نَيْلُ
المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب كتَاب الطّلاق
وأصله في اللغة التَّخْلِيْةُ. قال ابن الأنباري: من قول العرب: أطلقتُ
الناقةَ، فَطَلُقت، إذا كانت مشدودةً فأزَلْتَ الشدَّ عنها وخلَّيتهَا.
فشُبِّه ما يقعُ بالمرأة بذلك، لأنها كانت متّصلة الأسباب بالزوج.
وهو حلُّ قَيْدِ النكاحِ أو بعضِهِ (1).
[حكم الطلاق]
1 - يُباحُ الطلاقُ (لسوءِ عِشْرةِ الزوجةِ) كسوءِ خُلُقِها.
2 - (ويسن) الطلاق (إن تركتْ) الزوجةُ (الصلاةَ ونحوَها) لتفريطِها في
حقوقِ الله تعالى الواجبةِ عليها، ولا يمكِنُهُ إجبارُها عليها. وهي كهو،
فيُسَنُّ لها أن تخالع نفسها منه إن ترَكَ حقًّا للهِ تعالى ولا يمكنها
إجبارُهُ عليهِ.
3 - (ويكره) إيقاع الطلاق (من عيرِ حاجةٍ) لأنه مزيلٌ للنكاحِ المشتملِ على
المصالحِ المندوبِ إليها، فيكون مكروهاً.
4 - (ويحرُمُ) إيقاع الطلاق (في الحيضِ ونحوِه) كطهرٍ أصابَها فيه.
وسُمِّيَ هذا الطلاقُ طلاقَ البِدْعَةِ. قال في شرح المقنع: وقد أجْمَعَ
__________
(1) هذا هو المعنى الاصطلاحي.
(2/227)
العلماء في جميع الأمصار على تحريمِهِ.
5 - (ويجب) الطلاقُ (على المولي بعد التربّص) إذا أبى الفيئَةَ. (قيل: و)
يجب الطلاقُ (على من علم بفجورِ زوجتِهِ) قال الشيخ: إن كانتْ تزني لم يكن
له أن يُمسكَها على تلك الحالةِ، بل يفارقها، وإلا كانَ ديّوثاً. انتهى.
وقد تبيّن بما ذُكِرَ انقسامُ الطَّلاقِ إلى أحكامِ التكليف الخمسة.
[طلاق ناقص الأهلية أو فاقدها]
1 - (ويقع طلاق) الزوج (المميِّز إن عَقَلَ الطلاق) وكان مختاراً.
2 - (و) يقع (طلاق السكرانِ بمائِعٍ) إن كان مختاراً عالماً به (1)، ولو
خَلَط في كلامِهِ وقراءتهِ وسقَطَ تمييزُه بين الأعيان، فلا يعرفُ الطولَ
من العرْض، ولا السماءَ من الأرضِ، ولا متاعَهُ من متاعِ غيرِهِ، ولا
الذَّكَرَ من الأنثى.
ويؤاخَذُ بأقوالِهِ وأفعالِهِ. وكلِّ فعلٍ يعتبر له العقلُ من قتلٍ وقذفٍ
وزناً وسرقةٍ وظهارٍ وإيلاءٍ وبيع وشراءٍ وردّةٍ وإسلامٍ ووقف وعاريةٍ
وقبضِ أمانةٍ.
قال جماعة من الأصحاب لا تصح عبادة السكران أربعينَ يوماً حتى يتوب (2).
وقاله الشيخ.
والحشيشَة الخبيثةُ كالبنج (3). والشيخُ يرى أنّ حكمَهُمَا حكمُ
__________
(1) أي عالماً بأنّ ما يشربه مسكر. بخلاف من شربه وهو به جاهل.
(2) العبارة في (ف) مقلوبة هكذا: حتى يتوب أربعين يوماً.
(3) في شرح المنتهى نسبة هذا القول إلى الزركشي فالحشيشة عنده ملحقة بالبنج
والبنج لا يقع طلاق آكله. أما عند الشيخ وهو ابن تيمية فإن الحشيشة ملحقة
بالخمر لأنها تشتهى وتطلب. وانظر كلامه في ذلك في "مختصر الفتاوى المصرية"
ص 499
(2/228)
الشَّرابِ المسْكِرِ حتّى في إيجابِ الحدّ.
تنبيه: الغضبانُ مكلفٌ، في حالِ غضبهِ، بما يصدر منه من كفرٍ، وقتلِ نفسٍ،
وأخذِ مالٍ بغير حقّ، وطلاقٍ، وغير ذلك. قال ابن رجب في شرح الأربعين
النووية: ما يقعُ من الغضبانِ من طلاقٍ وعتاقٍ أو يمينٍ فإنه يؤاخذ بذلك
كلِّه بغير خلافٍ. واستَدَلَّ لذلكَ بأدلةٍ صحيحةٍ. وأنكر على من يقول
بخلاف ذلك (1).
3 - (ولا يقع) الطلاق (ممن نامَ أو زالَ عقله بجنونٍ أو إغماءٍ) أو برسامٍ
أو نَشَافٍ، ولو بضربه نَفْسَهُ. ويقع ممن أفاقَ من جنونٍ أو إغماءٍ
فَذَكَرَ أنه طلَّق. قاله في المنتهى.
4 - (ولا) يقع الطلاق (ممنْ أكرَهَهُ قادرٌ ظلماً بعقوبةٍ) مؤلمةٍ كالضرب،
والخنقِ، وعصر الساق، والحبسِ، والغطّ في الماء، مع الوعيدَ فطلّق تبعاً
لقول مكرهِهِ، لم يقع.
وفعلُ ذلكَ بولدِهِ إكراهٌ لوالدِهِ، بخلافِ باقي أقارِبِهِ.
(أو تهديدٍ له أو لولدِهِ) من قادرٍ على إيقاع ما هدَّد بِهِ بما يضرّه
ضرراً كثيراً، كقتلٍ، وقطعِ طرفٍ، وضرب شديدٍ، وحبسٍ وقيد طويلين، وأخذِ
مال كثيرٍ، وإخراجٍ من ديارٍ ونحوِهِ، أو بتعذيبِ ولدهِ بسلطان، أو تغلُّب
كلصٍّ ونحوه، ويغلِبُ على ظنِّه وقوعُ ما هدَّده به، وعجزُه عن دفعه، وعن
الهرب والاختفاء، فهو إكراه.
__________
(1) لابن القيم في (أعلام الموقعين 4/ 501) كلام (قيّم) في درجات الغضب وما
يمنع منها وقوع الطلاق، احتج فيه بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا
طلاق في إغلاق) وأثبته رواية عن أحمد. فليرجع إليه.
(2/229)
فصل [في جعل
الطلاق إلى الغير]
(ومن صحّ طلاقُهُ صحّ أن يوكّل غيرَه فيهِ، وأن يتوكّل عن غيره) لأن من صحّ
تصرفه في شيء مما تجوزُ الوكالةُ فيهِ بنفسِهِ صحّ توكيلُه وتوكُّلُهُ فيه،
ولأنّ الطلاَقَ إزالةُ ملكٍ فصح التوكُّلُ والتوكيلُ فيه، كالعتقِ.
(وللوكيلِ أن يطلّق متى شاءَ) لأن لفظ التوكيلِ يقتضي ذلك، لكونه توكيلاً
مطلقاً، أشبه التوكيلَ في البيع، (ما لم يَحُدَّ) الموكِّلُ (له) أي للوكيل
(حدًّا) كأن يقول: طلِّقها اليوم، أو نحوه، فلا يملك في غيره، لأنه إنما
ثبتت له الوكالة على حسب ما يقتضيه لفظ الموكِّل.
(ويملك) الوكيلُ (طلقةً) واحدةً فقط (ما لم يجعلْ له أكثر.) وليس للوكيلِ
أن يطلِّق زمنَ بدعةٍ. قال في الإِنصاف: ليس للوكيل المطلِّق الطلاقُ وقت
بدعةٍ، فإن فعلَ حَرُمَ ولم يقعْ. صحّحه الناظم.
(وإن قال لها) أي قال زوج لزوجته: (طلِّقي نفسِك، كان لها ذلك متى شاءت)
كوكيلٍ أجنبيّ، ولا تملك به أكثر من واحدةٍ إلا أن يجعله لها.
(وتملكُ) الزوجةُ (الثلاثَ) أي أن تطلق نفسها ثلاثاً (إن قال) لها زوجها:
(طلاقُكِ) بيدكِ، (أو: أمرُك بيدكِ، أو) قال لها: (وكّلتك في طلاقِكِ) أي
في طلاق نفسكِ (ويبطل التوكيل) في الطلاق (بالرجوع) أي رجوعِ الموكّل عن
الوكالةِ، (وبالوطء) للزوجةِ التي وَكَّلَ في طلاقِها، فتنفسخ الوكالة،
لدلالة الحال على ذلك.
(2/230)
باب سُنّة الطّلاق
أي يعرف منه حكم سُنة الطلاق (و) حكم (بدعته).
(ومعنى سنّة الطلاقِ ما أتى به المطلق من الطلاقِ على الوجه المشروعِ.
ومعنى بدعته ما أتى به على الوجه المحرّم المنهى عنه.
ثم (السنة لمن أراد طلاق زوجتِهِ أن يطلقها) طلقةً (واحدةً)، لأن جمعَ
الطلاقِ بدعةٌ (في طهرٍ لم يطأها فيه) أي في ذلك الطهر، ثم يدعَهَا حتى
تنقضي عدّتُها إلا في طهرٍ متعقِّبٍ لرجعةٍ من طلاقٍ في حيضٍ فبدعةٌ.
(فإن طلّقها ثلاثاً، ولو بكلماتٍ) في طهرٍ لم يصبها فيه، أو طلَّقها ثلاثاً
في أطهار قبل رجعة (فحرام) نصًّا، لا اثنتين.
(و) إن طلق زوجٌ زوجةً مدخولاً بها (في الحيضِ أو في طهرٍ وطئَ فيه) ولم
يستبنْ حملُها، أو علَّقه على أكلِها ونحوِه مما يعلم وقوعه حالتهما، (ولو
بواحدة، فبِدْعيّ) أي فذلك طلاق بدعة (حرام).
(ويقع) الطلاق (1).
__________
(1) في وقوع الطلاق البدعي خلاف ابن تيمية وابن القيم، فهما يريان أن
الطلاق إذا كان بلفظ الثلاث لم يقع إلا واحدة. لقوله تعالى {الطلاق مرتان
... } أي مرة بعد مرة.
والطلاق في حيض، أو في طهر أصابها فيه ولم تكن حاملاً لا يقع أصلاً لقوله =
(2/231)
(ولا سنة ولا بدعة) لا في زمن ولا في
عَدَدٍ (لمن لم يدخل بها، ولا لـ) زوجةٍ (صغيرةٍ وآيسةٍ وحاملٍ) بيِّنٍ
حملُها. بهذا قيّده في الإقناع والمنتهى، لأن غير المدخول بها لا عدة
عليها، والصغيرة والآيسة عدّتها بالأشهر فلا تحصل الريبة. والحامل التي
استبان حملُها عدّتُها بوضعِ الحملِ، فلا ريبةَ، لأن حملها قد استبان،
بخلاف من لم يستبنْ حملُها، وطلَّقها ظانًّا أنها حائل، ثم ظهر حملُهَا،
ربما ندم على ذلك.
(ويباح الطلاق و) يباح (الخلع بسؤالها) أي سؤالِ الزوجةِ. قال في المنتهى:
على عوض (1) (زمن البدعة) لأن المنع من الطلاق زمن البدعة إنما شرع لحق
المرأة فإذا رضيت بإسقاط حقها زال المنع وأبيح (2).
__________
= {فطلقوهن لعدتهن ... } أي في قبل عدّتهن، يعني في طهرٍ لما يطأ فيه.
(وراجع مجموع الفتاوى الكبرى 33/ 14، 72، 82، 100، وإعلام الموقعين ط دار
الجيل 30/ 3).
(1) هذا التقييد ليس في المنتهى بل في شرحه (انظر شرح المنتهى المطبوع
بمطبعة أنصار السنة 3/ 127) وإنما عزاه لما فيه من إشكال، فإنه إن أُبيح
على عوض أُبيح على غير عوض، لعدم الفارق المؤثر.
(2) فيما قال نظر، فإن الطلاق مكروه أصلاً، ومحرم زمن البدعة، ليحمل
التروِّي فيه، ويقلّ الاقدام عليه، لما فيه من الضرر على الأسرة والأولاد
والمجتمع، فلو رضيت به وافترضنا زوال الضرر في حقها لم يلزم زواله في حق
غيرها. وقد تطلبه هي في وقتها، ثم إذا وقع بها كانت أول من يولول لوقوعه،
كما شوهد ذلك في قاعات المحاكم كثيراً.
(2/232)
باب (صَريح الطّلاق) (و) بَاب (1)
(كنَايته)
يعني أن المعتبر في الطلاق اللفظ دون النية التي لا يقارنها لفظ، لأن اللفظ
هو الفعل المعبِّر عما في النفس من الإِرادة والعزم، والقطع بذلك إنما يكون
بعد مقارنة القول للإِرادة فلا تكون الإٍرادة وحدها من غير قول فعلاً،
ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لأمتي عن
الخطأ والنسيان وما حدّثتْ به أنفسَها ما لم تتكلمْ أو تعمَلْ به" (2)
فلذلك لا تكون النية وحدها أثراً (3) في الوقوع.
وانقسم اللفظ إلى صريح وكناية، لأنه إزالة ملك النكاح، فكان له صريح
وكناية، كالعتق، والجامع بينهما الإِزالة (4).
(صريحُهُ لا يحتاج إلى نيّةٍ) الصريح ما لا يحتَمِلُ غيره من كل شيء،
والكناية ما يحتمِل غيره ويدلُّ على معنى الصريح.
__________
(1) في حلّ المتن هكذا ما فيه، فإن بابهما واحد، فلا يصح تكرار الكلمة.
(2) هذا الحديث تلفّق عند الشارح من حديثين: أولهما: حديث "إن الله تجاوز
لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" رواه أحمد وابن ماجه من حديث
أبي ذر، والطبراني في معجمه الكبير والحاكم وابن حبان والضياء من حديث ابن
عباس. وهو صحيح (صحيح الجامع الصغير). وثانيهما: حديث "إن الله تجاوز لأمتي
ما حدثت به أنفسها -وفي رواية: ما وسوست به صدورها- ما لم تتكلم به أو تعمل
به" متفق عليه، ورواه أيضاً أحمد وأصحاب السنن الأربعة، كلهم من حديث أبي
هريرة.
(3) كذا في الأصول، والعبارة زائدة على ما في شرح المنتهى. والسياق يقتضي
"مؤثراً".
(4) في ما ذكره الشارح نظر، فلا يجب أن يكون لكل مزيل صريح وكناية.
(2/233)
(وهو) أي الصريح (لفظ "الطلاق") أي لفظُ
المصدَرِ (وما تصرّف منه) فقط, كطالِقٍ ومطلقة وطلقتك (غيرَ أمرٍ) كطلِّقي،
(و) غيرَ (مضارعٍ) كتَطْلُقِينَ، (و) غير (مطلِّقةٍ اسم فاعل) أي بكسر
اللام مشدّدةُ. (فإذا قال) الزوجُ (لزوجته: أنت طالق، طلقت، هازلاً كان أو
لاعباً) أو فَتَحَ التّاءَ: قال ابن المنذر: أجمعَ كلُّ من أحفظُ عنه من
أهلِ العلمِ أنّ هزْلَ الطلاقِ وجِدَّهُ سواء.
(أو) كان (لم ينو) الطلاقَ، لأن النيّةَ ليستْ بشرطٍ في الصريح، لأنه لفظٌ
أتى به مع العلم بمعناهُ، مع عدم احتمالِ غيرِهِ، فلم تكنِ النيّةُ شرطاً
فيه، كالبيع، (حتى لو قيل له: أطلَّقْتَ امرأتك؟ فقال: نعم) أو قيل له:
امرأتُكَ طالقٌ؟ فقال: نعم (يريد الكذب بذلك) فإنها تطلق، وإن لم ينْوِ،
لأن "نعم" صريح في الجواب، والجواب الصريحُ للّفظِ الصريح صريح. ألا ترى
أنه لو قيل له: ألفلانٍ عليك ألف؟ فقال: نعم، وجب عليه.
(ومن قال: حلفتُ بالطلاقِ، وأرادَ الكذبَ) لم يصرْ حالفاً؛ (ثم إن فَعَل ما
حلف عليه وقع الطلاقُ حكماً) لأنه خالفَ ما أقرَّ به، ولأنه يتعلقُ به حقُّ
إنسانٍ معينٍ، فلم يُقْبَلْ في الحكم، كإقرارِهِ له بمالٍ، ثم يقول: كذبتُ.
(وَدُينَ) فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه لم يحلف (1)، واليمين إنما تكون
بالحلف.
(وإن قال: عليَّ الطلاقُ. أو: يلزمني الطلاقُ) أو: الطلاقُ لازمٌ لي
(فصريحٌ) في المنصوصِ، لا يحتاج إلى نية، سواء كان (منجَّزاً، أو معلقاً)
بشرطٍ، (أو محلوفاً به) أي بالصّريح. قال القاضي: لا تختلف الروايةُ عن
أحمد فيمن قال لامرأته: "أنتِ الطلاقُ" أنه يقعُ، نواه أو لم
__________
(1) في (ص): "لأنه يحلف".
(2/234)
ينوِه. ويقع به واحدةٌ ما لم ينو أكثر.
(وإن قال: عليّ الحرامُ)، أو يلزمني الحرام، أو: الحرام يلزمني (إن نوى
امرأتَه) أو دلتْ قرينةٌ على إرادة ذلك، (فـ) هو (ظهارٌ، وإلا فلغوٌ) لا
شيء فيه.
(ومن طلّق زوجةً) من زوجاتِهِ (ثم قال عقبه لضرتها: شرَّكْتُكِ) معها، (أو:
أنتِ شريكتُها، أو: أنتِ مثلُها، وقع عليهما) الطلاقُ.
(وإن قال: عليَّ الطلاقُ، أو: امرأتي طالق، ومعه أكثر من امرأةٍ، فإنْ نوى
معيّنَةً) من زوجاتِهِ (انصرفَ إليها)؛ وإن كان هناك سببٌ يقتضي تعميماً أو
تخصيصاً عُمِل به؛ (وإن نوى واحدةً) من زوجاتِهِ (مبهمةً أُخْرِجَتْ
بقرعةٍ؛ وإن لم ينو شيئاً) ولم يكن سببٌ يقتضي تعميماً أو تخصيصاً (طَلَق
الكلّ).
(ومن طلَّق) زوجتَهُ (في قلبه لم يقع) طلاقُهُ.
(فإن تلفّظَ به، أو حرَّك لسانَهُ، وقع،) نقل ابن هانئٍ عن أحمد: إذا طلَّق
في نفسِه لا يلزمه، ما لم يلفِظْ به أو يحرّكْ لسانه.
قال في الفروع: وظاهره أي ظاهر النهي (1) (ولو لم يسمعْهُ) أي من حرّك به
لسانه، بخلاف قراعةٍ سرّيّةٍ [في] الصلاة، فإنها لا تجزئه حيثُ لم يُسمعْ
نفسه.
[الطلاق بالكتابة والإِشارة]
(ومن كتَبَ صريحَ طلاقِ زوجتِهِ) بما يَبين (وقع) وإن لم ينوِهِ، على
الأصح، لأنها صريحة فيه، لأن الكتابةَ صريحةٌ في الطلاق. ووجه كونها صريحة
فيه أن الكتابة حروفٌ يفهم منها الطلاق.
__________
(1) كذا في الأصول، والسياق يقتضي "وظاهر النصّ" ويراجع الفروع.
(2/235)
(فلو قال: لم أُرِدْ إلا تجويدَ خطّي، أو):
لم أرد إلا (غَمَّ أهلي، قُبِل) منه (حكماً) أي في الحكم، أو قَرَأَ ما
كتبه وقال: لم أقصدْ إلا القراءة، قُبِلَ مِنْهُ حكماً.
(ويقع) الطلاقُ (بإشارةِ الأخرسِ فقطْ) حيث كانتْ مفهومة. ويكون حكمها
كالصريح من غير الأخرس.
فصل [في كنايات الطلاق]
(وكنايته) أي كناية الطلاق (لا بدّ فيها من نية الطلاق،) سواء كانت الكناية
ظاهرةً أو خفيةٌ، لأنّ الكناية لما قَصُرَت رُتبتها عن الصريح وُقِفَ عملها
على نية الطلاق، تقويةً لها، وإلحاقاً لها بعمل الصريح، ولأن الكنايةَ لفظٌ
يَحْتَمِل غيرَ معنى الطلاقِ فلا يتعين له بدون النية.
(وهي) أي الكناية (قسمان: ظاهرة، وخفية).
(فالظاهرة: يقع بها الثلاثُ) أي الطلاق الثلاثُ، حتى وإن نوى واحدةً، على
الأصحّ (1)، لأن ذلك قولُ علماءِ الصحابة، منهم ابن عباس، وأبو هريرة،
وعائشة.
(و) الكناية (الخفية: يقع بها) طلقةٌ (واحدة) رجعية في مدخولٍ بها (ما لم
ينوِ أكثر،) فإن نوى أكثر وقع ما نواه، لأنه لفظ لا ينافي العدد، فإذا نوى
عدداً وجب أنه يغ ما نواه، لأنه لا ينافيه.
__________
(1) وأشار (عبد الغني) إلى الرواية الأخرى أن الإِمام أحمد كان يكره أن
يفتي في الكنايات الظاهرة مع ميله إلى أنه ثلاث. قال. فعلى هذه الرواية إن
لم ينو عددا تقع واحدة كما في الإقناع.
(2/236)
(فالظاهرةُ) خمسةَ عشر (1): (أنت
خَلِيَّةٌ، و) أنت (بَرِيَّةٌ، و) أنت (بائنٌ، و) أنتِ بَتَّةٌ، وأنت
بَتْلَةٌ، و (أنت حُرّة، وأنتِ الحَرَجُ؛ وحبلك على غارِبِك، وتزوجّي من
شئتِ، وحَلَلْتِ للأزواج، أو لا سبيل لي عليكِ، أو لا سلطانَ) لي عليكِ،
(وأعتقتُكِ، وغَطَّي شَعْرَكِ، وتقنَّعي).
(والخفيّة) عشرون، وهي: (اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرّعي، وخلَّيْتُكِ،
وأنتِ مخلاّة، وأنتِ واحِدَةٌ (2)، ولستِ لي بامرأةٍ، واعتدّي، واستبرئي،
واعتزِلي، والحقي بأهلِكِ، ولا حاجةَ لي فيكِ، وما بقيَ شيءٌ، وأغَناكِ
اللهُ، وإنّ اللهَ قد طلّقكِ، والله قد أراحكِ مني، وجرى القلمُ) ولفظُ
فراقٍ، ولفظ سراحٍ.
(ولا تشترط النيّةُ) للطلاقِ (في حال الخصومةِ أو) في حال (الغضبِ).
(وإذا سَأَلَتْهُ) أي سألت الزوجةُ زوجَها (طلاقَهَا) فيقع الطلاق في هذه
الأحوال بالكناية بدون نيةٍ (فلو قال في هذه الحالةِ) أي في حالة الخصومةِ
أو الغضب أو سؤالِ الطلاق (لم أُرِدِ الطلاقَ، دُيِّنَ) فيما بينه وبين
الله تعالى، (ولَم يُقْبَلْ حُكْماً) على الأصحّ لأن دلالة الحال لها
تأثيرٌ في حكم الألفاظ، فإن اللفظَ الواحدَ يُحْمَلُ على الذم تارة وعلى
المدح أخرى، كما في قول الشاعر:
قُبَيِّلةٌ لا يغدِرُونَ بِذمَّةٍ ..... ولا يظلِمونَ الناسَ حَبّةَ
خَرْدَلِ
فإن ظاهر هذا المدح، لولا البيتُ الأولُ، وهو قوله:
إذا اللهُ عادى أهلَ لُؤْمٍ وذِلةٍ ..... فَعَادى بني العجلانِ رهطَ ابنِ
مُقْبِلِ
فعُلِمَ بذلكَ أنه أراد به (3) ذلتهم وقلتهم.
__________
(1) كذا في الأصول، والصواب: خمس عشرة. وهذا وقوله فيما بعد "عشرون" ليس
هذا الحصر بشيء، بل كل ما دل على الفراق احتمل أن يكون كناية طلاق.
(2) كذا في الأصول، وهو الصواب. والذي في شرح المنتهى "وأنت مخلاّة واحدة".
(3) (ب، ص): "بهم" والتصويب من (ف).
(2/237)
باب مَا يختَلف بهِ عدَد الطّلاق
ويعتبر مِلْكُ عدده بالرجال. روي ذلك عن عُمَرَ وعثمان وزيدٍ وابنِ العباس،
وبه قال مالكٌ والشافعىٌ. وعنه أن الطلاق بالنساء. والأول المذهب.
(يملك الحرُّ) ثلاث طلقات، (و) يملك (المبعّض) أيضاً (ثلاثَ طلقاتٍ) ولو
زوجَيْ أمةٍ.
(و) يملك (العبد) ولو مكاتباً أو مدبَّراً أو طَرَأَ رِقّه [كذميٍّ تزوّج
ثم لحق بدار الحرب فاستُرِقَّ قبل أن يطلق فإن له طلقتين. صرح به في شرح
المنتهى] (1) أو معه حرة، (طلقتينِ) فقطْ، فلو علق عبدٌ الثلاثَ بشرطٍ
فوُجِدَ بعد عتقِهِ وقع الثلاثُ، وإن علقها بعتقِهِ فعتق لغت الثالثة.
(ويقع الطلاق بائناً في أربع مسائل:)
الأولى: (إذا كان) الطلاقُ بعد الدخولِ (على عوضٍ) قال في الإِقناع وشرحه:
وطلاق معلق بعوضٍ، أو منجَّزٌ بعوضٍ، كخلعٍ في إبانةٍ، لأن القصد إزالةُ
الضَّرَر عنها، ولو جازت رجعتها لعادَ الضَّرَرُ. انتهى.
وأشار للثانية بقوله: (أو قبل الدخول) والخلوةِ.
__________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ص) وثابت في (ف).
(2/238)
وأشار للثالثة بقوله: (أو في نكاحٍ فاسدٍ)
لأن من نكاحُها فاسدٌ تبين بالطلاق، فلا تُمْكن رجعتُها. فإذا لم تحل
بالنكاح لعدم صحته وجب أنْ لا تحلَّ بالرجعة.
ولا يحلّ نكاحها في هذه المسائل الثلاث إلا بعقد جديد بشروطه.
وأشار للرابعة بقوله: (أو) طلّقها (بالثلاثِ) دفعةً واحدة، أو دفعاتٍ إن
كان حرًّا، أو طلقها اثنتين دفعة واحدة أو دفعتين، إن كان عبداً.
(ويقع ثلاثاً إذا قال أنت طالقٌ بلا رجعةٍ، أو) قال: طالق (ألبتة، أو) طالق
طلاقاً (بائناً).
(وإن قال) الزوج لزوجته: (أنتِ الطلاقُ، أو: أنتِ طالق،) أو: يلزمني
الطلاق، أو: الطلاق لازمٌ لي، أو: عليَّ الطلاقُ، [فهو] صريحٌ، في المنصوص،
فلا يحتاج إلى نية سواءٌ كان منجَّزاً، أو معلّقاً، أو محلوفاً به و (وقع)
به (واحدةٌ) لأنّ أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثاً. (وإن نوى ثلاثاً) أو
اثنتين (وقع ما نواه،) كما لو نوى بأنتِ طالقٌ أكثرَ من واحدةٍ، فإنه يقع
ما نواه.
(ويقع ثلاثاً إذا قال) لزوجته: (أنتِ طالقٌ كلَّ الطلاق، أو: أكثَرَهُ،) أي
أكثر الطلاق (أو: جميعَهُ) أو منتهاه، أو غايَتَهُ، أو أقصاه، (أو): أنتِ
طالقٌ (عَدَدَ الحصى ونحوه) مما يتعدّد، كعدد القَطْر أو الرملِ أو الريحِ
أو التراب، أو عددَ النجومِ، أو عدد الجبالِ أو السفنِ أو البلاد. (أو قال
لها: يا مائةَ طالقٍ،) فثلاَثٌ. ولو نوى واحدة.
(وإن قال) لزوجته: (إنتِ طالقٌ أشدَّ الطلاق، أو أغلظَه، أو أطوله، أو
أعرضه،) أو ملءَ البيت، (أو ملءَ الدنيا، أو مثل الجبل)، أو عِظَمَه، أو
أنت طالِقٌ عِظَمَ الشمس، أو القمرِ، أو عِظَمِ الفيلِ، أو الجمل، ونحوه
(أو) قال لزوجته: أنتَ طالق (على سائرِ المذاهبِ وقعَ)
(2/239)
طلقةٌ (واحدةٌ ما لم يَنْو أكثر) فيقع ما
نواه.
ومن طلقةٍ إلى ثلاث، فثنتان.
فصل
(والطلاق لا يتبعّضُ، بل جزء الطلقةِ كَهِيَ) فأنتِ طالقٌ ثلثَ أو سدسَ
[طلقةٍ]، أو نصفَ وثلثَ وسدسَ [طلقة أو نصفَيْها] (1) فطلقةٌ واحدة.
(وإن طلّق بعض زوجته) بأن قال لها: نصفُك وربعُك وخمسُكُ طالق، أو بعضُك
طالقٌ، أو جزءٌ منك طالق (طلقت كلُّها. وإن طلّق منها جزءاً لا ينفصل
كيدها) وأصبعها ودمها (وأذنها وأنفها طلقت) كلّها.
(وإن طلّق) من زوجته (جزءاً ينفصل كشعرها وظفرها وسنَّها لم تطلق) قال أبو
بكر: لا يختلف قول أحمد أنه لا يقع طلاق وظهار وعتق وحرام بذكر الشعر
والظفر والسن والروح. وبذلك أقول. انتهى.
فصل
(وإذا قال) لامرأته الواحدة: (إنت طالق لا بل أنت طالق، فواحدة) أي طلقت
طلقةً واحدة. قال ابن رجب في القاعدة التاسعة والخمسين بعد المائة: وهاهنا
مسألة حسنة نص عليها أحمد في رواية ابن منصور: إذا قال لامرأتِهِ أنت طالقٌ
بل أنت طالق، قال: هي تطليقتان، هذا كلام مستقيم، وإن قال: أنتِ طالق لا بل
أنت طالق، هي واحدة.
__________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ص) وثابت في (ف).
(2/240)
ثم ذكر توجيهَ حكمِ الأولى، ثم قال: وأما
إذا قال: أنت طالق لا بل أنت طالق، فقد صرّح بنفي الأولى ثم أثبته بعد
نفيه، فيكون المثبَتُ هو المنفيَّ بعينه، وهو الطلقة الأولى، فلا يقع به
طلقة ثانية.
(وإن قال) لها: (إنت طالق طالق طالق، فواحدةٌ) تم أي طلقت طلقةً واحدة،
لأنه لم يُثبِتْها بلفظٍ يقتضي المغايرة (ما لم ينوِ أكثر) من واحدة، فيقع
ما نواه. ومعلَّق في هذا كمنجَّز.
(وأنتِ طالقٌ أنتِ طالقٌ) مرتين (وقع ثنتان) إن كانت مدخولاً بها (إلا أن
ينوي) بتكراره (تأكيداً متصلاً أو إفهاماً لها) أنّ الأولى وقعَتْ بها.
وإنما يقع عليه طلقتان إذا لم ينوِ تأكيداً ولا إفهاماً، لأن هذا للِإيقاع،
ويقتضي الوقوع، بدليل لو لم يتقدمه مثلُه. وإنما ينصرف عن ذلك بنيّةِ
التأكيد أو الإفهام، فإذا لم يوجد شيء من ذلك وقع مقضتاه.
(و) إن قال: (أنت طالق فطالق، أو) قال: أنت طالق (ثم طالق)، أو قال: أنت
طالق بل طالق، أو: بل أنت طالق، أو: طلقة بل طلقتين، أو: طلقة بل طلقة، (ف)
يقع عليه (اثنتان) أي فإنه يقع عليه طلقتان.
وهذا كله (في المدخول بها، وتبين غيرُها بالأولى،) ولا يلحقها ما بعدها،
لأنها إذا بانت بالأولى صارت كالأجنبية، فلا يلحقها طلاق بعدها.
(و) إن قال لها: (إنت طالق وطالق وطالق، فـ) يقع عليه (ثلاث) طلقات (معاً)،
لأن الواو تقتضي الجمع، ولا ترتيب فيها، فيكون موقعاً للثلاثِ جميعاً،
(ولو) كانت الزوجة (غير مدخولٍ بها.)
(2/241)
فصل في حكم
الاستثناء
الاستثناءُ استفعالٌ من الثَّنْيِ، وهو الرجوع، يقال: ثَنَى رأس البعير إذا
عَطَفه إلى ورائه، فكأنَّ المستثنِي رجَع في قوله إلى ما قبله.
وهو إخراجُ بعضِ الجملةِ بإلاّ أو ما قام مقامها من متكلِّم واحدٍ. (ويصح
الاستثناءُ في النصف فأقلّ) منه في المنصوص، لأنه كلام متصل أبان به أن
المستثنى غير مرادٍ بالأول، فصحّ (من مطلَّقاتٍ) كقوله: زوجاتي طالقاتٌ،
إلا إحداهما، أو قال زوجُ أربعٍ: نسائي طوالقُ إلا اثنتين؛ أو زوجُ ثلاثٍ:
نسائي طوالق إلا واحدة.
(و) يصح استثناءُ النصفِ فأقلَّ من عدد (طَلَقاتٍ) في الأصح (فـ) يتفرع على
المذهب (لو قال) لزوجته: (إنتِ طالقٌ ثلاثاً إلا واحدة، طلقت اثنتين) أي
طلقتين.
(و) إن قال لها: (إنت طالق أربعاً إلا اثنتين) فإنه (يقع) عليه (ثنتان)،
بناءً على صحة استثناء النصف.
فإن قيل: كيف أجزتم استثناءَ الاثنتين من الثلاثة، وهي أكثرها، في قوله:
أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين إلا واحدة؟ قلنا: لأنه لم يسكت عليها، بل
وصلها، بأن استثنى منها طلقةً، فصارت عبارة عن واحدة.
(و) من له أربع نسوةٍ فقال: (نسائي الأربعُ طوالقُ إلا ثنتين، طلق اثنتان)
لأنهما نصف الأربع.
(وشُرِطَ) بالبناء للمفعول (في الاستثناءِ اتصالٌ معتاد)، لأن غير المتصل
لفظ يقتضي وقوعَ ما وقع بالأوّل. والطلاقُ إذا وقعَ لا يمكن رفعه، بخلاف
المتصل، فإن الاتصال يجعل اللفظ جملة واحدة، فلا يقع الطلاق قبل تمامها،
ولولا ذلك لما صحّ التعليق.
(2/242)
ثم إنّ الاتصال قد يكون (لفظاً) كما لو أتى
به متوالياً، (أو) يكون متصلاً (حكماً، كانقطاعه) أي انقطاع جملة ذلك
(بعطاسٍ ونحوِه،) كتنفسٍ، وسعالٍ، بخلاف ما لو كان انقطاعه بكلامٍ معترضٍ،
أو زمنٍ طويلٍ، فإنه يمنع صحة الاستثناء. وشرط له أيضاً نية الاستثناء قبل
تمام مستثنى منه. وكذا شرط ملحق كما لو قال: أنت طالق إن دخلتِ الدار.
فصل (في) حكم (طلاق الزمن) الماضي والمستقبل
(إذا قال) لزوجته: (أنت طالقٌ أمس، أو) قال لها: أنت طالق (قبل أن أتزوّجك،
ونوى) بذلك (وقوعَه) أي وقوع الطلاق (إذن) أي إيقاعه الآن، (وَقَعَ) في
الحالِ، لأنه مُقِرٌّ على نفسه بما هو أغْلَظُ في حقِّه. (وإلا) أي وإن لم
ينوِ وقوعه في الحال (فلا) أي فلا يقع، لما روي عن أحمد فيمن قال لزوجته:
أنت طالق أمسِ، وإنما تزوَّجها اليوم: ليس بشيءٍ.
(و) إن قال الزوج لزوجته: (أنت طالق اليومَ إذا جاءَ غدٌ، فلغوٌ) لا يقع به
شيءٌ، لعدم تحقق شرطه، لأن مقتضاه وقوعُ الطلاق إِذا جاء غد، ولا يتأتّى
غدٌ إلا بعد ذهاب اليوم، وذهاب محلِّ الطلاق.
(و) إِن قال لزوجته: (أنت طالق غداً، أو) أنت طالق (يوم كذا وقع) الطلاق
(بأولهما)، لأنه جعلَ الغدَ وبومَ كذا ظرفاً للطّلاق، فإذا وجد ما يكون
ظرفاً له طلقت. ولا يديّن (ولا يُقبلَ) منه (حكماً) أي في الحكم (إن قال:
أردتُ آخرهما) لأن لفظه لا يحتمله.
(و) إِن قال: (إنت طالق في غدٍ، أو في رجب، يقع بأولهما) وذلك في رجبٍ
ونحوه من حين تغرب الشمسُ من آخر الشهرِ الذي
(2/243)
قبله، لأنه جعلَ الشهرَ ظرفاً للطلاق، فإذا
وجد ما يكون ظرفاً له طلقت فيه.
وله وطءٌ للمعلَّق منها قبل وقوعٍ. (فإن قال: أردت) أن الطلاقَ إنما يقع
(آخِرَهما) دُيِّن فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى و (قُبِل حكماً) لأن
آخر هذه الأوقات وأوسطها منها، فإرادته لذلك لا تخالف ظاهِر لفظِهِ.
فإن قال: أنت طالقٌ أولَ شهرِ كذا، أو: غُرَّتَهُ، أو: في رأسه واستقباله،
أو مجيئه، فإنه لا يقبل قوله: أردت وسطه ولا آخره، لأن لفظه لا يحتمله.
(وأنت طالقٌ كلَّ يوم)، وأنت طالقٌ اليومَ وغداً وبعدَ غدٍ، (فواحدةٌ).
(وأنت طالقٌ في كلِّ يومٍ، فتطلق في كل يوم واحدةً).
وأنت طالقٌ يومَ يقدم زيد، يقع يومَ قدومِهِ من أوله.
(و) إن قال لها: (إنتِ طالقٌ إذا مضى شهر فـ) إنها تطلق (بمضيِّ ثلاثينَ
يوماً؛ و) إن قال: أنت طالق (إذا مضى الشَّهرُ، فـ) إنها تطلق (بمضيّه.
وكذلك) أي وكالتفصيل المذكور إذا قال لها: أنت طالق (إذا مضت سنة، أو) إذا
مضت (السنة).
(2/244)
باب تعليق الطَّلاق (1)
(إذا علَّقَ) الرجلُ (طلاقَ زوجتِهِ) أو عتقَ عبده (على وجود فعلٍ مستحيلٍ)
عادة (كإن صعدتِ السماءَ) أو شاءَ الميّت، أو شاءت البهيمة، أو طِرْتِ
(فأنتِ طالق، لم تطلق) ولم يعتق.
(وإن علقه) أي علّق الطلاقَ، وكذلك العتق (على عدمِ وجوده، كإن لم تصعدي)
السماءَ أو إن لم يشأ الميت ونحوِهِما (فأنتِ طالق، طلقت في الحال،) وعتَقَ
الرقيق، كما لو قال: أنت طالق إن لم أبعْ عبْدي، فماتَ العبد. ولأنه علَّق
الطلاقَ على عدمِ فعلِ المستحيل، وعدمُهُ معلوم في الحال وما بعده.
(وإن علّقه) أي الطلاقَ (على) فعل (غيرِ المستحيلِ) كإن لم اشترِ من زيدٍ
عبدَه، فأنت طالق (لم تطلق إلا باليأس مما علَّق عليه الطلاق) وهو موت
العبد أو عتقُهُ (ما لم يكن هناك نيَّة أوَ قرينة تدل على الفورِ، أو
يقيِّد بزمنٍ، كقوله: اليومَ، أو الشهر، (فيعمل بذلك) أي بالنية أو القرينة
أو التقييد بزمن.
__________
(1) إذا علق الطلاق يريد الحث على فعل شيء أو المنع منه أو تأكيد الخبر
فيرى ابن تيمية وغيره أنه لا يقع الطلاق، وفيه الكفارة إن حنث. وانظر مختصر
الفتاوى ص 439 - 441
(2/245)
فصل
(ويصحُّ التعليق مع تقدَّم الشرط) بصريحِ طلاقٍ، كإن دخلتِ الدارَ فأنتِ
طالقٌ، وبكنايةِ الطلاقِ مع قصدِهِ، كإن دخلت الدار فأنت خليّة، وينوي بلفظ
"خلية" الطلاق.
(و) يصح التعليق أيضاً مع (تأخّرِهِ) أي تأخر الشرط، بصريحٍ، كقوله: أنتِ
طالق إن دخلتِ الدار، وبكنايةٍ مع قصدٍ، كقوله: أنتِ خلية إن دخلتِ الدار.
ثم مثّل المصنف للتقدُّم والتأخُّر بقوله: (كإن قمتِ فأنتِ طالق) هذا مثال
تقدم الشرط، (أو: أنتِ طالقٌ إن قمتِ) وهذا مثال تأخر الشرط.
(ويشترط لصحة التعليق أن ينويه) أي الشرطَ (قبل فراغ التلفُّظِ بالطلاق).
(و) يشترط لصحة التعليق أيضاً (أن يكون) الشرطُ (متصلاً لفظاً، أو حكماً،
فلا يضرُّ لو عَطَسَ ونحوَه) بين شرطٍ وحكمه، (أو قَطَعَهُ بكلامٍ منتظم،
كأنتِ طالقٌ، يا زانيةُ، إن قمت) أو إن قمتِ يا زانيةُ فأنت طالق.
(ويضرُّ إن قطعَهُ) أي التعليق (بسكوتٍ) بين شرطٍ وحكمِهِ سكوتاً يمكنه فيه
الكلام، (أو كلام غيرِ منتظمٍ، كقوله): أنتِ طالقٌ (سبحانَ اللهِ) إن قمت.
(وتطلق في الحال) لقطع التعليق.
فصل (في مسائل متفرقة) يعلق فيها الطلاق
(إذا قال) لزوجته: (إن خرجتِ بغير إذني)، أو: إلا بإذني: أو: حتى آذن لك،
(فأنتِ طالق، فأذنَ لها) في الخروج (ولم تعلم،)
(2/246)
فخرجت، طلقتْ، لأن الإذْن هو الإِعلام، ولم
يُعلمْها، (أو) أذن لها و (علمت وخرجت، ثم خرجت ثانياً بلا إذنه طلقت)
لأنها خرجت بغير إذنه (ما لم يأذن) الزوجُ (لها في الخروجِ كلّما شاءَتْ)
فلا يحنثُ بخروجِها بعد ذلك بدون حلف متجدّدٍ.
(و) إن قال الزوج: (إن خرجتِ بغيرِ إذنِ فلانٍ) رجلٍ معيّنٍ، -ظاهره
أجنبياً كان أو غيرَه- (فأنت طالق، فمات) فلانٌ، (وخرجتْ، لم تطلق.) قال في
الإِنصاف: على الصحيح من المذهب. وحسنه (1) القاضي، وجعلَ المستثنى محلوفاً
عليه. انتهى. فعلى هذا يكون المعنى على قول القاضي: إن حصَل منكِ خروجٌ
بدون إذن زيد فأنتِ طالقٌ، فيفوت المحلوفُ عليه بموته.
(و) إن قال لها: (إن خرجتِ إلى غيرِ الحمّام) بلا إذني (فأنت طالق، فخرجت
له) أي للحمّام ولغيرِهِ، أوْ له (ثم بدا لها غيرُه، طلقت) أيضاً، لأن ظاهر
هذه اليمينِ المنعُ من غيرِ الحمام، فكيفَمَا صارتْ إليه حنث، كما لو
خالفتْ لفظَهُ.
(و) إن قالَ رَجُلٌ: (زوجتي طالقٌ، أو) قال مالكُ عبدٍ (عبدي حرٌّ، إن شاء
اللهُ، أو: إلا أن يشاء الله)، أو: إن لم يشأ الله، أو: ما لم يشأ الله،
(لم تنفعه المشيئة شيئاً، ووقع) الطلاقُ والعتاقُ، لقصدِهِ بقوله: إن شاء
الله، تأكيدَ الوقوعِ، وقد نص أحمدُ على وقوعهما.
(وإن قال): أنت طالق (إن شاء فلان، فتعليق) على مشيئةٍ فلانٍ (لم يقع إلا
أن يشاء) فلان.
(وإن قال) لزوجته: أنتِ طالقٌ (إلا أنْ يشاءَ زيدٌ، فـ) الطلاق
__________
(1) هكذا في الأصول، "وحسّنه القاضي" والذي في شرح المنتهى 3/ 169 "خلافاً
للقاضي" وهو الصواب فيما يبدو من السياق. ثم راجعنا الإِنصاف (8/ 99) فإذا
العبارة "وحنثه القاضي".
(2/247)
(موقوف: فإن أبى) زيدٌ (المشيئة، أو جُنَّ،
أو مات، وقع الطلاق إذن) لأنه أوقع الطلاقَ وعلَّق رفعه بشرط، ولم يوجد.
(وأنتِ طالقٌ إن رأيتِ الهلالَ عياناً) بأن لم يحصل دون رؤيتِهِ غيمٌ أو
قَتَر (1) (فرأته في أول) ليلةٍ، (أو ثاني) ليلة، (أو ثالثِ ليلةٍ، وقع)
الطلاقُ، (و) إن رأته (بعدَها) أي بعد الليالي الثلاثة (2) (لم يقع) الطلاق
لأنه يسمى بعدها قمراً في الأصحّ.
(و) إن قال لزوجته: (أنتِ طالق إن فعلتِ) أنتِ (كذَا، أو) قال: أنتِ طالق
(إن فعلتُ أنا كذا، ففعلتْه) هي، (أو فَعَله) هو، حال كون الفاعل منهما
(مكرَهاً، أو) فعله حالِ كونه (مجنوناً، أو) حال كونه (مغمًى عليه، أو) حال
كونه (نائماً، لم يقع) الطلاقُ لكونه مغطًّى عقلُه في هذه الأحوال (3).
(وإن فعلته) هي، (أو فعله) هو، حال كونه (ناسياً) الحلفَ، (أو) حال كونه
(جاهلاً) وجودَ الحنث بفعلِهِ، أو جاهلاً أنه الفعل المحلوفُ عليه، كمن
حلفَ لا يدخلُ دار زيدٍ، ثم دخلها جاهِلاً أنها دارُ زيدٍ، (وقع) الطلاق.
(وعكسُه) أي عكسُ ما ذكر (مثلُه) أي في التفصيل المذكور، (كإن لم تفعلي)
أنتِ (كذا، وإن لم أفعلْ) أنا (كذا، فلم تفعله) هي، (أو لم يفعله هو،)
نسياناً، أو غيره.
__________
(1) هذه العبارة "إن لم يحصل .. الخ" في الأصول. وليست في شرح المنتهى،
وحذفها أولى. إذ إنه لو انتفت رؤيتها للهلال لأي سبب كان، فإنها لا تطلق.
(2) كذا في الأصول، وصوابه "الثلاث".
(3) هذا تعليل لحكم ما بعد المكره. أما المكره على الفعل فلا يقع طلاقه
لعدم إضافة الفعل إليه.
(2/248)
فصل في الشكّ في الطلاق
وهو هنا مطلق التردد.
(ولا يقع الطلاقُ بالشكّ فيه، أو فيما علَّق عليه،) وإن كان عدمياً، بأن
قال: إن لم أدخل الدارَ يومَ كذَا فزوجتي طالق، ومضى اليوم، وشكَّ هل دخل
الدار فيه أوْ لا، لأنه شكٌّ طرأَ على يقينٍ، فوجب طرحُهُ، كما لو شكّ
المتطهرُ في الحدَثِ، وتقدّم. قال الموفّق: والورعِ التزامُ الطلاقِ. (فمن
حلفَ لا يأكل ثمرةً) مثلاً، (فاشتبهت) المحلوف على عدم أكلِها (بغيرِها،
وأكلَ الجميعَ إلاَّ واحدةً، لم يحنث،) لأن الباقيةَ بعد المأكولِ يحتمل أن
تكون المحلوفَ على عدمِ أكلِها.
(ومن) طلق زوجته و (شك في عددِ ما طلّق بني على اليقين.)
وقال الخرقي: إذا طلَّق، فلم يَدْرِ واحدةً طلّق أم ثلاثاً، لم يحلَّ له
وطؤُها حتى يتيقّن. (وهو) أي اليقين (الأقلّ).
(ومن أوقع بزوجتِهِ كلمةً وشكّ هل هي) أي الكلمة (طلاقٌ أو ظهار، لم يلزمه
شيء).
وإن شك من له زوجةٌ هل ظاهرَ منها، أو حلف بالله تعالى، لزمه بحنثٍ أدنى
كفارتيهما، لأنه اليقين.
(2/249)
باب أحكَام (الرَّجعَة)
(وهي) أي الرجعةُ في الشرعِ (إعادة زوجتِهِ المطلَّقةِ) طلاقاً غير بائنٍ
(إلى ما كانت عليه) قبل الطلاق (بغيرِ عقدٍ) أي عقدِ نكاحٍ. قال الأزهري:
الرِّجعة بعد الطلاقِ أكثر ما تُقال بالكَسْرِ، والفتحُ جائز.
وهي ثابتة بالكتاب والسنّة والإِجماع.
أما الكتابُ فقولُهَ تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدهِنَّ ...
الآية}.
وأما السنَّة كما في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما حين طلّق امرأتَهُ.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْهُ فليُراجعها" رواه الجماعة إلا
البخاريّ. وقد طلّق النبي - صلى الله عليه وسلم - حفصةَ ثم راجَعَها. رواه
أبو داود والنسائي وابنُ ماجة.
وأما الإِجماع فقال ابنُ المنذر: أجمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ الحرَّ إذا
طلَق دونَ الثلاثِ، والعبدَ دون اثنتين، أنَّ لهما الرجعةَ في العدة.
(من شرطها) أي الرجعة (أن يكون الطلاقُ غيرَ بائنٍ) لأنّ من استوفى عدَدَ
طلاقِهِ لا تحلُّ له حتى تنكحَ زوجاً غيره، فرجعتها لا تمكن لذلك.
(و) من شرطِ الرجعةِ (أن تكون في العدَّةِ) ولو كرهت الزوجة. فائدة: إنما
تصح الرجعة بأربعة شروط:
الأول: أن يكون دَخَلَ أو خَلَا بها، لأن الرجعة لا تكون إلا في
(2/250)
العدة. وغيرَ المدخول بها لا عدَّة عليها.
الثاني: أن يطلِّق في نكاحٍ صحيحٍ، لأن الطلاق حَلٌّ للنكاح، فهو فرعٌ عليه
فإذا لم يصحَّ النكاحُ لم يصحّ الطلاق لأنه فرعه (1)، ولأن الرجْعَةَ إعادة
للنكاح، فإذا لم تحل بالنكاح، وَجَبَ أن لا تحلّ بالرجعة.
الثالث: أن يطلّق دون ما يملكُهُ من عددِ الطلاق، وهو الثلاث للحرّ،
والاثنتان للعبد.
الرابع: أن يكونَ الطلاقُ بغيرِ عوضٍ، لأن العوضَ في الطلاقِ إنما جُعِلَ
لتفتدي بِهِ المرأةُ نفسُها من الزوجِ. ولا يحصُلُ ذلك مع ثبوتِ الرجعةِ.
فلذلك امتنعت الرجعةُ مع العوضِ في الطلاق.
فإذا وجدت هذه الشروط كان له رجعتُها ما دامت في العدة، لأنه إجماع
المسلمين.
(وتصح الرجعةُ بعد إنقطاعِ دم الحيضةِ الثالثةِ حيثُ لم تغتسل) وإن
فَرَّطتْ في الغُسْلِ عشرين سنة (2). وذلك لأنّ وطءَ الزوجَةِ قبل
الاغتسالِ حرامٌ لوجودِ أثرِ الحيضِ الذي يَمْنَعُ الزوجَ الوطءَ، كما
يمنَعُ الحيضُ، فوجبَ أن يمنعَ ذلك ما مَنَعَه الحيضُ، ويوجبَ ما أوجبَهُ
الحيضُ، كما قبل انقطاع الدم.
فأما بقية الأحكام، من قطَعِ الإِرثِ، والطلاقِ، واللّعانِ، والنفقة،
وغيرها، فيحصُلُ بانقطاعِ الدم روايةً واحدة. قال في شرح المنتهى
__________
(1) الشارح لم يحرّر القول هنا كما ينبغي، فإن النكاح الفاسد، كالنكاح بلا
ولي أو بلا شهود، يصح الطلاق فيه ولكن لا رجعة بعده لكونه فاسداً. أما
النكاح الباطل وهو ما لا خلاف في بطلانه، كنكاح الأخت من الرضاعة. فلا يصح
الطلاق فيه ولا رجعة فيه. فقول المؤلف "إذا لم يصح النكاح لم يصح الطلاق
لأنه قرعه" فيه المؤاخذة.
(2) في إحدى الروايتين عن أحمد. والرواية الثانية: تنتهي العدة بمجرّد
الطهر قبل الغسل لقوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} والقرء الحيض وقد انتهى، فعلى الرواية
الأخرى يلزم أن تكون العدة أكثر من مائتي قرء (مغني 7/ 281)
(2/251)
وشرح الإقناع: قاله المحرَّرُ تبعاً للقاضي
وغيرِهِ.
(وتصح) الرجعةُ أيضاً (قبل وضعِ ولدٍ متأخّرٍ) فيما إذا كانت حاملاً بأكثرَ
من واحدٍ، لبقاء العدّةِ، لا في ردة، ولا تعليقها بشرطٍ (1).
وتحصل الرجعة بالقول والفعلِ.
[ألفاظ الرجعة]
(وألفاظُها) أي الرجعة: (راجعتُها) أي راجعتُ زوجتي، (ورجعتها، وارتجعتها)
إلى نكاحي، (وأمسكْتُها، ورددْتُها، ونحوه) مثل أعَدْتُها، ولو زاد:
للمحبَّةِ، أو زاد: للإهانة (2).
(ولا تشترط هذه الألفاظ، بل تحصل رجعتُها بوطئِها).
و (لا) تصحّ الرجعة (بـ) قول الزوج: (نكحتُها، أو: تزوجتُها)، لأن ذلك
كنايةٌ، والرَّجعةُ استباحةُ بُضْعٍ مقصودٍ، فلا تحصل بالكناية، كالنكاح
(3).
[البينونة لمن لم تُراجع]
(ومتى اغتسَلَتِ) الزوجةُ (من الحيضةِ الثالثةِ، ولم يرتجعْها، بانت)، منه
(ولم تحلّ له إلا بعقدٍ جديدٍ) مستكملٍ للشروطِ (4). (وتعود على ما بقيَ من
طلاقِها،) ولو بعدَ وطءِ زوج آخر، قاله في المنتهى.
__________
(1) يعني أن الرجعة لا تصحّ إلا مُطْلَقَة، فلو علّقها بشرط، كقوله: متى
طلَّقْتُكِ فقد راجعتك، لم تصحّ حتى يراجعها بعد الطلاق.
(2) إذا نوى إرجاعها للِإهانة أو الإضرار أثم، لتعدّيه حد الله تعالى في
قوله {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} وقوله {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}. قال القرطبي: إذا
علمنا أنّه قصد الإضرار طلقْنا عليه.
(3) وفي وجهٍ: تحصل الرجعة بذلك، أومأ إليه أحمد، لأنه تباح به الأجنبية.
فالرجعية أولى.
(4) أي برضاها وبولي وشهود. ويجب المهر.
(2/252)
[عدد الطلاق بعد زوج
آخر]
تنبيه: إذا طلّق الرجلُ زوجَتَه ثلاثاً، وانقضت عدتها وتزوجت بغيره بنكاح
صحيح ثم طلقها الثاني بعد أن وطئها وعادت لزوجها الأول فإنها تعود على طلاق
ثلاث بإجماع أهل العلم.
وإذا طلقها دون ثلاث وانقضت عدتها وتزوجت من أصابها أو من لم يصبها وبانت
منه وعادت إلى الأول فالمذهب أنها تعود إليه على ما بقي من طلاقها؛ هذا قول
أكابر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر وعلي وأبي ومعاذ وعمران
بن حصين وأبو هريرة وزيد وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم
وعني بهم (1).
فصل [في ما تحل به المطلقة ثلاثاً]
(وإذا طلق) الزوجُ (الحرُّ ثلاثاً) دفعةً أو دفعاتٍ، (أو طلَّق) الزوجُ
(العبدُ ثنتين،) ولو عَتَق قبل انقضاءِ عدّتها، (لم تحلّ له حتى تنكحَ
زوجاً غيرَهُ نكاحاً صحيحاً)، لقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ -إلى
قوله سبحانه وتعالى:- فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ
حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (ويطأَها) الزوجُ (في قُبُلها)، لأن
الوطء المعتبر في الزوجة (2) لا يكون في غير القبل (مع الانتشارِ) قالَهُ
الأصحاب، لقولهِ - صلى الله عليه وسلم -:"لا حتَّى تذوقي
__________
(1) وقول النعمان (أبي حنيفة): إن الزوج الثاني إذا دخل بها هدم الطلقة
والطلقتين كما يهدم الثلاث، بل أولى. وهو قول ابن عمر وابن عباس والنخعي
وشريح وغيرهم (قرطبي 3/ 152)
(2) كذا في (ب، ص)؛ وفي (ف): "في الرجعَة".
(2/253)
عُسَيْلَتَهُ ويذوق عُسَيْلَتَكِ (1) "
وإنما يكون ذلك مع الانتشار، فيكتفى بذلك. (ولو) كان الزوجُ (مجنوناً) أو
مقطوعَ الخصيتين دون الذكر، (أو نائماً أو مغمًى عليه (2) وأدخلتْ ذكره في
فرجها) مع انتشارِهِ، لأنه وطءٌ من زوج وُجِدَ فيه حقيقةُ الوطءِ فأحلَّها
كما لو وَطِئَها حال إفاقَتِهِ ووجودِ خصيتيه. (أو) كان الواطئ (لم يبلغ
عشراً أو) كان (لم ينزل) (3) أو ظنها أجنبية.
(ويكفي) في هذا الوطء (تغييبُ الحَشَفَةِ) كلها، (أو) تغييب (قدرها) أي قدر
الحشفة (من مجبوبٍ) أي مقطوعِ الحشفة، لحصول ذوق العسيلة بذلك.
ويكفي أيضاً وطءٌ محرَّمٌ لمرضٍ، وضيقٍ وقتِ صلاةٍ، وفي مسجدٍ، وفي حالِ
منعِها نَفْسَها لقبضِ مهرٍ حال، وقَصْدِ إضرارها بالوطءِ لعَبَالَةِ ذكره
وضيقِ فرجها.
(ويحصل التحليل بذلك) أي بوطئها (ما لم يكن وَطِئَها في حالِ الحيضِ، أو
النفاس، أو الإِحرام، أو صَوْم الفرض) أو في الدبر، أو في نكاحٍ باطل، أو
فاسدٍ، أو بشبهةٍ، أو بملكِ يمينٍ.
وإن كانتْ أمةً فاشتراها مطلِّقها لم تحلّ له حتى تنكحَ زوجاً غيرَهُ
ويطأها.
__________
(1) حديث "لا حتى تذوقي عسيلته ... " رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وهو
بتمامه قالت: "جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-، فقالت: إني كنت عند رفاعة، فطلقني، فَبَتَّ طلاقي، فتزوّجتُ عبد الرحمن
بن الزّبير، وما معه إلا مثل هُدْبة الثوب. فقال: أتريدين أن ترجعي إلى
رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عُسَيلته ويذوق عسيلتك" وروي عن غير عائشة في غير
الصحيحين من طرق (الإِرواء ح 1887)
(2) لم يذكر وطأه لها وهي نائمة. ففي قول للمالكية لا تحل بذلك لأنها لم
تذق العسيلة.
ويبغي على هذا أن لا تحلّ إن كان هو نائماً. قال عبد الغني انه كان هو
نائمًا أو هي نائمة لا يكفي في التحليل وهو وإن كان خلاف المذهب قويّ
الدليل. اهـ. يعني بالدليل ظاهر حديث العسيلة.
(3) اشترط الحسن البصري الإنزال. وكأنه فسر العسيلة بالمنيّ.
(2/254)
(فلو تزوّجت المطلقةُ ثلاثاً بآخرَ، ثم
(طلقها الثاني، وادّعتْ أنه) أي زوجها الثاني (وطئها)، وأنه يجوز للأول
نكاحُها، (وكذبها) الثاني في وطء (فالقول قوله) أي قولُ الثاني (في تنصيفِ
المهر) إذا لم يقرّ بالخلوةِ بها، (و) القولُ (قولُها) في وجود الوطءِ (في
إباحتها للأول) فإن قالَ الزوجُ الأوَّل: أنا أعلم أنه ما أصابها، لم يحل
له نكاحها، لأنه مُقِرَّ على نفسه بتحريمها عليه، فإن عاد فأكْذَبَ نفسَهُ،
وقال: قد علمتُ صِدْقَها، دُيِّنَ فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه إذا علم
حِلَّها لم تَحْرُمْ بكذبه، ولأنه قد يعلم في المستقبلِ ما لم يكن علمه في
الماضي. ولو قال: ما أعلم أنه أصابها لم تحرم عليه بهذا.
(2/255)
|