نَيْلُ المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب

كتَاب العتق
وهو لغةً: الخلوص، ومنه عِتاقُ الخيل. وسمِّيَ البيتُ الحرام عتيقاً لخُلوصِهِ من أيدي الجبابرة.
وشرعاً: تحرير الرَّقبة، وتخليصها من الرق. وخُصَّت به الرقبة، وإن تناول العتقُ جميعَ البدن، لأن ملك السيّد له كالغُلِّ في رقبته المانعِ له من التصرّف، فإذا عَتَقَ صار كأنّ رقبته أُطلِقت من ذلك.
(وهو من أعظم القُرَب) لأنَ الله -جَلَّ وعلاَ- جعله كفارةً للقتلِ، والوطءِ في نهار رمضان، وكفارةً للأيمان، وجعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِكاكاً لمعتِقِهِ من النار، ولأن فيه تخلُّصَ الآدميِّ المعصومِ من ضرر الرق.
وأفضلُها أَنفسُها عند أهلِها، وأغلاها ثمناً، نَقَله الجماعَةُ عن أحمد.
وذكرٌ وتعددٌ أفضل (1).
(فيسن عتقُ) وكتابةُ (رقيقٍ له كسبٌ) لانتفاعِهِ بملْكِ كسبِهِ بالعتق.
(ويكره) العتقُ والكتابةُ (إن كان) العتيقُ (لا قوةَ لَه ولا كسب) لسقوطِ نفقته بإعتاقه، فيصير كلًّا على الناس ويحتاج إلى المسألة؛ (أو)
__________
(1) يعني أن إعتاق الذكر أفضل من إعتاق الأنثى، وإعتاق المتعدد ولو من إناثٍ أفضل من إعتاق واحدٍ ولو كان ذكراً (ش. المنتهى).

(2/109)


كان (يخافُ منه) إذا عتَق (الزنا أو الفساد) يعني فإنه يكره إعتاقه. وكذا لو خيف رجوعه إلى دار الحرب وتركُ إسلامه.
(ويحرم إن عَلِم ذلك) أو ظَنَّه (منه) لأن التوسُّل إلى المحرّم حرام.
وإن أعتقَه مع علمِه ذلك أو ظنَّه صح العتق.
(وهكذا الكتابة) في الحكم المذكور.
(ويحصل العتق) بأحد شيئين: (بالقول) أو الملك (1). وزاد في الكافي: والاستيلاد (2).
ولا يحصل بمجرّد النية، لأنه إزالة ملك.

[العتق بالقول]
وينقسم من أجل كونه إزالةَ ملكٍ إلى صريح وكناية، كالطلاق.
(وصريحه) أي صريح القول: (لفظ العتق، و) لفظ (الحريّة) لأنهما لفظانِ وردَ الشرعُ بهما، فوجب اعتبارُهما، (كيفَ صُرِّفَا) فمن قال لرقيقه: أنت حرٌّ، أو مُحرَّرٌ، أو قد حرَّرْتُك؛ أو عتيقٌ، أو معتَقٌ أو قد أعتقْتُكَ، عتَقَ، ولو لم يَنْوِ عتقَه بذلك. قال أحمد في رجلٍ لقي امرأةً في الطريق، فقال: تَنَحَّيْ يا حُرَّةُ. فإذا هي جاريتُهُ، قال: عتقت عليه. (غيرَ أمرٍ، ومضارِعٍ، واسمِ فاعلٍ) فمن قال لرقيقه: حرِّرْهُ، أو: أعتِقْهُ، أو: أُحَرِّرُهُ، أو: هذا محرِّرٌ بكسر الراء، وهذا معتِقْ بكسر التاء، لم يعتَقَ بذلك، لأن ذلك طلَبٌ ووعْدٌ وخبرٌ عن غيره، فلا يكون واحدٌ منها
__________
(1) المراد بالملك أن يملك أخاه أو أباه أو نحو ذلك فيعتق عليه شرعاً. وسيأتي في المتن.
ويأتي العتق بالفعل. ففي حصر الشارح ما يحصل به العتق في شيئين فقط نظر، فإن الحاصل أربعة أشياء.
(2) الاستيلاد أن يطأ الأمةَ سيدُها فتلد له ولداً، فتعتق بذلك بعد موته، وتسمى أم ولد. وتأتي أحكامها ص 125.

(2/110)


صالحاً للِإنشاء والإخبار عن نفسِه فيؤاخَذَ به.
ويقع من هازلٍ، كالطلاق، لا من نائمٍ ومجنونٍ ومُبَرْسَمٍ لأنهم لا يعقلون ما يقولون.
ولا يقعُ إن نوى بالحرِّيَّة عفَّتَهُ وكَرَمَ خُلُقِه، ونحوَه.
(وكنايتُهُ) أي كناية العتق التي يقع بها (مع النية) أي نية العتق (ست عشرة) لفظة: (خَلَّيتُكَ، وأطلقتُكَ، والحقْ بأهلك، واذهبْ حيثُ شئتَ، ولا سبيلَ لي) عليك، (أو: لا سلطانَ) لي عليك، (أو: لا مِلكَ) لي عليك، (أو: لا رقَّ) لي عليك، (أو: لا خِدْمَةَ لي عليك، أو: وَهبتك لله، وأنت لله، ورفعت يدي عنك إلى الله، وأنت مولاي، أو أنت سائِبَةٌ (1) وملَّكتُك نفسَكَ. وتزيد الأمةُ) على الذكر (بأنتِ طالقٌ، أو:) إنت (حرامٌ).
(ويعتق حملٌ لم يستثنَ) أي لم يستثنه المعتِقُ عندَ عتقِ أمةٍ (بِعِتقِ أمِّهِ) لأنه يتبعها في البيع والهبة، ففي العتق أولى، (لا عكسُهُ) أي لا تعتق الأمة بعتقِ حملِها، لأن الأَصْلَ لا يتبع الفرع.
(وإن قال) السيد (لمن) أي لرقيقٍ (يمكن كونُه أباهُ) من رقيقِهِ، كما لو كان إلى السيّدُ ابن خمسةَ عشرَ عاماً، والرقيقُ ابن ثلاثينَ عاماً: (أنت أبي، أو قال) السيد (لمن) أي لرقيقٍ (يمكنُ كونُه ابنه: أنت ابني، عَتَق) بذلك، ولو كان له نسب معروف (2).
و (لا) عِتْقَ (إن لم يمكنْ) كونه أباه أو ابنَهُ لكبرٍ أو صغرٍ (إلا بالنية) أي بنيته بهذه الألفاظ العتقَ.
__________
(1) السائبة العبد يُعْتَق على أن لا ولاء عليه (قاموس).
(2) أي لاحتمال كونه من وطء شبهةٍ.

(2/111)


فصل [في العتق بالفعل]
(ويحصل) العتقُ (بالفعلِ) كما يحصُل بالقول. (فمن مَثَّل) بتشديد المثلَّثة، قال أبو السعادات: مثَّلتُ بالحيوانِ، أُمثِّلُ تمثيلاً، إذا قطعتَ أطرافَه، وبالعَبد، إذا جَدَعْتَ أنفَه، أو أُذنَهُ، ونحوه. (برقيقِهِ) ولو بلا قصدٍ (فجدَعَ أنفه، أو أذنه، أو نحوَهما) كما لو خَصَاه (أو خَرَق) عضواً منه، كما لو خَرَقَ كفَّه (أو حَرَقَ عضواً منه) كإصبعه، بالنّار عتق بلا حكمِ حاكمٍ (1) (أو استكرهه) أي استكرَهَ السيّدُ عبدَهُ (على الفاحشة) أي فَعَلَها به مكرَهاً. قال الشيخ: لو استكره المالك عبدَهُ على الفاحشةِ عَتَقَ عليهِ، (أو وطئ) السيدُ (من) أي أمةً مباحةً (لا يوطأ مثلها لصغرٍ فأفضاها) أي خَرَقَ ما بين سبيلَيها، يعني فإنّها تعتق عليه. قال ابن حمدان: ولو مثّل بعبدٍ مشتركٍ بينه وبين غيره عَتَق نصيبُهُ، وسرى العتقُ إلى باقِيهِ، وضمن قيمةَ حِصّةِ الشريكِ بشرطِهِ، وهو أن يكون موسراً. ذكره ابن عقيلٍ، وجزم به في الإِقناع، (عتق في الجميع) أي جميع ما ذكر.
(ولا عتق) حاصل (بخدشٍ) أي جرحٍ (وضربٍ ولعنٍ) لرقيقِهِ، لأن ذلك مخالفٌ للقياسِ، ولا نصَّ فيه، ولا [هو] في معنى المنصوص عليه، فلم يعتق بذلك، كما لو هدده.
__________
(1) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن زِنْبَاعاً أبا رَوْحٍ وجد غلاماً له مع جاريته، فقطع ذكره، وجدع أنفه، فأتى العبد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك له، فقال النبي: "ما حملك على ما فعلتَ؟ " قال: فَعَل كذا وكذا. قال: "اذهب فأنت حرّ"، رواه أحمد وغيره (منار السبيل).

(2/112)


[العتق بالملك]
(ويحصل) العتق أيضاً (بالملْكِ، فَمَنْ مَلَكَ لذي رحمٍ (1) محرمٍ) كأبيه وابنه وأخيهِ وعمهِ.
والرَّحِمُ المَحْرَمُ هو الذي لو قُدِّر أحدُهما ذكراً، والآخر أنثى، حرم نكاحه عليه (2)، لكن لما كان ذلك شاملاً للمَحْرَم بالرّضاعِ أخْرَجَه بقوله (من النسب) (3) وافقه في دينِهِ أوْ لا، (عَتَق عليَه،) وأبٌ وابنٌ من زناً كأجنبيين، (ولو) كان المملوكُ (حملاً) كما لو اشترى زوجة ابنِهِ الأمةَ التي هي حاملٌ من ابنِه.
(وإن ملك بعضَهُ) أي بعضَ من يعتق عليه بشراءٍ أو هبةٍ أو نحوِهما (عَتَقَ البعض) الذي ملكه، (و) عَتَقَ (الباقي) أي باقي الرقبة (بالسّراية، إن كان موسراً، ويغرم) أي يدفع ثمن (حِصَّةِ شريكِهِ.)
وإن لم يكن موسِراً بقيمةِ باقيهِ كلِّه عَتَق منه بقدْرِ ما هو موسِرٌ به. والموسِرُ هنا القادرُ حالةَ العتقِ على قيمتِهِ، وأن يكون ذلك كفطرة.
تنبيه: إن كان الذي مَلَكَ جزءاً من رحمه المَحْرَم مُعسِراً، أو مَلَكه بالميراثِ ولو كان موسراً بقيمتِهِ، لم يعتق عليه إلا ما مَلَكَ.
(وكذا حكم كل من أَعْتَقَ حصته من) عبدٍ (مشتركٍ)، سواءٌ كان قَدْرَ نصيبه، أو أقل، في أنه يعتق عليه جميعُهُ عتقاً وسرايةً.
(لو ادّعى كل) واحدٍ (من) شريكين (موسرين أن شريكَهُ أعْتَقَ نصيبَهُ عتق) المشترك عليهما، (لاعترافِ كل) منهما (بحرّيّته،) وصار كلٌّ
__________
(1) كذا في الأصول كلها، والوجه أن يقول "ذا رحم" الخ.
(2) سيأتي في أول باب النكاح أن شرط المحرمية أن يكون تحريم النكاح على التأييد، فليس الرجل محرَماً لأخت زوجته. فما هنا تعريف لذي الرحم المحرم، لا لمطلق المحرم. فإن التحريم بالرحم لا يكون إلا مؤبداً ولذا لم يذكر التأبيد.
(3) على هذا مؤاخذة للماتن والشارح، فإنّ المحرم من الرضاع خارج بقوله "ذا رحم" ولعل الماتن قصد التوكيد، وإن كان خلاف مقصود أصحاب المختصرات.

(2/113)


مدَّعِياً على شريكه بنصيبه من قيمته، (ويحلف كلٌّ) منهما (لصاحِبِهِ) لأجل سرايةِ عتقِهِ إلى نصيب شريكه.
فإن نَكَلَ أحدهما قُضي للآخر.
وإن نكلا جميعاً تساقطَ حقُّهما لتماثلهما، (و) لا ولاءَ عليه لواحدٍ منْهُمَا، لأنه لا يدّعيه، بل يكونَ (ولاؤُه لبيتِ المالِ) أشبهِ المال الضائع، (ما لم يعترفْ أحدُهما بعتِقِه) كلِّه أو جزئِهِ (فيثبت له) ولاؤه، (ويضمنُ حقَّ شريكِهِ) أي قيمةَ حِصّةِ شريكِهِ، لاعترافِهِ.
ولا فرق في هذه الحالةِ بين العَدْلَيْنِ والفاسقينِ، والمسلمينِ والكافرينِ، للتساوي في الاعتراف والدعوى.

فصل [في تعليق العتق وإضافته]
(ويصح تعليق العتق بالصفةِ، كـ) قوله: (إن فعلتَ كذا، كإذا صمتَ غداً، أو: يومَ الخميس، أو: أعطيتني ألفاً، فأنت حرٌّ.)
وكذا يصحُّ تعليقه على دخولِ الدارِ، ومجيءِ الأمطار، وغير ذلك، لأنه عتقٌ بصفةٍ، فيصحُّ، كالتدبير.
وللسيد وطءُ الأمةِ التي عَلَّقَ عتقَها على صفةٍ قبل وجودِها. (وله) أي السيد (وقْفُه) أي الرقيقِ الذي عَلَّقَ عتقَه على صفةٍ، (وكذا بيعُهُ ونحوُهُ) كهبتِهِ، والوصيةُ به (قبل وجودِ الصفة) ثم إن وُجِدَتْ وهو في ملك غير المعلِّق لم يعتق.
(فإن عادَ) المعلَّق عتقه على صفةٍ (1) (لملكِهِ) أي ملك المعلِّق، ولو
__________
(1) الأولى أن يقول "عاد التعلّق بالصفة".

(2/114)


بعد وجودها حال زوالِهِ، (عادت) الصفةُ (فمتى وجدت) وهو في ملكه (عَتَق) لأن التعليق والشرط وُجِدا في ملكه، فأشبه ما لو لم يتخللهما زوال ملك، ولا وجودُ صفةٍ حال زواله. ولا يعتق قبل وجود الصفة بكمالها، كالجُعْل في الجعالة. فلو قال لعبده: إذا أديتَ ألفاً فأنت حرٌّ لم يعتق حتى يؤدّي جميعه.
(ولا يبطل) التعليق (إلا بموته) أي موت المعلِّق لزوالِ ملكه زوالاً غيرَ قابل لِلْعَوْد، (فقوله) أي السيدِ لعبده: (إن دخلتَ الدارَ بعد موتي فأنتَ حرٌّ لغوٌ) كقوله لعبد غيره: إنْ دخلتَ الدارَ فأنت حرٌّ، ولأنَّه علَّق عتقه على صفةٍ توجد بعد موتهِ وزوالِ ملكِهِ فلم يصحَّ، كقوله: إن دخلتَ الدارَ بعد بيعي لك فأنت حرّ، ولأنه إعتاقٌ له بعد استقرارِ ملكِ غيرِهِ عليه.
(ويصحُّ) من مالكٍ قولُه لعبده: (أنت حرٌّ بعد موتي بشهرٍ) ذكره القاضي، وابن أبي موسى، كما لو وصّى بإعتاقِهِ، وكما لو وصّى أن تباع سلعةٌ ويتصدَّق بثمنها (فلا يملِكُ الوارِثُ بيعَه) أي بيعَ العبدِ الذي قيل له ذلك قبل مضيِّ الشَّهْرِ.
وكسبُه بعد موتِ سيِّدهِ وقبلَ انقِضاءِ الشهرِ للورثة.
(ويصح) لا من قنٍّ، (قوله: كلُّ مملوكٍ أملِكُهُ فهو حرٌّ، فكلُّ من ملكه عتق.) ويصحُّ: إن ملكْت فلاناً فهو حر. روى أبو طالبٍ عن أحمد أنه قال: إن [قال: إن] اشتريتُ هذا الغلامَ فهو حرٌّ، فاشتراه، عتق. بخلافِ ما لو قال: إن تزوجت فلانةَ فهي طالق، لأن العتق مقصودٌ من المالك، والنكاحَ لا يُقْصَد به الطلاق. وفَرَّق أحمدُ بأنَّ الطلاقَ ليس لله تعالى، ولا فيه قربةٌ.
(و) إن قال مكلَّفٌ حرٌّ: (أولُ) قِنٍّ أمْلِكُهُ، (أو) قال: (آخِرُ قنٍّ

(2/115)


أَمْلِكُهُ، أو) قال: (أوَّلُ، أو: آخِرُ من يطْلُعُ من رقيقي حرٌّ، فلم يملك) إلا واحداً، (أو) لم (يطلع إلا واحدٌ عتق) لأنه ليس من شرط الأوَّل أن يأتي بعده ثانٍ، ولا من شرطِ الآخِرِ أن يأتي قبله أوَّل. (ولو ملك اثنين معاً، أو طلعَا معاً، عتق واحد) منهما، وأُخْرِجَ (بقرعةٍ. ومثله الطلاق).

فصل
(وإن قال) سيد (لرقيقِهِ. أنتَ حرٌّ وعليك ألفٌ، عتق في الحالِ بلا شيءٍ) لأنه أعتقه بغير شرطٍ، وجَعَل عليه عوضاً لم يقبله، فعتَقَ، ولم يلزمْه شيءٌ.
(و) إن قال: أنتَ حرٌّ (على ألفٍ، أو:) أنتَ حُرٌّ (بألفٍ،) أو: أنت حرٌّ على أن تعطيني ألفاً، أو: بعتُكَ نفسَكَ بألفٍ، فإنه (لا يعتق حتى يَقْبَلَ) لأنه أعتقه على عوضٍ، فلم يعتق بدون قبوله. ولأن "على" تستعمل للشرط والعوض، قال الله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} (ويلزمه الألف).
(و) من قال لقِنِّهِ: أنتَ حرٌّ (على أن تخدمني سَنَةً) أو شهراً فإنّه (يعتق في الحال) بلا قبولٍ (من القنِّ،) وتلزَمُهُ الخِدْمةُ على الَأصَحِّ.
(ويصحُّ أن يعتقه ويستثني خدمتَه مدةَ حياتِهِ أو مدَّةً معلومةً) كشهرٍ أو سنةٍ.
وللسيِّد فيما إذا استثنى خِدْمَتَه، أو منفعتَه مدةً معلومةً بيعُ هِذه المدةِ المعْلومةِ من العبدِ ومن غيرِهِ. نَقَلَ حَرْبٌ (1) أنه لا بأس ببيعِها من العبدِ، أو ممن شاءَ. وإن مات السيد في أثنائها رجعَ ورثةُ السيد على
__________
(1) أي عن الإِمام أحمد.

(2/116)


العبدِ بقيمةِ ما بقي من مدّة الخدمة.
ولو باع السيدُ العبدَ نَفْسَهُ بمالٍ في يده صحَّ، وعتق. وللسيد ولاؤُه.
(ومن قالَ: رقيقي حرٌّ، وزوجتي طالقٌ، وله متعدد) من رقيقٍ أو زوجةٍ (ولم ينوِ معيّناً) من عبيدِهِ أو زوجاتِهِ (عَتَقَ) الكلُّ من عبيدِه (وطلَقَ الكلُّ) من زوجاتِهِ (لأنه) أي لفظ "عبدي" أو "زوجتي" (مفردٌ مضافٌ فيعمُّ) كلَّ رقيقٍ وكلَّ زوجةٍ.

(2/117)


باب (التدبير)
وهو أي التدبير (تعليقُ العتقِ بالموتِ) أي موتِ المعلِّق، فلا تصحُّ وصيةٌ بِهِ (كقوله لرقيقِهِ: إن متُّ فأنت حر بعد موتي).
(و) لكن (يُعْتَبَرُ) لصحة التدبيرِ (كونُه ممن تصحُّ وصيّتُهُ) فيصح من محجورٍ عليه لفلسٍ، وسَفَهٍ، ومن مميزٍ يعقله؛ (وكونه) أي التدبير في الصحةِ والمرضِ (من الثلث) أي ثلثِ مالِ السيّد يومَ موتِهِ. نصّ عليه. لأنه تبرُّعٌ بعد الموتِ، فاعتُبِر من ثلثِ ماله كالوصية.
ويفارِقُ العتقَ في الصِّحَّةِ؛ فإنه لم يتعلق به حقٌّ، فنفذ من جميع المال، كالهبة المنجَّزَةِ.
وأما الاستيلاد فإنه أقوى من التدبير، لأنه ينفذ من المجنون، بخلاف التدبيرِ.
فإن اجتمع العتق في المرض والتدبير، قُدِّم العتقُ، لأنه أسبق.
وإن اجتمع التدبيرُ والوصيةُ بالعتقِ تساويا، لأنهما جميعاً عتقٌ بعد الموت.
(وصريحه) أي التدبير (وكناياتُهُ كالعتق) قال في المنتهى: وصريحه لفظ "عتقٍ" و"حرّيّةٍ" معلَّقَيْنِ بموتهِ، ولفظ "تدبيرٍ" لما وما تصرَّف منها غيرَ أمرٍ ومضارعٍ واسمَ فاعلٍ.

(2/118)


وتكونُ كناياتُ عتقٍ لتدبيرٍ إنْ عُلِّقَتْ بالموتِ، كقوله: إن متُّ فأَنْتَ لله، أو: فأنت مولايَ، أو: فأنتَ سائبةٌ.

[التدبير المعلق]
(ويصح) التدبير (مطلقاً أي غيرَ مقيَّدٍ ولا معلَّقٍ (كـ) قوله: (أنت مدبَّرٌ).
(و) يصح (مقيّداً، كإنْ متُّ في عامي) هذا (أو): في (مرضي هذا، فأنت مدبَّرٌ.) فيكون ذلك جائزاً على ما قال: إن مات على الصفة التي قالَهَا عَتَقَ، وإلا فلا.
(و) يصح التدبير أيضاً (معلقاً كـ) قوله: (إذا قدم زيدٌ فأنت مدبَّر) وإن شفى الله عليلي فأنت حرٌّ بعد موتي، فهذا لا يصيرُ مدبَّراً حتى يوجد الشرط في حياة سيّده.
(و) يصح (مؤقَّتاً كأنْتَ مدبَّر اليوم، أو) أنت مدبَّرٌ (سنَةً) قال مهنا: سألت أحمد عمن قال لعبده: أنت مدبَّرٌ اليومَ. قال: يكون مدبَّراً ذلك اليوم، فإن مات سيده في ذلك اليوم صارَ حراً.
(ويصح بَيْعُ المدبَّرِ وهبته) ولو أمةً، أو كان بيعُهُ في غير دين، (فإن عادَ) المدبَّرُ (لملكِهِ) أي ملكِ من دبَّرَهُ (عادَ التدبير) لأنه علَّق عتقَه بصفةٍ فإذا باعه، ثم عاد إليه عادت الصفة، كما لو قال لرقيقه: أنت حرٌّ إن دخلتَ الدارَ، فباعَهُ ثم اشتراه، ودخلها.
ويصح أيضاً وقف المدبَّرِ.
وإن بيعَ أو وُقِفَ أو وُهِبَ فباقيه مدبّر.

[ما يبطل التدبير]
(ويبطل) التدبير (بثلاثة أشياء):

(2/119)


أشار للأول بقوله: (بوقفه) أي وقف المدبّر.
وأشار للثاني بقوله: (وبقتله) أي المدبر (لسيدهِ) لأنه استعجَلَ بقتلِهِ له، فعوقب بنقيض قصدِهِ، كما حُرِمَ القاتِلُ الميراثَ. ولأن ذلك مما يتخذه وسيلةً إلى القتل المحرم لأجلِ العتقِ.
وأشار للثالث بقوله: (وبإيلاد الأمةِ) يعني أن الأمةَ المدبَّرة متى وَلَدتْ من سيّدها بَطَل تدبيرُها، وصارتْ أمَّ ولدٍ، لأن مقتضى التدبير العتقُ من الثلث، ومقتضى الاستيلاد العتقُ من رأسِ المال، وإن لم يملك غيرها، ولا يمنع الدَّيْنُ عتقَها.
وحيث كان الاستيلاد أقوى وجب أن يبطل به الأضعف.
(وولد المدبَّرة) من غير سيدها (الذي يولد بعد التدبير كهي) سواءٌ كانت حاملاً به حين التدبير، أو حملت به بعد التدبير، فلو باع الأمَّ لم يبطل التدبير في ولدها.
(وله) أي ولسيد المدبرة (وطؤها وإن لم يشرطه) أي يشترط وطأها. وسواء كان يطؤها قبل تدبيرها أوْ لا.
(و) للسيد أيضاً (وطءُ بنتِها إن جازَ) له وطؤُها بأن لم يكن وطئَ أمها.
(ولو أسلمَ مدبَّرٌ) لكافرٍ (أو قنٌّ) لكافرٍ (أو مكاتَبٌ لكافرٍ أُلزمَ بإزالة ملكه) عنه ببيعٍ أو هبة (فإن أبى) البيعَ أو الهبةَ (بيعَ عليهِ) أي باعَهُ عليه حاكمٌ.

(2/120)


باب الكتابَة
(وهي) اسمُ مصدرٍ، بمعنى المكاتبة. وأَصْلُها من الكَتْب، وهو الجَمْعُ، لأنَها تجمع نجوماً. ومنه سمي الخرّازُ كاتباً.
وشرعاً (بيع السيدِ رقيقَهُ) أو بعضَهُ، يشمل الذكرَ والأنثى، (نَفْسَهُ) أي نفس الرقيق (بمالٍ)، فلا تصحُّ على خمْرٍ ونحوه، (في ذمَّتِهِ) أي ذمة الرقيق، (مباحٍ) فلا تصح على آنية ذهب أو فضة، ونحو ذلك (معلومٍ) فلا تصحُّ على مجهول لأنها بيعٌ. ولا يصح مع جهالة الثمن؛ (يصح السلم فيه) فلا تصحُّ بجوهرٍ ونحوِهِ لِإفضائه إلى التنازع (منجمٍ بنجمين فصاعداً) (1) أي فأكثر من نجمين (يعلم قدرُ كلٍّ نجمٍ ومدَّتَه) أما اشتراط النجمين فأكثر فلأنها مشتقة من الكُتْبِ، وهو الضمّ، فوجَبَ افتقارها إلى
__________
(1) وقال مالك وأبو حنيفة: تجوز حالَّةٌ، لأنه عقد على عيْنٍ، فإذا جاز في الذمة جاز حالاًّ، كالبيع.
ثم في المذهب قول لابن أبي موسى، أن العوض في الكتابة يجوز أن يكون نجماً واحداً. واحتج من أوجب نجمين فأكثر بفعل بقول علي وفعل عثمان رضي الله عنهما (المغني). وأما الاحتجاج بأن الكتابة من الكَتْب وهو الضم؛ فذلك يقتضي مضموماً ومضموماً إليه، ففيه نظر، فإنما سميت كتابة، كما قال ابن الأثير "بمصدر كتب، لأن العبد يكتب على نفسِهِ لمولاه ثمنه، ويكتب مولاه له عليه العتق" ومثله عن ابن سيده، كما في اللسان.

(2/121)


نجمين، ليُضَمَّ أحدهما إلى الآخر. وأما كونه يشترط العلم بما لِكُلِّ (1) نجمٍ من القسطِ والمدة فلئلا يؤدي جهل ذلك إلى التنازع.
ولا يشترط التساوي فلو جُعِل أحد النجمين شهراً والأخر سنَةً، أو جُعِل قسط أحد النجمين عشرةً والآخر خمسةً، جاز، لأن القصد العلم بقدر الأجل وقسطه، وهو حاصل بذلك.
والمراد بالنجم هنا الوقت، لأن العرب كانت لا تعرف الحساب، وإنما تعرف الأوقات بطلوع النجوم.
(ولا يشترط) لصحة الكتابة (أجلٌ له وقعٌ في القدرة على الكسب) فيه، فيصحّ توقيت نجمين بساعتين. قاله في المنتهى وشرحه. وقال في الإقناع: فلا تصح حالَّةً , ولا على عبدٍ مطلق، ولا توقيت النجمينِ بساعتينِ ونحوه، بل يعتبر ماله وقع في القدرة على الكسب. صوّبه في الإنصاف. وإن كان ظاهر كلام الأصحاب خلافه. انتهى.
(فإن فُقِدَ شيءٌ من هذا) الذي ذكر من الشروط (فـ) الكتابة (فاسدة) ويأتي حكمها.
(والكتابة في الصحّة والمرضِ من رأسِ المال) لأنّها معاوضة، فهي كالبيع والإجارة. واختار الموفق وجمعٌ أنها في المرض المخوف من الثلث (2). وقدّم في الإِقناع ما في المتن.
(ولا تصح) الكتابة (إلا بالقول) بأن يقول السيد لمن يريد أن يكاتبه: كاتبتك على كذا، لأنها إما بيع أو تعليق، للعتق على الأداء، وكلاهما يشترط له القول، إذ لا مدخل للمعاطاة هنا، (من جائز التصرف) مع قبولِ المكاتب، لأنها عقد معاوضةٍ، كالبيع.
__________
(1) (ب، ص): "بمالِ كلِّ ... " والتصويب من شرح المنتهى.
(2) أي كالوصية. لأن في الكتابة معنى التبرع، فإنه وإن كان بيعاً إلا أنه باع ماله بماله فجرى مجرى الهبة ولذلك يثبت الولاء على المكاتب لكونه معتقاً.

(2/122)


(لكن لو كوتبَ المميِّز صحّ) العقد، لأنه يصحُّ تصرّفه وبيعُه بإذن وليِّه. فصحت إذاً كتابته، كالمكلّف، لأن تعاطيَ السيد العقد معه إذن له في قبوله.
تتمة: لو كاتب المميِّزُ رقيقَه بإذن وليِّه صح العقد.
(ومتى أدّى المكاتَبُ ما عليه لسيِّده) من مال الكتابةِ فقبضَه منهُ سيدٌ أو وليُّ محجور عليه (أو أبرأَهُ) أي السيد (منه) أي من مال الكتابة، أو أبرأه وارثٌ موسرٌ من حقَّه من مال الكتابةِ (عَتَقَ) لأنه لم يبق لسيده عليه شيءٌ، إلا أنه لا يعتَق حتى يؤدّي جميع الكتابة.
(وما فضل بيدِهِ) أي بيد المكاتب بعد أدائِهِ ما عليه من مال الكتابة، (فله) لأنه كان له قبل أن يعتق فبقي على ما كان.
(وإن أعتقه) أي أعتق المكاتبَ (سيّدُه و) بقي (عليه شيء من مال الكتابةِ، أو ماتَ) المكاتبُ (قبل وفائِها) أي قبل وفاء نجوم الكتابة كلها (كان جميع ما مَعَه لسيّده).
(ولو أخذ السيد حقَّه) من المكاتب (ظاهراً) يعني عملاً بالظاهر في كون ما بيد الإنسان ملكه (ثم قال) سيده: (هو حرٌّ) يعني بمقتضى أدائه مال الكتابة (ثم بان العوض) الذي دفعه له (مستَحَقّاً) لغيره، بأن كان قد سرَقَهُ، أو غَصَبه، أو نحوه، (لم يعتق) لفساد القبض (1) ويكون قوله هو حر إنما قاله اعتماداً على صحة القبض.

فصل
(ويملِكُ المكاتَب كسبَه ونفعَه و) يملك أيضاً (كلَّ تصرفٍ يُصْلِحَ مالَه كالبيع والشراء والإِجارة والاستدانة) وتتعلق الاستدانة بذمة
__________
(1) (ف): "الأداء" بدل "القبض".

(2/123)


المكاتب، يُتبع بها بعد عتقه. أما كونه يملِكُ منافعَه وأكْسابَهُ فلأنّ عقد الكتابة موضوعٌ لتحصيل العتق، ولا يحصُل إلا بأداءِ عوضه، ولا يمكنه الأداء إلا بالتكسب، والبيعُ والشراءُ من أقوى جهات الاكتساب، فإنه قد جاء في بعض الآثار أن "تسعة أعشار الرزق في التجارة" (1) وأما كونه يملك الاستدانة فلأنه لما ملك الشراء بالنقدِ مَلَكَهُ بالنسيئة، أي بالدَّين (و) ملك (النفقةَ على نفسِهِ و) على (مملوكِهِ) من كسبه. فإن عجز المكاتب عن أداء مال الكتابة، وعن نفقة من ذُكِر، ولم يفسخ سيدُه كتابَتَهُ لعجزه. لزمت السيدَ النفقةُ على من ذُكِرَ، لأنهم كلهم في الحكم أرقاءُ للسيّد.
وليس للمكاتب النفقةُ على ولدِهِ من أمةٍ لغير سيده.
(لكن مِلْكُه) أي المكاتَب (غيرُ تامٍّ. فـ) يتفرع على ذلك أنه (لا يملك أن يكفِّرَ بمالٍ) إلاَّ بإذن سيده، لأنه في حكم المُعْسِرِ، بدليلِ أنه لا يلزمه زكاةٌ ولا نفقةٌ، ويباح له أخذُ الزكاةِ لحاجة، (أو يسافِرَ لجهادٍ) لتفويتِ حق سيده، (أو يتزوجَ) يعني أنه ليس للمكاتب أن يتزوَّجَ إلا بإذنَ سيِّده لأنه عبدٌ، (أو يتسرَّى) يعني أنه ليس للمكاتب، أن يتسرّى إلا بإذن سيده (أو يتبرع) إلا بإذن سيّده، لأن ذلك إتلافٌ للمال باختياره، فمُنِعَ منه، لتعلُّق حق السيد به، (أو يُقرِضَ) إلا بإذن سيده، لأنه ربّما أفلسَ المقترِضُ، أو مات ولم يترك شيئاً، أو هَرَبَ ولم يرجع، (أو يحابيَ) إلا بإذن سيده، لأن المحاباة في معنى التبرّع، (أو يَرْهَنَ، أو يُضَارِبَ، أو يبيع مؤجَّلاً) ولو برهنٍ، أو يهبَ ولو بعوضٍ، (أو يزوِّجَ
__________
(1) حديث "تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي" رواه سعيد بن منصور من حديث نعيم بن عبد الرحمن الأزدي ويحيى بن جابر الطائي مرسلاً. فهو حديث ضعيف (ضعيف الجامع الصغير).

(2/124)


رقيقَه، أو يحدَّه، أو يُعْتِقَهُ) ولو بمالٍ (أو يكاتِبَهُ إلا بإذن سيده) لأن حق السيّد لم ينقطع عنه، لأنه ربما يعجز، فيعود إليه جميع ما في ملكه. ولأنه إنما مُنِعَ من جميع ما ذكر لحقِّ السيّد، فإذا أَذِنَ له زال المانع.
(و) متى كاتب أو أعتق بإذن سيده كان (الولاءُ للسيِّد) لأنه كوكيله في ذلك.
(وولد المكاتبة إذا وضعته بعدَها) أي بعد كتابتها (يتبعُها) أي يتبَعُ أمه المكاتبة (في العتقِ بالأداءِ) أي بإعطائها للسيد مال الكتابةِ (أو) عتقها بـ (الإبراء) من مال الكتابة، لأن الكتابة سببٌ قويّ للعتق لا يجوز إبطاله من قبل السيّد بالاختيار، فسرى إلى الولد، كالاستيلاد.
ومفهومه أن ما ولدته قبل الكتابةِ لا يتبعها. وهو صحيح.
و (لا) يتبعها (بإعتاقها) بدونِ أداءٍ أو إبراءٍ، كما لو لم تكن مكاتبة.
(ولا) يعتق ولد المكاتبة (إن ماتَتْ) قبل أداء مال الكتابة، أو إبرائها منه، كغير المكاتبة.
(ويصح) في عقد المكاتبة (شرطُ وطءِ مكاتبتِهِ) نصَّ عليه. لبقاءِ أصلِ المِلْكِ، كراهنٍ يطأ بشرطٍ. ذكَرَة في عيون المسائل. ولأنّ بُضْعَها من جملةِ منافعها، فإذا استثنى نفعَهُ صحَّ، كما لو استثنى منفعةً أخرى. وجاز وطؤه لها لأنها أمَتُه. وهي في جواز وطئِهِ لها كغيرِ المكاتبة، لاستثنائه.
(فإن وَطِئَها) أي وطئ مكاتبتَهُ (بلا شرطٍ) عليها عند عقدِ الكتابةِ (عُزِّر) إن علم التحريم (ولزمَهُ) أي سيِّدَ المكاتبةِ بوطئِهِ إياها (المهرُ) أي مهرُ مثلها، (ولو) كانَتْ (مُطاوعةً،) لأنه وطءُ شبهةٍ، كما لو وطئ أمتها.
وتحصُل المقاصَّةُ إن حلّ النجمُ وهو بذمّته، بشرطِهِ.
ولا حدّ عليه.

(2/125)


فإن تكرر وطؤه قبل أن يؤدّي مهراً فمهرٌ واحدٌ.
ومتى أدّى مهرَ وطءٍ لزمه مهرُ ما بعده.
(وتصيرُ له إن ولدت) من وطئِهِ بشرطٍ أو غيرِه (أُمَّ ولدٍ) لأنها أمةٌ له ما بقي عليها درهم.
(ثم إن أدت) مال الكتابة (عَتَقَتْ) وكسبها لها، لأن كتابتها لم تنفسخ باستيلادها. (وإلا) بأن لم تؤد مال كتابتها (فـ) إنها تعتق (بموته) لكونها أُمَّ ولد. وكان ما بيدها لورثته، ولو لم تُعَجَّز، لأنها عتقت من غير عوضٍ.
(ويصحُّ نقل الملكِ في المكاتَب) ذكراً كان أو أنثى، لأن المكاتب عبد، فجاز بيعه، كالقن. وقوله: نَقل الملك، يشمَل البيعَ والهِبةَ والوصيَّة بهِ.
(ولمشترٍ) مكاتباً (جَهِلَ الكتابةَ الردُّ أو الأرْشُ) بحسب ما يَخْتارُ المشتري، لأن الكتابة عيبٌ في الرقيق، لأنها نقصٌ فيه، َ لمنعِهِ من منافِعِهِ بِفَرْضِ أن يعتق.
(وهو) أي المشتري إذا أمسك (كالبائع في أنّه إذا أدَّى ما عليهِ يعتق) وعودهِ قِنًّا بِعَجْزٍ.
(وله) أي المشتري، عليه، أي على المكاتب (الولاءُ).
(ويصحّ وَقْفُهُ) أي وقفُ المكاتب (فإذا أدّى) ما عليه عتق، و (بطل الوقْفُ) لأن الكتابةَ عقد لازمٌ، فلا تبطل بوقفه.

فصل
(والكتابةُ عقدٌ لازمٌ من الطرفين) في حقّ السيّد، والمكاتَب، لأنها بيعٌ، والبيع من العقود اللازمة، (لا يدخلها خيارٌ مطلقاً) لأنَّ المراد منها

(2/126)


تحصيل العِتْقِ، فكانت سبباً له، فكأنَّ المكاتِبَ علَّقَ عتقَ المكاتَب على أداءِ مالِ الكتابةِ، ولأن الخيارَ إنما شُرِعَ استدراكاً لما يحصل لكَلٍّ من المتعاقدين من الغَبْنِ، والمكاتَبُ وسيِّدُهُ دَخَلَا في العقد متطوِّعَيْنِ راضِيَيْنِ بالغبن، فلم يثبت لواحدٍ منهما خيارٌ.
ولا يصحُّ تعليقُها على شرطٍ مستقبَلٍ. (ولا تنفسخ) الكتابةُ (بموتِ السيّد، و) لا (جنونه، ولا بحجرٍ عليهِ) لسفهٍ أو فَلَسٍ كبقية العقود اللازِمَةِ، (ويعتَقُ) المكاتَبُ (بالأدَاءِ إلى مَنْ يقومُ مقامَهُ) أي مقامَ سيِّده، كوكيلِهِ، أو الحاكمِ عند غيبة سيده وعدم وكيله، أو بالأداء إلى ورثته.
(وإن حلّ) على المكاتَبِ من مالِ الكتابة (نجمٌ فلم يؤدِّهِ فلسيده الفسخُ) بلا حُكْمِ حاكِمٍ، لأن مال الكتابةِ حقٌّ للسيد، فكان له الفسخ بالعجز عنه، كما لو أعْسَرَ المشتري ببعضِ ثمنِ المبيعِ قبلَ قبضِهِ.
(ويلزَمُ) السَّيّدّ (إنظارُهُ) أي إنظارُ المكاتبِ قبلَ فسخِ الكتابةِ (ثلاثاً) أي ثلاثَ ليالٍ بأيامِها إن استنظَرَهُ المكاتب (لبيعِ عَرْضٍ، ولمالٍ غائب دون مسافةِ قَصْرٍ يرجو قدومَهُ) وَلِدَيْنٍ حالٍّ على مليء أو مودَعٍ لأن عقد الكتابة ملحوظ فيه حظُّ المكاتَبِ والرفقُ به.
(ويجبُ على السيّد) بعدَ قبضِ جميع مال الكتابةِ (إن يدفَعَ للمكاتَب رُبْعَ مال الكتابةِ) لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} وظاهر الأمرِ الوجوب. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: وأما كونُه ربع مال الكتابة فلما روى أبو بكر بإسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله سبحانه وتعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قال: "رُبْعُ الكتابة" وروي مرفوعاً عن علي (1)، ولأنه مال يجب إيتأوه بالشرع مواساة، فكان
__________
(1) حديث عليٍّ رواه عنه مرفوعاً الحاكم بلفظ "يترك للمكاتَبِ الرُّبُع" ورواه عنه موقوفاً عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه =

(2/127)


مقدراً كالزكاة، ولأن الحكمة في إيجاب الرفق بالمكاتب إعانتُه على تحصيل العتق، وهذا لا يحصل إلا بأقلِّ ما يقع عليه الاسم. فإن قيل: إنه ورَد غيرَ مقدّر، فجوابه أن السنّة بينتْهُ وقدرتْه كالزكاة.
(وللسيد الفسخُ) أي فسخ الكتابة (بعجزِهِ) أي عجز المكاتب (عن رُبْعِها) أي ربعِ مال الكتابة.
وللمكاتَبِ أنْ يصالح سيّدَهُ عمّا في ذمته من مال الكتابة بغير جنسه.
(وللمكاتَب ولو كانَ قادراً على التكسّب تعجيزُ نفسِهِ) بتركِ التكسّب لأن معظَم المقصودِ من الكتابةِ تخليصُه من الرقّ، فإذا لم يُرِدْ ذلك لم يُجْبَر عليه، إن لم يملِكِ المكاتَبُ وفاءً لمالِ الكتابةِ. فإن مَلَكَهُ لم يملِك تعجيزَ نفسِهِ، وأجبر على وفائِهِ ثم عَتَق.
(ويصح فسخ الكتابةِ باتفاقِهِما) أي المكاتب وسيِّده، فيصحُّ أن يَتقَايَلا، قياساً على البيع. قال في الفروع: ويتوجَّهُ أن لا يجوز، لحق الله تعالى.

فصل [في اختلاف المكاتب وسيده]
(وإن اختلفا) أي السيد وعبده (في الكتابة) كما لو ادّعى العبدُ على سيده أنه كاتبه على كذا، فأنكر، أو ادّعى ذلك السيد على عبده فأنكر (فقول المنكِر) منهما بيمينِه، لأن الأصلَ معه.
(و) إن اتّفقا على الكتابةِ، واختلفا (في قدر عِوَضِها) بأن قال
__________
= وصححه سعيد بن منصور (كنز العمال ط دمشق 10/ 329، 356) وقال في (الإِرواء ح 1765): هو غريب. ورفعه منكر.

(2/128)


السيد: كاتبتُكَ على ألفين، وقال العبد: بل على ألفٍ، فالقول قولُ السيِّد فيه.
(أو) اختلَف السيّد والعبدُ في (جنسِه) أي جنسِ مال الكتابة، بأن قال السيد: كاتبتك على ألفِ درهمٍ، وقال العبد. بل على عشرة دنانير، (أو) اختلفا في (أجَلِهَا) بأن قال السيد: كاتبتُك على ألفين على شهرين، كل شهر ألف، وقال العبد بل على سنتين كل سنة ألف، فقول سيده بيمينه.
(أو) اختلفا في (وفاءِ مالها) أي وفاءِ مال الكتابة للسيّد، بأن قال العبد: وفَّيتُك مالَ الكتابةِ، وعتقْتُ. وأنكر السيد (فقول السيد،) أي بيمينه، لأن الكتابة عقدُ معاوضةٍ. وكذا لو ادعى العبد أن السيد أبرأهُ من مالِ الكتابةِ، وأَنْكَرَ السّيّد، فإنّ القولَ قولُ السيّد بيمينِهِ.

[الكتابة الفاسدة]
(والكتابة الفاسدة كـ) ما لو كاتبه (على خمرٍ، أو) كاتبه على (خنزير، أو) كاتبه على شيء (مجهولٍ،) كما لو كاتبه على ثوبِ أو حمارٍ أو نحوهما (يُغَلَّبُ فيها حكم الصفة في أنه) أي أن العبد (إذَا أدّى) ما سُمِّي في الكتابة (عَتَق) سواءٌ صرّح بالصِّفَةِ، بأن يقول: إذا أَدَّيْتَ إليَّ فأنت حرّ، أو لم يقل ذلك، لأن معنى الكتابة يقتضي هذا، فيصيرُ كالمصرَّح به فيَعتِق بوجوده، كالكتابة الصحيحة. وإذا عَتَقَ بالأداءِ لم يلزمه قيمةُ نفسِهِ، ولم يرجع على سيّده بما أعطاه، (لا إن أُبرئَ) العبد من العوض الفاسد، فإنه لا يعتِق، لعدم صحّة البراءَة، لأنه غيرُ ثابتٍ في الذمة.
(ولكلٍّ) من السيد والعبد (فسخُها) لأنها عقدٌ جائز.
وحاصِلُ الكلام: أن الكتابة الفاسدة، تساوي الصحيحةَ في أربعة أحكام:

(2/129)


أحدها: أنه يَعْتِقُ بأداءِ ما كوتِبَ عليه، مطلقاً.
الثاني: إذا عتق بالأداء لم يلزمه قيمة نفسه، ولم يرجع على سيّده بما أعطاه له.
الثالث: أنّ المكاتَبَ بملك التصرف في كَسْبِهِ، ويملِكُ أخْذَ الصدقاتِ والزكواتِ.
الرابع: إذا كاتَبَ جماعةً كتابةً فاسدةً فأدّى إلى أحدهم حصته عَتَق على قولِ من قال: إنه يَعْتِق في الكتابةِ الصحيحةِ بأداءِ حصته، ومن لا فلا.
وتفارق الصحيحة في ثلاثة أحكام: أحدها: إذا أُبرِئ من العوض لم يصحّ الإِبراء، ولم يَعْتِق. الثاني: إن لكلِّ واحدٍ من السيّدِ والعبدِ فسخَها، سواءٌ كان ثمَّ صفَةٌ أو لم تكن، لأن الفاسدَ لا يلزم حكمه. والصفةُ هاهنا مبنيّة على المعاوضةِ، وتابعةٌ لها، لأن المعاوَضَةَ هي المقصودةُ. فلما بطلت المعاوضة التي هي الأصل، بطلت الصفةُ المبنيّةُ عليها، بخلاف الصفة المجردة.
الثالث: إنه لا يلزم السيد أن يؤدِّي إليه رُبْعَ الكتابةِ، ولا شيئاً منها.
(وتنفسخُ) الكتابةُ الفاسدةُ (بموت السيّدِ وجنونهِ والحجْرِ عليهِ لِسَفَهٍ).

(2/130)


باب أحكام أمّ الولد
وأصل الأمّ أَمَّهَةٌ، ولذلك جمعت على أمَّهَاتٍ، باعتبار الأصل (1).
(وهي) أي أمّ الولد، شرعاً: (من وَلَدَتْ من المالك) لكلِّها أو بعضِها، ولو مكاتباً، ولو كانت محرّمةً عليه، كبنتِه وعمَّتِهِ من رضاعٍ (ما فيه صورةٌ، ولو) كانت الصورة (خفيّةً) فلا تصير أُمَّ ولدٍ بوضعِ جسمٍ لا تخطيطَ فيه كالمضغة والعلقة.
(وتَعْتِقُ بموتهِ وإن لم يملك غيرَها) أما كونُها تعتق وإن لم يملك غيرها فلظواهِرِ الأحاديث، ولأن الاستيلاد إتلافٌ حَصَلَ بسببِ حاجةٍ أصليّةٍ، وهي الوطء، فكان من رأس المال، كالأكلِ ونحوه.
__________
(1) اختلف في هذا أهل اللغة، فمنهم من جعل (الأم) أصلاً بذاته من (أم م) لا حذف فيها، وجعل (أُمَّهَةً) كلمة أخرى من أصل آخر وهو (أمهِ) فهي، موضوعة وضعًا آخر على وزن فُعلةٍ، كأبّهة وتُرَّهة. وعلى هذا صاحب القاموس وصاحب اللسان.
ومنهم من جعل الأصل (أُمهَةً) وجعل (الأم) محولة منها بحذف الهاء. وعلى هذا صاحب العين وصاحب الصحاح. وعليه جرى الشارح.
ومنهم من جعل الأصل (الأمّ) وجعل الهاء في (أمهة) زائدة. وعلى هذا المبرّد، وصححه الإمام الأزهرى. وهذا عندي أصحّ، فإنهم قالوا في تصغير الأم: أُمَيْمَة، ولو كان من (أَمَهَ) لقالوا (أمَيْمِهَةٌ) لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها. وزادوا الهاء في (الأمَّهَات) في جمع (أم) لمن يعقل من باب التكميل، لمجرّد الفرق. ولم يزيدوها في (الأمّات) في جمع (أم) لما لا يعقل.

(2/131)


(ومن مَلَكَ) أمةً (حاملاً) من غيرِه (فوطئها) قبل وضعِها (حَرُمَ) عليه (بيعُ ذلك الولد،) ولم يصحَّ، (ويلزم عتقُهُ) نصًّا. قال أحمد رضي الله تعالى عنه، فيمن اشترى جاريةً حاملاً من غيرِه، فوطئها قبلَ وضعِها: فإنّ الولَد لا يلحق بالمشتري، ولا يبيعه، لكن يُعْتِقُه، لأنه قَدْ شَرِكَ فيه، لأنّ الماء يزيدُ في الولد. نقله صالحٌ وغيره.
وإن أصابها في ملك غيرِهِ بِنكاحٍ أو شُبْهةٍ لا بزناً، ثم مَلَكَها حاملاً عَتَقَ الحملُ، ولم تَصرْ أُمَّ ولدٍ. نص عليه.
(ومن قالَ لأَمَتِهِ: أنتِ أمُّ وَلَدي، أو: يَدُكِ أمُّ وَلَدي، صارتْ أُمَّ ولدٍ) لأنه إذا أقرّ أن جزءاً منها مُسْتَوْلَدٌ سَرَى إقراره بالاستيلادِ إلى جميعِها، كما لو قال لعبده: يَدُكَ حُرَّةٌ، فإن العتق يسري إلى جميعه.
(وكذا) الحكمُ (لو قال لابنها) أي ابن أمته: (أنتَ ابني، أو) قال له: (يدكَ ابني) ذكر ذلك في الانتصار. (وَيثْبُتُ النَّسَبُ. فإن ماتَ) القائل (ولم يبيِّن هل حَمَلَتْ به في ملكِهِ أو) حملتْ به في (غيره) أي غير ملكه (لم تَصِرْ أُمَّ ولدٍ له إلا بقرينةٍ).
(ولا يَبْطُل الإِيلاد بحالٍ، ولو بِقَتْلِهَا) أي أمِّ الولد (لسيِّدها).
(وَوَلدُها) أي وحكمُ ولدِها (1) (الحادثِ بعدِ إيلادِها) أي بعد أن صارت أم ولدٍ (كهي) سواء أتت به من نكاحٍ أو شبهةٍ أو زناً، وسواءٌ عتقت بموت سيِّدها، أو ماتتْ قبلَ سيّدها. ويجوزُ فيه من التصرفاتِ كلُّ ما يجوزُ في أمِّ الولدِ. ويمتنع فيه من التصرُّفاتِ كلُّ ما يمتَنِعُ في أمِّ
__________
(1) ولد المملوكة من سيّدها حرٌّ على كل حالٍ تبعاً للسيّد. فإذا ولدته صارت أم ولدٍ لسيدها تعتق بعد موت سيدها. أما ولد المملوكة من غير سيدها فهو مملوك لسيدها، ولو كانت ولدته من زواجها بعبدِ أو حرّ، ما لم يشترط في عقد الزواج أنه حرّ. ثم الولد المملوك إن ولدته قبل أن تكونَ أم ولد فهو قنٌّ لا يتبعها في العتق بعد موت سيدها. أما ما ولدته بَعْدَ أن أصبحت أم ولد فهو الذي يتحدث عنه المؤلف والشارح.

(2/132)


الولد، وذلك لأن الولدَ يَتْبَعُ أُمَّه في الحريّةِ والرق. فكذلك في سبب الحريّة.
(لكن لا يعتِق) ولدُها (بإعتاقها) يعني أن السيد إذا أعتَقَ أمّ ولدِهِ، وكان لها ولد أتت به بعد استيلادها من غير سيّدها، لم يعتق بإعتاقِها، لأنها عَتَقت بغير السَّببِ الذي يتبعها فيه، ويبقى عتقُهُ موقوفاً على موت سيّدها. كما لو أعتق وَلَدَها، فإنها لا تعتق بعتقِهِ، ويبقى عتقها موقوفاً على موت سيدها، (أو موتِها قبل السيّد،) يعني أنه لو ماتت أمُّ الولد قبل سيدها لم يعتِقُ ولدُها بموتها، كما لو عتقت قبله، ولا تبطل تبعيَّةُ ولدِها لها في الحكم (بل) يعتِقُ (بموتهِ) أي يبقى عتقُهُ موقوفاً على موتِ سيّدها.
(وإن مات سيّدها وهي حاملٌ) منه (فنفقتها مدة الحملِ من مالِهِ) أي مالِ حملِها على الأصحّ، لأن الحمْلَ له نصيبٌ من الميراثِ، فتجب نفقته في نصيبه.
ومحلُّ ذلك (إن كان) له مال.
(وإلا) أي وإن لم يخلّف السيد شيئاً يرثُ منه الحمل (فـ) نفقة الحمل (على وارِثِهِ.)
ويتعلّق أرشُ جنايةِ أمِّ الولد برقبتها.
(وكلّما جنَتْ أمُّ الولد) على غيرِ سيِّدِهَا (لزمَ السيِّدَ فداؤُها بالأقلِّ من الأرش) أي أرشِ الجناية (أو) بالأقل (1) من (قيمتِها يوم الفداء) على الأصحِّ، لأنه الوقتُ الذي تعلَّقَ الأرشُ برقبتها فيه. فلو كانت يوم الفداء مريضةً أو مزوَّجةً أو نحو ذلك أُخِذَتْ قيمتَها معيبةً بذلك العيب. قال في
__________
(1) صوابه "بالأقلّ من ارش الجناية وقيمتها ... الخ" بالواو بدل أو، وبحذف "الأقل من" الثانية.

(2/133)


شرح المنتهى: قال في شرح المقنع: وينبغي أن تجب قيمتُها معيبةً بعيب الاستيلادِ، لأن ذلك ينقُصُها، فاعتبر، كالمرض وغيره من العيوَب. انتهى. أما كونُه يلزمُهُ فداؤُها فلأنها مملوكةٌ له يملك كَسْبَها، وقد تعلَّقَ أرشُ جنايتها برقبتها، فلزمهُ فداؤها كالقنِّ، وأما كونُهُ يلزمه فداؤها كلما جنت، قال أبو بكر: ولو ألفَ مرَّةٍ، فلأنها أمُّ ولدٍ جَنَتْ جنايةً فلزمهُ فداؤُها. وأما كونه لا يلزمه أكثرُ من قيمتِها إذا كانَ أرشُ الجنايةِ أكثَرَ منها لأنه لم يمتنع من تسليمِها، وإنما الشرعُ منعَ من ذلك، لكونها لم تَبْقَ مَحلاًّ للبيع، ولا يُنْقَلُ الملك فيها، بخلاف القن (1).
(وإن اجتمعت أروش) بجنايات صدرت منها (قبل إعطاء شيء منها) أي من الأروش (تعلق الجميع) أي جميع الأروش (برقبتها، ولم يكن على السيّد) فيها كلّها (إلا الأقلّ من أرش الجميع) أي جميع الجنايات (أو) الأقل من (قيمتِها) يشتركُ فيه جميع أربابِ الجنايات.
(و) إن لم يف الواجبُ بأربابِ الجناياتِ فإنهم (يتحاصُّونَ بِقَدْرِ حقوقِهِم) لأن السيّد لا يلزمُهُ أكثر من ذلك، كما لو كانت الجناياتُ على شخصٍ واحدٍ.
(وإن أسلمتْ أمُّ ولدٍ لكافرٍ مُنِع من غِشْيَانِها) أي من وطئها والتلذُّذِ بها لئلا يفعلَ الكافر ذلكَ بالمسلمة.
(وحيلَ بينَهُ وبينَها) لئلا يفضي عَدَمُ الحَيْلُولَةِ إلى الوطءِ المحّرم (2)، ولم تَعْتِق بذلك، بل يبقى مِلْكُهُ على ما كان عليه قبل إسلامها.
__________
(1) أما القنُّ إذا جنى يخيَّرُ سيده بينَ بيعه في الجناية، وبين فدائه بالأقلِّ من أرش الجناية أو قيمة القن. ويجوز أن يتنازل عنه إلى ولي الجناية. وكل من البيع والتنازل المذكور لا يجوز فيما إذا كان الجاني أم ولد لأنها لا تباع ولا تنتقل مِلكِيّتها بل يتعين في حقها الفداء أو الأرش.
(2) وتسلم إلى امرأة ثقة تكون عندها وتقوم بأمرها.

(2/134)


(وأُجْبِر) سيّدُهَا (على نفقتها إن عُدِمَ كَسْبها) أما وجوب نفقتها عليه إن لم يكن لها كسب، لأنه (1) مالك لها، ونفقة المملوك على مالكه. فإن كان لها كسبٌ فنفقتها فيه، لئلا يبقى له عليها ولايةٌ بأخذِ كَسْبها والإنفاق عليها.
ومتى فضل من كسبها شيءٌ عَنْ نفقتها كان لسيّدها. ذكره القاضي، وتبعه جماعة.
(فإن أسلم حلَّتْ له) أي حلَّ له ما يحلُّ للمُسْلِم من أمِّ ولده، لأن المانعَ من ذلك بقاؤُهُ على الكفر، وقد زال.
(وإن ماتَ) حالَ كونهِ (كافراً عتَقَتْ) لأنها أمُّ ولده، وشأنُ أمِّ الولد العتقُ بموتِ سيّدها.
__________
(1) صوابه "فلأنه" إذ الفاء واجبة في جواب "أمّا" هنا.

(2/135)