نَيْلُ المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب

كتَاب الشهَادَات
واحدتها شهادة. وهي حجّةٌ شرعية تظهر الحق ولا توجبه.
فهي: الإِخبار بما عَلِمه بلفظ أشهد أو شهدت.
(تحمُّل الشهادةِ في حقوق الآدميين) من الأموال وغيرها (فرضُ كفايةٍ) إذا قام به من يكفي سقط عن بقية المسلمين. فإن لم يوجد إلا من يكفي تعيّن عليه، وإن كان عبداً لم يجزْ لسيده منعه. والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} وقد قال ابن عباس وقتادة والربيع: والمراد به التحمُّل للشهادة.
(وأداؤها فرضُ عينٍ) لقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}.
(ومتى تحمَّلها) أي الشهادة الواجبة (وجَبَتْ كتابَتُها) ويتأكد ذلك في حقّ رديء الحفظ، لأن ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب.
(ويحرُمُ أخذ أجرةٍ) عليها، (و) أخذ (جُعْلٍ عليها) أيضاً، ولو لم يتعين عليه، في الأصح، لأن فرضَ الكفايةِ إذا قامَ به البعض وقع منه فرضاً. وذلك لا يجوز أخذ الأجرة والجعْلِ عليه، كصلاة الجنازة.
(لكن إن عجز) من دعي إلى الشهادة (عن المشي) إلى محلها، (أو تأذّى به) أي بالمشي (فله أخذ أجرةِ مركوبٍ) قال في الإِنصاف:

(2/470)


حيث قلنا بعدم الأخذ، فإن عجز عن المشي، أو تأذّى به، فله أخذ أجرةِ مركوبٍ.
(ويحرم كَتْمُ الشهادة) إذا كانت بحقِّ آدميٍّ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}.
(ولا ضمان) (1).
(ويجب الإِشهاد في عقد النكاح خاصّةً) لأن الإِشهادَ شرطٌ فيه. فلا ينعقد بدونه.
(ويسنّ) الإشهاد (في كلّ عقدٍ سواهُ) أي النكاح، كالبيع، والإِجارة، والرهن، ونحو ذلك، لأن ذلك ليس من شرطه الإِشهاد. ويحمل قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} على الاستحباب، لأنه قال بعده: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} وهذا إنما يكون مع عدم الشهادة (2).
(ويحرم أن يشهد) أحدٌ (إلا بما يعلمه) بدليلِ قوله تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قال المفسرون هنا: وهو يعلم ما شهد به عن بصيرة وإتقان (برؤية أو سماع) غالباً، لجوازها ببقيّةِ الحواسّ، كالذوق واللمس.
(ومن رأى شيئاً بيد إنسان يتصرّف فيه مدةً طويلةً) عرفاً (كتصرُّف
__________
(1) قوله ولا ضمان: أي على كاتم الشهادة إذا تعذّر الحق بدونها. وإنما يأثم بذلك (عبد الغني) وقال: "هذا ما ظهر لي من هذه العبارة. وفي الحاشية: قوله: ولا ضمان. أي لا يضمن من بان فسقه من الشهود اهـ. وفيه نظر لأنه لم يتقدم لمن بان فسقه ذكر فتنبه" انتهى كلام الشيخ عبد الغني.
(2) عجباً مع تأكيد الله تبارك وتعالى على كتابة الدين وقوله {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ - الآية} يدعي الشارح أن ذلك على الاستحباب!! أما آخر الآية وهو قوله {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا .. } فإنما ذلك في السفر عند عدم وجود الكاتب. فلا يصلح حجة لعدم الكتابة عند تيسرها وقد جعل بعض الفقهاء الشهادة ركناً في النكاح بأقل من هذا التأكيد والوجوب قول الطبري وابن جريج.

(2/471)


المُلاّك) في أملاكهم (من نقضٍ وبناءٍ وإجارةٍ وإعارةٍ فله) أي جاز له (أن يشهد له بالملك) لأن التصرُّفَ فيه على هذا الوجه من غير منازِعٍ يدلُّ على صحةِ الملك، فجاز أن يشهد به، كمعايَنَةِ السبب من بيع وإرث (والورع أن يشهد باليد والتصرف) لأنه أحوط، خصوصاً في هذه الأزمنة. وإن لم يره يتصرف كما ذكر مدةً طويلة شهد باليد والتصرف.

فصل
(وإن شهدا) أي الشاهدان (إنه طلق من نسائه واحدة) أو أنه أعتق أو أبطل من وصاياه واحدةً (ونسيا عَيْنَها لم تقبل) هذه الشهادة، لأنها شهادة بغيرِ معيَّنٍ، فلا يمكن العمل بها، فلم تقبل، كما لو قال: أشهَدُ أن إحدى هاتين الأمَتَيْنِ مُعتَقة. قاله في شرح المنتهى.
(ولو شهد أحدهما أنه أقرّ له بألفٍ، و) شهد (الآخر أنه أقر له بألفين، كملت) البينة (بألفٍ) واحدٍ لاتفاقهما عليه، (وله) أي المشهودُ له (إن يحلف على الألفِ الآخر مع شاهدٍ ويستحقُّه) وهذا فيما إذا أطلق الشهادة ولم تختلف الأسباب والصفات.
(وإن شهدا) أي الشاهدان على إنسانٍ (أنّ عليه ألفاً) لزيد، (وقال أحدهما: قضاه بعضه بطلت شهادته) نصّ عليه. وذلك لأنه شهد بأن الألف جميعه عليه، فإذا قضاهُ بعضَه لم يكن الأَلْفُ كله عليه، فيكون كلامه متناقضاً، فتفسد شهادته.
(وإن شهد أنه أقرضه ألفاً، ثم قال أحدهما: قضاه نصفَهُ، صحَّتْ شهادتهما) لأنّ ذلك (1) رجوعٌ عن الشهادةِ بخمسِمائةٍ، وإقرار بغلط
__________
(1) "ذلك" إشارة إلى قوله "قضاه بعضه" في المسألة الأولى، وقوله "وهذا لا يقول .. " إشارة إلى المسألة الثانية (عبد الغني).

(2/472)


نفسه، وهذا لا يقول ذلك على وجه الرجوع.
والمنصوص عن أحمد أن شهادته تقبل بخمسمائة، فإنه إذا شهد بالألف، ثم قال أحدهما قبل الحكم: قضاه منه خمسمائة، أفسد شهادته في الخمسمائة، وللمشهود له ما اجتمعا عليه، وهو خمسمائة. فصحّح شهادته في نصف الألف، وأبطلها في النصف الذي ذكر أنه قضاه، لأنه بمنزلة الرجوع عن الشهادة به.
ولو جاء بعد هذا المجلس، فقال: إنه قضاه منه خمسمائة، لم يقبل منه، لأنه قد أمضى الشهادة. قال في شرح المقنع: هذا يحتمل أنه أراد: إذا جاء بعد الحكم، فشهد بالقضاء، لم يقبل منه.
(ولا يحل لمن) تحمَّلَ شهادةً بحقٍّ إذا (أخبره عدلٌ باقتضاء الحق) أو انتِقالِهِ (أن يشهد به) قال في الإِنصاف: لو شهد عند الشاهِدِ عدلان أو عدلٌ أنه اقتضاه ذلك الحقّ، أو قد باع ما اشتراه، لم يشهد له. نقله ابن الحكم. وسأله ابن هانئ (1): لو قضاه نصفَهُ، ثم جحد بقيته، أَلهُ أن يدّعيَهُ، أو بقيَتَهُ؟ قال: يدعيهِ كلَّه, وتقومُ البينةُ فتشهد على حقِّه كله، فيقول للحاكمِ قضاني نصفه. انتهى.
(ولو شهد اثنان في جمعٍ من الناس على واحدٍ منهم أنه طلَّق أو أعتقَ أو شهدَا على خطيبٍ أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئاً ولم يشهد به أحدٌ غيرهَما) مع المشاركة في سمع وبصر (قبلت شهادتهما) ذكره في المغني وغيره.
__________
(1) يعني: سأل الإِمام أحمد عن ذلك ..

(2/473)


باب شرُوط مَن تقبَل شَهَادته
وذلك لأنه لو لم يعتبر لقبولِ الشهادةِ شروطٌ يغلِبُ على الظنّ صدقُ الشاهد مع توافر الشروط فيه، لأدّى ذلك إلى أن يشهد الفجَّار بعضهم لبعضٍ، فتؤخَذُ الأموال بذلك بغير حق ولا سابق ملك. فلذلك اعتُبِر أحوالُ الشهود بخلوّهم عما يوجِبُ التهمة فيهم، ووجودِ ما يوجب تيقُّظَهم وتحرُّزهم.
(وهي) أي الشروط المعتبرة لذلك (ستة):
(أحدها: البلوغ، فلا شهادة) مقبولة (لصغيرٍ) ذكرٍ أو أنثى (ولو اتَّصَفَ) الصغيرُ (بالعدالة) لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} والصبي لا يسمى رجلاً. ولأنه غير مقبول القول في حقّ نفسه، ففي حق غيره أولى، ولأنه غير كامل العقل فهو في معنى المعتوه (1).
(الثاني: العقل) وهو نوع من العلوم الضرورية يستعدّ به لفهمِ دقيقِ العلوم، وتدبير الصنائع الفكرية.
__________
(1) هذه الرواية المقدمة. وعن أحمد رواية أخرى، ويوافقها قول الإِمام مالك: إن شهادتهم تقبل في الجراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحالة التي تجارحوا عليها لأن الظاهر صدقهم وضبطهم. (مغني).

(2/474)


والعاقل من عرفَ الواجبَ عقلاً الضروريّ وغيره، والممكن، والممتنع، كوجودِ الباري سبحانه وتعالى، وكونَ الجسم الواحد ليس في مكانين، واستِحَالة اجتماعِ الضدّين، وكونَ الواحد أقل من الاثنين، وعرف ما ينفعه وما يضره غالباً.
(فلا شهادةَ) مقبولة (لمعتوهٍ ومجنونٍ) إلا من يُخْنَقُ أحياناً إذا شهد في إفاقته.
(الثالث: النطق)، أي كونُ الشاهِدِ متكلِّماً. وقال مالك والشافعي وابن المنذر: تقبل الشهادة من الأخرس إذا فُهِمَتْ إشارته، لقيام الإِشارة منه مقام نطقه في أحكامِهِ من طلاقِهِ ونكاحِهِ وغيرهما.
(فلا شهادةَ) مقبولةٌ (لأخرس) نص على ذلك أحمد رضي الله تعالى عنه (إلا إذا أدَّاها) الأخرس (بخطِّه) في الأصح. واختاره في المحرَّر (1). قال في الإِنصاف: قلت: وهو الصواب.
(الرابع: الحفظ) لأن من لا يحفظُ لا تحصل الثقةُ بقوله، ولا يغلِب على الظن صدقُه، لاحتمال أن تكون من غَلَطِهِ.
إذا تقرر هذا (فلا شهادة) مقبولةٌ (لمغفَّلٍ، و) لا (معروفٍ بكثرة غلطٍ وسهو).
وعلم مما تقدّم أنها تقبل ممن يَقِلُّ منه الغلط والسهو، لأن ذلك لا يسلم منه أحد.
(الخامس: الإِسلام، فلا شهادة) مقبولةٌ (لكافر، ولو) كانت شهادته (على مثله) إلّا رجالَ أهل الكتاب بالوصية في السفر، ممن حضره الموت، من مسلمٍ وكافرٍ عند عدمِ مسلمٍ، فتقبل شهادتهم في هذه
__________
(1) في (ف). "المجرّد". وهو للقاضي أبي يعلى. أما "المحرّر" فهو لمجد الدين ابن تيمية.

(2/475)


المسألة فقط، ولو لم يكن لهم ذمة. ويحلِّفهم الحاكم وجوباً بعد العَصْر مع ريْبٍ: ما خانوا. ولا حرّفوا. وإنها لوصيةُ الرجل. فإن عثر على أنهما استحقا إثماً حلف اثنانِ من أولياءِ المُوصي: بالله لشهادتنا أحقّ من شهادتهما، ولقد خانا وكَتَما. ويقضى لهم.
(السادس: العدالة) ظاهراً وباطناً.
وهي استواءُ أحوالِهِ في دينه، واعتدالُ أقوالِهِ وأفعاله.
(ويعتبر لها شيئان):
[الأول:] الصلاح في الدين، وهو:
1 - (أداء الفرائض برواتبها) أي بسننها الراتبة في الأصح. وأومأ إلى ذلك أحمد، بقوله فيمن يواظب على ترك سنة الصلاة: رَجُلُ سوءٍ، فلا تقبل ممن داوم على تركِها، لفسقه. قال القاضي أبو يعلى: من داوم على ترك السنن الراتبة آثمٌ. وعلم منه أن الشهادة ممن تَرَكهَا في بعض الأيام مقبولة.
2 - (واجتناب المحرم) لأنّ من أدّى الفرائضَ، واجتنب المحارم عدّ صالحاً عرفاً (بأن لا يأتي كبيرةً ولا يُدْمِنَ على صغيرة) والكذبُ صغيرةٌ، إلاَّ في شهادةِ زورٍ، وكذبٍ على نبيّ، ورمي فتنةٍ، وكذبٍ على أحد الرّعيةِ عند حاكمٍ ظالمٍ، فكبيرة.
ويجب لتخليصِ مُسْلمٍ من قتلٍ. ويباح لِإصلاحٍ، وحربٍ، وزوجةٍ فقط.
والكبيرة ما فيه حَدٌّ في الدنيا، كالزنا والسرقة، أو وعيدٌ في الآخرة كالربا، وأكلِ مال اليتيم، وشهادةِ الزور، وعقوقِ الوالدين، وما أشبه ذلك. زاد الشيخ: أو غصبٍ أو لعنٍ أو نفي إيمانٍ.
(الثاني:) مما يعتبر للعدالة: (استعمال المروءة) ويكون استعمالها

(2/476)


(بفعل ما يجمِّله ويزينه) في العادة، كالسّخاء وحسن الخلق، وبذل الجاه، وحسن المجاورة، ونحو ذلك، (وترك ما يدنسه ويشينه) في العادة من الأمور الدنيئة المزرية به.
(فلا شهادة) مقبولة (لمتمسخِر، ورقّاص، ومُشَعْبِذ (1)) ومُغَنٍّ -ويكره الغناء، واستماعه- وطفيلي ومتزيٍّ بزيّ يُسخَر منه، ولا لشاعِرٍ يُفْرط في مدحٍ بإعطاءٍ، أو يُفْرِطُ في ذمٍّ بمنع، أو يشبّبُ بمدحِ خمرٍ أو بأمرد، أو بامرأة معينةٍ محرّمة. ويفسَّقُ بذلك، (ولاعبِ بشطرنجٍ) غيرَ مقلَّدٍ، كمع عوضٍ أو تركِ واجبٍ، أو مع فعلٍ محرّم إجماعاً. (ونحوِه) كلاعبِ بنردٍ.
(ولا) شهادة مقبولةً (لمن يمدّ رجليه بحضرة الناس، أو يكشفُ من بدنه ما جرت العادة بتغطيته، كصدره وظهره، أو يحدّث بمباضعة أهله،) أو زوجته، أو أمتِهِ، أو يخاطبهما بخطابِ فاحشٍ بين الناس.
(ولا) شهادة مقبولةً (لمن يحكي المضْحِكات، ولا) شهادة مقبولة أيضاً (لمن يأكل بالسوق) شيئاً كثيراً. (ويغتفر اليسير كاللُّقمة والتفاحة) ونحوهما من الأشياء اليسيرة.

فصل
(ومتى وجد الشرط) أي شرط قبول الشهادة ممن منعنا قبولها منه قبل وجود المشروط (بأن بَلَغ الصغير، وعَقَل المجنون، وأسلم الكافر، وتاب الفاسق، قبلت الشهادة بمجرد ذلك) لأن ردّها إنما كان لمانعٍ، وقد زال.
وعنه: يعتبر في التائِبِ إصلاحُ العمل سنة (2).
__________
(1) الشعبذة، ومثلها الشَّعْوَذة، خفّة في اليدين، كالسّحر (ش. المنتهى).
(2) أي سنة كاملة تظهر فيها توبته ويتبيّن فيها صلاحه، ولا تقبل شهادته قبل تمام السنة.

(2/477)


(ولا تشترط) في الشاهد (الحرّية. فتقبل شهادةُ العبد والأمة، في كل ما تقبل فيه شهادة الحرّ والحرّة) لعموم آيات الشهادة، وهو داخلٌ فيها، فإنه من رجالنا، وهو عدل، تقبل روايته وفتواه وأخباره الدينية، ولأن القِنّ إذا كان عدلاً غيرُ متَّهم، فإن شهادته مقبولة كالحرّ.
(ولا يشترط كون الصناعة) أي صناعة الشاهد (غيرَ دنيئَةٍ) عرفاً، فتقبل شهادة حجّامٍ، وحدّادٍ، وزبالٍ، وقَمّامٍ وكناسٍ وكبّاش وقرّاد (1) وصبّاغ ودبّاغ وجمّال وجزّار وحائكٍ وحارسٍ وصائغٍ، إذا حسنت طريقتهم.
وتقبل شهادة ولد الزنا حتى به، وبدويّ وقرويّ (2).
(ولا) يشترط كونه أي الشاهد (بصيراً، فتقبل شهادة الأعمى) في المسموعات، (بما سمعه، حيث تيقَّنَ الصوت) أي صوت المشهود عليه. روي عن عليّ وابن عباس، أنهما أجازا شهادة الأعمى. ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، لحصول العلم له بذلك، (وبما رآه قبل عماه) إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه. فإن لم يعرفه إلا بعينه قبلت شهادته إذا وصفه الأعمى للحاكم بما يتميّز به.
وتجوز شهادة الأعمى أيضاً بالاستفاضة.
__________
(1) الكبّاش مربي الكِبَاش، والقرّاد مربي القرود.
(2) كذا في الأصول. ولكن في شرح المنتهى ومنار السبيل "وبدوي على قروي" وهو أولى. وإنما يذكرون هذه المسألة لما روى أبو داود من حديث أبي هريرة "لا تقبل شهادة بدوي على صاحب قرية" قال في شرح المنتهى. وهو محمول على من لم تعرف عدالته من أهل البادية. اهـ. وفي المغني: مذهب أبي عبيد الأخذ بظاهر الحديث.
وقال ابن مالك في الجراح احتياطاً للدماء. اهـ.

(2/478)


باب مَوَانِع الشهَادة
الموانع جمع مانع، من مَنَعَ الشيءُ إذا حال بينه وبين مقصوده.
فهذه الموانع تحول بين الشهادة ومقصودِها فإنّ المقصود من الشهادة قبولها والحكمُ بها.
(وهي) أي موانع قبول الشهادة (ستة):
(أحدها: كونُ الشاهِدِ أو بعضِهِ ملكاً لمن شهد له) لأن نفقته على سيده إن كان واحداً، أو على جميع المشتركين فيه، فهو كالأب مع ابنه. (وكذا لو كان زوجاً، ولو) كان (في الماضي) يعني ولو كانت شهادة أحد الزوجين للآخر بعد الطلاق البائن، أو الخلع. قال في التنقيح: ولو بعد الفراق. وقال في المبدع: ظاهره ولو بعد الفراق. انتهى (أو كان) المشهود له (من فروعه وإن سفلوا من ولد البنين و) ولد (البنات، أو من أصولهِ) فلا تقبل شهادة والدٍ لولده ولا ولدٍ لوالده على الأصح. وسواءٌ في ذلك ولد البنين وولد البنات، وسواءٌ في ذلك الآباء والأمهات والأجداد والجدّات وآباؤهما وأمهاتهما من قبل الأم والأب (وإن علوا) ولو لم يَجُرَّ بها نفعاً غالباً، كعقدِ نكاحٍ أو قذْفٍ.
(وتقبل) شهادة الشاهد (لباقي أقاربه كأخيه) وعمّه. قال ابن المنذر: أجمع أهلُ العلم على أن شهادةَ الأخِ لأخيه جائزة، لأنه عدل

(2/479)


غير متهم، فتقبل شهادته، كالأجنبي. ولا يصحّ القياس على الوالد والولد لأن بينهما بعضِيَّةً وقرابة قوية، بخلاف الأخ. وأما العم ونحوه كالخال فإنه لما أجيزت شهادة الأخ مع قربه كان ذلك تنبيهاً على قبول شهادة من هو أبعد منه بطريق الأولى.
(وكل من) قلنا (لا تقبل) شهادته (له) كعمودي النسب ونحو ذلك مما قلنا لا تقبل شهادته له (فإنها) أي فإن شهادته (تقبل عليه) لأنه لا تُهمةَ، فوجب أن تقبل عليه كغيره.
(الثاني) من موانع الشهادة: (كونه) أي الشاهد (يجرّ بها نفعاً لنفسه، فلا تقبل شهادتُهُ) أي الإِنسان (لرقيقِهِ) ولو كان مأذوناً له (ومكاتَبِهِ) لأن المكاتَبَ رقيق، (ولا) شهادتُهُ (لمورّثه بجرحٍ قبل اندمالِهِ) فإنها لا تقبل، لأنه ربما يسري الجرْحُ إلى النفس، فتجب الدية للشّاهِدِ بشهادتِهِ، فيصير كأنه شهد لنفسه.
(ولا) شهادته (لشريكه فيما هو شريك فيه) قال في المبدع: لا نعلم فيه خلافاً، لاتّهامه، وكذا المُضارِب بمال المضاربة. انتهى.
(ولا) شهادته (لمستأجره فيما استأجره فيه) نص عليه ومن أمثلة ذلك لو استأجر إنسان قصاراً على أن يقصر له ثوباً ثم نوزع في الثوب فشهد القصار أنه ملك لمن استأجره على قصارته فإنها لا تقبل.
(الثالث) من موانع الشهادة: (أن يدفع بها) أي أن يدفع الشاهد بشهادته (ضرراً عن نفسه، فلا تقبل شهادةُ العاقلة بجَرْحِ شهودِ قتل الخطأ) لأنهم متّهمون، لما في ذلك من دفع الدية عن أنفسهم، حتى ولو كان الشاهد بالجرح فقيراً أو بعيداً في الأصح، لجوازِ أن يوسر، أو يموتَ من هو أقربُ منه.
(ولا) تقبل (شهادةُ الغرماءِ بجرح شهودِ دَيْنٍ على مفلسٍ) لما في

(2/480)


ذلك من توفير المال عليهم. وكشهادة الوليّ بجرح الشاهد على من في حِجْرِهِ، وكشهادة الشريكِ بجرحِ الشاهد على شريكه، للتهمة. (ولا شهادةُ الضّامن لمن ضمنه بقضاء الحق أو الإِبراء منه).
(وكلّ من لا تقبل شهادته له، لا تقبل شهادته بجرح شاهد عليه) كالسيد يشهد بجرحٍ من شهد على مكاتَبِهِ أو عبده بدين، لأنه متهم فيها، لما يحصل بها من دفع الضرر عن نفسه، فكأنه شهد لنفسه. وقد قال الزهري: مضت السنّة في الإِسلام أن لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين -أي متّهم-
(الرابع): من الموانع (العداوة) ويعتبر كونها (لغير الله) سبحانه (وتعالى، كفرحه بمساءته، أو غمّه لفرحه، وطلبه له الشّرّ) قال في الفنون: اعتبرتُ الأخلاق، فإذا أشدُّها وبالاً الحَسَدُ. وقال ابن الجوزي: الإِنسان مجبول على حب الترفع على جنسه. وإنما يتوجه الذم إلى من عمل بمقتضى التسخّط على القدر، وينتصب لذمّ المحسود. قال: وينبغي أن يكره ذلكَ من نفسه. قال في الفروع: وذكر شيخنا أن عليه أن يستعمل معه التّقْوى والصَّبْر، فيكْرَهُ ذلك من نفسه، ويستعمل معه الصبر والتقوى. وذكر قول الحسن: لا يضرّك ما لم تَعْدُ بهِ يداً أو لساناً. قال: وكثير ممن عنده دينٌ لا يعينُ من ظَلَمَهُ، ولا يقومُ بما يجب في حقّه، بل إذا ذمّهُ أحد لم يوافقه، ولا يذكر محامده (1). وكذا لو مدحه أحد لسَكَتَ. وهذا مذنب في ترك المأمور لا معتدٍ. وأما من اعتدى بقولٍ أو فعلٍ فذلك يعاقَبُ. ومن اتقى وصَبَرَ نفعه الله بتقواه. وفي الحديث: "ثلاث لا ينجو منهنَّ أحد: الحسد، والظن، والطيرة. وسأحدِّثكم بالمخرج من ذلك: إذا حسدتَ فلا تَبْغِ، وإذا ظَنَنْتَ فلا
__________
(1) يراجع الفروح للتحقق من النص.

(2/481)


تحقَّقْ، وإذا تَطَيَّرْتَ فامضِ" (1) انتهى.
(فلا تقبل شهادته على عدوه، إلا في عقد النكاح) لأن العدو متّهم في حقّ عدوه، وفاقاً لمالك والشافعي.
(الخامس) من الموانع: (العصبيّة، فلا شهادةَ لمن عُرِفَ بها، كتعصّب جماعةٍ على جماعةٍ، وإن لم تبلغْ رتبة العداوة)، وبالإِفراط في الحميّة. قال في الإِنصاف عن صاحب الترغيب: ومن موانعها العصبيّة، فلا شهادةَ لمن عُرِفَ بها، وبالإفراط في الحميّة، كتعصُّبِ قبيلةٍ على قبيلةٍ وإن لم تبلغ رتبة العداوة. انتهى.
(السادس) من موانع الشهادة: (أن تردّ شهادته) أي الشاهد (لفسقِهِ، ثم يتوبُ ويعيدُها) فلا تقبل لتهمته في أدائه، لكونه يُعير بردّها، فربّما قَصَد بأدائها أن تقبل، لإِزالة العار الذي يلحقه بردّها. (أو) يشهد إنسانٌ (لمورّثه بجرح قبل برئِهِ) ثم ترد، (ثم يبرأُ ويعيدُها) أي الشهادة، (أو تردّ) شهادته (لدفع ضررٍ، أو جلب نفعٍ أو عداوة أو ملكٍ، ثم يزول ذلك) المانع، (وتعادُ)، فلا تقبل شَهادته (في الجميع) لأن ردّها كان باجتهادِ الحاكم فلا ينقض باجتهادِ الثاني، ولأنها رُدَّتْ للتهمة، أشبهت المردودةَ للفسق (2). (بخلاف ما لو شهد وهو كافر، أو) شهد وهو (غير مكلّف، أو) شهد حال كونه (أخرس، ثم زال ذلك) المانع بأن أسلم الكافر أو بلغ الصغير أو زال الخرس (وأعادوها) بعد ذلك فإنها تقبل، لأن ردها في الحالات المذكورة لا غضاضة فيها، فلا يقع تهمة، بخلاف المسائل التي قبلها.
__________
(1) حديث "ثلاث لا ينجو منهن أحد .. الخ." رواه ابن عدي بلفظ "إذا حسدتم فلا تبغوا الخ". قال الشيخ الألباني "ضعيف جداً".
(2) وفي وجه آخر: يقبل كلُّ ذلك. قال في الإِنصاف: وهو المذهب اهـ. (ش. المنتهى).

(2/482)


باب أقسام المشهوُد بهِ مِن جهَةِ عَدَد الشهُود
لأن عدد الشهود يختلف باختلاف المشهود [به].
قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} هذا في الأموال. وفي الزنا قوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} فدل هذا على اعتبار العدد في الجملة.
(وهو ستة):
(أحدها: الزنا) وهو موجبٌ للحدّ، كاللواط (فلا بدّ) في ثبوته (من أربعةِ رجالٍ) عُدولٍ ظاهراً وباطناً (يشهدونَ به) أي بالزنا واللواط (وأنهم رأوْا ذكره في فرجها. أو يشهدون) أي الأربعةِ (أنه) أي المشهود عليه بذلك (أقرّ أربعاً) أي أربعَ مراتٍ بذلك.
القسم (الثاني: إذا ادّعَى مَنْ عُرِفَ بغنًى أنه فقيرٌ ليأخذ من الزكاة، فلا بد من ثلاثةِ رجال).
القسم (الثالث: القود) أي ما يوجبه، (والإِعسار، وما يوجب الحدّ) كحدّ القذف وحد الشرب؛ (و) ما يوجب (التعزير) كوطءِ بهيمةٍ، أو أمةٍ مشتَرَكَةٍ، (فلا بدّ من رجلينِ).
(ومثله) أى ما ذكر من اشتراط شهادة رجلين (النكاحُ والرجعةُ والخلعُ والطلاقُ والنسبُ والولاء والتوكيل في غير المال) وتعديلُ شهودٍ،

(2/483)


وجرحهم، وإيصاءٌ في غير مال، لأن ما ذكر ليس بمال، ولا يقصد به المال، ويطلع عليه الرجال، فلم يكن للنساء في شهادته مدخل، كالحدود والقصاص. قال القاضي: المعوّل عليه في المذهب أن هذا لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين. ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال. وقد نص الإِمام أحمد رحمه الله تعالى ورضي عنه في رواية الجماعة على أنه لا تجوز شهادةُ النساء في النكاح والطلاق.
القسم (الرابع: المال وما يقصد به المال، كالقَرْض والرهن والوصية والعِتق والتدبير والوقف والبيع) والوديعةِ والغَصْبِ والإِجارة والشركة والحوالة والصلح والهبة والكتابة، وعاريةٍ وشفعةٍ وإتلافِ مالٍ وضمانِهِ وأجلٍ في بيعٍ وخيار (وجنايةِ الخطأ) ونحو ذلك مما يقصد به المال.
(فيكفي فيه رجلان، أو رجل وامرأتان) لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} وسياق الآية يدل على اختصاص ذلك بالأموال، (أو رجل ويمينٌ) لما روى ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "قَضَى باليمينِ مع الشاهد" رواه أحمد وابن ماجه.
وكل موضع قبل فيه شاهد ويمين لا فرق فيه بين كون المدعي مسلماً أو كافراً، عدلاً أو فاسقاً، رجلاً أو امرأةً. قاله في الإِقناع (لا امرأتانِ ويمينٌ) يعني أنه لا يثبت المال بشهادةِ امرأتينِ مكان رجل ويمين، لأن النساء لا تقبل شهادتهن في الأموال منفردات.
(ولو كان لجماعةٍ حق بشاهدٍ) واحد (فأقاموه فمن حلف أخذ نصيبَهُ) لكمال النصاب من جهته. (ولا يشاركه) فيما أخذه (من لم يحلفْ) لأنه لا حقّ له فيه، لأنه لم يجب له شيء قبل حلفه.
القسم (الخامس: داءُ دابّةٍ، وموضحةٌ ونحوهما) كداءٍ بالعين،

(2/484)


(فيقبل) في ذلك (قولُ طبيبٍ) واحد (وبيطارٍ واحد) وكحّال واحدٍ (لعدم غيره، في معرفته) أي معرفة ما تقدم ذكره. فإن لم يتعذر بأن كان بالبلد أكثر من واحد يعلم بذلك فاثنان. (وإن اختلف اثنان) بأن قال أحدهما بوجود الداءِ، وقال الآخر بعدمه (قُدم قول المثبت) على قول النافي لأنه يشهد بزيادة لم يدركها النافي.
القسم (السادس) من أقسام المشهود به: (ما لا يطلع عليه الرجال غالباً، كعيوبِ النساء تحت الثياب) والاستهلال (والرضاعِ والبكارة والثيوبةِ والحيض) قال في شرح المنتهى: فيدخل في ذلك: البرص في الجسد تحت الثياب، والرَّتَقُ والقَرَنُ والعفَلَ ونحو ذلك (وكذا جراحةٌ وغيرها في حمّام وعرسٍ ونحوهما مما لا يحضره الرجال، فيكفي فيه امرأةٌ عَدْلٌ) على الأصحّ (والأحوط اثنتان) لما روى حذيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادةَ القابلةِ وحدها. ذكره الفقهاء في كتبهم. وروى أبو الخطاب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجزئ في الرضاعِ شهادةُ امرأةٍ واحدةٍ لأن ذلك معنًى يثبت بقول النساءِ المنفردات، فلا يشترط فيه العدد، كالرواية، وأخبار الدياناتِ.
وإن شهد بما يقبل فيه شهادة الواحدة رجل كان أولى، لكماله.

فصل
(فلو شهد بقتل العمد رجلٌ وامرأتان لم يثبت شيء) يعني لا قصاصٌ ولا ديةٌ، لأن قتل العمد يوجِبُ القصاصَ، والمال بدلٌ منه. فإذا لم يثبت الأصل لم يجب البدل. وإن قلنا موجبه أحد شيئين لم يتعيّن أحدهما إلا باختيار، فلو أوجبنا بذلك الدية أوجبنا معيّناً بدون الاختيار.
(وإن ادعى رجل على آخر أنه ضرب أخاه بسهمٍ عمداً فقتله،

(2/485)


ونفذ إلى أخيه الآخر فقتل خطأ، وأقام بذلك شاهداً وامرأتين، أو شاهداً وحلف معه، ثبت قتلُ الثاني لأنه خطأ موجَبُهُ المال، ولم يثبت قتل الأوَّل لأنه عمد موجَبُهُ القصاص.
(وإن شهدوا) أي الرجلُ والمرأتان (بسرقةٍ ثبتَ المالُ) لكمال بينته (دون القطع)، لأن السرقة توجب المال والقطع، فإذا قصرت البينة عن أحدهما ثبت الآخر.
(ومن حلف بالطلاقِ أنه ما سرق، أو) حلف أنه (ما غصب ونحوه) كما لو حلف بالطلاق أنه ما باع أو ما اشترى، أو ما وهب، أو ما قتل (فثبت فعلُه) أي فعل ما حلف على عدمه (برجلٍ وامرأتينِ، أو برجلٍ ويمينٍ، ثبت المال ولم تطلق) زوجته في الأصح، لأنه لم تكمل البيّنة المثبِتةُ للطلاق. وإن شهد رجل وامرأتان لرجل، أو رجل وحلف معه يميناً أن فلانةَ أمُّ ولده، وولدُها منه. قضي له بالجارية أمَّ ولدٍ، ولا تثبت حرية وَلَدِهَا ولا نَسَبُهُ.
تتمة: لو وُجِدَ على دابةٍ مكتوبٌ: حبيسٌ في سبيل الله، أو على حائط دارٍ (1)، أو على أُسْكُّفَةِ بابِ دارٍ: وقفٌ، أو: مَسْجِدٌ، حكم به.
__________
(1) قوله "أو على حائط دار" زيادة ثابتة في (ف).

(2/486)


(بَاب الشهَادة عَلى الشهَادة)
وباب الرجُوع عَن الشهَادَة
(و) بَاب (صِفَة أدائهَا) (1)
أي الألفاظ التي يحصل بها أداء الشهادة.
قال جعفر بن محمد: سمعت أحمد رضي الله تعالى عنه يُسأل عن الشهادة على الشهادة، فقال: هي جائزة. وكان قومٌ يسمُّونها التأويل (2). قال أبو عبيد: أجمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة في الأموال. والمعنى شاهد ذلك، والحاجة داعيةٌ إليها، لأنه لما كانت الشهادة وثيقةً مستدامةً لحفظ الأموال والاحتياط في تحصيلها، لأنه ربما مات المُقِرُّ بها فتعذَّر الرجوع إلى إقراره واستيفاء الحق ممن هو عليه، جوزوا الإِشهاد عليه لهذا المعنى.
(الشهادةُ على الشهادة) أي صورةُ تحمُّلِها (أن يقول: اشهدْ يا فلان على شهادتي أنّي أشهد أنّ فلانَ بن فلانٍ أشهدني على نفسه) بكذا، (أو: شهدت عليه) بكذا، (أو أقر عندي بكذا).
(ويصحّ أن يشهد على شهادة الرجلين رجلٌ وامرأتان، ورجلٌ وامرأتانِ على مثلهم) أي على رجلٍ وامرأتين، (وامرأةٌ على امرأةٍ فيما
__________
(1) حل المتن بهذه الطريقة غير سليم، لأنه باب واحد لا ثلاثة أبواب. وقد تقدم مثل ذلك.
(2) هذه التسمية غريبة. ولعل في العبارة تحريفاً. ولم نجدها فيما لدينا من الأصول.

(2/487)


تقبل فيه) شهادة (المرأة) أي في المال وما يقصد به المال (1) لأن لهن مدخلاً فيه.
(وشروطها) أي تحمُّل الشهادة على الشهادة (أربعة):
(أحدها: أن تكون في حقوق الآدميّين،) فلا تقبل في حقوق الله تعالى، لأن الحدودَ مبنيَّةٌ على السَّتْرِ والدَّرء بالشبهات والإِسقاط بالرجوعِ عن الإِقرار، والشهادةُ على الشهادةِ فيها شبهةٌ، فإنّها يتطرّق إليها احتمالاتُ الغلط والسهو والكذب في شهود الفرع، مع احتمالٍ زائدٍ لا يوجد في شهود الأصل، وهو معتبر، بدليل أنها لا تقبل مع القدرة على شهود الأصل، فوجب أن لا تقبل فيما يُدْرَأ بالشبهات.
(الثاني: تعذَّر) شهادةِ (شهودِ الأصل بموتٍ أو مرضٍ أو خوفٍ) من سلطانٍ أو غيرِهِ (أو غيبةٍ مسافَةَ قصرٍ) لأنه إذا أمكن الحاكمَ أن يسمع شهادة شاهدي الأصل، استغنى عن البحث عن عدالة شاهدي الفرع عليهما (2)، وكان أحْوَطَ للشهادة، فإن سماعه من شهود الأصل معلوم، وصدقُ شاهدي الفرع عليهما مظنون، والعمل باليقين مع إمكانه أولى من اتباع الظن. ولأن شهادة الأصل تُثْبتَ نفسَ الحق وشهادة الفرع إنما تُثْبتُ الشهادةَ عليه؛ (ويدومَ تعذُّرُهم) أي تعذُّر شهود الأصل (إلى صدور الحكم).
إذا علمت ذلك (فمتى أمكنت شهادتُ الأصل) قبل الحكم (وُقِفَ) الحكم على سماعها) لأن الشرط الذي هو تعذّر الأصل زال، كما لو كانا حاضرين أصحا (3).
الشرط (الثالث: دوامُ عدالةِ) شاهدي (الأصل، و) عدالةِ شاهدي (الفرع، إلى صدور الحكم. فمتى حدث من أحدهم) أي من شاهدي
__________
(1) كان الأولى تفسيره بعيوب النساء تحت الثياب وما لا يطلع عليه إلا النساء غالباً.
(2) الأولى إسقاط "عليهما" إذ لا معنى لها.
(3) صوابه أن يقول: "حاضرين صحيحين" ليطابق خبر كان اسمها في التثنية.

(2/488)


الأصل أو الفرع (قبلَه) أي الحكم (ما يمنعه) أي ما يمنع القبول، من فسقٍ وجنونٍ ونحوهما، (وُقِفَ) أي الحكم لأنه مبنيّ على شهادة الجميع.
الشرط (الرابع: ثبوتُ عدالةِ الجميع) أي عدالة شهودِ الأصل والفرع، لأنهما شهادتان، فلا يحكم بهما بدون عدالةِ الشهود. قال في شرح المقنع: لأن الحكم ينبني على الشهادتين جميعاً، فاعتُبِرت الشروط في كل واحدٍ منهما، ولا نعلم في هذا خلافاً، فإن عَدّلَ شهودَ الأصل شهودُ الفرع، فشهدا بعدالتهما، وعلى شهادتهما، جاز بغير خلافٍ نعلمه. وإن شهدا بعدالتِهِما (1) خلافاً. ويتولى الحاكم ذلك. فإذا علم عدالتهما حَكَم. وإن لم يعرفهما بحث عنهما. انتهى.
(ويصح من الفرع أن يعدّل الأصل) قال في الإِقناع: ولا يجب على فرع تعديل أصله، ويتولى الحاكم ذلك. وإن عدّله الفرع قُبِل انتهى. (لا تعديلُ شاهدٍ لرفيقِهِ) لأنه يؤدي إلى انحصارِ الشهادة في أحدهما. (وإن قال شهود الأصل بعد الحكمِ بشهادة الفرع: ما أشهدناهم بشيءٍ) مما شهدا به على شهادتِنا (لم يضمن الفريقان) يعني. لا شهودُ الأصل، ولا شهود الفرع (شيئاً) مما حُكِمَ بتلفه، لأن شاهدي الفرع لم يثبت كذبهما (2)، وشاهدي الأصل لم يثبت رجوعُهما، لأن الرجوع إنما يكون بعد الشهادة، فإنكار أصلِ الشهادةِ لا يكون رجوعاً عنها، فلذلك لم يضْمَنَا.
__________
(1) كذا في الأصول كلها، وهو سبق قلم. وصوابه "وإن لم يشهدا بعدالتهما". كما في المغني (209/ 9).
ثم لو أن الشارح أخّر هذه العبارة وما معها بعد العبارة التالية من المتن لكان أولى، للتكرار.
(2) أي لاحتمال أن يكون الكذب من شاهدي الأصل. فعليه لو قال شاهدا الفرع: كذبنا، أو قالا: غلطنا، فإنهما يضمنان.

(2/489)


فصل [في صفة الأداء]
(ولا تقبل الشهادة إلا بـ) لفظ: (أشْهدُ، أو) بلفظ: (شهدتُ) لأن الشهادة مصدر "شَهِدَ يَشْهَدُ شَهَادَةً" فلا بدّ من الإِتيان بفعله المشتقّ منها، ولأن فيها معنًى لا يحصل في غيرها من اللفظات، بدليل أنها تستعمل في اللعان، ولا يحصل ذلك في غيرها.
إذا علمت ذلك (فلا يكفي) قوله: (إنا شاهد) لأن ذلك إخبار عما هو متصف به، كما لو قال: أنا متحمّلٌ شهادةً على زيدٍ بكذا. بخلافِ قولهِ: أشهدُ، أو: شهدتُ بكذا، فإن هذه جملةٌ فعليةٌ تدل على حدوث فعل الشهادة.
(ولا) يكفي قوله: (أَعلَمُ، أو: أُحِقُّ)، أو: أَعرِفُ، أو: أتحقّق، أو: أتيقَّنُ، لأنه لم يأت بالفعل المشتق من لفظ الشهادة. (أو) قال الشاهد: (أشهدُ بما وضعتُ بهِ خطّي. لكن لو قال من تقدَّمَهُ غيرُه بالشهادة: بذلكَ أشهد، أو: كذلك أشهدُ، صحّ) نقله في المنتهى.

[رجوع الشهود عن شهادتهم]
(وإذا رَجَعَ شهودُ المال أو) شهود (العتق، بعدَ حُكْمِ الحاكِمِ لم ينقض) الحكم، لأنه قد تمّ ووجَبَ المشهودُ به للمشهود له، ورجوعُ الشاهِدِ عن شهادته المحكوم بها لا يوجب نقضه، لأنهما إن قالا: تعمَّدنا فقد شهدا على أنفسهما بالفسق، فهما متّهمان بإرادة نقضه، كما لو شهد فاسقان على الشاهدين بالفسق، فإنه لا يوجب التوقّف في شهادتهما. وإن قالا: أخطأنا، لم يجبْ النقضُ أيضاً، لجواز أن يكونا قد أخطآ في قولهما الثاني، بأن اشتبه عليهما الحال، ونحو ذلك.
(ويضمنون) بذلك المالَ الذي شهدوا به، سواء قُبِضَ أو لم

(2/490)


يُقبَض، وسواء كان قائماً أو تالفاً، لأنهما أخرجاه من يد مالكه بغير حقٍّ، وحالا بينه وبينه، فلزمهما ضمانُه كما لو أتلفاه. وإن كانت الشهادة بعتقٍ غَرِمَا قيمة من شهدا بعتقِهِ، لأنهما أزالا يد السيّد عن عبده أو أمته بشهادتهما المرجوع عنها، أشبه ما لو قتلا من شهدا بعتقِهِ. ومحل ذلك: ما لم يصدِّقهما على بطلان شهادتهما المشهودُ له، أو تكونَ الشهادة بدينٍ فَيُبْرأُ منه قبل أن يرجعا، ذكرها في المنتهى عن المغني.

[تعزير شاهد الزور]
(وإذا علم الحاكم بشاهدِ زورٍ بإقراره) على نفسه أنه شهد بالزور، (أو تبيُّنِ كذبِهِ يقيناً) وذلك بأن يشهد بما يقطع بكذبه (عزّره) في الأصحّ قاله في المنتهى.
(ولو تابَ) كما لو تابَ من وجب عليه حدٌّ، فإنه لا يسقط بتوبته.
ثم اعلم أن شهادة الزور من أكبر الكبائر وقد نهى الله تعالى عنها، مع نهيه عن عبادة الأوثان، بقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} ولا يتقدر تعزيرُه، بل يكون (بما يراه الحاكم) إما بجلدٍ أو بحبسٍ أو كشفِ رأسٍ أو توبيخٍ بكلامِ، يفعل ما يراه صواباً، (ما لم يخالف) ذلك (نصاً) أو معنى النص، (وطيف به) أي بشاهد الزور (في المواضع التي يشتهر فيها) فيوقَف في سوقِهِ إن كان من أهل السوق، أو في قبيلته إن كان من أهل القبائل، أو في مسجد إن كان من أهل المساجد، وينادى عليه (فيقال: إنَّا وجدناه شاهدَ زورٍ فاجتنبوه) يعني يقول الموكَّلُ بِهِ: إن الحاكم يقرأ عليكم السلام، ويقول: هذا شاهد زورٍ فاعرفوه.
تنبيه: لا يعزَّر شاهدٌ بتعارُضِ البيّنة. ولا يُغَلَّط في شهادته أو رجوعِهِ.
ومتى ادعى شهودٌ قودٍ خطأً عُزِّروا.

(2/491)


باب اليَمين في الدعَاوى
أي ذكر ما تجب فيه اليمين، وذكرُ صفتها، ولفظها.
وهي تقطَعُ الخصومَة حالاً، ولا تسقِطُ حقاً، فتُسْمَع البينة بعد اليمين.
(البينةُ على المدّعي، واليمينُ على من أنكر) هذه قطعة من حديث خرجه النووي عن ابن عباس (1)، وقال ابن المنذر: أجمعَ أهلُ العلم على أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
(ولا يمينَ على منكرٍ ادُّعِيَ عليه بحقٍّ لله) سبحانه و (تعالى، كالحدّ، ولو) كان ذلك الحدُّ (قذفاً، والتعزيرِ والعبادةِ وإخراجِ الصّدَقَةِ) الواجبةِ (والكفّارةِ والنذرِ) أما الحدود فلا خلافَ في أنها لا تشرع فيها اليمين، لأنه لو أقرّ ثم رجع عن إقراره قبل منه وخُلّي سبيله من غير يمينٍ، فلأن لا يُستحلف مع عدم الإقرار أولى، ولأنه يستحب ستره والتعريض للمُقِرّ ليرجع عن إقراره، وللشهود بِترك الشهادة بالحدّ والستر
__________
(1) قوله "خرّجه النووي عن ابن عباس" الأولى أن ينسب إخراج الحديث إلى أصحاب الكتب المسندة المعروفة. فإن النووي ينقل عنهم. والحدبث منه عند البخاري قوله "اليمين على المدّعى عليه" ذكر ذلك في آخر كتاب الرهن من صحيحه، وفي الباب (20) من كتاب الشهادات. وقال ابن حجر (فتح الباري، ط السلفية، 5/ 283): رواه بلفظ "البينة على المدعي واليمين على المنكر" البيهقي، وإسناده حسن. اهـ.

(2/492)


عليه. وأمّا ما عدا ذلك من حقوق الله تعالى فأشبَهَ الحدودَ، لأن ذلك عبادةٌ، فلا يستحلف عليها، كالصَّلاة. (ولا) يمينَ (على شاهدٍ أنكرَ شهادَتَهُ) أي أنكر تحمُّلها، (و) لا على (حاكمٍ أنكر حكمَهُ) ولا على وصيٍّ على نفي دينٍ على موصٍ.
وإن ادعى وصيٌّ وصيتَهُ للفقراء، فأنكر الورثةُ، حلفوا. فإن نكلوا قضي عليهم بما ادعاه الوصيّ (ويحلف المنكر في كل حقّ آدمي يقصد منه المال، كالديون والجنايات والإِتلافات).
(فإن نَكلَ) المنكِر (عن اليمين قُضِيَ عليهِ بالحقّ) أي بما ادُّعي عليه به.
(وإذا حلف على نفي فعلِ نفسِهِ، أو) حلف على (نفي دينٍ عليه، حَلَفَ على البتّ) لما روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجلٍ حَلَّفه: "قل: واللهِ الذي لا إله إلا هُوَ ما لَهُ عندي شيءٌ رواه أبو داود (وإن حلف على نفي دعوى على غيره، كمورّثِهِ ورقيقِهِ ومولِّيهِ حلف على نفي العلم) فمن ادعى على إنسانٍ أن عبدَهُ جنى عليهِ، فأنكر، وأراد تحليفَهُ، حَلَف أنه لا يعلمُ أن عبده جنى على المدَّعي.
(ومن أقام شاهداً بما ادعاهُ) مما يقبل فيه شاهد ويمين (حَلَف معه) أي مع الشاهد (على البتّ) وبجب تقديم الشهادة على اليمين. ولا يُشترَط في يمينه أن يقول: وأن شاهِدِي صادقٌ في شهادته.
(ومن توجّه عليه حَلِفٌ لجماعةٍ يحلف لكلِّ واحدٍ يميناً) لأن لكل واحد منهم حقاً غيرَ حقِّ الآخر. فإذا طلبَ كلُّ واحدٌ منهم يميناً كان له ذلك، كسائر الحقوق إذا انفرد بها. وقد حكى الإصطخري أنّ إسماعيلَ ابن إسحاقَ القاضي حلّف رجلاً بحقٍّ لرجلين يميناً واحدةً، فخطّأه أهل

(2/493)


عصره (ما لم يرضوا) كلهم (بـ) يمينٍ (واحدة) فيكتفي بها، لأن الحق لهم، وقد رضوا بإسقاطه فسقط.

فصل [في تغليظ اليمين]
واليمين المشروعة هي اليمين بالله جلّ اسمه.
(وللحاكم تغليظُ اليمينِ فيما له خطر) وهو المثلُ في العلو كالخطر (1)، وذلك (كجناية لا توجب قوداً، وعتقٍ ومالٍ كثيرٍ قدر نصابِ الزكاةِ.
فتغليظُ يمينِ المسلم أن يقول: واللهِ الذي لا إله إلا هو عالمِ الغيب والشهادةِ، الرحمنِ الرحيمِ، الطالب الغالبِ، الضارِّ النافع، الذي يعلمَ خائنة الأعين وما تخفي الصدور) فالطالبُ اسم فاعل من طلب الشيء إذا قصده، والغالب اسم فاعل من غلبه بمعنى قَهَرَه، والضارُّ النافع من أسماء الله الحسنى. أي قادر على ضرّ من شاء ونفعِ من شاء، وخائنةُ الأعين ما يضمر في النفس، ويكفُّ عنه اللسان، ويومأ إليه بالعين. وما تخفي الصدور: وما تضمره.
والتغليظ في الزمان أن يحلفَ بعد العصر، أو بين الأذان والإقامة.
وبالمكان: بمكة بين الركن والمقام، وعند الصخرة ببيت المقدس وسائر البلاد عند منبر الجامع.
(ويقول اليهودي: واللهِ الذي أنزلَ التوراةَ على موسى، وفلق له البحر، وأنجاهُ من فرعونَ وملئه) لحديث أبي هريرة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
__________
(1) كذا العبارة في الأصول كلها. وهي محرفة عن عبارة شرح المنتهى، ونصّها "وهو مثل الغلوّ، كالخطير" أي إن الذي له خطر هو ما له أهمية، كالغالي قيمة، ويطلق عليه أنه خطير.

(2/494)


لليهود: "نَشَدْتُكُم باللهِ الذي أنزل التوراةَ على موسى ما تجدونَ في التوراة على من زنى؟ " رواه أبو داود.
(ويقول النصراني: واللهِ الذي أنزل الإنجيلَ على عيسى، وجعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبْرص) لأنه لفظ تتأكَّد به يمينه.
ويقول المجوسي: واللهِ الذي خلقني وصوّرني ورزقني.
(ومن أبى التغليظَ لم يكن ناكلاً) عن اليمين، لأنه قد بذل الواجب الذي عليه، فيجب الاكتفاء به، ويحرم التعرّض له. قاله في النكت.
ولا يحلف بطلاقٍ وفاقاً للأئمة الثلاثة. قاله الشيخ.
(وإن رأى الحاكم تركَ التغليظِ فتركه كان مصيباً)

(2/495)