نَيْلُ
المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب باب يذكر فيه جل أحكام (الفَرائض)
والفرض يأتي لمعانٍ، منها: القَطْعُ للخيط، وفَرْضُ القوسِ موضع الوَتَر،
والثَّلْمَةُ في النهر؛ والتقدير في الإِنفاق؛ والإِنزال، كقوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ}؛ والبيان كقوله تعالى:
{سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} بالتخفيف؛ والإِيجاب، كفرض الحجّ
بالإِحرام؛ والعطاء، كقول العرب: "ما رأيتُ مِنْة فَرْضاً ولا قَرْضاً"،
والنصيب، كما هنا.
(وهي) أي الفرائض، شرعاً (العلم بقسمة المواريث).
ويسمّى القائم بهذا العلم والعارف به: فارضاً، وفَرِيضاً، كعالمٍ وعليمٍ،
وفَرَضِياً.
وقد وردت أحاديث تدل على فضله والحسِّ على تعلُّمِهِ وتعليمه، فمن ذلك ما
روى أبو هريرة مرفوعاً "تعلَّموا الفرائضَ وعلِّموها الناسَ، فإنَّها
نِصْفُ العلم، وهو يُنْسى، وهو أوَل علمٍ يُنْزَعُ من أمتي" (1) رواه ابن
ماجه والدارَقُطْنِي من رواية حفص بن عمر.
وقد اختُلِفَ في معناه، فقال أهل السلامة: لا نتكلم فيه، بل
__________
(1) حديث "تعلموا الفرائض" إلى آخر ما ذكره في الشرح: حديث ضعيف. رواه ابن
ماجه والحاكم والبيهقي والدارقطني. وضعْفُهُ من ضعف حفص بن عمر، تفرد به،
قال فيه البخاري: منكر الحديث (الإرواء ح 1664)
(2/53)
يجب علينا اتّباعه. وقال قوم: معنى كونهَا
نصفَ العلم باعتبارِ الحال، فإن حال الناس اثنان (1): حياة ووفاة، فالفرائض
تتعلَّق بالثاني، وباقي العلومَ بالأوَّل.
وقيل: نصفٌ باعتبارِ الثَّواب، لأنه يستحقُّ بتعليمِهِ مسألةً واحدةً في
الفرائضِ مائَةَ حسنةٍ، وبغيرها من العلوم عشرَ حسناتٍ.
وقيل باعتبار المشقّة.
وضعَّفَ بعضهُم هذين القولين، وقال: إن أحسن الأقوال أن يُقال: إن أسبابَ
المِلكِ نوعان: اختياريٌّ، وهو ما يَمْلِكُ رَدَّهُ، كالشراءِ والهبة،
ونحوهما؛ واضطراريٌّ، وهو ما لا يملك ردَّه، وهو الإِرث.
[أحكام التركات]
(وإذا مات الإنسان بدئ من تَرِكَتِهِ بكفَنِهِ وحنوطه ومؤنة تجهيزه)
بالمعروف، (من رأسِ مالِهِ، سواءٌ كان قد تعلَّق به) أي المال (حقُّ رهنٍ،
أو أرشُ جنايةٍ، أوْ لا) بأن لم يتعلقْ بِهِ شيء من ذلك، كَحَالِ الحياةِ،
إذْ لا يُقضى دينُهُ إلا بما فَضَل عن حاجته.
(وما بقي بعد ذلك) أي بعد مؤنة تجهيزِهِ بالمعروف (تُقضى منه ديونُ الله)
سبحانه وتعالى، كزكاةِ المالِ، وصدقَةِ الفطر، والكفَّارة، والحَجِّ
الواجب، والنَّذْر (وديونُ الآدميّين) كالقَرْض، والثَّمَنِ، والأُجرة،
والجُعالةِ المستقرّة، والمغصوب، وَقِيمِ المتلفات.
(وما بقي بعد ذلك تُنفَّذ منه وصاياه) لأجنبيٍّ (من ثلثه) إلا أن يجيزها
الورثة,. فتُنَفَّذَ من جميع الباقي.
(ثم يُقْسَم ما بقي بعد ذلك على ورثته) لقوله تعالى: {مِنْ بَعْد وَصِيَّةٍ
يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}.
__________
(1) " اثنان" ثابتة في (ف) دون (ب، ص).
(2/54)
فصل [في أسباب
الميراث]
(وأسباب) جمعُ سببِ، وهو لغةً: ما يُتوَصَّل به إلى غيره، كالسُّلَّم
لطلوعِ السطح، واصطلاحاً ما يَلْزَمُ من وجوده الوجودُ، ومن عَدَمِهِ
العَدَمُ، لذاته، كعقد الزوجيّة الصحيح: يلزم من وجوده الإِرث، ومن عدمه
العدم، (الإِرث) هو انتقال ملك مالِ ميّتٍ بموتهِ إلى حيٍّ بعده، لسببٍ من
أسباب (ثلاثة) فقط، فلا يَرِثُ ولا يُورث بغيرها، كالموالاة (1).
الأول: (النسب) وهو القرابة، وهي الاتّصال بين إنسانين بالاشتراك في ولادةٍ
قريبةٍ أو بعيدة.
(و) الثاني: (النكاح)، وهو عقد الزوجية (الصحيح،) سواءٌ دخَل أوْ لا، فلا
ميراثَ في النكاح الفاسد، لأن وجوده كعدمه.
(و) الثالث: (الولاء) وهو ثبوتُ حكمٍ شرعيٍّ بالعتق، أو تعاطي أسبابه (2).
فيرث به المعتِقُ وعصَبَتُه مِنْ عتيقِهِ، ولا عكس.
(وموانعه) أي الإِرث (ثلاثة): الأول: (القتل؛ و) الثاني: (الرق؛ و) الثالث:
(اختلاف الدين.) وستأتي.
__________
(1) الموالاة التحالُفُ بين اثنين فأكثر: كان الرجل يعاقد الرجل فيقول أنت
مولاي: تنصرني وأنصرك، وترثني وأرثك، وتعقل عني وأعقل عنك. وعُمِل به بعد
الهجرة عندما آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار،
فكان الأنصاري يرث أخاه المهاجر دون إخوته من النسب، حتى نزل قول الله
تعالى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} فنسخ ذلك، فلا
ميراث به الآن. وقال الحنفية يرث، ويقدم عندهم عليه ذوو الأرحامَ، فإن لم
يكن له منهم أحد ورثه مولى الموالاة بشروط يذكرونها (راجع ابن عابدين 5/
78، 487) ط. بولاق 1272 هـ.
(2) أي كالاستيلاد، والتدبِير. فمن استولد أمة أو دبّرها عتقت بموته، وكان
له ولاؤها.
(2/55)
وأركانُ الإِرث ثلاثة: وارِثٌ، وموروثٌ،
وحقٌّ موروثٌ.
وشروطه ثلاثة: تحقُّقُ حياة الوارِث، أو إلحاقُهُ بالأحياء؛ وتحقُّق موتِ
المورِّث، أو إلحاقه بالأموات؛ والعِلْمُ بالجهة المقتضية للِإرث.
(والمُجْمَع على توريثهم من الذكور بالاختصار عشرة: الابنُ، وابنُه وإن
نزل؛) لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الآية، وابنُ
الابن ابن، لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ}؛ (والأبُ، وأبوهُ وإن علا,)
لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا
تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} (1) (والأخُ مطلقاً) أي سواءٌ كان لأمٍّ،
أو لأب، أو لهما، فأما الذي للأمِّ فإنّ إرثه قد ثبت بقوله تعالى: {وَلَهُ
أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} وأما الذي
للأبوين، والذي للأب فبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلِحْقُوا
الفَرائِضَ بأهلها، فما أبقت الفروض فهو لأَوْلى رجلٍ ذكر" (2) (وابنُ
الأخ، لا) إذا كان أبوه أخاً للميت (من الأم) فإنه يكون من ذوي الأرحام
(3)، والمُجْمَع على توريثِهِ هو الذي من العصبة، وهو ابنُ الأخ للأبوين،
وابن الأخ للأب، وقد ثبت إرثهما؛ (والعم وابنه كذلك) أي الذي للأبوين،
والذي للأب، بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألحقوا الفرائض بأهلها.
الحديث"، وأما العمّ للأم وابنُهُ، فمن ذوي الأرحام؛ (والزوج) لقوله تعالى:
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}؛ (والمعتِقُ) أي الشخص
المعتِقُ للميِّتِ، أو لمن أعتَقَ الميِّتَ.
(و) المجمَعُ على توريثهم (من الإِناث. بالاختصار سبع: البنت،
__________
(1) كان الأولى تقديم ذكر هذه الآية عند قوله "والأب" لأن تأخيرها يقتضي
أنه دليل لتوريث الجدّ، وليس كذلك.
(2) كان الأولى الاحتجاج له بالآية التي في آخر سورة النساء، وهي قوله
تعالى {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فهي نص في الأخت
والأخ المعصّب. أما الحديث فعام. وليس نصًّا أما حديث "ألحقوا الفرائض
بأهلها ... " فهو متفق عليه.
(3) أي: وذوو الأرحام ليسوا مجمعاً على توريثهم.
(2/56)
وبنت الابنِ وإن نزلَ أبوها، والأم،
والجدَّة مطلقاً) أي سواء كانت من جهة الأم أو من جهة الأب، (والأخت
مطلقاً) أي سواء كانت شقيقةً أو لأبٍ أو لأم (والزوجةُ) بالتاء، لغةُ سائِر
العَرَب ما عدا أهلَ الحجازِ، اقتصَر الفَرَضيُّونَ والفقهاءُ عليها
للِإيضاح خوفَ اللبس، (والمعتِقة) أي المرأة المعتقة للميت.
فصل
(والوارث ثلاثة): أحدها (ذو فرضٍ؛ و) الثاني (عصبة؛ و) الثالث (ذو رحم).
(والفروض المقدرة) في كتاب الله تعالى: (ستة: النصف، والربع، والثمن،
والثلثان، والثلث، والسدس) أو تقول في عدَّها: السدُس والثمُن، وضعفهما،
وضعفُ ضعفِهما؛ أو تقول: الثلثان، والنصف، ونصفهما، ونصف نصفهما، وأخصر
العبارات أن تقول: الثلثُ والربُعُ، ونصف كلٍّ، وضعفه.
(وأصحابُ هذه الفروض) الستة (بالاختصار عشرة: الزوجان) على البدلية؛
(والأبوان) مجتمعين أو منفردين؛ (والجد) لأب؛ (والجدة مطلقاً) أي سواء كانت
لأم أو لأب؛ (والأخت مطلقاً) أي سواء كانت شقيقةً أو لأبٍ أو لأمٍّ؛
(والبنت؛ وبنت الابن) وإن نزل أبوها؛ (والأخ من الأمّ.)
وتسمّى الإخوةُ والأخوات من الأمّ والأب: بني الأعْيَانِ، لأنهم من عينٍ
واحدةٍ، وللأب فقط: بني العَلاَّتِ، جمعِ عَلَّةٍ، بفتح العين المهملة، وهي
الضَّرَّة. قال في القاموس: وبنو العَلاَّتِ بنو أمهاتٍ شتَّى
(2/57)
من رجلٍ، لأن الذي يتزوّجها على أولى قد
كان قبلها تأهل (1) ثم علّ من هذه. انتهى. وللأمِّ فقط بني أخْيَافٍ،
بالخاء المعجمة، يليها مثنّاة تحتيّة، سُمُّوا بذلك لأن الأخْيَاف
الأخلاطُ، فهم من أخلاط الرّجال، ليْسُوا من رجلٍ واحدٍ.
[تفصيل أحوال أصحاب الفروض]
وإن أردتَ تفصيلَ أحوالِ أصحاب الفروض:
(فالنصف: فرضُ خمسةٍ: فرضٌ لزوجٍ حيْثُ لا فَرْع) والفَرْعُ ابنٌ أو بنتٌ،
منه أو من غيره، أو ابنُ ابنٍ أو بنت ابنٍ (وارِثٍ للزوجة) بأن لم يقمْ به
مانعٌ.
فإن قامَ به مانعٌ فوجوده كعدمه.
(وفرض البنتِ) وحدها، قال في المغني: لا خلاف في هذا بين علماء المسلمين،
لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النَصْف).
(و) النصف (فرضُ بنتِ الابنِ) منفردةً وإن نَزَلَ أبوها (مع عدم أولادِ
الصُّلْبِ) مطلقاً.
(وفرضُ الأختِ الشقيقةِ مع عدمِ الفرع) ذكراً كان أو أنثى (الوارِثِ،)
فالساقِطُ كالمعدوم.
(وفرضُ الأختِ للأبِ مع عدم الأشقّاء.)
__________
(1) في الأصول ومطبوع منار السبيل "لأن الذي يتزوجها على أولى قد كان
قَبْلَهَا تأهّل ثم عل من هذه" والذي في مطبوع القاموس بمطبعة السعادة بمصر
"لأن التي تزوّجها على أولى قد كانت قبلَهَا ناهلٌ ثم عَلّ من هذه" فقال
"ناهل" بالنون من النهل، وهو أول شَربةٍ والعلل الشُّرْبَةُ الثانية. وفي
كلا النصّين ما فيه. وبقيت العقدة في التاج أيضاً. والنص في اللسان دون
قوله "ناهلٌ" وبعد المراجعة وجدنا في الأساس "وقيل: سميت عَلّةً لأن الذي
تزوّجها بعد الأولى كان قد نَهَلَ منها ثم عل من هذه " فاتّسَق القول.
والله المستعان.
(2/58)
ومحلُّ فرضِ النصفِ للبنتِ وبنتِ الابنِ
والأختِ إذا كن منفرداتٍ لم يعصَّبْنَ.
(والربع: فرض اثنين):
(فرضٌ لزوجٍ) من زوجتِهِ (معَ الفرعِ الوارِثِ).
(وفرضٌ لزوجةٍ فأكثرَ) من تركة زوجِها (مع عدمهِ) أي عدم الفرع الوارث.
(والثمن: فرضُ) صنفٍ واحد، وهو الزوجةٍ فأكثر، مع الفرعِ الوارثِ) ذكراً أو
أنثى، واحداً أو متعدداً، منها أو من غيرِها.
فصل
(والثلثان: فرض أربعةٍ):
(فرضُ البنتينِ فأكثر) من اثنتينِ لم يعصَّبْنَ.
(و) فرضُ (ابنتي الابنِ فأكثرَ) من اثنتين.
(والأختينِ الشقيقتين فأكثر).
(والأختين للأب فأكثر).
أما كونُ الثلثينِ فرضَ البنتينِ، أو بنتي الابن، فأكثر، فلقوله تعالى:
{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}
ولا خلافَ في ذلك إلا ما شذّ عن ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما، أنَّ
البنتينِ فرضُهما النصفُ، أخذاً بالمفهوم، والآيةُ ظاهرة الدلالة (1) على
ما زاد على اثنتين، ووجهُ دلالتِهَا عليهما أن الآية وردتْ على سببٍ خاصٌّ،
وهو ما رواه جابرٌ قال: "جاءتِ امرأةُ سعدِ بن الربِيع بابنتيها إلى رسولِ
__________
(1) المراد بالظهور التعبير اللغوي، أي واضحة الدلالة، لا الإصطلاحي، لأنها
فيما فوق اثنتين نص بلا احتمال.
(2/59)
الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: هاتانِ
ابنتَا سعدٍ، قُتِلَ أبوهُمَا معك يومَ أُحُدٍ، وإنّ عمّهما (1) أخَذَ
مالَهما فلم يدع لهما شيئاً من ماله. قال: يقضي اللهُ في ذلك. فنزلتْ آيةُ
المواريث. فدعا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عمهما (2)، فقال: أعطِ
ابنتيْ سعدٍ الثلثينِ، وأعطِ أمّهما الثمن، وما بقي فهو لك" رواه أبو داود
وصححه الترمذي. فدلّت الآية على فرضِ ما زادَ على الثلثين، ودلّت السنة على
فرض الاثنتين (3). و"فوقُ" في الآية الكريمةِ ادُّعِيَ زيادتُها. وقيل:
المعنى: اثنتين فما فوق.
وأما كون الثلثين فرضَ الأختين للأبوين أو للأب فلقوله تعالى: {فَإِنْ
كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} قال في
المغني: والمراد بهذه الآية الكريمة وَلَدُ الأبوين، أو ولدُ الأب، بإجماع
أهل العلم.
(والثلث: فرض اثنين):
(فرضُ وَلدي الأمِّ) ذكرين، أو أُنثيين، أو خُنْثيين، أو مختلفين، (فأكثر،
يستوي فيه) أي الثلث (ذكرُهُمْ وأنثاهم) إجماعاً، لقوله جل وعلا: {وَإِنْ
كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} أجمعوا على أنّها نزلت في الإِخوة
للأمِّ. والكلالة الورثةُ غيرَ الأبَوينِ والوَلَدَينِ. نص عليه. وهو قول
الصدِّيق. وقيل: الميّت الذي لا وَلَدَ له ولا والد. وروي عن عمر وعلي وابن
مسعود. وقيل: قرابةُ الأم.
(و) الثلث (فرض الأمّ) أيضاً (حيث لا فرعٌ وإرثٌ للميت، ولا
__________
(1) في الأصول "وابن عمّهما" وما ذكرناه الصواب كما في تفسير القرطبي وكتب
الحديث.
(2) في الأصول أيضاً "ابن عمّهما". وصححناه بحذف "ابن". والحديث رواه أبو
داود وصححه الترمذي والحاكم (منار السبيل 2/ 57).
(3) بل في القرآن أيضاً الدلالة على الثنتين، وهو الآية التي في آخر سورة
النساء، وفيها في حق الأختين "فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك "
فالبنتان أولى.
(2/60)
جمعٌ من الإِخوة والأخوات) قال في المغني:
بلا خلافٍ نعلمه بين أَهْلِ العلم. انتهى. لأن الله تعالى قال: {فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}.
(لكن لو كانَ) أي وُجِدَ (هناك أَبٌ وأمٌ وزوج أو زوجة، كان للأمِّ ثلث
الباقي) في الصورتين.
فالمسألة الثانية من أربعة: للزوجة الربع، واحد، وللأم ثلث الباقي، وهو
واحد، وللأب الباقي وهو اثنان.
وإن كانَ مكانَ الزوجة زوج، كانت المسألة من ستة: للزوج النصف، ثلاثة،
وللأمّ ثلث الباقي، وهو في الحقيقة سدس، وللأب الباقي [وهو اثنان].
قال في المغني: وهاتان المسألتان تُسَمَّيان العُمَريّتين، لأن عمر رضي
الله عنه قضى فيهما بهذا القضاء، فاتَّبعه على ذلك عثمانُ وزيدُ بن ثابت
وابنُ مسعود. وروي ذلك عن علي وبه قال الحسنُ والثوريّ ومالك والشافعي
وأصحابُ الرأي.
(والسدس: فرض سبعة):
(فرض الأمّ مع الفرع الوارث) يعني أن الأم (1) إذا كانت مع وجودِ ولدٍ
للميت، أو ولد ابن، (أو) مع (جمع من الإِخوة والأخوات) كاملي الحرية، لقوله
تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} ولفظ الإخوة
هنا يتناول الأخوين، لأن المقصودَ الجهة المطلقة، من غير كمية. وكلُّ
حَجْبٍ تعلَّق بعددٍ كانَ أوّله اثنين، كحجب البناتِ بناتِ الابن، والأخوات
من الأبوين الأخواتِ من الأب. والإِخوة تستعمل في اثنين، قال الله تعالى:
{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
__________
(1) كذا في الأصول. ولعل الصواب بحذف (إن) إذ لم يذكر لها خبر.
(2/61)
الْأُنْثَيَيْنِ} وهذا الحكم ثابثٌ في أخٍ
وأختٍ. ولا فرق في الحاجب للأمِّ إلى السدس من الإِخوةِ بين كونهِ وارثاً
أو محجوباً بالأب.
(و) السدس (فرض الجدة فأكثر إلى ثلاثٍ) فقط (إن تساوين.) والجدات
المتساويات في الدرجة بحيث لا تكون واحدة منهن أعلى من الأخرى ولا أنزلَ
منها، كأمِّ أمِّ أمٍّ. وأم أم أبٍ. وأم أبي أبٍ. وكذا أم أم أم أمٍّ. وأمِ
أم أمِ أبٍ، وأم أم أبي أبٍ، وكنَّ (مع عدم الأمَ) لأن الأمّ تحجب كل جدة.
(و) السدس (فرض وَلدِ الأم الواحِدِ) ذكراً كان أو أنثى.
(و) السدس (فرض بنت الابن فأكثر، مع بنت الصلب) تكملةَ الثلثين، مع عدم
معصِّب.
(و) السدس (فرض الأخت للأب مع الأخت الشقيقة) تكملةَ الثلثين.
(و) هو (فرض الأب مع الفرع الوارث) أي فرع الميت. والمراد بالفرع: الابن
والبنت وابن الابن وبنت الابن، كما تقدم في الزوج والزوجة.
(و) هو (فرض الجدّ كذلك) أي مع الفرع المذكور.
(ولا ينزلان) أي الأب والجدّ (عنه) أي السدس (بحال) وقد يكون عائلاً.
فصل في أحكام الجد والإِخوة
(والجدّ مع الإخوة) والأخوات (الأشقاء أو لأبٍ، ذكوراً كانوا أو إناثاً،
كأحدهم) ما لم يكن الثُّلثُ أحظَّ له فيأخذه.
(2/62)
(فإن لم يكن هناك) أي مع الجدّ والإخوة
(صاحبُ فرضٍ فله) أي الجدّ (معهم خيرُ أمرين: إما المقاسمة، أو ثلث جميعِ
المال) فإن كان الإِخوة أقل من مثليْهِ، فالمقاسمة أحظُّ له.
وتنحصر صوره في خمسة: جدّ وأخ؛ جدّ وأخت؛ جدّ وأختان؛ جدّ وأخ وأخت؛ جذ
وثلاث أخوات.
وإن كان الإخوةُ مثليهِ استوى له المقاسمة وثلثُ جميع التركة.
وتنحصر صوره في ثلاثة: جدّ وأخَوان؛ جدّ وأربع أخوات؛ جدّ وأخ وأختان.
وإن كان الإِخوة أكثرَ من مثليهِ فثلثُ جميعِ المال خيْرٌ له.
ولا تنحصر صوره: جدٌّ وأربع أخوة؛ وجدّ وعشرة أخوة؛ وهكذا.
(وإن كان هناك) أي مع الجد والإخوة (صاحب فرضٍ) كزوجٍ وزوجةٍ وأمٍّ (فله)
أي الجد (خيرُ ثلاثةِ أمور: إما المقاسمة) لمن يوجدُ من الإخوة أو الأخوات،
كأخٍ زائدٍ (1)؛ (أو) أخْذُ (ثلثِ الباقي) من المال (بعد صاحبِ الفرضِ؛ أو)
أخذ (سُدُس جميعِ المال) فزوجة وجدّ وأُخت: من أربعة، وتسمَّى مربّعة
الجماعة (2). (فإن لم يبقَ) من المال (بعد) أخذِ (صاحبِ الفرضِ) فرضَه (إلا
السدس،) كمن خلَّفَتْ زوجاً وأمًّا وجدًّا وأخًّا لأبوين، أو لأبٍ، فإنه
إذا أخَذَ الزوجُ النصفَ، وأخذت الأم الثلثَ، وبقي السدس (أخَذَه) أي
الجدُّ (وسقط الإِخوة) لأبوين، أو لأب، ذكراً كان أو أنثى لأن الجد لا ينقص
عن سدس جميع المال، أو تسميتِهِ (3) كزوجٍ وأمٍّ وبنتين وجدّ، فإنها من
اثني عشر، وتعول إلى
__________
(1) أي كأنه أخّ لهم زائد على الموجودين منهم.
(2) أي مُربّعة العلماء أو الصحابة، لاتفاقهم على أنها من أربعة (ش
المنتهى).
(3) أي تسميته في حال العول، فإنه في الاسم سدس، وفي الحقيقة أقل منه، كما
مثل الشارح.
(2/63)
خمسة عشر (إلا الأخت الشقيقةَ أو لأب في
المسألةِ المسماةِ بالأَكْدَرِيَّة.)
[المسألة الأكدريّة]
وسميت بذلك قيل: لتكديرها لأُصولِ زيدٍ في الجدّ، وقيل: لأن زيداً كدَّرَ
على الأخت ميراثَها، وقيل: لأنه سألَ عنها رجلٌ من أكْدَر، وقيل غير ذلك.
(وهي: زوجٌ وأم وجدّ وأخت) شقيقة أو لأب، (فللزوج النصف، وللأم الثلث،
وللجد السدس، ويفرض للأخت النصف، تَعُولُ لِتسعةٍ) ولم تُحجَب الأم عن
الثلث لأن الله تعالى إنما حجبها بالولد والإِخوة، وليس هنا ولد ولا إخوة.
(ثم يُقْسَم نصيبُ الجدّ) وهو السدس، (و) نصيب (الأخت) وهو النصف، (بينهما)
أي الجدّ والأخت، ومجموعهما (أربعة، على ثلاثة) رأسي الجدّ، ورأس الأخت.
فإن قيل: فالجدّ مع الأخت عَصَبة، والعصبة تسقط باستكمال الفروض؟ فالجواب:
أنه إنما يعصِّبها إذا كانَ عصبةً، وليسَ الجدّ بعصبة مع هؤلاء، بل
يُفْرَضُ له.
(فتصحّ من سبعةٍ وعشرين) الحاصل من ضرب الرؤوس الثلاثة، في المسألة
وعَوْلِها، وهو تسعة: للزوج ثلاثةٌ في ثلاثة بتسعة، وللأمّ اثنان في ثلاثة
بستة، يبقى للجدّ ثمانية، وللأخت أربعة (1).
ولا ينقلب أحدٌ من الورثة بعد أن يُفْرَضَ له إلى التعصيب إلاَّ فيها.
__________
(1) وتصويرها هكذا:
9/ 1 27 27
زوج: 1/ 2 3 9 9
أم: 1/ 3 2 6 6
جد: 1/ 6 1 3 8
أخت: 1/ 2 3 9 4
(2/64)
وُيعَايَا بها، فيقال: أربعة وَرِثوا مالَ
ميت، فأخذ أحدُهم ثُلَثَهُ، والثاني ثلثَ ما بقي، والثالث ثلث ما بقي،
والرابع ما بقي.
(وإذا اجتمع مع الشقيقِ وَلَدُ الأب عَدَّهُ) أي عدّ الشقيقُ الأخَ للأبِ
(على الجدّ) بأخٍ شقيق (إن احتاج لعدِّهِ) فلو استغنى عنه، كجدٍّ وأخوين
لأبوين، وأخٍ لأبٍ، فلا مُعَادَّةَ لعدم الفائدة، (ثم) بعد عدّهم أولادَ
الأب على الجدِّ، وأخْذَ الجدِّ نصيبَهُ، يرجِعُون إلى المقاسمة على حكمِ
ما لَو لم يكن معهم جدّ، (يأخذ الشقيقُ ما حصلَ لولدِ الأب.)
فجدٌّ وأخ لأبوين وأخٌ لأب، المسألة من ثلاث: للجدّ واحد، ويأخذ الأخ
للأبوين السهمَ الذي حصل له والسهم الذي حصل لأخيه.
وكذلك جدّ وأختان لأبوين وأخ لأب: يأخذ الجدُّ ثلثاً، ثم الأختانِ الثلثين،
ويسقط الأخ.
(إلا أن يكونَ الشقيقُ أختاً واحدة، فتأخذ تَمَامَ النصف) كما لو لم يكن
جدّ، (وما فضل) عن الأحظِّ للجدّ، وعن النصف الذي فرض لها، (فهو لولدِ
الأب) واحداً كان أو أكثر، ذكراً أو أنثى.
ولا يتفق هذا في مسالةٍ فيها فرضٌ غير السدس.
[المسائل الزيديّات]
(فمن صور ذلك الزيْديّات الأرْبَعُ) أي المنسوبات إلى زيدِ بن ثابتٍ رضي
الله عنه وعن كل الصحابة أجمعين:
1 - (العشرية) بفتح العين والشين (وهي) أي العشرية: (جدٌّ، وشقيقة، وأخ
لأب،) أصلها من خمسةٍ عدد رؤوسهم لأن المقاسمَة أحظُّ للجدّ، فله سهمان، ثم
يفرض للأختِ النصفُ، فتضرب مخرجه، اثنين، في الخمسة، فتصحُّ من عشرة: للجد
أربعة، وللأخت خمسة، وللأخ للأبِ الباقي، وهو واحد.
(2/65)
2 - (والعشرينية: وهي: جد وشقيقة وأختان
لأب) أصلها خمسة: للجدّ سهمان، وللشقيقة النصف سهمان ونصف، والنصف الباقي
للأختين من الأب، لكل واحدة ربع، فتضرب مخرجَهُ أربعة في الخمسة، بعشرين.
ومنها تصحّ: للجدّ ثمانية، وللشقيقة عشرة، ولكلِّ أختٍ لأب سهم.
3 - (ومختصرة زيد) بن ثابت بن الضحاك الخزرجي (وهي: أمّ وجدّ وشقيقة وأخ
وأخت لأب،) سميت بذلك لأنه صحّحها من مائة وثمانية، وردَّها بالاختصار إلى
أربعةٍ وخمسين. وبيانه أن المسألة من مخرجِ فَرْضِ الأم ستة: للأمّ واحدٌ،
يبقى خمسة، على ستةٍ عدد رؤوس (1) الجد والإِخوة، لا تنقسم، وتُبَايِن،
فتضرب عددهم ستة، في أصل المسألة، ستة، يحصل ستةٌ وثلاثون: للأم ستة، وللجد
عشرة، وللتي لأبوين ثمانية عشر، يبقى سهمان لولدي الأب، على ثلاثة لا
تنقسم، وتُبَايِن، فتضرب ثلاثةً في ستة وثلاثين، تبلغ مائةً وثمانية، ومنها
تصحّ: للأم ثمانية عشر، وللجدّ ثلاثونَ، وللشقيقة أربعة وخمسون، وللأخ للأب
أربعة، وللأخت سهمان. والأنصباء متفقةٌ بالنّصف، فترد المسألة إلى نصفها،
ونصيبُ كل وارثٍ إلى نصفِه، فترجع إلى ما ذُكِرَ أوَّلاً.
ولو اعتبرْتَ للجدّ فيها ثُلَثَ الباقي لصحّت ابتداءً من أربعة وخمسين.
4 - (وتسعينيّةُ زيد، وهي أم وجد وشقيقة وأخوان وأختٌ لأبٍ) أصلها ستة،
للأم السدس، واحد، يبقى خمسة: الأحظُّ للجدّ ثلث الباقي، والباقي لا ثلث له
صحيح، فاضرب مخرجَ الثلث، ثلاثة، في
__________
(1) في (ب، ص): "رؤوسهما الجد والأخوة" والتصويب من (ف).
(2/66)
ستة، بثمانيةَ عَشَر: للأم واحد في ثلاثة؛
بثلاثة، وللجد ثلث الباقي وهو خمسة، وللشقيقة النصف، تسعة، يفضُل واحدٌ
لأولاد الأب، على خمسةٍ، فاضرب خمسةً في ثمانيةَ عشر، بتسعين. ثم اقسم:
فللأمّ خمسة عشر، وللجد خمسة وعشرون، وللشقيقة خمسة وأربعون، ولكلِّ أخٍ
لأبٍ سهمان، ولأختهما سهم واحد.
(2/67)
باب الحجب
هو لغةً: المنع، وشرعاً: منعُ من قام به سببُ الإِرثِ من الإِرث بالكليّة،
ويسمى حجْبَ حِرْمانٍ، أو مِنْ أوْفَرِ حَظَيْهِ ويسمى حجب نُقْصَانٍ.
(اعلم أن الحجب بالوصف (1)) كالقتل، والرِّقّ، واختلاف الدين، (يتأتَّى
دخوله على جميعِ الورثة،) أصولاً وفروعا ًوحواشِيَ.
(والحجبُ بالشخص نقصاناً كذلك) أي يتأتَّى دخولُه على جميعِ الورثة،
(وحِرماناً فلا يدخل على خمسة): على (الزوجين، والأبوين، والولد) ذكراً كان
أو أنثى، إجماعاً، لأنهم يُدْلُونَ إلى الميت بغيرِ واسطةِ فهم أقْوى
الورثة.
وإنَّما حُجِبَ المعتِقُ بالإِجماع، مع أنه يُدْلي إلى الميت بنفسه، لأنه
أضعف من العصبات النَّسَبِيَّة.
(و) اعلم (أن الجدّ يسقط بالأب) لإدلائه به.
(و) اعلم أن (كلَّ جدٍّ أبعدَ) يسقط (بجدٍّ أقربَ) لإِدلائه به، ولقربه.
__________
(1) لكن اصطلاحِ الفرضيين تسمية الحرمان بالقتل والرق وأختلاف الدين
"منعاً" ولا يسمونه حجباً، وتسمية الحرمان أو النقصان بالشخص "حجباً" ولا
يسمونه منعاً. هذا اصطلاحهم ولا مشاحة في الاصطلاح (عبد الغني)
(2/68)
(وأن الجدّةَ مطلقاً) أي سواء كانت من جهة
الأب أو من جهةِ الأم (تسقط بالأمّ) لأن الجدّاتِ والأمَّ يَرِثْنَ بجهة
الأمومة خاصّةً، والأمُّ أقربُ من جهةِ الأمومة، فتحجُب كلّ منْ يرث بها،
كما أنّ الأب يحجب كلَّ من يرث بأُبُوَّتهِ.
(و) أن (كل جدَّةٍ بُعْدى) تسقط (بجدةٍ قُرْبى) لقربها، سواء كانتا من جهة
واحدة، أو واحدةٌ من قِبَلِ الأم، والأُخرى من قِبَل الأب.
(وأنّ كلَّ ابن أبعد يسقط بابن أقربَ) منه، فالابن يُسْقِطُ ابنَ الابنِ،
وابنُ الابن يُسقِط ابن ابنٍ أنزلَ منه، وهكذا.
(وتسقُط الإِخوةُ الأشقاءُ باثنين: بالابن وإن نزل، وبالأب الأقرب) أي
الأدنى، وهو الأب.
(والإِخوة للأب يسقطون بالأخ الشقيق أيضاً) أي بالابن وإن نزل، وبالأب،
وبالأخ الشقيق.
(وبنو الإِخوة يسقطون حتَّى بالجدّ أبي الأب وإن عَلَا) أي إن أبناءَ
الإِخوة الأشقاءِ يسقطون بالابن وإن نزل، وبالأب والجدّ، وبالأخ الشقيق،
وبالأخ للأب، وابن الأخ للأب يسقط بالابن وإن نزل، وبالأب، والجدّ، وبالأخ
الشقيق، وبالأخ للأب، وبابن الأخ الشقيق.
(و) أن (الأعمام يسقطون حتى ببني الإِخوة وإن نزلوا). مع من ذكر.
وهذا معنى ما قاله الجَعْبَريّ رحمه الله تعالى آمين:
فبالجهَةِ التقديمُ ثم بقُرْبِهِ ..... وبَعْدَهما التقديمَ بالقوة
اجْعَلاَ
(وَالأخ للأم يسقط باثنين: بفروعِ الميّتِ مطلقاً) أي ذكوراً كانوا أو
إناثاً (وإن نزلوا، وبأصوله) أي الميِّت (الذكورِ) أي الأب والجد (وإن
__________
في ص): "للأب" وهو خطأ واضح.
(2/69)
عَلوْا) أبوة. فتلخص أن الإِخوة للأم
ذكوراً كانوا أو إناثاً يسقطونَ بالولَدِ ذكراً كان أو أنثى، وبولدِ الابنِ
ذاكراً كان أو أنثى، وبالأب والجد.
(وتسقط بناتُ الابنِ ببنتي الصُّلْب فأكثرَ، ما لم يكن معهن) أي مع بنات
الابن (من يعصِّبهن من ولدِ الابن).
(وتسقط الأخواتُ للأب بالأختين الشقيقتين فأكثر، ما لم يكن معهن أخوهن
فيعصبهن) إنما قال في بنات الابن: ما لم يكن معهن من يعصِّبهن، ولم يقل كما
في الأخوات: أخوهن، لأن بناتِ الابن يعصّبهن أخوهن وابن عمّهنّ إذا كان في
درجَتهنّ أو أنزلَ منهنّ.
(ومن لا يرثُ) لكونه محجوباً بالشخص (1) حرماناً (لا يَحْجُبُ أحداً
مطلقاً) أي لا نقصاناً، ولا حرماناً، بل وجوده كعدمه، (إلا الإِخوة من حيث
هم) أي سواء كانوا أشقاءَ أو لأب أو لأم (فقد لا يَرِثونَ ويحجبونَ الأمَّ
نقصاناً) أي من الثُّلُتِ إلى السدس، كما إذا ماتَ شخصٌ عن أمٍّ وأبِ
وإخوةٍ، فإن الأم تأخذ السدس فقط لكونها محجوبةً عن أوْفَرِ حظَّيهاَ
بالإخوة، والباقي وهو خمسةٌ، للأب.
__________
(1) وبالوصف كذلك، فالقاتل وجوده كعدمه.
(2/70)
باب العصَبَات
العَصَبَة من يرث بغيرِ تقديرٍ.
[العصبة بالنفس]
إعلم أنّ النساء كلهن صاحباتُ فرضٍ، وليسِ فيهن عصبةٌ بنفسِهِ إلا
المعتِقة) فإنها عصبةٌ بنفسها.
(و) اعلم (أن الرّجال كلهم عصباتٌ بأنفسهم) أي لا بغيرهم، ولا مع غيرهم،
(إلا الزوجَ) فإنه صاحب فرض، (و) إلاّ (ولدَ الأمّ) فإنه صاحب فرضٍ أيضاً.
[العصبة مع الغير]
(و) اعلم (أن الأخواتِ) الشقيقاتِ أو لأبٍ (مع البناتِ عصباتٌ) يرثن ما
فَضَل عن ذوي الفروض، كالإِخوة. فبنت وبنتُ ابنٍ وأختٌ لأبوينِ أو لأبٍ: من
ستة: للبنت النصفُ، ولبنت الابن السدسُ تكملةُ الثلثين، والباقي للأخت.
ولو كان ابنتان وبنتُ ابنٍ وأختٌ لغير أمٍّ: للبنتين الثلثان، والباقي
للأخت عُصُوبَةً، ولا شيء لبنتِ الابنِ، لاستغراق البنتينِ الثلثينِ، ولو
كان ابنتان وبنتُ ابنٍ وأختٌ لغير أمٍّ وأمٌ: فللأم السدسُ، ولِلبنتين
(2/71)
الثلثان، يبقى للأخت سدسٌ، تأخذه تعصيباً.
[العصبة بالغير]
(و) اعلم (أن البناتِ وبناتِ الابنِ والأخواتِ الشقيقاتِ والأخوات للأب
كلُّ واحدةٍ منهنَّ مع أخيها عَصبَةٌ بِهِ، له) أي لأخيها (مِثلَا ما لَها)
من التركة. قال في الإقناع: وأربعة من الذكور يعصّبون أخواتِهِمْ،
ويمنعونهنّ الفرضَ، ويقتسمون ما ورثوا للذكرِ مثلُ حظّ الأنثيين، وهم
الابن، وابنه وإن نزل، والأخ من الأبوين، والأخ من الأب.
ويعصّب ابن الابن بنت عمه.
(و) اعلم (أن حكم العاصِبِ أن يأخذ ما أبْقَتِ الفروضُ، وإن لم يبق شيء
سقط، وإذا انفرد حاز جميعَ المال).
[حالات الأب والجد]
(لكن) هذا استثناء من حكم العصبات (للجدّ) أبي الأب (والأبِ ثلاثُ حالات):
1 - حالة (يرثان) فيها (بالتعصيب فقطْ) أي في دون الفرض، وذلك (مع عدم
الفرع الوارث،) كما إذا مات شخصٌ عن أبٍ فقطْ، أو عن جدٍّ فقط.
2 - (و) حالةٌ يرثان فيها (بالفرض فقط) أي دون التعصيب، وذلك (مع ذكوريّته)
أي الولد، كما لو مات شخص عن أبٍ وابنٍ، أو جدٍّ وابنٍ، فإن الأبَ أو
الجدَّ يرثُ بالفرضِ وحدَه وهو سدُس التركة، والباقي للابن.
3 - (و) حالة يرث فيها الأبُ والجدّ (بالفرضِ والتعصيبِ)، وذلك (مع
أنوثيّتِهِ) أي الولد، كما لو مات شخصٌ عن بنتٍ وأبٍ أو جدٍّ، فإن
(2/72)
للأب أو الجدِّ السدُسَ فرضاً، وللبنتِ
النصفُ فرضاً، والباقي للأب أو الجدّ تعصيباً. وترجع بالاختصار إلى اثنين،
للتوافق.
[المسألة المشرَّكة]
(ولا تتمشّى على قواعِدِنا) المسألة المسمَّاةُ (بالمُشَرَّكة، وهي زوجٌ
وأمٌّ، وإخوةٌ لأمّ) اثنان فأكثر (وأخوةٌ أشقَّاءُ) ولا يشتَرط عند من قال
بها تعدُّد الشقيق، فإنها تقسم عندنا من ستة: للزوج النصفُ ثلاثة، وللأم
السدس سهم واحد، وللِإخوة للأم الثلث. ولا شيء للأشقاء. وعند الشافعيّ (1)
رضي الله تعالى عنه: يُقْسَمُ الثلُث الذي أَخَذه الإخوةُ للأمّ على
ؤوسِهِمْ ورُؤوسِ الإِخْوةِ الأشقاء، للذكر مثل الأنثيين من غير تفصيل.
فصل
(وإذا اجتمعَ كلُّ الرجالِ) أي العشرةُ بالاختصار، (ورِث منهم ثلاثةٌ) فقط
(الابن، والأب، والزوج) فالمسألة تقسم من اثني عشر: للزوج الرابع، ثلاثة،
وللأب السدس اثنان، وللابن الباقي سبعة.
(وإذا اجتمع كلّ النساءِ) السبعِ بالاختصار (ورث منهن خمسةٌ: البنت، وبنت
الابن، والأم، والزوجة، والأخت الشقيقة) أو لأب. فالمسألة تقسم من أربعة
وعشرين قيراطاً: للزوجة الثمن: ثلاثةُ قراريط، وللأم السُّدُسُ، أربعةُ
قراريط، وللبنت النصف اثنا عشر قيراطاً، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين
وهو أربعة قراريط، والباقي للأخت تعصيباً وهو قيراطٌ واحد.
__________
(1) ومالك يوافق الشافعي، كما أن أبا حنيفة يوافق أحمد، رضي الله عنهم.
(2/73)
(وإذا اجتمعَ مُمْكِنُ الجمعِ من
الصِّنفين) أي الرجال والنساء (وَرِث منهم خمسةٌ) أيضاً: (الأبوان) أي الأب
والأم، (والولدان) أي الابن والبنت، (وأحد الزوجين.)
فإن كان الميت الزوجَ فأصل المسألة من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن، ثلاثة،
وللأم السدس، أربعة، وللأب السدس أربعة، والباقي وهو ثلاثة عشر على ثلاثةٍ،
لا تصحُّ ولا توافق، فاضرب ثلاثةً في أربعةٍ وعشرين، باثنين وسبعين: للزوجة
ثلاثة في ثلاثة، بتسعة، ولكل واحدٍ من الأب والأمّ أربعة في ثلاثة، باثني
عشر، وللابن والبنتِ ثلاثَةَ عشر في ثلاثةٍ، بتسعةٍ وثلاثين، للابن ستة
وعشرون، وللبنت ثلاثة عشر.
وإن كان الميتُ الزوجةَ فأصل المسألة من اثني عشر: للزوجِ الرُّبع، ثلاثة،
ولكل واحدٍ من الأبِ والأم السدس، اثنان، والباقي خمسة على ثلاثة، لا تصحُّ
ولا توافق، فاضرب ثلاثةَ في اثني عشر بستة وثلاثين: للزوج ثلاثة في ثلاثة،
بتسعة، ولكل واحدٍ من الأب والأم اثنان، في ثلاثة، بستة. وللابن والبنت
خمسة، في ثلاثة، بخمسةَ عشرَ، للابن عشرة، وللبنت خمسة.
(ومتى كان العاصبُ عمّاً) للميّت، (أو ابنَ عمٍّ، أو) كان (ابنَ أخٍ
انفرَدَ بالإِرث دون أخواتِهِ) لأن أخواتِ هؤلاءِ من ذوي الأرحام.
(ومتى عدمت العصباتُ من النسب وَرِثَ المولى المعتِق، ولو) كان (أنثى،)
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لمن أعتق" (1) (ثم عصبتُهُ) أي
عصبةُ المولى المعتِقِ إن لم يكن موجوداً (الذكورُ، الأقربُ فالأقربُ،
كالنسب) ثم مولاهُ كذلك.
__________
(1) حديث "إنّما الولاء لمن أعتق" متفق عليه (منار السبيل).
(2/74)
(فإن لم يكن) لميتٍ عصبةُ نسبٍ ولا ولاءٍ
(عَمِلنا بالردّ) على ذوي الفروض، كما سيأتي.
(فإن لم يكن) ذو فرض (وَرَّثنا ذوي الأرحام) لأنَّ سبب الميراث القرابة،
بدليل أن الوُرّاث من ذوي الفروض والعصبات، إنما ورثوا لمشاركتهم للميت في
نسبه، وهذا موجود في ذوي الأرحام، فيرثونَ كغيرهم.
(2/75)
باب الرَّدّ وَذوي الأرحَام
[الرَّد]
إنما يتأتَى الرد (حيثُ لم تستغرقِ الفروضُ التركةَ) كما لو كان الوارث
بنتاً أو بنت ابنٍ وزوجاً أو زوجةً، (ولا عاصبَ) معهم (رُدَّ الفاضِلُ) عن
الفروضِ (على كلِّ ذي فرضٍ) من الورثة (بقدره) أي بقدرِ فرضِهِ، كالغرماءِ
يقتسمون مال المفلس بِقَدْر ديونهم (ما عدا الزوجين) أي الزوجَ والزوجةَ،
(فلا يُرَدُّ عليهما) (1) نقله الجماعة، لأنَّهما ليسا من ذوي القرابة (من
حيثُ الزوجيَّة) بل قد يُرَدُّ عليهما لِكونهِ ولدَ خالةٍ، إذا فُقِدَ أهلُ
الفرضِ والعصبةُ.
(فإن لم يكن) للميّت (إلا صاحبُ فرضٍ) كما لو لم يرثِ الميتَ ممن يرثُهُ
بالفرضِ إلا أخاً لأم، أو أمًّا، أو جدةً، أو بنتاً، أو أُختاً (2)،
(أَخَذَ الكلَّ فرضاً وردًّا) لأن تقديرَ الفرض إنما شُرِعَ لمكان
المزاحمة، ولا مُزَاحِمَ هاهنا.
(وإن كان جماعةٌ من جنسٍ، كالبناتِ) والجدّاتِ والأخواتِ
__________
(1) وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه ردّ على زوج (المغني) ووجهه أنه كما
ينقص نصيبه بالعول يزيد في الردّ. ووجه الأول أنهما لا رحم لهما، فلا يرد
عليهما.
(2) كذا في الأصول، وصوابه بالرفع فيهن.
(2/76)
(فأعطِهِنَّ بالسويّة) لاستوائهن في موجِب
الإِرث، كالعَصَبَة من البنين، والإِخوة، والأعمام.
(وإن اختلف جنسُهم) أي محلُّهم من الميت، كبنتٍ من بنتِ ابنٍ (فخذ عَدَدَ
سهامهم) أي سهام المردود عليهم (من أصل ستةٍ دائماً) إذ ليس في الفروض
كلِّها ما لا يوجد في الستة، إلا الربعَ والثمنَ، ولا يكونانِ لغيرِ
الزوجين، وليسا من أهل الردِّ. واجعل عدَدَ السهام المأخوذةِ أصلَ مسألتهم،
كمَا صارت السهام في المسألة العائِلَةِ هي المَسألةَ التي يضرب فيها
العددُ. فإن انكسَر شيءٌ من السهام على فريقٍ من أهل الردّ صُحِّحَتِ
المسألة، وضَرَبْتَ الذي انكسر على سهمه في عدد مسألتهمِ وهو عددُ السهام
المأخوذةِ من الستّة، لا في الستّة، لأنّ العدَدَ المأخوذَ صارَ أصل
مسألتهم. وينحصر ذلك في أربعة أصول: أصل اثنين، وأصل ثلاثة، وأصل أربعة،
وأصل خمسة (1).
(فجدةٌ وأخٌ لأمٍّ: تصح من اثنَيْن) لأن فرضَ كلِّ شخصٍ منهما السدس،
والسدسان من الستة اثنان، فيكون المالُ بينهما نصفين، لاستواءِ فرضيهما.
ومع كون الجداتِ ثلاثاً ينكسر عليهنّ السهم، فاضرب عددهن في أصل المسألة،
وهو اثنان، تبلغ ستةً: للأخِ من الأمّ النصفُ ثلاثة، ولكلّ جدة سهمٌ.
(وأمٌّ وأخٌ لأمٍّ من) أصل (ثلاثة،) لأن فرضَ الأمّ الثلثُ، وهو اثنان من
الستة، وفرضَ الأخِ للأمّ السدس، وهو واحد، فيكون المالُ بينهما أثلاثاً:
للأمّ الثلثان، وللأخ من الأمِّ الثلث.
(وأمٌّ وبنتٌ من) أصل (أربعةٍ) لأنّ فرضَ الأمِّ مع البنت السدس، وهو واحدٌ
من الستة. وفرضَ البنت النصفُ، وهو ثلاثة؛ فيكون المالُ
__________
(1) هكذا في (ف) والذي في (ب، ص): أثنين وثلاثة وأربعة وخمسة.
(2/77)
بينهما أرباعاً: للأم ربْعُهُ: واحد،
وللبنت ثلاثةُ أرباعِهِ: ثلاثة.
(وأمٌّ وبنتان من خمسة) لأن فرضَ الأمِّ السدس، وهو واحدٌ من الستة. وفرضَ
البنتين الثلثان، أربعة، فيكونُ المال بين البنتين، والأمّ على خمسة، للأم
خُمُسُهُ [واحد]، ولكل واحدة من البنتين خمساه، اثنان.
(ولا تزيد) مسائل الردّ (عليها) أي على الخمسةِ أبداً (لأنّها لو زادتْ
سدساً آخر لاستغرقتِ الفروضُ) التركةَ.
(وإن كانَ هناك) أي في المسألة (أحدُ الزوجين) أي الزوجُ أو الزوجةُ (فاعمل
مسألةَ الردِّ) أولاً، (ثم) اعملْ (مسألةَ الزوجيّة، ثم تَقسِمُ ما فَضَلَ
عن فرضِ الزوجيّة، على مسألة الردِّ).
(فإن انقسم) ما فضَل من مسألةِ الزوجيّة على مسألة الردِّ (صحَّتِ مسألةُ
الردِّ من مسألة الزوجيّة) كزوجةٍ وأمٍّ وأخوين لأمٍّ: للزوجةِ رُبْعُها،
وهو واحد، والباقي بين الأمِّ والأخوين، أثلاثاً، لأنّ فرضَهما مِثْلاَ
فرضِ أمِّهما، فيكونُ لكل واحدٍ منهما سهم.
(وإلاَّ) أي وإن لم ينقسم الباقي بعد فرض الزوج أو الزوجة (1) على فريضةِ
أهل الردّ (فاضرب مسألة) أهل (الردّ في مسألةِ الزوجيّةِ) لأنه لا يمكن أن
يكونَ بينَهما مواْفَقَةٌ، لأن مسألة الزوجِ إن كانت من اثنين، فالباقي بعد
نصيبِهِ سهم، لا يوافِقُ شيئاً، وإن كانتْ من أربعةٍ فالباقي بعد فرضِهِ
ثلاثةٌ. ومن ضرورةِ كونِ الزوجِ له الرُّبع أن يكونَ للميِّتِ ولد، ولا
يمكن أن تكون مسألة الردّ مع الولدِ من ثلاثة. وإن كانت زوجةٌ مع ولدٍ
فالباقي بعد فرضِها سبعةٌ، ولا يمكن أن تكون مسألة الردّ أكثر من خمسة.
__________
(1) عبارة "أو الزوجة" زيادة من (ف).
(2/78)
(ثمَّ مَنْ له شيءٌ من مسألة الزوجية
أَخَذَهُ مضروباً في مسألة الردّ، ومن له شيءٌ من مسألة الردّ أخذه مضروباً
في الفاضِلِ عن مسألة الزوجية. فزوجٌ وجدةٌ وأخٌ لأمٍّ مثلاً) أصلُ مسألة
الزوج من اثنين، له نصفُها سهمٌ يبقى سهمٌ على مسألة الردّ، فإن أردْتَ
التصحيح (فاضرب مسألة الردّ، وهي اثنان، في مسألة الزوج، وهي اثنان، فتصحّ
من أربعة) مسطَّحِ الاثنين في الاثنين: للزوج نصفُها، النان، وللجدة سهمٌ،
وللأخ للأمّ سهم.
ولا يقع الكَسْرُ في هذا الأصل إلا على فريق واحدٍ، وهنّ الجدات. (وهكذا)
لو كانَتِ الزوجةُ مكانَ الزوجِ فإنّك تضرب مسألةَ الردّ في مسألة
الزوجيّة، تكونُ ثمانية، للزوجة ربعُها، اثنان، وللجدّةِ ثلاثة، وللأخ للأم
ثلاثة.
فصل (في تبيين) إرث (ذوي الأرحام) وتبيين كليفية توريثهم
قال في القاموس: والرَّحِمُ بالكسر ككَتِفٍ: بيت منبِتِ الولدِ ووعاؤُه،
والقرابَةُ، أو أصلُها، أو أسبابُها، الجمع أرحام. انتهى.
(وهم) أي ذوو الأرْحَامِ في اصطلاحِ الفقهاءِ في باب الفرائضِ (كلُّ قرابةٍ
ليس بذي فرضٍ ولا عصبةٍ.)
واختلف العلماءُ في توريثِهِمْ، قال في المغني: وكان أبو عبد الله الإِمام
أحمدُ يورّثهم إذا لم يكن ذو فرضٍ ولا عصبةٌ ولا أحدٌ من الورثَةِ إلا
الزوج أو الزوجةَ.
(2/79)
(وأصْنافهم) أي ذوو الأرحام (1) (أحدَ عشر)
صنفاً:
الأوّل: (ولد البناتِ) سواءٌ كنّ بناتٍ (لصلبِ أو) بناتٍ (لابنٍ).
(و) الثاني: (ولد الأخواتِ)، سواءٌ كن لأبويَن أو لأب.
(و) الثالث: (بنات الإِخوة) سواء كانوا لأبوين أو لأب.
(و) الرابع: (بنات الأعمام) لأبوينِ أو لأب.
(و) الخامس: (وَلَد ولدِ الأمِّ) سواءٌ كان ولدُ الأمِّ ذكراً أو أنثى.
(و) السادس: (العمُّ لأمٍّ) سواء كان عمَّ الميّتِ، أو عم أبيه، أو عمَّ
جدهِّ.
(و) السابعُ: (العمّات) سواءٌ كنَّ عماتٍ للميت، أو عماتٍ لأبيه، أو عماتٍ
لجدّه.
(و) الثامن: (الأخوالُ والخالاتُ) أي أخوةُ الأمّ سواء كانوا ذكوراً أو
إناثاً.
(و) التاسع: (أبو الأم) وإن علا.
(و) الصنف العاشر: (كل جدَّةٍ أَدْلَتْ بأبٍ بين أُمَّينِ) كأمّ أبي الأم،
أو بأبِ أعلى من الجدّ.
(و) الصنف الحادي عشر: (من أدلى بصِنفٍ) من هؤلاء، كعمةِ العمةِ، وخالةِ
الخالةِ، وعمِّ العمِّ لأمٍّ وأخيه وعمه لأبيه، وأبي أبي الأمّ وعمِّهِ
وخالِهِ، ونحو ذلك.
(ويورثون بتنزيلهم منزلة من أدلوا به.) قال في الإِنصاف: هذا المذهب، وعليه
الأصحاب، وعليه التفريع. فينزَّل ولدُ بنتٍ لصلبٍ أو لابنٍ، وولدُ أختٍ كأم
(2) كل منهم، وعماتٌ وعمٌّ من أمّ كأب، وأبو أمّ
__________
(1) كذا في الأصول وصوابه "أي ذوي الأرحام" بجرّ ذوي، لأن "أي" عاطفة.
(2) الأولى أن يقول "منزلةَ أمِّ ... الخ " إذ لا يقال: نَزلْتُه كفلانٍ،
وإنما يقال "نزلته منزلة فلان" وهو نقل من شرح المنتهى، وفيه "فينزّل كلٌّ
منهم منزلةَ من أدلى به".
(2/80)
أبٍ، وأبو أمّ أمٍّ وأختاهما وأخواهما،
وأُمُّ أمِّ جدٍّ بمنزلتهم، ثم تجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به.
(وإن أدْلى جماعةٌ منهم) أي من ذوي الأرحام (بوارثٍ) بفرض أو تعصيب (واستوت
منزلتهم منه) كأولاده، أو اختلف، كأخوته المتفرقين، وأدْلوا بأنفسهم، بأن
لم يكن بينهم وبين الوارث واسطة (فنصيبه لهم) كإرثهم منه، لكن هنا
(بالسويّة الذكر كالأنثى) اختاره الأكثر، ونقله الأثرم وحنبل وإبراهيم بن
الحارث في الخال والخالة: يعطَوْن بالسوّية. ووجه ذلك أنهم يرثون بالرحم
المجردة، فاستوى ذكرُهم وأنثاهم، كولد الأم. فبنتُ أختٍ وابنُ وبنتُ أختٍ
أخرى: فلبنت الأخت الأولى النصف، وللأخرى وأخيها النصفُ بينهما بالسويّة،
فتصح من أربعة.
فالجهاتُ ثلاثةٌ: أبوّةٌ، وأُمومةٌ، وبنوَّةٌ.
(ومن لا وارثَ له) معلومٌ (فمالُهُ لبيت المال) يحفظُه من الضياع، لأن كلَّ
ميّتٍ لا يخلو من ابن عمٍّ أعلى؛ إذ الناس كلُّهُمْ بنو آدم.
(وليس) بيتُ المال (وارثاً، وإنما يحفظ المال الضائِعَ وغيرَهُ، فهو جهةٌ
ومصلحةٌ) قال في الإِنصاف: هل بيتُ المالِ وارثٌ أم لا؟ فيه روايتان،
والصحيح من المذهب والمشهور أنه ليس بوارثٍ، وإنما يحفظ فيه المال الضائع.
قاله (1) في القاعدة السابعة والتسعين. انتهى.
__________
(1) أي قاله ابن رجب في (القواعد) الخ.
(2/81)
باب تَبيين (أصُول المسَائل)
المراد بأصول المسائل المخارج (1) التي تخرجُ منها فروضُها.
والمسائل جمع مسألةٍ، مصدر سأل سؤالاً ومسألة. والمرادُ بها هنا المسؤولة،
من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول.
(وهي) أي أصول المسائل (سبعة) لأن الفروض المحدودة في كتاب الله تعالى ستة:
النصف، والثلثان، والثلث، والربع، والثمن، والسدس. ومخارج هذه الفروض
مفردةً خمسةٌ: لأن الثلث والثلثين مخرجهما واحد. فالنصفُ من اثنين،
والثلُثُ والثلثانِ من ثلاثة، والربُع من أربعة، والسدُس من ستة، والثمُنُ
من ثمانية.
والربُع مع الثلُث أو السدُس أو الثلثين من اثني عشر، والثمن مع السدس أو
الثلثين من أربعة وعشرين.
فصارت سبعة: (اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، وثمانية، واثنا عشر،
وأربعة وعشرون).
(ولا يعول منها إلاَّ الستة، وضعفها) أي الاثنا عشَرَ، (وضعفُ ضعفِها) أي
الأربعةُ والعشرون.
__________
(1) مَخْرج الفرض، وهو المعبر عنه في الرياضيات بمقام الكسر.
(2/82)
(فالستةُ تعول متواليةً) أوتاراً وأشفاعاً
(إلى عشرة).
(فتعول إلى سبعة: كزوجٍ، وأختٍ لغير أم،) أي الأبوينِ أو لأبٍ، (وجدة):
للزوج النصفُ، وللأخت النصف، وللجدّة السدس.
ومن أمثلة ذلك: زوجٌ، وأختانِ لأبوين أو لأبِ.
(وإلى ثمانيةٍ: كزوجٍ، وأمٍّ، وأختٍ لغير أَمٍّ) وهي أول فريضةٍ عالَتْ في
الإِسلام: للزوجِ النصفُ، ثلاثة، وللأم الثلثُ، اثنان، وللأخت النصف ثلاثة.
(وتسمَّى) هذه المسألة (بالمباهلة) لِقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
"من شاءَ باهَلْتُهُ أن المسائل لا تعول، إنّ الذي أحصى رملَ عالِجٍ عدداً
أعدلُ من أن يجعلَ في مالٍ نصفاً ونصفاً وثلثاً، هذان نصفانِ ذَهَبَا
بالمال، فأين موضع الثلث؟ " (1)
__________
(1) قصّة مسألة المباهلة رواها البيهقي والحاكم. وسندها حسن (الإِرواء ح
1706) ونص البيهقي (6/ 253) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
قال: دخلت أنا وزفر بن أوس بن الحدثان على ابن عباس بعدما ذهب بصره،
فتذاكرنا فرائض الميراث، فقال: ترون الذي أحصى رمل عالج عدداً لم يحص في
مالٍ نصفاً ونصفاً وثلثاً إذا ذهب نصف ونصف، فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر:
يا أبا عباس: من أول من أعال الفرائض؟ قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال. ولم؟ قال: لما تدافعت عليه، وركب بعضها بعضاً، قال: والله ما أدري كيف
أصنِع بكم. والله ما أدري أيكم قدَّم اللهُ ولا أيكم أخّر. قال: وما أجد في
هذا المال شيئاً أحسن من أن أقسمه عليكم بالحصص. ثم قال ابن عباس. وايم
الله لو قدّم من قدّم الله، وأخرّ من أخرّ الله. ما عالتْ فريضةٌ. فقال له
زفر: وأيهم قدّم وأيّهم أخّر فقال. كل فريضةٍ لا تزول إلا إلى فريضة، فتلك
التي قدّم الله. وتلك فريضة الزوجِ. له النصف، فإن زال فإلى الربع, لا ينقص
منه. والمرأة لها الربع، فإن زالت عنه صارت إلى الثمن. لا تنقص منه.
والأخوات لهن الثلثان، والواحدة لها النصف. فإنّ دخل عليهن البنات كان لهن
ما بقي. فهؤلاء الذين أخرّ الله فلو أعطى من قدّم الله فريضة كاملة، ثم قسم
ما يبقى بين من أخّر الله بالحصص ما عالت فريضة. فقال له زفر. فما منعك أن
تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال. هبته والله. قال ابن إسحاق. فقال لي
الزهري: وايم الله لولا أنه تقدّمه إمام هدًى كان أمره على الورع ما اختلف
على ابن عباس اثنان من أهل العلم اهـ.
(2/83)
(و) تعول أيضاً (إلى تسعة، كزوجٍ، وولدي
أم، وأختينٍ لغيرها) أي لأبوين، أو لأبِ: للزوجِ النصفُ، ثلاثةٌ، ولولدي
الأمِّ الثلث اثنان، وللأختين الثلثان، أربعة.
(وتسمَّى) هذه المسألةُ (الغَرّاءَ،) لأنها حدثت بعد المُبَاهَلَة، فأشتهر
العولُ بها.
(و) تسمَّى أيضاً (المَرْوَانِيّة) لحدوثها في زمن مروان.
(و) تعول أيضاً إلى (العشرة: كزوجٍ وأمٍّ وأختين لأمٍّ وأختين لغيرها):
للزوج النصفُ ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللأختين للأم الثلث اثنان،
وللأختين الثلثان أربعة. ومجموع السهام عشرة.
(وتسمى) هذه المسألة (أم الفروخ) بالخاء المعجمة، لكثرةِ ما فَرَّخَتْ في
العَوْل.
ولا تعول مسألةٌ أصلُها من ستةٍ إلى أكثر من عشرة، لأنه لا يمكن أن يجتمع
فيها فروضٌ أكثرُ من هذه.
ومتى عالت إلى ثمانيةٍ أو إلى تسعةٍ أو إلى عشرةٍ لم يكن الميّتُ فيها إلا
امرأةً لأنه لا بدّ فيها من زوجٍ.
2 - (والاثنا عشر تعول أفراداً) لا أزواجاً (إلى سبعةَ عشر).
(فتعول إلى ثلاثة عشر: كزوجٍ وبنتينِ وأمٍّ): للزوج الربع ثلاثة، وللبنتين
الثلثان ثمانية، وللأم السدس اثنان.
وكزوجةٍ، وأختٍ لأبوين أو لأب، وولدي أم: للزوجة الربع ثلاثة، وللأخت النصف
ستة، ولولدي الأم الثلث أربعة.
(و) تعول أيضاً (إلى خمسة عشر) إذا اجتمع مع الربع ثلثان وثلث، (كزوجٍ،
وبنتين، وأبوينِ): للزوج الربع ثلاثة، وللبنتين الثلثان ثمانية، وللأبوين
الثلث أربعة، لكل واحدٍ منهم السدس اثنان.
(2/84)
(و) تعول أيضاً (إلى سبعةَ عشر) إذا اجتمع
مع الربع ثلثان وثلث وسدس، (كثلاث زوجات، وجدتين، وأربع أخوات لأم، وثمان
أخوات لغيرها:) للزوجاتِ الربع ثلاثة، لكل واحدة واحد، وللجدّتين السدسُ
اثنان لكل واحدة واحد، وللأربع أخواتٍ لأمٍ الثلث، أربعة، لكلِّ واحدة
واحد، وللثمان أخوات لأبوين الثلثان ثمانية، لكل واحدة واحد (وتسمى) هذه
المسألة (أمَّ الأرَامِلِ) لأنوثية جميع الورثة.
فلو كانت التركةُ سبعةَ عشرَ ديناراً حصل لكل واحدة منهن دينارٌ فيُعايا
بها، فيقال: سبع عشرة امرأة، من جهاتٍ مختلفة، اقتسمْن مال الميت حصل لكلِّ
واحدةٍ منهن سهم، ونظمها بعضهم فقال:
قلْ لِمنْ يقسِمُ الفرائِضَ واسألْ .... إنْ سألْتَ الشيوخَ والأحداثا
ماتَ مَيْتٌ عن سبعَ عشْرةَ أُنثى .... من وجوهٍ شتَّى فَحُزْنَ التُّراثَا
أَخَذَتْ هذِه كما أخذْت تِلـ ..... ـــــك عقارا ًودرهماً وأثَاثَا
ولا تعول إلى أكثر.
3 - (والأربعةِ والعشرونَ تعول مرّةً واحدةً إلى سبعةٍ وعشرينَ) إذا اجتمع
مع الثُّمُنِ ثُلُثٌ وثلثان، (كزوجةٍ وبنتينِ وأبوينِ) للزوجةِ الثمن
ثلاثة، وللبنتين الثلثان ستة عشر، وللأبوين الثلث ثمانية، لكلِّ واحدٍ
منهما السدس. ولا تعول إلى أكثر من ذلك.
ولا خلاف في هذا العول، لأن أربعةً وعشرين لا يمكن أن يكون فيه فروضٌ
وَفْقَ مخرجِهِ، لأن ثُمْنَهُ ثلاثةٌ، يبقى أحد وعشرون، لا يمكن أن
تَجْمَعَ فرضين أو أكثرَ من النوع الآخر.
(وتسمى المِنْبَرِيَّةَ) لأن عَلِياً رضي الله تعالى عنه سُئِل عنها، وهو
على المنبر يخطب، يقول: "الحمْدُ لله الذي يحكُمُ بالحقِّ قَطْعاً،
(2/85)
ويجزِي كلَّ نفسٍ بما تسعى، وإليه المآب
والرُّجْعى، صار ثُمُنُ اليرأة تُسْعاً" ومضى في خطبته.
(و) تسمى (البخيلةَ لقلَّةِ عولها).
فائدة: إنما انحصرتْ مسائلِ العولِ في أصل ستةٍ، وأصلِ اثني عشرَ، وأصلِ
أربعةٍ وعشرين، لأنَّ عددها تام. ومعنى كونه تامًّا أن أجزاءه الصحيحةَ
غيرَ المكرَّرَةِ لو جُمِعَتْ لَسَاوتْهُ أو زادت عليه، فالستة لها نصفٌ
وثلثٌ وسدسٌ، فساوتْ؛ والاثنا عشر لها نصف وثلث وربع وسدس، فزادت؛ والأربعة
مع العشرين لها نصف وثلث وربع وسدس وثمن فزادت.
وإنما لم يدخل العول في أصل اثنين، وأصلِ ثلاثة، وأصل أربعة، وأصل ثمانية،
لأن عددها ناقص، لكونه لو جُمِعَتْ أجزاؤه الصحيحة كانت أقل منه: فأصل
اثنين ليس له إلا النصف، وهو واحد؛ وأصل ثلاثة ليس له جزء صحيح إلا الثلث،
وهو واحد؛ وأما الثلثان فثلثٌ مكرَّرٌ. وأصل أربعة ليس له إلا نصفٌ وربعٌ،
وذلك ثلاثة؛ وأصل ثمانية ليس له إلا نصفٌ وربع وثمن، وذلك سبعة. (1)
__________
(1) هذه الفائدة من زيادة الشارح على ما في شرح المنتهى. وعندي وقفة فيما
تضمنته. فلتحرّر.
(2/86)
باب ميْراث الحَمْل
بفتح الحاء. ويطلق على ما في بطنِ كلِّ حبلى. والمراد به هنا ما في بطن
الآدمية من ولد.
ويقال امرأة حامل، وحاملة، إذاكانت حبلى. فإذا حملت شيئاً على رأسها سميت
حاملة لا غير.
(ومن مات عن حمل يرثه) ومع الحمل من يرث أيضاً. (فطلب بقيةُ ورثتِهِ) أي
الميت (قسمةَ التركة قسمت) ولا يجبرون على الصبر (1) (ووُقِفَ له) أي
للحملِ (الأكثرُ من أرثِ ذكرين أو أنثيين) وبهذا قال محمد بن الحسن،
واللؤلؤي.
وقال شريك ومن وافقه: يوقف نصيب أربعة. وروى ابن المبارك هذا القولَ عن أبي
حنيفة. ورواه الربيعُ عن الشافعي.
وقال الليثُ وأبو يوسف: يوقَفُ نصيبُ غلامٍ، ويؤخذ ضمينٌ من الورثة.
ووجه الأول كون ولادةِ التوأمين كثيرةً.
(ودُفعَ لمن لا يحجُبُهُ الحملُ إرثُهُ كاملاً.) ودُفع (لمن يحجبه حجبَ
نقصانٍ أقلُّ ميراثِهِ).
__________
(1) لكن إن رضوا بوقف الأمر على وضعه فهو أولى، خروجاً من الخلاف، ولتكون
القسمة مرة واحدة (ش. المنتهى).
(2/87)
فمن مات عن زوجةٍ وابنٍ وحملٍ، فإنه
يُدْفَعُ للزوجة ثمنها. ويوقف للحمل نصيب ذكرينِ. لأن نصيبَهُما هنا أكثر
من نصيب أنثيين. فتصحُّ المسألة من أربعة وعشرين: للزوجةِ ثمنُها ثلاثة.
ويدفع للابن سبعة. ويوقف للحمل أربعة عشر.
(ولا يُدْفَعُ لمن يُسْقِطُهُ) الحمل (شيء) من التركة، كمن خلّف زوجةً
حاملاً، وإخوةً أو أخواتٍ, فإنه لا يُدْفَعُ إلى الإِخوة ولا إلى الأخوات
شيء، لأن الظاهرَ خروجُ الحملِ حيًّا، مع احتمال كونهِ ذكراً، وهو يُسْقِط
الإِخوة والأخوات، فكيف يُدْفَعُ لهم شيء مع الشكِّ في الاستحقاق؟
(فإذا وُلِدَ) الحملُ، وتبيَّن أنَّ إرثَهُ أقلُّ مما وُقِفَ له (أخذ
نصيبَهُ، ورُدَّ ما بقي لمستحقِّهِ.)
وإن أعوز شيئاً (1) بأن وُقِفَ نصيبُ ذكرينِ فولدتْ ثلاثَةَ رُجعَ على من
هو في يده.
(ولا يرثُ) المولودُ (إلا إن استَهَلَّ صارخاً) نص عليه في رواية أبي طالب
(أو عَطَسَ) أي أتته العَطْسَةُ. ويجوز في مضارِعِهِ ضمُّ الطاءِ وكسرُها
(أو تنفَّسَ) أو ارتَضَعَ (أو وُجِدَ منه ما يدلُّ على الحياةِ كالحَرَكَةِ
الطويلة. ونحوها) كسعالٍ. لأن هذه الأشياء تدل على الحياة المستمرهَ.
(ولو ظهر بعضُه) أي بعض الجنين (فاستَهَلَّ) أي صوّت (ثم انفصل مَيْتاً لم
يرثْ.)
وإن اختلف ميراثُ توأمينِ واستهلَّ أحَدُهما وأشْكَلَ أُخْرِجَ بقرعةٍ.
__________
(1) كذا في الأصول وشرح المنتهى. والصحيح برفع (شيء)، لأنه يقال: أعْوَزَني
الشيء إذا افتقدته مع شدة حاجتي إليه، كما في اللسان، ولا يقال. أعوزتُ
الشيء.
(2/88)
باب حكم (ميْراث المفقود)
اسم مفعول من فقدتُ الشيءَ أفقِدُه فَقْداً وفِقْداناً بكسر الفاءِ وضمها.
والفِقْدَانُ تَطَلُّبُ الشيء فلا تَجِدهُ.
وهو قسمان:
الأول: (من انقطع خَبَرُهُ لغيبةٍ ظاهرُها السلامةُ، كالأَسْر) فإنّ الأسير
معلومٌ من حالِهِ أنه غير متمكنٍّ من المجيء إلى أهله (والخروجِ للتجارة)
فإن التاجر قد يشتغل بتجارته عن العَوْدِ إلى أهله (والسياحةِ وطلبِ العلم)
(1) فإن السائِحَ قد يختار المقام ببعض البلدان النائية عن بلده.
فالذي يغلِبُ على الظنّ في هذه الأحوالِ ونحوِها سلامَتُهُ (انتُظِر تتمة
تسعين سنة منذ وُلِدَ) قال في الإِنصافَ: هذا المذهب. وصححه في المذهب (2)
لأن الغالب أنه لا يعيش أكثرَ من هذا. فأشبه اليقين (3).
(فإن فُقِدَ ابنَ تسعين سنةً اجتهدَ الحاكم) في تقدير مدة انتظاره.
القسم الثاني: مَنِ انقطع خبرُه لغيبةٍ ظاهِرُها الهلاكُ، وهو المراد
__________
(1) عبارة "وطلب العلم" ساقطة من (ف).
(2) في (ب، ص). "المهذب" والتصويب من (ف). وهو "المذهب الأحمد" لابن الجوزي
مطبوع في بمباي.
(3) في الأصول كلها "التعيين" وهو تصحيف. والشيخ عبد اللبدي رحمه الله
استشكلها أيضاً، ولم يجد لها مخرجاً. ونحن أستظهرنا أنها "اليقين" لدلالة
السياق.
(2/89)
بقول المتن: (وإن كان ظاهرها الهلاك، كمن
فُقِدَ من بينِ أهله) كمن يخرج إلى الصلاة فلا يعود، أو إلى حاجة قريبةٍ
فلا يعودُ (أو في مَهْلَكَةٍ) وهي بفتح الميمِ واللام، ويجوز كسرهما،
حكاهما أبو السعادات. وبجوز ضمُّ الميم مع كسر اللام، اسم فاعل من
أَهْلَكَتْ فهي مُهْلِكَةٌ. وهي أرضٌ يكثر فيها الهلاك، قاله في المبدع
(كدرب الحجازِ (1)، أو فُقِدَ من بين الصفَّيْنِ حال الحرب، أو غرقتْ
سفينةٌ ونجا قوم وغَرِقَ آخرون،) فمتى فُقِدَ إنسان في هذه الأحوال
الممثَّلِ بها أو نحوها (انتُظِر تتمةَ أربعِ سنينَ منذ فُقِدَ.
ثم يُقْسَمُ ماله في الحالتين) (2) لأنها مدة يتكرر فيها تردد المسافرين
والتجار، فانقطاعُ خَبَرِهِ عن أهلِهِ مع غيبته على هذا الوجْهِ يُغَلِّبُ
ظنَّ الهلاك، إذْ لو كان باقياً لم ينقطعْ خبرُهُ إلى هذه الغاية، فلذلك
حُكِمَ بموتهِ في الظاهِرِ، فَيُجْعَلُ مالُه لوَرَثتِهِ، لذلك، ولأن
الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على اعتدادِ امرأتِهِ بعد تربُّصها هذه
المدة، وحِلَّها للأزواج بعد ذلك. وإذا ثبت ذلك في النكاحِ مَعَ الاحتياطِ
للأبْضَاعِ ففي المال أولى.
ويزكَّى مالُ المفقود لما مضى قبل القسمة (3).
(فإن قدم) المفقود (بعد القسمة) لمالِهِ (أَخَذَ ما وجده) منه (بعينه) لأنه
قد تبيَّن عدم انتقال ملكِهِ عنه (ورَجَعَ بالباقي) على من أَخَذهُ، بمثل
مثليٍّ وقيمةِ متقوِّم، لتعذُّرِ ردَّهِ بعينه.
__________
(1) أي فيما مضى. أما الآن فقد حصل الأمن والحمد لله، فلا يكون ظاهر الغيبة
فيها الهلاك بل السلامة.
(2) كان الأولى أن يؤخّر الشارح جملة المتن "ثم يقسم ماله الخ" لأن كلامه
اللاحق لها لا يتعلق بها بل بما قبلها.
(3) أي لأن الزكاة حق في المال، فلزم أداؤه، وهو على ملك المفقود قبل الحكم
بموته.
(2/90)
(فإن مات مورِّث هذا المفقود) أي من يرث
المفقود منه (في زمن انتظارِهِ) أي في المدة التي قلنا يُنْتَظَرُ به فيها
(أَخَذَ) من تركة الميت (كلُّ وارثٍ) غيرُ الْمفقود (اليقينَ) وهو ما لا
يمكن أن ينقُصَ عنه مع حياة المفقودِ أو موتهِ (وَوُقِفَ له) أي للمفقود
(الباقي) حتى يتبيَّن أمرُهُ أو تنقضي مدة الانتظار، لأنَّهُ مالٌ لا
يُعْلَمُ الآن مستحِقَّهُ، أَشْبَهَ الذي ينقصُ نصيبُهُ بالحمل.
وطريقُ العمل في ذلك أن تَعْمَلَ المسألةُ على أنه حيّ، ثم على أنه ميت، ثم
تَضْرِبَ إحداهما في الأخرى إن تباينتا، أو في وَفْقِهَا إن اتفقتا،
وتجتزىء بإحداهما إن تماثلتا، وبأكثرهما إن تداخلتا، وتدفعَ لكل وارثٍ
اليقينَ، وهو أقل النصيبين.
ومن سقط في إحداهما لم يأخذ شيئاً.
(ومن أشكل نَسَبُه) من عددٍ محصورٍ، والمراد: ورُجِيَ انكشافُهُ،
(فكالمفقود) في أنه إذا مات أحدٌ من الواطئين لأمِّه وُقِفَ له منه نصيبه،
على تقدير إلحاقه به. وإن لم يُرْجَ زوالُ إشكالِهِ بأن عُرِضَ على القافة
فأشكَلَ عليهم، ونحو ذلك، لم يوقف له شيء.
(2/91)
باب ميرَاث الخنثى
(وهو من له شكل الذكر، و) شكل (فرج المرأة) زاد في المغني والشرح: أو ثقبٌ
في مكان الفرج، يخرج منه البول.
(ويعتبر) أمرُهُ من كونهِ ذكراً أو أنثى في توريثِهِ وغيرِهِ مع إشكاله
(ببوله) من أحدهما.
فإن كان يبولُ منهما (فَبسبْقِهِ) أي سبق البول (من أحدِهِما) قال في
المغني: قال ابن المنذر: أجَمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى
يورَّث من حيثُ يبول. فإن بال من حيثُ يبولُ الرجلُ فهو رجلٌ، وإن بال من
حيث تبولُ المرأة فهو امرأة.
(فإن خرج) البول (منهما) أي من شكل الذكر وشكل الفرج (معاً)، بأن لم يسبق
من واحد منهما (اعتبر أكثَرُهما) خروجاً منه. قال ابن حمدان: قدراً وعدداً
لأن له تأثيراً. قال في المغني: فإن خرجا معاً ولم يسبِقْ أحدُهما، فقال
أحمد في رواية إسحقَ بن إبراهيم: يرث من المكان الذي يبول منه أكثر.
(فإن استويا) أي استوى المحلَّان في قدرِ ما يخرج من كلِّ واحدٍ منهما من
البول (فَمُشْكِلٌ) أي فالخنثى المتَّصِفُ بذلك يسمى مشكلاً، لأنه قد
أشْكَلَ أمرُهُ لعدم تمييزه بشيء مما تقدَّمَ.
(2/92)
(فإن رُجِيَ كشْفُهُ) أي كشف إشكالِهِ
(بَعْدَ كِبَرِهِ) أي بلوغِهِ (أُعْطِي) الخنثى (ومن معه) من الورثة
(اليقينَ) من التركةِ، وهو ما يرثونه بكل تقدير، (ووُقِفَ الباقي) من
التركة حتى يبلغ (لتظهر ذكورته، بنبات لحيتِهِ، أو إمناءٍ من ذكره). زاد في
المغني: وكونهِ منيَّ رجلٍ، (أو) لتظهر (أنوثَتُهُ بحيضٍ أو تفلُّكِ ثديٍ)
بأن يستدير، قال في القاموس: وَفَلَّكَ ثديها وأفْلَكَ وتَفَلَّكَ: استدار،
انتهى. (أو إمناءٍ من فرجٍ).
(فإن ماتَ) الخنثى قبل بلوغِهِ، (أو بَلَغَ بلا أمارَةٍ)، تظهر بها
ذكوريته، أو أنوثيته، (واختلف إرثه، أخَذَ نصف ميراثِ ذكرٍ ونصفَ ميراث
أنثى) فإن كان ابنٌ، وبنتٌ، وولدٌ خنثى مشكلٌ، فمسألة ذكوريته من خمسة،
عددِ الرؤوس، ومسألة أنوثيته من أربعة. فاضرب إحداهما في الأخرى،
لتباينهما، تكن عشرين. ثم اضرب العشرين في اثنين، عدد حالة الذكورة
والأنوثة، تكن أربعين، ومنها تصحّ: للبنت سهم من أربعة، في خمسة، بخمسة؛
ولها سهم من خمسة، في أربعة، بأربعة؛ فأعطها تسعة. وللذكر سهمان من أربعة،
في خمسة، بعشرة؛ وسهمان من خمسةٍ، في أربعة، بثمانية: يجتمع له ثمانيةَ
عَشَرَ. وللخنثى من مسألة الأنوثية سهم، في مسألة الذكورية: خمسة؛ وله
سهمان من خمسةٍ، في أربعة، بثمانية. يجتمع له ثلاثة عشر.
(2/93)
باب ميرَاث الغرقى وَنحوهم
كمن عَمِيَ (1) موتُهُم إذا ماتُوا بِهَدْمٍ أو غَرَقٍ أو حرق. (إذا عُلِمَ
موتُ المتوارِثَيْنِ معاً) أي في آنٍ واحدٍ (فلا إرث) أي فلا يَرِثُ هذا من
هذا، ولا هذا من هذا، لأنه لم يكن أحدهما حيًّا حين موت الآخر. وشرطُ
الإِرثِ تحقُّقُ حياةِ الوارِثِ بعد موتِ المورِّث.
(وكذا) الحكم (إن جُهِلَ الأسبق) من المتوارثين موتاً، (أو عُلِمَ)
أسبقهُما (ثم نُسِيَ،) أو عُلِمَ أن أحدَهما ماتَ أولاً وجُهِلَ عينُه.
فتارةً يدّعي ورثة كلِّ واحدٍ من الميتينِ سبق موت الآخر، وتارةً لا
يدّعونه.
أشار للدعوى بقوله: (وادّعى ورثةُ كلٍّ) أي ورثة كلِّ ميتٍ من الهدمى
والغرقى (سبْقَ) موتِ (الآخر، ولا بيّنة) لواحدٍ من الفريقين بما ادّعاه،
(أو) كان لكلِّ واحدٍ بيّنَةٌ، (تعارضَتَا) أي البيّنتان، وتحالَفَا أي
حَلَفَ كلٌّ منهما على ما أنكره من دعوى صاحبه، ولم يتوارثا، لعدم وجود
شرطه، وهو تحقُّق حياةِ الوارِثِ بعد موتِ المورّث.
وأشار لعدم الدعوى بقوله (وإن لم يدّعِ ورثة كلٍّ سَبْقَ) موتِ
__________
(1) أي: خَفِي. وفي (ب، ص): "عمّ" والتصويب من (ف) وشرح المنتهى.
(2/94)
(الآخر، ورث كل ميتٍ صاحِبَهُ) وهو قولُ
عُمَرَ وعليٍّ وشريحٍ وإبراهيمَ والشعبيِّ. قال الشعبيّ: وَقَعَ الطاعونُ
بالشَّامِ عامَ عُمْواسٍ، فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم. فكتب في ذلك إلى
عمر رضي الله عنه، فأمر عمر أن ورّثوا بعضَهُم من بعض.
قال أحمد: أذْهَبُ إلى قول عمر.
قال في الإِنصاف: إنه من مفردات المذهب.
وإنما يرث كل ميتٍ من صاحبه من تِلادِ ماله، أي مالِهِ القديم الَّذي ماتَ
وهو يملكُهُ، دون المجدَّدِ له مما ورثه من الميت معه، لئلا يدخله
الدَّوْرُ. فيقدَّر أحدُهما مات أوَّلاً، ويرث الآخر منه. (ثم يُقْسَمُ ما
ورثه على الأحياء من ورثتِّه.)
ثم يصنع في الثاني كذلك.
ففي أخوين أَحَدُهما مولى زيدٍ، والآخر مولى عمروٍ، يصير مالُ كل واحدٍ
منهما لمولى الآخر.
(2/95)
باب ميرَاث أهل المِلَل
جمع مِلَّةٍ، بكسر الميم، وهي الدّينُ والشريعة.
من موانع الإِرث اختلافُ الدّين. فمتى كانَ دينُ الميتِ مبايناً لدينِ
نسيبِهِ، أو زوجتِهِ، أو زوجِها، فلا إرث.
(لا توارثَ بين مختلفين في الدين، إلا بالولاء، فيرث به) أي الولاء
(المسلمُ) المعتِقُ (الكافر) العتيق، (والكافِرُ) المعتِقُ (المسلمَ)
العتيقَ.
(وكذا يرثُ الكافِرُ ولو مرتداً) قريبَه المُسْلِمَ (إذا أَسْلَمَ قبلَ
قَسْمِ ميراثِ مورّثِهِ المسلم) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ
أسْلَمَ على شيءٍ فهو له" رواه سعيد في سننه (1).
(والكفّار مِلَلٌ شتَّى، لا يتوارثون مع اختلافها) روي عن علي، لقوله - صلى
الله عليه وسلم -: "لا يَتَوارَثُ أهلُ مِلَّتَيْن شتَّى" رواه أبو داود
(2). فاليهوديّةِ ملة،
__________
(1) حديث "من أسلم على شيءٍ فهو له" رواه سعيد من حديث عروة وابن أبي
مُلَيكة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فهو مرسل صحيح الإِسناد. وروي
مرفوعاً من طرق أخرى من حديث أبي هريرة وبُرَيْدَة. فهو حسن بمجموعها. ونص
حديث بريدة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في أهل الذمة "لهم
ما أسلموا عليه من أموالهم وعبيدهم وديارهم وأرضهم وماشيتهم، ليس عليهم فيه
إلا الصدقة (الإِرواء ح 1716)
(2) حديث "لا يتوارث أهل ملتين شَتىً" رواه أيضاً ابن ماجه والدارقطني من =
(2/96)
والنصرانيّة ملة، والمجوسيّة ملة،
وعَبَدَةُ الأوثان ملّة، وعبدة الشمس ملّة، وهكذا. فلا يَرِثُ بعضُهُمْ
بعضاً.
(فإن اتفقت أديانُهُمْ، ووجدت الأسباب) الرّحِمُ، والنِّكاح، والولاء،
(وَرِثَ بعضهم بعضاً، ولو أنّ أحَدَهما ذِمّي والآخر حربي، أو) أحدُهما
(مستأْمِنٌ والآخر ذمّي أو حربيّ.) فاختلافُ الدَّارَيْنِ ليس بمانع، لأن
العموماتِ من النصوصِ تقتضي توريثَهُمْ، ولم يرد بتخصيصِهم نصٌّ ولا إجماع،
ولا يصح فيهم قياسٌ. فيجب العمل بعمومها.
(ومن حُكِمَ بكفرِهِ من أهل البدع) المضلّة، (والمرتدّ، والزنديق، وهو
المنافق) ولا تقبلُ توبتُهُ ظاهراً، وهو سَتْرُ الكفرِ وإظهار الإِيمان
(فماله فيءٌ) يصرف مصرف الفيءِ (لا يورِّثون) أحداً (ولا يَرِثون) أحداً.
(وَيرِثُ المجوسي ونحوُه) ممن يرى حِلَّ نكاحِ المحارِمِ (بجميعِ
قراباتِهِ) إذا أسْلَمَ، أو حاكَمَ إلينا، وهو قول عمر وعليٍّ وابنِ مسعود
وابن عباس، وزيدٍ في الصحيح عنه.
(فلو خلَّفَ) المجوسيُّ (أُمَّه، وهي أخته من أبيه) لكون أبيهِ تزوَّج
بنته، فولدتْ له هذا الميت، وخلَّفَ عمًّا (ورثت الثلث بكونها أمًّا، و)
ورثت (النصفَ بكونهَا أُختاً) والباقي بعد النصف والثلث للعمّ.
__________
= حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وهو حديث حسن (الإِرواء ح 1675)
(2/97)
باب ميرَاث المطلقَة
طلاقاً رجعياً أو بائناً يتهم فيه بقصد الحرمان.
(يثبتُ الإِرث لكلٍّ من الزوجين في الطلاقِ الرجعيّ) سواء كان في المرض أو
في الصحة. قال في المغني: بغير خلافٍ نعلمه. روي ذلك عن أبي بكر وعمر
وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم. وذلك لأنّ الرجعيةَ زوجةٌ يلحقها
طلاقُه وظهارُه وإيلاؤهُ، ويملكُ إمساكَهَا بالرَّجْعَةِ بغير رضاها، ولا
وليّ ولا شهودٍ ولا صداقٍ جديد.
(ولا يثبت) الإِرث (في) الطلاق (البائن إلاَّ لها) أي للمطلقة من مطلقها
(إن اتُّهِمَ) أي الزوجُ (بقصْدِ حِرمانِها) الميرات (بأنْ طلَّقها في مرضِ
موتهِ المخوفِ ابتداءً) يعني من غير سؤالِهَا، (أو سألَتْهُ) أنْ يطلِّقها
طلاقاً (رجعيًّا فطلّقها) طلاقاً (بائناً، أو علّق في مَرَضِهِ طلاقَهَا)
ثلاثاً، أو طلاقاً تبين به، (على ما) أي: فعلٍ (لا غنى لها عنه) شرعاً،
كالصلاة المفروضَةِ، والزكاةِ، والصومِ المفروض، قال في الإِقناع: وليسَ
منهُ كلامُ ابَوَيْها. انتهى، أو عقلاً كالأكلِ والنوم، (أو أقرَّ) في
مَرَضِهِ (أنه طلَّقَها سابقاً في حالِ صِحَّتِهِ، أو وَكَّل في صَحته من
يُبيِنُها) أي يطلَّقُها طلاقاً بائناً (متى شاء، فأبانَهَا في مرضِ
موتهِ،) أو قَذَفَها في صحته،
(2/98)
ولاعَنَها في مرضه، أو وطئ زوجٌ عاقلٌ
حَمَاتَهُ بمرضِ موته المخوفِ، ولو لم يمتْ.
(فترث في الجميع) أي جميع الصور المذكورة، (حتى لو انقضت عدتها) قبل موتهِ
فإنها تَرِثُهُ (ما لم تتزوجْ،) فإن تزوجت زوجاً غيره لم ترث من الأول،
أبانَها الثاني أو لا (أو ترتدَّ) عن الإِسلام، ولو أسلمتْ بعد إن ارتدت.
(فلو طلَّقَ المتَّهمُ) بقصدِ حرمانِ الميراثِ (أربعاً) كن معه، (وانقضتْ
عدتهنَّ) منه (وتزوَّجَ أربعاً سواهُنَّ) ثم ماتَ، (وَرِثَ) منه
(الثَّمَانُ) وهنّ الأربعُ المطلقات، والأربع المنكوحات (على السواءِ) لأنّ
المطلَّقَةَ وارثةٌ بالزوجيّة، فكانتْ أسوةَ من سواها (بشرطه) المتقدم.
(ويثبت له) أي للزوج الميراثُ من زوجته دونها (إن فعلتْ بمرضِ موتها
المخوفِ ما يفسخُ نكاحَهَا ما دامتْ معتدّةً إنِ اتُّهِمَتْ) بقصدِ حرمانِه
(1) الميراث. كما لو أدخلَتْ ذَكَرَ ابنِ زوجِها في فَرْجِها، أو أبيه، وهو
نائم، أو نحو ذلك، لأنها أَحَدُ الزوجين.
ولم يُسْقِطْ فعلُها ميراثَ الآخرِ، كالزوج.
(وإلاَّ) أي وإن لم تُتَّهم الزوجةُ بقصدِ حرمانِهِ الميراثَ بأن دبَّ
زوجُها فارتَضَعها وهي نائمةٌ، أو نحو ذلك (سَقَطَ ميراثُهُ) أيضاً، كفسخِ
معتَقَةٍ تحت عبدٍ، فَعَتَقَ، ثم مات (2).
__________
(1) في (ب، ص): "حرمانها" والتصويب من (ف).
(2) كذا في الأصول كلها وصوابه "ثم ماتت" أي لأن الشارح أعطاها الخيار في
الفسخ، فرارا من الضرر في كونها وهي حرة، تحت عبد، فكان فسخها لذلك لا
للحرمان من الميراث. وانظر المغني 6/ 336
(2/99)
باب حكم تصحيح
المسألة
مع (الإِقرار) من بعضهم (بمشاركٍ في الميراث،) وأمّا مع إقرار الجميع فلا
يحتاج إلى عمل سوى ما تقدم.
(إذا أقرّ الوارث) المكلف (بمن يشاركه) أي المقِرَّ (في الإِرث) كابنٍ
للميّتِ يُقِرُّ بابنٍ له آخر، (أو) يقر (بمن يحجبه، كأخٍ) للميت (أقرّ
بابنٍ للميّت) ولو كان الابنُ المقَرُّ به من أمةِ الميت، نصّ عليه في
رواية الجماعة، (صحّ) الإِقرار، (وثبت الإِرث) من الميّت، (و) ثبت (الحجب).
(فإذا أقرّ الورثة المكلفون) كلهم (بشخصٍ مجهولِ النسبِ، وصدَّق) المقَرُّ
به المقِرَّ إنْ كان مكلفاً، (أو) لم يصدِّقْهُ و (كان صغيراً، أو مجنوناً،
ثبت نَسَبُهُ وإرْثُهُ).
فيشترط لثبوت النسب أربعة شروط، وهي: إقرار الجميع؛ وتصديق المُقَرِّ به إن
كان مكلّفاً؛ وإمكان كونهِ من الميّت؛ وعَدَمُ المُنازِع.
وحيث ثبت نسبه فإنه يثبُتُ إرثُه، ما لم يقم به مانعٌ من موانع الإِرث. فإن
كان به مانع ثبت نسبه، ولم يرث للمانع.
(لكن يعتبر لثبوت نسَبه من الميت) أحد شيئين: إما (إقرار جميع
(2/100)
الورثة، حتى الزوج، وولد الأم؛ أو شهادَةُ)
رجلينِ (عَدْلينِ) فلا تقبل هنا شهادة النِّساء، ولا شهادة الفاسق مطلقاً.
ويأتي.
ولا فرق بين أن يكون الشاهدان (من الورثة، أو من غيرهم). (فإن لم يُقِرَّ
بِهِ جميعُهم) بل أقرّ به بعضُهم (ثبت نسبه وإرثُهُ ممن أقرّ به) فقط، دون
الميّت، وبقية الورثة. وقيل لا يثبت نسبه أيضاً ممن أقرّ به. جزم به
الأزْجِيّ وغيره. وقدَّم الأول في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير
وغيرهم.
(فـ) على هذا (يشاركه) أي المقَرُّ بِهِ المقِرَّ (فيما بيده) من التركة.
فإذا أقرّ أحدُ ابنيهِ بأخٍ لهما، فللمقَرِّ به ثلث ما بيد المقِرّ. نقله
بكر بن محمد. لأنّ إقراره تضمّن أنه لا يستحقُّ أكثَرَ من ثُلُثِ التركة.
وفي يده نصفُها فيكون السدسُ الزائد للمقَرِّ به وهو ثلث ما بيده. فيلزمه
دفعُه إليه، (أو يأخذُ) المقَرُّ به (الكُلَّ) أي كلّ ما بيده (إن أسقطه)
كما لو أقر أخٌ شقيقٌ للميت بابن للميت، فإنه يرثُ الابنُ، ولا شيء للأخ.
(2/101)
باب ميرَاث القَاتل
وإنما يرثُ القاتلُ المقتولَ إذا لم يضمنْه على ما يأتي.
(لا إرث لمن قَتَل مورِّثه بغير حق) مثل أن يكون القتلُ مضموناً بقصاصٍ أو
ديةٍ أو كفّارةٍ، (أو شارَكَ في قتلِهِ) لأنّ شريك القاتل قاتلٌ، بدليل أنه
يُقْتَلُ به لو وجَبَ القصاصُ، (ولو) كان القتلُ (خطأً، فلا يرثُ من سقى
ولدَهُ) ونحوَه ممن في حِجْرِهِ (دواءً) (1) ولو يسيراً (فمات، أو
أَدَّبَهُ) أي أدّبَ وَلَدَه، أو زوجتَهُ، فماتَ أو ماتَتْ (أو فَصَدَه) أو
حجَمه (أو بَطَّ سِلْعَتَهُ) لحاجةٍ، فمات من ذلك، لم يرثه، لأنه قاتل.
(وتلزَم الغُرَّةُ) وهي عبدٌ أو أَمَةٌ قيمتُها خمسٌ من الإِبل (مَنْ
شَرِبَتْ دواءً فأسقطت) جنينَها.
(ولا ترثُ مِنْها) أي الغرة (شيئاً).
(وإن قتله) أي قتل الإِنسان مورِّثه (بحقٍّ ورثه، كالقتلِ قصاصاً، أو)
القتلِ (حدًّا) كحدّ الزنا، وقطعِ الطريق، (أو) قتلَه (دفعاً عن نفسه) إن
لم يندفع إلاَّ به.
__________
(1) هذا لا يلزم به قصاص ولا دية ولا كفارة، فمقتضى ذلك أنه لا يمنع
الميراث. وهو قول الموفق والشارح وصوّبه في الإِقناع (عبد الغني).
(2/102)
(وكذا) لا يُمْنَعُ من الإِرث (لو قَتَلَ
الباغي العادلَ) في الحرب (كعكسِهِ) (1) بأن قتلَ العادلُ الباغيَ، لأنه
فعلٌ مأذون فيه شرعاً، فلم يمنع الميراث.
__________
(1) وفي رواية أخرىَ عن أحمد: لا يرِث الباغي العادل، ولا العادل الباغي.
(2/103)
باب ميرَاث المعتَقِ بعضُه
(الرقيقُ من حيثُ هو) أي بجميعِ أنواعِهِ، كالمدبَّر، والمكاتَب، وأمّ
الولد، والمعلَّقِ عتقُه على صفة (لا يرِثُ) غيرَهُ (ولا يورث) أحداً (1)،
لأن فيه نقصاً منع كونه موروثاً، فمنع كونه وارثاً.
أجمعوا على أن المملوك لا يورَث، لأنه لا مال له فيورَث، فإنه لا يملك. ومن
قال يملك بالتمليك، فملكٌ ناقصٌ غيرُ مستقرٍّ يزول إلى سيده بزوالِ ملكِهِ
عن رقبته.
(لكَن المبعَّضَ يرث ويورَثُ، ويَحْجُب، بقدر ما فيه من الحرية).
(وإن حصل بينه) أي المبعَّض (وبين سيّدِهِ مُهَايَأةٌ) فكان يخدم سيده
بنسبة ملكه، ويكتسب بنسبة حريته، (فكلُّ تَرِكَتِه) التي جَمَعها بجزئه
الحر (لوارثه) (2).
(أوْ لا) بأن لم يكن بين السيد والمبعّض مهايأةٌ (فتركته بينه) أي وارث
المبعّض (وبين سيده) أي سيد المبعّض (3) (بالحصص).
__________
(1) عبارة "أحداً" كان الأولى بالشارح أن لا يذكرها، على أن يكون الفعل
(يورث) مبنياً للمجهول.
(2) وكذا لو قاسَمَ سيده في حياته (ش. المنتهى).
(3) في (ف): "أي سيد البقيّة.".
(2/104)
باب الوَلَاء
الولاء ثبوتُ (1) حكْمٍ شرعيٍّ بعتقٍ، أو تعاطي سببه.
فـ (من أعتق رقيقاً؛ أو) أعتق (بعضه فسرى إلى الباقي؛ أو عَتَق) الرقيق
(عليه بِرَحِمٍ) كما لو ملك أباهُ أو أخاهُ أو عمَّهُ، ونحوهم فعتق عليه
بسبب ما بينهما من الرحم؛ (أو) بـ (فعل) كتمثيلٍ به؛ (أو) بسبب (عوضٍ) كما
لو قال لعبده: أنت حرٌّ على أن تخدمني سنةً، وكما لو اشترى العبدُ نفسَهُ
من سيّده بعوضٍ حالٍّ، فإنه يُعْتَقُ، ويكون الولاءُ لسيّده. نص عليه؛ (أو)
بسبب (كِتابةٍ)، كما لو كاتبه على مالٍ فأدّاه؛ (أو) بسببِ (تدبيرٍ) كما لو
قالَ له: إذا أنا مُتُّ فأنتَ حرٌّ، (أو) بسبب (إيلادٍ،) كما لو أتت أمته
منه بولدٍ، ثم مات أبو الولد؛ (أو) بسبب (وصيّةٍ)، كما لو أوصى بعتقِ عبده
فلانٍ، وأعتقه الورثة؛ (أو أعتقه في زكاته، أو) في (نذره، أو) في (كفارته،
فـ) إنه في جميع هذه الصور (له عليه الولاءُ) لقوله - صلى الله عليه وسلم
-: "الولاء لمن أعتق" لما متفق عليه.
(و) يكون له أيضاً الولاءُ (على أولادهِ) أي أولاد العتيق، (بشرطِ كونهمْ)
أي أولادِ العتيق (من زوجةٍ عتيقةٍ) للعتيق أو لغيره (أو أمةٍ).
__________
(1) تفسير الولاء بـ "الثبوت" فيه نظر، فليس هو مجرد ثبوت، بل وصف ثابت.
ولذلك قال في شرح المنتهى "عصوبة ثابتة .. الخ".
(2/105)
(و) يكون له الولاءُ أيضاً (على من له) أي
العتيقُ ولاؤُه (أو لهم) أي لأولادِ العتيقِ (عليهِ الولاءُ.)
ومن لم يمسَّه رِقٌّ، وكان أحدُ أبوْيهِ عتيقاً، والآخرُ حرَّ الأصل، أو
الآخرُ مجهولَ النَّسب، فلا ولاء عليه لأحد.
(وإن قال) شخصٌ مكلَّفٌ رشيدٌ لمالِكِ عبدٍ: (اعتقْ عبدَك عنّي مجاناً،) أي
بلا عوضٍ، (أو) اعتق عبدك (عنيّ،) فقط، (أو اعتق عبدك (عنك وعليّ ثمنه) فلا
يجب عليه أن يجيبه، فـ (إن أعتقه)، ولو بعد أن افترقا، (صحّ) العتق (و) كان
(ولاؤه للمعتَقِ عنه) كما لو قال له: أطعِمْ أو اكْسُ عني.
(ويلزم القائلَ) للمقولِ له (ثمنُه) أي ثمنُ العبد (فيما إذا التزم به) أي
بالثمن، بقوله: وعليّ ثمنه. (وإن قال الكافر) للمسلم: (اعتقْ عبدَكَ المسلم
عني) وعليّ ثمنه، (فأعتقه، صحّ) في الأصحّ، لأنه إنما يملكه زمناً يسيراً،
ولا يتسلَّمُهُ فاعتُبر هذا الضرر (1) اليسير لأجل تحصيل الحرية للأبد،
التي يحصل بها نفع عظيم، لأن الإِنسان يصيرُ متهيّئاً بها للطاعاتِ، وإكمال
القربات.
(و) يكونُ (ولاؤُه للكافر)
ويرث به المسلم (2).
وكذا كل من باين [دينه] دين معتقِه (3).
__________
(1) في (ب، ص): "الغرر" والتصويب من شرح المنتهى، إذ لا غرر هنا. والضرر
الحاصل هو أنه إذا أعتقه عن الكافر فقد حُكِم بدخوله في ملك الكافر ولو
لحظةً. ولا يجوز للكافر أن يتملّك مسلماً، لكن اغتفر هنا لما ذكر في الشرح.
(2) أي: يرث الكافر بالولاء عتيقه المسلم. وتقدم في كتاب المواريث.
(3) أي كذلك يرث المجوسيّ عتيقه اليهودي، ونحو ذلك.
(2/106)
فصل [في الإِرث بالولاء]
(ولا يرث صاحبُ الولاءِ) أي من له الولاءُ (إلاَّ عِنْدَ عَدَم عصباتِ
النَّسب) كالأب، والابن، وابن الابن، والأخ مطلقاً، ونحوهم، (وبعد أن يأخذ
أصحابُ الفروضِ فروضَهم. فبعد ذلك يرثُ المعتِق ولو أنثى).
فمن ماتَ عن بنتٍ حُرَّة وعن معتِقٍ: كان النصفُ للبنت، والباقي للمعتِق.
ومن ماتَ عن أمٍّ حرّةٍ، وشقيقتينِ حرتين، وزوجةٍ حرة، ومعتِق: فاصل
المسألةِ من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر: للأم السدس سهمان، وللشقيقتين
ثمانية أسهم، وللزوجة ثلاثة أسهم، ولا شيء للمعتق.
(ثم) يرث بعد فقد المعتق (عصبتُه) المتعصّبون بأنفسهم، يقدَّم (الأقرب
فالأقرب) فابنٌ وابنُ ابنٍ: الكلُّ للابن. وأخٌ شقيقٌ، وأخ لأب: الكلّ
للشقيق. وهكذا.
(وحكم الجد مع الإِخْوة) الأشقاءِ أو لأب (في الولاء كحكمِهِ معهم في
النَّسب) وتقدم الكلام على ذلك.
(والولاءُ لَا يباعُ، ولا يوهَب، ولا يوقَفُ، ولا يوصى به) لأنه كالنَّسب،
وهو لا يَرِدُ عليه عقد بيعٍ، ولا هبةٌ، ولا وقفٌ، ولا وصيةٌ. قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاءُ لُحمةٌ كلُحْمَةِ النسب لا يباع ولا
يوهب" (1). (ولا يورَث، وإنما يَرِثُ به أقربُ عصباتِ المعتِقِ يَوْمَ موتِ
العتيق) لا يوم موت المعتِق.
__________
(1) حديث: "الولاء لحمة ... " رواه الإِمام الشافعي من طريق محمد بن الحسن
عن أبي يوسف القاضي (صاحبي أبي حنيفة) ورواه ابن حبان والحاكم وصححه.
(2/107)
(لكن يتأتَّى انتقاله) أي الولاء (من جهةٍ
إلى) جهة (أخرى: فلو تزوّج عبدٌ بـ) امرأة (معتَقَةٍ) لزيدٍ (فولاءُ من
تَلِدُهُ) من زوجِها العبدِ (لمن أعتَقَها) وهو زيدٌ (فإن عَتَقَ الأب
انجرَّ الولاء لمواليه) أي موالي الأب.
(2/108)
|