منار
السبيل في شرح الدليل
كتاب الديات
مدخل
مدخل
...
كتاب الديات:
أجمعوا على وجوب الدية في الجملة، لقوله
تعالى: {... وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا...} 1
وحديث النسائي ومالك في الموطأ أنه، صلى الله
عليه وسلم، كتب لعمرو بن حزم كتابا إلى أهل
اليمن فيه: الفرائض، والسنن، والديات، وقال
فيه: "وفي النفس مائة من الإبل" قال ابن عبد
البر: وهو كتاب مشهور عند أهل السير، وهو
معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها عن
الإسناد، لأنه أشبه المتواتر في مجيئه في
أحاديث كثيرة.
"من أتلف إنسانا أو جزءا منه بمباشرة أو سبب:
إن كان عمدا فالدية في ماله، وإن كان غير عمد
فعلى عاقلته" قال في الشرح: أجمعوا على أن دية
العمد في مال القاتل، وإن كان شبه عمد أو خطأ
أو ما جرى مجراه فعلى العاقلة. انتهى. وقال
ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم أن
دية الخطأ على العاقلة. وعن أبي هريرة اقتتلت
امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر
فقتلتها، وما في بطنها، فقضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، بدية المرأة على عاقلتها متفق
عليه.
"ومن حفر تعديا بئرا قصيرة، فعمقها آخر: فضمان
تالف" بسقوطه فيها
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 92.
(2/333)
"بينهما" لحصول
السبب منهما.
"وإن وضع ثالث سكينا" فوقع فيها شخص على
السكين فمات.
"فـ" على عواقل الثلاثة الدية
"أثلاثا" نص عليه، لأنهم تسببوا في قتله.
"وإن وضع واحد حجرا تعديا، فعثر فيه إنسان،
فوقع في البئر: فالضمان على واضع الحجر،
كالدافع" لأنه مباشرة، ولأن الحافر لم يقصد
بذلك القتل المعين عادة.
"وإن تجاذب حران مكلفان حبلا، فانقطع، فسقطا
ميتين: فعلى عاقلة كل دية الآخر" لتسبب كل
منهما في قتل الآخر.
"وإن اصطدما فكذلك" روي ذلك عن علي، رضي الله
عنه، لموت كل منهما من صدمة صاحبه، وهي خطأ.
وإن اصطدمت امرأتان حاملان فحكمهما في أنفسهما
ما ذكرنا، وعلى كل واحدة منهما نصف ضمان
جنينها، ونصف ضمان جنين الأخرى، لاشتراكهما في
قتله وعلى كل منهما عتق ثلاث رقاب: واحدة لقتل
صاحبتها، واثنتان لمشاركتها في الجنين.
"ومن أركب صغيرين لا ولاية له على واحد منهما،
فاصطدما، فماتا: فديتهما من ماله" لتلفهما
بسبب جنايته، لأنه متعد بذلك. وإن ركبا
بأنفسهما، أو أركبهما ولي المصلحة فاصطدما:
فهما كالبالغين المخطئين، على عاقلة كل منهما
دية الآخر، وعلى كل منهما ما تلف من مال
الآخر.
"ومن أرسل صغيرا" لا ولاية له عليه
"لحاجة، فأتلف نفسا أو مالا: فالضمان على
مرسله" لأنه خطأ منه.
(2/334)
"ومن ألقى حجرا
أو عدلا مملوءا بسفينة فغرقت ضمن جميع ما
فيها" لحصول التلف بسبب فعله، كما لو حرقها.
وإن رمى ثلاثة بمنجنيق، فقتل الحجر رابعا من
غير قصد: فعلى عواقلهم ديته أثلاثا، لأنه خطأ.
وإن قتل أحدهم سقط فعل نفسه، وما يترتب عليه،
لمشاركته في إتلاف نفسه. روي نحوه عن علي، رضي
الله عنه، في مسألة القارصة والقامصة
والواقصة1. قال الشعبي وذلك أن ثلاث جوار
اجتمعن، فركبت إحداهن على عنق الأخرى، وقرصت
الثالثة المركوبة، فقمصت فسقطت الراكبة، فوقصت
عنقها، فماتت، فرفعت إلى علي فقضى بالدية
أثلاثا على عواقلهن، وألقى الثلث الذي قابل
فعل الواقصة، لأنها أعانت على نفسها وقيل:
يلزم شركاءه جميع ديته، ويلغى فعل نفسه قياسا
على المصطدمين. قاله في الكافي وإن زادوا على
ثلاثة، وقتل الحجر آخر غيرهم: فالدية في
أموالهم حالة، لأن العاقلة لا تحمل ما دون ثلث
الدية.
"ومن اضطر إلى طعام غير مضطر أو شرابه" وطلبه،
"فمنعه حتى مات" المضطر: ضمنه. نص عليه، لأن
عمر، رضي الله عنه قضى بذلك لأنه قتله بمنعه
طعاما يجب دفعه إليه تبقى حياته به فنسب هلاكه
إليه.
"أو أخذ طعام غيره او شرابه وهو عاجز" عن
دفعه، فتلف: ضمنه.
ـــــــ
1 القماص: الوثب. وقمص. وثب ونفر. والوقص: كسر
العنق. وكان القياس أن يقال: الموقوصة، لكنه
حفظ على مشاكلة اللفظ، كما في قوله تعالى:
{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21،
والقارعة:7] أي: مرضية.
(2/335)
"أو أخذ دابته
أو ما يدفع به عن نفسه من سبع ونحوه" كنمر
وحية،
"فأهلكه" ذلك الصائل عليه:
"ضمنه" الآخذ، لتسببه في هلاكه. قال في
المغني: وظاهر كلام أحمد: أن الدية في ماله،
لأنه تعمد هذا الفعل الذي يقتل مثله غالبا.
وقال القاضي: تكون على عاقلته، لأنه لا يوجب
القصاص، فهو شبه عمد
"وإن ماتت حامل، أو حملها من ريح طعام: ضمن
ربه إن علم ذلك من عادتها" أي: أن الحامل تموت
من ذلك، وأنها هناك، لتسببه فيه. قال في
الكافي: وإذا تجارح رجلان، وزعم كل واحد منهما
أنه جرح الآخر دفعا عن نفسه، ولا بينة وجب على
كل واحد منهما ضمان صاحبه، لأن الجرح قد وجد،
وما يدعيه من القصد لم يثبت، فوجب الضمان،
والقول قول كل واحد منهما مع يمينه في نفي
القصاص، لأن ما يدعيه يحتمل، فيدرأ عنه
القصاص، لأنه يندرئ بالشبهات. انتهى.
(2/336)
فصل وإن تلف واقع على نائم غير متعد بنومه
فهدر:
لأن النائم لم يجن، ولم يتعد.
"وإن تلف النائم فغير هدر" فمع قصد شبه عمد،
وبدونه خطأ، وفي كل منهما الكفارة في مال جان،
والدية على عاقلته، لحصول التلف منه.
"وإن سلم بالغ عاقل نفسه، أو ولده إلى سابح
حاذق ليعلمه فغرق" لم يضمنه المعلم حيث لم
يفرط، لفعله ما أذن فيه.
"أو أمر مكلفا ينزل بئرا، أو يصعد شجرة فهلك"
به: لم يضمنه
(2/336)
الآمر، لأنه لم
يجن عليه، ولم يتعد، أشبه ما لو أذن له ولم
يأمره. وإن أمر غير مكلف ضمنه، لأنه تسبب في
إتلافه.
"أو تلف أجير لحفر بئر أو بناء حائط بهدم
ونحوه" لم يضمنه، أقبضه أجره أو لا، لما تقدم.
"أو أمكنه إنجاء نفس من هلكة فلم يفعل" لم
يضمنه، لأنه لم يهلكه، ولم يتسبب في هلاكه،
كما لو لم يعلم به.
"أو أدب ولده وزوجته في نشوز" أو أدب معلم
صبيه
"أو أدب سلطان رعيته ولم يسرف" أي: يزد على
الضرب المعتاد فيه لا في العدد، ولا في الشدة.
"فهدر في الجميع" نص عليه، لفعله ما له فعله
شرعا بلا تعد، أشبه سراية القود والحد.
"وإن أسرف أو زاد على ما يحصل به المقصود"
فتلف بسببه ضمنه، لتعديه بالإسراف.
"أو ضرب من لا عقل له من صبي أو غيره" كمجنون
ومعتوه فتلف:
"ضمن" لأن الشرع لم يأذن في تأديب من لا عقل
له، لأنه لا فائدة في ذلك.
ومن أسقطت جنينها بسبب طلب سلطان أو تهديده،
أو ماتت أو ذهب عقلها: وجب الضمان، لما روي أن
عمر بعث إلى امرأة مغيبة كان رجل يدخل عليها،
فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر: فبينما هي في
الطريق إذ فزعت، فضربها الطلق، فألقت ولدا،
فصاح الصبي صيحتين، ثم مات، فاستشار عمر أصحاب
النبي، صلى الله عليه وسلم، فأشار
(2/337)
بعضهم أن ليس
عليك شيء، إنما أنت وال ومؤدب، وصمت علي فأقبل
عليه عمر، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال:
إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن
كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، إن ديته
عليك، لأنك أفزعتها فألقته، فقال عمر: أقسمت
عليك لا تبرح حتى تقسمها على قومك ومثله لو
استعدى رجل بالشرطة حاكما عليها فأسقطت أو
ماتت أو ذهب عقلها، فإنه يضمن ما كان بسبب
استعدائه. نص عليه.
"ومن نام على سقف، فهوى به لم يضمن ما تلف
بسقوطه" لأنه ليس من فعله.
ومن أتلف نفسه، أو طرفه فهدر لما روي أن عامر
بن الأكوع يوم خيبر رجع سيفه عليه فقتله، ولم
ينقل أنه، صلى الله عليه وسلم، قضى فيه بدية
ولا غيرها ولو وجبت لبينها النبي، صلى الله
عليه وسلم، ولنقل نقلا ظاهرا، ولا يقتضي النظر
أن تكون جنايته على نفسه مضمونة على غيره.
وعنه: ديته على عاقلته لورثته، ودية طرفه على
عاقلته لنفسه، لما روي أن رجلا ساق حمارا بعصا
كانت معه، فطارت منها شظية، فأصابت عينه
ففقأتها، فجعل عمر ديته على عاقلته، وقال: هي
يد من أيدي المسلمين لم يصبها اعتداء. ولأنها
جناية خطأ، فأشبهت جنايته على غيره. قاله في
الكافي.
(2/338)
فصل في مقادير ديات النفس:
"دية الحر المسلم طفلا كان أو كبيرا مائة
بعير" لا خلاف في ذلك، لما روى مالك والنسائي
أن في كتاب عمرو بن حزم وفي النفس مائة من
الإبل.
"أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة، أو ألف مثقال
ذهبا، أو اثنا عشر ألف درهم" فضة قال القاضي:
لا يختلف المذهب أن أصول الدية: الإبل،
والذهب، والورق، والبقر، والغنم، لما روى عطاء
عن جابر قال: فرض رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل،
وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة
ألفي شاة رواه أبو داود. وعن عكرمة عن ابن
عباس أن رجلا من بني عدي قتل، فجعل النبي، صلى
الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألف درهم رواه
أبو داود. وفي كتاب عمرو بن حزم وعلى أهل
الذهب ألف دينار وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن عمر قام خطيبا، فقال: إن الإبل قد غلت.
قال: فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل
الورق اثني عشر ألفا، وعلى أهل البقر مائتي
بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل
الحلل مائتي حلة رواه أبو داود. وهذا كان
بمحضر الصحابة، فكان إجماعا، قاله في الكافي.
فإذا أحضر من وجبت عليه دية أحدها لزم الولي
قبوله، وتعتبر السلامة من العيوب في هذه
الأنواع، لأن الإطلاق يقتضي السلامة. ولا
يعتبر أن تبلغ
(2/339)
قيمتها دية نقد
في ظاهر كلام الخرقي، لعموم حديث "في النفس
المؤمنة مائة من الإبل" وقول عمر، رضي الله
عنه إن الإبل قد غلت. إلخ دليل على أنها في
حال رخصها أقل قيمة من ذلك. وعنه: يعتبر أن
تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهما، لأن عمر
قومها باثني عشر ألف درهم، قاله في الكافي.
"ودية الحرة المسلمة على النصف من ذلك" روي
ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عمر وابن
عباس، ولا مخالف لهم، وحكاه ابن المنذر، وابن
عبد البر إجماعا. وفي كتاب عمرو بن حزم: دية
المرأة على النصف من دية الرجل وهو مخصص،
للخبر السابق.
"ودية الكتابي الحر كدية الحرة المسلمة، ودية
الكتابية على النصف من ذلك" لحديث عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "دية المعاهد نصف
دية المسلم" وفي لفظ أن النبي، صلى الله عليه
وسلم، قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل
المسلمين رواه أحمد. قال الخطابي: ليس في دية
أهل الكتاب شيء أبين من هذا، ولا بأس بإسناده.
وفي كتاب عمرو بن حزم: "دية المرأة على النصف
من دية الرجل، وكذا جراح الكتابي على نصف جراح
المسلم".
"ودية المجوسي الحر ثمانمائة درهم" كسائر
المشركين. روي عن عمر وعثمان وابن مسعود في
المجوسي، ولا مخالف لهم في عصرهم. وألحق به
سائر المشركين، لأنهم دونه. وأما قوله، صلى
الله عليه وسلم "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"
فالمراد في حقن دمائهم، وأخذ الجزية منهم،
ولذلك لا تحل مناكحتهم، ولا ذبائحهم. وجراح من
ذكر
(2/340)
وأطرافه
بالنسبة إلى ديته. نص عليه كما أن جراح المسلم
وأطرافه بالحساب من ديته.
"والمجوسية على النصف" لما تقدم. قال في
الشرح: ودية أنثاهم - يعني: الكفار - كنصف دية
ذكرهم. لا نعلم فيه خلافا. وقال ابن المنذر:
أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية
الرجل.
"ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث
الدية" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
مرفوعا: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ
الثلث من ديتها" رواه النسائي والدارقطني.
فإذا زادت صارت على النصف. روي هذا عن عمر
وابنه وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم.
"فلو قطع ثلاث أصابع حرة مسلمة لزمه ثلاثون
بعيرا، فلو قطع رابعة قبل برء ردت إلى عشرين"
قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: قلت لسعيد بن
المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر من الإبل
قلت: فكم في إصبعين؟ قال عشرون. قلت: ففي ثلاث
أصابع؟ قال: ثلاثون. قلت: ففي أربع؟ قال:
عشرون. قال: فقلت: لما عظم جرحها، واشتدت
مصيبتها نقص عقلها !؟ قال سعيد: أعراقي أنت
قلت: بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم. قال: هي
السنة يا بن أخي رواه مالك في الموطأ عنه،
وسعيد بن منصور في سننه. وهذا يقتضي سنة رسول
الله، صلى الله عليه وسلم. وأما ما يوجب الثلث
فما فوق: فهي فيه على النصف من الذكر، لما
سبق، ولقوله في الحديث: "حتى يبلغ الثلث" وحتى
للغاية، فيجب أن يكون ما بعدها مخالفا لما
قبلها، ولأن الثلث في حد الكثرة، لحديث
"والثلث كثير" ولذلك حملته العاقلة.
(2/341)
"وتغلظ دية قتل
خطأ في كل من حرم مكة، وإحرام، وشهر حرام
بالثلث" نص عليه في رواية الجماعة، وهو من
المفردات. ولا تغلظ لرحم محرم، خلافا لأبي
بكر.
"ففي اجتماع الثلاثة يجب ديتان" واحدة للقتل،
وواحدة لتكرر التغليظ ثلاث مرات، لما روى ابن
أبي نجيح أن امرأة وطئت في الطواف، فقضى عثمان
فيها بستة آلاف وألفين تغليظا للحرم وعن ابن
عمر أنه قال: من قتل في الحرم، أو ذا رحم، أو
في الشهر الحرام فعليه دية وثلث وعن ابن عباس
أن رجلا قتل رجلا في الشهر الحرام، وفي البلد
الحرام، فقال: ديته اثنا عشر ألفا، وللشهر
الحرام أربعة آلاف، وللبلد الحرام أربعة آلاف
ولم يظهر خلاف هذا، فكان إجماعا. قاله في
الكافي.
وقال في الشرح: وظاهر كلام الخرقي: أن الدية
لا تغلظ ب شيء من ذلك، وهو ظاهر الآية
والأخبار. انتهى. أي: أنها عامة في كل قتيل،
مطلقة في الأمكنة والأزمنة والقرابة. وقد قتلت
خزاعة قتيلا من هذيل بمكة، فقال النبي، صلى
الله عليه وسلم. ".. وأنتم يا خزاعة: قد قتلتم
هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله"
الحديث. ولم يذكر زيادة على الدية.
"وإن قتل مسلم كافرا" ذميا أو معاهدا
"عمدا: أضعف ديته" لإزالة القود قضى به عثمان،
رضى الله عنه رواه أحمد. عن ابن عمر أن رجلا
قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم
يقتله، وغلظ عليه الدية ألف دينار فذهب إليه
أحمد. وظاهره: لا إضعاف في جراحه.
(2/342)
"ودية الرقيق:
قيمته، قلت أو كثرت" لأنه مال متقوم فضمن
بكمال قيمته، كالفرس. وفي جراحه إن قدر من حر
بقسطه من قيمته، لأن ذلك يروى عن علي، رضي
الله عنه. وعنه: تضمن جناية عليه بما نقص من
قيمته سواء كانت مقدرة من الحر أو لم تكن، لأن
ضمانه ضمان الأموال، فيجب فيه ما نقص
كالبهائم. ذكره في الكافي.
(2/343)
فصل ومن جنى على حامل فألقت جنينا
"حرا مسلما، ذكرا كان أو أنثى" ميتا
"فديته: غرة. قيمتها: عشر دية أمه، وهي: خمس
من الإبل. والغرة: هي عبد أو أمة" لحديث أبي
هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت
إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها،
فاختصموا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فقضى أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية
المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معه
متفق عليه. وعن عمر أنه استشار الناس في إملاص
المرأة1، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، قضى فيه بغرة: عبد
أو أمة، قال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد له
محمد بن مسلمة متفق عليه. وروي عن عمر وزيد
أنهما قالا في الغرة: قيمتها خمس من الإبل
ولأنه أقل مقدر في الشرع في الجنايات، وهو:
دية السن، والموضحة. قاله في الكافي. وإن شربت
الحامل دواء، فألقت جنينا: فعليها غرة، لا ترث
منها بغير خلاف. قاله في الشرح.
ـــــــ
1 أملصت المرأة: ألقت ولدها ميتا.
(2/343)
"وتتعدد الغرة
بتعدد الجنين" فإن ألقت جنينين فعليها غرتان،
أشبه ما لو كانا من امرأتين.
"ودية الجنين الرقيق: عشر قيمة أمه" كما لو
جنى عليها موضحة.
"وقيمة الجنين المحكوم بكفره: غرة. قيمتها:
عشر دية أمه" قياسا على جنين الحرة، فإن كان
من كتابيين فقيمتها: ثلاثمائة درهم، وإن كان
من مشركين فقيمتها: أربعون درهما.
"وإن ألقت الجنين حيا لوقت يعيش لمثله، وهو:
نصف سنة فصاعدا" ثم مات:
"ففيه ما في الحي، فإن كان حرا ففيه دية
كاملة" قال ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من
أهل العلم على أن في الجنين يسقط حيا من الضرب
الدية كاملة. ولأنا تيقنا موته بالجناية،
فأشبه غير الجنين، ولما تقدم عن عمر في التي
أجهضت1 جنينها فزعا منه.
"وإن كان رقيقا فقيمته" لأن قيمة العبد بمنزلة
دية الحر.
"وإن اختلفا في خروجه حيا أو ميتا" ولا بينة
لواحد منهما:
"فقول الجاني" بيمينه، لأنه منكر لما زاد عن
الغرة، والأصل براءته منه. وإن أقاما بينتين
بذلك قدمت بينة الأم.
"ويجب في الجنين الدابة ما نقص من قيمة أمه"
نص عليه. كقطع بعض أجزائها، قال في القواعد:
وقياسه جنين الصيد في الحرم والإحرام.
ـــــــ
1 أجهضت المرأة: أسقطت حملها.
(2/344)
فصل في دية الأعضاء:
"من أتلف ما في الإنسان منه واحد: كالأنف
واللسان والذكر، ففيه دية" تلك النفس التي قطع
منها
"كاملة" نص عليه، لحديث عمرو بن حزم مرفوعا:
"وفي الذكر الدية، وفي الأنف إذا أوعب جدعا
الدية، وفي اللسان الدية" رواه أحمد والنسائي
واللفظ له.
"ومن أتلف ما في الإنسان منه شيئان، كاليدين،
والرجلين، والعينين، والأذنين، والحاجبين،
والثديين، والخصيتين ففيه" أي: في إتلافهما:
"الدية، وفي أحدهما: نصفها" نص عليه، وكذا
الشفتان. وروي عن زيد في الشفة السفلى: ثلثا
الدية، وفي العليا: ثلثها، لعظم نفع السفلى،
لأنها التي تدور وتتحرك، وتحفظ الريق. وهو
معارض لقول أبي بكر وعلي ولحديث عمرو بن حزم
مرفوعا، وفيه. ".. وفي الشفتين: الدية، وفي
البيضتين: الدية، وفي الذكر: الدية، وفي
الصلب: الدية، وفي العينين: الدية، وفي الرجل
الواحدة: نصف الدية" الحديث. وروى مالك في
الموطأ أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
قال: "وفي العين خمسون من الإبل" وفي عين
الأعور دية كاملة، لأنه يروى عن عمر وعثمان
وعلي وابن عمر أنهم قضوا بذلك ولم يعرف لهم
مخالف في عصرهم فكان إجماعا، ولأنه يحصل بها
ما يحصل من العينين، فكانت مثلهما في الدية.
(2/345)
"وفي الأجفان
الأربعة: الدية" لأن فيها جمالا كاملا ونفعا
كثيرا، لأنها تقي العينين ما يؤذيهما من الحر
والبرد. وسواء في هذا البصير والأعمى، لأن
العمى عيب في غيرها.
"وفي أحدها: ربعها" لأنه ربع ما فيه الدية.
"وفي أصابع اليدين: الدية، وفي أحدها عشرها،
وفي الأنملة إن كانت من إبهام" يد أو رجل:
"نصف عشر الدية" لأن في الإبهام مفصلين، ففي
كل مفصل: نصف عقل الإبهام.
"وإن كانت من غيره فثلث عشرها" لأن فيه ثلاث
مفاصل فتوزع دية الأصبع عليها.
"وكذا أصابع الرجلين " لحديث ابن عباس مرفوعا:
"دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل
أصبع" صححه الترمذي. وعن أبي موسى مرفوعا
نحوه. رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وفي حديث
عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي أصبع من أصابع اليد
والرجل: عشر من الإبل" وفي ظفر لم يعد، أو عاد
أسود: خمس دية الأصبع. نص عليه وروي عن ابن
عباس، ولم يعرف له مخالف من الصحابة. ذكره ابن
المنذر.
"وفي السن: خمس من الإبل" روي عن عمر وابن
عباس. وكذا الناب والضرس وفي حديث عمرو بن حزم
مرفوعا: "وفي السن: خمس من الإبل" رواه
النسائي. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
مرفوعا "في الأسنان خمس خمس" رواه أبو داود.
وهو عام
(2/346)
فيدخل فيه
الناب والضرس، روي ذلك عن ابن عباس ومعاوية،
ويؤيده حديث ابن عباس مرفوعا: "الأصابع سواء،
والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء" رواه أبو
داود وابن ماجه.
"وفي إذهاب نفع عضو من الأعضاء ديته كاملة"
لصيرورته كالمعدوم كما لو قطعه.
(2/347)
فصل في دية المنافع:
"تجب الدية كاملة في إذهاب كل من سمع وبصر وشم
وذوق" لحديث: "وفي السمع الدية" ولأن عمر قضى
في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله
بأربع ديات، والرجل حي ذكره أحمد. ولا يعرف له
مخالف من الصحابة.
"وكلام" لأنه من أعظم المنافع.
"وعقل" حكاه بعضهم إجماعا، لأن في كتاب عمرو
بن حزم وفي العقل الدية وروي عن عمر وزيد،
لأنه أكبر المعاني قدرا، وأعظمها نفعا، وبه
يتميز الإنسان عن البهائم، ويهتدي للمصالح،
ويدخل في التكليف، فكان أحق بإيجاب الدية.
"وحدب" لأن انتصائب القامة من الكمال والجمال،
وبه شرف الآدمي على سائر الحيوانات، وروى
الزهري عن سعيد بن المسيب قال: مضت السنة أن
في الصلب الدية وفي كتاب عمرو بن حزم: "وفي
الصلب الدية".
"ومنفعة مشي ونكاح، وأكل وصوت وبطش" لأن في كل
منها نفعا
(2/347)
مقصودا ليس في
البدن مثله، لأن ذلك يجري مجرى تلف الآدمي
فجرى مجراه في ديته.
"ومن أفزع إنسانا، أو ضربه فأحدث بغائط أو بول
أو ريح، ولم يدم فعليه ثلث الدية" لما روي أن
عثمان قضى به فيمن ضرب إنسانا حتى أحدث قال
أحمد: لا أعرف شيئا يدفعه. وهذا مظنة الشهرة
ولم ينقل خلافه.
"وإن دام" أي: لم يستمسك بوله أو غائطه:
"فعليه الدية" لأن كلا منهما منفعة كبيرة
مقصودة ليس في البدن مثلها، أشبه السمع
والبصر. فإن فاتت المنفعتان ولو بجناية واحدة
فديتان، كما لو أذهب سمعه وبصره.
"وإن جنى عليه، فأذهب سمعه وبصره وعقله وشمه
وذوقه وكلامه ونكاحه: فعليه سبع ديات. وأرش
تلك الجناية" لما تقدم عن عمر. ولا يدخل فيها
أرش الجناية للتغاير.
"وإن مات من الجناية فعليه دية واحدة" لأن
أحاديث الديات مطلقة لم يذكر فيها غيرها. وفي
نقص شيء مما تقدم إن لم يعلم قدره حكومة لأنه
لا يمكن تقديره. وإن علم قدره وجب من الدية
بقدر الذاهب، لأن ما وجب في جميعه شيء وجب
بعضه بقدره. ويقسم المذاق على خمس: الحلاوة،
والمرارة، والعذوبة، والملوحة، والحموضة.
ويقسم الكلام على ثمانية وعشرين حرفا. ويقبل
قول مجني عليه في نقص بصره وسمعه بيمينه، لأنه
لا يعلم إلا من جهته. وإن ادعى نقص إحدى عينيه
عصبت العليلة، وأعطي رجل بيضة فانطلق بها، وهو
ينظر
(2/348)
حتى ينتهي
بصره، ثم يخط عند ذلك ثم عصبت عينه الصحيحة،
وفتحت العليلة، وأعطي رجل بيضة فانطلق بها،
وهو ينظر حتى ينتهي بصره، ثم يخط عند ذلك، ثم
يحول إلى مكان آخر فيفعل مثل ذلك، فإن كانا
سواء أعطي بقدر نقص بصره من مال الجاني، كما
فعل علي، رضي الله عنه. وروى ابن المنذر نحوه
عن أبي بكر. وإنما يمتحن بذلك مرتين، ليعلم
صدقه بتساوي المسافتين، وكذبه باختلافهما.
قاله في الكافي.
ويعمل كذلك في نقص سمع إحدى الأذنين، وشم أحد
المنخرين ونحوهما.
(2/349)
فصل في دية الشجة والجائفة:
"الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه" وهي عشر:
"1- الحارصة:" وهي التي تشق الجلد قليلا.
"2- البازلة:" وهي الدامية، وهي: التي يخرم
منها دم يسير.
"3- الباضعة:" وهي التي تشق اللحم بعد الجلد.
"4- المتلاحمة:" وهي التي تنزل في اللحم
كثيرا.
"5- السمحاق:" التي تصل إلى قشرة رقيقة فوق
العظم تسمى السمحاق.
فهذه الخمس لا مقدر فيها. وعنه: في الدامية:
بعير، وفي الباضعة: بعيران، وفي المتلاحمة:
ثلاثة، وفي السمحاق: أربعة، لأن هذا يروى عن
زيد بن ثابت. ورواه سعيد عن علي وزيد في
السمحاق. والأول ظاهر المذهب، لأنها جروح لم
يرد الشرع فيها بتوقيت، فكان الواجب فيها
الحكومة، كجروح البدن، قال مكحول: "قضى رسول
(2/349)
الله، صلى الله
عليه وسلم في الموضحة بخمس من الإبل، ولم يقض
فيما دونها قاله في الكافي. وقال في الشرح:
والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا
جناية به، ثم يقوم وهي به قد برئت، فما نقص
منه فله مثله من الدية، ولا نعلم خلافا أن هذا
تفسير الحكومة، ولا يقوم إلا بعد برء الجرح،
فإن لم ينقص في تلك الحال قوم حال جريان الدم.
انتهى ملخصا. والتي فيها مقدر ذكرها بقوله.
"وهي خمسة:"
"1- الموضحة التي توضح العظم وتبرزه" ولو
يسيرا.
"وفيها: نصف عشر الدية = خمسة أبعرة" لأن في
كتاب عمرو بن حزم "وفي الموضحة: خمس من الإبل"
رواه النسائي. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده مرفوعا: "في المواضح خمس خمس من الإبل"
رواه الخمسة. وسواء كانت في الرأس أو الوجه،
لعموم الأحاديث، وروي عن أبي بكر وعمر.
"فإن كان بعضها في الرأس، وبعضها في الوجه:
فموضحتان" لأنه أوضحه في عضوين، فلكل حكم
نفسه.
"2- الهاشمة: التي توضح العظم وتهشمه. وفيها:
عشرة أبعرة" روي عن زيد بن ثابت، ولم يعرف له
مخالف في عصره من الصحابة. وإن ضربه بمثقل
فهشمه من غير إيضاح فوجهان أحدهما: فيه حكومة.
والثاني: فيه خمس من الإبل، لأنه لو أوضحه
وهشمه وجب عشر. ولو أوضحه ولم يهشمه وجب خمس،
فدل على أن الخمس الأخرى للهشم، فيجب ذلك فيه
إذا انفرد ذكره في الكافي.
(2/350)
"3- المنقلة:
التي توضح وتهشم، وتنقل العظم" أي: تزيله عن
موضعه، أو يحتاج إلى إزالته ليلتئم.
"وفيها: خمسة عشر بعيرا" حكاه ابن المنذر
إجماع أهل العلم. وفي كتاب عمرو بن حزم:
"المنقلة خمس عشرة من الإبل". وفي حديث عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا مثل ذلك رواه
أحمد وأبو داود.
"4- المأمومة" قال ابن عبد البر: وأهل العراق
يقولون لها: الآمة.
"التي تصل إلى جلدة الدماغ. وفيها: ثلث الدية"
لما في كتاب عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي
المأمومة ثلث الدية" . رواه النسائي. وعن عبد
الله بن عمرو مرفوعا مثله رواه أحمد.
"5- الدامغة: التي تخرق الجلدة" أي: جلدة
الدماغ.
"وفيها الثلث أيضا" لأنها أولى من المأمومة،
لزيادتها عليها، وصاحبها لا يسلم غالبا، ولم
يرد الشرع بإيجاب شيء في زيادتها. ويجب في كسر
الضلع إذا جبر مستقيما بعير، وكذا الترقوة1.
نص عليه. وفي الترقوتين: بعيران، لما روى أسلم
مولى عمر أن عمر، رضي الله عنه: قضى في
الترقوة بجمل، وفي الضلع بجمل رواه سعيد
بسنده. وفي كسر كل عظم من زند، وعضد، وفخذ،
وساق، وذراع وهو: الساعد الجامع لعظمي الزند
-: بعيران. نص عليه، لما روى سعيد عن عمرو بن
شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في إحدى
ـــــــ
1 الترقوة: بتشديد التاء وفتحها وضم القاف:
العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق من
الجانبين، والجمع: تراقي.
(2/351)
الزندين إذا
كسر. فكتب إليه عمر أن فيه: بعيرين، وإذا كسر
الزندان ففيهما: أربعة من الإبل ومثله لا يقال
من قبل الرأي، ولا يعرف له مخالف من الصحابة.
قال في الكافي: ولأن في الزند عظمين ففي كل
عظم بعير. انتهى. وألحق بالزند في ذلك باقي
العظام المذكورة، لأنها مثله.
وإن جبر شيء من ذلك غير مستقيم فحكومة. وفي
البدن الشلاء، والسن السوداء، والعين القائمة:
ثلث ديتها، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في
العين القائمة السادة لمكانها بثلث ديتها، وفي
اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها، وفي السن
السوداء إذا قلعت ثلث ديتها رواه النسائي.
وقضى عمر، رضي الله عنه، بمثل ذلك وفي كل واحد
من الشعور الأربعة: الدية كاملة، وهي: شعر
الرأس، وشعر اللحية، وشعر الحاجبين، وشعر
أهداب العينين، لعموم ما روي عن علي، وزيد بن
ثابت في الشعر: الدية ولأن فيها جمالا كاملا،
وفي الشارب حكومة. نص عليه.
(2/352)
فصل وفي الجائفة ثلث الدية:
لما في كتاب عمرو بن حزم "وفي الجائفة: ثلث
الدية". رواه النسائي. وحديث عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده مرفوعا: وفيه "وفي الجائفة: ثلث
العقل" رواه أحمد وأبو داود.
(2/352)
"وهي: كل ما
يصل إلى الجوف: كبطن، وظهر، وصدر، وحلق"
ومثانة.
"وإن جرح جانبا فخرج منه الآخر: فجائفتان" نص
عليه، لما روى سعيد بن المسيب: أن رجلا رمى
رجلا بسهم، فأنفذه، فقضى أبو بكر بثلثي الدية
أخرجه سعيد في سننه. ولا يعرف له مخالف من
الصحابة فهو كالإجماع، وعن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده: أن عمر قضى في الجائفة إذا نفذت
الجوف بأرش جائفتين ولأنه أنفذه من موضعين،
أشبه ما لو أنفذه بضربتين. وإن خرق شدقه فليس
بجائفة. لأن حكم الفم حكم الظاهر، قاله في
الكافي. وفيه حكومة، كجراحات سائر البدن التي
لا مقدر فيها.
"ومن وطئ زوجة صغيرة لا يوطأ مثلها فخرق مخرج
بول ومني، أو ما بين السبيلين فعليه الدية إن
لم يستمسك البول" لإبطاله نفع المحل الذي
يجتمع فيه البول. كما لو جنى على شخص فكان لا
يستمسك الغائط.
"وإلا" بأن استمسك البول:
"فجائفة" فيها: ثلث الدية لأن عمر، رضي الله
عنه: قضى في الإفضاء ثلث الدية ولا يعرف له
مخالف من الصحابة.
"وإن كانت الزوجة من يوطأ مثلها لمثله، أو
أجنبية كبيرة مطاوعة، ولا شبهة فوقع ذلك" أي:
خرق ما بين السبيلين، أو ما بين مخرج بول
ومني،
"فهدر" لحصوله بفعل مأذون فيه، كأرش بكارتها،
ومهر مثلها ومع الشبهة لها المهر والدية،
لأنها إنما أذنت بالفعل مع الشبهة،
(2/353)
لاعتقادها أنه
هو المستحق، فإذا كان غيره وجب الضمان وكذا
يجب ذلك مع الإكراه، لأنه ظالم متعد.
(2/354)
باب العاقلة:
"وهي: ذكور عصبة الجاني نسبا وولاء" قريبهم
وبعيدهم، حاضرهم وغائبهم، حتى عمودي نسبه في
أشهر الروايتين، لحديث أبي هريرة: قضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، في جنين امرأة من
بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن
المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى
رسول الله، صلى الله عليه وسلم أن ميراثها
لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها. وفي
رواية: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما
الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فاختصموا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية
جنينها غرة عبد أو وليدة. وقضى بدية المرأة
على عاقلتها. متفق عليه. وعن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: قضى
أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا، ولا يرثون
منها إلا ما فضل من ورثتها رواه الخمسة إلا
الترمذي. ولا خلاف بين أهل العلم أن العاقلة
هم: العصبات، وأن غيرهم من إخوة الأم، وسائر
ذوي الأرحام والزوج ليس من العاقلة. قاله في
شرح العمدة، وذلك لأن القتل بذلك يكثر فإيجاب
الدية على القاتل يجحف به. ولأن العصبة يشدون
أزر قريبهم، وينصرونه فاستوى قريبهم وبعيدهم
في العقل. وأما حديث - "لا يجني عليك، ولا
تجني عليه" - أي: إثم جنايتك لا يتخطاك إليه،
وبالعكس، كقوله تعالى:
(2/354)
{وَلا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 1 وإذا ثبث العقل
في عصبة النسب، فكذا عصبة الولاء، لعموم
الخبر.
"ولا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا
إقرارا" ولا صلحا، لقول ابن عباس: "لا تحمل
العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا
اعترافا" حكاه عنه أحمد، ولا يعرف له مخالف من
الصحابة. وروي عنه مرفوعا. وقال عمر: "العمد،
والعبد، والصلح، والاعتراف لا تعقله العاقلة"
رواه الدارقطني. وقال الزهري: مضت السنة أن
العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن
يشاءوا. رواه مالك في الموطأ. وعلى هذا
وأمثاله تحمل العمومات المذكورة. وقال مالك:
في الصبي والمرأة الذي لا مال لهما: إن جنى
أحدهما جناية دون الثلث، إنه ضامن، على الصبي
والمرأة في مالهما خاصة، إن كان لهما مال أخذ
منه، وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه، ليس
على العاقلة منه شيء، ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل
جناية الصبي، وليس ذلك عليه، انتهى. من
الموطأ.
"ولا ما دون ثلث دية ذكر مسلم" لما روي عن
عمر، رضي الله عنه: أنه قضى في الدية أن لا
تحمل منها العاقلة شيئا حتى تبلغ عقل
المأمومة. ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني
خولف في ثلث الدية فأكثر. لإجحافه بالجاني
لكثرته، فيبقى ما عداه على الأصل، إلا غرة
جنين حرة مات مع أمه أو بعدها بجناية واحدة:
فتحمل الغرة تبعا لدية الأم. نص عليه، لاتحاد
الجناية.
ـــــــ
1 الإسراء من الآية/ 15.
(2/355)
"ولا قيمة
متلف" لأن الأصل وجوب ضمان الأموال على متلفها
كقيمة العبد والدابة.
"وتحمل الخطأ، وشبه العمد" لما تقدم.
"مؤجلا في ثلاث سنين" لما روي عن عمر وعلي
أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين
وروي نحوه عن ابن عباس. ولا مخالف لهم في
عصرهم من الصحابة. ولأنها تحمل ما يجب مواساة.
فاقتضت الحكمة تخفيفه عليها.
"وابتداء حول القتل من الزهوق، والجرح من
البرء" لأنه وقت استقرار الوجوب، وما يحمله كل
واحد منهم غير مقدر، فيرجع إلى اجتهاد الحاكم،
فيحمل على كل إنسان ما يسهل عليه. نص عليه،
لأن ذلك مواساة للجاني، وتخفيف عنه، فلا يشق
على غيره، ولا يزال الضرر بالضرر.
"ويبدأ بالأقرب فالأقرب، كالإرث" لأنه حكم
معلق بالعصبات. فقدم فيه الأقرب، كالولاية
فيقسم على الآباء، والأبناء في المختار، ثم
الإخوة، ثم بنيهم، ثم الأعمام، ثم بنيهم، ثم
أعمام الأب، ثم بنيهم، وهكذا حتى ينقرضوا وإن
اتسعت أموال الأقربين لحمل العقل: لم
يتجاوزهم، وإلا انتقل إلى من يليهم.
"ولا يعتبر أن يكونوا وارثين لمن يعقلون عنه
بل متى كانوا يرثون لو لا الحجب عقلوا" لما
سبق.
"ولا عقل على فقير" لأنه ليس من أهل المواساة،
ولأنها وجبت على العاقلة تخفيفا على الجاني،
فلا تثقل على من لا جناية منه.
(2/356)
"وصبي ومجنون
وامرأة ولو معتقة" لأنهم ليسوا من أهل النصرة
والمعاضدة. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن
المرأة، والذي لم يبلغ لا يعقلان وأن الفقير
لا يلزمه شيء. انتهى. وخطأ الإمام والحاكم في
أحكامهما في بيت المال لا تحمله عاقلتهما،
لأنه يكثر فيجحف بالعاقلة وخطؤهما في غير حكم:
كرميهما صيدا، فيصيبا آدميا على عاقلتهما،
كخطأ غيرهما. وعنه: على عاقلتهما بكل حال،
لحديث عمر المتقدم في التي أجهضت جنينها.
"ومن لا عاقلة له، أو له وعجزت فلا دية عليه،
وتكون في بيت المال، كدية من مات في زحمة:
كجمعة وطواف" لأنه، صلى الله عليه وسلم ودى
الأنصاري الذي قتل بخيبر من بيت المال. ولأن
المسلمين يرثون من لا وارث له، فيعقلون عنه
عند عدم عاقلته وعجزها.
"فإن تعذر الأخذ منه سقطت" لأنها تجب ابتداء
على العاقلة دون القاتل، فلا يطالب بها غير
العاقلة. وعنه: تجب في مال القاتل: لعموم قوله
تعالى: {... وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ...} 1 قال في المقنع: وهو أولى من
إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال، لأنها تجب
على القاتل، ثم تحملها العاقلة. انتهى.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 92.
(2/357)
باب كفارة القتل:
"لا كفارة في العمد" لقوله تعالى: {وَمَنْ
قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} 1 فتخصيصه بها يدل
على نفيها في غيره، ولأنها لو وجبت في
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 92.
(2/357)
العمد لمحت
عقوبته في الآخرة. وعنه: تجب فيه، لأنها إذا
وجبت في الخطأ مع قلة إثمه ففي العمد أولى.
وعن واثلة بن الأسقع قال: أتينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم، في صاحب لنا أوجب - يعني:
النار- بالقتل، فقال: "أعتقوا عنه يعتق الله
بكل عضو منه عضوا منه من النار" . رواه أحمد
وأبو داود، إلا عمد الصبي والمجنون. ففيه
الكفارة، لأنه أجري مجرى الخطأ.
"وتجب فيما دونه" أي: في الخطأ، للآية. وفي
شبه العمد، لأنه في معناه.
"في مال القاتل لنفس محرمة ولو جنينا" كأن ضرب
بطن حامل، فألقت جنينا ميتا أو حيا، ثم مات،
لأنه نفس محرمة، وسواء قتل بمباشرة، أو سبب،
أو شارك في القتل، لأن الكفارة موجب قتل آدمي
فوجب إكمالها على كل من الشركاء فيه، كالقصاص
وهو قول أكثرهم. قال في الكافي: وتجب على
النائم إذا انقلب على شخص فقتله، أي: والدية
على عاقلته.
"ويكفر الرقيق بالصوم" لأنه لا مال له يعتق
منه.
"والكافر بالعتق" لأن الصوم لا يصح منه.
"وغيرهما يكفر بعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين" لقوله تعالى: {وَمَنْ
قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ} 1 إلى قوله {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} 1 الآية.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 92.
(2/358)
"ولا إطعام
هنا" لأن الله تعالى لم يذكره، وعنه: إن لم
يستطع لزمه إطعام ستين مسكينا، قدمها في
الكافي، وقال: لأنها كفارة فيها العتق، وصيام
شهرين، فوجب فيها إطعام ستين مسكينا إذا عجز
عنهما، ككفارة الظهار، والجماع في رمضان، ومن
عجز عن الكفارة بقيت في ذمته، فلا تسقط
بالعجز، ككفارة قتل صيد الحرم.
"وتتعدد الكفارة بتعدد المقتول" كتعدد الدية،
لقيام كل قتيل بنفسه، وعدم تعلقه بغيره.
"ولا كفارة على من قتل من يباح قتله: كزان
محصن، ومرتد، وحربي، وباغ، وقصاصا ودفعا عن
نفسه" لأنه مأذون فيه شرعا. والمنع منه في بعض
الصور للافتئات على الإمام.
(2/359)
|