مسائل
الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه باب الرضاع1
[981-] [ع-47/ب] قلت: شهادة المرأة في الرضاع2
والولادة؟
قال: إذا كانت [مرضية] 3 وتستحلف في الرضاع كما قال ابن عباس -رضي الله
عنهما-،4 فإنها إن كانت كاذبة تبيض
__________
1 هذا ما أثبته من ع، وهو غير موجود في ظ.
2 الرضاع لغة: رضع الصبي أمه يرضعها رضاعاً ورضعاً ورضاعة أي امتص ثديها.
انظر: المعجم الوسيط 1/351، الصحاح 3/1220، تاج العروس 5/355.
والرضاع شرعاً: وصول لبن آدمية إلى جوف صغير حي، أو مص لبن ثاب من حمل من
ثدي امرأة أو شربه ونحوه.
انظر: المبدع 8/160، وكشاف القناع 5/442.
3 ما بين المعقوفين أثبته من ع، وموجود في ظ لفظ "مرضعة"، والأَوْلى ما
أثبته، ويؤيده وجود هذه اللفظة "مرضيه" هي التي تقابل كلمة "كاذبة"
الموجودة في النص، ومصدر الكلمات والقيود المستعملة في المسألة هو أثر ابن
عباس وفيه ما أثبته.
[4] أثر ابن عباس هذا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 7/482-483 وفيه نقل قول
ابن عباس -رضي الله عنهما- في امرأة زعمت أنها أرضعت رجلاً وأهله، فقال: إن
كانت مرضية استحلفت وفارق امرأته، قال: إن كانت كاذبة لم يحل الحول حتى
تبيض ثدياها.
وهذا قول الإمام إسحاق ورواية عن الإمام أحمد اعتماداً على أثر ابن عباس
هذا. وعن الإمام أحمد روايتان غير هذه:
أولاهما: أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في ذلك بدون استحلاف.
الثانية: أنه لا يقبل إلا شهادة امرأتين.
والرواية التي فيه الاكتفاء بالمرأة الواحدة بدون استحلاف هي المذهب، وعليه
الأصحاب.
قال المرداوي: وهي من مفردات المذهب.
ومما يرجحها الحديث الذي رواه البخاري عن عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم
يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء، فقالت: قد أرضعتكما. فأتيت النبي صلى
الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: وكيف وقد زعمت ذلك؟
رواه: البخاري 6/128.
وفى لفظ رواه النسائي قال: "فأتيت من قبل وجهه فقلت: إنها كاذبة، قال:كيف
وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ خل سبيلها". النسائي 6/109.
وهذا يدل على الاكتفاء بالمرأة الواحدة بدون استحلاف.
ونقل ابن قدامة في المغني عن الأوزاعي أنه قال: فرق عثمان بين أربعة وبين
نسائهم بشهادة امرأة في الرضاع.
[] راجع: المغني 7/558، والمبدع 8/180-181، والمقنع بحاشيته 3/304، وكشاف
القناع 5/456، وشرح السنن للبغوي 9/87.
(4/1615)
ثدياها1، ولا تستحلف في الولادة.2
__________
1 نقل ابن قدامة في تفسير (تبيض ثدياها) يعنى يصيبها فيهما برص عقوبة على
كذبها: 7/558.
2 بناء على الترجيح السابق يكتفى بشهادة المرأة الواحدة بدون استحلاف في
الرضاعة والولادة سواء بسواء، وأصل ذلك حديث عقبة بن عامر السابق الوارد في
الرضاع، والولادة مثله بدون استحلاف.
(4/1616)
قال إسحاق: هو كما قال.1
[982-] قلت: ما يحرم2 من الرضاع؟
قال: لا يحرم الرضعة، والرضعتان.
[983-] قلت: فكم يحرم؟
قال: إن ذهب ذاهب إلى خمس رضعات لم أعبه، وأجبن عنه بعض الجبن، إلا أني
أراه أقوى.3
__________
1 انظر: عن قول ابن عباس وإسحاق في: المغني 7/558، والإشراف 4/118.
2 هذا ما أثبته من ع وفي نسخة ظ بلفظ "قلت: متى يحرم من الرضاع".
3 هذا تحديد لما يتعلق به التحريم من الرضاع، وعن الإمام أحمد -رحمه الله-
في ذلك ثلاث روايات:
الأولى: أن الذي يحرم، هو خمس رضعات.
الثانية: أن الذي يحرم، هو ثلاث رضعات.
الثالثة: أن قليل الرضاع وكثيره يحرم.
وقول الإمام أحمد لا يحرم الرضعة والرضعتان، يفهم منه أن الثلاثة تحرم.
ومعتمد هذه الرواية الحديث الذي رواه الإمام مسلم: "لا تحرم الرضعة
والرضعتان". مسلم 2/1074.
واستدل من قال: إن القليل والكثير يحرم بعموم قوله تعالى:
{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ
الرَّضَاعَة} النساء: 23.
وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة".
أخرجه: البخارى 6/125، ومسلم 2/1068.
والقول بأن التحريم لا يتعلق بما دون خمس رضعات، الذي قال عنه الإمام أحمد
-رحمه الله- "إلا أني أراه أقوى "، هو ظاهر المذهب وهو قول إسحاق، ويرجحه
حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات
معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهن فيما يقرأ من القرآن.
أخرجه: الإمام مسلم 2/1075.
[] وانظر: الإنصاف 9/334، ومنار السبيل 2/293، والمقنع بحاشيته 3/299-300،
والمحلى [10/10-11،] وفتح الباري: 9/146-147.
(4/1617)
قال إسحاق: لا يحرم دون خمس رضعات لما صح
رواية عائشة -رضي الله عنها- في ذلك، وقد تكون المصة1 الواحدة رضعة إذا كان
ذلك في مصة واحدة، فأما إذا رضعت مرة وكان في تلك الرضعة يرد الصبي فيه
أربع مرات فلا أرى التزويج إذا تم خمس2 رضعات مادام الصبي الثدي في فيه ولو
شبع كان ذلك
__________
1 مصصته بالكسر أمصّه بالفتح، وزاد الأزهري "مصصته": بالفتح أمصه بالضم،
والفصيح الجيد مصصته بالكسر أمصّ: "شربته شربا رفيقاً".
[] راجع: لسان العرب 7/91-92، والصحاح 3/1056، وتاج العروس 4/435.
2 في ع بلفظ: "إذا تم خمس مرات كذلك".
(4/1618)
رضعة، لأن الرضعة1 يقع عليها اسم المصّة،
كذلك المصّة يقع عليها اسم الرضعة.
[984-] سئل2 إسحاق: عن امرأة ذهب لبنها فعصرت
ثديها فظهر على طرف ثديها شيء3 يشبه اللبن، فأرضعت بذلك صبياً، هل
يكون هذا رضاعا؟
في قول من يرى القليل والكثير يحرم؟ أو هل يجوز لهذا الصبي بعد4 هذا اللبن
أن يتزوج ابنة هذه المرأة؟
قال إسحاق: كلما خرج من ثديها لبن وهي قد فطمت ولدها وأتى عليها الأيام
الكثيرة فعصرت5 حتى خرج لبن فسقت صبياً أو صبية فإن ذلك الرضاع6 يحرم به
مثل ما يحرم إذا
__________
1 مضمون كلام الإمام إسحاق -رحمه الله- أن المصة تقع على الرضعة والرضعة
تقع على المصة، ويشترط في عدها واحدة أن يمص أويرضع ويترك الثدي، ثم يعود
إليه مرة أخرى، فكل مصة أو رضعة ترك الثدي بعدها تعدّ واحدة، فلو استمر في
الرضاع دون أن يترك الثدي حتى شبع حسبت واحدة فقط.
2 في ع بلفظ: "سألت".
3 في ع زيادة: "منه".
4 في ع بلفظ "بعد قدر هذا".
5 في ع بلفظ "فعصرت ثديها".
6 في ع بلفظ "رضاع".
(4/1619)
أسقت وهي ترضع الولد.
في قول من يرى1 قليل الرضاع وكثيره يحرم؛ فإن ذلك اللبن يحرم.
والذي نختار أن لا يحرم دون خمس مصّات، وربما كانت المصّة رضعة واحدة، فإن2
كان كذلك تبين ما لم يكن خمساً أنه لا يحرم، وإن كان قدر الرضعة الواحدة3
تطول حتى يكون من الصبي خمس مصّات يرضع ثم يرد، ثم يرضع، فإن الاحتياط من4
ذلك إذا كان قدر خمس مصّات فأكثر أنها تحرم مما لا نجد في حديث النبي صلى
الله عليه وسلم مفسراً أن الرضعة وإن كان فيها مصّات تسمى رضعة فاحتطنا
لذلك.
وأما المصتان5 فلا شك في ذلك أنهما لا يحرمان شيئاً، وكذلك
__________
1 هذه رواية عن الإمام أحمد، وروي ذلك عن علي وابن عباس -رضي الله عنهما-،
وبه قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك
والأوزاعي والليث.
[] راجع: المغني 7/532، وشرح السنة للبغوى 9/82، وفتح الباري 9/146-147،
والمدونة 2/288، والمحلّى 10/12.
2 في ع بلفظ "فإذا كان".
3 هذا أثبته من ع وفي ظ بلفظ: "الرضعة الواحدة حتى يكون".
4 في ع بلفظ: "في ذلك".
5 سبق بيان الحديث الذي يدل على أن الرضعتين لا تحرمان، وتخريجه في المسألة
رقم: (982) .
وقد نقل هذا عن الإمام أحمد وإسحاق: الترمذي في جامعه 3/456.
(4/1620)
لو كان أربع مصّات لم تحرم حتى تتم خمساً
لما فسرت عائشة -رضي الله عنها-1 أن القرآن نزل بعشر رضعات معلومات تحرمن
قالت: ثم صرنا إلى خمس رضعات2 فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن3 مما
يقرأ من القرآن.
وإنما نختلف لما شبه علينا تفسير المصّة من الرضعة فرب مصّة وإن طالت تسمى
رضعة وربما كانت رضعة يكون فيها مصّات، لأن الصبي ربما رضع ثم يرد فمه4 ثم
[ظ-27/ب] يعود فيمص فيفعل ذلك مراراً، فيقال لهذه رضعة وقد صار فيها مصّات،
فلذلك قلنا لا نشك في دون خمس مصات لا يحرم ولو طالت المصة، ونرجو أن يكون
معنى الحديث على خمس رضعات، وإن كان في الرضعة مصّات ولكن لما أمكن
المصّتان رأينا الاحتياط،5 في الأخذ
__________
1 هذا الحديث سبق الكلام فيه وتخريجه في المسألة رقم: (983) .
2 في ع بحذف كلمة: "رضعات".
3 في ع بلفظ: "وهي".
4 نهاية اللوحة رقم: 52 من ظ، وبداية اللوحة رقم: 53.
5 الظاهر أن الإمام إسحاق -رحمه الله تعالى- يرى أن الحديث لم يفرق بين
المصة والرضعة، وأن الرضعة الواحدة قد تكون فيها عدد من المصّات التي لم
يدع معها الثدي، فلا تعتبر تلك المصات في العدد فلا تحرم إلا خمس رضعات وإن
طالت الرضعة الواحدة وكثرت فيها المصات التى لم يترك فيها الثدي، أما إذا
مص وترك عدة مرات فإن كل مصة تحسب رضعة، فإذا مص ثم ترك إلى أن أتم خمساً
فإن تلك المصات محرمة، ولو مص عشر مصات متوالية دون أن يترك الثدي فإنها
تحسب كلها رضعة واحدة.
(4/1621)
بالمصّة1 من غير أن تحرم الرضعات ما لم يتم
خمساً2، والإملاجة3 أقل من المصة إلا أنها داخل4 في المصة لما دخل اللبن
البطن.
[985-] قلت: لبن الفحل؟ 5
__________
1 في ع بلفظ "في المصة".
2 في ع بحذف "خمساً".
3 الإملاجة: المرة، والملج تناول الثدي بأدنى الفم، يقال ملج الصبي أمه
يملجها ملجاً إذا رضعها، والمليج الرضيع، وفي الحديث: "لا تحرم الإملاجة
ولا الإملاجتان".
أخرجه: الإمام مسلم 2/1074.
والإملاج: الإرضاع.
انظر: تاج العروس 2/101، لسان العرب 2/368، والصحاح 1/342.
4 في ع بلفظ "إلا أنها في الأصل داخل في معنى المصة"، والصواب داخلة.
5 الفحل: الذكر القوي من كل حيوان.
انظر: لسان العرب 11/516، والمعجم الوسيط 2/676.
ولبن الفحل: هو اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من ماء الرجل والمرأة فينشر
التحريم إليهما، وينشر الحرمة إلى الرجل وإلى أقاربه.
قال ابن الأثير في تفسير لبن الفحل في النهاية 4/227: "إن لبن الفحل يحرم،
يريد بالفحل الرجل تكون له امرأة ولدت منه ولداً ولها لبن، فكل من أرضعته
من الأطفال بهذا اللبن فهو محرم على الزوج وإخوته وأولاده منها ومن غيرها،
لأن اللبن للزوج حيث هو سببه".
انظر: المبدع 8/161، والمغني 7/541، وكشاف القناع 5/243، والنهاية لابن
الأثير 4/227.
(4/1622)
قال: كل شيء من قبل الرجال يحرم1. [ع-48/أ]
[986-] قلت: مثل أي شيء؟
قال: كأن أخاك أرضعت امرأته جارية فأنت عمها، أو امرأة أبيك أرضعت جارية
بلبن أبيك فهذه أختك.
قال إسحاق:2
__________
1 ورد في مسائل عبد الله عن الإمام أحمد نحو هذه المسألة ص 341.
[] وانظر عن المسألة: المغني 7/572، 7/541، وكشاف القناع 5/443، والمبدع
8/161-162.
2 انظر: عن قول إسحاق المغني 6/572، وفتح البارى 9/151، والإشراف 4/113.
(4/1623)
كما قال لحديث1 أفلح2 وهو الأصل في لبن
الفحل.
[987-] قلت لإسحاق: وعائشة -رضي الله عنها- كان
يدخل عليها من أرضعته أخواتها3، ولا يدخل عليها من أرضعته نساء
__________
1 حديث أفلح هو ما روته عائشة أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليه، وهو
عمها من الرضاعة، بعد أن نزل الحجاب فأبيت أن آذن له فلما جاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت فأمرني أن آذن له.
أخرجه: أحمد في المسند 6/33، 38، 177، 194، 217، 271.
وأخرجه: البخاري في كتاب النكاح، باب لبن الفحل.
وأخرجه: مسلم كتاب الرضاع، باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل 2/1069.
2 أفلح بن قعيس: أخو أبي القعيس، عم عائشة من الرضاعة. قال ابن منده عداده
في بني سليم، واختلف في اسمه فقيل أفلح بن قعيس، وقيل أفلح أخو أبي القعيس،
وأفلح بن أبي القعيس وقيل غير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والمحفوظ أن الذي استأذن هو أفلح، وأبو
القعيس هو أخوه".
وصحح ابن عبد البر أنه أفلح أخو أبي القعيس، وقال: لا أعلم له خبرًا ولا
ذكراً أكثر مما جرى من ذكره في حديث عائشة، ويقال إنه من الأشعريين.
انظر: الإصابة 1/71، والاستيعاب 1/85، وفتح الباري 9/151.
3 روى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه أخبره أن عائشة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم كان يدخل عليها من أرضعته أخواتها، وبنات أخيها، ولا
يدخل عليها من أرضعته نساء إخوتها.
أخرجه: مالك في الموطأ 2/604.
(4/1624)
إخوتها 1، هل هذا مخالف لحديث أفلح؟
قال إسحاق: هذا مخالف في الظاهر لحديث أفلح، ولكنّا نضع هذا على معنى النظر
كالذي رواه القاسم2 في الحجاب ولم يصف فصلاً في التحريم؛ فيكون مخالفاً،
وهذا المعنى أحب إلينا.3
__________
1 في ع بلفظ "من أرضعت من نساء أخواتها" أي بزيادة " من" قبل نساء.
2 هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أبو محمد، ويقال أبو عبد الرحمن.
روى عن أبيه وعمته عائشة وعن العبادلة وغيرهم، وروى عنه ابنه عبد الرحمن
والشعبي وسالم ابن عبد الله ونافع مولى ابن عمر والزهري ومالك بن دينار
وآخرون.
قال الحافظ في التقريب: ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة، من كبار الثالثة. مات
سنة ست ومائة على الصحيح.
انظر: التقريب 179، وتهذيب التهذيب 8/333، 334، 335، وحلية الأولياء 2/183،
وتهذيب الأسماء للنووي 2/55، شذرات الذهب 1/135، والطبقات 5/139، ووفيات
الأعيان 1/418.
3 معنى كلام الإمام إسحاق -رحمه الله تعالى- أن هذا المعنى المروي عن عائشة
-رضي الله عنها- يحمل على امتناعها من نظر من أرضعته نساء إخوتها دون
الحجاب اختياراً منها، ولم تقض بتحريم دخولهم عليها، فيزول ظاهر التعارض
بين الحديثين بهذا المعنى الذي قال عنه الإمام إسحاق إنه "أحب إلينا".
ومما يؤيد ذلك: أن لها أن تأذن لمن شاءت من محارمها وتحتجب عمن شاءت، وإلا
ما كان لها أن تخالف ما شافهها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن لبن الفحل
محرم، كما في حديث أفلح.
[] راجع: فتح الباري 9/151-152، وشرح الزرقاني على موطأ مالك 3/242.
(4/1625)
[988-] قلت: المولود
على من رضاعته؟
قال: على عصبته.1
قلت: إذا لم2 يكن له عصبة؟
قال: إن أرضعوه من بيت المال فهو أجود، مثل حديث المنبوذ.3
__________
1 تجب أجرة رضاع الصبي على والده لقوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف} البقرة: 233، وإذا لم يكن له
أب فتلزم نفقته جده، فإن لم يكن له جد فتلزم عصبته، فإن لم تكن له عصبة ففي
بيت المال.
نقل هذا ابن المنذر في الإشراف عن الإمامين أحمد وإسحاق.
انظر: الإشراف 4/150، والمبدع 8/121، والمغني 7/589، وفتح الباري لابن حجر
9/515.
2 في ع بلفظ: "إن لم يكن".
3 المنبوذ: الذي تنبذه والدته في الطريق حين تلده فيلتقطه رجل من المسلمين
ويقوم بأمره.
انظر: لسان العرب 3/511.
[] وذلك لما أخرج عبد الرزاق في مصنفه 7/450، والبيهقي في سننه 6/201-202،
بسنده إلى ابن شهاب عن أبي جميلة أنه وجد منبوذاً زمان عمر بن الخطاب رضي
الله عنه فجاء به إلى عمر، فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها
ضائعة فأخذتها، فقال له عريفي: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، قال: كذلك؟
قال عمر: اذهب فهو حر وعلينا نفقته. وفي رواية في بيت المال
(4/1626)
قال إسحاق: كما قال.1
[989-] قلت: نفقة الحامل؟
قال: من نصيبها.2
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 انظر: عن قول الإمام إسحاق: الإشراف 4/150، والمغني 7/589.
2 تجب النفقة للحامل المطلقة لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ
فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الطلاق آية: (6) .
وقوله: "من نصيبها" محتمل أن يكون معناه أنّ لها النفقة، أي للمطلقة الحامل
نفقة، وأما الحامل المتوفّى عنها ففي المذهب روايتان أصحهما أن لا نفقة
لها.
والرواية الأخرى أن لها النفقة، ويكون معنى "من نصيبها" إذا حملناها على
المتوفى عنها أن نصيبها من الميراث، ويلزم من ذلك أن لا نفقة لها، وهي أصح
الروايتين في المذهب.
راجع: الإنصاف 9/369، والمغني 6/606، 608، وفتح القدير للشوكاني 5/245.
(4/1627)
[990-] قلت: على ما
بقي من الطلاق.1
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال شديداً.
[991-] قلت: الطلاق قبل النكاح؟
قال: إن تزوج لم آمره أن يفارق.2
__________
1 لعل معنى السؤال هل تكون للمطلقة نفقة إذا بقي من الطلاق شيء؟ بمعنى إذا
كانت رجعية.
وهنا اتفق الإمامان على أن لها النفقة.
انظر: عن قول الإمامين، الجامع لأحكام القرآن 3/185.
2 روى عبد الله بن أحمد في مسائله عن الإمام أحمد نحو هذه المسألة بصيغة
مختلفة. انظر: مسائل الإمام برواية عبد الله ص 358.
وروى نحوها أيضا ابن هانيء في مسائلة أيضاً عن الإمام أحمد 1/235.
ولم يأمره أن يفارق، لأن الطلاق قبل النكاح لا يقع، وذلك لما روى عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر لابن
آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك".
أخرجه: الترمذي 3/486 وقال: حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء روي في هذا الباب،
وأخرجه أبو داود 2/640.
قال الخطابي في معالم السنن: ومعناه نفي حكم الطلاق المرسل على المرأة قبل
أن تملك بعقد النكاح، وهو يقتضي نفي وقوعه على العموم سواء كان في امرأة
بعينها أو في نساء لا بأعينهن.
وعن الإمام أحمد رواية بوقوع الطلاق قبل النكاح.
راجع: العدة ص: 417، والمبدع 7/324.
(4/1628)
قال أحمد: إذا كان يخاف الفتنة لم أر به
بأساً أن يتزوج الأمة وإن كانت له امرأة.1
قال إسحاق: 2 كما قال.
قال إسحاق: كل ما لم ينصبها بعينها لم يقع الطلاق وقّت أو لم يوقّت.
[992-] سألت إسحاق3 عن رجل قال: إن تزوجت فلانة
فهي طالق فتزوج؟
قال: أما إذا نصبها بعينها فإن الكف أحب إليّ4، وإن يقدم
__________
1 سبق تفصيل الكلام على هذه المسألة بمسألة رقم: (890) .
ولعل هذا جواب على سؤال سقط من النسختين أو نقلت هنا خطأ من الناسخ وهذا
أظهر لإقحامها بين جواب أحمد على مسألة الطلاق قبل النكاح وجواب إسحاق على
نفس المسألة.
2 في ع بلفظ "هو كما قال".
3 في ع بحذف إسحاق أي بلفظ: "سألت عن رجل".
4 ليس معنى ذلك أن الإمام إسحاق -رحمه الله تعالى- يقول بوقوع الطلاق
حينئذ، والدليل على ذلك ما عقبه بقوله: "وإن يقدم عليها لم أعنفه، فهو
موافق للإمام أحمد في عدم وقوع الطلاق قبل النكاح".
انظر عن قول الإمام أحمد والإمام إسحاق رحمهما الله تعالى في: الإشراف على
مذاهب العلماء 4/185 وشرح السنة للبغوي 9/200 واختلاف الصحابة والتابعين
والأئمة المجتهدين، لوحة: 107، واختلاف العلماء للمروزي، لوحة: 43،
والاستذكار 4/212.
(4/1629)
عليها لم أعنفه، وأما ما سوى ذلك، وقّت أو
لم يؤقت أو سمى قبيلة أو لم يسمها، فإن ذلك واضح أن لا يقع.
[993-] قلت: المتلاعنين لا يجتمعان أبداً؟
قال: نعم، لا يجتمعان أبداً.1
__________
1 لما روى أبو داود في سننه 2/683 عن سهل بن سعد الساعدي في حديث
المتلاعنين قال: " فمضت السنّة بعد المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا
يجتمعان أبداً".
ولفظة السنّة تعطي الكلام معنى الرفع.
قال ابن قدامة في روضة الناظر ص:43 عند الكلام عن مثل هذه الألفاظ:
"فالظاهر أنه لا يريد إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سنة غيره
ممن لا تجب طاعته، ولا فرق بين قول الصحابي ذلك في حياة النبيّ صلى الله
عليه وسلم أو بعده".
وعن الإمام أحمد روايتان غير هذه:
الأولى: أنه إن أكذب نفسه حلت له. وذكر في المغني 7/414: "أنه شاذة ولم
يروها عنه إلا حنبل".
والرواية الأخرى: أنها تباح له بعقد جديد، وهو خاطب من الخطاب.
راجع أيضا: الإنصاف 9/252 والمبدع 8/92.
(4/1630)
قال إسحاق: 1 نعم وزيادة.2
[994-] قال3 أحمد: الأمة إذا زنت ولم تحصن4
يجلدها سيدها، وإن كانت محصنة فزنت رفعها إلى السلطان.5
__________
[1] انظر: عن قول الإمام إسحاق: معالم السنن للخطابي 2/683، وشرح السنة
للبغوي [10/297-298،] والإشراف على مذاهب العلماء 4/269.
2 قوله: "وزيادة"، هذه العبارة ونحوها يعبر بها الإمام إسحاق -رحمه الله-،
وهي تدل على تمام موافقته للإمام أحمد رحمه الله.
3 لم ينقل السؤال الذي هذه إجابته في النسختين.
4 أصل الإحصان المنع، والمرأة تكون محصنة بالإسلام والعفاف والحرية
والتزويج، قال الجوهري عن ثعلب: كل امرأة عفيفة مُحْصِنة ومُحْصَنة.
[] راجع: تاج العروس 2/520، ولسان العرب 13/120-121.
5 والمشهور من المذهب أن حد العبد والأمة الزانيين خمسون جلدة بكرين كانا
أو ثيبين لقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ
فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} النساء:
25.
ولما أخرج مالك في الموطأ 2/827 عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي
قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش، فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة
خمسين خمسين في الزنى.
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن
الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال: إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن
زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير"، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم
بجلدها وجلد الرقيق الزاني نصف جلد الحر كما أشارت إليه الآية.
وعن الإمام روايتان غير هذه في الأمة البكر:
أولاهما: أنه لا حد عليها.
الأخرى: تجلد مائة جلدة.
[] راجع: المغني 8/174، والمبدع 9/65، والإنصاف 10/175-176، ونيل الأوطار
7/121، 124.
(4/1631)
قال إسحاق: هو كما قال.1
[995-] قلت: هل تحصن النصرانية واليهودية2
والمملوكة الحر؟
قال: أما اليهودية والنصرانية يحصنان.3 وأما الأمة فلا.
__________
1 انظر: عن قول إسحاق الإشراف 4/86.
2 في ع بحذف "اليهودية".
3 يحصنان لتوفر شروط الإحصان فيهما وهي أربعة شروط:
[1-] الإصابة في القبل.
[2-] كون الوطء في نكاح.
[3-] كون الوطء في حال الكمال بالبلوغ والعقل والحرّية.
[4-] أن يكون شريكه في الوطء مثله في الكمال.
وعن الإمام أحمد رواية أن الإسلام يشترط في الإحصان، فلا تحصن اليهودية
والنصرانية مسلماً.
[] راجع: الكافي 3/209، الإنصاف 10/172، والمبدع 9/62-63.
(4/1632)
[996-] قلت: لم؟
قال: لأن الأمة إذا زنت لم ترجم.
قال إسحاق: كما قال.1
[997-] قلت: قال مالك: تحصن الأمة الحر؟
قال أحمد: لا تحصن.
[998-] قلت: قال2 مالك: ويحصن العبد الحرة؟
قال أحمد: لا، لا يحصن العبد الحرة.3
__________
[1] انظر عن قول الإمام إسحاق: الإشراف على مذاهب العلماء 4/86،
والاستذكار، لوحة [130-131.
2] في ع بلفظ: "قلت: قال مالك وتحصن الحرة العبد؟ قال: جيد لأن العبد لا
يرجم إذا زنى، لا يكون محصناً".
3 اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
- فذهب أحمد وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق إلى أن الأمة لا تحصن الحر، والعبد
لا يحصن الحرة.
- وذهب مالك إلى أن الأمة تحصن الحر، والعبد يحصن الحرة.
راجع عن المسألة: المغني 8/161، والاستذكار، لوحة: 131، والمدونة 4/398،
والشرح الصغير 4/355، وفتح القدير لابن الهمام 5/236، والإشراف على مذاهب
العلماء 4/87، ومغني المحتاج 3/371
(4/1633)
[999-] قلت: قال
مالك: ولا تحصن1 الحرة العبد؟
قال: جيد، لأن العبد لا يرجم إذا زنى، ولا يكون محصناً.2
[1000-] قلت: قال مالك: والأمة إذا كانت تحت الحرّ فإنه لا يحصنها؟
قال: كذا3 هو، لأن عليها نصف العذاب، ولا ترجم إذا زنت.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في ع: "وتحصن".
2 في ع بلفظ: "قلت قال مالك: وتحصن الحرة العبد؟ قال: جيد، لأن العبد لا
يرجم إذا زنى، لا يكون محصناً".
والظاهر أن "لا" النافية سقطت من هذه المسألة.
3 في النسختين: ظ، ع مرسومة كلمة "كذي" بالألف المقصورة. والصواب ما أثبته.
(4/1634)
|