نَيْلُ
المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب كتَاب الخلع
وهو فراقُ امرأتِهِ بعوضٍ. يأخذه الزوجُ، بألفاظٍ مخصوصَةٍ.
وإذا كرهت المرأةُ زوجَها لخَلْقِهِ، أو خُلُقِهِ، أو لنقصِ دينِهِ، أو
لكِبَرِهِ، أو ضَعْفِه، ونحو ذلك، وخافتْ إثماً بتركِ حقّه، فيباح لها أن
تُخَالِعَهُ على عوضٍ تفتدي به نفسَها منه.
وتُسَنّ إجابتُها، إلا أن يكون له إليها مَيْلٌ ومحبة، فيُستحب صبرها وعدم
افتدائها.
وإن خالعتْهُ مع استقامةِ الحالِ كُرِهَ ووَقَعَ الخلع.
(وشروطه) أي الخلع (سبعة):
(الأول: أن يقع من زوجٍ يصحُّ طلاقُهُ) وأن يتوكّل فيه، مسلماً كان أو
ذمّيًّا بالغاً أو مميّزاً يعقله، رشيداً أو سفيهاً (1) حرًّا أو عبداً.
(الثاني) من شروط الخلع: (أن يكون على عوضٍ ولو) كان العوض (مجهولاً) كعلى
ما بيدها، أو بيتها، من دراهمَ أو متاعٍ. فإن لم يكن فله ثلاثة دراهم أو ما
يسمى متاعاً، كالوصية، وأن يكون العوضُ (ممن يصحُّ تبرّعه) لأنه بذلُ مالٍ
في مقابلة ما ليس بمالٍ ولا منفعةٍ،
__________
(1) هذا مبني على صحة طلاق الصغير المميز، فإنه إذا صح طلاقه على غير مال،
صح على المال من باب أولى.
(2/223)
فصار كالتبرّع بهذا الوجه. وإذا أشبهَ
التبرُّع اعتُبِر فيمن يبذُلُه ما يعتبر في المتبرِّع من البلوغِ، والعقلِ،
وعدم الحجْر.
ولا فرق في ذلك بين كونِ بَذْلَ العوضِ (من أجنبى أو) من (زوجةٍ).
(لكن لو عضَلها) بأن ضرّها بالضرب والتضييق عليها، أو مَنَعها حقوقَها من
القسمِ والنفقة ونحو ذلك، (ظلماً لتختلع) منه (لم يصحَّ) الخُلْعُ،
والعِوَض مردودٌ، والزوجيّةُ بحالِها.
وإن أدّبَها لنشوزِها، أو تركِهَا فرضاً، فخالعته لذلك، صحّ الخلع ولم
يحرم.
(الثالث) من شروط الخلع: (أن يقع منجَّزاً) فلا يصحُّ تعليقُ الخلع على
شرطٍ، كإن بذلتِ لي كذا فقد خلعتك.
(الرابع) من شروط الخلع: (أن يقعَ الخلعُ على جميعِ الزوجة) بأن يقول
خلعْتُكِ، أو خلعتُ زوجتي.
(الخامس) من شروط الخلع: (أن لا يقع حيلةً لإسقاطِ يمين الطَّلاقِ) قال في
المنتهى وشرحه ويحرم الخلع حيلةً لإِسقاطِ يمين طلاقٍ، ولا يصحّ، يعني: ولا
يقعُ. والحيل خِدَاعٌ لا تُحِلّ ما حرَّم اللهُ تعالى. قال المنقح في
التنقيح: وغالبُ الناسِ واقعٌ في ذلك. وفي "واضح" ابن عقيل: يستحب إعلام
المستفتي بمذهب غيرِهِ إن كانَ أهلاً للرُّخْصة، كطالب التخلّص من الربا،
فيرده إلىَ من يرى التحلل (1)
__________
(1) كذا في الأصول، ولعله "الحيل" أو "التحيّل" بدلالة السياق.
ويكون المعنى: فيرده إلى من يرى الحيل جائزة. وتكون الصورة: أنه حلف على
زوجته بالطلاق إن فعلت كذا، فلأجل أن يخلص من اليمين يخالعها حيلة، فإذا
بانت منه فعل الشيء المحلوف عليه، ثم يتزوجها فلا ينقص عدد الطلاق. وانظر
الكلام على الحيلة المذكورة في إعلام الموقّعين 2/ 283
وليست طريقة ابن عقيل هذه مرضية. بل المفتى يخبر بمذهبه لا غير إن اجتهد
فظهر له الحق بالدليل، وإن الحيل خداع ومحرمة كما قدمه الشارح.
(2/224)
للخلاص منه، والخلع بعد وقوع الطلاق، أي
تعليقِهِ. انتهى.
(السادس) من شروط الخلع: (أن لا يقع بلفظ الطّلاق) ويقع بلفظ طلاقٍ، أو
بنيّتِهِ، رجعياً إن كان دون الثلاث (1) (بل بصيغتِهِ الموضوعةِ له) من
المتخالعين، فلا يحصُلُ الخلْعُ بمجرّد بذل المال وقبولهِ من غير لفظٍ من
الزوج.
(السابع: أن لا ينوي به) أي بالخلع (الطلاق).
[صفة الخلع]
(فمتى توافرت) هذه (الشروط) المذكورة (كان) الخلعُ (فسخاً بائناً لا ينقص
به عدد الطلاق) ولو لم ينو خلعاً.
روى كونه فسخاً لا ينقصُ عدد الطلاق عن ابن عباس وطاوس وعكرمة وإسحق وأبي
ثور، وهو أحد قولي الشافعي (2).
(وصيغته الصريحة لا تحتاج إلى نية. وهي) أي صيغتُه الصريحة: (خلعتُ وفسختُ
وفاديتُ).
(والكناية) أي كناية الخلع (بارَيْتُك وأبرأتُكِ وأبنْتُكِ) لأن الخُلْعَ
أحد نوعي الفرقةِ، فكان له صريح وكناية، كالطلاق، (فمع سؤال الخلعِ وبذلِ
العوضِ يصحُّ) إن أجاب بصريح الخلع أو كنايته (بلا نيّةٍ) لأن دلالة الحال
من سؤال الخلعِ وبذل العوضِ صارِفةٌ إليه، فأغنى عن النية فيه.
__________
(1) ظاهر كلام الموفق في المغني (7/ 59, 60) أنه إن خلعها بلفظ الطلاق على
عوضٍ فهو طلاق بائن لا رجعة فيه. وكذا في المنتهى وشرحه اللذين هما أصل
دليل الطالب وشرحه (3/ 113) فما قاله الشارح هنا فيه نظر وتوقف ولعله وهم
أو قول مهجور.
(2) ومذهب مالك وأبي حنيفة أن الخلع تطليقة بائنة إنما لا رجعة فيها، وينقص
بها عدد الطلاق. وهو رواية عن أحمد. وهذا إن كان بلفظ الخلع. أما إن كان
بلفظ الطلاق فهو طلاق رواية واحدة.
(2/225)
(وإلاَّ) أي وإن لم تكن دلالة حال (فلا بد
منها) أي من النية لمن أتى بكناية.
(ويصحُّ) الخلعُ (بكل لغةٍ من أهلها) أي أهل تلك اللغة.
وقال في الرعاية: يصحّ ترجمةُ الخلعِ بكل لغةٍ من أهلِها. انتهى. (كالطلاق)
فإنه يصح بكل لغةٍ من أهلها.
(2/226)
|