نَيْلُ
المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب كتَاب العدّة
مأخوذة من العدد، لأن أزمِنَةَ العِدَّة محصورةٌ مقدّرة بعدد الأزمانِ
والأحوالِ، كالحيض والأشهر ونحوِهِما.
(وهي) أي العدّة (تربُّصُ من فارقتْ زوجَها بوفاةٍ) دخَل بها أوْ لا، (أو
حياةٍ) إن دخل أو خلا بها.
[عدة المتوفى عنها]
(فالمفارقةُ بالوفاةِ) أي التي مات زوجُها عنها (تعتد مطلقاً) أي سواء كان
المتوفَّى يولد لمثلِهِ أوْ لا، يَطَأ مُثْلُه أوْ لا، دخل بها أوْ لا.
(فإن كانتْ) المتوفى عنها زوجُها (حاملاً من الميت فعدّتُها حتى تضعَ كلَّ
الحمل)، حرةً كانت أو أمةً، ولو لم تطهُرْ من نفاسِهِا بغسل أو تيمَّم.
لكن إن تزوَّجت في مدة النفاس حرُم وطؤُها حتى تطهُرَ.
فلو ظهر بعضُ الولدِ فهي في عدة حتّى ينفصل باقيه إن كان الحملُ واحداً،
وإن كان أكثر فحتَى ينفصل باقي الأخيرِ. والحملُ الذي تنقضي به العدّة ما
تصير به الأمة أُمَّ ولدٍ، وهو ما يتبيَّن به خلقُ الإنسان، كرأسٍ ورِجْل.
(2/271)
(وإن لم تكنْ حاملاً) منه (فإن كانتْ حرةً
فعدتُها أربعة أشهر وعشرُ ليالٍ بأيامِها) لأن النهارَ تَبَعٌ للّيل.
والإِجماع منعقد على ذلك، لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} ولأن النكاحَ عَقْدُ عُمْرٍ، فإذا ماتَ انتهى، والشيءُ
إذا انتهى تقرَّرت أحكامُهُ كتقرَّر أحكام الصيامِ بدخولِ اللَّيْل، وأحكام
الإِجارة بانقضاءِ مدّتها. والعدةُ من أحكَام النكاح، ولا يعتبر الحيضُ في
عدة الوفاةِ في قول عامّة أهل العلم.
(وعدةُ الأمة) المتوفّى عنها زوجها (نصفُها) أي نصف عدة الحرةِ وذلك شهران
وخمسُ ليال بخمسة أيام.
[العدة في غير الوفاة]
(والمفارقةُ في الحياةِ لا تعتدّ إلا إن خلا بها أو وَطِئَها،) وشُرِطَ
لوجوب العدَّةِ للخلوةِ طواعِيَتُهَا؛ وعلمُهُ بها (1).
فَإن طلقها قبل الدخولِ أو الخلوة فلا عدةَ عليها، لقوله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ
عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (وكان ممن يطأُ مثلُه، ويوطأُ
مثلُها، وهو ابن عشر وبنت تسعٍ) وإنما اشتُرِطَ ذلك لأن العِدةَ ترادُ
لبرَاءةِ الرَّحِمِ من الحملِ، فإن كانت الموطوءة لا يوطأ مثلها، أو كان
الواطئ لا يلحق به الولَدُ لصغره، فلا فائدة في العدة، لتحقق براءة الرحم
من الحمل.
[عدة المطلقة الحامل]
(وعدتها) أي عدة المفارَقة في الحياة المدخولِ بها (إن كانت حاملاً بوضع
الحمل) كلِّه.
__________
(1) عبارة "وشرط لوجوب العدة ... الخ" ساقطة من (ف).
(2/272)
[عدة المطلقة غير
الحامل]
(وإن لم تكن حاملاً فإن كانت تحيض، فعدتها ثلاث حيضات إن كانت حرة) أو
مبعّضة، بغير خلاف بين أهل العلم (1)، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} والقرء الحيض على الأصح.
والقرء في كلام العرب يقع على الحيضِ والطهرِ جميعاً. فهو من الأسماء
المشتركة.
(و) عدتُها (حيضتان إن كانت أمة).
وليسَ الطُّهر عدة.
ولا تعتد بحيضةٍ طُلِّقت فيها، حتى تأتي بثلاثِ حيضاتٍ كوامل بعدها إن كانت
حرّةٌ أو مبعّضة، وثنتين بعدها إن كانت أمة.
[عدة الصغيرة والآيسة]
(وإن لم تكن) من طلقت بعد الدخول أو الخلوة (تحيضُ، بأن كانت صغيرةً، أو
بالغةً ولم تَرَ حيضاً ولا نفاساً)، أو كانت مستحاضة ناسية لوقت حيضها أو
مستحاضة مبتدأة، (أو كانت آيسةً، وهي) أي الآيسة (من بلغتْ خمسين سنة)
وتقدّم (2)، (فعدتها ثلاثة أشهر إن كانت حرّة) إجماعاً، لقوله سبحانه
وتعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}
يعني: كذلك.
وابتداء العدة من الساعة التي فارقها فيها في الأصح، فلو فارقها
__________
(1) بل عند الشافعية والمالكية ثلاثة أطهار لا ثلاث حيض، فالخلاف في
الحيضهَ الثالثة.
(2) انظر باب الحيض من الجزء الأول، واختار الشيخ [ابن تيمية]: لا حدّ
لأكثر سنّ الإِياس. (عبد الغني) والموفق يرى أن الدم إن عاد بعد الخمسين
على العادة التي كانت تراه فيها فهو حيض على الصحيح، للإِمكان، وإن رأته
بعد الستين فقد تُيُقِّن أنه ليس بحيض (المغني 7/ 461)
(2/273)
نصفَ الليل، أو نصف النهار، اعتدت من ذلك
الوقت إلى مثله، في قول أكثر العلماء.
(و) عدتها (شهرانِ إن كان أمةٌ) لا تحيضُ لصِغر أو إياسٍ، أو مبعضةً
فبالحِسَاب.
[من ارتفع حيضها]
(ومن كانت تحيضُ، ثم ارتفع حيضُها قبل أن تبلغ سن الإِياس، ولم تعلمْ ما
رفعه، فتتربّص تسعةَ أشهر) وهي غالبُ مدّة الحملِ، لتعلم براءَةَ رَحِمِها.
فإذا مضتْ ولم يتبيّن حملٌ عُلِمَ براءة رحمها ظاهراً (ثم تعتدّ عدّةَ
آيسةٍ) وإنما وجبت العدة بعد التسعة الأشهر التي عُلِمَتْ براءتها من الحمل
فيها، لأن عدة الشهور إنما تجب بعد العلم ببراءة الرحم من الحمل، إما
بالصغر، أو الإياس. وههنا لما احتمل، انقطاع الحيض للحملِ، واحتمل انقطاعه
للِإياس، اعتبرنا البراءةَ من الحمل بمضيَ مدتِهِ، فتعيًن كونُ الانقطاع
للإِياس، فأوجبنا عدته عند تعيّنه، ولم نعتبر ما مضى، كما لم نعتبر ما مضى
من الحيض قبل الإِياس، لأن الإِياس طرأ عليه.
(وإن علمت) المعتدة (ما رفَعَه) أي ما رفع الحيض (من مرضٍ، أو رضاعٍ،
ونحوه) كنفاسٍ (فلا تزال متربِّصة) في عدة (حتى يعود الحيض فتعتدّ به) وإن
طال الزمن، لأنها مطلّقة لم تيأس من الدّم، فيجب عليها العدة بالأقراء، وإن
تباعدت، كما لو كانت ممن بين حيضتَيْها مدة طويلة (أو تصيرَ آيسةٌ) يعني أو
تصير إلى سن الإِياس (فتعتد عدة آيسة) نصَّ على ذلك في رواية صالحٍ وأبي
طالب وابن منصور.
تنبيه: فهم من المتن أن المعتدّات خمس:
(2/274)
الأولى: الحامل، وعدتها من موتٍ وغيره إلى
وضع الحمل كله.
الثانية: المتوفّى عنها زوجُها بلا حملٍ منه.
الثالثة: ذات الأقراءِ المفارَقة في الحياة.
الرابعة: من لم تحض المفارقة في الحياة.
الخامسة: من ارتفع حيضها ولم تدر سببه.
زاد في الإِقناع والمنتهى سادسة، وهي امرأة المفقود. وقد ذكرها المؤلف في
الفرائض (1).
فصل [في العدة في غير النكاح الصحيح]
(وإن وطئ الأجنبيُّ بشبهةٍ أو نكاحٍ فاسدٍ أو زناً مَنْ هي في عدّتها أتمت
عدة الأول) سواء كانت عدته من نكاحٍ صحيح، أو فاسدٍ، أو من وطءِ شبهة، ما
لم تحمل من الثاني، فتنقضي عدتها بوضع الحمل قبل أن تُتِمَّ عدة الأول، ولا
يحتسب من عدة الأول مقامها عند الثاني.
للزوج الأول إن كان طلاقُه رجعياً رجعتُها في التتمّة. (ثم تعتدّ للثاني)
لأنهما حقَان اجتمعا لرجلين (2)، فلم يتداخلا. وقُدِّم أسبقهما كما لو
تساويا في مباح غير ذلك.
(وإن وطئها عمداً) من غير شبهةٍ (من أبانَها) في عدّتها منه (فكالأجنبيّ)
أي فكوطءِ أجنبي فَتُتِمُّ العدة الأولى، ثم تبتدئ العدة
__________
(1) انظر 89/ 2.
(2) هذا في حق الزنا مبنيٌّ على أن عدة المرأة من وطء الزنا بثلاث حيضات،
كالمتزوّجة. وهو إحدى الروايتين عن أحمد. والثانية: أنها تستبرأ بحيضة. وهو
قول مالك. وقيل لا عدة عليها أصلاً، لأن العدة لحفظ النسب، ولا يلحق النسب
هنا. وهو قول الحنفية والثوري والشافعي. قلت: عندي أن الثاني أصوب،
فيستبرئها بحيضة ليعلم أنها حامل.
(2/275)
الثانية للزنا، لأنهما عدتان من وطأين يلحق
النسب في أحدهما دون الآخر، فلم يتداخلا، كما لو كانا من رجلين.
(و) إن وطئها مبينُها (بشبهةٍ) في عدّتها منه (استأنفت العدة من أوّلها،)
لأنهما عدّتان من واطئٍ، فتداخلتا.
ومن وُطئتْ زوجتُهُ بشبهةٍ، ثم طلَّقها، اعتدتْ له، ثم تتم للشبهة.
(وتتعدّد العدّةُ بتعدُّد الوطء بالشبهة) لأنهما حقّان مقصودان لآدميّين،
فلم يتداخلا، كالديّنين، لأن كلَّ واحدٍ من الواطئين له حق في عدته، للحوق
النسب في وطء الشبهة (لا) إن تعدّد الواطئُ (بزناً) فإن العدة لا تتعدّد في
الأصح.
(ويحرم على زوج) المرأة (الموطوءة بشبهةٍ أو زناً أن يطأها في فرجٍ ما دامت
في العدة) أي عدة الواطئِ، لأنها عدة، فقُدِّمت على حق الزوج، فمنع من
الوطءِ قبل انقضائها (1).
فصل [في الإِحداد]
يحرم الإحداد فوق ثلاثٍ على ميتٍ غير زوج.
(ويجب الإحداد على) الزوجة (المتوفى عنها زوجها) إن كانت (بنكاحٍ صحيح) لأن
النكاحَ إن كان فاسداً فهي ليست زوجة على الحقيقة الشرعية. والمسلمةُ
والذمّيةُ، والمكلفة وغيرها، فيه سواء، (ما دامت في العدة).
(ويجوز) الإحداد (للبائن) قال في الفروع: إجماعاً. لكن لا يُسنّ
__________
(1) اقرأ العليق السابق. والزاني لا حق له إلا الحجر.
(2/276)
لها. قاله في الرعاية. انتهى.
(والإحداد ترك الزينة، و) ترك (الطيب) وكلِّ ما يدعو إلى جماعها، ويرغّب في
النظر إليها، ويحسِّنها (كالزعفران) ولو كان بها سَقَم، (و) ترك (لُبْسِ
الحليّ، ولو خاتماً) وحلقةً، في قول عامة أهل العلم، لأن الحلي يزيد
حُسْنَها، ويدعو إلى مباشرتها، (و) تركُ (لبس الملوّن من الثياب) لزينةٍ
(كالأحمر، والأصفر، والأخضر)، والأزرق، الصافيين، والمطرّزَ، وما صُبغَ
غَزْلُهُ ثم نُسِجَ فكمصبوغ بعد نسجه؛ (و) ترك (التحسين بالحنّاء) لأنه
يدعو إلى الجماع، أشْبَهَ الحليّ، بل أولى؛ (و) ترك (الأسْفِيدَاجِ) وهو
شيء يُعْمَلُ من الرَّصاص، إذا دُهِنَ به الوجه يربو ويبرق، (و) تركُ
(الاكتحال بـ) الكحلِ (الأسود) بلا حاجةٍ، ولو كانت سوداء، (و) ترك
(الأدّهان بـ) الدهن (المطيّب،) فلا يحلُّ لها استعمال الأدهان المطيّبة،
كدهن الورد، والبنفسج والياسمين والبان. وما أشبه ذلك، لأن الادّهان بذلك
استعمال للطيب، (و) تركُ (تحمير الوجه وحفِّه) ونتفِهِ وتنقيطه والتخطيط.
(ولها لبس) الثوب (الأبيض، ولو) كان (حريراً،) لأن حسنه من أصلِ خلقتِهِ،
فلا يلزم تغييرُه، كما أن المرأة إذا كانت حسنةَ الخلقةِ لا يلزمها أن
تغيّر نفسها في عدة الوفاة وتشوِّهَ نفسها.
ولا تُمْنَعُ من ملوَّنٍ لدفع وسخٍ، كَكُحْلِيٍّ ونحوه، كالأسود والأخضر
الذي ليس بالصافي.
ولا تمنع من نقابٍ، ولا أَخذِ ظفرٍ ونتف إبط وأخذ شعر مندوبٍ إلى أخذه،
وغُسْلٍ.
(وتجب عدة الوفاةِ في المنزل الذي مات زوجُها) وهي ساكنة (فيه) سواءٌ كان
لزوجها، أو بإجارة، أو إعارة، إذا تطوَّع الورثة
(2/277)
بإسكانها فيه، أو السلطان، أو أجنبيّ. وإن
انتقلت إلى غيره لزمها العود إليه (ما لم يتعذَّر) بأن تدعو ضرورة إلى
خروجها منه.
(وتنقضي العدة) أي عدة المتوفّى عنها زوجها (بمضيّ الزمان) الذي تنقضي به
العدة (حيث) في أيّ مكان (كانت)، لأن المكان ليس شرطاً لصحة الاعتداد.
(2/278)
باب استبراء الإمَاء
الاستبراء استفعال من "البراءة"، وهي التمييز والانقطاع، يقال: برئَ اللحمُ
من العظم، إذا قُطِع عنه وفصل منه.
(وهو) أي الاستبراء (واجبٌ في ثلاثة مواضع) لا أكثر:
(أحدها: إذا مَلَكَ الرجل، ولو) كان المالكُ (طفلاً) بأيِّ نوعٍ من أنواعِ
التملُّكات (1) (أُمةً بوطأ مثلُها)، بكراً كانت أو ثيّباً، ولو مسبيَّةً
أو لم تحِضْ، (حتّى ولو) كان (مَلَكَها من) طفلٍ أو (أنثى، أو كان بائعُها
قد استبرأَها، أو باعَ أو وَهَبَ أمتَه ثم عادَتْ إليه) الأمة (بفسخٍ) أو
عيبٍ، أو إقالة، أو خيار، (أو غيرِهِ) كبيعٍ أو هبةٍ، ولو قبل تفرُّقهما عن
المجلس على الأصحِّ. وقال في الإِقناع: إن افترقا.
(وحيثُ انتَقَلَ المِلكُ لم يحلَّ استمتاعُهُ بها، ولو بالقُبْلة، حتى
يستبرئها).
__________
(1) أي بشراء أو هبة أو استيلاء بحق أو إرث أو غيرها. وقد اختلف في هذه
المسألة كثيراً وأعدل الأقوال عندي قول عثمان البتّي أن الاستبراء على
البائع دون المشتري، لأنه لو زوّجها لكان الاستبراء على المُزَوّج دون
الزوج. وأما احتجاج من أوجب على المشتري الاستبراء بحديث ابن عمر أنه - صلى
الله عليه وسلم - قال: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض
حيضةً" فهذا قاله في حق المسبيات خاصة، لأن الأحكام لم تجر على من كنّ
عندهم، بخلاف المشتراة.
(2/279)
(الثاني) من الثلاث مواضع التي يجب فيها
الاستبراء: (إذا ملكَ أمةً، ووطئها، ثم أراد أن يزوّجها، أو) وطئها ثم أراد
أن (يبيعها قبل الاستبراء فيحرم) عليه.
أما إذا أراد أن يزوّجها فإنه يجب عليه استبراؤها وجهاً واحداً (1)، لأن
الزوجَ لا يلزمه استبراءٌ، فيفضي إلى اختلاطِ المِيَاهِ واشتباه الأنساب.
وأما إذا أراد بيعها فإنه يجب استبراؤها على الأصحّ (2)، لأنه يجب على
المشتري الاستبراءُ لحفظِ مائه، فكذلك البائع. ولأنه قبل الاستبراء مشكوكٌ
في صحة البيع وجوازه، ولاحتمال أن تكون أم ولد. فيجب الاستبراءُ لإزالة
الاحتمال. ولأنه قد يشتريها من لا يستبرئُها، فَيُفضي إلى اختلاط المياه
واشتباه الأنساب.
(فلو خالف) بأن زوَّجها، أو باعها، قبل استبرائها (صحَّ البيع) في الظاهر،
لأن الأصل عدم الحمل، (دون النكاح) يعني أن النكاح لا يصحّ، لأن استبراءها
واجب، حفظاً لمائه، فلم يصحّ تزويجها في زمن الاستبراءِ، كالمعتدة.
(وإن لم يطأ) ها (جاز) البيعُ والنكاحُ قبل الاستبراء.
(الثالث) من المواضع الثلاثة التي يجب فيها الاستبراء: (إذا أعتق أمتَهُ)
التي كان يطؤُها قبل استبرائها، أو مات عنها، (أو) أعتَقَ (أمّ ولده، أو
مات عنها، لزمها استبراءُ نفسها إن لم تستبرأ قبل)، لأنها فراشٌ لسيدها،
وقد فارقها بالعتق أو الموت، فلم يجز أن تنتقل إلى فراش غيره قبل
الاستبراء.
__________
(1) وقال الحنفية هنا: له أن يزوّجها دون استبراء.
(2) والرواية الثانية عن أحمد: لا يجب عليه استبراؤها، وهو قول أبي حنيفة
ومالك والشافعي، لأن الاستبراء على المشتري، فلا يجب على البائع. (مغني).
(2/280)
فصل
(و) يحصل (استبراءُ الحامل بوضعِ الحمل) أي بوضعِ ما تنقضي به العدة.
(و) استبراءُ (من تحيضُ بحيضةٍ) كاملة.
(و) يحصل استبراء (الآيسة والصغيرة) التي يوطأ مثلها -أما إذا كانت لا يوطأ
مثلها فلا تستبرأُ، لأن براءةَ رحمها ثابتةٌ بالحس، فلا فائدة في
استبرائها- (و) استبراء (البالغة التي لم تَرَ حيضاً بشهرٍ) لأن الله تعالى
جعل الشهْر مكان الحيضة، ولذلك اختلفت المشهور باختلاف الحيضات، فكانتْ
عدّةُ الحرة الأيسة ثلاثةَ أشهرٍ مكان ثلاثة قروء وعدّة الأمة بشهرين مكان
قرأين.
(و) أما استبراءُ (المرتفعِ حيضُها) ولم تعلم ما رفعه (فعشرة أشهر: تسعةٌ
للحمل، وشهرٌ للاستبراء) بدل الحيض، (والعالمةُ ما رفعه بخمسين سنة وشهرٍ)
قال في المنتهى وشرحه: وإن علمتْ مارَفَعَ حيضها فكحرّة. يعني أنها لا تزال
في استبراءٍ حتى يعود الحيض فتستبرئ نفسها بحيضةٍ، إلا أن تصيرَ آيسةً
فتستبرئ نفسها استبراءَ الآيسات انتهى. وعبارة الإِقناع معناها كالمنتهى
وشرحه.
(ولا يكون الاستبراء إلا بعد تمام مِلْك الأَمَة كلها ولو لم يقبضْها،)
لأنه صَدَق عليه أنَّه مَلَكَها، وجاز له هبتُها ووقفها وعتقُها وتدبيرُها.
فلو ملك بعضَها، ثم مَلَك باقيها لم يُحْتَسَبِ الاستبراءُ إلاَّ من حين
مَلكَها كلَّها.
(فإنْ مَلَكها حائضاً لم يكْتَف بتلكَ الحيضة) التي ملكها فيها، بل لا بدّ
من حيضةٍ مستَقْبَلَةٍ، كما لو طلّقها وهي حائِض.
(2/281)
(وإن ملك) شخصٌ (منْ) أي: أمةً (تلزمها عدة
اكتُفِيَ بها)، لأنّ الاستبراء لمعرفةِ براءةِ الرَّحِمِ، والبراءة قد حصلت
بالعدة، فلا فائدة في الاستبراء بعد العدة، بل هو ضرر على السد بمنعه من
أمته بلا ضرورة.
(وإن ادّعت الأَمة الموروثةُ تحريمها على الوارث بوطء موِّرثه) كما لو
وَرِثَ أمةً عن أبيه، فقالت: أبوك وطئني، صُدِّقَتْ، (أو ادَّعت) الأَمَةُ
(المشتراة أنَّ لها زوجاً صُدِّقت) لأن ذلك لا يعرف إلا من جهتها.
(2/282)
|