منار
السبيل في شرح الدليل
كتاب الفرائض
مدخل
مدخل
...
كتاب الفرائض:
"وهي: العلم بقسمة المواريث" أي فقه المواريث،
ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها بين
مستحقيها. ويسمى العارف بهذا العلم: فارضاً،
وفريضاً، وفرضياً. وقد حث صلى الله عليه وسلم،
على تعلمه وتعليمه في أحاديث منها: حديث ابن
مسعود مرفوعاً: "تعلموا الفرائض وعلموها
الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض،
وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا
يجدان من يفصل بينهما" رواه أحمد والترمذي
والحاكم، ولفظه له. وعن أبي هريرة مرفوعاً:
"تعلموا الفرائض وعلموها، فإنها نصف العلم،
وهو ينسى، وهو أول علم ينزع من أمتي" رواه ابن
ماجه والدار قطني من حديث حفص بن عمر، وقد
ضعفه جماعة. وقال عمر، رضي الله عنه: إذا
تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، وإذا لهوتم فالهوا
بالرمي.
"وإذا مات الإنسان بدئ من تركته بكفنه وحنوطه
ومؤنة تجهيزه من رأس ماله، سواء كان قد تعلق
به حق رهن أو أرش جناية أو لا" كما يقدم
المفلس بنفقته على غرمائه.
"وما بقي بعد ذلك تقتضى منه ديون الله" تعالى
كالزكاة، والكفارة، والحج الواجب، والنذر.
"وديون الآدميين" كالقرض، والثمن، والأجرة،
وقيم المتلفات،
(2/50)
لقوله تعالى:
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ
دَيْنٍ} 1 قال علي، رضي الله عنه إن النبي،
صلى الله عليه وسلم، قضى أن الدين قبل الوصية
رواه الترمذي وابن ماجه.
"وما بقي بعد ذلك تنفذ وصاياه من ثلثه" للآية،
إلا أن يجيزها الورثة، فتنفذ من جميع الباقي.
"ثم يقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته" للآيات في
سورة النساء2.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 النساء من الآية/ 11/ 12/ 176.
(2/51)
فصل أسباب الإرث ثلاثة:
"1- النسب" أي: القرابة قربت أو بعدت، لقولة
تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلَى بِبَعْضٍ} 1. والنكاح الصحيح لقوله
تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ
أَزْوَاجُكُمْ} 2 الآية.
"والولاء" لحديث ابن عمر مرفوعاً: "الولاء
لحمة كلحمة النسب" رواه ابن حبان و الحاكم
وصححه. ولا يورث بغير هذه الثلاثة. نص عليه.
قال في الكافي: فأما المؤاخاة في الدين،
والموالاة في النصرة،
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 6.
2 النساء من الآية/ 12.
(2/51)
وإسلام الرجل
على يد الآخر، فلا يورث بها، لأن هذا كان في
بدء الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالى: {وَأُولُو
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} 1
الآية انتهى. ولا يرث المولى من أسفل، وقيل:
بلى عند عدم غيره ذكره الشيخ تقي الدين، لخبر
عوسجة مولى ابن عباس عنه: أن رجلاً مات ولم
يترك وارثاً إلا عبداً هو أعتقه، فأعطاه النبي
صلى الله عليه وسلم، ميراثه رواه أحمد وأبو
داود وابن ماجه والترمذي وحسنه. قال: والعمل
عند أهل العلم في هذا الباب: أن من لا وارث له
فميراثه في بيت المال. وعوسجة وثقه أبو زرعة،
وقال البخاري في حديثه: لا يصح.
"وموانعه ثلاثة:"
"1- القتل" لما روي عن عمر، رضي الله عنه: أنه
أعطى دية ابن قتادة المدلجي لأخيه دون أبيه،
وكان حذفه بسيف فقتله. وقال عمر: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "ليس لقاتل
شيء " رواه مالك في الموطأ ولأحمد عن عمرو بن
شعيب، عن أبيه عن جده نحوه. وعن ابن عباس
مرفوعاً: "من قتل قتيلاً فإنه لا يرثه، وإن لم
يكن له وارث غيره، وإن كان والده أو ولده،
فليس لقاتل ميراث" رواه أحمد. فكل قتل يضمن
بقتل أو دية أو كفارة يمنع الميراث لذلك وما
لا يضمن كالقصاص، والقتل في الحد لا يمنع،
لأنه فعل مباح، فلم يمنع الميراث.
"2- والرق" فلا العبد قريبه، لأنه لو ورث
شيئاً لكان لسيده،
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 6.
(2/52)
فيكون التوريث
لسيده دونه. وأجمعوا على أن المملوك لا يورث،
لأنه لا ملك له، وإن ملك فملكه ضيف يرجع إلى
سيده ببيعه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من
باع عبداً وله مال فماله للبائع، إلا أن
يشترطه المبتاع" فكذلك بموته. وكذا المكاتب،
لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً:
"المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" . رواه أبو
داود.
"3- واختلاف الدين" فلا يرث مسلم كافراً، ولا
كافر مسلماً، لحديث أسامة بن زيد مرفوعاً: "لا
يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر" متفق
عليه.
"والمجمع على توريثهم من الذكور - بالاختصار -
عشرة: الابن، وابنه وإن نزل" بمحض الذكور،
لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي
أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ...} الآية1. وابن الابن ابن
لما تقدم في الوقف.
"والأب وأبوه وإن علا" بمحض الذكور، لقوله
تعالى: { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا السُّدُسُ...} 1 والجد أب، وقيل ثبت
إرثه بالسنة، لأنه صلى الله عليه وسلم أعطاه
السدس.
"والأخ مطلقا ً" أي: لأب أو لأم أو لهما،
لقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ...} 2. وقوله: {وَلَهُ
أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
السُّدُسُ...} 3.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 النساء من الآية/ 176.
3 النساء من الآية/ 12.
(2/53)
"وابن الأخ لا
من الأم" لأنه من ذوي الأرحام، وابن الأخ
لأبوين، أو لأب عصبة.
"والعم" لا من الأم.
"وابنه كذلك" أي: لا من الأم، لحديث: "ألحقوا
الفرائض بأهلها، فما أبقت الفروض فلأولى رجل
ذكر" .
"والزوج" لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا
تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ...} 1.
"والمعتق" وعصبته المتعصبون بأنفسهم، لحديث:
"الولاء لمن أعتق" . متفق عليه. وللإجماع.
"ومن الإناث - بالاختصار - سبع: البنت وبنت
الابن وإن نزل أبوها" بمحض الذكور، لقوله
تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ}
2 وحديث ابن مسعود في بنت، وبنت ابن، وأخت
ويأتي.
"والأم" لقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ...} 2.
"والجدة مطلقاً" لما يأتي.
"والأخت مطلقاً" شقيقة كانت أو لأب أو لأم،
لآيتي الكلالة3.
"والزوجة" لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ
مِمَّا تَرَكْتُمْ...} الآية4.
"والمعتقة" لما تقدم. وما عدا هؤلاء فمن ذوي
الأرحام - ويأتي حكمهم إن شاء الله -.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 12.
2 النساء من الآية/ 11.
3 النساء من الآية/ 12/176.
4 النساء من الآية/ 12.
(2/54)
فصل الوارث ثلاثة
...
فصل والوارث ثلاثة:
"1- ذو فرض 2- وعصبة 3- ورحم" ولكل كلام يخصه.
"والفروض المقدرة" في كتاب الله تعالى.
"ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان،
والثلث، والسدس" وأما ثلث الباقي فثبت
بالاجتهاد.
"وأصحاب هذه الفروض - بالاختصار - عشرة:
الزوجان، والأبوان، والجد، والجدة مطلقاً،
والأخت مطلقاً، والبنت وبنت الابن، والأخ من
الأم" على ما يأتي مفصلاً، والإخوة لأبوين،
ذكوراً كانوا أو إناثاً يسمون: بني الأعيان،
لأنهم من عين واحدة، ولأب وحده بني العلات:
جمع علة، وهي: الضرة، فكأنه قيل: بنو الضرات.
قال في القاموس: وبنو العلات بنو أمهات شتى من
رجل، لأن الذي يتزوجها على أولى قد كان قبلها
تأهل، ثم عل1 من هذه. انتهى. والإخوة للأم
فقط: بنو الأخياف، بالخاء المعجمة، أي:
الأخلاط، لأنهم من أخلاط الرجال، وليسوا من
رجل واحد.
"فالنصف فرض خمسة:"
"1- فرض الزوج حيث لا فرع وارث للزوجة" أي:
ابن أو بنت منه
ـــــــ
1 العلل: اشرب الثاني.
(2/55)
أو من غيره، أو
ابن ابن، أو بنت ابن لقوله تعالى:
{...وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ...} 1.
"2- وفرض البنت" لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ
وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ...} 2. قال في
المغني: لا خلاف في هذا بين علماء المسلمين.
"3- وفرض بنت الابن" وإن نزل أبوها بمحض
الذكور.
"مع عدم أولاد الصلب" بالإجماع، لأن ولد الابن
كولد الصلب، الذكر كالذكر والأنثى كالأنثى،
لأن كل موضع سمى الله الولد دخل فيه ولد
الابن.
"4- وفرض الأخت الشقيقة مع عدم الفرع الوارث"
"5- وفرض الأخت للأب مع عدم الأشقاء" وعدم
الفرع الوارث، لقوله تعالى: {...إِنِ امْرُؤٌ
هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ
فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ...} 3 وهذه الآية
في ولد الأبوين، أو الأب بإجماع أهل العلم.
قاله في المغني. ويحل فرض النص للبنت، وبنت
الابن والأخت إذا انفردن ولم يعصبن.
"والربع فرض اثنين:"
"1- وفرض الزوج مع الفرع الوارث" لقوله تعالى:
{فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ
الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} 4.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 12.
2 النساء من الآية/ 11.
3 النساء من الآية/ 176.
4 النساء من الآية/ 12.
(2/56)
"2- وفرض
الزوجة فأكثر مع عدمه" أي: الفرع الوارث.
"والثمن فرض واحد، وهو: الزوجة فأكثر، مع
الفرع الوارث" للزوج ذكراً أو أنثى منها، أو
من غيرها بالإجماع، لقوله تعالى:
{...وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ
لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا
تَرَكْتُمْ} 1.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 12.
(2/57)
فصل في الثلثين:
"والثلثان: فرض أربعة:"
"1- فرض البنتين فأكثر، وبنتي الابن فأكثر" مع
عدم البنات إذا لم يعصبن، لقوله تعالى:
{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ
فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} 1 و فوق في
الآية صلة. كقوله تعالى: {...فَاضْرِبُوا
فَوْقَ الْأَعْنَاقِ...} 2 وقد وردت هذه الآية
على سبب خاص، لحديث جابر قال: جاءت امرأة سعد
بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقالت: هاتان ابنتا سعد، قتل
أبوهما معك، يوم أحد شهيداً، وإن عمهما اًخذ
مالهما، فلم يدع لهما شيئاً من ماله، ولا
ينكحان إلا بمال. فقال: "يقضي الله في ذلك" ،
فنزلت آية المواريث، فدعا النبي، صلى الله
عليه وسلم، عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد
الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك" .
رواه أبو داود، وصححه الترمذي والحاكم. فدلت
الآية
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 الأنفال من الآية/ 12.
(2/57)
على فرض ما زاد
على البنتين، ودلت السنة على فرض البنتين1
وهذا تفسير للآية، وتبيين لمعناها. وقال تعالى
في الأخوات: {...فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ
فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ...} 2
والبنتان أولى. وبنات الابن كبنات الصلب كما
تقدم.
"3- وفرض الأختين الشقيقتين فأكثر، 4- وفرض
الأختين للأب فأكثر" لقوله تعالى: {...فَإِنْ
كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ
مِمَّا تَرَكَ...} 2 قال في المغني: المراد
بهذه الآية: ولد الأبوين، أو ولد الأب بإجماع
أهل العلم، وقيس ما زاد على الأختين على ما
زاد على البنتين.
"والثلث: فرض اثنين:"
"1- فرض ولدي الأم فأكثر يستوي فيه ذكرهم
وأنثاهم" لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ
يُورَثُ كَلالَةً3 أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ
أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} 4
وأجمعوا على أن المراد بالأخ والأخت هنا: ولد
الأم. وقرأ ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص
{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [من أم]4 والتشريك
يقتضي المساواة.
ـــــــ
1 ومن ذلك خير زيد بن ثابت: "إذا ترك الرجل
امرأة وبنتا، فلها النصف، وإن كانتا اثنتين أو
أكثر، فلهن الثلثان..." أخرجه البخاري.
2 النساء من الآية/ 176.
3 الكلالة: اسم للورثة ما عدا الوالدين
والمولودين، واختار جمع: اسم للميت نفسه -أي
الذي لا ولد له ولا والد- ولا خلاف في إطلاقه
على الأخوة من الجهات كلها. غاية المنتهى
2/383.
4 النساء من الآية/ 12. والمنقول عن سعد: من
أمه كما في تفسير الطبري.
(2/58)
"2- وفرض الأم
حيث لا فرع وارث للميت ولا جمع من الإخوة
والأخوات" لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ
الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ
فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} 1. قال الزمخشري:2 هنا
لفظ الإخوة يتناول الأخوين، لأن المقصود
الجمعية المطلقة من غير كمية. انتهى. وفي
الكافي: وقسنا الأخوين على الإخوة، لأن كل فرض
تغير بعدد كان الاثنان فيه بمنزلة الجماعة،
كفرض البنات والأخوات. انتهى. الأم؟ فقال: لا
أستطيع أن أرد شيئاً كان قبلي، ومضى في
البلدان، وتوارث الناس به وهذا من عثمان يدل
على اجتماع الناس على ذلك قبل مخالفة ابن
عباس.
"لكن لو كان هناك أب، وأم، وزوج، أو زوجة كان
للأم ثلث الباقي" بعد فرضهما. نص عليه، لأن
الفريضة جمعت الأبوين مع ذي فرض
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 هو: أبو القاسم محمود بن عمر. ولد سنة "467"
له "أساس البلاغة" و "الكشاف عن حقائق
التنزيل" جمع فيه الكثير من ضلالات المعتزلة
وقيل إنه تاب في أواخر عمره وراجع عن مذهب
الاعتزال وقال:
يامن يرى مد البعوض جناحها ... في ظلمة الليل
البهيم الأليلل
ويرى نياط عروقها في نحرها ... والمخ في تلك
العظام النحل
أمنن علي بتوبة تمحو بها ... ما كان مني في
الزمان الأول
وعلى كل حال فإن تاب فما تاب كشافه. وكانت
وفاته سنة 538.
(2/59)
واحد فكان للأم
ثلث الباقي، كما لو كان معهما بنت، وأبقى لفظ
الثلث في الصورتين، وإن كان في الحقيقة سدساً
أو ربعاً تأدباً مع القرآن، وتسميان بالغراوين
لشهرتهما، وبالعمريتين لقضاء عمر بذلك وتبعه
عليه عثمان، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وروي
عن علي، وهو قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة
الأربعة. وقال ابن عباس: لها الثلث كاملاً،
لظاهر الآية. والحجة معه لولا انعقاد الإجماع
من الصحابة على خلافه، ولأنا لو أعطيناها
الثلث كاملاً لزم إما تفضيل الأم على الأب في
صورة الزوج، وإما أنه لا يفضل عليها التفضيل
المعهود في صورة الزوجة مع أن الأم والأب في
درجة واحدة.
"والسدس فرض سبعة:"
"1- فرض الأم مع الفرع الوارث: أو جمع الإخوة
والأخوات" لقوله تعالى: {...وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا
تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} إلى قوله
{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ...} 1.
"2- فرض الجدة فأكثر إلى ثلاث إن تساوين مع
عدم الأم" لحديث قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة
إلى أبي بكر تطلب ميراثها، فقال: ما لك في
كتاب الله شيء، وما أعلم لك في سنة رسول الله،
في، شيئاً، ولكن ارجعي حتى أسأل الناس. فقال
المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، أعطاها السدس فقال: هل معك غيرك؟
فشهد له محمد بن مسلمة، فأمضاه
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
(2/60)
لها أبو بكر.
فلما كان عمر جاءت الجدة الأخرى، فقال عمر: ما
لك في كتاب الله شيء، وما كان القضاء الذي قضي
به إلا في غيرك، وما أنا بزائد في الفرائض
شيئاً، ولكن هو ذاك السدس، فإن اجتمعتما فهو
لكما، وأيكما خلت به فهو لها. صححه الترمذي.
وعن عبادة بن الصامت: أن النبي، صلى الله عليه
وسلم، قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما.
رواه عبد الله ابن أحمد في زوائد المسند. ولا
يرث أكثر من ثلاث: أم الأم، وأم الأب، وأم
الجد، وما كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن. روي
عن علي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود. وروى سعيد
بإسناده عن إبراهيم النخعي أن النبي، صلى الله
عليه وسلم، ورث ثلاث جدات: اثنتين من قبل
الأب، وواحدة من قبل الأم وأخرجه أبو عبيد،
والدار قطني. وقال إبراهيم: كانوا يورثون من
الجدات ثلاثاً. رواه سعيد. وأجمع أهل العلم
على أن أم أبي الأم لا ترث، وكذلك كل جدة أدلت
بأب بين أمين، لأنها تدلي بغير وارث. قاله في
الكافي.
"3- فرض ولد الأم الواحد" ذكراً كان أو أنثى
بالإجماع، لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ
يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ
أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
السُّدُسُ} 1. وفي قراءة عبد الله وسعد {وله
أخ أو أخت من أم} .
ـــــــ
1 النساء من الآية/12.
(2/61)
"4- فرض بنت
الابن فأكثر، مع بنت الصلب" إجماعاً، لحديث
ابن مسعود، وقد سئل عن بنت، وبنت ابن، وأخت،
فقال أقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس
تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت. رواه البخاري
مختصراً. ولأن الله لم يفرض للبنات إلا
الثلثين، وهؤلاء بنات، وقد سبقت بنت الصلب
فأخذت النصف، لأنها أعلى درجة منهن، فكان
الباقي لهن السدس، فلهذا تسميه الفقهاء تكملة
الثلثين، وكذا بنت ابن ابن مع بنت ابن.
"5- فرض الأخت للأب مع الأخت الشقيقة" تكملة
الثلثين قياساً على بنت الابن مع بنت الصلب،
لأنها في معناه.
"6- فرض الأب مع الفرع الوارث" للآية السابقة.
"7- فرض الجد كذلك" أي: مع الفرع الوارث، لأنه
أب.
"ولا ينزلان" أي: الأب والجد.
"عنه" أي: عن السدس.
"بحال" للآية، وقد يكون عائلاً.
(2/62)
فصل في الجد مع الإخوة
ذكوراً أو إناثاً لأبوين، أو لأب والجد: أبو
الأب، لا يحجبه حرماناً غير الأب. حكاه ابن
المنذر إجماعاً.
وقد كان السلف يتوقون الكلام فيه جداً، فعن
علي رضي الله عنه
(2/62)
من سره أن
يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة.
وقال ابن مسعود: سلونا عن عضلكم واتركونا من
الجد لا حياه الله ولا بياه. وروي عن عمر، رضي
الله عنه، أنه لما طعن، وحضرته الوفاة قال:
أحفظوا عني ثلاثاً: لا أقول في الجد شيئاً،
ولا أقول في الكلالة شيئاً، ولا أولي عليكم
أحداً.
وذهب أبو بكر الصديق، وابن عباس، وابن الزبير:
إلى أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات من
جميع الجهات كالأب. وروي عن عثمان، وعائشة،
وأبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأبي الطفيل،
وعبادة بن الصامت، وهو مذهب أبي حنيفة.
وذهب علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن
مسعود: إلى توريثهم معه، ولا يحجبونهم به على
اختلاف بينهم، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد
بن حنبل، وأبي يوسف ومحمد1، لثبوت ميراثهم
بالكتاب العزيز فلا يحجبون إلا بنص، أو إجماع
أو قياس، ولم يوجد ذلك، ولتساويهم في سبب
الاستحقاق، فإن الأخ والجد يدليان بالأب الجد
أبوه، والأخ ابنه، وقرابة البنوة لا تنقص عن
قرابة الأبوة، بل ربما كانت أقوى فإن الابن
يسقط تعصيب الأب.
"والجد مع الإخوة الأشقاء، أو الأب، ذكوراً
كانوا أو إناثاً كأحدهم"
ـــــــ
1 أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي صاحب
الإمام أبي حنيفة المتوفى سنة 192. ومحمد هو:
محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة
المتوفى سنة 189.
(2/63)
في مقاسمتهم
المال، أو ما أبقت الفروض، لأنهم تساووا في
الإدلاء بالأب فتساووا في الميراث.
"فإن لم يكن هناك صاحب فرض فله معهم خير
أمرين: إما المقاسمة" إن كان الإخوة أقل من
مثليه.
"أو ثلث جميع المال" إن كانوا أكثر من مثليه.
وإن كانوا مثليه استوى له الأمران. ولا ينقص
الجد عن الثلث مع عدم ذي الفرض، لأنه إذا كان
مع الأم مثلي ما تأخذه، لأنها لا تزاد على
الثلث، والإخوة لا ينقصون الأم عن السدس، فوجب
أن لا ينقصوا الجد عن ضعفه وهو: الثلث.
"وإن كان هناك صاحب فرض فله" أي: الجد.
"أو ثلث الباقي بعد صاحب الفرض" لأن له الثلث
مع عدم الفروض، فما أخذ من الفروض كأنه ذهب من
المال، فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع
المال.
"أو سدس جميع المال" لأنه لا ينقص عنه مع
الولد، فمع غيره أولى.
"فإن لم يبق بعد صاحب الفرض إلا السدس أخذه"
الجد.
"وسقط الإخوة" مطلقاً لاستغراق الفروض التركة.
"إلا الأخت الشقيقة أو لأب في المسألة المسماة
بالأكدرية"
(2/64)
سميت بذلك
لتكديرها أصول زيد حيث أعالها، ولا عول في
مسائل الجد والإخوة في غيرها، وفرض للأخت مع
الجد، ولم يفرض لها معه ابتداء في غيرها، وجمع
سهامه وسهامها فقسمها بينهما، ولا نظير لذلك،
أو لتكدير زيد على الأخت نصيبها بإعطائها
النصف، واسترجاعه بعضه. وقيل لأن عبد الملك بن
مروان سأل عنها رجلاً اسمه أكدر.
"وهي زوج، وأم، وجد، وأخت" لغير أم.
"فللزوج: النصف، وللأم: الثلث، وللجد: السدس،
ويفرض للأخت: النصف، فتعول لتسعة" ولم يحجب
الأم عن الثلث، لأنه تعالى إنما حجبها عنه
بالولد والإخوة، وليس هنا ولد ولا إخوة.
"ثم يقسم نصيب الجد والأخت بينهما أربعة على
ثلاثة" لأنها إنما تستحق معه بحكم المقاسمة،
وإنما أعيل لها لئلا تسقط، وليس في الفريضة من
يسقطها، ولم يعصبها الجد ابتداء، لأنه ليس
بعصبة مع هؤلاء، بل يفرض له. ولو كان مكانها
أخ لسقط لأنه عصبة بنفسه، والأربعة لا تنقسم
على الثلاثة، وتباينها. فاضرب الثلاثة في
المسألة بعولها تسعة.
"فتصح من سبعة وعشرين" للزوج تسعة، وللأم ستة،
وللأخت أربعة، وللجد ثمانية، ويعايا بها،
فيقال: أربعةً ورثوا مال ميت، أخذ أحدهم ثلثه،
والثاني ثلث الباقي، والثالث ثلث باقي الباقي،
والرابع الباقي.
"وإذا اجتمع مع الشقيق ولد الأب عده على الجد
إن احتاج لعده"
(2/65)
لأن الجد والد،
فإذا حجبه أخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث،
وأخ غير وارث كالأم، ولأن ولد الأب يحجبونه
نقصاناً إذا انفردوا فكذلك مع غيرهم كالأم،
بخلاف ولد الأم فإن الجد يحجبهم بلا خلاف، فمن
مات عن جد وأخ لأبوين وأخ لأب، فللجد منه
الثلث.
"ثم يأخذ الشقيق ما حصل لولد الأب" لأنه أقوى
تعصيباً منه، فلا يرث معه شيئاً، كما لو
انفردا عن الجد، فإن استغنى عن المعادة كجد
وأخوين لأبوين وأخ فأكثر لأب، فلا معادة لأنه
لا فائدة فيها.
"إلا أن يكون الشقيق أختاً واحدة فتأخذ تمام
النصف" لأنه لا يمكن أن تزاد عليه مع عصبة،
ويأخذ الجد الأحظ له على ما تقدم.
"وما فضل فهو لولد الأب" واحداً كان أو أكثر.
"فمن صور ذلك الزيديات الأربع:" المنسوبات إلى
زيد بن ثابت، رضي الله عنه.
"1- العشرية، وهي: جد، وشقيقة، وأخ لأب" أصلها
عدد رؤوسهم خمسة: للجد سهمان، وللأخت النصف:
سهمان ونصف، والباقي للأخ. فتنكسر على النصف،
فاضرب مخرجه اثنين في خمسة، فتصح من عشرة،
للجد أربعة، وللشقيقة خمسة، وللأخ للأب واحد.
"2 العشرينية، وهي: جد، وشقيقة، وأختان لأب"
كالتي قبلها، إلا أنه يبقى للأختين للأب نصف،
لكل واحدة ربع، فتضرب مخرجه أربعة في الخمسة =
عشرين، ومنها تصح للجد ثمانية، وللشقيقة عشرة،
ولكل أخت لأب واحد.
(2/66)
"3- مختصرة
زيد، وهي: أم، وجد، وشقيقة، وأخ، وأخت لأب"
لأن زيداً صححها من مائة وثمانية، وردها
بالاختصار إلى أربعة وخمسين. أصلها ستة: للأم
واحد، يبقى خمسة، للجد والإخوة على ستة
تباينها، فاضرب الستة في أصل المسألة تبلغ ستة
وثلاثين: للأم سدسها ستة، وللجد عشرة، وللأخت
الشقيقة ثمانية عشر يبقى سهمان: للأخ، والأخت
للأب على ثلاثة تباينهما، فاضرب ثلاثة في ستة
وثلاثين تبلغ مائة وثمانية، للأم ثمانية عشر،
وللجد ثلاثون، وللشقيقة أربعة وخمسون، وللأخ
لأب أربعة، ولأخته سهمان، والأنصباء كلها
متوافقة بالنصف، فترد المسألة لنصفها، ونصيب
كل وارث لنصفه، فترجع لأربعة وخمسين. ولو
اعتبرت للجد فيها ثلث الباقي لصحت ابتداء من
أربعة وخمسين.
"4- تسعينية زيد، وهي: أم، وجد، وشقيقة،
وأخوان، وأخت لأب" للأم السدس ثلاثة من ثمانية
عشر، وللجد ثلث الباقي: خمسة، وللشقيقة النصف:
تسعة، يبقى لأولاد الأب واحد على خمسة لا يصح،
فاضرب خمسة في ثمانية عشر تبلغ تسعين: للأم
خمسة عشر، وللجد خمسة وعشرون، وللشقيقة خمسة
وأربعون، ولأولاد الأب خمسة، لأنثاهم واحد،
ولكل ذكر اثنان.
(2/67)
باب الحجب:
وهو باب عظيم. ويحرم على من لم يعرف الحجب أن
يفتي في الفرائض. قاله في شرح الترتيب.
"اعلم أن الحجب بالوصف" كالقتل والرق واختلاف
الدين.
"يتأتى دخوله على جميع الورثة" لما تقدم.
"والحجب بالشخص نقصاناً كذلك يتأتى" 1 دخوله
على جميع الورثة، كحجب الزوج من النصف إلى
الربع، والزوجة من الربع إلى الثمن، ونحوه مما
تقدم.
"وحرماناً فلا يدخل على خمسة: الزوجين،
والأبوين، والولد" ذكراً كان أو أنثى إجماعاً،
لأنهم يدلون إلى الميت بغير واسطة، فهم أقوى
الورثة.
"وان الجد يسقط بالأب" حكاه ابن المنذر إجماع
من يحفظ عنه من الصحابة ومن بعدهم.
"وكل جد أبعد بجد أقرب" لإدلائه به، ولقربه.
"وإن الجدة مطلقاً" من قبل الأم أو الأب.
"تسقط بالأم" لأن الجدات يرثن بالولادة، فالأم
أولى منهن بمباشرتها الولادة.
ـــــــ
1 كانت كلمة "يتأتى" في المتن، وهي غير موجودة
في أصول المتن كلها، والسياق يقضى بأنها من
الشرح.
(2/68)
"وكل جدة بعدى
بجدة قربى" لأن الجدات أمهات يرثن ميراثاً
واحداً من جهة واحدة، فإذا اجتمعن فالميراث
لأقربهن، كالآباء والأبناء والإخوة. ولا يحجب
الأب أمه أو أم أبيه كالعم. روي عن عمر وابن
مسعود وأبي موسى وعمران بن حصين وأبي الطفيل،
لحديث ابن مسعود: أول جدة أطعمها رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، السدس أم أب مع ابنها
وابنها حي رواه الترمذي. ورواه سعيد بلفظ: أول
جدة أطعمت السدس أم أب مع ابنها ولأن الجدات
يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب، فلا يحجبن به،
كأمهات الأم. وكذا الجد لا يحجب أم نفسه.
"وإن كل ابن أبعد يسقط بابن أقرب" ولو لم يدل
به لقربه.
"وتسقط الإخوة الأشقاء باثنين: بالابن وإن
نزل، وبالأب الأقرب" حكاه ابن المنذر إجماعاً،
لأن الله تعالى جعل إرثهم في الكلالة، وهي:
اسم لمن عدا الوالد والولد.
"والإخوة للأب يسقطون" بالابن وابنه، وبالأب.
"وبالأخ الشقيق أيضاً" لقوته بزيادة القرب،
لحديث علي: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى
بالدين قبل الوصية، وأن أعيان بني الأم
يتوارثون دون بني العلات، يرث الرجل أخاه
لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. رواه أحمد
والترمذي من رواية الحارث عن علي. ويسقط ولد
الأب أيضاً بالأخت الشقيقة إذا صار عصبة مع
البنت، أو بنت الابن، لأنها تصير بمنزلة الأخ
الشقيق.
"وبنو الإخوة يسقطون حتى بالجد أبي الأب وإن
علا" بلا خلاف، لأنه أقرب منهم.
(2/69)
"الأعمام
يسقطون حتى ببني الإخوة وإن نزلوا" لأن جهتهم
أقرب، وهذا معنى قول الجعبري:
فبالجهة التقديم ثم بقربه ... وبعدهما التقديم
بالقوة أجعلا
"والأخ للأم يسقط باثنين: بفرع الميت مطلقاً"
ذكوراً كانوا أو إناثاً، وإن نزلوا.
"وبأصوله الذكور وإن علوا" لأن الله تعالى شرط
في إرث الإخوة لأم الكلالة، وهي في قول
الجمهور: من لم يخلف ولداً، ولا والداً.
والولد يشمل الذكر والأنثى، وولد الابن كذلك،
والوالد يشمل الأب والجد.
"وتسقط بنات الابن ببنتي الصلب فأكثر"
لاستكمال الثلثين، لمفهوم حديث ابن مسعود
السابق.
"ما لم يكن معهن" أي: بنات الابن.
"من يعصبهن من ولد الابن" سواء كان بإزائهن أو
أنزل منهن.
"وتسقط الأخوات للأب بالأختين الشقيقتين
فأكثر" لاستكمال الثلثين.
"ما لم يكن معهن أخوهن فيعصبهن" في الباقي،
للذكر مثل حظ الأنثيين.
"ومن لا يرث" لمانع
"لا يحجب أحداً" نص عليه.
"مطلقاً" لا حرماناً، ولا نقصاناً، بل وجوده
كعدمه، روي عن عمر وعلي، لأنه ليس بوارث
كالأجنبي.
(2/70)
"إلا الإخوة من
حيث هم" أشقاء أو لأب أو لأم.
"فقد لا يرثون ويحجبون الأم نقصاناً" من الثلث
إلى السدس، وإن كانوا محجوبين بالأب في أم وأب
وإخوة.
(2/71)
باب العصبات
مدخل
...
باب العصبات:
وهم: من يرث بغير تقدير.
"اعلم أن النساء كلهن صاحبات فرض، وليس فيهن
عصبة بنفسه إلا المعتقة" فإنها عصبة بنفسها.
"وإن الرجال كلهم عصبات بأنفسهم، إلا الزوج
وولد الأم. وإن الأخوات مع البنات عصبات" لا
فرض لهن، بل يرثن ما فضل عن الفروض، لقوله
تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ
وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا
تَرَكَ...} 1 الآية فشرط في الفرض عدم الولد،
فمتى وجد الولد فلا فرض لهن، إلا أن للأخوات
قوة بولادة الأب لهن، ولا مسقط لهن، فكان أدنى
حالاتهن مع البنات أو بنات الابن التعصيب،
ولحديث ابن مسعود السابق وفيه "وما بقي
فللأخت" رواه البخاري. قال ابن رجب في شرح
الأربعين: وذهب جمهور العلماء إلى أن الأخت مع
البنت عصبة لها ما فضل، منهم: عمر وعلي وعائشة
وزيد وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وتابعهم سائر
العلماء.
"إن البنات، وبنات الابن، والأخوات الشقيقات،
والأخوات للأب،
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 176.
(2/71)
كل واحدة منهن
مع أخيها عصبة به له مثلا ما لها" لقوله
تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} 1
وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً
رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ} 2.
"وإن حكم العاصب أن يأخذ ما أبقت الفروض"
لقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ
فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} 3 وحديث: "ألحقوا
الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر"
وقوله صلى الله عليه وسلم، لأخي سعد: ".. وما
بقي فهو لك" وتقدم.
"وإن لم يبق شيء سقط" لمفهوم الخبر، ولأن حقه
في الباقي، ولا باقي.
"وإذا انفرد أخذ جميع المال" {وَهُوَ
يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} 2
أضاف جميع الميراث إليه، وقيس عليه باقي
العصبات.
"لكن للجد والأب ثلاث حالات:"
"1- يرثان بالتعصيب فقط مع عدم الفرع الوارث"
لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ
وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}
1 أضاف الميراث إليهما، ثم خص الأم منه بالثلث
دل على أن باقية للأب.
"2- يرثان بالفرض فقط مع ذكوريته" أي: مع
الابن أو ابنه، لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا
تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} 1.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 النساء من الآية/ 11.
3 النساء من الآية/ 176.
(2/72)
"3- بالفرض
والتعصيب مع أنوثيته" السدس بالفرض، والباقي
بالتعصيب، لقوله صلى الله عليه وسلم،: "فما
أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر" والأب أولى رجل
ذكر بعد الابن وابنه، والجد مثل الأب في هذه
الحالات الثلاث.
"ولا تتمشى على قواعدنا المشركة وهي: زوج،
وأم، وإخوة لأم، وإخوة أشقاء" للزوج: النصف =
ثلاثة، وللأم: السدس = واحد، وللإخوة للأم:
الثلث = اثنان، وسقط الأشقاء، لاستغراق الفروض
التركة. وتسمى المشركة والحمارية لأنه يروى أن
عمر أسقط ولد الأبوين، فقال بعضهم، أو بعض
الصحابة: يا أمير المؤمنين، هب أن أبانا كان
حماراً، أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم وهو قول
عثمان، وزيد بن ثابت،، ومالك والشافعي.
وأسقطهم الإمام أحمد، وأبو حنيفة وأصحابه،
وروي عن علي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن
عباس، وأبي موسى لقوله تعالى في الإخوة لأم:
{...فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ...} 1 فإذا
شرك معهم غيرهم لم يأخذوا الثلث، ولحديث
"ألحقوا الفرائض بأهلها" ومن شرك لم يلحق
الفرائض بأهلها. قال العنبري: القياس ما قال
علي، والاستحسان ما قال عمر، ولو كان مكانهم
أخوات لأبوين، أو لأب عالت إلى عشرة وتأتي.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 12.
(2/73)
فصل وإذا اجتمع كل الرجال ورث منهم ثلاثة
"الابن، والأب والزوج"
فالمسألة من اثني عشر: للزوج الربع = ثلاثة،
وللأب السدس = اثنان، وللابن الباقي.
"وإذا اجتمع كل النساء ورث منهن خمس: البنت،
وبنت الابن، الأم، والزوجة، والأخت الشقيقة"
أو لأب، فالمسألة من أربعة وعشرين:
للزوجة: الثمن = ثلاثة، وللأم: السدس = أربعة،
وللبنت: النصف = اثنا عشر، ولبنت الابن: السدس
تكملة الثلثين = أربعة، والباقي = واحد، للأخت
تعصيباً.
"وإذا اجتمع ممكن الجمع من الصنفين ورث منهم
خمسة: الأبوان، والولدان، وأحد الزوجين" فإن
كان الميت الزوج المسألة من أربعة وعشرين،
وتصح من اثنين وسبعين. وإن كان الميت الزوجة
فالمسألة من اثني عشر، وتصح من ستة وثلاثين.
"ومتى كان العاصب عماً أو ابن عم أو ابن أخ
انفرد بالإرث دون أخواته" لأنهن من ذوي
الأرحام، والعصبة مقدم على ذي الرحم.
"ومتى عدمت العصبات من النسب ورث المولى
المعتق ولو أنثى" لحديث "الولاء لمن أعتق"
متفق عليه. وحديث "الولاء لحمة كلحمة النسب" .
وروى سعيد بسنده كان لبنت حمزة مولى أعتقته،
فمات
(2/74)
وترك ابنته
ومولاته، فأعطى النبي، صلى الله عليه وسلم
ابنته النصف، وأعطى مولاته بنت حمزة النصف
ورواه النسائي وابن ماجه عن عبد الله بن شداد
بنحوه.
"ثم عصبته" أي: عصبة المعتق.
"الذكور الأقرب فالأقرب، كالنسب" لحديث زياد
بن أبي مريم أن امرأة أعتقت عبداً لها، ثم
توفيت وتركت ابنا لها وأخاها، ثم توفي مولاها
من بعدها، فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، في ميراثه، فقال، صلي
الله عليه وسلم: "ميراثه لابن المرأة" ، فقال
أخوها: يا رسول الله، لو جر جريرةً كانت علي،
ويكون ميراثه لهذا؟! قال: "نعم" رواه أحمد.
ولأنهم يدلون بالمعتق، وبالولاء مشبه بالنسب،
فأعطي حكمه.
"فإن لم يكن" للميت عصبة ولا ولاء
"عملنا بالرد" على ذوى الفروض، فيقدم على ذوى
الأرحام
"فإن لم يكن" ذو فرض يرد عليه
"ورثنا ذوي الأرحام" لقوله تعالى: {وَأُولُو
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ...}
1.
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 6.
(2/75)
باب الرد وذوي الأرحام
مدخل
...
باب الرد وذوي الأرحام:
"حيث لا1 تستغرق الفروض التركة ولا عاصب رد
الفاضل على كل ذي فرض بقدره" كالغرماء يقتسمون
مال المفلس بقدر ديونهم، لقوله تعالى:
{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ} 2 وقوله، صلى الله عليه وسلم: "من
ترك مالاً فللوارث" متفق عليه.
"ما عدا الزوجين، فلا يرد عليهما من حيث
الزوجية" نص عليه، لأنهما لا رحم لهما، فلم
يدخلا في الآية. وهذا يروى عن عمر وعلي وابن
مسعود وابن عباس، رضي الله عنهم. قاله في
الكافي. وما روي عن عثمان أنه رد على زوج
فلعله كان عصبة، أو ذا رحم، أو أعطاه من بيت
المال لا على سبيل الميراث.
"فإن لم يكن إلا صاحب فرض أخذ الكل فرضاً
ورداً" لأن تقدير الفروض شرع لمكان المزاحمة،
وقد زال.
"وإن كان جماعة من جنس كالبنات فأعطهم
بالسوية" كالعصبة من البنين ونحوهم.
"وإن اختلف جنسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة
دائماً" لأن الفروض كلها توجد في الستة، إلا
الربع والثمن، وهما للزوجين، ولا يرد عليهما،
فتجعل عدد سهامهم أصل مسألتهم، وينحصر ذلك في
أربعة أصول.
ـــــــ
1 في أصول المتن الأخرى: حيث لم.
2 الأحزاب من الآية/ 6.
(2/76)
"فجدة وأخ لأم،
تصح من اثنين" لأن لكل منهما: السدس = واحد من
الستة، والسدسان = اثنان منها، فيقسم المال
بينهما نصفين فرضاً ورداً.
"وأم وأخ لأم من ثلثه" فيقسم المال بينهما
أثلاثاً، وكذا أم وولداها.
"وأم وبنت" أو بنت أو بنت ابن
"من أربعة" للأم السدس = واحد، وللبنت أو بنت
الابن: النصف = ثلاثة. فيقسم المال بينهما
أرباعاً. للأم: ربعه، وللبنت، أو بنت الابن:
ثلاثة أرباعه.
"وأم وبنتان" أو بنتا ابن، أو أختان لغير أم
"من خمسة" للأم: السدس، وللأخريين: الثلثان =
أربعة. فالمال بينهن على خمسة. للأم خمسه،
وللأخريين: أربعة أخماسه.
"ولا تزيد" مسائل الرد.
"عليها" أي: الخمسة.
"لأنها لو زادت سدساً آخر لاستغرقت الفروض"
إذاً فلا رد.
"وإن كان هناك أحد الزوجين فاعمل مسألة الرد،
ثم مسألة الزوجية، ثم يقسم ما فضل عن فرض
الزوجية على مسألة الرد" فيبدأ بإعطاء أحد
الزوجين فرضه، والباقي لمن يرد عليه.
"فإن انقسم صحت مسألة الرد من مسألة الزوجية"
ولم يحتج لضرب كزوجة وأم وأخوين لأم، فللزوجة:
الربع = واحد من أربعة، والباقي ثلاثة بين
الأم وولديها أثلاثاً.
"وإلا" ينقسم الباقي بعد فرض الزوجية على
مسألة الرد.
(2/77)
"فاضرب مسألة
الرد في مسألة الزوجية" لعدم الموافقة.
"ثم من له شيء في مسألة الزوجية أخذه مضروباً
في مسألة الرد، ومن له شيء في مسألة الرد أخذه
مضروباً في الفاضل عن مسألة الزوجية. فزوج،
وجدة، وأخ لأم مثلاً: فاضرب مسألة الرد - وهي:
اثنان - في مسألة الزوجية - وهي: اثنان - فتصح
من أربعة" مسطح الاثنين في الاثنين، فللزوج:
اثنان، وللجدة: سهم، وللأخ لأم: سهم.
"وهكذا" لو كان مكان الزوج زوجة، فالمسألة:
الزوجة من أربعة، والباقي منها بعد فرض
الزوجة: ثلاثة على مسألة الرد. اثنين تباينها،
فاضرب مسألة الرد في مسألتها - وهي: أربعة -
تبلغ ثمانية، للزوجة: ربع = اثنان وللجدة:
ثلاثة، وللأخ لأم ثلاثة.
(2/78)
فصل في ذوي الأرحام:
"وهم: كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة" كالخال،
والجد لأم، والعمة. وبتوريثهم قال عمر، وعلي،
وعبد الله وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن
جيل، وأبو الدرداء، لقوله تعالى: {وَأُولُو
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي
كِتَابِ اللَّهِ} 1 وعن عمر مرفوعاً: "الخال
وارث من لا وارث له" رواه أحمد والترمذي
وحسنه. ولأبي داود عن المقداد مرفوعاً: "الخال
وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه" وروى
أبوعيد بإسناده أن ثابت بن الدحداح مات، ولم
يخلف إلا ابنة أخ له، فقضى النبي، صلى الله
عليه وسلم، بميراثه لابنة أخيه قال في الكافي:
وقسنا سائر هم على هذين.
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 6.
(2/78)
"وأصنافهم أحد
عشر:"
"ولد البنات لصلب أو لابن، وولد الأخوات،
وبنات الإخوة، وبنات الأعمام، وولد ولد الأم،
والعم لأم، والعمات، والأخوال، والخالات، وأبو
الأم، وكل جدة أدلت بأب بين أمين" كأم أبي
الأم.
"ومن أدلى بصنف" من هؤلاء كعمة العمة، وخالة
الخالة ونحوهما
"ويرثون بتنزيلهم منزلة من أدلوا به" فينزل كل
منهم منزلة من أدلى به من الورثة بدرجة، أو
درجات حتى يصل إلى من يرث، فيأخذ ميراثه. لما
روي عن علي وعبد الله: أنهما نزلا بنت البنت
بمنزلة البنت، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وبنت
الأخت منزلة الأخت، والعمة منزلة الأب،
والخالة منزلة الأم. وروي ذلك عن عمر في العمة
والخالة. وعن علي أيضاً: أنه نزل العمة بمنزلة
العم. وعن الزهري أنه، صلى الله عليه وسلم،
قال: "العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما
أب، والخالة بمنزلة الأم، إذا لم يكن بينهما
أم" . رواه أحمد.
"وإن أدلى جماعة منهم بوارث واستوت منزلتهم
منه" بلا سبق كأولاده، وكإخوته المتفرقين
الذين لا واسطة بينه وبينهم
"فنصيبه لهم" كإرثهم منه. لكن هنا .
"بالسوية: الذكر كالأنثى" لأنهم يرثون بالرحم
المجردة، فاستوى ذكرهم وأنثاهم، كولد الأم.
اختاره الأكثر، ونقله الأثرم، وحنبل، وإبراهيم
بن الحارث.
"ومن لا وارث له" معلوم
"فماله لبيت المال" يحفظه كالمال الضائع. قال
في القواعد: مع أنه لا يخلو من بني عم أعلى،
إذ الناس كلهم بنو آدم، فمن كان أسبق إلى
(2/79)
الاجتماع مع
الميت في أب من آبائه فهو عصبته، ولكنه مجهول،
فلم يثبت له حكم، وجاز صرف ماله في المصالح،
ولذلك لو كان له مولى معتق لورثه في هذه
الحال، ولم يلتفت إلى هذا المجهول. انتهى.
"وليس" بيت المال
"وارثاً وإنما يحفظ المال الضائع وغيره"
كأموال الفيء.
"فهو جهة ومصلحة" لأن اشتباه الوارث بغيره لا
يوجب الحكم بالإرث للكل، فيصرف في المصالح،
للجهل بمستحقه عيناً.
(2/80)
باب أصول المسائل:
أي: المخارج التي تخرج منها فروضها.
"وهي سبعة:"
"1- اثنان 2- وثلاثة، 3- وأربعة، 4- وستة، 5-
وثمانية، 6- واثنا عشر، 7- وأربعة وعشرون"
فنصفان كزوج وأخت لأبوين، أو لأب من اثنين
مخرج النصف، وتسميان اليتيمتين تشبيها بالدرة
اليتيمة، لأنهما فرضان متساويان ورث بهما
المال كله، ولا ثالث لهما، ويسميان أيضاً
النصفيتين ونصف، والبقية كزوج وأب، أو أخ لغير
أم، أو عم أو ابنه كذلك من اثنين مخرج النصف.
وثلث، والبقية من ثلاثة كأبوين. وثلثان،
والبقية من ثلاثة كبنتين وأخ لغير أم. وثلثان
وثلث من ثلاثة لاتحاد المخرجين، كأختين لأم
وأختين لغيرها.
(2/80)
وربع والبقية
من أربعة كزوج وابن، وربع مع نصف، والبقية من
أربعة، لدخول مخرج النصف في مخرج الربع كزوج
وبنت عم.
وثمن، والبقية كزوجة وابن. وثمن مع نصف
والبقية كزوجة وبنت عم من ثمانية. ولا يكون كل
من أصلي الأربعة والثمانية إلا ناقصاً أي:
فيها عاصب، والاثنان والثلاثة تارةً كذلك،
وتارةً تكونان عادلتين. فهذه الأصول الأربعة
لا تعول، لأنها لا تزحم فيها الفروض.
وسدس، والبقية كأم وابن من ستة. وسدس ونصف
والبقية كبنت وأم وعم من ستة، لدخول مخرج
النصف في السدس. ونصف وثلث، والبقية كزوج وأم
وعم من ستة لتباين المخرجين، ونصف، وثلث، وسدس
من ستة: كزوج، وأم، وأخوين لأم وتسمى مسألة
الإلزام، ومسألة المناقضة لأن ابن عباس، رضي
الله عنهما، لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس
إلا بثلاثة من الإخوة، أو الأخوات، ولا يرى
العول، ويرد النقص مع ازدحام الفروض على من
يصير عصبة في بعض الأحوال بتعصيب ذكر لهن. وهن
البنات والأخوات لغير أم، فألزم بهذه المسألة.
فإن أعطى الأم الثلث لكون الإخوة أقل من
ثلاثة، وأعطى ولديها الثلث، عالت المسألة، وهو
لا يراه. وإن أعطاها سدساً فقد ناقض مذهبه في
حجبها بأقل من ثلاثة إخوة، وإن أعطاها ثلثاً
وأدخل النقص على ولديها فقد ناقض مذهبه في
إدخاله النقص على من لا يصير عصبة بحال.
وربع مع ثلثين: كزوج، وبنتين، وعم. وكزوجة،
وشقيقتين، وعم من اثني عشر. وربع مع ثلث،
كزوجة، وأم، وأخ لغيرها. وكزوجة،
(2/81)
وإخوة، لأم وعم
من اثني عشر لتباين المخرجين. أو ربع مع سدس:
كزوج، وأم، وابن، أو زوجة، وجدة، وعم من اثني
عشر، لتوافق المخرجين. ولا يكون في الاثني عشر
والأربعة والعشرين صورة عادلة أصلاً، بل إما
ناقصة وإما عائلة.
وثمن مع سدس: كزوجة، وأم، وابن من أربعة
وعشرين، لتوافق المخرجين بالنصف، وحاصل ضرب
أحدهما في نصف الآخر: أربعة وعشرون. أو ثمن مع
ثلثين: كزوجة، وبنتين، وعم، أو معهما سدس:
كزوجة، وبنتين، وأم، وعم، من أربعة وعشرين،
للتوافق بين مخرج السدس والثمن، مع دخول مخرج
الثلثين في مخرج السدس. ولا يجتمع الثمن مع
الثلث، لأن الثمن لا يكون إلا لزوجة مع فرع
وارث، ولا يكون الثلث في مسألة فيها فرع وارث.
"ولا يعول منها" أي: هذه الأصول.
"إلا الستة وضعفها" أي: الاثنا عشر.
"وضعف ضعفها" أي: الأربعة والعشرون، فتعول إذا
تزاحمت فيها الفروض بالإجماع، قبل إظهار ابن
عباس الخلاف في ذلك.
"فالستة تعول متوالية إلى عشرة" شفعاً ووتراً.
"فتعول إلى سبعة: كزوج، وأخت لغير أم، وجدة"
أو ولد أم، للزوج: النصف = ثلاثة وللأخت لغير
أم: النصف = ثلاثة، وللجدة، وولد الأم: السدس،
وكذا زوج وأختان لأبوين، أو لأب ونحوها.
"وإلى ثمانية كزوج، وأم، وأخت، وأخت لغير أم"
للزوج: النصف = ثلاثة، وللأم: الثلث = اثنان،
وللأخت: النصف = ثلاثة.
(2/82)
"وتسمى
المباهلة" لأنها أول مسألة عائلة حدثت في زمن
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فجمع الصحابة
للمشورة فيها، فقال العباس: أرى أن يقسم المال
بينهم على قدر سهامهم فأخذ به عمر، وأتبعه
الناس على ذلك، حتى خالفهم ابن عباس، فقال: من
شاء باهلته، إن المسائل لا تعول، إن الذي أحصى
رمل عالج1 عدداً أعدل من أن يجعل في مال نصفاً
ونصفاً، وثلثاً هذان نصفان ذهبا بالمال، فأين
موضع الثلث؟ وقال: وأيم الله، لو قدموا من قدم
الله، وأخروا من أخر الله، ما عالت فريضة
أبداً. فقال له زفر بن أوس البصري: فمن ذا
الذي قدمه الله؟ ومن ذا الذي أخره الله؟ فقال:
الذي أهبطه من فرض إلى فرض، فذلك الذي قدمه
الله، والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي، فذلك
الذي أخره الله. فقال له زفر: فمن أول من أعال
الفرائض؟ قال: عمر بن الخطاب، فقلت: ألا أشرت
عليه؟ فقال: هبته وكان امرأ مهيباً رواه
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه عنه.
فقال له عطاء بن أبي رباح: إن هذا لا يغني عني
ولا عنك شيئاً، لو مت أو مت لقسم ميراثنا على
ما عليه الناس اليوم. قال: فإن شاءوا:
{فَلْنَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَهم} 2
الآية قال في المغني: قوله أهبط من فرض إلى
فرض، يريد: أن الزوجين والأم لكل واحد منهم
فرض، ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه. وأما
من أهبط من فرض إلى ما بقي، يريد: البنات
والأخوات، فإنهن يفرض لهن، فإذا كان معهن
إخوتهن ورثوا بالتعصيب،
ـــــــ
1 عالج: موضع بالبادية بها رمل، وهو أيضا: ما
تراكم من الرمل ودخول بعضه في بعض، كما في
اللسان.
2 قوله ولندع أبناءنا وأبناءهم: لا يقصد به
لفظ الآية وإنما يريد معناها ونصها: {فَقُلْ
تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا
وَأَبْنَاءَكُمْ} آل عمران: من الآية/ 61.
(2/83)
فكان لهم ما
بقي قل أو كثر. انتهى. فكان ابن عباس، رضي
الله عنهما، لا يرى العول، ويدخل النقص على من
يصير عصبة بحال. وخالفه الجمهور، وألزم بمسألة
الإلزام كما تقدم. قال في المغني ولا نعلم
اليوم قائلاً بمذهب ابن عباس، ولا نعلم خلافاً
بين فقهاء العصر في القول بالعول بحمد الله
ومنه. انتهى.
"وإلى تسعة: كزوج، وولدي أم، وأختين لغيرها"
للزوج: النصف = ثلاثة، ولولدي الأم: الثلث =
اثنان، وللأختين: الثلثان = أربعة.
"وتسمى الغراء" لأنها حدثت بعد المباهلة،
واشتهر بها العول.
"والمروانية" لحدوثها زمن مروان. وكذا زوج،
وأم، وثلاث أخوات مفترقات.
"وإلى عشرة: كزوج، وأم، وأختين لأم، وأختين
لغيرها" للزوج: النصف = ثلاثة، وللأم: السدس =
واحد، وللأختين لأم: الثلث = اثنان، وللأختين
لغيرها: الثلثان = أربعة.
"وتسمى أم الفروخ" لكثرة عولها، شبهوا أصلها
بالأم، وعولها بفروخها. وليس في الفرائض ما
يعول بثلثيه سواها وشبهها. وتسمى الشريحية
أيضاً، لحدوثها زمن القاضي شريح. روي: أن
رجلاً أتاه، وهو قاض بالبصرة، فسأله عنها،
فأعطاه ثلاثة أعشار المال، فكان إذا لقي
الفقيه يقول: ما يصيب الزوج من زوجته؟ فيقول:
النصف مع عدم الولد، والربع معه. فيقول: والله
ما أعطاني شريح نصفاً ولا ثلثاً. فكان شريح
إذا لقيه يقول: إذا رأيتني ذكرت بي حكماً
جائراً، وإذا
(2/84)
رأيتك ذكرت بك
رجلاً فاجراً، بين لي فجورك أنك تكتم القضية،
وتشيع الفاحشة. وفي رواية: أنك تذيع الشكوى،
وتكتم الفتوى.
"والاثنا عشر تعول أفراداً" أي: على توالي
الأفراد.
"فتعول إلى ثلاثة عشر: كزوج، وبنتين، وأم"
للزوج: الربع = ثلاثة، وللبنتين: الثلثان =
ثمانية، وللأم: السدس = اثنان.
"وإلى خمسة عشر: كزوج، وبنتين، وأبوين" كالتي
قبلها. ويزاد للأب: السدس = اثنان.
"وإلى سبعة عشر: كثلاث زوجات، وجدتين، وأربع
أخوات لأم، وثمان أخوات لغيرها" للزوجات:
الربع = ثلاثة: لكل واحدة واحد. وللجدتين:
السدس = اثنان: لكل واحدة واحد. وللأخوات
للأم: الثلث = أربعة: لكل واحدة واحد.
وللأخوات لغيرها: الثلثان = ثمانية: لكل واحدة
واحد.
"وتسمى أم الأرامل" وأم الفروج بالجيم، لأنوثة
الجميع. ولو كانت التركة فيها سبعة عشر
ديناراً، حصل لكل واحدة منهن دينار. وتسمى
السبعة عشرية، والدينارية الصغرى1.
"والأربعة والعشرون تعول مرة واحدة إلى سبعة
وعشرين: كزوجة، وبنتين، وأبوين" للزوجة: الثمن
= ثلاثة، وللبنتين: الثلثان = ستة عشر، ولكن
من الأبوين: السدس = أربعة2.
ـــــــ
1 قال الماتن في "غاية المنتهى" 2/ 295: ولا
بد في هذا الأصل أن يكون الميت أحد الزوجين.
2 قال الماتن في "غاية المنتهى" 2/396: ويكون
الميت فيها إلا زوجا.
(2/85)
"وتسمى
المنبرية" لأن علياً، رضي الله عنه، سئل عنها
وهو على المنبر يخطب، ويروى أن صدر خطبته كان:
الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعاً، ويجزي كل
نفس بما تسعى، وإليه المآب والرجعى. فسئل
فقال: صار ثمنها تسعاً ومضى في خطبته أي: قد
كان للمرأة قبل العول ثمن، فصار بالعول تسعاً.
وهو: ثلاثة من سبعة وعشرين.
"و" تسمى أيضاً:
"البخيلة لقلة عولها" لأنها لم تعل إلا مرة
واحدة.
(2/86)
باب ميراث الحمل:
"من مات عن حمل يرثه" وعن ورثة غيره، ورضوا
بوقف الأمر على وضعه فهو أولى: خروجاً من
الخلاف، ولتكون القسمة مرة واحدة. وإلا،
"فطلب بقية ورثته قسم التركة قسمت، ووقف له
الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين" لأن وضعهما
كثير معتاد، فلا يجوز قسم نصيبهما كالواحد،
وما زاد عليهما نادر، فلا يوقف له شيء.
"ودفع لمن لا يحجبه الحمل إرثه كاملاً، ولمن
يحجبه حجب نقصان أقل ميراثه" كالزوجة والأم،
فيعطيان الثمن، والسدس.
"ولا يدفع لمن سقطه" الحمل.
" شيء" لاحتمال أن يحجبه.
(2/86)
"فإذا ولد أخذ
نصيبه، ورد ما بقي لمستحقه" فإن أعوز شيء رجع
على من هو في يده.
"ولا يرث إلا إن استهل صارخاً" نص عليه، لحديث
أبي هريرة مرفوعاً: "إذا استهل المولود صارخاً
ورث" . رواه أحمد وأبو داود. والاستهلال: رفع
الصوت. فصارخاً: حال مؤكدة.
"أو عطس، أو تنفس، أو وجد منه ما يدل على
الحياة: كالحركة الطويلة ونحوها" كسعال
وارتضاع، لدلالة هذه الأشياء على الحياة
المستقرة، فيثبت له حكم الحي، كالمستهل.
"ولو ظهر بعضه فاستهل، ثم انفصل ميتاً لم يرث"
لأنه لم يثبت له أحكام الدنيا وهو حي.
(2/87)
باب ميراث المفقود:
"وهو: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة:
كالأسر، والخروج للتجارة، والسياحة، وطلب
العلم، انتظر تتمة تسعين سنة منذ ولد" في أشهر
الروايتين، لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من
هذا، وعنه: ينتظر به حتى يتيقن موته، أو يمضي
عليه مدة لا يعيش في مثلها، وذلك مردود إلى
اجتهاد الحاكم. وهو قول: الشافعي، ومحمد بن
الحسن، وهو المشهور عن مالك، وأبي حنيفة، وأبي
يوسف، لأن الأصل حياته.
"فإن فقد ابن تسعين اجتهد الحاكم" في تقدير
مدة انتظاره.
"وإن كان ظاهرها الهلاك: كمن فقد من بين أهله،
أو في مهلكه كدرب
(2/87)
الحجاز، أو فقد
بين الصفين" أي: صف المسلمين، وصف المشركين1.
"حال الحرب، أو غرقت سفينة، ونجا قوم وغرق
آخرون، انتظر تتمة أربع سنين منذ فقد، ثم يقسم
ماله في الحالتين" لأنها أكثر مدة الحمل،
ولأنها مدة يتكرر فيها تردد المسافرين
والتجار. فانقطاع خبره عن أهله إلى هذه الغاية
يغلب ظن الهلاك، وتعتد زوجته عدة الوفاة، وتحل
للأزواج بعد ذلك. نص عليه، لاتفاق الصحابة على
ذلك. قال أحمد: من ترك هذا القول أي شيء يقول؟
هو عن خمسة من الصحابة. وقال: يروى عن عمر من
ثمانية أوجه، قيل: زعموا أن عمر رجع، قال:
هؤلاء الكذابون،
قيل: فيروى من وجه ضعيف أن عمر قال بخلافه،
قال: لا إلا أن يكون إنسان يكذب. ولا تفتقر
امرأة المفقود إلى حكم حاكم بضرب المدة وعدة
الوفاة، لأن الظاهر موته، أشبه ما لو قامت به
بينة. ولا يفتقر أيضاً إلى طلاق ولي زوجها بعد
عدة الوفاة لتعتد بعد ذلك بثلاثة قروء، لأنه
لا ولاية لوليه في طلاق امرأته. وما روي عن
عمر-أنه أمر ولي المفقود أن يطلقها- قد خالفه
قول ابن عباس، وابن عمر. وقال عبيد بن عمير:
"فقد رجل في عهد عمر، فجاءت امرأته إلى عمر
فذكرت ذلك له، فقال: انطلقي فتربصي أربع سنين،
ففعلت، ثم أتته، فقال: انطلقي فاعتدي أربعة
أشهر وعشراً، ففعلت، ثم أتته فقال: أين ولي
هذا الرجل؟ فجاء وليه، فقال: طلقها، ففعل،
فقال عمر: انطلقي فتزوجي من شيء ت، فتزوجت، ثم
جاء زوجها الأول، فقال له عمر: أين كنت؟
ـــــــ
1 الأمر أعم من أن يقصر على المسلمين
والمشركين.
(2/88)
فقال: استهوتني
الشياطين، فوالله ما أدري في أي أرض، كنت عند
قوم يستعبدونني حتى غزاهم قوم مسلمون، فكنت
فيمن غنموه، فقالوا لي: أنت رجل من الإنس،
وهؤلاء الجن، فما لك وما لهم؟ فأخبرتهم خبري،
فقالوا: بأية أرض الله تحب أن تصبح؟ فقلت:
بالمدينة: هي أرضي، فأصبحت وأنا أنظر إلى
الحرة - وزاد البيهقي، قال: - فأما الليل فلا
يحدثوني، وأما النهار فإعصار ريح أتبعها إلى
آخره.
فخيره عمر: إن شاء امرأته، وإن شاء الصداق،
فاختار الصداق رواه الأثرم والجوزجاني، وقضى
بذلك عثمان وعلي وابن الزبير، وهو قول ابن
عباس، وهذه قضايا انتشرت، ولم تنكر فكانت
إجماعاً. قاله في الكافي. وإذا ثبت ذلك في
النكاح مع الاحتياط للأبضاع ففي المال أولى.
قال الإمام أحمد: إذا أمرت زوجته أن تتزوج
قسمت ماله.
"فإن قدم بعد القسم أخذ ما وجده بعينه" لتبين
عدم انتقال ملكه عنه.
"ورجع بالباقي" أي: ببدله على من أخذه، لتعذر
رده بعينه.
"فإن مات مورث هذا المفقود في زمن انتظاره"
أي: في المدة التي قلنا: ينتظر به فيها.
"أخذ كل وارث" غير المفقود
"اليقين" أي: ما لا يمكن أن ينقص عنه مع حياة
المفقود أو موته.
"ووقف له الباقي" حتى يتبين أمره، أو تنقضي
مدة الانتظار، فإن قدم المفقود أخذه، وإلا
فحكمه كبقية ماله.
"ومن أشكل نسبه" ورجي انكشافه.
(2/89)
"فكالمفقود" في
أنه إذا مات أحد الواطئين لأمه وقف له منه
نصيبه على تقدير إلحاقه به، فإن لم يرج
انكشافه: بأن لم ينحصر الواطئون لأمه، أو عرض
على القافة1 فأشكل عليهم ونحوه، لم يوقف له
شيء.
ـــــــ
1 القافة: جمع قائف، وهو: من يعرف الآثار، من
قاف أثر فلان يقوفه قوفا: تبعه. وهنا الذين
يلحقون الولد بأبيه على الشبه.
(2/90)
باب ميراث الخنثى:
نقل ابن حزم الإجماع على توريثه.
"وهو: من له شكل الذكر، وفرج المرأة ويعتبر"
أمره في توريثه.
"ببوله" فإن بال من حيث يبول الرجل فهو ذكر،
وإن بال من حيث تبول المرأة فله حكم المرأة،
لأن الله تعالى أجرى العادة بذلك، فإن بال
منهما
"فبسبقه من أحدهما" لما روى الكلبي عن أبي
صالح عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه
وسلم سئل عن مولود له قبل وذكر، من أين يورث؟
قال: "من حيث يبول" وروي أنه صلى الله عليه
وسلم، أتي بخنثى من الأنصار فقال: "ورثوه من
أول ما يبول منه" وقال ابن المنذر: أجمع كل من
نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من
حيث يبول. ولأن خروج البول أعم العلامات،
لوجوده من الصغير والكبير، وسائر العلامات
إنما توجد بعد الكبر.
"فإن خرج منهما معاً اعتبر أكثرهما" لأن
الأكثر أقوى في الدلالة. قال في المغني: قال
أحمد -في رواية إسحاق بن إبراهيم:- يرث من
المكان الذي يبول منه أكثر.
(2/90)
"فإن استويا
فمشكل، فإن رجي كشفه بعد كبره" أي: بلوغه.
"أعطي ومن معه اليقين" من التركة وهو: ما
يرثونه بكل تقدير.
"ووقف الباقي" حتى يبلغ.
"لتظهر ذكورته بنبات لحيته، أو إنماء من ذكره"
زاد في المغنى وكونه مني رجل.
"أو أنوثته بحيض، أو تفلك ثدي" أي: استدارته،
أو سقوطه - أي: الثدي - نص عليهما.
"أو إمناء من فرج فإن مات" الخنثى قبل البلوغ.
"أو بلغ بلا أمارة" أي: علامة على ذكورته أو
أنوثته.
"واختلف إرثه، أخذ نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث
أنثى" ففي ابن، وبنت، وولد خنثى، للذكر: أربعة
أسهم، وللخنثى: ثلاثة، وللبنت: سهمان. وقال
أصحابنا تعمل المسألة على أنه ذكر، ثم على أنه
أنثى، ثم تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا،
أو وفق إحداهما في الأخرى إن توافقتا، وتجتزئ
بإحداهما إن تماثلتا، أو بأكثرهما إن تناسبتا،
ثم تضرب الجامعة في اثنين: عدد حالي الخنثى.
ففي هذه المسألة: مسألة الذكورية: من خمسة،
والأنوثية: من أربعة، اضرب إحداهما في الأخرى
للتباين تكن عشرين، ثم في اثنين تبلغ أربعين:
للبنت: سهم في خمسة، وسهم في أربعة، يحصل لها
تسعة، وللذكر: سهمان في خمسة، وسهمان في أربعة
يجتمع له ثمانية عشر، وللخنثى: سهمان في
أربعة، وسهم في خمسة، تكن ثلاثة عشر. فإن لم
يختلف إرث الخنثى بالذكورة والأنوثة، كولد
الأم والمعتق أخذ إرثه مطلقاً،
(2/91)
وإن ورث بكونه
ذكراً فقط، كولد أخ أو عم خنثى، أو بكونه أنثى
فقط، كولد أب خنثى مع زوج، وأخت لأبوين أعطي
نصف ميراثه.
(2/92)
باب ميراث الغرقى ونحوهم:
كالهدمى ومن وقع بهم طاعون أو قتل وأشكل
أمرهم.
"إذا علم موت المتوارثين معاً فلا إرث"
لأحدهما من الآخر، لأنه لم يكن حياً حين موت
الآخر، وشرط الإرث حياة الوارث بعد موت
المورث.
"وكذا إن جهل الأسبق، أو علم ثم نسي" أو علم
وجهلوا عينه.
"وادعى ورثة كل" منهما
"سبق الآخر ولا بينة، أو تعارضتا، وتحالفا"
أي: حلف كل منهما على إبطال دعوى صاحبه، ولم
يتوارثا. نص عليه، وهو قول: أبي بكر الصديق،
وزيد، ومعاذ، وابن عباس، والحسن بن علي، رضي
الله عنهم، لعدم وجود شرطه، وسقوط الدعويين
فلم يثبت السبق لواحد منهما معلوماً، ولا
مجهولاً. وقال مالك في الموطأ: لا ينبغي أن
يرث أحد أحداً بالشك. وروى في الموطأ أيضاً:
أنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل، ويوم صفين1،
ويوم الحرة2، ثم يوم قديد3، فلم يورث أحد منهم
من صاحبه شيئاً إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه.
انتهى.
ـــــــ
1 صفين: بكسر الصاد وبشديد الفاء: موضع قرب
الرقة بشاطئ الفرات نشب فيه القتال بين علي
ومعاوية رضي الله عنهما.
2 الحرة: بفتح الحاء وتشديد الراء: أرض ذات
حجارة سود ومنها الحرة التي بظاهر المدينة
كانت بها الوقعة بين أهلها وبين جيش يزيد بن
معاوية.
3 قديد: بضم القاف مصغر: موضع قرب مكة.
(2/92)
واحتج في
المغني: بأن قتلى اليمامة1، وصفين، والحرة لم
يورث بعضهم من بعض، وبما روى جعفر بن محمد عن
أبيه أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها،
فالتقت الصيحتان في الطريق، فلم يدر أيهما مات
قبل صاحبه، فلم ترثه ولم يرثها.
"وإن لم يدع ورثة كل" منهما
"سبق الآخر ورث كل ميت صاحبه" من تلاد2 ماله
دون ما ورثه من الآخر، لئلا يدخله الدور، لأن
ذلك يروى عن عمر وعلي، وإياس المزني، وشريح،
وإبراهيم. قال الشعبي: وقع الطاعون بالشام عام
عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم، فكتب
في ذلك إلى عمر، فكتب عمر أن: ورثوا بعضهم من
بعض قال الإمام أحمد: أذهب إلى قول عمر. قال
في الإنصاف: وهو من المفردات. وروي عن إياس
المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن
قوم وقع عليهم بيت فقال: "يرث بعضهم بعضاً"
ورواه سعيد في سننه عن إياس موقوفاً. فيقدر
أحدهما مات أولاً ويورث الآخر منه.
"ثم يقسم ما ورثه على الأحياء من ورثته" ثم
يصنع بالثاني كذلك.
ـــــــ
1 اليمامة: موطن بني حنيفة في وسط جزيرة
العرب، وفي اتجاه الشرق قليلا. كان خالد بن
الوليد يحارب المرتدين في اليمامة من أتباع
مسيلمة الكذاب، وفي آخر سنة "11" هجرية كانت
المعركة الحاسمة في اليمامة.وقد انتصر فيها
المسلمون على الأعداء وهزموهم هزيمة نكراء
وقتلوا مسيلمة الكذاب، وشردوا أتباعه. وفي هذه
الوقعة قتل من الصحابة عدد كثير.
2 التلاد: بالفتح. المال القديم الأصلي الذي
ولد عندك وضده الطارف.
(2/93)
باب ميراث أهل الملل:
" لا توارث بين مختلفين في الدين" لحديث أسامة
بن زيد مرفوعاً: "لا يرث الكافر المسلم، ولا
المسلم الكافر" . متفق عليه. وذكره الموفق
إجماعاً قال الإمام أحمد: ليس بين الناس فيه
خلاف.
"إلا بالولاء فيرث به المسلم الكافر، والكافر
المسلم" لحديث جابر مرفوعاً: "لا يرث المسلم
النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته" . رواه
الدارقطني. ولأن ولاءه له، وهو شعبة من الرق،
واختلاف الدين لا يمنع الرجل أخذ مال رقيقه
إذا مات. وعنه: لا يرثه مع اختلاف الدين،
لعموم الخبر. قاله في الكافي.
"وكذا يرث الكافر ولو مرتداً إذا أسلم قبل قسم
ميراث مورثه المسلم"
وكذا زوجة أسلمت في عدة قبل القسم. نص عليهما.
وروي عن عمر، وعثمان، والحسن بن علي، وابن
مسعود، لحديث: "من أسلم على شيء فهو له" رواه
سعيد من طريقين: عن عروة، وابن أبي مليكة عن
النبي صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عباس
مرفوعاً: "كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما
قسم، وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم
الإسلام" رواه أبو داود وابن ماجه. وحدث عبد
الله بن أرقم عثمان: أن عمر قضى: أنه من أسلم
على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه، فقضى به
عثمان. رواه ابن عبد البر في التمهيد بإسناده.
والحكمة فيه الترغيب في الإسلام، والحث عليه.
(2/94)
"والكفار ملل
شتى لا يتوارثون مع اختلافها" روي عن علي رضي
الله عنه، لحديث: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"
رواه أبو داود. وهو مخصص للعمومات. وقال
القاضي: الكفر ثلاث ملل: اليهودية،
والنصرانية، ودين من عداهم. ورد بافتراق حكمهم
فإن المجوس يقرون بالجزية، وغيرهم لا يقر بها،
وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم،
يستحل بعضهم دماء بعض، ويكفر بعضهم بعضاً.
وعنه: أن الكفار يرث بعضهم بعضاً وإن اختلفت
أديانهم. اختاره الخلال، قال في الفروع، وقدمه
في الكافي، قال: لأن مفهوم قوله صلى الله عليه
وسلم: "لا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلما" .
أن الكفار يتوارثون.
"فإن اتفقت" أديانهم.
"ووجدت الأسباب" أي: أسباب الإرث
"ورث بعضهم بعضاً. ولو أن أحدهما ذمي، والآخر
حربي أو مستأمن، والآخر ذمي أو حربي" لعموم
النصوص، ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع، ولا
يصح فيهم قياس، فوجب العمل بعمومها. ومفهوم
حديث: "لا يتوارث أهل ملتين شتى" أن أهل الملة
الواحدة يتوارثون، وإن اختلفت الدار.
"ومن حكم بكفره من أهل البدع" المضلة،
كالداعية إلى بدعة مكفرة، ما له فيء، نص عليه
في الجهمي، وغيره. قاله في الفروع.
"والمرتد، والزنديق وهو: المنافق" الذي يظهر
الإسلام، ويخفي الكفر.
"فما لهم فيء" يصرف في المصالح.
(2/95)
"لا يورثون ولا
يرثون" لأن المسلم لا يرث الكافر، وكذا أقاربه
الكفار من يهود أو نصارى أو غيرهم، لأنه
يخالفهم في حكمهم: لا يقر على ردته، ولا تؤكل
ذبيحته، ولا تحل مناكحته لو كان امرأة. ولا
يرثون أحداً مسلماً، ولا كافراً، لأنهم لا
يقرون على ما هم عليه، فلا يثبت لهم حكم دين
من الأديان. وعنه: يرثه وارثه المسلم. اختاره
الشيخ تقي الدين، لأنه المعروف عن الصحابة:
علي وابن مسعود. قاله في الفروع. وقال في
المنافق: وعند شيخنا: يرث ويورث لأنه صلى الله
عليه وسلم لم يأخذ من تركة المنافقين شيئاً،
ولا جعله فيئاً فعلم أن الميراث مداره على
النصرة الظاهرة، قال: واسم الإسلام يجري عليهم
في الظاهر إجماعاً. انتهى.
"ويرث المجوسي ونحوه" ممن يحل نكاح ذوات
المحارم إذا أسلم، أو حاكم إلينا.
"بجميع قراباته" إن أمكن. نص عليه، وهو قول:
عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح
عنه، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه.
"فلو خلف أمه - وهي: أخته من أبيه - ورثت
الثلث بكونها أماً، والنصف بكونه أختاً" لأن
الله تعالى فرض للأم: الثلث، وللأخت: النصف.
فإذا كانت الأم أختاً وجب إعطاؤها ما فرض الله
لها في الآيتين، كالشخصين، ولأنهما قرابتان
ترث بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب إحداهما
الأخرى، ولا ترجح بها، فترث بهما مجتمعتين،
كزوج هو ابن عم. ولا إرث بنكاح ذات محرم، ولا
بنكاح لا يقر عليه كافر لو أسلم. قاله في
الفروع.
(2/96)
وإن أولد مسلم
ذات محرم بشبهة نكاح، أو ملك يمين، ممن يكون
ولدها ذات قرابتين ثبت نسبه للشبهة، وورث
بجميع قراباته، لما تقدم.
(2/97)
باب ميراث المطلقة
رجعياً أو بائناً يتهم فيه بقصد الحرمان.
"يثبت الإرث لكل من الزوجين" من الآخر.
"في الطلاق الرجعي" ما دامت في العدة، سواء
طلقها في الصحة، أو المرض، قال في المغني:
بغير خلاف نعلمه. وروي عن أبي بكر وعثمان وعلي
وابن مسعود. وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها
طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك إمساكها بالرجعة
بغير رضاها، ولا ولي، ولا شهود، ولا صداق
جديد.
"ولا يثبت" الإرث
"في البائن إلا لها إن اتهم بقصد حرمانها: بأن
طلقها في مرض موته المخوف ابتداء، أو سألته
رجعياً فطلقها بائناً، أو علق في مرض موته
طلاقها على مالا غنى عنه" شرعاً: كالصلاة
المفروضة، والصوم المفروض، والزكاة. أو عقلاً:
كالأكل، والنوم، ونحوهما.
"أو أقر" في مرضه.
"أنه طلقها سابقاً في حال صحته، أو وكل في
صحته من يبينها متى شاء، فأبانها في مرض موته،
فترث في الجميع" أي: جميع الصور المذكورة.
"حتى ولو انقضت عدتها" لما روي أن عثمان، رضي
الله عنه،
(2/97)
ورث تماضر بنت
الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف، وكان
طلقها في مرض موته، فبتها واشتهر ذلك في
الصحابة ولم ينكر، فكان إجماعاً. وروى أبو
سلمة بن عبد الرحمن: أن أباه طلق أمه وهو
مريض، فمات، فورثته بعد انقضاء عدتها. وروى
عروة: أن عثمان قال لعبد الرحمن: لئن مت
لأورثنها منك، قال: قد علمت ذلك وما روي عن
ابن الزبير أنه قال: لا ترث مبتوتة فمسبوق
بالإجماع السكوتي زمن عثمان، ولأن المطلق قصد
قصداً فاسداً في الميراث، فعورض بنقيض قصده
كالقاتل.
"ما لم تتزوج أو ترتد" فيسقط ميراثها، لأنها
فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول فلم ترثه.
"فلو طلق المتهم أربعاً، وانقضت عدتهن، وتزوج
أربعاً سواهن، ورث الثمان على السواء بشرطه"
لأن المبانة للفرار وارثة بالزوجية، فكانت
أسوة من سواها. قال في الإنصاف: على الصحيح من
المذهب. وقال في الكافي: والثانية لا ترثه -
يعني: بعد انقضاء العدة - لأن آثار النكاح
زالت بالكلية فلم ترثه، كما لو تزوجت، ولأن
ذلك يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة بأن
يتزوج أربعاً بعد انقضاء عدة المطلقة، وذلك
غير جائز. انتهى. وإن طلقها في مرض غير مخوف،
أو في مخوف فصح منه، ومات بعده لم ترثه في قول
الجمهور، لأن حكمه حكم الصحة في العطايا
والعتاق والإقرار، فكذلك في الطلاق.
"ويثبت له" أي: الزوج، الإرث دونها
"إن فعلت بمرض موتها المخوف ما يفسخ نكاحها ما
دامت معتدة" كذا في التنقيح، و الإنصاف، و
المنتهى.
(2/98)
"إن اتهمت"
بقصد حرمانه: كإدخالها ذكر ابن زوجها، أو أبيه
في فرجها وهو نائم، أو إرضاعها ضرتها الصغيرة،
ونحوها، لأنها أحد الزوجين، فلم يسقط فعلها
ميراث الآخر. وظاهر الفروع، ك المقنع، و
الكافي، و الشرح، حيث أطلقوا ولو بعد العدة،
واختاره في الإقناع.
"وإلا سقط" ميراثه منها لو ماتت قبله لعدم
التهمة.
(2/99)
باب الإقرار بمشارك في الميراث:
"إذا أقر الوارث بمن يشاركه في الإرث، أو بمن
يحجبه، كأخ أقر بابن للميت" ولو من أمته، نص
عليه في رواية الجماعة.
"صح وثبت الإرث والحجب، فإذا أقر الورثة
المكلفون بشخص مجهول النسب وصدق، أو كان
صغيراً أو مجنوناً ثبت نسبه وإرثه" لأن الورثة
يقومون مقام الميت في ماله وحقوقه، وهذا من
حقوقه.
"لكن يعتبر لثبوت نسبه من الميت إقرار جميع
الورثة حتى الزوج وولد الأم" لأنهما من جملة
الورثة.
"أو شهادة عدلين من الورثة، أو من غيرهم"
فيثبت نسبه وإرثه، لعدم التهمة، أشبه سائر
الحقوق.
"فإن لم يقر جميعهم" بل أقربه بعضهم، وأنكره
الباقون، ولم يشهد به عدلان.
"ثبت نسبه وإرثه ممن أقربه" دون الميت، وبقية
الورثة، لأن النسب حق أقربه الوارث على نفسه،
فلزمه كسائر الحقوق.
"فيشاركه فيما بيده" فإذا أقر أحد ابنيه بأخ
لهما فللمقر به ثلث
(2/99)
ما بيد المقر.
نقله بكر بن محمد، لأن إقراره تضمن أنه لا
يستحق أكثر من ثلث التركة، وفي يده نصفها،
فيفضل بيده سدس للمقر به.
"أو يأخذ الكل إن أسقطه" كأخ أقر بابن، لأنه
أقر بانحجا به عن الإرث.
(2/100)
باب ميراث القاتل:
"لا إرث لمن قتل مورثه بغير حق، أو شارك في
قتله ولو خطأً" إن لزمه قود، أو دية، أو
كفارة، لما تقدم في موانع الإرث.
"فلا يرث من سقى ولده دواءً فمات، أو أدبه، أو
فصده، أو بط سلعته" فمات، لأنه قاتل، واختار
الموفق: أن من أدب ولده ونحوه، أو فصده، أو بط
سلعته لحاجته يرثه، وصوبه في الإقناع، لأنه
غير مضمون.
"وتلزم الغرة" وهي: عبد أو أمة، قيمتها: خمس
من الإبل
"من شربت دواء فأسقطت" جنينها، لما يأتي في
الجنايات.
"ولا ترث منها شيئاً" لأنها قاتلة.
"وإن قتله بحق ورثه، كالقتل قصاصاً أو حداً أو
دفعاً عن نفسه" كالصائل إن لم يندفع إلا
بالقتل، لأنه غير مضمون ب شيء مما تقدم.
"وكذا لو قتل الباغي العادل، كعكسه" بأن قتل
العادل الباغي فيرثه، لأنه فعل مأذون فيه
شرعاً، فلم يمنع الميراث، أشبه ما لو أطعمه
باختياره فأفضى إلى تلفه.
(2/100)
باب ميراث المعتق بعضه
وما يتعلق به:
"الرقيق من حيث هو" أي: بجميع أنواعه:
كالمدبر، والمكاتب، وأم الولد، والمعلق عتقه
على صفة قد تقدم في الموانع أنه:
"لا يرث" لأنه لو ورث لكان لسيده، وهو أجنبي.
"ولا يورث" بالإجماع، لأنه لا مال له فإنه لا
يملك، ومن قال: يملك بالتمليك، فملك ضعيف غير
مستقر يرجع إلى سيده ببيعه، لحديث: "من باع
عبداً وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه
المبتاع" فكذلك بموته.
"لكن المبعض يرث ويورث، ويحجب بقدر ما فيه من
الحرية" وهو قول: علي وابن مسعود، لحديث ابن
عباس مرفوعاً: قال في العبد يعتق بعضه: "يرث
ويورث على قدر ما عتق منه" . رواه عبد الله بن
أحمد بإسناده. ولأنه يجب أن يثبت لكل بعض
حكمه، كما لو كان الآخر مثله. وقال زيد بن
ثابت: لا يرث ولا يورث وقال ابن عباس: هو
كالحر في جميع أحكامه: في توريثه، والإرث منه،
وغيرهما.
"وإن حصل بينه وبين سيده مهاياه" فكان يخدم
سيده بنسبة ملكه، ويكتسب بنسبة حريته، أو
قاسمه في حياته.
"فكل تركته لوارثه" لأنه لم يبق لسيده معه حق.
"وإلا فبينه" - أي: وارث المبعض -
"بين سيده بالحصص" لما تقدم.
(2/101)
باب الولاء
مدخل
...
باب الولاء:
"من أعتق رقيقاً أو بعضه، فسرى إلى الباقي، أو
عتق عليه برحم، أو فعل أو عوض أو كتابة أو
تدبير أو إيلاد أو وصية، أو أعتقه في زكاته أو
نذره أو كفارته، فله عليه الولاء" بالإجماع،
لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق"
متفق عليه.
"وعلى أولاده" وإن سفلوا، لأنه ولي نعمتهم،
وبسببه عتقوا، ولأنهم فرعه، والفرع يتبع أصله،
فأشبه ما لو باشر عتقهم.
"بشرط كونهم من زوجة عتيقة" لمعتقه أو غيره.
"أو أمة" للعتيق، فإن كانوا من أمة الغير فتبع
لأمهم حيث لا شرط ولا غرور، وإن كانوا من حرة
الأصل فلا ولاء عليهم، لأنهم يتبعونها في
الحرية، فتبعوها في عدم الولاء.
"وعلى من له" أي: العتيق
"أو لهم" - أي: أولاده -
"عليه الولاء" لأنه ولي نعمتهم، وبسببه عتقوا.
"وإن قال: أعتق عبدك عني مجاناً" أي: بلا عوض.
"أو عني" فقط.
"أو عنك، وعلي ثمنه" فلا يجب عليه أن يجيبه،
لأنه لا ولاية له عليه.
(2/102)
"إن أعتقه" ولو
بعد أن افترقا.
"صح" العتق.
"وكان ولاؤه للمعتق عنه" كما لو قال له: أطعم
أو أكس عني.
"ويلزم القائل ثمنه فيما إذا التزم به" بأن
قال: وعلي ثمنه. ولو قال: أعتقه والثمن علي،
ففعل فالولاء للمعتق، لأنه لم يعتقه عن غيره،
فأشبه ما لو لم يجعل له جعلاً. قاله في
الكافي، لحديث: "الولاء لمن أعتق" .
"وإن قال الكافر: أعتق عبدك المسلم عني" وعلي
ثمنه
"فأعتقه صح" عتقه، لأنه إنما يملكه زمناً
يسيراً، فاغتفر يسير هذا الضرر، لتحصيل الحرية
للأبد.
"وولاؤه للكافر" لأن المعتق كالنائب عنه ويرث
الكافر بالولاء روي عن علي، رضي الله عنه،
واحتج أحمد بقول علي: الولاء شعبة من الرق.
ولعموم حديث: "الولاء لمن أعتق" .
(2/103)
فصل ولا يرث صاحب الولاء إلا عند عدم عصبات
النسب:
لأنه فرع على النسب، فلا يرث مع وجوده. لا
نعلم في ذلك خلافاً، لما روى سعيد عن الحسن
مرفوعاً: "الميراث للعصبة، فإن لم يكن عصبة
فللمولى" . وعنه أن رجلاً أعتق عبداً، فقال
للنبي، صلى الله عليه وسلم: ما ترى في ماله؟
فقال: "إن مات ولم يدع وارثاً فهو لك" . وعن
ابن عمر مرفوعاً:
(2/103)
"الولاء لحمة
كلحمة النسب" رواه الشافعي وابن حيان، ورواه
الخلال من حديث عبد الله بن أبي أوفى. والمشبه
دون المشبه به، وأيضاً فالنسب أقوى من الولاء،
لأنه يتعلق به المحرمية، وترك الشهادة وسقوط
القصاص، ولا يتعلق ذلك بالولاء.
"وبعد أن يأخذ أصحاب الفروض فروضهم" لحديث:
"ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل
ذكر" . وعن عبد الله بن شداد، قال: أعتقت ابنة
حمزة مولى لها، فمات وترك ابنة، وابنة حمزة،
فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته: النصف،
وابنة حمزة: النصف. رواه النسائي وابن ماجه.
"فعند ذلك يرث المعتق ولو أنثى" بلا خلاف،
لعموم ما تقدم. وقد نص النبي صلى الله عليه
وسلم على ذلك في حديث بريرة.
"ثم عصبته الأقرب فالأقرب" لما روى سعيد
بإسناده عن الزهري: أن النبي، صلى الله عليه
وسلم قال: "المولى أخ في الدين، وولي نعمة
يرثه أولى الناس بالمعتق" . وروى أحمد عن زياد
بن أبي مريم: أن امرأة أعتقت عبداً لها، ثم
توفيت وتركت ابنا لها وأخاها، ثم توفي مولاها،
فأتى أخو المرأة و ابنها رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، في ميراثه، فقال، صلى الله عليه
وسلم: "ميراثه لابن المرأة" . فقال أخو
المرأة: يا رسول الله، لو جر جريرة كانت علي،
ويكون ميراثه لهذا؟! قال: "نعم" . وعن إبراهيم
قال: اختصم علي والزبير في مولى صفية، فقال
علي: مولى عمتي وأنا أعقل عنه، وقال الزبير:
مولى أمي وأنا أرثه
(2/104)
فقضى عمر على
علي بالعقل، وقضى للزبير بالميراث، رواه سعيد،
واحتج به أحمد.
"وحكم الجد مع الإخوة في الولاء كحكمه في
النسب" نص عليه.
"والولاء لا يباع ولا يوهب ولا يوقف ولا يوصى
به ولا يورث"
وهو قول جمهور الصحابة، ولم يظهر عنهم خلافه،
لحديث ابن عمر قال: نهى رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، عن بيع الولاء وهبته. متفق عليه.
وحديث: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا
يوهب" . رواه الخلال. ولا يصح أن يأذن لعتيقه
فيوالي من شاء روي عن عمر وابنه وعلي وابن
عباس وابن مسعود، لأنه كالنسب. وشذ شريح،
فقال: يورث كما يورث المال. ولنا ما تقدم،
وإجماع الصحابة.
"وإنما يرث به أقرب عصبات المعتق يوم موت
العتيق" قال ابن سيرين: إذا مات العتيق نظر
إلى أقرب الناس إلى الذي أعتقه، فيجعل ميراثه
له. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً:
"ميراث الولاء للكبر من الذكور، ولا يرث
النساء من الولاء، إلا ولاء من أعتق" فلو مات
المعتق وخلف ابنين، ثم ماتا، وخلف أحدهما ابنا
وخلف الآخر تسعة بنين، ثم مات العتيق، كان
الولاء بينهم على عددهم: لكل واحد عشرة،
كالنسب. قال الإمام أحمد: روي هذا عن: عمر
وعثمان وعلي وزيد بن حارثة وابن مسعود، وبه
قال أكثر أهل العلم.
ولو اشترى أخ وأخته أباهما فعتق عليهما، ثم
ملك قناً فأعتقه، ثم مات الأب، ثم العتيق،
ورثه الابن بالنسب دون أخته بالولاء، لأن عصبة
المعتق من النسب تقدم على مولى المعتق، وتسمى:
مسألة
(2/105)
القضاة. يروى
عن مالك أنه قال: سألت سبعين قاضياً من قضاة
العراق فأخطؤوا فيها. ذكره في الإنصاف.
"لكن يتأتى انتقاله من جهة إلى أخرى" في مسائل
جر الولاء.
"فلو تزوج عبد بمعتقه فولاء من تلده لمن
أعتقها" لأنه سبب الإنعام عليهم لأنهم صاروا
أحراراً بسبب عتق أمهم.
"فإن عتق الأب انجر الولاء لمواليه" لأنه
بعتقه صلح للانتساب إليه، وعاد وارثاً وولياً،
فعادت النسبة إليه وإلى مواليه. وروى عبد
الرحمن عن الزبير: أنه لما قدم خيبر رأى فتية
لعساً، فأعجبه ظرفهم وحالهم، فسأل عنهم، فقيل
له: إنهم موال لرافع بن خديج، وأبوهم مملوك
لآل الحرقة، فاشترى الزبير أباهم فأعتقه، وقال
لأولاده انتسبوا إلي، فإن ولاءكم لي، فقال
رافع بن خديج: الولاء لي، لأنهم عتقوا بعتقي
أمهم، فاحتكموا إلى عثمان: فقضى بالولاء
للزبير، فاجتمعت الصحابة عليه. واللعس: سواد
في الشفتين تستحسنه العرب. وإن عتق الجد لم
ينجر الولاء نص عليه، لأن الأصل بقاء الولاء
لمن ثبت له، وإنما خولف هذا الأصل في الأب،
لإجماع الصحابة عليه، فيبقى فيمن عداه على
الأصل. قاله في الكافي.
(2/106)
|