منار السبيل في شرح الدليل

كتاب الحدود
مدخل
...
كتاب الحدود:
وهي: العقوبات المقدرة شرعا في المعاصي، لتمنع من الوقوع في مثلها، وحدود الله: محارمه، لقوله تعالى: {... تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا...} 1 وحدوده أيضا: ما حده وقدره، كالمواريث، وتزوج الأربع. وما حده الشرع لا يجوز فيه زيادة ولا نقصان لقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} 2.
"لا حد إلا على مكلف" أي: بالغ عاقل. لحديث "رفع القلم عن ثلاثة" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، ولا حد على نائم لذلك، ولا على مكره، لحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه" رواه النسائي. وروى سعيد في سننه عن طارق بن شهاب قال: أتي عمر، رضي الله عنه، بامرأة قد زنت، قالت: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم علي، فخلى سبيلها ولم يضربها وروي: أنه أتي بامرأة استسقت راعيا فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، فقال لعلي: ما ترى فيها؟ قال: إنها مضطرة، فأعطاها شيئا وتركها.
"ملتزم" لأحكام الإسلام من مسلم وذمي بخلاف حربي ومستأمن.
"عالم بالتحريم" لما روي عن عمر وعلي أنهما قالا: لا حد إلا على
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 187.
2 البقرة من الآية/ 229.

(2/360)


من علمه وروى سعيد بن المسيب، قال: ذكر الزنى بالشام، فقال رجل: زنيت البارحة. قالوا: ما تقول؟ قال: ما علمت أن الله حرمه، فكتب بها إلى عمر، فكتب إن كان يعلم أن الله حرمه فحدوه، وإن لم يكن علم فأعلموه، فإن عاد فارجموه وكذا إن جهل عين المرأة: مثل أن يزف إليه غير زوجته، فيظنها زوجته، أو يدفع إليه غير جاريته فيظنها جاريته، أو يجد على فراشه امرأة يحسبها زوجته أو جاريته فيطأها فلا حد عليه، لأنه غير قاصد لفعل المحرم، ولحديث: "ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" .
"وتحرم الشفاعة، وقبولها في حد لله تعالى بعد أن يبلغ الإمام" لقوله، صلى الله عليه وسلم: "فهلا قبل أن تأتيني به" وعن ابن عمر مرفوعا "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد لله في أمره" رواه أحمد وأبو داود. ولأن أسامة بن زيد لما شفع في المخزومية التي سرقت غضب النبي، صلى الله عليه وسلم وقال: " أتشفع في حد من حدود الله؟!" رواه أحمد ومسلم بمعناه.
"وتجب إقامة الحد ولو كان مقيمه شريكا في المعصية" لوجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يجمع بين معصيتين.
"ولا يقيمه إلا الإمام أو نائبه" سواء كان الحد لله تعالى، كحد الزنى أو لآدمي، كحد القذف، لأنه يفتقر إلى الاجتهاد. ولا يؤمن فيه الحيف، فوجب تفويضه إليه. ولأنه، صلى الله عليه وسلم، كان يقيم الحدود في حياته، وكذا خلفاؤه من بعده ونائبه كهو لقوله صلى الله عليه وسلم: "... واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت

(2/361)


فارجمها. فاعترفت، فرجمها" و أمر برجم ماعز. ولم يحضره وقال في سارق أتي به "اذهبوا به فاقطعوه" .
"والسيد على رقيقه" القن روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر. وقال ابن أبي ليلى: أدركت بقايا الأنصار يجلدون ولائدهم في مجالسهم الحدود إذا زنين، وروى سعيد: أن فاطمة حدت جارية لها ولقوله، صلى الله عليه وسلم: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" رواه أحمد وأبو داود. و عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، قال: "إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير" قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة، أو الرابعة. متفق عليه.
"وتحرم إقامته في المسجد" لحديث حكيم بن حزام: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى أن يستقاد بالمسجد، وأن تنشد الأشعار، وأن تقام فيه الحدود رواه أحمد وأبو داود والدارقطني بمعناه.
"وأشده: جلد الزنى، فالقذف، فالشرب، فالتعزير" لأنه تعالى خص الزنى بمزيد تأكيد بقوله: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} 1 فاقتضى مزيد تأكيد. ولا يمكن ذلك في العدد، فيكون في الصفة. ولأن ما دونه أخف منه في العدد، فكذا في الصفة.
"ويضرب الرجل قائما" لأنه وسيلة إلى إعطاء كل عضو من الجسد حظه من الضرب
ـــــــ
1 النور من الآية/ 2.

(2/362)


"بالسوط" أي: بسوط لا خلق. نص عليه لأنه لا يؤلم. ولا جديد، لئلا يجرح. وروى مالك عن زيد بن أسلم مرسلا: أن رجلا اعترف عند النبي، صلى الله عليه وسلم فأتي بسوط مكسور، فقال: "فوق هذا" ، فأتي بسوط جديد لم تكسر ثمرته فقال: "بين هذين" . ولا يبالغ في ضرب، لأن القصد أدبه لا هلاكه، وقال الإمام أحمد: لا يبدي إبطه في شيء من الحدود. وعن علي، رضي الله عنه قال: ضرب بين ضربين، و سوط بين سوطين ولا يمد ولا يربط، ولا يجرد من الثياب، لعدم نقله، وقال ابن مسعود، رضي الله عنه: ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد.
"ويجب اتقاء الوجه. والرأس، والفرج، والمقتل" كالفؤاد والخصيتين، لئلا يؤدي إلى قتله، أو ذهاب منفعته، وقال علي، رضي الله عنه: اضرب وأوجع، واتق الرأس والوجه وقال: لكل من الجسد حظ، إلا الوجه والفرج.
"وتضرب المرأة جالسة" لقول علي رضي الله عنه: تضرب المرأة جالسة والرجل قائما
"وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها" لأنه أستر لها، وفي حديث الجهنية:... فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها. الحديث. رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
"ويحرم بعد الحد حبس" نص عليه.
"وإيذاء بكلام" كالتعبير، لنسخه بمشروعية الحد.
"والحد كفارة لذلك الذنب" الذي أوجبه. نص عليه، لخبر عبادة،

(2/363)


وفيه: "... ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له" متفق عليه.
"ومن أتى حدا ستر نفسه، ولم يسن أن يقر به عند الحاكم" لحديث: "إن الله ستير يحب الستر" . ومن قال لحاكم: أصبت حدا، لم يلزمه شيء ما لم يبين، نص عليه.
"وإن اجتمعت حدود لله تعالى من جنس" واحد: بأن زنى أو سرق أو شرب الخمر مرارا:
"تداخلت" فلا يحد سوى مرة. حكاه ابن المنذر: إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم، لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل، وهو حاصل بحد واحد، وكالكفارات من جنس.
"ومن أجناس فلا" تتداخل، كبكر زنى وسرق وشرب الخمر. ويبدأ بالأخف فالأخف: فيحد أولا لشرب، ثم لزنى، ثم لقطع، وإن كان فيها قتل: بأن كان الزاني في المثال محصنا استوفي القتل وحده، لقول ابن مسعود، رضي الله عنه: إذا اجتمع حدان أحدهما: القتل أحاط القتل بذلك رواه سعيد، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ولأن الغرض الزجر، ومع القتل لا حاجة له.

(2/364)


باب حد الزنى:
"الزنى: هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر" وهو من أكبر الكبائر. قال الإمام أحمد: لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنى. وأجمعوا على تحريمه، لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} 1 وعن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" . قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك" . قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني بحليلة جارك" متفق عليه.
"فإذا زنى المحصن وجب رجمه حتى يموت" لحديث عمر قال: إن الله بعث محمدا، صلى الله عليه وسلم، بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها، وعقلتها، ووعيتها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى. فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت به البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، وقد قرأتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم متفق عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم: رجم ماعزا
ـــــــ
1 الإسراء من الآية/ 32.

(2/365)


والغامدية، ورجم الخلفاء بعده وهل يجلد قبله على روايتين، إحداهما: يجب للآية. وعن علي أنه ضرب سراخة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والبخاري. وفي حديث عبادة، "والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" . رواه مسلم وغيره والثانية: لا جلد عليه. لما تقدم عن ابن مسعود. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما وقال لأنيس "فإن اعترفت فارجمها" ولو وجب الجلد لأمر به. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: في حديث عبادة: إنه أول حد نزل، وإن حديث ماعز بعده. وعمر رجم ولم يجلد ولا يجب الرجم إلا على المحصن بإجماع أهل العلم.
"والمحصن هو من وطئ زوجته في قبلها بنكاح صحيح" لا باطل ولا فاسد، لأنه ليس بنكاح في الشرع.
"وهما حران مكلفان" فلا إحصان مع صغر أحدهما أو جنونه أو رقه، لحديث: "الثيب بالثيب جلد مائة والرجم" رواه مسلم. ولا يكون ثيبا إلا بذلك، ولأن الإحصان كمال فيشترط أن يكون في حال الكمال. وتصير الزوجة أيضا محصنة حيث كانا بالصفات المتقدمة حال الوطء. ولا يشترط الإسلام في الإحصان لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر برجم اليهوديين الزانيين فرجما. متفق عليه.
ولا خلاف بين أهل العلم في أن الزنى ووطء الشبهة لا يصير به أحدهما محصنا ولا نعلم بينهم خلافا في أن التسري لا يحصل به الإحصان لواحد منهما، لكونه ليس بنكاح ولا تثبت فيه أحكامه.

(2/366)


"وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة" بلا خلاف لقوله تعالى: {... الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ...} 1 وحديث عبادة مرفوعا: "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" رواه مسلم.
"وغرب عاما" لما سبق، روى الترمذي عن ابن عمر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب
"إلى مسافة القصر" لأن أحكام السفر من القصر والفطر لا تثبت بدونه. قاله في الكافي. وقال: وحيث رأى الإمام الزيادة في المسافة فله ذلك، لأن عمر، رضي الله عنه، غرب إلى الشام والعراق وإن رأى الزيادة على الحول لم يجز، لأن مدة الحول منصوص عليها فلم يدخلها الاجتهاد، والمسافة غير منصوص عليها، فرجع فيها إلى الاجتهاد. انتهى. وتغرب امرأة مع محرم. لعموم نهيها عن السفر بلا محرم. وعليها أجرته. ويغرب غريب إلى غير وطنه.
"وإن زنى الرقيق: جلد خمسين" جلدة بكرا أو ثيبا، لقوله تعالى: {... فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ...} 2 والعذاب المذكور في القرآن: مائة جلدة، فينصرف التنصيف إليه دون غيره، والرجم لا يتأتى تنصيفه. وعن عبد الله بن عياش المخزومي قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنى ورواه مالك.
"ولا يغرب" لأن تغريبه إضرار بسيده دونه ولأنه صلى الله عليه
ـــــــ
1 النور من الآية/ 2.
2 النساء من الآية/ 25.

(2/367)


وسلم، لم يأمر بتغريب الأمة إذا زنت في حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد وقد سبق.
"وإن زنى الذمي بمسلمة: قتل" نص عليه، لانتقاض عهده، ولما روي عن عمر، وتقدم في الجهاد.
"وإن زنى الحربي: فلا شيء عليه" من جهة الزنى لأنه مهدر الدم، ولأنه غير ملتزم بأحكامنا.
"وإن زنى المحصن بغير المحصن فلكل حده" لحديث أبي هريرة وزيد بن خالد في رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن أحدهما عسيفا عند الآخر فزنى بامرأته. وفيه... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" . قال: فغدا عليها، فاعترفت فرجمها رواه الجماعة.
"ومن زنى ببهيمة عزر" ولا حد عليه، روي عن ابن عباس، وهو قول مالك والشافعي، لأنه لم يصح فيه نص، ولا حرمة له، والنفوس تعاف، وعنه: عليه الحد، لحديث ابن عباس مرفوعا: "من وقع على بهيمه فاقتلوه، واقتلوا البهيمة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وضعفه الطحاوي. وفي وجوب قتلها روايتان. وكره أحمد أكل لحمها.
"ولو تلوط" بغلام لزمه الحد، لحديث أبي موسى مرفوعا: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان" وعنه: حده الرجم بكل حال، لأنه إجماع الصحابة فإنهم أجمعوا على قتله، وإنما اختلفوا في الكيفية، قاله في الشرح. وعن ابن عباس مرفوعا: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط

(2/368)


فاقتلوا الفاعل والمفعول به" رواه الخمسة إلا النسائي. وفي حد من وقع على ذات محرمه بعقد أو غيره روايتان. إحداهما: حده حد الزنى لعموم الآية والأخبار. والثانية: يقتل بكل حال، لما روى البراء قال: لقيت عمي، ومعه الراية، فقلت أين تريد؟ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده: أن أضرب عنقه، وآخذ ماله حسنه الترمذي، وروى ابن ماجه بإسناده مرفوعا: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه" ولا يجوز للحاكم أن يقيم الحد بعلمه، لأن ذلك يروى عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه.
"وشرط وجوب الحد ثلاثة:"
"أحدها: تغييب الحشفة أو قدرها" لعدمها.
"في فرج أو دبر لآدمي حي" ذكر أو أنثى لحديث ابن مسعود: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني وجدت امرأة في البستان فأصبت منها كل شيء، غير أني لم أنكحها، فافعل بي ما شئت. فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} 1 رواه النسائي. وعن أبي هريرة في حديث الأسلمي: فأقبل عليه في الخامسة، قال: "أنكتها" ، قال: نعم. قال: "كما يغيب المرود في المكحلة والرشأ في البئر؟" قال: نعم وفي آخره فأمر به فرجم رواه أبو داود والدارقطني.
"الثاني: انتفاء الشبهة" لحديث عائشة مرفوعا: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة" رواه الترمذي.
ـــــــ
1 هود من الآية/ 114.

(2/369)


وذكر أنه قد روي موقوفا، وأنه أصح. وقال: وقد روي عن غير واحد من الصحابة: أنهم قالوا مثل ذلك. وعن أبي هريرة مرفوعا: "ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا" رواه ابن ماجه. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم: أن الحدود تدرأ بالشبهات.
"الثالث: ثبوته إما بإقرار أربع مرات" لأن ماعز بن مالك اعترف عند النبي، صلى الله عليه وسلم الأولى، والثانية، والثالثة، فرده. فقيل له: إنك إن اعترفت الرابعة رجمك. فاعترف الرابعة فحبسه، ثم سأل عنه، فقالوا: لا نعلم إلا خيرا، فأمر به فرجم روي من طريق عن ابن عباس وجابر وبريدة وأبي بكر الصديق. حتى ولو كان الإقرار في مجالس لأن الغامدية أقرت عنده بذلك في مجالس رواه مسلم.
"ويستمر على إقراره" إلى تمام الحد فإن رجع أو هرب كف عنه.
وبه قال مالك والشافعي، لقول بريدة: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعزا لو رجعا بعد اعترافهما، أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما، وإنما رجمهما بعد الرابعة رواه أبو داود. وفي حديث أبي هريرة فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي أن ماعزا فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هلا تركتموه" رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه.
"أو شهادة أربعة رجال عدول" ويصفونه، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ...} 1 الآية وقوله
ـــــــ
1 النور من الآية/4.

(2/370)


تعالى: {... فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} 1 فيجوز لهم النظر إليهما حال الجماع لإقامة الشهادة عليهما.
"فإن كان أحدهم غير عدل حدوا للقذف" لعدم كمال شهادتهم للآية ويشترط كونها في مجلس واحد وسواء جاؤوا جملة واحدة، أو سبق بعضهم بعضا لأن عمر، رضي الله عنه، لما شهد عنده أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة بالزنى حدهم حد القذف، لما تخلف الرابع زياد فلم يشهد ولو لم يشترط المجلس لم يجز أن يحدهم لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر، ولأنه لو جاء الرابع بعد حد الثلاثة لم تقبل شهادته، ولولا اشتراط المجلس لوجب أن يقتل. قاله في الكافي.
"وإن شهد أربعة بزناه بفلانة، فشهد أربعة آخرون أن الشهود هم الزناة صدقوا وحد الأولون فقط" دون المشهود عليه، لقدح الآخرين في شهادتهم عليه،
"للقذف، والزنى" لأنهم شهدوا بزنى لم يثبت فهم قذفة، وثبت عليهم الزنى بشهادة الآخرين.
"وإن حملت من لا زوج لها، ولا سيد: لم يلزمها شيء" لأن عمر، رضي الله عنه: أتي بامرأة ليس لها زوج قد حملت، فسألها عمر، فقالت: إني امرأة ثقيلة الرأس، وقع علي رجل وأنا نائمة، فما استيقظت حتى فرغ، فدرأ عنها الحد رواه سعيد. وعن علي وابن عباس: إذا كان في الحد لعل، وعسى، فهو معطل ولا خلاف أن الحد يدرأ
ـــــــ
1 النساء من الآية/15.

(2/371)


بالشبهة، وهي متحققة هنا. وعنه: تحد إذا لم تدع شبهة، اختاره الشيخ تقي الدين، وعليه يحمل قوله: أو كان الحبل أو الاعتراف.

(2/372)


باب حد القذف
مدخل
...
باب حد القذف:
وهو: الرمي بالزنى. وهو من الكبائر المحرمة، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1. وقوله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات" . قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" متفق عليه.
"ومن قذف غيره بالزنى حد للقذف. ثمانين إن كان حرا" لقوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 2.
"وأربعين إن كان رقيقا" لما روى يحيى بن سعيد الأنصاري قال: ضرب أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مملوكا افترى على حر ثمانين، فبلغ عبد الله بن عامر بن ربيعة، فقال: أدركت الناس زمن عمر بن الخطاب إلى اليوم، فما رأيت أحدا ضرب المملوك المفتري ثمانين قبل أبي بكر بن محمد بن عمرو. ولأنه حد يتبعض، فكان المملوك على النصف من الحر، كحد الزنى. وإن كان مبعضا فعليه بالحساب.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 23.
2 النور من الآية/ 4.

(2/372)


"وإنما يجب بشروط تسعة:"
"أربعة منها في القاذف. وهو: أن يكون: بالغا، عاقلا، مختارا" فلا حد على صغير، ومجنون، ونائم، ومكره، لحديث "رفع القلم عن ثلاثة" .
"ليس بوالد للمقذوف وإن علا" فإن قذف والد ولده، وإن سفل، فلا حد عليه: أبا كان أو أما، لأنها عقوبة تجب لحق آدمي، فلم تجب لولد على والده، كالقصاص. قاله في الكافي.
"وخمسة في المقذوف. وهو كونه: حرا، مسلما، عاقلا، عفيفا عن الزنى يطأ ويوطأ مثله" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} 1 الآية مفهومه أنه لا يجلد بقذف غير المحصن. والمحصن هو المسلم الحر العاقل العفيف عن الزنى، فلا يجب الحد على قاذف الكافر والمملوك والفاجر، لأن حرمتهم ناقصة، فلم تنهض لإيجاب الحد، ولا على قاذف المجنون والصغير الذي لا يجامع مثله، لأن زناهما لا يوجب الحد عليهما، فلا يجب الحد بالقذف به، كالوطء دون الفرج، قاله في الكافي بمعناه.
"لكن لا يحد قاذف غير البالغ حتى يبلغ" ويطالب به بعد بلوغه، إذ لا أثر لطلبه قبل البلوغ، لعدم اعتبار كلامه،
"لأن الحق في حد القذف للآدمي فلا يقام بلا طلبه" ذكره الشيخ تقي الدين إجماعا.
ـــــــ
1 النور من الآية/4.

(2/373)


"ومن قذف غير محصن عزر" ردعا له عن أعراض المعصومين، وكفا له عن إيذائهم.
"ويثبت الحد هنا، وفي الشرب. والتغرير بأحد أمرين. إما بإقراره مرة، أو شهادة عدلين" ويأتي في الشهادات.

(2/374)


فصل ويسقط حد القذف بأربعة أشياء:
"بعفو المقذوف" لما روي عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم: كان إذا أصبح يقول: تصدقت بعرضي..." . الحديث رواه ابن السني. والصدقة بالعرض لا تكون إلا بالعفو عما وجب له، ولأنه حق له لا يقام إلا بطلبه فيسقط بعفوه، كالقصاص.
"أو بتصديقه" أي إقراره، ولو دون أربع مرات، لأن المعرة عليه بإقراره لا بالقذف.
"أو بإقامة البينة"
"أو باللعان" لما تقدم في اللعان.
"والقذف: حرام، وواجب، ومباح. فيحرم فيما تقدم" لأنه من الكبائر.
"ويجب على من يرى زوجته تزني، ثم تلد ولدا يغلب على ظنه أنه من الزنى، لشبهه به" أو يراها تزني في طهر لم يطأها فيه فيعتزلها، ثم تلده لستة أشهر فأكثر، لجريان ذلك مجرى اليقين في أن الولد من

(2/374)


الزنى فيلزمه قذفها ونفيه، لئلا يلحقه الولد، ويرثه ويرث أقاربه ويرثوه، وينظر إلى بناته وأخواته ونحوهن، وذلك لا يجوز فوجب نفيه إزالة لذلك، ولحديث: "أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين" . رواه أبو داود. فكما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم فالرجل مثلها.
"ويباح إذا رآها تزني ولم تلد ما يلزمه نفيه" أو استفاض زناها بين الناس، أو أخبره به ثقة لا عداوة بينه وبينها، أو يرى معروفا به عندها خلوة، لأن ذلك مما يغلب على الظن زناها، ولم يجب لأنه لا ضرر على غيرها حيث لم تلد.
"وفراقها أولى" لأنه أستر ولأن قذفها يفضي إلى حلف أحدهما كاذبا إذا تلاعنا أو إقرارها فتفتضح.

(2/375)


فصل وصريح القذف يا منيوكة:
إن لم يفسره بفعل زوج أوسيد، فإن فسره بذلك لم يكن قذفا.
"يا منيوك، يا زاني، يا عاهر" وأصل العهر: إتيان الرجل المرأة ليلا للفجور بها، ثم غلب على الزاني، سواء جاءها أو جاءته، ليلا أو نهارا.
"يا لوطي" وهو في العرف: من يأتي الذكور، لأنه عمل قوم لوط لأن هذه الألفاظ صريحة في القذف لا تحتمل غيره، فأشبه صريح الطلاق.

(2/375)


"ولست ولد فلان فقذف لأمه" أي: المقول له في الظاهر من المذهب. وكذا لو نفاه عن قبيلته، لحديث الأشعث بن قيس مرفوعا: "لا أوتى برجل يقول: إن كنانة ليست من قريش إلا جلدته" وروي عن ابن مسعود: أنه قال: لا حد إلا في اثنتين: قذف محصنة، أو نفي رجل عن أبيه ولأنه لا يكون لغير أبيه إلا بزنى أمه. قاله في الكافي.
"وكنايته: زنت يداك أو رجلاك، أو يدك، أو بدنك" لأن زنى هذه الأعضاء لا يوجب الحد، لحديث: "العينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" .
"و: يا مخنث، يا قحبة، يا فاجرة، يا خبيثة، أو يقول لزوجة شخص: فضحت زوجك، وغطيت رأسه وجعلت له قرونا وعلقت عليه أولادا من غيره، وأفسدت فراشه" أو يقول لمن يخاصمه: يا حلال ابن الحلال ما يعرفك الناس بالزنى ما أنا بزان، ولا أمي بزانية ونحو ذلك. فهذا ليس بصريح في القذف. قال الإمام أحمد في رواية حنبل: لا أرى الحد إلا على من صرح بالقذف أو الشتمة.
"فإن أراد بهذه الألفاظ حقيقة الزنى حد" للقذف، لأن الكناية مع نية أو قرينة كالصريح في إفادة الحكم.
"وإلا" بأن فسره بمحتمل غير القذف.
"عزر" لارتكابه معصية لا حد فيها، ولا كفارة كأن أراد بالمخنث: المتطبع بطبائع التأنيث، وبالقحبة: المتعرضة للزنى وإن له تفعله،

(2/376)


وبالفاجرة: الكاذبة، ونحو ذلك. وعنه: أن الحد يجب بذلك كله، لما روى سالم عن أبيه: أن رجلا قال: ما أنا بزان، ولا أمي بزانية فجلده عمر الحد وروى الأثرم: أن عثمان جلد رجلا قال لآخر: يا ابن شامة الوذر: يعرض بزنى أمه1 ولأن هذه الألفاظ يراد بها القذف عرفا، فجرت مجرى الصريح. قاله في الكافي.
"ومن قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنى منهم عزر ولا حد" لأنه لا عار عليهم بذلك، للقطع بكذب القاذف.
"وإن كان يتصور الزنى منهم عادة، وقذف كل واحد بكلمة: فلكل واحد حد" لتعدد القذف، وتعدد محله، كما لو قذف كلا منهم من غير أن يقذف الآخر.
"وإن كان إجمالا" كقوله: هم زناة.
"فحد واحد" لقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} 2 ولم يفرق بين قذف واحد وجماعة، ولأنه قذف واحد فلا يجب به أكثر من حد. ومن قذف نبيا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو قذف أمه كفر، وقتل حتى ولو تاب، لأن القتل هنا حد للقاذف، وحد القذف لا يسقط بالتوبة. قال الشيخ تقي الدين: وكذا لو قذف نساءه، لقدحه في دينه. ولا يكفر من قذف أبا شخص إلى آدم. نص عليه. وسأله حرب رجل افترى على رجل، فقال: يابن كذا وكذا إلى آدم وحواء فعظمه جدا، وقال عن الحد: لم يبلغني فيه شيء وذهب إلى حد واحد.
ـــــــ
1 الوذر: القطع الصغار. أي: أنها تشم مذاكير كثيرة.
2 النور من الآية/4.

(2/377)


باب حد المسكر:
أجمع المسلمون على تحريم الخمر لكن اختلفوا فيما يقع عليه اسمه.
وكل شراب أسكر كثيرة فقليله حرام، لعموم الآية. وعن ابن عمر مرفوعا: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" رواه مسلم. وقال عمر: "نزل تحريم الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير. والخمرة: ما خامر العقل" متفق عليه. وعن ابن عمر مرفوعا: "ما أسكر كثيرة فقليله حرام" . رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني. وعن عائشة مرفوعا: "ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام" 1. رواه أبو داود.
"من شرب مسكرا مائعا، أو استعط به، أو احتقن به، أو أكل عجينا ملتوتا به، ولو لم يسكر: حد ثمانين إن كان حرا" لأن عمر استشار الناس في حد الخمر، فقال عبد الرحمن: اجعله كأخف الحدود ثمانين، فضرب عمر ثمانين، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام رواه أحمد ومسلم. وكان بمحضر من الصحابة فاتفقوا عليه، فكان إجماعا: قاله في الكافي. وعن علي أنه قال في المشورة: إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فحدوه حد المفتري رواه الجوزجاني والدارقطني.
"وأربعين إن كان رقيقا" لما روي عن ابن شهاب أنه سئل عن حد العبد في الخمر فقال: بلغني أن عليه نصف حد الحر في الخمر، وأن
ـــــــ
1 في اللسان: أما الفرق، فبالسكون: فمائة وعشرون رطلا، ومنه الحديث: ما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حزام.

(2/378)


عمر وعثمان وعبد الله بن عمر قد جلدوا عبيدهم نصف الحد في الخمر. رواه مالك في الموطأ. واختار الشيخ تقي الدين: وجوب الحد بأكل الحشيشة سكر أو لم يسكر، وضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر الخمر، وإنما حدث أكلها في آخر المائة السادسة أو قريبا منها، مع ظهور سيف جنكيز خان1 قاله في الإنصاف. وعنه: أن حده أربعون، لما روى حصين بن المنذر: أن عليا جلد الوليد بن عقبة في الخمر أربعين، ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم، أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي رواه مسلم. وعن علي قال: ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت وأجد في نفسي منه شيئا، إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يسنه متفق عليه. ومعناه: لم يقدره ويوقته.
"بشرط كونه مسلما مكلفا مختارا" لشربه فإن أكره عليه لم يحد، لحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه" . وصبره على الأذى أفضل من شربها مكرها. نص عليه.
"عالما أن كثيرة يسكر" فلا حد على جاهل بذلك، لأن الحدود تدرأ بالشبهات. وثبت عن عمر أنه قال: لا حد إلا على من علمه. وبه قال عامة أهل العلم.
ـــــــ
1 غازي تتري مغولي "1162-1227 م" بسط نفوذه على الصين شمالا، وقد حمل غزاته من آسيا المركزية حتى آسيا الوسطى محطما كل ما يمر به من البلاد الإسلامية، وكان من أبنائه تيمورلنك.

(2/379)


"ومن تشبه بشراب الخمر في مجلسه وآنيته حرم وعزر" قاله في الرعاية، لحديث: "من تشبه بقوم فهو منهم" وكذا يعزر من حضر شرب الخمر، لحديث ابن عمر مرفوعا: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه" . رواه أبو داود.
"ويحرم العصير إذا أتى عليه ثلاثة أيام ولم يطبخ" وإن لم يغل. نص عليه، لحديث: "اشربوا العصير ثلاثا ما لم يغل" رواه الشالنجي. وعن ابن عمر في العصير: اشربه ما لم يأخذه شيطانه. قيل: وفي كم يأخذه شيطانه؟ قال: ثلاثة حكاه أحمد وغيره وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له الزبيب فيشربه: اليوم، والغد، وبعد الغد إلى مساء الثالثة، ثم يأمر به فيهراق، أو يسقى الخدم. رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وقال: معنى يسقى الخدم: يبادر به الفساد.
ويحرم عصير غلي كغليان القدر: بأن قذف بزبده. نص عليه، لما تقدم وعن أبي هريرة، قال: علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصوم، فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء، ثم أتيته فإذا هو ينش، فقال: "اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لم يؤمن بالله واليوم الآخر" 1 رواه أبو داود والنسائي. وإن طبخ قبل غليانه وإتيان الثلاث عليه: حل، إن ذهب ثلثاه فأكثر. نص عليه، وذكره أبو بكر إجماع المسلمين: لأن أبا موسى كان يشرب من الطلاء ما ذهب ثلثاه
ـــــــ
1 النشيش: صوت غليان الماء.

(2/380)


وبقي ثلثه رواه النسائي، وله مثله عن عمر وأبي الدرداء. وقال البخاري: رأى عمر وأبو عبيدة ومعاذ شرب الطلاء على الثلث، وشرب البراء وأبو جحيفة على النصف وقال أبو داود: سألت أحمد عن شرب الطلاء إذا ذهب ثلثاه، فقال: لا بأس به قلت: إنهم يقولون: يسكر. قال: لا يسكر، لو كان يسكر ما أحله عمر، رضي الله عنه.

(2/381)


باب التعزير
مدخل
...
باب التعزير:
يجب التعزير على كل مكلف. نص عليه كالحد. وقال الشيخ تقي الدين: لا نزاع بين العلماء أن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا.
"يجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة" كمباشرة الأجنبية فيما دون الفرج، وإتيان المرأة المرأة، وسرقة ما لا قطع فيه، والجناية بما لا يوجب القصاص، ونحوها، لما روي عن علي، رضي الله عنه أنه سئل عن قول الرجل للرجل: يا فاسق، يا خبيث قال: هن فواحش فيهن تعزير، وليس فيهن حد.
"وهو من حقوق الله تعالى لا يحتاج في إقامته إلى مطالبة" لأنه شرع للتأديب، فللإمام إقامته إذا رآه، وله تركه إن جاء تائبا معترفا يظهر منه الندم والإقلاع، لما روى ابن مسعود: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطاها، فقال: "أصليت معنا؟" قال نعم. فتلا عليه: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} 1 متفق عليه.
ـــــــ
1 هود من الآية/ 114.

(2/381)


"إلا إذا شتم الولد والده فلا يعزر إلا بمطالبة والده" نقله في الإقناع عن الأحكام السلطانية.
"ولا يعزر الوالد بحقوق ولده" لحديث: "أنت ومالك لأبيك" .
"ولا يزاد في جلد التعزير على عشرة أسواط" نص عليه، لحديث أبي بردة مرفوعا: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" متفق عليه. فقدر أكثره، ولم يقدر أقله فيرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم. ويكون التعزير أيضا بالحبس، والصفع، والتوبيخ، والعزل عن الولاية، وإقامته من المجلس حسبما يراه الحاكم، لأنه صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمه، ثم خلى عنه رواه أحمد وأبو داود.
"إلا إذا وطئ أمة له فيها شرك: فيعزر بمائة سوط إلا سوطا" لما روى سعيد بن المسيب عن عمر: في أمة بين رجلين وطئها أحدهما يجلد الحد إلا سوطا رواه الأثرم. واحتج به أحمد. ولينقص عن حد الزنى.
"وإذا شرب مسكرا نهار رمضان: فيعزر بعشرين مع الحد" لما روى أحمد أن عليا، رضي الله عنه، أتي بالنجاشي قد شرب خمرا في رمضان، فجلده الحد وعشرين سوطا، لفطره في رمضان.
"ولا بأس بتسويد وجه من يستحق التعزير، والمناداة عليه بذنبه" قال أحمد في شاهد الزور: فيه عن عمر: يضرب ظهره، ويحلق رأسه، ويسخم وجهه، ويطاف به، ويطال حبسه1.
ـــــــ
1 وجد بهامش الأصل ما يلي: ذكر عن الشعبي كان عمر فمن بعده إذا أحذوا العاصي أقاموه للناس، ونزعوا عمامته، فلما كان زياد ضرب في الجنايات بالسياط، ثم زاد مصعب ابن الزبير حلق اللحية، فلما كان بشر بن مروان سمر كف الجاني بمسمار فلما قدم الحجاج قال: هذا كله لعب فقتل بالسيف. انتهى. عتلقى.

(2/382)


"ويحرم حلق لحيته، وأخذ ماله" وقطع طرفه، لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك.
"ويحرم" الاستمناء باليد على الرجال والنساء لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} 1 ولحديث رواه الحسن بن عرفة في جزئه، ولأنه مباشرة تفضي إلى قطع النسل، ويعزر فاعله. قال في الكافي: ولا حد فيه، لأنه لا إيلاج فيه، فإن خشي الزنى أبيح له، لأنه يروى عن جماعة من الصحابة. انتهى. يعني: إن لم يقدر على نكاح. قال مجاهد: كانوا يأمرون فتيانهم يستغنوا به.
ـــــــ
1 المؤمنون من الآية/ 5. ووجه الاستدلال أن الله تعالى أباح للإنسان أن يتمتتع بالزوجة وبالأمة، وحظر عليه خلاف ذلك بقوله {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} . المؤمنون/ 7.

(2/383)


فصل ومن الألفاظ الموجبة للتعزير:
"قوله لغيره: يا كافر يا فاسق يا فاجر يا شقي يا كلب يا حمار يا تيس يا رافضي يا خبيث يا كذاب يا خائن" يا عدو الله يا شارب الخمر يا مخنث. نص عليه.
"يا قرنان يا قواد يا ديوث يا علق" قال إبراهيم الحربي: الديوث: الذي يدخل الرجال على امرأته. وقال ثعلب: القرنان: لم أره في كلام العرب، ومعناه عند العامة: مثل معنى الديوث، أو قريبا منه. والقواد عند العامة: السمسار في الزنى. وعند الشيخ تقي الدين أن قوله:

(2/383)


يا علق: تعريض، ودليل ذلك ما تقدم عن علي، رضي الله عنه، ولأن ذلك معصية لا حد فيها.
"ويعزر من قال لذمي: يا حاج" لما فيه من تشبيههم في قصد كنائسهم بقصاد بيت الله الحرام.
"أو لعنه بغير موجب" لأنه ليس له ذلك إلا إن صدر منه ما يقتضيه.

(2/384)


باب القطع في السرقة:
أجمعوا عليه، لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا...} الآية1. وعن عائشة مرفوعا: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا" متفق عليه.
"ويجب بثمانية شروط:"
"1- السرقة، وهي: أخذ مال الغير من مالكه أو نائبه على وجه الاختفاء، فلا قطع على منتهب" يأخذ المال على وجه الغنيمة لحديث جابر مرفوعا: "ليس على المنتهب قطع" . رواه أبو داود.
"ومختطف" وهو: الذي يختلس ال شيء ويمر به، وغاصب
"وخائن في وديعة" لحديث: "ليس على الخائن والمختلس قطع" . رواه أبو داود والترمذي وقد تكلم فيه. ولعدم دخولهم في اسم السارق.
"لكن يقطع جاحد العارية" لحديث ابن عمر: كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بقطع يدها.
ـــــــ
1 المائدة من الآية/ 38.

(2/384)


رواه أحمد وأبو داود والنسائي مطولا. قال الإمام أحمد: لا أعرف شيئا يدفعه. وعنه: لا قطع عليه. قدمه في الكافي و المقنع، لأنه خائن فلا يقطع للخبر، كجاحد الوديعة. وهذا اختيار أبي إسحاق بن شاقلا، وأبي الخطاب.
"2- كونه السارق مكلفا" لأن غيره مرفوع عنه القلم.
"مختارا" لأن المكره معذور.
"عالما بأن ما سرقه يساوي نصابا" فلا قطع بسرقة منديل بطرفه نصاب مشدود لم يعلمه، ولا بسرقة جوهر يظن قيمته دون نصاب، لقول عمر: لا حد إلا على من علمه.
"3- كون المسروق مالا" لأن القطع شرع لصيانة الأموال، فلا يجب في غيرها، والأخبار مقيدة للآية. فإن سرق حرا صغيرا فلا قطع، لأنه ليس بمال. وعنه: يقطع، لحديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتي برجل يسرق الصبيان، ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخرى، فأمر بيده فقطعت. رواه الدارقطني.
"لكن لا قطع بسرقة الماء" لأنه لا يتمول عادة.
"ولا بإناء فيه خمر أو ماء" لاتصاله بما لا قطع فيه.
"ولا بسرقة مصحف" لأن المقصود منه ما فيه من كلام الله تعالى، ولا يحل أخذ العوض عنه. وبه قال: أبو بكر، والقاضي.
"ولا بما عليه من حلي" لأنه تابع لما لا قطع فيه. وقال أبو الخطاب:

(2/385)


عليه القطع بسرقة المصحف للآية، ولأنه متقوم يبلغ نصابا، أشبه كتب الفقه. قاله في الكافي. وهو قول: مالك والشافعي.
"ولا بكتب بدعة وتصاوير" لوجوب إتلافها، لأنها محرمة، أشبهت المزامير، ومثل ذلك سائر الكتب المحرمة.
"ولا بآلة لهو" كالطنبور، والمزمار، والطبل لغير الحرب ونحوها، لأنها آلة معصية كالخمر، ومثله: نرد، وشطرنج.
"ولا بصليب، أو صنم" من ذهب أو فضة، لأنه مجمع على تحريمه، أشبه الطنبور.
4-"كون المسروق نصابا، وهو: ثلاثة دراهم أو ربع دينار" فلا قطع بسرقة ما دون ذلك، لحديث عائشة مرفوعا: "لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا" رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. وعنها مرفوعا: "اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك" . وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، والدينار اثنا عشر درهما رواه أحمد. وهذان يخصان عموم الآية. وأما حديث أبي هريرة: "لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده، ويسرق البيضة فتقطع يده" . متفق عليه. فيحمل على حبل يساوي ذلك، وكذا البيضة، ويحتمل أن يراد بها بيضة السلاح، وهي تساوي ذلك، جمعا بين الأخبار، كما حكى البخاري عن الأعمش. ويحتمل أن سرقة القليل ذريعة إلى سرقة النصاب بالتدريج. ذكر معناه ابن القيم قي الهدي.
"أو ما يساوي أحدهما" لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه

(2/386)


وسلم: "قطع يد سارق سرق برنسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم" 1 رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وعنه أيضا مرفوعا: "قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم" رواه الجماعة.
"وتعتبر القيمة حال الإخراج" من الحرز، لأنه وقت الوجوب، لوجود السبب فيه.
5-"إخراجه من حرز" في قول أكثر أهل العلم، منهم: مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا من مزينة سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عن الثمار، فقال: "ما أخذ من غير أكمامه و احتمل ففيه قيمته معه، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن" رواه أبو داود وابن ماجه. وفي لفظ: "ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن: فعليه القطع" 2 رواه أبو داود والنسائي وزاد: "وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه، وجلدات نكال" وعن رافع بن خديج مرفوعا: "لا قطع في ثمر ولا كثر" 3 رواه الخمسة.
"فلو سرق من غير حرز فلا قطع" لفوات شرطه، كما لو أتلفه داخل الحرز بأكل أو غيره، وعليه ضمانه.
"وحرز كل مال: ما حفظ فيه عادة" لأن معناه الحفظ، ولأن
ـــــــ
1 البرنس: بضم الباء والنون: قلنسوة طويلة، كان النساء يلبسونها في صدر الإسلام.
2 الجرين: الموضع الذي يجفف فيه التمر.
3 الكثر: جمار النخل أو طلعها. قاموس.

(2/387)


الشرع لما اعتبر الحرز، ولم يبينه علمنا أنه رده إلى العرف، كالقبض والتفرق وإحياء الموات. قاله في الكافي.
"فنعل برجل، وعمامة على رأس: حرز" ونوم على متاع أو رداء: حرز لأن صفوان بن أمية نام في المسجد، وتوسد رداءه، فأخذ من تحت رأسه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يقطع سارقه الحديث، رواه الخمسة إلا الترمذي. وحرز الكفن: كونه على الميت في القبر، لقول عائشة، رضي الله عنها: سارق أمواتنا كسارق أحيائنا وروي عن ابن الزبير أنه قطع نباشا.
"ويختلف الحرز بالبلدان والسلاطين" لخفاء السارق بالبلد الكبير، لسعة أقطاره أكثر من خفائه في البلد الصغير. وكذا السلطان إن كان عدلا يقيم الحدود قل السراق، فلا يحتاج الإنسان إلى زيادة حرز. وإن كان جائرا يشارك من التجأ إليه، ويذب عنهم قويت صولتهم فيحتاج أرباب الأموال إلى زيادة التحفظ، وكذا الحال مع قوته وضعفه.
"ولو اشترك جماعة في هتك الحرز، وإخراج النصاب: قطعوا جميعا" نص عليه، لوجود سبب القطع منهم، كالقتل وكما لو كان ثقيلا فحملوه. ويقطع سارق نصاب لجماعة.
"وإن هتك الحرز أحدهما، ودخل الآخر فأخرج المال: فلا قطع عليهما، ولو تواطأ" لأن الأول لم يسرق، والثاني لم يهتك الحرز. قال في الكافي: ويحتمل أن يقطع إذا كانا شريكين.
"6- انتفاء الشبهة: فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله" أما ولده: لحديث "أنت ومالك لأبيك" وأما أصوله: فلوجوب نفقة

(2/388)


أحدهم على الآخر، ولأن بينهم قرابة تمنع من قبول شهادة بعضهم لبعض: فلا يقطع به، لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
"وزوجته" أي: لا يقطع أحد الزوجين بسرقته من مال الآخر رواه سعيد عن عمر بإسناد جيد. ولأن كلا منهما يرث صاحبه بغير حجب، وينبسط في ماله، أشبه الولد مع الوالد. ولا يقطع العبد بسرقته من مال سيده لما روى مالك: أن عبد الله ابن عمرو الحضرمي قال لعمر: إن عبدي سرق مرآة امرأتي، ثمنها: ستون درهما، فقال: أرسله، لأقطع عليه، غلامك أخذ متاعكم. وكان بمحضر من الصحابة، ولم ينكر فكان إجماعا. وقال ابن مسعود: "لا قطع مالك سرق مالك".
"ولا بسرقة من مال له فيه شرك، أو لأحد ممن ذكر" كأصوله وفروعه ونحوهم، لقيام الشبهة فيه بالبعض الذي لا يجب بسرقته قطع. ولا قطع على مسلم سرق من بيت المال، لذلك، ولقول عمر وابن مسعود: من سرق من بيت المال فلا قطع. ما من أحد إلا وله في هذا المال حق وروى سعيد عن علي: ليس على من سرق من بيت المال قطع وروى ابن ماجه عن ابن عباس أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقطعه، وقال: "مال الله سرق بعضه بعضا" .
"7- ثبوتها إما بشهادة عدلين" لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 1 والأصل عمومه لكن خولف فيما فيه دليل خاص للدليل، فبقي فيما عداه على عمومه.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 282.

(2/389)


"ويصفانها" أي: السرقة.
"ولا تسمع قبل الدعوى" من المالك، أو من يقوم مقامه.
"أو بإقرار" السارق
"مرتين" ويصفها في كل مرة، لاحتمال ظنه وجوب القطع مع فقد بعض شروطه. وعن القاسم بن عبد الرحمن أن عليا، رضي الله عنه أتاه رجل، فقال: إني سرقت، فطرده، ثم عاد مرة أخرى، فقال: إني سرقت، فأمر به أن يقطع رواه الجوزجاني. وفي لفظ: لا يقطع السارق حتى يشهد على نفسه مرتين حكاه أحمد في رواية مهنا واحتج به.
"ولا يرجع حتى يقطع" ولا بأس بتلقينه الإنكار، لحديث أبي أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم، أتي بلص قد اعترف، فقال: "ما إخالك سرقت؟" قال بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، قال: بلى فأمر به فقطع رواه أحمد وأبو داود. ولو وجب القطع بأول مرة لم يؤخره، ولم يلقنه الإنكار. وكذا ما تقدم عن علي. وروي عن عمر، رضي الله عنه أنه أتي برجل، فقال: أسرقت؟ قل: لا فقال: لا فتركه.
"8- مطالبة المسروق منه بماله" أو مطالبة وكيله أو وليه إن كان محجورا عليه لحظه، لأن المال يباح بالبذل والإباحة، فيحتمل إباحة مالكه إياه أو إذنه له في دخول حرزه ونحوه مما يسقط القطع فاعتبر الطلب، لنفي هذا الاحتمال، وانتفاء الشبهة.
"ولا قطع عام مجاعة غلاء" إن لم يجد ما يشتريه أو ما يشتري به. نص عليه، لقول عمر: لا قطع في عام سنة قيل لأحمد: تقول به؟

(2/390)


قال: إي لعمري لا أقطعه إذا حملته الحاجة، والناس في شدة ومجاعة.
"فمتى توفرت الشروط قطعت يده اليمنى من مفصل كفه" لأن في قراءة عبد الله بن مسعود: فاقطعوا أيمانهما وروي عن أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من مفصل الكوع ولا مخالف لهما في الصحابة.
"وغمست وجوبا في زيت مغلي" لتنسد أفواه العروق، لئلا ينزفه الدم فيؤدي إلى موته. ولقوله صلى الله عليه وسلم في سارق: "اقطعوه واحسموه" رواه الدارقطني. وقال ابن المنذر: في إسناده مقال.
"وسن تعليقها في عنقه ثلاثة أيام إن رآه الإمام" لحديث فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه رواه الخمسة إلا أحمد. وفي إسناده الحجاج بن أرطاة، وهو: ضعيف وفعل ذلك علي رضي الله عنه، بالذي قطعه ولأنه أبلغ في الزجر.
"فإن عاد قطعت رجله" لحديث أبي هريرة مرفوعا في السارق: "إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله" ولأنه قول أبي بكر وعمر، ولا مخالف لهما من الصحابة.
"اليسرى" قياسا على القطع في المحاربة، ولأنه أرفق به ليتمكن من المشي على خشبة، ولو قطعت يمناه لم يمكنه ذلك. قاله في الكافي.
"من مفصل كعبه بترك عقبه" لما روي عن علي أنه كان يقطع من شطر القدم، ويترك له عقبا يمشي عليها.
"فإن عاد لم يقطع، وحبس حتى يموت، أو يتوب" لأن عمر، رضي

(2/391)


الله عنه "أتي برجل أقطع الزند والرجل قد سرق، فأمر به عمر: أن تقطع رجله، فقال علي: إنما قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية1. وقد قطعت يده هذا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها. إما أن تعزره، إما أن تستودعه السجن. فاستودعه السجن" رواه سعيد. وعن سعيد المقبري قال: "حضرت علي بن أبي طالب أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين، قال: قتله إذا وما عليه القتل، بأي شيء يأكل الطعام؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة؟! بأي شيء يغتسل من جنابته؟! بأي شيء يقوم لحاجته؟ فرده إلى السجن أياما، ثم أخرجه فاستشار أصحابه، فقالوا مثل قولهم الأول، وقال لهم مثل ما قال أولا فجلده جلدا شديدا، ثم أرسله" رواه سعيد - وعنه: تقطع يده اليسرى فإن عاد فسرق رابعة قطعت رجله اليمنى. وهو قول مالك والشافعي وابن المنذر. قاله في الشرح، لحديث أبي هريرة مرفوعا: "من سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله" ولأن أبا بكر وعمر قطعا اليد اليسرى في المرة الثالثة" قاله في الكافي.
"ويجتمع القطع والضمان" نص عليه، لأنهما حقان لمستحقين فجاز اجتماعهما، كالدية والكفارة في قتل الخطأ.
"فيرد ما أخذه لمالكه" إن كان باقيا، لأنه عين ماله، وإن كان تالفا فعليه ضمانه، لأنه مال آدمي تلف تحت يده عادية فوجب ضمانه.
ـــــــ
1 المائدة من الآية/ 33.

(2/392)


"ويعيد ما خرب من الحرز" لأنه متعد.
"وعليه أجرة القاطع وثمن الزيت" لأن القطع حق وجب عليه الخروج منه، فكانت مؤنته عليه كسائر الحقوق، ولأن الحسم حفظ لنفسه عن التلف. وقال في الكافي وغيره: ثمن الزيت، وأجرة القاطع من بيت المال، لأنهما من المصالح العامة.

(2/393)


باب حد قطاع الطريق
مدخل
...
باب حد قطاع الطريق:
"وهم: المكلفون الملتزمون" من المسلمين وأهل الذمة، وينقض به عهدهم.
"الذين يخرجون على الناس، فيأخذون أموالهم مجاهرة" فإن أخذوا مختفين فسراق، وإن اختطفوا وهربوا فمنتهبون لا قطع عليهم، لأن عادة قطاع الطريق القهر، فاعتبر ذلك فيهم.
"ويعتبر ثبوته ببينة، أو إقرار مرتين" كالسرقة.
"والحرز" بأن يأخذه من يد مستحقه وهو بالقافلة
"والنصاب" قياسا على القطع في السرقة.
"ولهم أربعة أحكام:"
"1- إن قتلوا ولم يأخذوا مالا: حتم قتلهم جميعا" وحكم الردء كالمباشر. وبه قال مالك.
"2- إن قتلوا وأخذوا مالا: حتم قتلهم وصلبهم حتى يشتهروا" ليرتدع غيرهم، ثم يغسلوا، ويكفنوا، ويصلى عليهم، ويدفنوا.

(2/393)


"3- إن أخذوا مالا، ولم يقتلوا: قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف حتما" لوجوبه لحق الله تعالى
"في آن واحد" فلا ينتظر بقطع أحدهما اندمال الآخر، لأنه تعالى أمر بقطعهما، والأمر للفور، فتقطع يده اليمنى، ورجله اليسرى، لقوله: {... مِنْ خِلافٍ...} 1
"إن أخافوا الناس، ولم يأخذوا مالا: نفوا من الأرض، فلا يتركون يأوون إلى بلد حتى تظهر توبتهم" لقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} 1 قال ابن عباس، وأكثر المفسرين: نزلت في قطاع الطريق من المسلمين قال في الشرح: وحكي عن ابن عمر أنها نزلت في المرتدين وقال أنس: نزلت في العرنيين الذين استاقوا إبل الصدقة، وارتدوا ولنا قوله تعالى: {... إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ...} 2 والكفار تقبل توبتهم بعد القدرة عليه. انتهى. وروى الشافعي بإسناده عن ابن عباس إذا قتلوا، وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا، ولم يأخذوا المال: قتلوا، ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال، ولم يقتلوا: قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل، ولم يأخذوا مالا: نفوا من الأرض وروي نحوه مرفوعا. وروى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال: وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ـــــــ
1 المائدة: من الآية/33.
2 المائدة: من الآية/34.

(2/394)


أبا برزة الأسلمي، فجاء ناس يريدون الإسلام فقطع عليهم أصحابه، فنزل جبريل، عليه السلام، بالحد فيهم أن من قتل وأخذ المال: قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ المال: قتل، ومن أخذ المال ولم يقتل: قطعت يده ورجله من خلاف وعلم منه أن: أو، في الآية ليست للتخيير، ولا للشك بل للتنويع. وتنفى الجماعة متفرقة كل إلى جهة، لئلا يجتمعوا على المحاربة ثانيا. وعنه: النفي: التعزير بما يردع. وقيل: الحبس في غير بلدهم. وقال ابن عباس: نفيهم إذا هربوا: أن يطلبوا حتى يؤخذوا فتقام عليهم الحدود ولأن تشريدهم يفضي إلى إغرائهم بقطع الطريق.
"ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق الله تعالى" من نفي، وقطع يد، ورجل وتحتم قتل، وصلب، لقوله تعالى: {...إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.
"وأخذ بحقوق الآدميين" من نفس وطرف ومال، ولا أن يعفى له عنها من مستحقها، لأنه حق آدمي فلا يسقط بالتوبة، كالضمان.
ـــــــ
1 المائدة: من الآية/34.

(2/395)


فصل ومن أريد بأذى في نفسه أو ماله:
"أو حريمه دفعه بالأسهل فالأسهل" فإن اندفع بالأسهل حرم الأصعب، لعدم الحاجة إليه.
"فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله ولا شيء عليه" وإن قتل كان شهيدا، لحديث أبي هريرة: جاء رجل، فقال: يا رسول الله: أرأيت إن جاء رجل

(2/395)


يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه" ، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" ، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال "هو في النار" رواه أحمد ومسلم. وفي لفظ أحمد أنه قال له أولا: "أنشده الله" ، قال: فإن أبى؟ قال: "قاتله" وعن ابن عمر مرفوعا: "من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد" رواه الخلال بإسناده. وهل يلزمه الدفع: على روايتين. قال ابن سيرين: ما أعلم أحدا ترك قتال الحرورية واللصوص تأثما إلا أن يجبن. ذكره في الشرح.
"ويجب أن يدفع عن حريمه" كأمه وأخته وزوجته ونحوهن إذا أريدت بفاحشة أو قتل. نص عليه، لأنه يؤدي بذلك حق الله من الكف عن الفاحشة والعدوان، وحق نفسه بالمنع عن أهله، فلا يسعه إضاعة الحقين.
"وحريم غيره" لئلا تذهب الأنفس، وتستباح الحرم، ويسقط وجوب الدفع بإياسه من فائدته. وكره أحمد الخروج إلى صيحة ليلا، لأنه لا يدري ما يكون. وظاهر كلام الأصحاب خلافه، وهو أظهر. قاله في الفروع، لقول أنس: فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق أناس قبل الصوت، فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم، راجعا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف، وهو يقول: "لم تراعوا، لم تراعوا" 1 متفق عليه.
"وكذا في غير الفتنة عن نفسه" لقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 2 فكما يحرم عليه قتل نفسه يحرم عليه إباحة قتلها.
ـــــــ
1 الروع: الفزع.
2 البقرة من الآية/ 195.

(2/396)


"ونفس غيره وماله" لأنه لا يتحقق منه إيثار الشهادة، وكإحيائه ببذل طعامه. ذكره القاضي، وغيره. وأطلق الشيخ تقي الدين لزومه عن مال غيره، وقال في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال تجار ليردوه إليهم: هم مجاهدون في سبيل الله، ولا ضمان عليهم بقود، ولا دية، ولا كفارة. ذكره في الفروع. وقال في المغني و الشرح: لغيره معونته بالدفع، لقوله صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" وقد روى أحمد وغيره النهي عن خذلان المسلم، والأمر بنصر المظلوم فإن كان ثم فتنة لم يجب الدفع عن نفسه، ولا نفس غيره، لقصة عثمان، رضي الله عنه. ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في الفتنة "اجلس في بيتك، فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فغط وجهك" وفي لفظ: "فكن كخير ابني آدم" وفي لفظ: "فكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل" .
"لا مال نفسه" أي: لا يجب عليه أن يدفع عن ماله، وله بذله لمن أراده منه ظلما. وذكر القاضي أنه أفضل من الدفع عنه. قال أحمد في رواية حنبل: أرى دفعه إليه، ولا يأتي على نفسه، لأنها لا عوض لها.
"ولا يلزمه حفظه من الضياع والهلاك" ذكره القاضي وغيره.

(2/397)


باب قتال البغاة:
"وهم: الخارجون على الإمام بتأويل سائغ، ولهم شوكة" ولو لم يكن فيهم مطاع. سموا بغاة، لعدولهم عن الحق، وما عليه أئمة المسلمين. والأصل في قتالهم قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 1 وحديث: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، ويفرق جماعتكم فاقتلوه" رواه أحمد ومسلم. وعن ابن عباس مرفوعا: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فميتته جاهلية" متفق عليه وقاتل علي، رضي الله عنه، أهل النهروان فلم ينكره أحد.
"فإن اختل شرط من ذلك" بأن لم يخرجوا على إمام، أو خرجوا عليه بلا تأويل أو بتأويل غير سائغ، أو كانوا جمعا يسيرا لا شوكة لهم.
"فقطاع طريق" وتقدم حكمهم.
"ونصب الإمام فرض كفاية" لحاجة الناس لذلك، لحماية البيضة، والذب عن الحوزة، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وقال الشيخ تقي الدين: قد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم، تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر وهو: تنبيه على أنواع الاجتماع. انتهى. وكل من ثبتت
ـــــــ
1 الحجرات من الآية/9.

(2/398)


إمامته حرم الخروج عليه وقتاله، سواء ثبتت بإجماع المسلمين عليه: كإمامة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أو بعهد الإمام الذي قبله إليه: كعهد أبي بكر إلى عمر، رضي الله عنهما، أو باجتهاد أهل الحل والعقد لأن عمر جعل أمر الإمامة شورى بين ستة من الصحابة فوقع الإتفاق على عثمان، رضي الله عنه أو بقهره للناس حتى أذعنوا له، ودعوه إماما: كعبد الملك بن مروان لما خرج على ابن الزبير فقتله، واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها، ودعوه إماما. ولأن في الخروج على من ثبتت إمامته بالقهر شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وإذهاب أموالهم.
قال أحمد في رواية العطار: ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين: فلا يحل لأحد يؤمن بالله أن يبيت، ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا. وقال في الغاية: ويتجه: لا يجوز تعدد الإمام، وأنه لو تغلب كل سلطان على ناحية كزماننا فحكمه كالإمام.
"ويعتبر كونه قرشيا" لقول المهاجرين للأنصار إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش. وقال أحمد في رواية منها: لا يكون من غير قريش خليفة.
"بالغا عاقلا سميعا بصيرا ناطقا حرا ذكرا عدلا عالما ذا بصيرة كافئا ابتداء ودوما" لاحتياجه إلى ذلك في أمره ونهيه، وحربه وسياسته، وإقامة الحدود ونحو ذلك، ولأن العبد منقوص برقه مشغول بحقوق سيده. وقوله صلى الله عليه وسلم، في حديث العرباض وغيره - "والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد..." . الحديث - محمول

(2/399)


على نحو أمير سرية. والمرأة ليست من أهل الولاية، وفي الحديث "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رواه البخاري.
"ولا ينعزل بفسقه" لما في ذلك من المفسدة، بخلاف القاضي، ولحديث: "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان" .
"وتلزمه مراسلة البغاة، وإزالة شبههم، وما يدعون من المظالم" لأن ذلك وسيلة إلى الصلح المأمور به، والرجوع إلى الحق. ولأن عليا، رضي الله عنه راسل أهل البصرة يوم الجمل قبل الوقعة، وأمر أصحابه أن لا يبدؤوهم بقتال، وقال: إن هذا يوم من فلج فيه فلج يوم القيامة1 وروى عبد الله بن شداد أن عليا، رضي الله عنه، لما اعتزله الحرورية بعث إليهم عبد الله بن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف.
"فإن رجعوا وإلا لزمه قتالهم" لقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 2
"ويجب على رعيته معونته" للآية، ولأن الصحابة قاتلوا مانعي الزكاة وقاتل علي، رضي الله عنه، أهل البصرة يوم الجمل، وأهل الشام بصفين وإذا حضر من لم يقاتل لم يجز قتله لأن عليا، رضي الله عنه، قال: إياكم وصاحب البرنس يعني: محمد بن طلحة السجاد، وكان حضر طاعة لأبيه، ولم يقاتل. ولأن القصد كفهم، وهذا قد كف نفسه. قاله في الكافي.
ـــــــ
1 فلج على خصمه: غلبه.
2 الحجرات من الآية/9.

(2/400)


"وإذا ترك البغاة القتال حرم قتلهم، وقتل مدبرهم وجريحهم" لقول مروان: "صرخ صارخ لعلي يوم الجمل: لا يقتلن مدبر، ولا يذفف على جريح، ولا يهتك ستر، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن"1 رواه سعيد. وعن عمار نحوه. وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يا ابن أم عبد: ما حكم من بغى على أمتي؟" فقلت: الله ورسوله أعلم. فقال: "لا يقتل مدبرهم، ولا يجاز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يقسم فيئهم" 2 وعن أبي أمامة قال: شهدت صفين، فكانوا لا يجيزون على جريح، ولا يطلبون موليا، ولا يسلبون قتيلا ولأن المقصود دفعهم فإذا حصل لم يجز قتلهم كالصائل.
"ولا يغنم مالهم، ولا تسبى ذراريهم" لا نعلم في ذلك خلافا بين أهل العلم، لأن مالهم مال معصوم، وذريتهم معصومون لا قتال منهم ولا بغي.
"وبجب رد ذلك إليهم" لأن أموالهم كأموال غيرهم من المسلمين، وإنما أبيح قتالهم للرد إلى الطاعة. وعن علي أنه قال يوم الجمل: من عرف شيئا من ماله مع أحد فليأخذه، فعرف بعضهم قدرا مع أصحاب
ـــــــ
1 قوله: ولا يذفف: بالذال المفتوحة، بعده فاء مشددة، ثم فاء مخفضة على صيغة البناء للمجهول، وهو في معنى: يجهز. قال في القاموس: دف على الجريح: أجهز. وقال أيضا في مادة جهاز، وجهز على الجريح: كمنع، وأجهز: أثبت قتله وأسرعه وتمم عليه.
2 قال صاحب اللسان: أجاز أمره يجيزه إذا أمضاه، وجعله جائزا. وفي حديث أبي ذر، رضي الله عنه "قبل أن تجيزوا علي" أي: قبل أن تقتلوني، وتنفذوا في أمركم.

(2/401)


علي وهو يطبخ فيها، فسأله إمهاله حتى ينطبخ الطبيخ فأبى، وكبه وأخذها.
"ولا يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب" كما لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه للبغاة حال الحرب لأن عليا لم يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب من نفس ومال وقال الزهري: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، متوافرون وفيهم البدريون، فأجمعوا أنه لا يقاد أحد، ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه ذكره أحمد في رواية الأثرم محتجا به. وإن استولوا على بلد فأقاموا الحدود، وأخذوا الزكاة والخراج والجزية احتسب به لأن عليا، رضي الله عنه، لم يتبع ما فعله أهل البصرة، ولم يطالبهم ب شيء مما جباه البغاة ولأن ابن عمر، وسلمة بن الأكوع يأتيهم ساعي نجدة الحروري فيدفعون إليه زكاتهم ولأن في ترك الاحتساب بذلك ضررا عظيما على الرعايا.
"وهم في شهادتهم، وإمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل" لأن التأويل السائغ في الشرع لا يفسق به الذاهب إليه أشبه المخطئ من الفقهاء في فرع، فيقضى بشهادة عدولهم، ولا ينقض حكم حاكمهم إلا ما خالف نص كتاب أو سنة أو إجماعا. وإن أظهر قوم رأي الخوارج: كتكفير مرتكب الكبيرة، وسب الصحابة، ولم يخرجوا عن قبضة الإمام: لم يتعرض لهم، لأن عليا سمع رجلا يقول: لا حكم إلا الله - تعريضا بالرد عليه في التحكيم - فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، ثم قال: لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله،

(2/402)


ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدؤكم بقتال وإن عرضوا بسبب الإمام أو غيره من أهل العدل: عزروا كيلا يصرحوا، ويخرقوا الهيبة. والوجه الثاني: لا يعزرون، لما روي أن عليا كان في صلاة الفجر، فناداه رجل من الخوارج {...لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 1 فأجابه علي، رضي الله عنه: {...فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} 2 ولم يعزره.
ومن كفر أهل الحق والصحابة، واستحل دماء المسلمين بتأويل: فهم خوارج فسقة، لأن عليا قال في الحرورية لا تبدؤوهم بقتال وأجراهم مجرى البغاة، وكذلك عمر بن عبد العزيز. وذهب طائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار حكمهم حكم المرتدين، لحديث أبي سعيد مرفوعا، وفيه: "...يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة" رواه البخاري. وفي لفظ: "لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" فعلى هذا يجوز قتلهم ابتداء، وقتل أسراهم، وإتباع مدبرهم. ومن قدر عليه.
منهم استتيب كالمرتد، فإن تاب وإلا قتل. قاله في الكافي. وقال الشيخ تقي الدين: الخوارح يقتلون ابتداء، ويجهز على جريحهم. وقال جمهور العلماء: يفرقون بينهم وبين البغاة المتأولين، وهوا لمعروف عن الصحابة، وعليه عامة الفقهاء.
ـــــــ
1 الزمر من الآية/65.
2 الروم من الآية/60.

(2/403)


باب حكم المرتد
مدخل
...
باب حكم المرتد:
"وهو: من كفر بعد إسلامه" وأجمعوا على وجوب قتله إن لم يتب، لحديث ابن عباس مرفوعا: "من بدل دينه فاقتلوه" رواه الجماعة إلا مسلما. وروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وخالد بن الوليد وغيرهم. وسواء الرجل والمرأة، لعموم الخبر. وروى الدارقطني أن امرأة - يقال لها: أم مروان ارتدت عن الإسلام، فبلغ أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر أن تستتاب، فإن تابت وإلا قتلت.
"ويحصل الكفر بأحد أربعة أمور:"
"1- بالقول: كسب الله تعالى، أو رسوله، أو ملائكته" لأنه لا يسبه إلا وهو جاحد به.
"أو ادعى النبوة" أو تصديق من ادعاها، لأن ذلك تكذيب لله تعالى في قوله: {...وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} 1 ولحديث: "لا نبي بعدي" ونحوه.
"2- أو الشركة له تعالى" لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} 2 وقال الشيخ تقي الدين: أو كان مبغضا لرسوله، أو
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/40.
2 النساء من الآية/48.

(2/404)


لما جاء به اتفاقا، أوجعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم، ويدعوهم ويسألهم: كفر إجماعا.
"3- بالفعل: كالسجود للصنم ونحوه" كشمس وقمر وشجر وحجر وقبر، لأنه إشراك بالله تعالى.
"وكإلقاء المصحف في قاذورة " أو ادعى اختلافه، أو القدرة على مثله لأن ذلك تكذيب له.
"4- بالاعتقاد: كاعتقاد الشريك له تعالى" أو الصاحبة، أو الولد، لقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} 1.
"أو أن الزنى والخمر حلال، أو أن الخبز حرام، ونحو ذلك مما أجمع عليه إجماعا قطعيا" لأن ذلك معاندة للإسلام، وامتناع من قبول أحكامه، ومخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة.
"وبالشك في شيء من ذلك" أي: في تحريم الزنى والخمر، أو في حل الخبز ونحوه، ومثله لا يجهله لكونه نشأ بين المسلمين. وإن كان يجهله مثله، لحداثة عهده بالإسلام أو الإفاقة من جنون ونحوه: لم يكفر، وعرف حكمه ودليله، فإن أصر عليه كفر، لأن أدلة هذه الأمور ظاهرة من كتاب الله وسنة رسوله، ولا يصدر إنكارها إلا من مكذب لكتاب الله وسنة رسوله. قاله في الكافي.
"فمن ارتد، وهو مكلف مختار استتيب ثلاثة أيام" وجوبا، لما روى مالك والشافعي أنه قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى، فقال له عمر: هل كان من مغربة خبر؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، فقال: ما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، قال عمر: فهلا حبستموه ثلاثا،
ـــــــ
1 المؤمنون من الآية/91.

(2/405)


وأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر الله. اللهم إني لم أحضر، ولم أرض إذ بلغني فلولا وجوب الاستتابة لما برئ من فعلهم. وأحاديث الأمر بقتله تحمل على ذلك جمعا بين الأخبار.
"فإن تاب فلا شيء عليه، ولا يحبط عمله" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ...} إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ...} 1 ولمفهوم قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} 2 وعن أنس مرفوعا: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها" ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كف عن المنافقين حين أظهروا الإسلام.
"وإن أصر قتل بالسيف" لما تقدم، ولحديث: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة" وحديث: "من بدل دينه فاقتلوه، ولا تعذبوا بعذاب الله. يعني: النار" رواه البخاري وأبو داود.
"ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه" لأنه قتل لحق الله تعالى، فكان إلى الإمام، كرجم الزاني المحصن.
"فإن قتله غيرهما أساء وعزر" لافتئاته على ولي الأمر.
"ولا ضمان" بقتل مرتد،
"ولو كان قبل استتابته" لأنه مهدر الدم بالردة في الجملة، ولا يلزم من تحريم القتل الضمان، بدليل نساء الحرب وذريتهم.
ـــــــ
1 الفرقان من الآية/ 68- 70.
2 البقرة من الآية/ 217.

(2/406)


"ويصح إسلام المميز" ذكرا أو أنثى إذا عقله لأن عليا، رضي الله عنه، أسلم وهو ابن ثمان سنين رواه البخاري في تاريخه. فصح إسلامه، وثبت إيمانه، وعد بذلك سابقا. وروي عنه قوله:
سبقتكمو إلى الإسلام طرا ... صبيا ما بلغت أوان حلمي
"وردته" أي: المميز، لأن من صح إسلامه صحت ردته كسائر الناس.
"لكن لا يقتل حتى يستتاب بعد بلوغه ثلاثة أيام" لأن بلوغه أول زمن صار فيه أهل العقوبة، لحديث "رفع القلم عن ثلاثة" . وتقدم.

(2/407)


فصل وتوبة المرتد، وكل كافر إتيانه بالشهادتين:
لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكنيسة، فإذا هو بيهودي يقرأ عليهم التوراة، فقرأ.. حتى إذا أتى على صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأمته، فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "لوا أخاكم" رواه أحمد. وعن أنس أن يهوديا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أنك رسول الله، ثم مات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا على صاحبكم" احتج به أحمد في رواية مهنا.
"مع رجوعه عما كفر به" لأنه كذب الله ورسوله بما اعتقد، فلا بد من إتيانه بما يدل على رجوعه عنه.

(2/407)


"ولا يغني قوله: محمد رسول الله، عن كلمة التوحيد" لأنه غير موحد، فلا يحكم بإسلامه حتى يوحد الله، ويقر بما كان يجحده.
"وقوله: أنا مسلم توبة" لأنه يتضمن الشهادتين. وعن المقداد أنه قال: يا رسول الله: أرأيت، إن لقيت رجلا من الكفار، فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بصخرة، فقال: أسلمت أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال: "لا تقتله، فإن قتلتة فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها" وعن عمران بن حسين قال: أصاب المسلمون رجلا من بني عقيل، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد: إني مسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت قلت، وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" رواهما مسلم. قال في المغني: ويحتمل أن هذا في الكافر الأصلي، أو من جحد الوحدانية، وأما من كفر بجحد نبي أو كتاب، أو فريضة ونحو هذا: فلا يصير مسلما بذلك، لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه، فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون، ومنهم من هو كافر.
"وإن كتب كافر الشهادتين صار مسلما" لأن الخط كاللفظ.
"وإن قال: أسلمت، أو: أنا مسلم، أو: أنا مؤمن: صار مسلما" بذلك وإن لم يتلفظ بالشهادتين، لما تقدم.
"ولا يقبل في الدنيا بحسب الظاهر توبة زنديق، وهو: المنافق الذي يظهر الإسلام، ويخفي الكفر" لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا...} 1 والزنديق: لا يعلم تبيين رجوعه، وتوبته،
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 160.

(2/408)


لأنه لا يظهر منه بالتوبة خلاف ما كان عليه، فإنه كان ينفي الكفرعن نفسه قبل ذلك، وقلبه لا يطلع عليه.
"ولا من تكررت ردته" لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} 1 وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} 2 ولأن تكرار ردته يدل على فساد عقيدته، وقلة مبالاته بالإسلام.
"أو سب الله تعالى، أو رسوله، أو ملكا له" لعظم ذنبه جدا فيدل على فساد عقيدته. قال أحمد: لا تقبل توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم.
"وكذا من قذف نبيا أو أمه" لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر.
"ويقتل، حتى ولو كان كافرا فأسلم" لأن قتله حد قذفه فلا يسقط بالتوبة، كقذف غيرهما. ومن قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 137.
2 آل عمران من الآية/90.

(2/409)