نَيْلُ المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب

كتَاب الاعتكَاف
(وهو) أي الاعتكاف (سُنَّةٌ) كلَّ وقتٍ وهو في رمضانَ آكَدُ، وآكَدُهُ عَشْرُهُ الأخير.
(ويجب) الاعتكاف (بالنذر) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوفِ بِنَذْرِكَ" (1).
(وشرط صحته ستة أشياء):
الأول: (النية. و) الثاني: (الإِسلام. و) الثالث: (العقل. و) الرابع: (التمييز) فلا يصحُّ من كافرٍ ولا مجنونٍ ولا طفلٍ، لعدم النية. (و) الخامس: (عدم ما يوجب الغسل) فلا يصحّ من جُنُبٍ ولو متوضئاً. (و) السادس: (كونه) أي الاعتكافِ (بمسجدٍ)، فلا يصحُّ بغير مسجدٍ.
(ويزاد) على كونه بمسجد (في حق من تلزمه الجماعة: أن يكون المسجد مما تقام فيه) الجماعة، ولو من معتكفين، إذا أتى عليه فعلُ الصلاة.
(ومن المسجِدِ ما زيد فيه) حتَّى في الثوابِ، في المسجِدِ الحرام، وعند جمعٍ من الأصحاب منهم الشيخ وابن رجب، ومسجدِ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) حديث "أوْفِ بنذرك" قاله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب عندما قال "يا رسول الله إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة -وفي رواية: يوماً- بالمسجد الحرام" رواه البخاري ومسلم (شرح ابن دقيق العيد على العمدة 2/ 46).

(1/283)


(ومنه سطحُه و) منه (رَحْبَتُه المَحُوطَةُ) فإذا أَذَّنَ والإِنسان بالرحبةِ فلا يجوز له الخروج (و) من المسجد (منارته التي هي) فيه، (أو بابها فيه).
(ومَنْ عَيَّنَ) بنذرِهِ (الاعتكافَ) أو الصلاةَ (بمسجدٍ غيرٍ) المساجد (الثلاثة لم يتعيَّن)، قال في شرح المنتهى: ويتوجهُ: إلا مسجدَ قُباء، وفاقاً لمحمد بن مسلمة المالكي.
وأفضلُها المسجدُ الحرامُ، ثم مسجِدُه - صلى الله عليه وسلم -، ثم الأقْصَى. فمن نذر اعتكافاً أو صلاةً في أحدِها لم يُجْزِهِ غيرُه إلا أفضلُ منه.
(ويبطلُ الاعتكافُ بالخروج من المسجدِ لغير عذرٍ) وإذا خرجَ ناسياً لم يبطل (و) يبطل الاعتكافُ (بنيةِ الخروجِ، ولو لم يخرج).
(و) يبطل الاعتكافُ (بالوطء في الفرج) ولو ناسياً، (و) يبطل الاعتكاف (بالإِنزالِ بالمباشرة دون الفرج) فإن باشَرَ دون الفرجِ لغيرِ شهوةٍ فلا بأسَ ولشهوةٍ حَرُمَ.
(و) يبطل الاعتكاف (بالردّة) لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}. ولأنه خرجَ عن كونِهِ من أهلِ العبادةِ، فأشبه ردَّتَهُ في الصوم وغيره.
(و) يبطل الاعتكاف (بالسُّكْرِ،) قال في الإِقناع: وإن شربَ ولم يسكر، أو أتى كبيرةً لم يفسد.
(وحيثُ بطل الاعتكافُ) بواحدٍ بما ذكر (وجب استئنافُ النذر المتَتَابع غير المقيَّد بزمنٍ، ولا كفارة. وإن كان مقيداً بزمن معين استأنَفَه وعليهِ كفارةُ يمين، لفواتِ المحلِّ.)
قال في الإقناع وشرحه: وإن خرجَ لعذرٍ غيرِ معتادٍ كنفيرٍ، وشهادةٍ واجبةٍ، وخوفٍ من فتنة، ومرضٍ، ونحو ذلك كقَيْءٍ بَغْتَة، ولم يتطاولْ، فهو على اعتكافه. ولا يقضي الوقتَ الفائتَ بذلكَ، لكونه يسيراً مباحاً.

(1/284)


وأن تطاوَلَ، فإن كان الاعتكافُ تطوُّعاً خُيرَ بين الرجوعِ وعدمِهِ، وإن كان واجباً وجب عليه الرجوع إلى معتكفِهِ.
ثم لا يخلو النذرُ من ثلاثة أحوال:
أحدها: نَذَرَ اعتكافَ أيامٍ غيرِ متتابعةٍ ولا معيَّنةٍ، كنذرِ عشرةِ أيامٍ مع الإطلاق، فيلزمه أن يتمَّ ما بقِيَ عليهِ من الأيامِ، محتسباً بما مضى، لكنه يبتدئُ اليومَ الذي خرج فيه من أوله، ولا كفارة.
الثاني: نَذَرَ أياماً متتابعةً غير معينة بأن قال: لله تعالى عليَّ أن أعتكف عشرةَ أيام متتابعة، فاعتَكَفَ بعضَها، ثم خرجَ لما تقدَّم، وطال، فيخيَّر بين البناء على ما مضى بأن يقضي ما بقِيَ من الأيامِ وعليهِ كفارةُ يمينٍ، وبينَ الاستئنافِ بلا كفارة.
الثالث: نَذَرَ أياماً معينة كالعشر الأخير من رمضانَ فعليهِ قضاءُ ما ترك، وكفارة يمين.
(ولا يبطلُ) الاعتكاف (إن خرج) المعتكف (من المسجدِ لبولٍ أو غائطٍ أو طهارةٍ واجبةٍ) ولو وضُوءاً قبل دخولِ وقت الصلاة (أو لإزالة نجاسةٍ) قال في المنتهى: وغسلِ متنجّسٍ يحتاجُهُ، (أو لجمعةٍ تلزَمُهُ) لأن الخروج إليها معتادٌ لا بد منه، وأوقاتُ الاعتكافِ التي تتخلَّلُها الجمعة لا تسلمُ منه، فصارَ الخروج إليها كالمستثنى.
(ولا) يبطلُ الاعتكافُ (إن خرجَ) المعتكفُ (للإتيانِ بمأكلٍ ومشربٍ لعدمِ خادمٍ).
(وله) أي للمعتكف إذا خَرَجَ لما لا بد منه (المشيُ على عادتِهِ) من غير عجلةٍ.
(وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكافَ مدةَ لُبْثِهِ فيه، لا سيَّما إن كان صائماً) فإن الصومَ فيهِ أفضلُ. ويصحُّ بلا صومٍ.

(1/285)


ومن نذر أن يعتكف صائماً، أو يصومَ معتكفاً، أو باعتكافٍ، أو يعتكفَ مصلِّياً، أو يصلِّي معتكفاً، لزم الجمع، كنذرِ صلاةٍ بسورةٍ معيَّنةٍ.
وُيسَنُّ تشاغُلُه بالقُرَبِ، واجتنابُ ما لا يعنيه.

(1/286)