/181، والترمذي 1167، وابن ماجة، حديث رقم: 2004، وأحمد في
المسند 6/37، 246.
وانظر عن المسألة: الإنصاف 9/259، والمحرر 2/101، والكافي 3/392
(4/1560)
قال إسحاق: هو1 كما قال كلها.2
[933-] قلت: جارية بين رجلين وقع عليها أحدهما؟
قال: لا حد عليه.3
قال: ابن عمر -رضي الله عنهما- هو جائز.4
__________
1 في ع بحذف "هو".
2 وذلك بناء على أن أكثر مدة الحمل أربع سنين كما هو المشهور عن الإمام،
وكما حكاه عن أهل المدينة، وبه قال إسحاق، وجواب هذه المسألة والتي قبلها
مترتب على ما قرر في المسألة التي قبلهما في تقدير أقل مدة الحمل وأكثره.
انظر: عن المسألة: المبدع 8/111، والكافي 3/293، والفروع 5/537، والمدونة
2/87.
3 وطء الجارية المشتركة حرام، وإذا وطئ الجارية أحد الشريكين فلا حد عليه
لأن له فيها ملكاً، فكان ذلك شبهة كافية لدرء الحد ولكن يعزر، واختلفت
الرواية عن الإمام أحمد في هذا التعزير على ثلاث روايات:
[1-] أنه يجلد مائة إلا سوطاً، وهو الصحيح.
[2-] يضرب مائة كاملة.
[3-] يضرب عشر جلدات.
انظر: الإنصاف 10/254، والمحرر 2/164، وقواعد الفقه الإسلامي 311، والمغني
9/353، والمبدع 9/112.
4 أخرج عبد الرزاق في مصنفه 7/357 بسنده قال: سئل ابن عمر عن رجل وقع على
جارية بينه وبين شركاء، قال: هو خائن ليس عليه حد. قال سفيان: ونحن نقول:
لا جلد، ولا رجم ولكن تعزير.
قلت: هذا الذي ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه خائن، ولعل معنى قول
الإمام أحمد هنا أن ابن عمر قال جائز أنه يقصد أنه لا يقام عليه الحد كما
ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.
(4/1561)
قال إسحاق: هو كما قال.
[934-] قلت: إذا وقع عليها وهو جاهل أو غير
جاهل واحد؟
قال: غير جاهل أشد، وليس عليه حد لأن له فيها نصيباً.1
[قال إسحاق: كما قال] 2
قلت: مثل من سرق من بيت المال فدرئ3 عنه الحد؟
قال: نعم.
[قال إسحاق: كما قال] 4.
__________
1 لما مضى في المسألة السابقة مفصلاً.
2 ما بين المعقوفين مثبت من ع.
3 في ع بلفظ "يدري".
4 ما بين المعقوفين مثبت من ع.
لا حد على من وطئ جارية مشتركة بينه وبين غيره كما سبق، وكذلك لا قطع على
من سرق من بيت المال، لأن له في المال حقاً ويشترط لقطع يد السارق أن لا
يكون للسارق حقٌ، وهذا ما وضحه الخليفة الراشد عمر -رضي الله عنه- حينما
سأله ابن مسعود -رضي الله عنه- عمن سرق من بيت المال. فقال: أرسله، فما من
أحد إلا وله في هذا المال حق.
أخرجه: ابن أبي شيبة 10/20، وعبد الرزاق في مصنفه 10/212.
انظر: المغني 8/277، والمبدع 9/134، والإنصاف 10/279.
(4/1562)
[935-] قلت: ابن1
عباس - رضي الله عنهما- كان لا يرى على العبد حداً
__________
1 في ع بلفظ "ابن عباس -رضي الله عنهما- كان لا يرى على عبد حداً، ولا على
اليهودي".
وانظر قول ابن عباس -رضي الله عنهما- في: معالم السنن للخطابي 4/613.
(4/1563)
ولا على اليهود1 والنصارى؟
قال: عليه الحد، واليهود والنصارى عليهم الحدود.2
قال إسحاق: هكذا هو.3
[936-] قلت: رجل زنى بأخت امرأته؟
قال: لا تحرم عليه امرأته، ولكن يعتزل4 امرأته حتى تنقضي عدة
__________
1 في ع بلفظ "اليهودي".
2 في ع بلفظ "الحد" ويجب الحد على اليهود والنصارى للحديث المتفق عليه حيث
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر برجم يهودي ويهودية زنيا.
رواه البخاري في كتاب الحدود 4/182، ومسلم، حديث 1699، وأبو داود 1446،
والترمذي 1464، وابن ماجة 2556، وأحمد في المسند 2/5.
وانظر أيضاً: الإنصاف 10/172، والمغني 8/164، والمبدع 9/63، ومنتهى
الإرادات 2/462.
3 انظر عن قول إسحاق: سنن الترمذي 4/42.
وانظر: عن قول إسحاق وأحمد: الإشراف على مذاهب العلماء 4/86.
4 في ظ "يعتزل هذه"، وأثبت كلمة "امرأته" من ع.
(4/1564)
هذه.1
قال إسحاق: هو كما قال.
[937-] قلت:2 الرجل يحل جاريته لرجل أو يحل له
فرجها و3 المرأة لزوجها تقول إنه حرام؟
قال: حديث النعمان4 بن بشير رضي الله عنه عن النبيّ [ع-45/ب] صلى الله عليه
وسلم
__________
1 لأنه لو أراد العقد على أختها في ذلك الوقت لم يجز حتى تنقضي عدة
الموطوءة، فكذلك لا يجوز وطء امرأته حتى تنقضي عدة أختها التي أصابها، لأن
وطء الأختين معاً محرم.
وذكر ابن قدامة في المغني 6/545 احتمال عدم حرمة الأخت، وعلل ذلك بقوله:
"لأنها ليست منكوحة، ومجرد الوطء لا يمنع بدليل الوطء في ملك اليمين، فإنه
لا يمنع أربعاً سواها".
والمعتمد في المذاهب القول الأول.
انظر: الكافي 3/311، ومنتهى الإرادات 2/174، وأحكام القرآن للجصّاص 2/132،
والفروع 5/205.
2 هذه المسائل موجودة في نهاية اللوحة رقم: (88) من ع وبداية اللوحة رقم:
(89) من ع.
3 في ع "أو" وهذه المسائل متقدمة في نسخة ع عن موضعها في نسخة ظ.
4 هو النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري الخزرجي، أحد الصحابة الأجلاء. كان
من أمراء معاوية فولي الكوفة مدة، ثم ولي قضاء دمشق. قتل قرب حمص سنة 64 ?.
انظر: الإصابة 3/529، والاستيعاب 3/522، وسير أعلام النبلاء 3/411.
(4/1565)
حيث قال لها: "إن كنت أذنت له جلدناه".1
[938-] قلت: هذا في المرأة لزوجها.
فما تقول إذا أحل جاريته لرجل أو فرجها؟
__________
1 الحديث مروي عن حبيب بن مسلم قال: رفع إلى النعمان - وهو أمير الكوفة -
رجل يقال له عبد الرحمن بن حنين أحلت له امرأته جاريتها، فقال: لأقضين فيك
بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن كانت أحلتها له لأجلدنه مائة
جلدة، وإن لم تكن أحلتها له لأرجمنه. قال: فوجدها قد أحلتها له، فجلده
مائة.
أخرجه أبو داود 4458، والنسائي 6/123، وابن ماجة 2551، والترمذي 1475،
وأحمد في [] [] المسند 4/275-277، ولفظه هذا موجود في المسند.
وفي إسناد الحديث حبيب بن سالم الأنصاري مولى النعمان بن بشير وكاتبه.
قال البخاري: فيه نظر. وهو من رجال مسلم وأصحاب السنن الأربع، ووثقه أبو
حاتم، وقال عنه الحافظ: لا بأس به.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري 2/318، والجرح والتعديل 3/102، وتقريب
التهذيب 63.
واعتماداً على هذا الحديث فإن الزوجة إذا أحلت جاريتها لزوجها فوطئها، يجلد
ولا يرجم إن كان ثيباً، ولا يضرب إن كان بكراً.
وفي مقدار الجلد ثلاث روايات: مائة جلدة، مائة إلا سوطاً وهو المذهب، عشرة
أسواط.
انظر: الإنصاف 10/243، والفروع 6/75، والمغني 8/186، والمقنع مع حاشيته
3/480.
(4/1566)
قال: لا يصلح ولا تكون له الجارية.1
قال إسحاق: كما قال سواء في [كليهما] .2
[939-] قلت: فيمن يقع على جارية امرأته أو ابنه
أو أمه3 أو أبيه؟
قال: كل هذا أدرأ عنه الحد، إلا جارية امرأته فإن4 حديث النعمان بن بشير
رضي الله عنه في ذلك.
[940-] قلت: يقام عليه الحد في جارية امرأته؟
__________
1 إذا وطئ الرجل جارية بعد أن أحلها له صاحبها فهو زان، لأن هذا مما لا
يستباح بالإباحة، ويقام عليه الحد: فإن كان بكراً جُلد، وإن كان ثيباً
رُجم، ولا يسقط الحد في مثل ذلك إلا في موضعين:
[1-] إذا وطئ جارية امرأته بإذنها، كما بينا في المسألة السابقة.
[2-] إذا وطئ جارية ولده كما سيأتي في المسألة التالية.
انظر: المغني 8/185، والمقنع مع حاشيته 3/481، والمبدع 9/111.
2 في ظ بلفظ "كلاهما" والصواب ما أثبته من نسخة ع لاقتضاء قواعد اللغة في
ذلك حيث إن كلا وكلتا إذا أضيفا إلى مضمر ألحقتا بالمثنى فتجران بالياء كما
هنا.
انظر: شرح ابن عقيل على الألفية لابن مالك 1/57.
وانظر: عن قولي الإمامين معالم السنن للخطابي 4/605.
3 في ع بحذف "أمه".
4 في ع بلفظ "قال حديث النعمان".
(4/1567)
قال: نعم، على ما قال النعمان. 1
قال إسحاق: كما قال.2
[941-] قلت: فيمن تزوج3 أمة فاشتراها بعد؟
__________
1 في ع "النعمان بن بشير".
2 في جواب الإمامين أحكام:
أ - وطء الرجل أمة زوجته فإن أذنت له فلا حد عليه بل يعزر، وإن لم تأذن له
حد، وذلك لحديث النعمان بن بشير السابق تخريجه في المسألة رقم: (937) .
ب - وطء الرجل جارية ابنه، المذهب أنه لا حد عليه لأنه وطء تمكنت فيه
الشبهة، فلا يوجب الحد كوطء الجارية المشتركة، دل على الشبهة قوله صلى الله
عليه وسلم في حديث جابر: "أنت ومالك لأبيك".
[] أخرجه ابن ماجة، حديث 2291، وأحمد في المسند 2/179-214.
فأضاف مال ولده إليه وجعله له، فإذا لم تثبت حقيقة الملك فلا أقل من جعله
شبهة دارئة للحد، ولقد وقع الإجماع على انتفاء الحد عنه.
ولكن يعزر على الصحيح من المذهب بمائة جلدة. وقيل: لا يعزر. وقيل: إن حملت
منه ملكها وإلا عزر.
ج - وطء الرجل جارية أمه أو أبيه: الصحيح من المذهب أن عليه الحد، وقيل لا
يحد بل يعزر مائة جلدة.
[] انظر: المغني 8/185-186، والإنصاف 10/182، 242، 246، والمبدع 9/70، 110،
والمحرر 2/153.
3 في ع بلفظ "فيمن يتزوج".
(4/1568)
قال: يطؤها بالملك.1
قلت: 2 فولدت منه قبل أن يشتريها يبيعها إن شاء؟
قال: نعم.3
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 وينفسخ النكاح بملك الرقبة، وهذا من فروع القاعدة الفقهية القائلة: "بأن
من ملك منفعة عين بعقد معاوضة على التأبيد ثم ملك العين انفسخ العقد
الأول".
وينطبق هذا على مسألتنا هذه ولا نظير لها حيث لا يوجد عقد مؤبد وارد على
المنفعة إلا عقد النكاح.
ويقول ابن رجب الحنبلي في قواعده: "ولا نقول إنه يدخل ملكه أي النكاح - في
ملك الرقبة لأن مالك الرقبة لم يكن مالكاً له، فكيف يتضمن عقدة على الرقبة
بتمليكه؟ بل نقول: قد اجتمع له ملك الرقبة بجميع منافعها بجهة، وملك البضع
ملكاً بجهة أخرى ضعيفة؟ فبطلت خصوصيات الجهة الضعيفة كلها لصيره مالكاً
للجميع ملكاً تاماً".
انظر: القواعد لابن رجب ص/43.
2 في ظ بلفظ "قال" والصواب ما أثبته من ع لأنه به يستقيم الكلام.
3 جاز بيعها كأية أمة لأنها ليست بأم ولد، فإن أم الولد هي التي ولدت من
سيدها في ملكه، كما قال ابن قدامة في المغني 9/527.
ويقول في المغني أيضاً 9/534: ولأن الأصل الرق، وإنما خولف هذا الأصل فيما
إذا حملت منه في ملكه بقول الصحابة -رضي الله عنهم-، ففيما عداه يبقى على
الأصل. ا.?
(4/1569)
الجزء الثاني:
كتاب الطلاق
[الجزء الثاني]
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
[كتاب الطلاق] 1
[942-] قلت: طلاق السنة؟ 2
قال:3 يطلقها طاهراً في4 غير جماع الوقت كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم
ابن5 عمر -رضي الله عنهما- أن يطلقها طاهراً في غير جماع
__________
1 ما بين المعقوفين مزيد من نسخة ع.
2 طلاق السنة أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه. وسبق تعريف
الطلاق في بداية المسألة رقم 856.
3 وردت نحو هذه المسألة في مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانىء 1/213.
4 في ع "من".
5 حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رضي
الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له: "مره فليراجعها ثم
ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل
أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء".
أخرجه البخاري في كتاب الطلاق 6/163، ومسلم، حديث رقم: 1471، 2/1093، وأحمد
في المسند 2/6، 54، 63، وأبو داود 2/632، وابن ماجة، حديث رقم: 2019،
والنسائي 6/137، والبيهقي 7/323، ومالك في الموطأ 2/576.
(4/1571)
وليس فيه1 واحدة ولا اثنتان ولا ثلاث.
قال إسحاق: كما قال.
قال2 أحمد: فلو أنه قال:3 أنت طالق ثلاثاً للسنة، فإن كانت حائضاً لم يقع
عليها شيء، فإذا هي4 طهرت وقعت الثلاث عليها جميعاً لأنه الوقت الذي أمر
فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم ابن عمر -رضي الله عنهما- ولم يسم واحدة ولا
ثنتين ولا ثلاثاً، فقد وجبت الثلاث في ذلك الوقت.5
__________
1 أي لم يذكر في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- طلقة واحدة أو اثنتين أو
ثلاثاً.
قال المرداوي في الإنصاف: "وإن طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه كره"، وفي
تحريمه روايتان:
إحداهما: يحرم بل بدعة، وهو المذهب نص عليه في رواية ابن هانئ وأبي داود
وابن منصور، وعليه جماهير الأصحاب.
والثانية: ليس بحرام، اختارها الخرقي حيث قال: "ولو طلقها في طهر لم يصبها
فيه كان أيضاً للسنة وكان تاركاً للاختيار".
[] الإنصاف 8/451-452، والمغني 7/102، والمبدع 7/262، والمحرر 2/51.
2 في ع بلفظ "قال الإمام أحمد رحمه الله".
3 في ع زيادة "لها".
4 في ع بحذف "هي".
5 هذا بناء على رواية أن طلاق الثلاث مرة يكون سنة كما سبق، وللإمام رواية
توافق إسحاق هنا بناء على أن طلاق السنة هو أن يطلقها طلقة واحدة فقط في
طهر لم يجامعها فيه.
[] انظر: المغني 7/107، والإنصاف 8/458، والإشراف 4/160-161.
(4/1572)
قال إسحاق: يقع عليها في كل طهر تطليقة،
ولا يقع عليها شئ من الطلاق إذا تكلم بذلك1 وهي حائض.2
[943-] قلت: الرجل يطأ مدبرته؟ 3
قال: نعم يطؤها.4
قلت: وكل ما ولدت في التدبير فهم بمنزلتها، يعتقون بعتقها ويرقون برقها؟ 5
__________
1 في ع بلفظ "في ذلك".
2 وذلك لحديث ابن عمر السابق حيث إنه طلق امرأته وهى حائض فأمره النبيّ صلى
الله عليه وسلم بمراجعتها، حيث إن الطلاق في زمن الحيض بدعة ولا يقع إلا
بعد الطهر.
3 التدبير في اللغة يقال التدبير في الأمر: أن تنظر إلى ما تؤول إليه
عاقبته.
لسان العرب: 4/273، مختار الصحيح: 198.
والتدبير شرعاً: هو عتق يقع بعد الموت. المغني: 9/386.
4 قال المرداوي في الإنصاف: وله إصابة مدبرته سواء شرطه أو لا، وهو صحيح نص
عليه، ولا أعلم فيه خلافاً.
الإنصاف 7/441، المغني 9/401.
5 ما تلده المدبرة بعد تدبيرها له حالتان:
الأولى: أن يكون موجوداً حال التدبير بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر من حين
التدبير، فهذا يدخل في التدبير بلا خلاف لأنه كمنزلة عضوها.
الثانية: أن تحمل بعد التدبير فهو بمنزلتها أيضاً، كما هو المذهب وعليه
الأصحاب.
انظر: المغني: 9/398، الإنصاف: 7/439، الكافي: 2/594.
(4/1573)
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال.
[944-] قلت: الرجل يطلق واحدة وينوي ثلاثا؟
قال: 1 هي واحدة2.
راجعته؟
فقال: هي واحدة.
قال إسحاق: كما قال إلا أن يقول: أنت طالق ونوى ثلاثاً
__________
1 في ع بلفظ "فقال هذا هي واحدة".
2 إذا قال: أنت طالق، ونوى الثلاث، فعن الإمام أحمد روايتان:
إحداهما: تطلق ثلاثا كما قال إسحاق هنا.
والأخرى: أنها تطلق واحدة. رواها عنه أبو داود كما في مسائله ص 169.
والرواية الأولى قال الزركشي ولعلها أظهر كما حكاه عنه صاحب الإنصاف أ.?.
[] انظر: المغني: 7/236، الإنصاف: 9/7-8، الهداية: 2/8، مسائل أبي داود: ص
169، الإشراف على مذاهب العلماء: 4/165.
(4/1574)
فهي ثلاث.1
[945-] قلت:2 إذا [ظ-26/أ] قال: اعتدّي وينوي ثلاثاً؟ 3
قال: هي واحدة.
راجعته فيه؟
فقال: هذا.
قال إسحاق: إذا نوى ثلاثاً كان ثلاثاً.4
[946-] قلت لأحمد: 5 رجل قال لامرأته: اعتدّي ثلاثاً؟
__________
1 نهاية اللوحة رقم: (49) من ظ.
2 بداية اللوحة رقم: (50) من ظ.
3 في ع بلفظ "قلت: إذا قال: اعتدي وينوي ثلاثا" وحذف باقي المسألة.
4 نقل عن الإمام أحمد روايتان في هذه المسألة.
هذه الرواية بوقوع الواحدة، وحكاها عنه أيضاً في الإشراف على مذاهب
العلماء.
والثانية: أنه يقع ما نواه لأنه كناية خفية، والخفية ليست كالكناية الظاهرة
التي تحمل على الثلاث، فوجب اعتبار ما نواه.
وفي مسألتنا هذه نوى ثلاثاً فتقع الثلاث كما ذهب إليه إسحاق، ونسب إليهما
في الإشراف على مذاهب العلماء.
[] انظر: المبدع: 7/276-280، الكافي: 3/172-173، الإشراف على مذاهب
العلماء: 165-166.
5 في ع بحذف "لأحمد".
(4/1575)
قال أحمد: إن كان يريد الثلاث فهي ثلاث.1
قال إسحاق: أصاب.2
[947-] قلت: إذا قال: اذهبي3 فانكحي من شئت؟
قال: إذا أراد الطلاق فأخشى4 أن يكون ثلاثاً.
قال إسحاق: إذا أراد الطلاق بقوله هذا فهو كما نوى واحدة
__________
1 وقع ما نواه لأنه كناية خفية فتحمل على نيته، كما سبق في المسألة السابقة
رقم: (1008) .
وانظر أيضاً: الهداية: 2/5، المبدع: 7/262.
2 انظر عن قول الإمام إسحاق رحمه الله: الإشراف: 4/166، وشرح السنة: 9/211،
212.
3 في ع بلفظ "بقوله هذا فهو كما نواه واحدة أو اثنتين أو ثلاث" المسألة في
ع بهذا اللفظ فقط.
4 قوله: "أخشى أن يكون ثلاثا" يشبه عباراته في الكنايات الظاهرة كما نقل
عنه مرارا، يقول: "فهو عندي ثلاث، ولكن أكره أن أفتي به" كما في مختصر
الخرقى.
ويقول ابن قدامة في المغني: 7/127 معلقاً على ذلك: "أكثر الروايات عن أبي
عبد الله كراهية الفتيا في هذه الكنايات، مع ميله إلى أنها ثلاث".
وهذا موافق لما هو المشهور في المذهب أن ذلك كناية ظاهرة، والمشهور أيضاً
أن يقع بالظاهرة ثلاثاً مطلقاً.
[] انظر: الإنصاف: 8/479-480، والمبدع: 7/277-278، والمغني: 7/131،
والهداية: 2/7.
(4/1576)
أو اثنتين أو ثلاثاً.1
[948-] قلت: إذا قال: بهشتم؟ 2
قال: أسأله: ما أراد؟ فإن أراد ثلاثاً فهو ثلاث. وكل شيء بالفارسية فهو على
ما نوى من ذلك، لأنه ليس له حد مثل كلام العربي.3
قال إسحاق: هو كما قال، إلا أن حكمه [ع-46/أ] بالفارسية كحكم من يتكلم
بالعربية، وكذلك كل شيء.4
__________
1 إعطاء لهذه المسألة حكم الكناية الخفية في الحمل على ما نواه، ذلك لأن
القاعدة عند إسحاق أن "كل كلام يشبه الطلاق، يريد به الطلاق فهو على ما
نوى".
حكاه عنه ابن المنذر في الإشراف: ص169.
وانظر: معالم السنن: 3 /651، المحلى: 10/189.
2 بكسر الباء الموحدة والهاء وسكون الشين المعجمة وفتح التاء المثناة من
فوق، وهذا في اللغة الفارسية بمعنى الطلاق أو التخلية، ويحكم بأنه صريح
الطلاق موضوع له ويستعمل لذلك.
انظر: المقنع: ص531، شرح منتهى الإرادات: 3/130، المغني: 7/124.
3 أورد رواية الكوسج هذه منسوبة إليه المرداوي في الإنصاف: 8/476، وقال:
"فإن زاد بسيار، بأن قال: بهشتم بسيار، طلقت ثلاثا".
وانظر: غاية المنتهى: 3/115.
4 وانظر: عن قوليهما في الإشراف على مذاهب العلماء: 4/173.
(4/1577)
[949-] قلت كيف تطلق
الحامل؟
قال: متى شاء طلقها واحدة.1
قال إسحاق: كما قال.2
[950-] قلت: فأسقطت ولداً3 انقضت العدة؟
قال: نعم إذا علم أنه [ولده] .4
قال إسحاق: هو5 كما قال إذا كان سقطاً بيناً.6
[951-] قلت: الاستثناء في الطلاق؟
__________
1 طلاق الحامل طلاق للسنة لأنه لما استبان حملها قد طلق الزوج على بصيرة،
فلا يخاف ظهور أمر يندم عليه.
المغني: 7/105، المبدع: 7/213، الإجماع لابن المنذر:109.
2 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف: 4/161.
3 في ع بلفظ "الولد".
4 ما بين المعقوفين مثبت من ع والموجود في ظ "ولد" أي بحذف الهاء.
5 في ع بحذف "هو".
6 وذلك لوضوح حالها وعدم الارتياب فيه.
ولقوله تعالى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ} الطلاق، آية:4.
والوضع يشمل السقط.
المغني: 7/475، المبدع: 8/108، أضواء البيان: 8/364 الإشراف: 4/282.
(4/1578)
قال: أقف عنده1، والغالب على أنها تطلق
وكذلك في العتاق، وذلك أن الطلاق ليس هو يمين يكون فيه استثناء.2
قال إسحاق: لا يقع طلاق ولا عتاق إذا استثنى متصلاً، لأنه وإن لم يكن
يميناً فالنية في الطلاق والعتاق جائز، والاستثناء فيه ببيان نية3.
__________
1 توقف الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن إجابة هذه المسألة.
قال المرداوي في الإنصاف 9/104: "ممن نقل ذلك عبد الله وصالح وإسحاق بن
هانىء وأبو الحارث والفضل بن زياد وإسماعيل بن إسحاق".
2 صورة المسألة فيما إذا قال: "أنت طالق إن شاء الله"، نقل ابن قدامة في
المغني إجماع العلماء على تسمية ذلك استثناء. المغني: 8/715.
والمشهور في المذهب وقوع الطلاق، قال عنها في الإنصاف: "وهذا المذهب نص
عليه في رواية الجماعة …وعليه جماهير الأصحاب".
وعن الإمام رواية توافق قول إسحاق في أنه لا يقع بذلك طلاق ولا عتاق.
وعلل الإمام أحمد قوله هنا بالفارق بين اليمين والطلاق، فإن اليمين يكون
فيه الاستثناء كما نص عليه الحديث: " من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد
استثنى، فلا حنث عليه".
أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وحسنه، حديث رقم: 1531، 4/108، وأبو داود
3/2020.
والطلاق والعتاق ليسا من الأيمان ولا يكفران.
انظر: عن المسألة: المغني 7/216، والمبدع 7/305، والإنصاف 9/104.
3 في ظ بلفظ: "ببيان بين"، وهذه رواية عن الإمام أحمد كما بينا آنفاً
دليلها لأنه علق الطلاق على مشيئة لم يعلم وجودها فلا يقع، كما إذا علق على
مشيئة زيد مثلاً.
والراجح: وقوع الطلاق والعتاق في ذلك، لما روي عن الصحابيين ابن عمر وأبي
سعيد -رضي الله عنهما- أنهما قالا: كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم نرى الاستثناء جائزاً في كل شيء إلا في العتاق والطلاق.
حكى ذلك ابن قدامة في المغني عن أبي الخطاب، وقال ابن قدامة: "وهذا نقل
للإجماع، وإن قدر أنه قول بعضهم ولم يعلم له مخالف فهو إجماع".
انظر: المغني 7/216، والروض الندي ص/405، والإنصاف 9/28.
وسيأتي توثيق قول إسحاق في المسألة التالية.
(4/1579)
[952-] قلت1: إذا
قال: أنت طالق إن شاء الله؟
قال: أقف عنده.
قلت: إذا قال: إن دخلت هذا البيت فامرأته طالق إن شاء الله؟ 2
قال: هذا أهون، وأقف عنده.
[953-] قلت: لم؟ قال: لأنه لا يصح لي، أرأيت إن
طلق امرأته أله أن يكفر يمينه، ويراجع امرأته ألا ترى أنه ليس
بيمين؟
__________
1 هذا أكملته من ع، أما ظ فإنه بحذف: "قلت".
2 في ع بلفظ: "إن شاء الله تعالى".
(4/1580)
قال إسحاق: له الاستثناء فيهما. 1
[954-] قلت: أرأيت إن قال: إن دخلت هذه الدار
فعليه حجة؟
قال: إن دخلها فقد حنث، ويكفر يمينه في مذهبنا.2
قال إسحاق: هو كما قال، ولكنى أختار في الكفارة في الأيمان3 المغلظات ستين
مسكيناً.4
__________
1 انظر: عن قول إسحاق:الإشراف على مذاهب العلماء 4/186.
2 هذا ما يسميه الفقهاء بنذر اللجاج وهو خارج مخرج اليمين، وحكمه أن صاحبه
مخير بين ما نذر به وبين كفارة اليمين. انظر: المغني: 8 /696.
3 في ع بحذف "الأيمان".
4 مخير في كفارة اليمين وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة،
فمن لم يتمكن من ذلك صام ثلاثة أيام، وكل ذلك بصريح قوله تبارك وتعالى: {لا
يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ
يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ
عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ
كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}
المائدة، آية 89، وما ذكره الإمام إسحاق هنا -رحمه الله- معارض بنص الآية،
ويتحتم المصير إلى صريح الآية، وعليه الأمة.
انظر: المغني: 8/734، العدة: 482، تفسير الطبرى: 7/16، فتح القدير
للشوكانى: 2/71.
(4/1581)
قال أحمد: وإن قال: إن دخلت هذه الدار1
فامرأته طالق.
أليس تطلق امرأته؟ 2 وكان سفيان [إذا سئل] 3 عن هذا لم يقل فيه شيئاً.
قال إسحاق: له الاستثناء.4
[955-] قلت: إذا قال ما أحل الله عليه حرام وله
امرأة؟
قال: عليه كفارة الظهار.5
قلت: فقال: لم أعن امرأتي؟
__________
1 في ع بحذف كلمة "الدار".
2 بين الإمام هنا أن المرأة تطلق إذا وقع الدخول ولا يمكن له الرجوع
بالكفارة بخلاف المسألة الأولى، وهذا كله تأكيد لبيان التفريق بين اليمين
والطلاق. انظر: المسألة السابقة.
3 ما بين المعقوفين ساقط من ظ، وأثبته من ع لأنه به يتم الكلام ويستقيم
المعنى.
4 أي يصح الاستثناء في الطلاق، فلا تطلق امرأة من قال لزوجته: أنت طالق إن
شاء الله، كما بينا سابقا في المسألة رقم: (947) .
انظر أيضاً: المغني: 8/718.
5 في المسألة ثلاث روايات عن الإمام أحمد، وما أجاب به الإمام هنا هو
المذهب، والرواية الثانية: أنه كناية ظاهرة.
والرواية الثالثة: أنه ظاهر في اليمين.
وعنه رواية رابعة: أنه كناية خفية.
الإنصاف: 8/486، 487، المغني: 7/334.
(4/1582)
قال: وإن لم يعن امرأته فهي مما أحل الله
له وعليه1 كفارة ظهار.
قال إسحاق: يسأل عن إرادته، فإن نوى يميناً كان2 يميناً، وإن نوى طلاقاً
كان3 كما نوى، وإن لم تكن نية فأدناه يمين.4
[956-] قلت: إذا طلقها وفي بطنها ولدان؟
قال: ما لم تضع الآخر.5
__________
1 هذه من نسخة ع وفي نسخة ظ بلفظ: "وإن لم يعن فهو مما أحل الله عليه"،
فصححته من ع.
2 في ع: "كانت".
3 في ع بلفظ: "كان كما نوى".
انظر: عن قوله فيما عدا الفقرة الأخيرة: الإشراف على مذاهب العلماء 4/172.
ويحمل على الفقرة الأخيرة من كلامه.
4 حكى ابن قدامة في المغني: 6/699 عن الإمام إسحاق أنه يقول فيمن قال: ما
أحلّ الله علي حرام إن فعلت كذا، ثمّ فعل أنّ ذلك يمين
5 إذا كان الحمل أكثر من واحد فالمذهب أن لا تنقضي العدة إلا بوضع الآخير
لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ} الطلاق، آية: 4، والحمل هو الجميع.
وعن الإمام رواية: أن العدة تنقضي بوضع الأول. والراجح القول الأول، وذلك
لظاهر الآية.
انظر: المغني: 7/474، الإنصاف: 9/271، المبدع، 8/109.
(4/1583)
قال إسحاق:1 كما قال.2
[957-] قلت: طلاق السكران.3
قال: لا أقول فيه شيئاً.
سئل عنه مراراً وأنا شاهد، كل ذلك يقول: لا أقول فيه شيئاً.
ثم سألته قلت: إذا طلق السكران أو قتل أو سرق أو زنى أو افترى أو اشترى أو
باع؟
قال أحمد4 أجبن عنه، لا يصح لي5 شيء من أمر
__________
1 في ع زيادة: "هو".
2 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف على مذاهب العلماء: 4/282.
3 السكران: المقصود به هنا من يخلط في كلامه وقراءته لأجل السكر، ولا يعرف
رداءه من رداء غيره، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا
تَقُولُونَ} النساء آية: 43.
فجعل علامة زوال السكر علمه بما يقول.
انظر: القواعد والفوائد لابن اللحام: 38، المغني: 7/116، المبدع: 9/100.
4 في ع بحذف: "أحمد".
5 في ع بحذف لفظ: "لي شيء" في الأول وإضافة: "شيء" في الآخر، والجملة في ع
هكذا: "قال: لا يصح من أمر السكران شيء".
(4/1584)
السكران.1 وشهدته سئل غير مرة فلم يقل في
السكران شيئاً.2
__________
1 سؤال الكوسج من قوله: "إذا طلق" إلى قول الإمام أحمد: "أمر السكران" شيء
موجود في المغني: 7/116 بلفظه عدا كلمة "لي" من قوله "لا يصح" غير موجودة
في المغني.
2 توقف الإمام عن التصريح بحكم طلاق السكران. وروي عنه وقوعه. وكذلك روي
عنه عدم وقوعه.
يقول ابن قدامة 7/114: "أما التوقف عن الجواب فليس بقول في المسألة، إنما
هو ترك للقول فيها وتوقف عنها، لتعارض الأدلة فيهما وإشكال دليلها".
ووافق الإمام إسحاق رواية عدم وقوع الطلاق كما بين ذلك هنا.
والمذهب عند الإمام أحمد أن الطلاق يقع، كما في الإنصاف 8/433؛ للحديث "كل
الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه".
أخرجه البيهقي 7/359. وقال عنه الألباني في إرواء الغليل 7/111: أن الصواب
فيه الوقف، وعلقه البخاري في الفتح 9/345.
ولأنه إيقاع للطلاق من مكلف غير مكره صادف ملكه، فوجب أن يقع كطلاق الصاحي،
ولأن الصحابة أوقعوا عليه الطلاق، فلقد فرّق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
بين سكران طلق امرأته بعد أن شهد عليه أربع نسوة …
أخرجه البيهقي 7/359.
[] انظر: زاد المعاد 5/210-211، والمغني 7/114، والمبدع 7/272، وكشاف
القناع 5/234.
(4/1585)
قال1 إسحاق: كلما طلق السكران وكان سكره
سكراً لا يعقل فإن طلاقه لا شيء، ولكن2 ليس للمرأة أن تصدقه أنه لم3 يعقل
إذا أشكل عليها أمره، فينبغي لها4 أن تحلفه عند الحاكم، فإن لم يكن عند
حاكم5 جاز.
قال إسحاق: فأما6 طلاق السكران فالذي نعتمد عليه إذا كان السكران لم7 يعقل
أصلاً في سكره حين طلق أو أعتق، ثم ذُكّر فلم يذكر8، أن ذلك لا يلزمه وهو
في سعة من9 حبسها، ولو كان سكراناً يعقل بعض العقل فَذُكِّر أنك10 قد
__________
1 في ع بلفظ "سئل إسحاق" ويستقيم الكلام أكثر بما هو مثبت من ظ.
2 في ع بتكرار لفظة: "لكن".
3 في ع بلفظ: "أنه ليس يعقل" وحذف لم.
4 في ع: "له".
5 في ع: "الحاكم".
6 في ع: "وأما"، بالواو.
7 في ع بتأخير كلمة أصلا: "لم يعقل في سكره أصلاً".
8 في ع: "فإن ذلك".
9 في ع: "من" محذوفة.
10 في ع تكملة الإجابة كالتالي: "فذكر أنك طلقت فذكر أن يقع إذا حفظ أنه
فعل".
(4/1586)
طلقت فذكر، فإن ذلك يقع إذا حفظ أنه فعل.1
[958-] قلت: طلاق المكره [ع-46/ب] ؟ 2
قال: أرجو أن لا يكون عليه شيء.3
وحد المكره: إذا كان يخاف القتل أو ضرباً شديداً.4
__________
1 مضمون كلام الإمام إسحاق -رحمه الله تعالى- أن طلاق السكران لا يقع،
ودليله أنه زائل العقل كالمجنون، ومفقود الإرادة كالمكره، ولأنه لا عقل له،
والعقل مناط التكليف.
والراجح: وقوع طلاق السكران لما سبق من الأدلة في القول الأول، وهو ما عليه
المذهب عند الإمام أحمد، ولأنا إن قلنا بعدم وقوع طلاق السكران كان ذلك
تشجيعاً له على فعله وحافزاً له في الاستمرار على عصيانه، فالأَوْلى الحكم
بإيقاع طلاقه، عقوبةً وردعاً له ولأمثاله، والله تعالى أعلم.
انظر: الإنصاف 8/433، والمبدع 7/272، والعدة ص/409.
وانظر: عن قول إسحاق: المغني 7/115، وزاد المعاد 5/210، والأوسط لوحة رقم:
265.
2 نهاية اللوحة رقم: 90 من ع، وبداية اللوحة رقم: 91.
3 فلا يقع طلاقه، وعدم وقوع طلاق المكره مطلقاً هو المذهب كما في الإنصاف
8/439.
وعن الإمام رواية يشترط فيها لوقوع طلاق المكره أن يكون المكره ذا سلطان.
انظر: المغني 7/118، والمبدع 7/254، والإشراف 4/192.
4 فيكون من هدد بالقتل وأخذ المال ونحوهما مكرهاً، هذا هو المذهب في حد
الإكراه، وهناك رواية أن التهديد ليس بإكراه، فلا يكون مكرهاً حتى ينال
بشيء من العذاب كالضرب والخنق.
انظر: المغني 7/119، والإنصاف 8/439، والإشراف 4/193.
وانظر عن قول إسحاق: المغني 7/118، والاستذكار، لوحة: 217، والإشراف 4/192،
والأوسط، لوحة رقم: 265، ومعالم السنن 2/643.
(4/1587)
قال إسحاق: هو كما قال بلا شك.
[959-] قلت: طلاق الصبي؟
قال: إذا كان يعقل.1
قال إسحاق: ما لم يحتلم أو يبلغ خمس عشرة سنة أو نبتت عانته.2
__________
1 المذهب أن الصبي الذي يعقل الطلاق ويعلم أن زوجته تحرم عليه بالطلاق يقع
عليه طلاقه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "الطلاق لمن أخذ بالساق".
أخرجه ابن ماجة، حديث رقم: 2081.
وقال عنه الألباني في إرواء الغليل 7/108: إنه حديث حسن.
ونسب هذا القول لإسحاق في المغني 7/116.
وعن الإمام رواية أنه لا يصح الطلاق من الصبي حتى يبلغ، موافقاً لما ذكره
إسحاق هنا، وعنه أنه يصح من ابن عشر سنين. وعنه يصح من ابن اثنتي عشرة سنة.
[] انظر: الإنصاف 8/431-432، والمغني 7/116، والإشراف 4/190.
2 وعبارته عن ذلك في المسألة 1330: "كلما جاز عن ثنتي عشرة سنة وقد عقل
الطلاق فطلق وقع لما يحتلم ابن اثنتي عشرة سنة".
ونص على إجابته هذه ابن المنذر في الإشراف 4/190، والأوسط، لوحة رقم: 264.
(4/1588)
[960-] قلت: إذا طلق
الرجل إلى أجل يسميه؟
قال: هي امرأته إلى ذلك الأجل.1
قال إسحاق: هو كما قال [ظ-26/ب] .2
[961-] قلت: شهادة النساء في الطلاق؟
قال: لا تجوز3 في الطلاق.
قال إسحاق: كما قال4 إذا لم يكن معهن رجل، فإن كان رجل
__________
1 هذا المذهب وعليه الأصحاب، كما في الإنصاف 9/53.
وعن الإمام رواية أن الطلاق يقع في الحال.
وانظر: المغني 7/165.
2 انظر: عن قول إسحاق: المغني 7/165، والإشراف، 4/196، والأوسط، لوحة: 266.
3 الصحيح من المذهب أنه لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، ومثله النكاح
والرجعة والعتاق ونحوها، ولا بد لذلك من شهادة رجلين.
وعن الإمام رواية أنه تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين، وهو ما حكاه الكوسج عن
إسحاق.
[] الإنصاف 12/79، والمغني 9/149-150.
4 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف على مذاهب العلماء 4/213
(4/1589)
وامرأتان جاز ذلك، وإن كن أربعاً فإنها لا
تجوز.
[962-] قلت: خروج المطلقة من بيتها؟
قال: تخرج 1 على حديث فاطمة،2 ولا سكنى لها ولا نفقة
__________
1 المقصود من المطلقة هنا: المطلقة البائن، كما يدل عليه حديث فاطمة الآتي.
والمطلقة إما أن تكون حاملاً أو لا:
فإن كانت حاملاً، فلها النفقة والسكنى، لقوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كُنَّ
أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
الطلاق آية 6.
وإن كانت المطلقة غير حامل فالمذهب أنه لا نفقة لها ولا سكنى.
وعنه رواية أنها لها النفقة والسكنى.
ورواية أخرى لها السكنى خاصة.
ورواية رابعة لها النفقة والكسوة.
انظر: المغني 7/528، والإنصاف 9/312.
2 فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية، أخت الضحاك بن قيس. كانت تحت أبي
بكر بن حفص المخزومي فطلقها، فتزوجت بأسامة بن زيد، من مناقبها أنه اجتمع
في بيتها أهل الشورى عند قتل عمر، قال عنها ابن عبد البر: "وكانت من
المهاجرات الأول، وكانت ذات جمال وعقل وكمال".
انظر: الإصابة 4/373، والاستيعاب 4/371، وتهذيب التهذيب 12/444، وتقريب
التهذيب 471.
(4/1590)
على حديث1 فاطمة.
قال إسحاق: هو كما قال.2
[963-] قلت خروج المتوفى عنها زوجها؟
قال: لا تخرج على حديث فريعة.3
__________
1 حديث فاطمة أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة فأرسل لها وكيله بشعير
فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء. فجاءت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: "ليس لك عليه نفقة"، ثم أمرها أن تعتد عند
ابن أم مكتوم.
أخرجه مسلم 2/1114 في كتاب الطلاق، وأبو داود في الطلاق، باب نفقة المبتوتة
2/712، وأحمد في المسند 6/412، وابن ماجة 1/652 باب من طلق ثلاثاً في مجلس
واحد، والبيهقي 7/432.
2 انظر: عن قول إسحاق المغني 7/528، والأوسط، لوحة رقم: 300.
3 فريعة: هي فريعة بنت مالك بن سنان الخدرية، أخت أبي سعيد الخدري، ويقال
في اسمها الفارعة، ويقال الفرعة. حضرت بيعة الرضوان، وأمها حبيبة بنت عبد
الله بن أبي ابن سلول.
انظر: الإصابة 4/375، وتهذيب التهذيب 12/445.
وحديثها هو أن زوجها قتل، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في
بيت أهلها، فأذن لها، ثم ناداها بعد ذلك وأمرها صلى الله عليه وسلم أن تعتد
في بيتها.
أخرجه الترمذي في كتاب الطلاق 3/502، وقال: حديث حسن، والنسائى كتاب الطلاق
6/199، وأبو داود 2/723، ومالك في الموطأ 1/591.
والحديث يؤيد ما أجاب به الإمامان هنا وهو عدم خروج المتوفى عنها زوجها من
بيت زوجها حتى تنتهي مدة العدة.
وعن الإمام أحمد رواية أنه لا يجب عليها ذلك بل تعتد حيث شاءت، والمذهب
الرواية الأولى.
[] انظر: الإنصاف 9/306-307، والمغني 7/521، وكشاف القناع 5/431.
(4/1591)
قال إسحاق: كما قال.1
[964-] قلت: المطلقة إذا دخلت في الحيضة
الثالثة؟
قال: الغالب على ذلك قول زيد2 رضي الله عنه والمدنيين.3
سألته بعد ذلك، قلت: إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة؟
قال: ما أدري ما أختار؟.
__________
1 انظر: عن قول الإمام إسحاق: المغني 7/521، وجامع الترمذي 3/502.
2 هو زيد بن ثابت رضي الله عنه.
وحديثه هو ما أخرجه مالك في الموطأ 2/577، والشافعي في مسنده ص 297، أن
الأحوص هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة وقد كان
طلقها، فكتب معاوية ابن أبي سفيان إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك، فكتب إليه
زيد أنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا
ترثه ولا يرثها.
3 المدنيين: مالك وأصحابه.
[] وانظر: عن قولهم في المنتقى 3/100، وشرح منح الجليل 2/304-305، وحاشية
العدوي 2/74، والاستذكار، لوحة رقم: 199.
(4/1592)
ثم سألته أيضاً، فقال: هو ما نعرف1 من
الأحاديث، فلم يستجر على الفتيا فيها.2
قال إسحاق:3 ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة لم تبن من الزوج وله الرجعة
عليها، فإن أخرت الغسل عن الوقت فإنها تبين، لأن التيمم جاز بدل الغسل.4
__________
1 في ع زيادة: "فيه" بعد "نعرف" والمعنى مستقيم بدون "فيه".
2 المطلقة الرجعية إذا دخلت في الحيضة الثالثة وانقطع دمها ولم تغتسل، عن
الإمام أحمد في مراجعة زوجها لها روايتان:
إحداهما: أن لزوجها مراجعتها ما لم تغتسل، وقال عنها في الإنصاف أنها
المذهب. وهو قول سعيد بن المسيب والثوري وإسحاق، وروي ذلك عن أبي بكر
الصديق وعثمان وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء -رضي الله عنهم-.
والرواية الثانية: أن عدتها تنقضي بمجرد انقطاع الدم، وأنه ليس لزوجها
مراجعتها، وهو قول سعيد بن جبير والأوزاعي.
وعن الإمام أحمد رواية أنها تنقضي بمجرد انقضاء وقت صلاة بعد الطهر.
[] انظر: المغني 7/456-457، والإنصاف 9/157-158، والمقنع بحاشيته 3/223،
والمغني [] والشرح 9/86، والاستذكار، لوحة رقم: 199-200، والإشراف 4/305.
3 انظر: عن قول الإمام إسحاق: المغني 7/456، والمقنع بحاشيته 3/223،
والإشراف 4/305، والاستذكار، لوحة رقم: 200.
4 أي أن المرأة الرجعية يمكن لزوجها مراجعتها ما لم تغتسل من الحيضة
الثالثة، ولكن إن تركت الغسل وأخرته عن وقته الذي هو وقت صلاة منذ انقطاع
الدم بانت وليس له مراجعتها، والتيمم عند وجود شروطه حكمه حكم الغسل. ونص
الإمام أحمد أنها في عدتها ولزوجها رجعتها حتى يمضى وقت الصلاة التي طهرت
في وقتها.
انظر::المغني 7/456، 457، الإنصاف 9/156، 158.
(4/1593)
[965-] قلت: الرجل
يكون عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن، أله أن يتزوج في1 العدة؟
قال: لا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة التي طلق2، فإذا ماتت يتزوج.3
قال إسحاق: كما قال.
[966-] قلت: إذا أغلق الباب وأرخى الستر؟ 4
__________
1 في ع بإضافة "وهي".
2 لبقاء أواصر الزوجية لأنها محبوسة عن النكاح لحقه.
وفي المغني:6/544 أنه كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة فطلق واحدة البتة
وتزوج قبل أن تحل، فعاب عليه كثير من الفقهاء. قال سعيد بن منصور: إذا عاب
عليه سعيد بن المسيْب فأي شيء بقي.
3 في ع بلفظ: "وإذا ماتت تزوج " وكونه يتزوج وذلك لانقطاع آثار الزوجية.
انظر: الإنصاف: 8 /131، والمبدع: 7/68، والإشراف على مذاهب العلماء: 4/100.
4 وردت نحو هذه المسألة في مسائل ابن هانئ: 1/215
(4/1594)
قال وجب الصداق ووجبت العدّة.1
قال إسحاق: كما قال إلا أن تكون حائضاً أو محرمة، فلم يجئ العجز من قبله.2
__________
1 يشترط في وجوب الصداق كاملاً للمرأة، ووجوب العدّة عليها المس أو الدخول
على ما هو موضح في قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا
فَرَضْتُمْ} البقرة، آية: 237.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ
فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} الأحزاب، 49.
وبين الإمام في جوابه هنا أن إغلاق الباب وإرخاء الستر ينزل منزلة الدخول
أو المس، وذلك لإجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على ذلك، فقد أخرج البيهقي:
7/256 عن زرارة بن أوفى أنه قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق
بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة.
وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة في مصنفه: 4/235، وعبد الرزاق في مصنفه: 6/288
ما عدا لفظ "ووجبت العدة"، وهذا هو المذهب سواء كان بهما أو بأحدهما مانع
من الوطء كالإحرام والحيض، ففي مختصر الخرقي بعد بيان أن حكم الخلوة حكم
الدخول قال:"وسواء دخلا وهما محرمان أو صائمان أو حائض أو سالمان". انظر:
المغني 6/725.
وانظر أيضاً: المغني: 6/724، 6/451، والإنصاف: 8/283، 9/270.
2 لأن الزوج لا يتمكن حينئذ من الوطء فأشبه ما لو منعت تسليم نفسها إليه،
بجامع أن المنع من الوطء حاصل من غير جهة الزوج، سواء كان من أجني أو من
الزوجة.
وهذه رواية عن الإمام أحمد أيضاً.
وعنه رواية ثالثة: أنه إن كان صائماً صوم رمضان لم يجب كامل الصداق، وإن
كان صائماً تطوعاً كمل الصداق.
[] الإشراف: 4/65، المغني: 6/725-726.
(4/1595)
السنة في ذلك أن يكون إذا كان في المرض
طلق، وكان قد دخل بها أو1 لم يدخل، أن الميراث بينهما جار2 لما صيره عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده فراراً من كتاب الله3، فإذا كان حكمه حكم
الفار فكان قد دخل بها أو لم يدخل سواء.
وتصديق ذلك قول عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث ورث امرأة عبد الرحمن4 بن
عوف رضي الله عنه بعد انقضاء العدة، وكذلك نرى
__________
1 في ع بلفظ "دخل بها أم لم يدخل بها"، أي بإضافة أم.
2 في ع بلفظ "جار حكمه حكم النار فكان قد دخل أو لم يدخل سواء وتصديق ذلك
قول عثمان بن عفان رضي الله عنه". وعبارة: "لما صير عمر بن الخطاب ومن بعده
فراراً من كتاب الله" غير موجودة في ع.
3 أي جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه طلاق المريض فراراً من ميراث الزوجة
الثابت في كتاب الله كأن لم يكن، فلم يلتفت إليه، بل عاقب من فعل ذلك
بتوريثها منه، وهذا موافق للقاعدة الفقهية المشهورة: من تعجل بشيء قبل
أوانه عوقب بحرمانه. انظر: القواعد لابن رجب: ص230.
وانظر: المغني: 6/329، 330.
وأثر عمر –رضي الله عنه- أخرجه: البيهقي في سننه: 7/363، وأخرجه سعيد بن
منصور في سننه: 2/63.
4 وزوجة عبد الرحمن: هي تماضر بنت الأصبغ بن ثعلبه الكلبية. وقصة زواجه
منها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم عند ما بعثه إلى بني كلب قال له: إن
استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم، فلما قدم عبد الرحمن عليهم دعاهم للإسلام
فاستجابوا وأقام من أقام منهم على إعطاء الجزية، فتزوج عبد الرحمن تماضر
بنت الأصبغ ملكهم، ثم قدم بها المدينة وهي أم أبي سلمة عبد الرحمن بن عوف.
راجع: الإصابة: 4/248، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/333.
والحديث: هو أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق امرأته البتة وهو مريض،
فورثها عثمان رضي الله عنه منه بعد انقضاء العدة.
أخرجه البيهقى: 7/362، وأخرجه مالك في الموطأ: 2/571.
(4/1597)
ما قال عثمان أنها ترث بعد انقضاء العدة ما
لم تتزوج، كانت مدخولاً بها أو لا.1
__________
1 ذهب الإمام إسحاق -رحمه الله تعالى- إلى أن المطلقة في المرض سواء كانت
مدخولاً بها أو غير مدخول بها أنها ترث ما لم تتزوج، نقل ذلك عنه ابن
المنذري في الإشراف: 4/188، في غير المدخول بها، وهو الصحيح من مذهب الإمام
أحمد كما يأتي في المسألة التالية.
وأما المدخول بها فلا يختلف الإمامان أنها ترث من زوجها مادامت في العدة،
وأما بعد العدة فيقول الإمام إسحاق أنها ترث ما لم تتزوج. وللإمام أحمد
روايتان في ذلك:
إحداهما: أنها لا ترث بعد العدة.
والأخرى:أنها ترث، وعلل ابن قدامة في المغني أن سبب توريثها فراره من
ميراثها، وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة.
[] انظر: المغني: 6/329-331، الإنصاف: 7/354-356، الإشراف: 4/187-188،
المبدع: [6/239-240.
(4/1598)
[969-]] سئل أحمد عن
رجل طلق امرأته وهو مريض قبل أن يدخل؟ 1
قال: فيه اختلاف عن التابعين.2
وسئل3 إذا طلق في مرضه قبل أن يدخل بها ترثه؟
قال: اختلفوا فيه.
وسئل عمن طلق امرأته في مرضه قبل أن يدخل بها؟
قال: اختلف4 فيه الحسن وعطاء5 وجابر6 بن زيد وإبراهيم
__________
1 في ع زيادة "بها".
2 هذا السؤال وجوابه مكرر ثلاث مرات في المخطوطتين باختلاف طفيف في الألفاظ
وتفصيل في المرة الثالثة، ويحتمل تكرر السؤال على الإمام وأن السائل كرره
عند ما لم يفصل الإمام في الجواب، فإنه اقتصر في الجوابين الأولين على
قوله: اختلفوا فقط، فكرر السائل السؤال ليستخرج منه زيادة في الجواب.
3 في ع بلفظ: "وسئل أحمد".
4 في ع بلفظ: "اختلفوا".
5 عطاء بن يسار الهلالي، أبو محمد المدني، القاضي مولى ميمونة، ثقة كثير
الحديث، مات سنة ثلاث أو أربع ومائة، وقيل أربع وتسعين، وقيل سنة سبع
وتسعين.
انظر: تذكرة الحفاظ: 1/90، وتهذيب الأسماء واللغات: 1/235، وطبقات الحفاظ:
41.
6 هو جابر بن زيد الأزدي أبو الشعثاء البصري، روى عن ابن عباس وابن عمر
وابن الزبير، وغيرهم، وروى عنه قتادة، وعمرو بن دينار، ويعلى بن مسلم،
وغيرهم.
قال البخاري وأحمد: إنه مات سنة ثلاث وتسعين، وقال الواقدي وابن سعد: مات
سنة ثلاث ومائة.
تهذيب التهذيب 2/238، وتذكرة الحفاظ 1/72
(4/1599)
والشعبي.
قال بعضهم: لها الصداق والميراث (فتعتد) .1
قلت: في قول من يجعل لها الميراث؟
قال: لا، هذه غير مدخول بها.2
__________
1 ما بين القوسين ساقط من ظ، وأثبته من ع لأن المعنى يقتضيه.
2 ذكر الإمام أحمد اختلاف التابعين فيمن طلق امرأته قبل أن يدخل بها في
مرضه، وإليك الروايات عنه في المسألة وآراء من ذكرهم على سبيل الإيجاز:
[1-] لها الصداق والميراث وعليها العدة، وهو قول الحسن وعطاء وإسحاق، وهو
رواية عن الإمام أحمد.
ذكر ذلك ابن قدامة في المغني، وابن المنذر في الإشراف.
ويأتي التصريح بذلك عن الإمام أحمد وإسحاق كما في المسألة رقم: (1023) ،
وهو الصحيح من المذهب كما ذكره المرداوي في الإنصاف.
[2-] لها الصداق والميراث ولا عدة عليها، وهو رواية عن الإمام أحمد. ونسبه
ابن قدامة أيضاً لعطاء.
[3-] لها نصف الصداق والميراث وعليها العدة، وهو رواية عن الإمام أحمد.
[4-] لها نصف الصداق فقط، ولا ميراث لها ولا عدة عليها، وهو رواية عن
الإمام أحمد. وهو قول الشعبي، والنخعي. ونسبه ابن قدامة لجابر بن زيد، ونسب
ابن المنذر في الإشراف لجابر بن زيد القول بأن لها الصداق كاملاً ولا عدة
ولا ميراث.
[] انظر: المغني 6/331-332، والإشراف 4/188، والإنصاف 7/356-357، والمبدع
[6/239-241،] والاستذكار، لوحة رقم: 189-190.
(4/1600)
هذه مسألة تشبيه.1
[970-] قلت: المختلعة2 لها متعة؟
قال: هي مثل المطلقة.3
__________
1 معنى ذلك والله أعلم أن من جعل لها الصداق كاملاً والميراث شبهها
بالمدخول بها حيث إن لها ذلك، ولا يلزم من التشبيه أن تأخذ جميع أحكامها
التي منها العدة، فإن العدة لمعنى خاص موجود في المدخول بها دون غيرها.
2 الخلع: مأخوذ من خلع الثوب إذا أزاله، لأن المرأة لباس الرجل والرجل لباس
لها، ومنه خالعت المرأة بعلها، أي أرادته على طلاقها ببدل منها، أو من
غيرها يدفع لزوجها ليبينها منه، فإذا أجابها إلى ذلك فقد بانت منه وخلع كل
واحد منهما لباس صاحبه.
انظر: لسان العرب: 8/76، مختار الصحاح: 185.
والخلع اصطلاحاً: فراق الزوج امرأته بعوض يأخذ الزوج من امرأته أو من غيرها
بألفاظ مخصوصة.
انظر: كشاف القناع 5/237، والمبدع 7/219.
3 قال ابن قدامة في المغني:إن الرجل إذا طلق امرأته طلاقاً بائناً، فإما أن
يكون ثلاثاً أو بخلع، أو بانت منه بفسخ. فإن كانت حاملاً فلها النفقة
بإجماع أهل العلم، لأن الحمل ولده، فيلزمه الإنفاق عليه، ولا يمكنه النفقة
عليه إلا بالإنفاق عليها، فوجب كما وجبت أجرة الرضاع، وإن كانت حائلاً فلا
نفقة لها، وفي السكنى روايتان:
إحداهما: لها ذلك.
والثانية: لا سكنى لها ولا نفقة، وهي ظاهر المذهب.
وعنه أن لها السكنى، والنفقة، والكسوة.
[] انظر: المغني:7/606، والإنصاف:9/360-361.
وقول الإمام إسحاق في هذه المسألة يأتي في المسألة التي تليها، ونقله ابن
قدامة في المغني:7/606، وهذا بالنسبة للمطلقة أو المختلعة المدخول بها، أما
غير المدخول بها فإن لها المتعة.
انظر عن قول الإمامين في هذا: الإشراف على مذاهب العلماء:4/298، 300.
(4/1601)
قلت: عدّتها عدّة [ع-47/أ] المطلقة؟
قال: نعم.
قال إسحاق: أختار ما قال.1 والذين قالوا:2 تعتد حيضة على ما أمر النبي صلى
الله عليه وسلم امرأة ثابت3 بن قيس، فهو مذهب
__________
1 انظر عن قولي أحمد وإسحاق:معالم السنن للخطابي: 2/668.
2 هي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وبها قال ابن عمر وعثمان بن عفان وعبد
الله ابن عباس ورواية عن إسحاق.
راجع: تهذيب ابن القيم: 3/145، والإنصاف: 8/392، ومعالم السنن للخطابي:
2/668.
3 هو الصحابي الجليل ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امرىء القيس الخزرجي،
أبو عبد الرحمن ويقال أبو محمد المدني، خطيب النبي صلى الله عليه وسلم. روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أولاده وأنس بن مالك. شهد له النبي
صلى الله عليه وسلم بالجنة، شهد بدراً والمشاهد كلها.
راجع تهذيب التهذيب: 2/12، والإصابة:1/197.
وزوجته: هي حبيبة بنت سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن
مالك بن النجار، الأنصارية.
راجع: تهذيب التهذيب: 12/408، والإصابة: 4/262.
وحديثها هو عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه،
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضة.
أخرجه أبو داود، حديث رقم: 2229، 2/669، 670.
والترمذي وقال: حديث حسن غريب، حديث رقم: 1185، 3/491، والنسائي: 6/169.
(4/1602)
قوي.1
__________
1 قال الترمذي في جامعه: 3/492: قال إسحاق: "وإن ذهب ذاهب إلى هذا -أي أن
عدة المختلعة حيضة- فهو مذهب قوي"، نقل البغوي عن إسحاق نحو ذلك في شرح
السنة 9/197.
والخلاف في مسألة عدة المختلعة مبني على كونه طلاقاً بائناً أو فسخاً،
واتفق الإمامان هنا على أن عدتها كالمطلقة بناء على أن الخلع طلاق بائن.
والصحيح من المذهب أن الخلع فسخ فتكون عدتها حيضة، واستدل ابن عباس -رضي
الله عنهما- على أن الخلع فسخ بقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} البقرة: 229.
ثم ذكر الخلع فقال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ
اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ =
(4/1603)
.......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= بِه} البقرة 229.
ثم ذكر الطلاق: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى
تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} البقرة: 230.
فلو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً.
روى أبو داود في سننه 2/669 أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه، فجعل النبي
صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضة.
قال الخطابي في معالم السنن 2/669: "هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ، وليس
بطلاق، وذلك أن الله تعالى قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} البقرة: 228.
فلو كانت مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد. وذكر الإمام ابن القيم في
التهذيب 3/144 أن المعروف عن إسحاق أن عدتها حيضة. ويؤيد هذا أن ابن المنذر
وابن قدامة نسبا إليه القول بأن الخلع فسخ.
والذي ينتج عنه ما ذكره ابن القيم بأنه المعروف عن الإمام إسحاق، فبحمد
الله اتفق الصحيح من مذهب الإمام أحمد، والمعروف عن إسحاق. وهو الراجح لما
قدمنا.
ويؤيد القائلين بهذا القول قول حبر الأمة ابن عباس -رضي الله عنهما-.
قال الإمام أحمد: "ليس في الباب شيء أصح من حديث ابن عباس". نقل ذلك عنه في
المغني 7/56.
وراجع الإشراف 4/218، والإنصاف 8/392، وكشاف القناع 5/216، وشرح السنة
للبغوي 9/197، ونيل الأوطار 6/249.
(4/1604)
[971-] قلت: 1 إذا
قال: أمرك بيدك [إلى2 متى يكون أمرها بيدها؟
قال: ما لم يغشها على قول حفصة3 لزبراء:4 أمرك بيدك] ما لم يغشك5 زوجك.
__________
1 في ع بلفظ "قال: قلت".
2 ما بين المعقوفين غير موجود في ع، وقد ورد نحو هذه الرواية في مسائل
الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله ص 357، وبرواية ابن هانئ 1/228، وبرواية
أبي داود بصيغة مختلفة حيث نقل: "فأمرها بيدها حتى ترده أو يطأها".
مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود ص 172.
3 وحديثها هو ما أخرجه مالك في الموطأ 1/563 بسنده عن عروة بن الزبير "أن
مولاة لبني عدي، يقال لها زبراء، أخبرته أنها كانت تحت عبد، وهي أمة يومئذ،
فعتقت. قالت: فأرسلت إلى حفصة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فدعتني
فقالت: إني مخبرتك خبراً، ولا أحب أن تصنعي شيئاً. وإن أمرك بيدك ما لم
يمسك زوجك، فإن مسك فليس لك من الأمر شيء. قالت: فقلت: هو الطلاق، ثمّ
الطلاق، ثمّ الطلاق. ففارقته ثلاثاً.
4 زبراء: لم أقف على من ترجم لها إلا أن الحافظ ابن حجر أوردها في تعجيل
المنفعة ص 365، ولم يزد على ما في متن الحديث من أنها مولاة لعدي بن كعب،
وأنها روت عن حفصة في قصة جرت لها، وأن عروة ابن الزبير روى عنها.
5 ما لم يغشها أو يفسخ فالأمر بيدها لا يتقيد بزمن معين أو بالمجلس، هذا هو
المذهب وعليه جماهير الأصحاب، نص عليه المرداوي، ونقل عن الزركشي، هذا هو
منصوص الإمام أحمد -رحمه الله- وعليه الأصحاب.
انظر: الإنصاف: 8/492، المغني: 7/141، 142، العدة:416
(4/1605)
قال إسحاق: الذي أختار من ذلك ما اجتمع
عليه عامة أهل العلم من التابعين:1 أن لها الخيار ما دامت في مجلسها، وهي
في عمل النظر للاختيار لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حيث
خيّرها: "لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك".2
قال أحمد: في الخيار إذا أخذوا في غير المعنى الذي كانوا فيه فليس لها من
الأمر شيء.
__________
1 ممن قال بهذا عطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وهو مروي عن عمر بن
الخطاب، وعثمان بن عفان، وابن مسعود، وبه قال إسحاق.
وهؤلاء استدلوا بأن لها الخيار مادامت في المجلس بحديث عائشة والذي فيه:
"لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك".
ولا حجة لهم في هذا، فقد قال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار، لوحة رقم:
159: "لا حجة في هذا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار في
المجلس وبعده حتى تشاور أبويها، ولا خلاف فيمن خير امرأته لمدة يوم أو أيام
أن ذلك لها إلى انقضاء المدة" ا.?.
قلت: ومعلوم أن أبويها ليسا موجودين معها في المجلس.
وقال ابن قدامة في المغني: ولأن قوله أمرك بيدك توكيل، فيكون على التراخي
كما لو جعله لأجنبي.
انظر: المغني: 7/141، 142، والإشراف: 4/178، 179.
2 حديث عائشة هذا أخرجه البخاري في كتاب التفسير: 6/23. ومسلم في كتاب
الطلاق: 2/1103.
(4/1606)
قال إسحاق: هو هكذا.1
[972-] قلت: إذا قال قد وهبتك لأهلك؟
قال: إن قبلوها فواحدة يملك الرجعة، وإن ردوها فلا شيء.2
قال إسحاق: هو كما قال.3
[973-] قلت: الخلية والبرية والبتة4 والبائن
وطلاق
__________
1 انظر: عن كلام الإمام أحمد والإمام إسحاق -رحمهما الله- في هذا الخيار:
الإشراف: 4/179، فقد نقل ابن المنذر قوليهما.
ويأتي التفصيل عن الإمامين فيما إذا قال لها اختاري في المسألة رقم: (974)
.
2 هذا المنصوص عن أحمد. قال المرداوي في الإنصاف 8/397: هذا المذهب.
وعن الإمام أحمد روايتان غير هذه في هذه المسألة:
إحداهما: إن قبلوها فثلاث، وإن ردوها فواحدة رجعية.
الثانية: إن قبلوها فثلاث، وإن ردوها فواحدة بائنة.
ويؤيد الرواية المشهورة، وهو ما عليه المذهب، أن الهبة تمليك فافتقر فيها
إلى القبول كما إذا قال لها: "أمرك بيدك"، ولفظ "وهبتك لأهلك" محتمل فلا
يحمل على الثلاث إذا أطلق، فتكون رجعية.
[] راجع المغني: 7/140-141، والمبدع 7/290، والإنصاف 8/497.
[3] انظر: عن قول إسحاق المغني 7/140، والإشراف على مذاهب العلماء:
4/169-170، والأوسط، لوحة رقم: 255.
4 في ع بلفظ "الباينة والبتة".
ومعنى هذه الكلمات كما يلي (خلية) هي في الأصل الناقة تطلق من عقالها ويخلى
عنها ويقال للمرأة: خلية، كناية عن الطلاق قاله الجوهري، وجعل أبو جعفر
مخلاة كخلية، ويفرق بينهما. و (برية) بالهمز وتركه (بائن) أي منفصل. (بتة)
بمعنى مقطوعة.
انظر: المبدع 7/275، وكشاف القناع 5/250.
(4/1607)
الحرج؟ 1
قال: أخشى أن يكون ثلاثاً، ولا أستجرئ2 أن أفتي فيه.
سئل بعد ذلك؟
قال: الغالب عليه أن يكون ثلاثاً ثلاثاً.3
__________
1 أي يقول لها أنت طالق طلاق الحرج، أو أنت الحرج، والمراد الضيق والإثم
والذي يضيق عليه ويمنعه الرجوع إليها ويمنعها الرجوع إليه، هو الثلاث.
انظر: المغني: 7/113، والمبدع 7/276.
2 من الجرأة أي أجبن عنه كما يطلقه الإمام أحياناً. ويوضحه ما في معالم
السنن للخطابي 2/656، حيث قال الخطابي:" وقال أحمد بن حنبل: أخشى أن يكون
ثلاثاً، ولا أجترئ أفتي به."
3 الألفاظ المذكورة في السؤال من الكنايات الظاهرة في الطلاق، ومال الإمام
أحمد هنا إلى أنه يقع بها ثلاثاً، ولم يستجرئ الفتيا بذلك.
قال ابن قدامة في المغني: 7/127: "أكثر الروايات عن أبي عبد الله كراهية
الفتيا في هذه الكنايات، مع ميله إلى أنها ثلاثٌ."
والمذهب أنه إن نوى بالكنايات الظاهرة طلاقاً وقع الثلاث.
[] قال المرداوي في الإنصاف 8/482-483: هذا المذهب بلا ريب.
وعن الإمام أحمد أنه يقع ما نواه، موافقاً لإسحاق.
وعنه ما يدل على أنه يقع بها واحدة بائنة.
[] راجع المغني 7/127-130، والإنصاف 8/476-482، والمبدع 7/275-276.
(4/1608)
قال إسحاق: هو على إرادته يجري في ذلك، فإن
نوى واحدة أو ثنتين1 أو ثلاثاً.2
[974-] قال أحمد: في الخيار إذا اختارت 3 زوجها
[ظ-27/أ] واحدة تملك الرجعة.4
__________
1 في ع بلفظ: "ناثنتين".
[2] انظر: عن قول الإمام إسحاق في: الإشراف على مذاهب العلماء 4/167،
171-172، [] والأوسط، لوحة رقم: 255-256.
3 نهاية اللوحة رقم: 51 من ظ، وبداية اللوحة رقم: 52.
4 هذه رواية عن الإمام أحمد، وروي عن علي وزيد والحسن أيضاً مثل هذا.
ونقل ابن قدامة في المغني 7/150 عن أبي بكر: انفرد بهذا إسحاق بن منصور
والعمل على ما رواه الجماعة.
ووجه هذه الرواية أن التخيير كناية نوى بها الطلاق فوقع بها بمجردها، كسائر
كناياته وكقوله: أنكحي من شئت.
والراجح: رواية الجماعة عن الإمام، للحديث المتفق عليه عن عائشة -رضي الله
عنها- قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا. فلم يعد ذلك
شيئاً.
أخرجه: البخاري 6/23، ومسلم 2/1103.
(4/1609)
والخلية والبرية والبتة1 والبائن وطلاق
الحرج أخشى أن يكون ثلاثاً2، وفي الحرام كفارة الظهار.3
قال إسحاق:4 هو كما بينا أولاً.5
[975-] قلت: المتوفّى عنها زوجها لا تكتحل،6 ولا تطّيب، ولا تخضب،7 ولا
تبيت عن بيتها،8 ولا تلبس ثوباً مصبوغاً؟
قال: هو هكذا.9
__________
1 في ع بلفظ "والبانية والبتة".
2 سبق الكلام في هذه الكنايات مفصلاً في المسألة السابقة رقم: (973) .
3 سبق الكلام على هذا في المسألة رقم: (955) .
4 في ع بحذف "إسحاق".
5 يعني أمر الكنايات الظاهرة التي سبقت في المسألة رقم: (973) وهي أنها
تبنى على النية.
6 في ع بلفظ "لا تختضب ولا تطيب ولا تكتحل ولا تبيت".
7 الخضاب: ما يخضب به من حناء وكتم ونحوه، وخضب الشيء يخضبه خضباً، وخضبه:
غير لونه بحمرة أو صفرة أو غيرهما.
انظر: لسان العرب 1/357، وتهذيب اللغة 7/117.
8 في ع بحذف (بيتها) .
9 هذا ما يسميه الفقهاء بالإحداد، وهو واجب على المتوفى عنها زوجها لحديث
أم عطية -رضي الله عنها- قالت:"كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على
زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا …".
أخرجه البخاري 6/186، ومسلم 2/1127.
ولحديث فريعة -رضي الله عنها- حينما استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن
تعتد في بيت أهلها فأذن لها ثم ناداها بعد ذلك وأمرها أن تعتد في بيتها.
أخرجه: الترمذي في كتاب الطلاق 3/580، وقال: حديث حسن. والنسائي 6/199،
وأبو داود 2/723.
[] راجع عن المسألة: المغني 7/517، والمبدع 8/141-143، ومنار السبيل 2/286،
[] [] [] والإنصاف 9/303-309.
(4/1610)
[976-] قلت: المطلقة
والمتوفى عنها زوجها1 في الزينة سواء؟
قال: هو الاحتياط.2
قال إسحاق: كلاهما3 كما قال.
__________
1 في ع بحذف "زوجها".
2 يجب الإحداد على البائن، لأنها معتدة من نكاح بائن لا رجوع فيه، فلزمها
الإحداد كالمتوفى عنها زوجها. ولأن العدّة تحرم النكاح فحرمت دواعيه.
وعن الإمام رواية أنه لا يجب الإحداد على البائن، وأما الرجعية فلا خلاف في
أنه لا يجب عليها الإحداد.
راجع: المبدع 8/140، وكشاف القناع 5/429، والمقنع مع حاشيته 3/289، والمغني
7/527.
3 انظر: عن قول إسحاق في أنه يجب على المتوفى عنها زوجها أن تمتنع من
الثياب المصبوغة والمعصفرة إلا ما صبغ بالسواد.
الإشراف 4/295، والأوسط، لوحة رقم: 308.
(4/1611)
[977-] قلت: تعتد من
يوم يموت أو تطلق؟
قال: نعم.1
قال إسحاق: كما قال إذا علم ذلك، وإذا أشكل ذلك فمن يوم يأتيها الخبر.2
[978-] قلت: إذا تزوجها في عدّتها؟
__________
1 من طلقها زوجها أو مات عنها وهو غائب فعدّتها من يوم موته أو طلاقها.
قال ابن قدامة في المغني 7/534 "هذا هو المشهور في المذهب، وأنه متى مات
زوجها أو طلقها، فعدتها من يوم موته، أو طلاقه.
قال أبو بكر: "لا خلاف عن أبي عبد الله أعلمه أن العدة تجب من حين الموت أو
الطلاق ".
ثم قال ابن قدامة: وعن أحمد إن قامت بذلك بينة، وإلا فعدتها من يوم يأتيها
الخبر.
راجع: المبدع 8/140، وكشاف القناع 5/428.
2 انظر عن قول الإمام إسحاق: الإشراف على مذاهب العلماء 4/284
(4/1612)
قال: لها المهر ويخطبها مع الخطاب بعد
انقضاء عدتها من الأول، ثم تعتد من الذي تزوجها في عدتها.1
قال إسحاق: كما قال.2
[979-] قلت: تزوجها في العدة ثم طلقها ثلاثاً؟
قال: هذه مسألة شنيعة. ثم قال: ليس طلاقه إياها بشيء، كأنه لم ير هذا
تزويجاً.
قال إسحاق: ليس طلاقه إياها بشيء.3
__________
1 إذا تزوج الرجل المرأة في عدّتها فرّق بينهما ولها الصداق بما استحل من
فرجها حين الدخول، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الأخير.
وفي مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود السجستاني ص/186 أنه سئل عن رجل
تزوج امرأة في عدّتها ولم يعلم؟ قال: يفرّق بينهما، فإن كان دخل بها فلها
الصداق، وتعتد بقية عدتها من الأول إن كانت ليست بحامل. ثم تعتد من الآخر
عدة جديدة، فإن كانت حاملاً فوضعت انقضت عدتها من الآخر ثم تعتد بقية عدتها
من الأول، وإن كانت لم يدخل بها يعني الآخر فلا مهر، ولا عدة.
وذلك لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "أيما امرأة نكحت في
عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها، فرّق بينهما، ثم اعتدت بقية
عدتها من زوجها الأول، وكان خاطباً من الخطاب. وإن كان دخل بها فرّق بينهما
ولها المهر بما استحل من فرجها، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من
الآخر …".
أخرجه: البيهقي 7/441، وعبد الرزاق في مصنفه 6/210.
وروي عن علي بن أبي طالب مثل هذا في نفس المرجعين السابقين.
[] راجع عن المسألة: المغني 7/481-482، وكشاف القناع 5/426-427،
والاستذكار، لوحة [] رقم: 120-121.
2 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الاستذكار، لوحة رقم: 121.
3 لا يجوز نكاح المعتدّة إجماعاً في أي عدّة كانت، وإن تزوّجت فالنكاح
باطل، لأنّها ممنوعة من النكاح لحقّ الزوج الأوّل، فكان النكاح باطلاً كما
لو تزوّجت وهي في نكاحه، وإن تزوّجت وهي في العدّة، يجب أن يفرّق بينهما،
فإن لم يدخل بها فالعدّة بحالها، ولا تنقطع بالعقد الثاني، لأنّه باطل، لا
تصير به المرأة فراشاً، ومن أدلّة ذلك قوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا
عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} . البقرة: 235.
ولأنّ العدّة، إنّما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلاّ يفضي إلى اختلاط
المياه واشتباه الأنساب.
راجع: المغني 7/470، المبدع 8/135، كشاف القناع 5/426، والمقنع 3/273.
(4/1613)
[980-] قلت: تورث
بعد1 انقضاء العدة؟
قال: نعم، ما لم تزوج.2
قلت: وإن لم يكن طلقها في مرضه؟
قال: لا، ولكن إذا طلقها في مرضه. 3
قال إسحاق: كما قال.4
__________
1 في ع بلفظ: "قلت: تورث هذا بعد انقضاء العدة".
2 في ع بلفظ: "تتزوج".
3 تورث المطلقة في مرض الموت وإن انقضت عدتها لتهمة حرمانها من الميراث.
وقد سبق الكلام مفصلاً في هذا في المسألة رقم: (968) .
وأما المطلقة في الصحة فلا ترث ما لم تكن في العدة لانتفاء التهمة حينئذ.
4 إلى هنا موجود في آخر لوحة رقم: 92 من ع.
(4/1614)
|