منار السبيل في شرح الدليل

كتاب الوصايا
مدخل
...
كتاب الوصايا:
الأصل فيها: الكتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} الآية1 وقال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 2 وأما السنة فحديث ابن عمر وسعد وغيرهما، وأجمعوا على جوازها، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنها غير واجبة، إلا على من عليه حق بغير بينة، إلا طائفة شذت فأوجبتها، روي عن الزهري وأبي مجلز، وهو قول داود. ولنا: أن أكثر الصحابة لم يوصوا، ولم ينقل بذلك نكير. وأما الآية: قال ابن عباس وابن عمر: نسختها آية الميراث وحيث ابن عمر: محمول على من عليه واجب. قاله في الشرح.
"تصح الوصية من كل عاقل لم يعاين الموت" لأن أبا بكر وصى بالخلافة لعمر، ووصى بها عمر لأهل الشورى ولم ينكره من الصحابة منكر. وعن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة قال: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة: منهم عثمان، والمقداد، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، فكان يحفظ عليهم أموالهم، وينفق على أيتامهم من ماله.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 180.
2 النساء من الآية/ 11.

(2/34)


فإن عاين الموت لم تصح وصيته، لأنه لا قول له. وفي الحديث "ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان" قال في شرح مسلم: - إما من عنده، أو حكاية عن الخطابي - والمراد: قاربت بلوغ الحلقوم، إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته، ولا صدقته، ولا شيء من تصرفاته باتفاق الفقهاء1.
"ولو مميزاً" لأن صبياً من غسان أوصى إلى أخواله فرفع إلى عمر فأجاز وصيته رواه سعيد. وفي الموطأ نحوه وفيه أن الوصية بيعت بثلاثين ألفاً وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر. وقال شريح وعبد الله بن عتبة: من أصاب الحق أجزنا وصيته.
"أو سفيهاً" لأنه إنما حجر عليه، لحفظ ماله وليس في وصيته إضاعة له، لأنه إن عاش فهو له، وإن مات لم يحتج إلى غير الثواب، وقد حصله.
وأما الطفل والمجنون فلا تجوز وصيتهما في قول أكثر أهل العلم. قاله في الشرح.
وتصح الوصية بلفظ مسموع من الموصي بلا خلاف، وبخط، لحديث ابن عمر - ويأتي - وكتب، صلى الله عليه وسلم، إلى عماله. وكذا الخلفاء إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج مختومة، لا يدرى حاملها ما فيها وذكر أبو عبيد استخلاف سليمان عمر بن عبد
ـــــــ
1 قال ابن هشام في مغني اللبيب: إنهم يعبرون بالفعل عن أمور، منها: مشارفته نحو: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً...} أي: والذين يشارفون الموت وترك الأزواج يوصون وصية.

(2/35)


العزيز، قال: ولا نعلم أحداً أنكر ذلك مع شهرته فيكون إجماعاً. قاله في الشرح. وعن أنس كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به فلان ابن فلان: يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 رواه سعيد ورواه الدار قطني بنحوه.
ويجب العمل بالوصية إذا ثبتت، ولو طالت مدتها ما لم يعلم رجوعه عنها، لأن حكمها لا يزول بتطاول الزمان.
"فتسن" الوصية.
"بخمس من ترك خيراً - وهو المال الكثير عرفاً" قال ابن عباس وددت لو أن الناس غضوا من الثلث لقول النبي صلى الله عليه وسلم "والثلث كثير" متفق عليه. وعن إبراهيم: كانوا يقولون: صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث، وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع رواه سعيد. وأوصى أبو بكر الصديق بالخمس، وقال: رضيت بما رضي الله به لنفسه يريد قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} 2 وقال علي، رضي الله
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 132.
2 الأنفال من الآية/ 41.

(2/36)


عنه لأن أوصي بالخمس أحب إلي من الربع وعن العلاء قال: أوصى أبي أن أسال العلماء أي الوصية أعدل؟ فما تتابعوا عليه فهو وصية، فتتابعوا على الخمس.
"وتكره لفقير له ورثة" محتاجون، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالةً يتكففون الناس" .
"وتباح له إن كانوا أغنياء" نص عليه في رواية ابن منصور.
"وتجب على من عليه حق بلا بينة" لحديث ابن عمر مرفوعاً: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه" متفق عليه.
"وتحرم على من له وارث بزائد عن الثلث" لنهيه، صلى الله عليه وسلم، سعداً عن ذلك متفق عليه. وعن عمران بن حصين أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم، أثلاثاً، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولاً شديداً رواه الجماعة إلا البخاري.
"ولوارث ب شيء" مطلقاً نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" رواه اًحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه.
"وتصح" الوصية بزائد عن الثلث، ولوارث مع الحرمة.
"وتقف على إجازة الورثة" لحديث ابن عباس مرفوعاً: "لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً نحوه، رواهما الدار قطني. ولأن المنع لحق الورثة فإذا رضوا بإسقاطه نفذ. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنها تبطل فيما زاد

(2/37)


على الثلث برد الورثة، وبردهم في الوصية للوارث، وإن أجازوا جازت في قول الأكثر. ذكره في الشرح.
وتصح الوصية ممن لا وارث له بجميع ماله. روي عن ابن مسعود، وعبيدة، ومسروق، لأن المنع من الزيادة على الثلث لحق الوارث، وهو معدوم.
"والاعتبار بكون ممن وصى أو وهب وارثاً أو لا عند الموت" أي: موت موص، وواهب. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً.
"وبالإجازة أو الرد بعده" أي: بعد موته، وما قبله لا عبرة به. نص عليه.
"فإن امتنع الموصى له بعد موت الموصي من القبول ومن الرد، حكم عليه بالرد وسقط حقه" من الوصية لعدم قبوله، ولأن الملك متردد بينه وبين الورثة، فأشبه من تحجر مواتاً، وامتنع من إحيائه.
"وإن قبل، ثم رد لزمت ولم يصح الرد" لأن ملكه قد استقر عليها بالقبول كسائر أملاكه إلا أن يرضى الورثة بذلك، فتكون هبةً منه لهم تعتبر شروطها.
"وتدخل في ملكه من حين قبوله" كسائر العقود، لأن القبول سبب دخوله في ملكه، والحكم لا يتقدم سببه، فلا يصح تصرفه في العين الموصى بها قبل القبول ببيع، ولا هبة ولا غيرهما، لعدم ملكه لها.
"فما حدث من نماء منفصل قبل ذلك فلورثته" أي: ورثة الموصي. والنماء المتصل يتبعها كسائر العقود والفسوخ.

(2/38)


"وتبطل الوصية بخمسة أشياء:"
"1- برجوع الموصي" لقول عمر، رضي الله عنه: يغير الرجل ما شاء في وصيته.
"بقول" كرجعت في وصيتي، أو أبطلتها ونحوه.
"أو فعل يدل عليه" أي: على الرجوع، كبيعه ما وصى به، ورهنه وهبته. قال في الشرح: واتفق أهل العلم على أن له أن يرجع في كل ما أوصى به، وفي بعضه إلا العتق، فالأكثر على جواز الرجوع. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه: أنه إذا أوصى لرجل بطعام، أو ب شيء فأتلفه، أو وهبه، أو بجارية فأحبلها، أنه رجوع.
"2- بموت الموصى له قبل الموصي" في قول الأكثر. قاله في الشرح، لأنها عطية صادفت المعطى ميتاً فلم تصح، إلا إن كانت بقضاء دينه، لبقاء اشتغال الذمة حتى يؤدى الدين.
"3- بقتله للموصي" قتلاً مضموناً ولو خطأً، لأنه يمنع الميراث، وهو آكد منها فهي أولى.
"4- برده للوصية" بعد موت الموصي، لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه.
"5- بتلف العين المعينه الموصى بها" قبل قبول موصى له، لأن حقه لم يتعلق بغيرها. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه على أن الرجل إذا أوصي له ب شيء فهلك الشيء، أنه لا شيء له في مال الميت.

(2/39)


باب الموصى له
مدخل
...
باب الموصى له:
"تصح الوصية لكل من يصح تمليكه، ولو مرتداً أو حربياً" قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً} 1 قال محمد بن الحنفية، وعطاء، وقتادة: هو وصية المسلم لليهودي والنصراني.
"أو لا يملك، كحمل" قال في الشرح: ولا نعلم خلافاً في صحة الوصية للحمل. أي: إذا علم وجوده حين الوصية. فإن انفصل ميتاً بطلت، لأنه لا يرث.
"وبهيمة ويصرف في علفها" لأن الوصية لها أمر بصرف المال في مصلحتها، فإن ماتت البهيمة الموصى لها قبل صرف جميع الموصى به في علفها، فالباقي للورثة، لتعذر صرفه إلى الموصى له، كما لو رد موصى له الوصية.
"وتصح للمساجد، والقناطر ونحوها" كالثغور، ويصرف في مصالحها الأهم فالأهم عملاً بالعرف.
"ولله ورسوله، وتصرف في المصالح العامة" كالفيء.
"وإن وصى بإحراق ثلث ماله صح، وصرف في تجمير الكعبة، وتنوير المساجد، وبدفنه في التراب: صرف في تكفين الموتى. وبرميه في الماء:
ـــــــ
1 الأحزاب في الآية/ 6.

(2/40)


صرف في عمل سفن للجهاد" في سبيل الله تصحيحاً لكلامه حسب الإمكان.
"ولا تصح لكنيسة، أو بيت نار" أو مكان من أماكن الكفر، لأنه معصية.
"أو كتب التوراة والإنجيل" لأنهما منسوخان، وفيهما تبديل وقد غضب النبي، صلى الله عليه وسلم، حين رأى مع عمر شيئاً مكتوباً من التوراة.
"أو ملك أو ميت أو جني" لأنهم لا يملكون، أشبه ما لو وصى لحجر.
"ولا لمبهم كأحد هذين" لأن التعيين شرط، فإن كان ثم قرينة أو غيرها: أنه أراد معيناً منهما، وأشكل صحت الوصية، وأخرج المستحق بقرعة في قياس المذهب. قاله ابن رجب في القاعدة الخامسة بعد المائة.
"فلو وصى بثلث ماله لمن تصح له الوصية، ولمن لا تصح له كان الكل لمن تصح له" نص عليه، لأن من أشركه معه لا يملك، فلا يصح التشريك.
"لكن لو أوصى لحي وميت" علم موته أو لا.
"كان للحي النصف فقط" لأنه أضاف الوصية إليهما، فإذا لم يكن أحدهما أهلاً للتمليك بطلت الوصية في نصيبه دون نصيب الحي، لخلوه عن المعارض، كما لو كان لحيين فمات أحدهما.

(2/41)


فصل في الوصية لأهل صفة:
"وإذا أوصى لأهل سكته فلأهل زقاقه حال الوصية" نص عليه، لأنه قد يلحظ أعيان سكانها الموجودين لحصرهم.
"ولجيرانه تناول أربعين داراً من كل جانب" نص عليه، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "الجار: أربعون داراً هكذا، وهكذا، وهكذا" وقال أبو بكر: مستدار أربعين داراً من كل جانب، والحديث محتمل. قاله في الشرح.
"والصغير، والصبي، والغلام، واليافع، واليتيم: من لم يبلغ" فتطلق هذه الأسماء على الولد من ولادته إلى بلوغه.
"والمميز: من بلغ سبعاً. والطفل: من دون سبع. والمراهق: من قارب البلوغ" قال في القاموس: راهق الغلام: قارب الحلم.
"والشاب، الفتى: من البلوغ إلى ثلاثين" سنة.
"والكهل: من الثلاثين إلى الخمسين" قال في القاموس: الكهل: من وخطه الشيب، ورأيت له بجالة، أو من جاوز الثلاثين، أو أربعاً وثلاثين إلى إحدى وخمسين.
"والشيخ من الخمسين إلى السبعين، ثم بعد ذلك هرم" إلى آخر عمره.
"والأيم، والعزب: من لا زوج له من رجل أو امرأة" قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا

(2/42)


الْأَيَامَى مِنْكُمْ} 1 الآية قال في الكافي: ويحتمل أن يختص العزاب بالرجال، والأيامى بالنساء، لأن الاسم في العرف له دون غيرهم.
"والبكر: من لم يتزوج" من رجل وامرأة.
"ورجل ثيب وامرأة ثيبة: إذا كانا قد تزوجا. والثيوبة: زوال البكارة، ولو من غير زوج" كزوالها بيد، أو وطء شبهة، أو زنى.
"والأرامل: النساء اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو حياة" لأنه المعروف بين الناس.
"والرهط: ما دون العشرة من الرجال خاصة" قال في كشف المشكل: الرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة وكذا النفر من ثلاثة إلى عشرة. فإذا أوصى لصنف ممن ذكر دخل غنيهم وفقيرهم، لشمول الاسم لهم، ولم يدخل غيرهم.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 32.

(2/43)


باب الموصى به
"تصح الوصية حتى بما لا يصح بيعه، كالآبق والشارد والطير بالهواء والحمل بالبطن واللبن بالضرع" لأنها تصح بالمعدوم فهذا أولى، ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث، وهذه تورث عنه. وللموصى له السعي في تحصيله، فإن قدر عليه أخذه إن خرج من الثلث.
"وبالمعدوم، ك: بما تحمل أمته أو شجرته أبداً أو مدة معلومة، فإن حصل شيء فللموصى له" بمقتضى الوصية.

(2/43)


"إلا حمل الأمة فقيمته يوم وضعه" قال ابن قندس: لعله لحرمة التفريق، وإن لم يحصل شيء بطلت الوصية، لأنها لم تصادف محلاً.
"وتصح بغير مال ككلب مباح النفع" 1 لأن فيه نفعاً مباحاً وتقر اليد عليه.
"وزيت متنجس" لغير مسجد، لأنه يستصبح به، بخلاف المسجد فإنه يحرم فيه.
"وتصح بالمنفعة المفردة كخدمة عبد وأجرة دار ونحوهما" لصحة المعارضة عنها كالأعيان.
"وتصح بالمبهم، كثوب" وعبد وشاة لأنها إذا صحت بالمعدوم فالمجهول أولى.
"ويعطى ما يقع عليه الاسم" لأنه اليقين كالإقرار.
"فان اختلف الاسم بالعرف والحقيقة" اللغوية.
"غلبت الحقيقة" لأنها الأصل، ولهذا يحمل عليها كلام الله تعالى، وكلام رسوله، صلى الله عليه وسلم. واختار الموفق وجماعة: يقدم العرف لأنه المتبادر إلى الفهم.
"فالشاة والبعير والثور: اسم للذكر والأنثى من صغير وكبير" ويشمل لفظ الشاة الضأن والمعز، لعموم حديث "في أربعين شاةً شاة" ويقولون: حلبت البعير: يريدون الناقة.
"والحصان والجمل والحمار والبغل والعبد: اسم للذكر خاصة"
ـــــــ
1 لم تكن هذه الجملة واضحة في الأصل وصححت من مخطوطات المتن.

(2/44)


لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} 1 والعطف للمغايرة. وقيل في العبد للذكر والأنثى.
"والحجر" الأنثى من الخيل.
"والأتان والناقة والبقرة: اسم للأنثى" قاله في الإنصاف.
"والفرس والرقيق: اسم لهما" أي: لذكر وأنثى.
"والنعجة: اسم للأنثى من الضأن، والكبش: اسم للذكر الكبير منه" أي: من الضأن.
"والتيس: اسم للذكر الكبير من المعز"
"والدابة عرفاً: اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير" لأن ذلك هو المتعارف. ولم تغلب الحقيقة هنا لأنها صارت مهجورة فيما عدا الأجناس الثلاثة، أشار إليه الحارثي.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 32.

(2/45)


باب الموصى إليه
مدخل
...
باب الموصى إليه:
لا بأس بالدخول في الوصية لمن قوي عليه ووثق من نفسه، لفعل الصحابة، رضي الله عنهم. روي عن أبي عبيدة أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر، وأوصى إلى الزبير ستة من الصحابة وقياس قول أحمد أن عدم الدخول فيها أولى، لما فيها من الخطر.
"تصح وصية المسلم إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل" إجماعاً.
"ولو ظاهراً" أي: مستوراً ظاهر العدالة.
"أو أعمى" لأنه من أهل الشهادة والتصرف، فأشبه البصير.

(2/45)


"أو امرأة" لأن عمر أوصى إلى حفصة.
"أو رقيقاً" له أو لغيره، لأنه يصح توكيله، فأشبه الحر.
"لكن لا يقبل إلا بإذن سيده" لأن منافعه مستحقة له، فلا يفوتها عليه بغير إذنه. ولا تصح وصية المسلم إلى كافر بغير خلاف. قاله في الشرح.
"وتصح من كافر إلى" كافر.
"عدل في دينه" لأنه يلي على غيره بالنسب، فيلي بالوصية كالمسلم.
"ويعتبر وجود هذه الصفات عند الوصية" لأنها شروط للعقد فاعتبرت حال وجوده.
"والموت" لأنه إنما يتصرف بعد موت الموصي، فاعتبر وجودها عنده.
"وللموصى إليه أن يقبل. وأن يعزل نفسه متى شاء" لأنه متصرف بالإذن كالوكيل.
"وتصح الوصية معلقة: كإذا بلغ أو حضر أو رشد أو تاب من فسقه" فهو وصيي وتسمى الوصية لمنتظر.
"أو: إن مات زيد فعمرو مكانه. وتصح مؤقتة: كزيد وصيي سنة ثم عمرو" لقوله صلى الله عليه وسلم "أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد الله بن رواحه" رواه أحمد والنسائي. والوصية كالتأمير. ويجوز أن يوصي إلى نفسين، لما روي أن ابن مسعود كتب في وصيته أن مرجع وصيتي إلى الله، ثم إلى الزبير وابنه عبد الله وإن

(2/46)


وصى إلى رجل وبعده إلى آخر فهما وصيان، إلا أن يعزل الأول، وليس لأحدهما الإنفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه.
"وليس للوصي أن يوصي إلا إن جعل له ذلك" كالوكيل، اختاره أبو بكر، وهو ظاهر كلام الخرقي. وعنه: له أن يوصي لأنه قائم مقام الأب فملك ذلك كالأب، قال معناه في الكافي.
"ولا نظر للحاكم مع الوصي الخاص إذا كان كفأ" وإنما للوالي العام الاعتراض لعدم أهليته أو فعله محرما قاله الشيخ تقي الدين.

(2/47)


فصل ولا تصح الوصية إلا في شيء معلوم
ليعلم الموصى إليه ما وصي به إليه ليحفظه ويتصرف فيه كما أمر.
"يملك الموصي فعله" لأنه أصيل والوصي فرعه، ولا يملك الفرع ما لا يملكه الأصل.
"كقضاء الدين وتفريق الوصية ورد الحقوق إلى أهلها" كغصب ورعاية وأمانة، وكإمام أعظم يوصي بالخلافة كما أوصى أبو بكر لعمر، وعهد عمر إلى أهل الشورى1.
"والنظر في أمر غير مكلف" من أولاده وتزويج مولياته ويقوم وصيه مقامه في الإجبار. ولا تصح وصية المرأة بالنظر في حق أولادها الأصاغر،
ـــــــ
1 وهم ستة من الصحابة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبد الله، وسعد بن أبي وقاص.

(2/47)


ولا وصية الرجل بالنظر على بالغ رشيد لعدم ولاية الموصي حال الحياة. قال في الشرح: وأما من لا ولاية له عليهم كالإخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد، فلا تصح الوصية عليهم. لا نعلم فيه خلافاً، إلا أن أبا حنيفة والشافعي قالا: للجد ولاية على ابن ابنه وإن سفل. انتهى.
"لا باستيفاء الدين مع رشد وارثه" وبلوغه، لانتقال المال إلى من لا ولاية له عليه.
"ومن وصي في شيء لم يصر وصياً في غيره" لأنه استفاد التصرف بالإذن، فكان مقصوراً على ما أذن له فيه كالوكيل.
"وإن صرف أجنبي" أي: من ليس بوارث ولا وصي.
"الموصى به لمعين في جهته" الموصى به فيها
"لم يضمنه" لمصادفة الصرف مستحقه.
"وإذا قال له: ضع ثلث مالي حيث شيء ت، أو أعطه، أو تصدق به على من شيء ت، لم يجز له أخذه" لأنه منفذ، كالوكيل في تفرقة مال.
"ولا دفعه إلى أقاربه الوارثين" ولو كانوا فقراء. نص عليه، لأنه متهم في حقهم.
"ولا إلى ورثة الموصي" نص عليه، لأنه قد وصى بإخراجه فلا يرجع إلى ورثته.
"ومن مات ببرية ونحوها" كجزائر لا عمران بها.
"ولا حاكم" حضر موته.
"ولا وصي" له بأن لم يوص إلى أحد.

(2/48)


"فلكل مسلم أخذ تركته وبيع ما يراه" منها كسريع الفساد والحيوان، لأنه موضع ضرورة بحفظ مال المسلم عليه، إذ في تركه إتلاف له.
"وتجهيزه منها إن كانت" 1 موجودة.
"وإلا جهزه من عنده وله الرجوع بما غرمه" على تركته حيث وجدت. أو على من تلزمه نفقته غير الزوج إن لم تكن له تركة.
"إن نوى الرجوع" لأنه قام عنه بواجب، ولئلا يمتنع الناس من فعله مع الحاجة إليه.
ـــــــ
1 لم تكن هذه الجملة واضحة من الأصل، وما ذكرناه من نسخة المكتبي وشرح التغلبي.

(2/49)