تعليقات
ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة كتاب الصلح
القارئ: وهو ضربان أحدهما الصلح في الأموال وذلك نوعان أحدهما الصلح على
الإنكار مثل أن يدعي على إنسان عيناً في يده أو ديناً في ذمته لمعاملة أو
جناية أو إتلاف أو غصب أو تفريط في وديعة أو مضاربة ونحو ذلك فينكره ثم
يصالحه بمال فإنه يصح إذا كان المنكر معتقداً بطلان الدعوى فيدفع المال
افتداء ليمينه ودفعاً للخصومة عن نفسه والمدعي يعتقد صحتها فيأخذه عوضاً عن
حقه الثابت له لأنه يصح مع الأجنبي فيصح بين الخصمين كالصلح في الإقرار
ويكون بيعاً في حق المدعي لأنه يأخذ المال عوضاً عن حقه فيلزمه حكم إقراره
حتى لو كان العوض شقصاً وجبت الشفعة وإن وجد به عيباً فله رده.
القارئ: ويكون إبراء في حق المنكر لاعتقاده
أن ملكه للمدعي لم يتجدد بالصلح وأنه إنما دفع المال افتداء لنفسه لا عوضا
فلو كان المدعى شقصاً لم تجب فيه شفعة ولو وجد به عيباً لم يملك رده كمن
اشترى عبداً قد أقر بحريته فإن كان أحدهما يعلم كذب نفسه فالصلح باطل في
الباطن وما يأخذه بالصلح حرام لأنه يأكل مال أخيه بباطله ويستخرجه منه بشره
وهو في الظاهر صحيح لأن ظاهر حال المسلمين الصحة والحق.
الشيخ: هذا الصلح على إنكار مثاله لو قال المدعي هذا الكتاب لي وقال من
بيده الكتاب ليس لك فتصالحا فقال المدعي أعطني عشرة ريالات وأسقط الدعوى
فأعطاه من بيده الكتاب عشرة ريالات الآن سقطت الدعوى لكن هو في حق المدعي
بيع لأنه يعتقد أنه أخذ العشرة عوضاً عن ملكه فهو بيع وأما بالنسبة للمنكر
فهو إبراء لأنه يعتقد أن الكتاب ملكه وأنه لا حق للآخر عليه لكنه دفع
الدراهم من باب دفع الشر ودفع المخاصمة فيكون في حقه إبراء وبقي أن يقال هل
هذا الصلح صحيح؟ نقول أما إذا كانت الدعوى حقيقة فالصلح لا شك أنه صحيح
لكنه في حق الذي يعلم الواقع غير صحيح يعني لو قدر أن الكتاب ملك للمدعي
والمدعى عليه الذي بيده الكتاب منكر ويعلم أن الكتاب ملك للمدعي لكنه أنكر
لأن المدعي ليس عنده بينة فتصالحا على عشرة ريالات فالصلح بالنسبة للمدعي
صحيح ظاهراً وباطناً وبالنسبة للمنكر صحيح ظاهراً لا باطناً لأن صاحبه لم
يرض بالعشرة إلا لأنه ليس عنده بينة أما لو كان الأمر بالعكس أي أن المدعي
كاذب فالصلح في حق من بيده الكتاب صحيح ظاهراً وباطناً وفي حق المدعي صحيح
ظاهراً لا باطناً.
القارئ: فإن صالح عن المنكر أجنبي صح فإن
كان بإذنه فهو وكيله وقائم مقامه وإن كان بغير إذنه فهو افتداء له وإبراء
لذمته من الدين أو الدعوى وذلك جائز بغير إذنه بدليل أن أبا قتادة قضى دين
الميت ولا إذن له لكن إن كان بغير إذنه لم يرجع عليه لأن الدين لم يثبت
عليه ولأنه أدى عنه ما لم يلزمه أداؤه فكان متبرعا وإن كان بإذنه رجع عليه
لأنه وكيله.
الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه إذا صالح عن المنكر أجنبي صح سواء كان بإذنه
أو بغير إذنه أما إذا كان بإذنه فلا شك أنه صحيح لكن إذا كان بغير إذنه فقد
يقول المدعى عليه أنه إذا صالح عني أتهمني الناس بأني قد أخذت الكتاب غصباً
أو ما أشبه ذلك فلا أريد ذلك وهذا يقع كثيراً أنه قد يقول رجل أجنبي للمدعى
عليه أنا أسدد عنك وأصالحه عنك فيقول المدعى عليه لا أريد أن تسدد عني لأنه
ما ثبت للمدعي حق عليَّ وأنت إذا سددت عني أتهمني الناس بأني مبطل فهذه
المسألة تحتاج إلى زيادة تحرير فيما إذا صالح بغير إذنه والمسألة هذه على
ثلاثة أقسام الأول أن يأذن والثاني أن يمنع والثالث أن يسكت أما إذا أذن
فالأمر ظاهر وإذا سكت فكذلك الأمر ظاهر أنه يصح أن يصالح الأجنبي عنه لكن
إذا منع قال لا أريد أن أحداً يصالح عني وأنا حر في مالي وأنا إذا شئت
صالحت وإذا شئت لم أصالح فهذه محل نظر تحتاج إلى تحرير.
القارئ: وإن صالح الأجنبي عن نفسه ليصير الحق له من غير اعتراف للمدعي بصحة
الدعوى لم يصح لأنه يشتري ملك غيره وإن اعترف بصحة دعواه والمدعى دين لم
يصح لأن بيع الدين
لا يصح مع الإقرار فمع الإنكار أولى وإن
كان عينا لا يقدر المصالح على تخليصها لم يصح لأن بيعها لا يصح مع الإقرار
فمع الإنكار أولى وإن كان يقدر على استنقاذها صح لأنه اشترى منه ماله
الممكن تسلمه فصح كما قلنا في بيع المغصوب ثم إن قدر على انتزاعها استقر
الصلح وإن عجز فله الفسخ لأنه لم يسلم له المعقود عليه فرجع في بدله فإن
قال الأجنبي للمدعي أنا وكيل المنكر في صلحك وهو معترف لك في الباطن جاحد
في الظاهر فصالحه لم يصح لأن الصلح في هذه الحال لا يصح من المنكر فكذلك من
وكيله وقال القاضي يصح ومتى صدقه المنكر ملك العين ولزمه ما أدى عنه وإن
أنكر حلف وبرئ وإن دفع المدعي إلى المنكر مالاً ليقر له ففعل ثبت الحق وبطل
الصلح لأنه يجب عليه الإقرار بالحق فلم يحل له أخذ العوض عما وجب عليه ولو
صالح امرأة لتقر له بالزوجية أو بالرق لم يصح لذلك ولأنه يحرم عليها بذل
نفسها لمن يطأها بعوض وإن بذلت عوضاً للمدعي عن دعواه صح لأنها تدفع شره عن
نفسها ويأخذ العوض عن حقه فيها كعوض الخلع وقيل لا يصح في الزوجية لأن
الزوج لا يأخذ عوضاً عن الزوجية في غير الخلع.
الشيخ: الصحيح الصحة دفعاً لشره فهذا رجل أمسك بامرأة وقال أنت زوجتي فقالت
لا، فهنا من المعلوم أنه لن يثبت النكاح إلا ببينة لكن إذا كانت هي لا تريد
أن تذهب إلى القاضي ويقول لها أحضري البينة وافعلي وافعلي فصالحت هذا الرجل
وقالت فكني من شرك وسأعطيك كذا وكذا فالصواب أن هذا جائز لأنه لدفع الشر
لكنه جائز للمرأة لا لهذا الرجل المدعي.
القارئ: ولو صالح شاهداً ليترك الشهادة عليه أو سارقاً لئلا يرفعه إلى
السلطان فالصلح باطل لأنه لا يحل أخذ العوض عن ترك الشهادة الواجبة وليس
رفعه إلى السلطان حقاً يجوز الاعتياض عنه.
فصل
القارئ: النوع الثاني الصلح مع الاعتراف
وهو ثلاثة أقسام أحدها أن يعترف له بدين فيبرئه من بعضه ويستوفي باقيه فلا
بأس بذلك لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط حقه ولا من استيفائه قال أحمد رضي
الله عنه ولو شفع فيه شافع لم يأثم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء
جابر فوضعوا عنه الشطر وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر ويجوز للقاضي
فعل ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.
الشيخ: قوله (ويجوز للقاضي) لكن بشرط أن يكون المدين قد أقر وأما إذا لم
يكن أقر فربما يضغط على المدعي حتى يسقط بعض الحق وهذا لا يجوز لأنه سوف
يسقطه خوفاً من أنه إذا طلب من القاضي أن يحكم يفوته الحق كله والمدين قد
أقر له.
القارئ: وإن أمكن الغريم الوفاء فامتنع حتى أبرئ من بعضه لم يجز لأنه هضم
للحق وأكل مال بالباطل ولو قال الغريم أبرأتك من بعضه بشرط أن توفيني بقيته
أو على أن توفيني باقيه لم يصح لأنه جعل إبراءه عوضاً عما أعطاه فيكون
معاوضاً لبعض حقه ببعض ولا يصح بلفظ الصلح لأن معنى صالحني عن المائة
بخمسين أي بعني وذلك غير جائز لما ذكرنا ولأنه ربا ولو صالحه عن مائة مؤجلة
بخمسين حالة لم يجز لذلك لأن بيع الحلول غير جائز وإن صالحه عن الحالة بأقل
منها مؤجلة لم يصح لأن الحال لا يتأجل بالتأجيل.
الشيخ: وإن صالحه عن الحالة بأكثر فهو حرام من باب أولى لأن هذا هو الذي
يسمى قلب الدين فمثلاً إذا حل عليه مائة وقال أنا ما عندي شيء قال أصالحك
على أن تكون مائة وعشرين إلى سنة هذا حرام والصحيح في مسألة المصالحة أنه
إذا صالح عن المؤجل بعضه حالاً فإنه لا بأس به ولا فرق بين أن يقول أسقطت
وبين أن يقول صالحت لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ فالصواب أنه إذا صالح
عن المؤجل ببعضه حالاً فلا بأس.
القارئ: وما يسقطه لا مقابل له إلا أن
يسقطه اختياراً منه بغير عوض ولو اعترف له بداره فصالحه على أن يسكنه فيها
مدة أو يبني عليها غرفة ونحو ذلك لم يصح لأنه لا عوض له.
فصل
القارئ: القسم الثاني أن يعترف له بعين في يده فيهب له بعضها ويستوفي
باقيها فيصح لما ذكرنا في الإبراء إذا فعل هذا اختيارًا من غير منع الغريم
ووهب له بغير شرط كما ذكرنا في الإبراء.
فصل
القارئ: القسم الثالث أن يعترف له بعين أو دين فيصالحه على غيره وذلك ثلاثة
أضرب أحدها أن يعترف له بنقد فيصالحه على نقد فهذا صرف يعتبر له شروطه
الثاني أن يعترف له بنقد فيصالحه على عرض أو بعرض فيصالحه على نقد أو عرض
فهذا بيع تثبت فيه أحكامه كلها الثالث أن يعترف له بنقد أو عرض فيصالحه على
منفعة كسكنى دار أو خدمة فهذا إجارة
تثبت فيه أحكامها ولو تلفت العين التي صالح عليها بطل الصلح فإن كان قد مضى
بعض المدة بطل فيما بقي بقسطه ولو اعترفت المرأة بدين فصالحته على أن تزوجه
نفسها صح وكان صداقاً لها ولو اعترفت له بعيب في مبيع فصالحته على نكاحها
صح فإن زال العيب رجعت بأرشه لأنه الصداق ولم يسم الخرقي الصلح في الإنكار
صلحا.
الشيخ: إذا اعترف له بعين أو دين قال أنا أعترف بأن هذا الكتاب لك فهذا
اعترف بعين أو اعترف بدين بأن قال أنا أعترف بأن في ذمتي لك مائة ريال
فصالحه على غيره لأنه إذا صالحه على شيء من العين أو على شيء من الدين فقد
سبق في فصل الصلح مع الاعتراف في النوع الثاني أما هنا فهو على ثلاثة أضرب:
أحدها (أن يعترف له بنقد فيصالحه على نقد)
فهذا صرف بأن يعترف له بعشرة جنيهات ويصالحه على مائة درهم فهذا صرف يشترط
فيه التقابض قبل التفرق ويشترط أيضاً شرطاً آخر وهو أن لا يربح المصالح من
ذلك شيئاً لأنه لو ربح لربح فيما لم يضمن وقد أستفتى عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (كان نبيع الإبل
بالدراهم ونأخذ الدنانير أو بالدنانير ونأخذ الدراهم فقال لا بأس أن تأخذها
بسعر يومها _ هذا شرط _ ما لم تتفرقا وبينكما شيء) فقوله (بسعر يومها) يعني
بأن لا تربح في ذلك فإن ربحت في ذلك فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك فيكون
حراماً.
الضرب الثاني (أن يعترف له بنقد فيصالحه على عرض) مثل أن يقول في ذمتي لك
مائة ريال لكن سأعطيك هذا الكتاب فهو اعترف بنقد وصالح عنه بعرض لأن الكتاب
عرض وليس نقد (أو بعرض فيصالحه على نقد أو عرض) بأن يقول هذا الكتاب لك لكن
أصالحك بأن أعطيك بدله فهذه الساعة هذا أقر بعرض وصالح بعرض أو يقول الكتاب
لك لكن سأصالحك عنه بعشرة ريالات فهذا عرض بنقد يقول المؤلف (فهذا بيع تثبت
به أحكام البيع كلها) وهذا أمر واضح.
الضرب الثالث (أن يعترف له بنقد أو عرض فيصالحه على منفعة) وذلك بأن يعترف
المدعى عليه بنقد فيقول عندي لك ما ادعيت وهو مائة ريال ثم يصالحه بمنفعة
فيقول لكن أصالحك على أن تسكن بيتي لمدة شهر (أو بعرض) وذلك بأن يعترف له
بعرض ويقول عندي لك ساعة مثلاً أو عندي لك قلم أصالحك عليه على أن تسكن
بيتي لمدة شهر فصار المصالح به منفعة يقول المؤلف إن هذا إجارة كأنه أجره
بيته بهذا الذي أقر له به سواء نقد أو عرض، ومن المسائل التي ذكرها المؤلف
الصداق وذلك إذا اعترفت المرأة له بدين وقالت نعم عندي لك دين لكن أريد أن
تتزوجني وتجعل الدين مهر فهذا يصح لكن لابد أن شروط العقد تكون موجودة بأن
يكون بولي وبشهود إلى آخره.
فصل
القارئ: وإذا اعترف له بشيء لم يجز أن
يصالح بأكثر منه من جنسه لأن الزائد لا مقابل له ولو اعترف بقتل خطأ فصالحه
بأكثر من الدية من جنسها لم يجز وإن كان من غير جنسها جاز لأنه معاوضة ولو
أتلف شيئاً قيمته مائة فصالحه على مائة وعشرة لم يجز لذلك وإن صالحه على
عرض جاز وإن كثر لأنه بيع ولو أجل العوض الواجب بالإتلاف لم يصر مؤجلاً
بتأجيله.
الشيخ: الصحيح أنه يكون مؤجل والمؤلف يقول (لم يصر المؤجلاً) لأن قاعدة
المذهب أن الحال لا يتأجل والصواب أنه يتأجل لأنه إحسان ممن له الحق على
صاحب الحق فإن التأجيل وتأخير الاستيفاء لا شك أنه إحسان فكيف نقول لا يصح
يقول المرلف لأن الحال لا يتأجل لكن نقول من أين لكم هذه القاعدة؟ قالوا
لأن هذا العقد ثبت بدون تأجيل فليكن على ما ثبت قلنا لكن صاحب الحق وافق
على التأجيل وأقل ما فيه أن يكون وعداً والوعد يجب الوفاء به.
السائل: قول المؤلف (وإذا أعترف له بشيء لم يجز أن يصالح بأكثر منه من
جنسه) هل هذا مطلقاً أم هو خاص بالربويات؟
الشيخ: لا بل مطلقاً لأنه يأخذه بغير حق إذا أقر له بمائة صاع فكيف يقول له
أصالحك بمائة وعشرين هذا لا يحتاج إلى صلح بل نقول أوفه المائة صاع وإذا
شئت أن تهبه العشرين فلا بأس.
السائل: المصالحة على النقد بالنقد كيف يكون التقابض؟
الشيخ: يأتي العوض والثاني يكون قد قبض مثلاً أنا في ذمتي لفلان عشرة
دنانير وصالحني عنها بمائة درهم فهنا آتيه بمائة درهم وأعطيه إياها
والدنانير قد قبضت لأنها في ذمتي.
حتى في الصرف يجوز أن تصارف شخصاً في دين في ذمته ولا حاجة لإحضاره يعني
فلا يحتاج أن نقول حضر الدراهم ثم اتفق معه لأن ما في الذمة مقبوض.
السائل: قوله (لم يصر مؤجلاً) قلنا أن الراجح أنه يتأجل فما ثمرة الخلاف؟
الشيخ: ثمرة الخلاف أنه إذا قلنا لا يتأجل
فللمُؤجِّلِ أن يطالب في الحال بعد التأجيل فلو قال خذ هذه المائة ألف ريال
ديناً مؤجلة إلى سنة فأخذها المدين واستنفقها ثم جاءه الدائن من صباح اليوم
التالي وقال أعطني المائة ألف فالمذهب أن هذا جائز والصحيح أنه لا يجوز
وأنه يتأجل لكن على المذهب في القرض أنه من يوم أن تعطيه القرض فلك أن
تطالبه به في الحال.
السائل: هل يجوز صرف النقد بتقد في المسجد؟
الشيخ: هل الصرف بيع أو لا؟ الجواب هو بيع وهل يجوز البيع في المسجد؟
الجواب لا يجوز لكن بعض العلماء استثنوا من هذا ما يفعله كثير من الناس إذا
مر به المسكين في المسجد وليس مع الإنسان من فئات النقد إلا ما هو أكثر مما
يريد أن يعطي هذا المسكين مثلاً يريد أن يعطيه ريال وليس معه إلا عشرة
قالوا فلا بأس أن يقول هذه فئة عشرة وأعطني تسعة لأن ظاهر الحديث (لا أربح
الله تجارتك) يقتضي أن يكون هذا فيما إذا قصد به التجارة وهذا ما قصد
التجارة لأن هذا قصده منفعة الفقير فأجازه بعض علمائنا وأظنه إن شاء الله
لا بأس به.
السائل: الصلح مع الاعتراف ليس فيه نزاع فلماذا نسميه صلحاً؟
الشيخ: هذا من باب التجوز ولا هو في الحقيقة بيع.
فصل
القارئ: وصلح المكاتب والمأذون له من العبيد والصبيان من دين لهم ببعضه لا
يصح إذا كان لهم به بينة أو أقر لهم به لأنه تبرع وليس لهم التبرع فإن كان
على الإنكار صح لأن استيفاءهم للبعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من
تركه.
فصل
القارئ: ويصح الصلح عن المجهول الذي لا
سبيل إلى معرفته عيناً كان أو دينا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال في رجلين اختصما إليه في مواريث درست (استهما وتوخيا الحق وليحلل
أحدكم صاحبه) رواه أبو داود وسواء كان الجهل من الجانبين كالحقوق الدارسة
أو ممن عليه الحق لأن الحاجة تدعو إليه فأما ما يمكن معرفته فلا يجوز قال
أحمد إن صالحوا امرأة من ثمنها لم يصح ولو قال الوارث لبعضهم نخرجك عن
الميراث بألف أكره ذلك حتى يعرفه ويعلم ما هو إنما يصالح الرجل الرجل عن
الشيء لا يعرفه ولا يدري ما هو أو يكون رجلاً يعلم ماله على الآخر والآخر
لا يعرفه فيصالحه فأما إذا علم فلم يصالح إنما يريد أن يهضم حقه ولأن هذا
لا حاجة إليه فلم يجز كبيع المجهول.
الشيخ: في قوله (إن صالحوا امرأة من ثمنها لم يصح) هذا ينبغي أن يقال إلا
إذا كانت التركة تحتاج إلى مدة طويلة في تنضيدها وقسمتها وطلبت هي أن
يعطوها ما تيسر حتى تنتفع فهذا لا بأس به فالصواب أنه يجوز أن تصالح عن
ثمنها إذا دعت الحاجة إلى ذلك وكيفية هذا هو ما ذكرناه بأن تكون التركة
تحتاج إلى مدة طويلة في تنضيدها وتصفيتها فتقول أنا أصالحكم على حقي منها
وتأخذ مما جرى عليه الصلح وتنصرف فهذا لا بأس به ولا محظور فيه.
باب
الصلح فيما ليس بمال
القارئ: يصح الصلح عن دم العمد بما يزيد على الدية وينقص عنها لأن المال لم
يتعين فإن خرج العوض حراً أو مستحقا رجع بقيمته ولو صالح عن دار فخرج العوض
مستحقا رجع في الدار لأنه بيع فإذا فسد عوضه تبينا فساده والصلح في الدم
إسقاط فلم يعد بعد سقوطه ورجع ببدل العوض وهو القيمة.
الشيخ: قوله (بما يزيد على الدية) فيه خلاف
بين أهل العلم فمن العلماء من يقول لأولياء المقتول أن يصالحوا على أكثر من
الدية ومنهم من يقول لا، ليس له إلا الدية أو القصاص وظاهر السنة هذا أنه
إما الدية بدون زيادة وإما القصاص لكن قد ورد عن بعض الصحابة أنه لا بأس أن
يزيدوا على الدية وأخذ به الإمام أحمد رحمه الله والعمل على هذا الآن فنجد
أنه يجري أحياناً قتل يتم فيه شروط قصاص ويحكم بالقصاص ثم يصالحه عن الدية
بأضعافها حتى لا يقتل القاتل.
فصل
القارئ: وإذا أراد أن يجري في أرض غيره ماء له غناء عن إجرائه فيها لم يجز
إلا برضاه لأن فيه تصرفاً في أرض غيره بغير أذنه فلم يجز كالزرع فيها فإن
صالحه على موضع القناة جاز إذا بينا موضعها وطولها وعرضها لأنه بيع لموضع
من أرضه ولا حاجة إلى بيان عمقها لأن قرارها لمشتريها يعمق ما شاء وإن شرط
أن أرضها لرب الأرض كان إجارة يفتقر إلى معرفة عقمها ومدتها كإجارتها للزرع
فإن كان رب الأرض مستأجراً لها جاز أن يصالح على إجراء ماء فيها في ساقية
محفورة مدة لا تتجاوز مدة إجارته وليس له حق حفر ساقيه لأنه إحداث شيء لم
تتناوله الإجارة.
الشيخ: إذا قال قائل كيف يجري الماء بدون حفر؟ نقول يضع حدود للماء ويجريه.
القارئ: وكذلك إن كانت الأرض وقفاً عليه وإن صالح رجلاً على أن يجري على
سطحه أو أرضه ماء المطر جاز إذا كان السطح الذي يجري ماؤه معلوما لأن الماء
يختلف بصغره وكبره ومعرفة موضع الميزاب الذي يجري الماء إليه لأن ضرره
يختلف ولا يفتقر إلى ذكر المدة لأن الحاجة تدعو إلى هذا ولأن هذا لا يستوفي
به منافع السطح بخلاف الساقية.
الشيخ: الجهالة هنا يسيرة لأنه قد يقول قائل لا ندري قد يكثر المطر ويكون
دائماً فتتعطل منفعة هذا السطح وقد يكون قليلاً؟ فيقال هذا مما يعفى عنه
لأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بهذا بمعنى أنه لا سبيل إلى إجراء الماء على
السطح إلا بهذا فيغتفر.
القارئ: ومن كانت له أرض لها ماء لا طريق
له إلا في أرض جاره وفي إجرائه ضرر بجاره لم يجز إلا بإذنه لأنه لا يملك
الإضرار به بالتصرف في ملكه بغير إذنه وإن لم يكن فيه ضرر ففيه روايتان
إحداهما لا يجوز لما تقدم والثانية يجوز لما روي أن الضحاك بن خليفة ساق
خليجاً من العريض فأراد أن يمر به على محمد بن مسلمة فمنعه فقال له عمر لم
تمنع جارك ما ينفعه ولا يضرك تشربه أولاً وأخرا؟ فقال له محمد لا والله
فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك فأمره عمر رضي الله عنه أن يمر به
ففعل رواه سعيد بن منصور ولأنه نفع لا ضرر فيه فأشبه الاستظلال بحائطه.
الشيخ: الصحيح أنه إذا احتاج الجار إلى إجراء الماء على أرض جاره إلى أرض
أخرى فإنه له الحق سواء أذن صاحب الأرض أم لا لأن في هذا منفعة بدون مضرة
أما لو كان فيه مضرة وقال الجار إنه يريد أن يجعل أرضه بيتاً أو نحو ذلك
فلا بأس أما إذا كانت هي أرض زراعية وهذا الساقي يمر بها بدون أيضرر فكونه
يمتنع فإن هذا يكون من المضارة ولهذا يقول عمر (والله ليمرن به ولو على
بطنك) وهذا كقول أبي هريرة رضي الله عنه لما كان أميراً على المدينة وروى
عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة _
أو _ خشبه في جداره) قال أبو هريرة (مالي أراكم عنها معرضين)، (عنها) أي عن
هذه السنة معرضين (والله لارمين بها بين أكتافكم) يعني إن لم ينفذ ذلك على
الجدر فإني أجعلها على الأكتاف.
فصل
القارئ: ولا يجوز أن يشرع إلى الطريق النافذ جناحاً وهو الروشن على أطراف
خشب مدفونة في الحائط.
الشيخ: قوله (يُشرع) بضم الياء، وقوله (جناحاً) هو ما يسمى الآن بـ
(البرندة).
القارئ: (ولا ساباطا).
الشيخ: ما هو الساباط؟
الطالب: الساباط هو الذي يكون على حائطين وسقفه يطل على الطريق وهو على
الهواء ليس قاعدة تحته وإنما أطرافه على الحائطين.
الشيخ: نعم وهو يشبه ما يسمى بالكبري الآن
وهذا كان موجوداً فيما سبق في البلاد لأن الطرق ليست واسعة فتجده يجعل على
هذا الجدار وهذا الجدار قبة يعبر بها من هذا إلى هذا وكان هذا لشيخنا عبد
الرحمن رحمه الله كان بيته مشطراً تجد مثلاً باب مع هذه الجهة وباب آخر مع
جهة بعيدة يحول بينهما شارع تجاهه بواسطة الساباط.
القارئ: ولا ساباطا وهو المستولي على هواء الطريق على حائطين لأنه بناء في
ملك غيره بغير إذنه فلم يجز كالبناء في أرض الطريق.
الشيخ: الصحيح في هذا أنه جائز فالجناح والساباط كلاهما يجوز على الطريق
وذلك لأنه ليس فيه ضرر بل قد يكون فيه مصلحة المستطرقين فأحياناً إذا جاء
المطر والناس حول هذا الساباط أو حول الروشن انتفعوا وتظللوا به عن المطر
وكذلك عن الشمس في أيام الصيف فالصواب أنه جائز بشرط ألا يلحق الطريق ضرر
فإن لحق الطريق ضرر منع فمثلاً إذا كان الساباط رفيعاً لا يضر بالمارة فلا
بأس به لكن لو احتاج الطريق إلى إلى ردم وارتفاع وصار الساباط نازلاً عليه
فحينئذٍ يزال الساباط.
القارئ: ولا ميزابا ولا يبني فيه دكة لذلك.
الشيخ: قوله (ولا ميزاباً) الصواب أنه يجوز إخراج الميزايب على الشوارع
بشرط أن لا يكون فيها ضرر وقد كانت الميازيب على عهد النبي عليه الصلاة
والسلام وقد جرت بها العادة وجرت بها السنة أن تخرج إلى الطريق لكن إذا كان
الميزاب نازلاً يخشى أن يضرب رأس الراكب أو ما أشبه هذا فإنه يؤمر به
بإزالته بأن يجعل ساقياً على الجدار كما كان معروفاً فيما سبق في الميازيب
القريبة فقد كانوا يجعلون ساقياً في الجدار يمر به السيل.
القارئ: ولا يبني فيها دكة لذلك.
الشيخ: هذا صحيح فلا يجوز أن يبني دكة مثل
عتبة الباب فإن بعض الناس تجده يجعل عتبة مدرج أربع أو خمس وهذا لا يجوز
لكن لو كان الطريق واسعاً ووافق ولي الأمر وهو الإمام أو نائبه على هذا فلا
بأس أما إذا كان ضيقاً بحيث إنه بحيث لولا هذه الدكة لمرت السيارتان معاً
وبهذه الدكة لا تمر السيارتان إذا تقابلتا في هذا الطريق فإن هذا لا يجوز
حتى لو أذن به ولي الأمر لأن ولي الأمر يتصرف للناس بحسب المصلحة بل إن بعض
العلماء رحمهم الله قالوا لو زاد في تلييس الجدار مقدار شعرة حرم عليه ذلك.
القارئ: لأنه يضر بالمارة أشبه بناء بيت ولا يباح ذلك بإذن الإمام لأنه ليس
له الإذن فيما يضر بالمسلمين وسواء أضر في الحال أو لم يضر لأن هذا يراد
للدوام وقد يحدث الضرر فيه وقال ابن عقيل يجوز أن يأذن الإمام فيما لا ضرر
فيه لأنه نائب عن المسلمين فجرى مجرى أذنه في الجلوس.
الشيخ: كلام ابن عقيل جيد لكن بشرط أن يؤخذ على صاحب الدكة أنه متى حصل ضرر
أزالها والمذهب لا يجوز مطلقاً حتى بإذن الإمام لأنه إذا لم يضر الآن ربما
يضر في المستقبل لكن نقول مادام الآن لا ضرر فيه وصاحب البيت محتاجاً له
فهذا فيه منفعة وليس فيه مضرة ويؤخذ تعهد على صاحب البيت بأنه إذا حصل ضرر
في المستقبل يرفعه.
فصل
القارئ: ولا يجوز أن يفعل هذا في ملك إنسان ولا درب غير نافذ إلا بإذن أهله
لأنه حقهم فلم يجز التصرف فيه بذلك بغير إذنهم.
الشيخ: الدرب غير النافذ هو المسدود وذلك
بأن يكون البيت في آخر الشارع يسد الطريق فالحق في هذا الطريق لأهله الذين
أبوابهم عليه وليس الذين جدرانهم عليه لأن بعض الناس ربما يكون جداره على
هذا الطريق وباب بيته على جهة أخرى لكن أهل هذا الطريق هم الذين أبوابهم
عليه فلا يجوز أن يخرج دكة ولا ميزاباً ولا روشناً ولا ساباطاً إلا بإذن
أهله وظاهر كلام المؤلف العموم لكن التعليل يقتضي أن له إخراج ذلك فيما دون
أبواب بيوتهم مثل أن يكون بيته هو آخر بيت وقبل بيته بأربعة أمتار مثلاً
تبدأ الأبواب فتكون الأربعة أمتار التي من وراء الأبواب من خصائص صاحب
البيت فيجوز أن يضع فيها دكة وأن يضع فيها روشناً وأن يفتح فيها باباً لأن
ما دون أبواب البيوت من حقه هو فقط.
القارئ: فإن صالحه المالك أو أهل الدرب بشيء معلوم جاز لأنه يجوز بإذنهم
بغير عوض فجاز بعوض كما في القرار وقال القاضي لا يصح الصلح عن الجناح
والساباط لأنه بيع للهواء دون القرار.
الشيخ: الصحيح الأول بلا شك أنه يجوز أن يصالح أهل السوق بوضع الجناح في
الساباط لأن الحق لهم والجناح يسمى عند قوم بلكونة وعند آخرين برندة وعند
آخرين جناح وقولنا برندة لأن التعريب جائز ويكون المعرب عربياً كما في قوله
(سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) واللغة العربية واسعة فيها ترادفات كثيرة
والخلاصة أن الدرب المشترك حق لأهل الدرب الذين أبوابهم شارعة فيه وأقصاه
من أخره يملك الحق فيه صاحب
آخر بيت لكن فيما دون أبوابهم فله أن يخرج فيه الساباط والروشن والدكة
والميزاب لأن الحق له وأما ما كان من وراء الأبواب إلى فم السوق فهذا لا
يجوز إلا بإذنهم لأنهم هم أهله.
فصل
القارئ: وإذا حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره فطالبه بإزالتها لزمه ذلك
لأن هواء ملكه ملكه فإن لم يزله فلمالك الأرض إزالتها بالقطع وغيره كما لو
دخلت بهيمة جاره داره ملك إخراجها.
الشيخ: صورة المسألة إنسان له نخلة
وأعسابها متدلية على ملك جاره فلجاره أن يطالبه بإزالتها بقطعها أو ليها
فإن لم فعل فله قطعها هو ولكن إذا قطعها فهل يرجع بالأجرة على مالكها؟
الجواب نعم يرجع بذلك ويلزم تسليم الأجرة لأننا لو لم نقل بهذا لماطل وترك
جاره يتضرر وتغطى الشمس عنه وأما البهيمة إذا دخلت بهيمة جاره داره فإنه
يملك إخراجها لكن ليس من المروءة أن يخرج البهيمة لأنه إذا أخرجها ضاعت
وضلت ومن حسن الجوار أن يبقيها عنده ويقول لجاره إن بهيمتك عندي بل حتى
الناس الآن يلمونه لو أنه أخرجها وتركها تذهب لما في ذلك من الإساءة لكن
الفقهاء رحمهم الله يذكرون الأحكام بقطع النظر عن كونه حرام أو غير حرام
فهذا شيء آخر.
القارئ: فإن صالحه على تركها بعوض جاز عند ابن حامد وابن عقيل لأن الجهالة
هاهنا لا تمنع التسليم فلم تمنع الصحة كالصلح عن المواريث الدارسة ولأن هذا
مما يحتاج إليه ويسامح فيه فجرى مجرى سمن المستأجر للركوب وهزاله وقال
القاضي يصح في اليابس المعتمد على حائط ولا يصح في الرطب لأنه يزيد ويتغير
ولا في غير المعتمد لأنه لا قرار له وقال أبو الخطاب لا يصح في الجميع لأن
الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص ويذهب.
الشيخ: كل هذا من التشديد في الواقع
والصحيح أنه يجوز أن يصالح بعوض في الرطب وغير الرطب لأن هذا مما يتسامح
فيه فمثلاً عسيب النخل لو صالح عليه وهو قصير ثم زال فهذا مما يتسامح فيه
عادة وكذلك غصن الشجرة فإنه يكون يمتد أكثر فيقال هذا مما يجري فيه التسامح
وهناك قول آخر أنه يصح بشرط أن يكون يابساً وثابتاً لأن اليابس لا يزيد
وثابت لأنه إذا كان غير ثابت تحركه الرياح فإذا حركته الرياح مرة يشغل هذا
الهواء ومرة يشغل هذا الهواء إلى هذه الدقة والقول الثالث أنه لا يصح
المصالحة مطلقاً وعلى هذا فليس لنا إلا قطعه المصالحة المصالحة قد تكون
بأجرة مقطوعة فهذا إذا قدر أن الغصن انكسر أو احترق فإن صاحب الغصن لا
يطالب الآخر وأما إذا كان أجرة كل سنة بأن نقول كل سنة تمضي فعليك عشرة
مثلاً فهنا إذا أنقطع أو أحترق سقط باقي الأجرة.
السائل: إذا كانت شجرة في داخل سور البيت ثم خرجت إلى الخارج في الشارع
بأغصانها فهل يلزم صاحبها بإزالتها أم أن عمله هذا جائز؟
الشيخ: هذا جائز وهو من جنس الميزاب في الشارع إلا إذا آذت المارة فيلزمه
إزالتها.
السائل: إذا كانت تؤذي بأوراقها المتساقطة؟
الشيخ: أوراقها لا تؤذي لأن هذا مما يتسامح فيه وبالنسبة للوضع الحالي هناك
الذين يكنسون الأسواق والشوارع.
السائل: عفا الله عنك أحياناً في بعض النظم تلزم البلدية بأن يرتد جدار
حائط المالك خمسة أمتار مثلاً تجاه طريق ومترين لكل جهة ونحو ذلك فهل هذا
يجوز؟
الشيخ: الأحسن أن هذا السؤال يوجه إلى دار الإفتاء لكي يصدر فيه حكم عام.
السائل: لو أخرج بهيمة جاره من دارها وضاعت فهل يضمن؟
الشيخ: لا ليس عليه شيء مادام أنه فعل ماله فعل.
السائل: أحياناً بعض الجيران يشكو أن جاره يشغل آلة لإصلاح البيت مثلاً
ولها صوت مرتفع فيقول لجاره احضر بدلها تكون أخف صوتاً فهل له ذلك؟
الشيخ: العلماء يقولون ليس له الحق أن يضع
أشياء لها صوت وهو يجد دونها مثاله الآن يوجد بعض المكيفات لها صوت مزعج
وبإمكانه أن يأتي بأخف.
القارئ: وإن صالحه في جزء من ثمرتها معلوم ففيه وجهان أحدهما المنع للجهالة
فيه وفي عوضه والثاني يجوز لأن هذا يكثر في الأملاك المتجاورة وفي القطع
إتلاف وإضرار فدعت الحاجة إلى الصلح بجزء من الثمرة لأنه أسهل.
الشيخ: كلامنا الآن فيما إذا امتدت أغصان الشجرة إلى أرض الجار فإنه يطلب
إما القطع وأما اللي فإن رضي الطرفان بأن تبقى بشيء معلوم شهري كشعرة
ريالات كل شهر أو أقل أو أكثر ففيه خلاف والصحيح أن ذلك جائز لدعاء الحاجة
إليه وإن صالحه بجزء من الثمرة ففيه كما يقول المؤلف وجهان أحدهما المنع
للجهالة والثاني الجواز وهذا هو الصحيح المتعين لأنه كما تجوز المزارعة
بجزء من الزرع والمساقاة بجزء من الثمرة فكذلك هذا فيجوز أن يصالحه ويقول
هذا الغصن المتدلي لي نصف الثمر الذي يكون فيه فلا بأس بذلك لأنه كالمزارعة
أو المساقاة تماماً.
القارئ: ولو أمدت عروق شجرة حتى أثرت في بناء غيره أو بئره فعليه إزالته
لأن قرار ملك الإنسان ملكه فهو كهوائه ولو مال حائطه إلى ملك جاره أو طريق
لزم إزالته.
الشيخ: امتداد العروق أفدنا المؤلف رحمه
الله أنه قسمان قسم يلحق الجار ضرر فهنا تلزم إزالة العروق حتى لو أدى إلى
موت الشجرة لأنه لا يزال الضرر بالضرر بمعنى أنه لا يمكن أن نقول نزيل ضرر
الجار صاحب الشجرة مع وجود الضرر على جاره واضح وهذا يقع كثيراً فيما يسمى
بالقبو أحياناً تمتد العروق إلى القبو وربما تنفذ الحجارة المطوية وربما
ينفتح الماء مع هذا العرق فيتضرر الجار بلا شك فيلزم صاحب الشجرة إزالتها
أما إذا كان لا يضره فظاهر كلام المؤلف أنه لا يلزمه ولهذا قال (حتى أثرت
في بناء غيره أو بئره) فظاهره أنه إذا لم تؤثر لم تلزم الإزالة وذلك لأن
هذا مما جرت العادة به أن تمتد عروق الشجرة إلى ملك الجيران لا سيما إذا
كان ملك الجار يسقى وملك صاحب الشجرة لا يسقى فإن العروق بإذن الله تتجه
إلى الندى أي إلى ما يسقى، فإن لم تؤثر على البناء لكنها تمنع النبات بحيث
تشتبك العروق بعروق الجار وتؤثر على شجره وثمره فهنا نقول تجب إزالتها لكن
كيف تزال؟ نقول يؤتى مثلاً بأناس يحفرون على حد ملك الجار ثم يقطعون العروق
حتى لا تمتد فإن امتدت مرة أخرى قطعت لإزالة الضرر ثم قال المؤلف (ولو ...
مال حائطه إلى ملك جاره أو إلى طريق لزمه إزالته) أي لزمه إزالة الحائط
لأنه إذا مال شغل شيئاً من الهواء وصار عرضة للسقوط فيكون بذلك ضرر فتلزم
إزالة الجدار.
فصل
القارئ: ليس للإنسان أن يفتح في حائط جاره طاقاً ولا يغرز فيه وتداً ولا
مسماراً ولا يحدث عليه حائطاً ولا سترة بغير إذنه لأنه تصرف في ملك غيره
بما يضر به فلم يجز كهدمه.
الشيخ: الجدار الذي بين الجارين تارة يكون
لأحدهما وتارة يكون بينهما فإذا كان لأحدهما فإنه لا يجوز للآخر أن يحدث
فيه شيئاً بلا شك لأن الملك ليس له بل لغيره وأما إذا كان بينهما فإنه
أيضاً لا يحدث فيه شيئا إلا بإذن شريكه لأن الجدار مشاع لكن نقول في هذه
المسألة أي فيما إذا كان الجدار مشتركاً نقول لكل واحد منهما أن يتصرف في
الجدار بما جرت به العادة فمثلاً لو أراد أن يليسه من جهته لم يمنعه الآخر
فلا يقول الجدار بيني وبينك وأنا لا أريد التلييس بل نقول مادام يريد أن
يليسه من جهته ولا يأخذ من جاره شيئاً فما المانع بل هذا مما يزيد الجدار
قوة وكذلك لو أراد أن يفتح فيه روزنة والروزنة مثل الرف لكنها في صلب
الجدار وتسمى مشكاة قال تعالى (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) فله أن يفعل
لأن هذا مما جرت به العادة إلا إذا أدى إلى إضعاف الجدار فهنا ليس له ذلك
وأما إذا كان الجدار لأحدهما بحيث بناه أولاً ثم جاء جاره وبنى إلى جنبه
فالجدار للأول فله أن يتصرف فيه بما شاء فله أن يفتح طاقاً وله أن يغرز فيه
وتداً وله أن يدق فيه مسماراً لأن الجدار ملكه لكنه ليس له أن يفتح طاقاً
يضر بجاره مثاله لو كان جاره بنى حجرة إلى جنب الجدار وأراد صاحب الجدار أن
يفتح طاقاً إلى الحجرة فإنه يمنع لأن هذا يضر بصاحب الحجرة فيدخل عليه
البرد في الشتاء ويدخل عليه السموم في الصيف فيضره ومعلوم أنه لا يحل
للإنسان أن
يحدث في ملكه ما يضر بجاره أما إذا كان
الجار ليس له بناء على هذا الجدار بمعنى أنه حوش مراح فله أن يفتح فيه
الطاق فإذا قال الجار لا تفتح الطاق لأنك إذا فتحت الطاق سمعت كلامي وكلام
أهلي وأنا لا أريد هذا؟ قلنا أليس له أن يرفع جداره أصلاً حتى يصل إلى أسفل
الطاق؟ الجواب بلى فلو أراد أن يرفع الجدار كله إلى حد الطاق من أسفل له
ذلك والآن هو لا يريد أن يرفع الجدار وإنما يريد أن يرفع جزءاً من الجدار
فله ذلك وأنت لا ضرر عليك لأنك أنت الآن تتكلم في مراح ينقل الأصوات
ويبعدها والخلاصة إذا كان الجدار لأحدهما لم يملك الآخر إحداث أي شيء فيه
وإذا كان الجدار بينهما فلكل واحد منهما أن يحدث في هذا الجدار ما جرت به
العادة.
القارئ: وليس له وضع خشبة عليه إن كان يضر بالحائط أو يضعف عن حمله لقول
النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وإن كان لا يضر به وبه غنى عنه
لم يجز عند أكثر أصحابنا لأنه تصرف في ملك غيره بما يستغني عنه فلم يجز
كفتح الطاق وغرز المسمار وأجازه ابن عقيل لخبر أبي هريرة ولأن ما أبيح لا
تعتبر له حقيقة الحاجة كانتزاع الشقص المشفوع والفسخ بالعيب وإن احتاج إليه
بحيث لا يمكنه التسقيف إلا به جاز لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال (لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره) متفق عليه ولأنه
انتفاع لا ضرر فيه دعت الحاجة إليه فوجب بذله كفضل الماء لبهائم غيره وذكر
القاضي وأبو الخطاب أنه لا يجوز إلا لمن ليس إلا حائط واحد ولجاره ثلاثة
وقد يتعذر التسقيف على الحائطين غير المتقابلين فالتفريق تحكم.
الشيخ: المسألة هل يجوز للجار أن يضع خشبه
على جدار جاره بدون رضى جاره؟ الجواب إن كان يضر الجدار أو كان الجدار
ضعيفاً لا يتحمل فهنا ليس له أن يضعها إلا برضى جاره لأنه لا يجوز الإضرار
بالغير وإن كان الجدار يتحمل ولا ضرر فيه فإن كان الجار محتاجاً إلى وضعه
بحيث تكون الخشب قصيرة وجدار الجار بالعرض فهنا لا بأس أن يضعها بدون إذن
الجار لأنه محتاج إليها وإن كان ليس محتاجاً إليها بأن كانت الحجرة مربعة
يعني طولها عرضها فله أن يفعل أو لا في هذا خلاف بين العلماء منهم من قال
إن له أن يفعل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يمنعن جار جاره أن يغرز
خشبه على جداره) ولأن هذا لا يضر الجدار بل لا يزيده إلا قوة وتماسكاً
وحماية عن الشمس والهواء وهذا القول هو الراجح أنه لا يجوز منع الجار من
وضع خشبه على جدار جاره إلا إذا كان هناك ضرر أو كان الجدار لا يتحمل.
القارئ: فأما وضع الخشب في حائط المسجد مع الشرطين ففيه روايتان إحداهما
يجوز لأن تجويزه في ملك الآدمي المبني حقه على الضيق تنبيه على جوازه في حق
الله المبني حقه على المسامحة والسهولة والثانية المنع اختارها أبو بكر لأن
الأصل المنع خولف في الآدمي المعين فيبقى
فيما عداه على مقتضى الأصل ويتخرج على هذه الرواية أن يمنع من وضعه في ملك
الجار إلا بإذنه لما ذكرنا للرواية الأولى.
الشيخ: الصواب أن جدار المسجد كغيره فإذا لم يكن على الجدار ضرر وكان
الجدار يتحمل فإن له أن يضعه سواء استأذن الإمام أم لم يستأذن والمراد
بالإمام هنا إمام السلطة لا إمام الجماعة.
القارئ: فإن صالحه المالك على وضع خشبة
بعوض في الموضع الذي يجوز له وضعه لم يجز لأنه يأخذ عوض ما يجب عليه بذله
وإن كان في غيره جاز سواء كانت إجارة في مدة معلومة أو على التأبيد بشرط
كون الخشب معلوماً برؤية أو صفة والبناء معلوم والآلة معلومة ومتى زال
الخشب لسقوط الحائط أو غيره فله إعادته لأنه أستحق بقاءه بعوض ولو كان له
رسم طرح خشب فصالحه المالك بعوض على أن لا يعيده عليه أو ليزله عنه جاز
لأنه لما جاز أن يصالحه على وضعه جاز على نزعه.
الشيخ: قوله (لو كان له رسم طرح خشب فصالحه المالك بعوض على أن لا يعيده
عليه أو ليزيله عنه جاز) المعنى لو أستأجره على أن يضع على جداره الخشب ثم
سقط الجدار وصالحه بعوض على أن لا يعيده أو يزيله عنه جاز.
فصل
القارئ: فإن كان له دار بابها في زقاق غير نافذ وظهرها إلى الشارع فله فتح
باب إلى الشارع لأن له حقاً في الاستطراق فيه وإن كان بابها إلى الشارع لم
يكن له فتح باب إلى الزقاق للاستطراق لأنه لا يجوز له أن يجعل لنفسه حق
الاستطراق في مكان مملوك لأهله لا حق له فيه ويحتمل الجواز لما نذكره في
الفصل الذي يليه.
الشيخ: صورة المسألة إنسان له بيت في طريق غير نافذ وله باب في نفس الطريق
فله أن يبقى بابه وله أن يفتح باباً مما يلي فم السوق وله أن يفتح باباً من
ظهر البيت إذا كان على الشارع النافذ وإن كان العكس بأن كان باب البيت مما
يلي الشارع وليس له باب في الزقاق فليس له أن يفتح لأن الزقاق حق لمن
أبوابهم فيه وهذا ليس له باب فيه.
القارئ: وله أن يفتح مكاناً للضوء والنظر لا يصلح للاستطراق لأن له رفع
جميع حائطه فرفع بعضه أولى وإن فتحه باباً يصلح للاستطراق وقال لا أجعله
طريقاً بل أغلقه وأسمره ففيه وجهان أحدهما له ذلك لما ذكرنا والثاني لا
يجوز لأن الباب دليل على الاستطراق فيجعل لنفسه حقا.
وإن كان له داران باب إحداهما أو بابهما في
زقاقين غير نافذين بينهما حائط فأنفذ إحداهما إلى الأخرى جاز في أحد
الوجهين لأن له رفع الحائط من بينهما وجعلهما داراً واحدة فرفع بعضه أولى
والثاني لا يجوز لأنه يجعل الزقاقين نافذين ويجعل الاستطراق في كل واحد
منهما من دار لا حق لها فيه وكل موضع لا يجوز إذا صالح أهل الدرب بعوض أو
أذنوا له بغير عوض جاز لأن المنع لحقهم فجاز لهم أخذ العوض عنه كسائر
حقوقهم.
الشيخ: في هذه التفاصيل دليل على أئمتنا وعلماءنا رحمهم الله قد شملوا
ببحوثهم جميع ما يمكن أن يقع بل ربما بحثوا في أشياء لا تقع مما يدل على
توسع الفقه الإسلامي وكل هذه التفاصيل مأخوذة من قواعد معلومة في الشرع وهو
أنه لا يجوز لأحد أن يعتدي على حق أخيه إلا بإذنه ما لم يكن ممنوعاً من قبل
الشرع وليس لأحد أن يعتدي على أمر محرم شرعاً ولو رضي صاحبه لأن حكم الله
فوق كل حكم هذا هو خلاصة هذه المسائل والصور التي ذكرها المؤلف رحمه الله.
السائل: هلل للرجل أن يوقف سيارته أمام باب بيت غيره؟
الشيخ: هذا حسب العرف فالآن لا يوقف الإنسان سيارة أمام بيت الرجل إلا إذا
كان إيقافاً مؤقتاً كما لو كان مثلاً في دعوة ووقفها فقد جرت العادة بأنه
لا بأس بها إلا إذا كان الباب باب سيارة فإن الناس الآن يمتعون من ذلك
ويقولون يخشى أن يحتاج الإنسان إلى خروجه بسيارته ويجد هذا قد أغلق عليه
الباب.
السائل: إذا بنى الإنسان مسجداً وتبرع بمكان من أرضه لذلك المسجد ثم نزح
الناس من هذه المنطقة إلى مكان آخر فهل تعود الأرض له أم لا لأنه أخرجها
لله؟
الشيخ: إذا نزح الناس عن المكان فإنه يجب على هذا المتبرع أن يبيعه وينقله
إلى مكان آخر بمعنى يبني مسجد آخر في مكان آخر ولا يمكن أن يلغيه لأنه
أخرجه لله.
السائل: يحدث أن الإنسان يبني في ملكه
مسجداً ثم ينتقل ببناء جديد إلى طرف مزرعة مثلاً ثم يبني هناك مسجد آخر
فماذا يفعل في المسجد الأول علماً بأن المسجد يصلي فيه هو وأولاده فقط وليس
له جيران؟
الشيخ: إذا كان ليس في المسجد باب على الشارع فالظاهر أنه حسب نيته فإذا
كان بناه على أنه مسجد مؤبد فهو يجب أن يبقى وإذا كان عليه ضرر بالرجوع
إليه لأن المكان مثلاً تقدم وأتسع من الناحية الأخرى ففي هذه الحال تقدر
قيمته ويبني بدله في الجهة الثانية عرضاً عن المسجد الأول.
السائل: إذا فتح الشخص طاقاً في جداره لكنه يطل على حوش جاره بحيث يكشف على
أهل جاره فهل له ذلك؟
الشيخ: لا، لا يجوز فمثلاً لو نزل الطاق بحيث يكون قامة الرجل متوسط لا
يحجزها لم يجز لأنه يجب على الأعلى سترة تمنع مشاهدة الأسفل.
السائل: هل هو النافذة؟
الشيخ: نعم وهي التي يسميها بعض النس الدريشة.
فصل
القارئ: فإن كان بابه في زقاق غير نافذ فأراد تقديمه نحو أوله جاز لأنه
يترك بعض حقه وإن قدمه نحو آخره لم يجز لأنه يجعل لنفسه الاستطراق في موضع
لم يكن له ويحتمل الجواز لأن له رفع حائطه كله فيملك رفع بعضه ولأن ما يلي
حائطه فيئا له فملك فتح الباب فيه كحالة ابتداء البناء فإن له ابتداء
البناء جعل بابه حيث شاء فتركه له لا يسقط حقه منه.
الشيخ: الظاهر أن مثل هذه المسائل يرجع
فيها إلى العرف فإذا جرى التسامح بين الناس في مثل هذه الأمور مشينا على
هذا العرف فمثلاً زقاق صغير ليس بنافذ لصاحب الباب أن ينقل الباب إلى فم
الزقاق وليس له أن ينقله إلى أسفله لأنه لا حق له في الاستطراق فيما وراء
بابه، لكن ينبغي أن يقال مثل هذه المسائل ليس فيها نص بين فيرجع فيها إلى
العرف فإذا تعارف الناس أن صاحب البيت له أن يضع الباب حيث شاء عُمل به
وأما قول المؤلف (لأن له رفع حائطه كله) فهذا فيه نظر لأن الباب يكون
الدخول والخروج محصوراً في نقطة معينة لكن لو هدم الجدار كله وجعل كل بقية
بيته مفتوحاً لم يصبح كالباب المحصور.
القارئ: ولو تنازع صاحبا البابين في الدرب ففيه وجهان أحدهما يحكم بالدرب
من أوله إلى الباب الأول لهما لأن يدهما عليه واستطراقهما فيه وسائر الدرب
للآخر لأن اليد له لاستقراطه وحده والثاني هو بينهما لأن لهما جميعاً يداً
وتصرفا فعلى الوجه الأول لصاحب الباب الصدارني جعل آخر الدرب دهليزاً يختص
به عن سائر أهل الدرب لأنه ملكه خاصة وعلى الثاني لا يجوز لأنه مشترك بين
الجميع.
الشيخ: الصحيح أنه لا يجوز لأن جعله دهليزاً معناه أنه نقدم بابه إلى آخر
باب من جيرانه ويبقى بقية السوق له يختص به وهذا لا شك أن فيه شيئاً من
التضييق عليهم لأنهم ربما إذا كان السوق مفتوح إلى الأخر ربما تأتي سيارة
ترجع على الوراء فيكون لها فسحة وربما يكون عند تنزيل الأغراض والأمتعة
يكون لها فسحة وصورة هذه المسالة نقول هذا الطريق المسدود انتهت أبواب
الجيران إلى نصفه والذي في أسفله واحد فمن نصفه إلى أسفله لهذا الواحد
فلصاحب هذا البيت الواحد الذي في الأسفل أن يجعله دهليزاً
لبيته فيقدم الباب ويدخل بقية السوق لأنه
لا يشاركه فيه أحد فنقول هذا فيه نظر لأن في بقية السوق مصلحة للآخرين
ولأنه ربما تهدم البيوت وينشئونها من جديد ويجعلون أبواب البيوت متأخرة في
الداخل فإذا قدم بابه صار كأنه ملكه فالصحيح أنه لا يجوز فقول المؤلف (وعلى
الثاني لا يجوز) نقول هذا هو الصحيح.
فصل
القارئ: إذا كان بينهما حائط مشترك فانهدم فدعا أحدهما صاحبه إلى عمارته
فأبى أجبر لأنه إنفاق على ملك مشترك يزيل الضرر فأجبر عليه كإطعام العبد
المشترك ولأن في تركه ضرا فأجبر عليه كالقسمة فإن لم يفعل باع الحاكم ماله
وأنفق عليه فإن لم يكن له مال أقترض عليه وأنفق وإن أنفق الشريك بإذنه أو
أذن الحاكم رجع عليه بالنفقة والحائط بينهما كما كان قبل انهدامه وعنه لا
يجبر لأنه إنفاق على ملك لا يجب لو أنفرد به فلم يجب مع الاشتراك كزرع
الأرض.
الشيخ: الصواب الأول أنه يجبر عليه لأن إبقائه بدون بناء ضرر وقد قال النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ضرر ولا ضرار).
القارئ: وإن أراد شريكه بناءه لم يمنع لأنه يعيد رسماً في مشترك فلم يمنع
كعوض الخشب الذي له رسم فإن بناه بآلته عاد بينهما كما كان برسومه وحقوقه
لأنه عاد بعينه وليس للباني فيه إلا أثر تأليفه وإن بناه بآلة من عنده فهو
للباني ليس لشريكه الانتفاع به وللباني نقضه إن شاء لأنه ملكه خاصة ولو بذل
له شريكه نصف قيمته لئلا ينقضه لم يجبر على قبولها لأنه لما لم يجبر على
إنشائه لم يجبر على إبقائه وعلى الرواية الأولى يجبر على تركه لأنه يجبر
على إنشائه فيجبر على إبقائه فإن كان للشريك على الحائط رسم انتفاع قلنا
للباني إما أن تأخذ منه نصف القيمة وتمكنه من إعادة رسمه وإما تأخذ بناءك
ليبني معك لأن القرار مشترك بينهما فلم يجز أن يسقط حق شريكه.
فصل
القارئ: وإن كان السفل لأحدهما والعلو
للآخر فانهدم السقف الذي بينهما فالحكم فيه كالحائط المشترك سواء لأنه
ينفعهما فهو كالحائط بينهما وأيهما هدم الحائط أو السقف فعليه
إعادته إلا أن يخاف سقوطه ويجب هدمه فصير كالمنهدم بنفسه وإن انهدمت حيطان
صاحب السفل لم يملك صاحبه إجبار صاحب العلو على مباناته لأنه ملكه خاصة
وعنه يجبر لأنهما ينتفعان به فأشبه الحائط المشترك وهل لصاحب العلو إجبار
صاحبه على بنائه؟ على روايتين وليس لصاحب السفل منع صاحب العلو من بنائه إن
أراده فإن بنائه بآلته فهو على ما كان لا يملك أحدهما نقضه وإن بناه بغير
آلته فقال أحمد رضي الله عنه لا ينتفع به صاحب السفل حتى يؤدي القيمة
فيحتمل أن ليس له السكنى لأن فائدة الحيطان أكثرها للسكنى ويحتمل أنه ليس
له طرح الخشب ونصب الوتد ونحوه دون السكنى لأن ذلك هو الانتفاع بالحائط
مباشرة ولبانيه نقضه لأنه ملكه ولا يجبر على إبقائه بالقيمة لأنه لا يجبر
على ابتدائه.
الشيخ: هذا الفصل قد يظن الظان أنه لا يتصور ولكنه متصور كثيراً فقد يكون
عمارة أسفلها لأناس وأعلاها لآخرين وأحياناً يكون أسلفها مسجداً وأعلاها
مسكناً وأحياناً بالعكس فهذا شيء متصور والجدار الأسفل كما أنه مصلحة
للأسفل فهو مصلحة أيضاً للأعلى فلو قال صاحب الجدار الأسفل أنا لا أبني لكن
أنت قَوِّم أعمدة فهنا لا يلزم الأسفل أن يقوم أعمدة لأن المصالحة خاصة
بصاحب العلو.
فصل
القارئ: فإن كان بينهما دولاب أو ناعورة يحتاج إلى عمارة فذلك كالحائط
المنهدم سواء وإن كان بينهم قناة أو عين ففي إجبار الممتنع من عمارتها
روايتان فإن بناها أحدهما لم يملك منع صاحبه من نصيبه لأنه ليس له فيها إلا
أثر الفعل.
الشيخ: الدولاب عبارة عن جنزير فيه أواني
مثل السطول لها رحى تدور فيها فتنزل هذه الأواني على بطنها فإذا صعدت صعدت
على ظهرها فهي تدور ظهرها إلى فوق وبطنها إلى أسفل فإذا وصلت إلى الماء
غرقت من الماء ثم ارتفعت وإذا ارتفعت يكون بطنها إلى فوق ويكون مملوء من
الماء ثم تصب في ساقي يصب على البركة وهكذا فهذا هو الدولاب أما الناعورة
فالظاهر والله أعلم أنها من جنس المواسير وأنا لا أعرفها لكن الظاهر أنها
من جنس المواسير والمهم أن القاعدة عندنا التي ينبغي أن نجعل كل هذه
التفاريع عليها هي أن المشترك بين شخصين إذا احتاج إلي زيادة في التجديد لم
يجبر أحدهم وإن احتاج إلى دفع ضرر أجبر الآخر فهذه هي القاعدة فلو كان
بينهما جدار من لَبِنٍ من الطين وقال أحدهما أريد أن أهدمه وأعيده من الطوب
الأسمنت وقال الثاني لا فهل يجبر الثاني؟ الجواب لا يجبر لأن هذا ليس فيه
دفع ضرر بل فيه تجديد منفعة، فإن انهدم هذا الجدار وقال أحدهما أريد أن
أعيده على جدار من الطوب وقال الثاني بل من اللَّبِن الأول، فأيهما الذي
يتبع؟ الجواب يتبع الثاني الذي يقول أعيده من اللبن أولاً اللهم إلا إذا
تساوت القيمة أي قيمة
اللبن من الأسمنت ومن الطين فهنا نقول من طلب الأعلى أجيب ومن امتنع منه
أجبر فأيهما أعلى لبن الطوب من الأسمنت أو من الطين؟ الجواب لبن الطوب من
الأسمنت وهذه هي القاعدة في هذه المسائل كلها أما الحقوق فهذا يرجع إلى
العرف.
السائل: ما فرق بين الضرر والضرار؟
الشيخ: الضرر هو الذي يكون بلا قصد والضرار الذي يكون بقصد.
السائل: الأشياء المشتركة التي يثبت فيها
الخلاف بين الناس كثير من الأحيان يدعي كل واحد منهما ضرر تساوى الأمران
يعني كل منهما أقام بينة على أن هذا الحائط مثلاً يقول يحجب مني الشمس
فأريد أن يبقى والآخر يقول هذا الحائط أريد أن أهدمه حتى يدخل عليَّ الهواء
والشمس بفإذا أدعى كل واحد منهما ضرراً الأول لإبقائه والآخر لإزالته فقول
من نأخذ به؟
الشيخ: هذا يرجع إلى أهل الخبرة فيه لكن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى
يتبين الأمر.
السائل: لو وجد جاران وأراد أحدهما أن يبني بينه وبين جاره جداراً وعرض على
صاحبه أن يعينه على هذا الجدار فأبى ثم بناه لوحده فهل له أن يمنعه من
الاستفادة من هذا الجدار؟
الشيخ: لا ليس له ذلك فليس له أن يمنعه أن يغرز خشبه عليه أما أن يستغل
بفتح روزن أو دق وتد وما أشبه ذلك فله أن يمنعه لكن الشيء الذي يكون من
مصلحة الجدار ومصلحة الجار فإنه لا يمنعه منه.
فصل
القارئ: ليس للمالك التصرف في ملكه بما يضر جاره نحو أن يبنيه حماماً بين
الدور أو مخبزاً بين العطارين أو يجعله دار قصارة تهز الحيطان أو يحفر
بئراً تجتذب ماء بئر جاره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)
رواه ابن ماجه والدارقطني بنحوه ولأنه تصرف يضر بجيرانه فمنع منه كالدق
الذي يهز الحيطان وليس له سقي أرضه بما يهدم حيطانهم وإن كان لهم سطح أعلى
من سطح جاره فعلى الأعلى بناء سترة بين ملكيهما ليدفع عنه ضرر نظره إذا صعد
سطحه.
الشيخ: كل هذا يؤخذ من قول النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) ومن قوله
(من ضار ضار الله به) ومن قوله (لا ضرر ولا ضرار) والفرق بين الضرر والضرار
أن الضرار مقصود هو أن يقصد الإنسان الضرر والضرر أن يأتي بدون قصد، يقول
المؤلف رحمه الله (ليس للمالك التصرف في ملكه بما يضر جاره نحو أن يبينه
حماماً بين الدور) لأن هذا يضر بالرطوبة وكثرة الناس والرائحة كذلك أيضاً
إذا بنى مخبزاً بين العطارين لأن الظاهر أن ريحة الإحرار والبخار تؤثر
على الجو فمن جاء للعطارين ليشتري لا
يستطيع أن يعرف رائحة الطيب بدقة فهذا ضرر فلهم أن يمنعوه من بناء المخبز
بين العطارين قوله (أو يجعله دار قصارة تهز الحيطان) يعني غسيل ثياب وكيف
تهز الحيطان؟ نقول لأنه جرت العادة أنه إذا اتسخ الثوب وسخاً شديداً وضعوه
على حجر كبير ثم جاءوا بخشبة مدقة أو شبهها فيدقونه بها من أجل أن يتسرب
الوسخ فهذا إنسان جعل داره قصارة فإنه مع الضرب تتهز الحيطان فله أن يمنعه
من ذلك قوله (أو يحفر بئراً تجتذب ماء جاره) هذا أيضاً ضرر عظيم لكن ماذا
يصنع إذا حفر بئراً وهو لا يريد الإضرار بجاره لكن نقص الماء، فبماذا
نلزمه؟ الجواب نلزمه بطم البئر ولا يستخرج منها الماء، ولو أنه جعل حول
بيته ماطوراً للكهرباء بمعنى أنه لا يوجد كهرباء عامة في البلد فجعل في
بيته ماطوراً للكهرباء فهل يمنع من ذلك أو لا؟ الجواب يمنع لأن له صوتاً
عظيماً وربما يهز الأرض، ولو كان عنده حفل عرس ووضع مكبرات الصوت حول
الجيران فهل لهم أن يمنعوه؟ الجواب لهم أن يمنعوه لأن هذا يقلق راحتهم
ويمنعهم من النوم والمهم أن القاعدة العامة هي أن يمنع الضرر عن جيرانه فإن
اختلفوا فقال صاحب الضرر الذي يدعى عليه الضرر ليس في هذا ضرر وقال جاره بل
فيه ضرر فإنه يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه إذا
كان له سطح أعلى من سطح جاره وجب على الأعلى أن يتخذ سترة تمنع مشارفة
الأسفل ولا يقول للأسفل ضع جداراً طويلاً حتى لا أشرف عليك منه بل نقول أنت
أيها الأعلى يجب عليك أن تضع جداراً يمنع مشارفة الأسفل فإن كان بينهما
شارع بمعنى أنهما ليسا جارين متلاصقين بل بينهما شارع وهذا له درائش مطلة
على الشارع لكن من وقف عند هذه الدريشة رأى بيت الرجل الآخر من وراء الشارع
فهل نلزمه بأن يرفع الدريشة؟ الجواب نعم نلزمه بأن يرفعها أو يضع زجاجاً
مثلجاً بحيث لا يرى من ورائه بيت جاره.
باب الحوالة
القارئ: وهي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
الشيخ: مثال ذلك رجل له دين على زيد ولزيد دين على عمرو فقال زيد للرجل
أحلتك على عمرو فقبل فالآن انتقل الدين من ذمة زيد إلى ذمة عمرو وقد قال
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أحيل على مليء فليتبع).
القارئ: وهي عقد إرفاق منفرد بنفسه ليست بيعا بدليل جوازها في الدين بالدين
وجواز التفرق قبل القبض واختصاصها بالجنس الواحد وأسم خاص فلا يدخلها خيار
لأنها ليست بيعاً ولا في معناه لكونها لم تبن على المغابنة.
الشيخ: ومن أجل هذا جاز القرض لأنه عقد إرفاق فيجوز مثلاً أن أقرضك عشرة
دراهم وتعطيني عوضها بعد شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين مع أنني لو بعت عليك
دراهم بدراهم لم يجز إلا بشرط القبض في
المجلس ولهذا إذا كان القرض يجر نفعاً إلى المقرض صار محرماً لأنه قصد فيه
المعاوضة والمغابنة كما قال المؤلف.
القارئ: والأصل فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم وإذا
أتبع أحدكم على مليء فليتبع) متفق عليه.
الشيخ: قوله صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) الغني هو القادر على
الوفاء فمطله أي منعه صاحب الدين ظلم ولكن متى يتحقق المطل؟ الجواب يتحقق
المطل في الدين الحال إذا طلبه صاحبه وفي الدين المؤجل إذا حل أجله فمثلاً
إذا اشتريت من شخص سلعة بثمن مؤجل إلى دخول شهر ذي الحجة وجب على المشتري
أن يوفي فور دخول شهر ذي الحجة ولا يؤخر لأن تأجيله يدل على المطالبة به
عند حلول الأجل ضِمناً، أما الحال فإنه لا يجب أداؤه إلا بالمطالبة وقيل إن
المؤجل إذا حل فهو كالحال من الأصل وأن فائدة التأجيل أن صاحب الدين لا
يملك المطالبة مادام الأجل باقياً فإذا تم الأجل ملك المطالبة ولكنه لا
يقال إن الذي عليه الدين أنه مماطل حتى يطالب به رب الدين.
القارئ: ولا تصح إلا بشروط أربعة أحدها أن
يحيل على دين مستقر لأن مقتضاها إلزام المحال عليه الدين مطلقا ولا يثبت
ذلك فيما هو بعرض السقوط.
الشيخ: قوله (فيما هو لعرض السقوط) المعنى أي ما هو عرضة للسقوط.
القارئ: ولا يعتبر استقرار المحال به.
الشيخ: عندنا الأن دين محال به ودين محال عليه صورة المسألة زيد له في ذمة
عمرو مائة ريال فأحاله عمرو على خالد بمائة ريال فالدين الذي على عمرو محال
به وعلى خالد محال عليه وعندنا كذلك محال ومحيل فالمحال هو الطالب والمحيل
هو المطلوب فصار عندنا دينان وعاقدان فالدينان يقال له محال به ومحال عليه
وأما العاقد فيقال محيل ومحال.
القارئ: لجواز أداء غير المستقر ولا تجوز الحوالة بدين السلم ولا عليه لأنه
لا تجوز المعاوضة عنه به ولا عنه.
الشيخ: سبق لنا أن القول الراجح أن دين السلم كغيره تجوز المعاوضة به وتجوز
المعاوضة عنه وأن الحديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) حديث ضعيف
وإن صح فالمراد إذا تضمن ذلك ربا.
القارئ: ولو أحال الزوج زوجته قبل الدخول بصداقها صح وإن أحالت المرأة به
عليه لم يصح لأنه غير مستقر وإن أحال المشتري البائع بثمن المبيع في مدة
الخيار صح وإن أحال البائع به عليه لم يصح لذلك وإن أحال المكاتب سيده بنجم
قد حل عليه صح وإن أحال سيده به عليه
لم يصح لذلك وإن أحيل على المكاتب بدين غير مال الكتابة صح لأن حكمه حكم
الأحرار في المداينات وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فهو توكيل
في الاقتراض.
الشيخ: معنى التوكيل في الاقتراض أي أنه وكله أن يقترض من هذا المحال عليه
ليستوفي منه مثال ذلك عمرو يطلبك مائة ريال فأحلته على زيد وقلت أحلتك على
زيد وليس عنده شيء فهو توكيل في الاقتراض هل يملك المحال عليه أن يقول لا؟
الجواب نعم له ذلك ليس عليه شيء.
القارئ: وإن أحال من لا دين عليه على من لا
دين عليه فهو توكيل في الاقتراض وإن حال من لا دين عليه على من له عليه دين
فهو توكيل في الاستيفاء وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فهو ملتمس
إيفاء دينه وليس شيء من ذلك حوالة إذ الحوالة تحول الحق وانتقاله ولا حق
هاهنا يتحول وإنما جاز التوكيل بلفظ الحوالة لاشتراكهما في معنى وهو تحول
المطالبة من الموكل إلى الوكيل كتحولها من المحيل إلى المحتال.
فصل
القارئ: الشرط الثاني تمثال الحقين لأنها تحويل الحق فيعتبر تحوله على صفته
ويعتبر التمثال في ثلاثة أشياء الجنس فلو أحال من عليه أحد النقدين بالآخر
لم يصح والصفة فلو أحال على المصرية بأميرية أو عن المكسرة بصحاح لم يصح
والحلول والتأجيل فإن كان أحدهما حالاً والآخر مؤجلا أو أجل أحدهما مخالفاً
لأجل الآخر لم يصح وإن صحت الحوالة فتراضيا على خير مما أحيل به أو دونه أو
تعجيله أو تأخيره أو الاعتياض عنه جاز لأنه دين ثابت فجاز فيه ذلك كغير
المحال به.
الشيخ: هذا شرط أن يتماثل الحقان في الجنس
والصفة والحلول والتأجيل وذلك لأنهما إذا اختلفا في الجنس صار هذا بيعاً
فيدخل في بيع الدين بالدين مثال ذلك أحال بذهب على فضة إنسان مدين لشخص
بعشرة دنانير وله على آخر أي المدين له على آخر مائة درهم فأحال صاحب
الدنانير على صاحب الدراهم فهذا لا يجوز لأن حقيقته أنه بيع دين بدين
وأيضاً بيع ذهب بفضة بدون التقابض حتى لو فرض أنه من غير الذي يجري بينهما
الربا مثل أحال شخصاً يطلبه براً على آخر بتمر فإنه لا يجوز وذلك لأنه يكون
بيعاً فيكون بيع دين بدين والأمر الثاني الصفة فلو أحال بشيء أحسن وأسوق
بين الناس على ما دونه يقول المؤلف أنه لا يحل ولو كان على ما فوقه فإنه لا
يحل أيضاً لأنه لابد من التساوي في الصفة ولنضرب مثلاً بغير الدراهم
والدنانير فمثلاً لو كان عليه مائة صاع بر جيد أحال على شخص آخر عليه مائة
صاع بر متوسط يقول المؤلف إن هذا لا يجوز وكذلك لو كان عليه مائة صاع بر
متوسط أحال على
مائة صاع بر جيد فإنه لا يجوز وهذا إذا كان
على سبيل المعاوضة له وجه لكن إذا كان على سبيل المسامحة ورضي من له الدين
بالأنقص أو من عليه الدين بالأكمل فما المانع لا أجد لهذا مانع مادام
المسألة على سبيل التسامح فمثلاً هو مطلوب مائة صاع بر رديء أحال على مائة
صاع بر جيد ما المانع فهو رضي لنفسه بالأنقص على وأحال على الأكمل وبالعكس
أيضاً لو كان عليه مائة صاع بر جيد وأحال بمائة صاع بر رديء فما المانع لأن
صاحب الدين الآن رضي بالأقل وأختار هذا وكذلك أيضاً من باب أولى مسألة
الحلول والتأجيل إذا كان عليه دين حال مائة درهم حالة وأحال صاحبها على شخص
آخر بمائة مؤجلة فهذا كما لو أجلها المستحيل على صاحب الدين فلا مانع إذا
قال المستحيل أنا راضي أن تحولني على فلان ولو كان الدين مؤجلاً فما المانع
من هذا أو كان عليه دين مؤجل وأحاله على دين حال فما المانع هذا زاده خيراً
فالذي يظهر لي أن الحلول والتأجيل والصفة أنها ليست بشرط إلا أن يمنع من
ذلك إجماع فهذا لا نخالف الإجماع إما إذا لم تكن المسألة إجماعية فالصحيح
أن ذلك جائز وأنه من باب المسامحة.
فصل
القارئ: الشرط الثالث أن يكون بمال معلوم
على مال معلوم لأنه يعتبر فيهما التسليم والتماثل والجهالة تمنعها ولا يصح
فيما لا يصح السلم فيه لأنه لا يثبت في الذمة وإنما تجب قيمته بالإتلاف
ويصح في كل ما يثبت مثله في الذمة بالإتلاف من الأثمان والحبوب والأدهان
وفيما يصح السلم فيه غير ذلك كالمذروع والمعدود وجهان أحدهما لا تصح
الحوالة به لأن المثل لا يتحرر فيه ولهذا لا يضمن بمثله والثاني يصح لأنه
يثبت في الذمة ويحتمل أن يبني الحكم فيه على القرض إن قلنا يقضي في هذا
بمثله صحت الحوالة به لأنه يثبت في الذمة بغير السلم وإلا فلا لأنه لا يثبت
في الذمة إلا بالسلم ولا تصح الحوالة في السلم وإن كان عليه إبل من قرض وله
مثل ذلك على آخر صحت الحوالة بها لأنه إن ثبت في الذمة مثلها صحت الحوالة
وإن ثبت قيمتها فالحوالة بها صحيحة وإن كان له إبل من دية فأحال بها على من
له عليه مثلها من دية أخرى صح ويلزمه إعطائه أدنى ما يتناوله الاسم وقال
أبو الخطاب في وجه آخر أنه لا صح وإن كان عليه إبل من الدية وله مثلها
قرضاً فأحال بها ففيه وجهان أحدهما يصح لأن الخيرة في التسليم إلى المحيل
وقد رضي بتسليم ماله في ذمة المقترض والثاني لا يصح لأن الواجب في القرض في
إحدى الروايتين القيمة فقد أختلف الجنس وإن أحال المقترض من له الدية بها
لم
يصح وجهاً واحدا لأننا إن قلنا الواجب القيمة فالجنس مختلف وإن قلنا يجب
المثل فللمقترض مثل ما أقرض في صفاته وقيمته والذي عليه الدية لا يلزمه
ذلك.
الشيخ: هذه صور قد يصعب تصورها لكن القاعدة أنه لابد أن يكون في معلوم على
معلوم.
السائل: إذا اختلف النوعان على المذهب فهل يجوز الإحالة يعني مثلاً دولار
بريال؟
الشيخ: لا يجوز لأن هذه صفة فلا يجوز.
السائل: حتى إذا كان الأمر مبني على المسامحة بينهما؟
الشيخ: والله ما أدري لأن هذه في معاوضة ولأن الجنس اختلف.
السائل: إذا تفاهما على أنه متى أخذ المبلغ
المخالف للمبلغ المحال عليه يحوله ويعطيه؟
الشيخ: إذا كان بشرط فإنه لا يجوز وأما إن اصطلحا على القيمة في وقت القبض
فلا بأس.
فصل
القارئ: الشرط الرابع أن يحيل برضاه لأن الحق عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة
بعينها ولا يعتبر رضى المحال عليه لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله
وقد أقام المحتال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الدفع إليه كما لو
وكله بالاستيفاء منه.
الشيخ: عندنا الآن محيل ومحال عليه فالمحيل لابد من رضاه والمحال عليه لا
يشترط رضاه وبقي المحتال وهو الطرف الثالث فصله المؤلف رحمه الله فلو أن
صاحب الحق قال للمطلوب أعطني حقي فقال له ما عندي شيء فقال صاحب الحق لك
دين على فلان حولني عليه فهل يلزمه أن يحيله؟ الجواب لا يلزمه أن يحيله
لأنه لابد من رضى المحيل أما أن يجبر فلا لكن نقول يجبر على أن يستلم الدين
الذي له ثم يوفي إذا طلب الغرماء وأما المحال عليه فلا يشترط رضاه فلو أن
المحتال صار أشد إلحاحاً من المحيل ولما أحيل عليه هذا الشريك قال لا أقبل
أنا لا أعرفك أنا صاحبي فلان فهل له أن يرفض؟ نقول ليس له ذلك بل للمحتال
أن يقول له إن فلان يأخذ حقه بنفسه وبوكيله وأنا اعتبرني وكيلاً له.
القارئ: وأما المحتال فإن كان المحال عليه مليئاً وهو الموسر غير المماطل
لم يعتبر رضاه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتبع أحدكم على مليء
فليتبع) ولأن للمحيل إيفاء الحق بنفسه وبوكيله وقد أقام المحال عليه مقامه
في الإيفاء فلم يكن للمحتال الامتناع.
الشيخ: المؤلف فسر المليء بأنه الموسر غير المماطل وهذا يحتاج إلى زيادة
قيد فنقول الذي يمكن مطالبته فلابد من هذا لأنه قد يحيله على موسر غير
مماطل لكن لا تمكن مطالبته لو ماطل، فلو أحيل على أبيه لم
يلزمه القبول ولو أحيل على أمير لم يلزمه
القبول لماذا لأن الأول لا تمكن مطالبته شرعاً الذي هو الأب والثاني لا
تمكن مطالبته عادة.
القارئ: وإن لم يكن مليئاً لم يلزمه أن يحتال للحديث.
الشيخ: الحديث دل على هذا بالمنطوق أو بالمفهوم؟ الجواب بالمفهوم ودل على
الأمر بالاتباع إذا كان على مليء.
القارئ: ولأن عليه ضرراً في قبولها فلم يلزمه كما لو بذل له دون حقه في
الصفة فإن رضي بها مع ذلك صحت كما لو رضي بدون حقه.
فصل
القارئ: إذا صحت الحوالة برئ المحيل من الدين لأنه قد تحول من ذمته فإن
تعذر الاستيفاء من المحال عليه لموت أو فلس حادث أو مطل لم يرجع على المحيل
كما لو أبرئه.
الشيخ: لماذا؟ لأن المحيل برئ وكونه يعتذر الوفاء فيما بعد فهذا ليس إليه.
القارئ: وإن كان مفلساً حين الحوالة ولم يرض المحتال بالحوالة فحقه باقي
على المحيل لأنه لا يلزمه الاحتيال على مفلس وإن رضي مع العلم بحاله لم
يرجع لأن الذمة برئت من الحق فلم تعد إلى الشغل كما لو كان مليئاً، وإن رضي
مع الجهل بحاله ففيه روايتان إحداهما لا يرجع لذلك والثانية يرجع لأن الفلس
عيب في المحال عليه فكان له الرجوع كما لو اشترى معيباً ثم علم عيبه وإن
شرط ملاءة المحال عليه فله شرطه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون
على شروطهم) رواه أبو داود ولأنه شرط شرطاً مقصودا فإذا بان خلافه ملك الرد
كما لو شرطه في المبيع.
الشيخ: الآن فهمنا أنه إذا رضي المحتال بعدم ملاءة المحيل فإنه لا يرجع
لأنه دخل على بصيرة وأما إن لم يرض فالمذهب يقولون إنه لا يرجع كذلك لأنه
رضي ولماذا لم يحتاط لنفسه فيشترط لكن الصحيح أن له الرجوع لا سيما إذا
علمنا أن المحيل قد خدع المحتال وأحاله على غير مليء فإن له الرجوع أما لو
شرط فقال أنا أقبل الحوالة بشرط أن يكون مليئاً فله شرطه لأن المسلمين على
شروطهم.
فصل
القارئ: إذا اشترى عبداً فأحال البائع
بثمنه أو أحال البائع عليه بثمنه فبان حراً أو مستحقا فالحوالة باطلة لأن
البيع باطل ولا دين على المشتري يحيل به أو يحال عليه فإن اتفق المحيل
والمحال عليه على ذلك وكذبهما المحتال لم يسمع قولهما كما لو باعا عبداً ثم
أقرا بحريته ولا تسمع لهما بينة لأنهما أكذباها لدخولهما في البيع وإن
أقامها العبد سمعت وبطلت الحوالة وإن صدقهما المحتال في حرية العبد وأدعى
أن الحوالة بدين آخر فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل صحة الحوالة فكان صدقه
أظهر فإن أقاما بينة بذلك سمعت لأنهما لم يكذباها.
الشيخ: خلاصة هذا أن الحوالة مبنية على أصل فإذا تبينت أن الأصل باطل بطلت
الحوالة فإذا أحيل بثمن مبيع أو أحيل به عليه فبان البيع باطلاً فإنه لا
حوالة لأنه إذا بطل الأصل بطل الفرع.
فصل
القارئ: وإن اشترى عبداً وأحال البائع بثمنه ثم وجده معيباً ثم رده قبل قبض
المحتال من المحال عليه بطلت الحوالة لأنها بالثمن وقد سقط بالفسخ ذكره
القاضي ويحتمل أن لا تبطل لأن المشتري نقل حقه إلى ما في ذمة المحال عليه
فلم تبطل بالفسخ كما لو أعطاه عن الثمن ثوباً ثم فسخ العقد لم يرجع في
الثوب وإن كان الرد بعد قبض المحتال لم تبطل لأن ذمة المحال عليه برئت
بالقبض منه ويرجع المشتري على البائع وإن اشترى عبداً فأحال البائع عليه
أجنبياً بالثمن فرده المشتري بعيب لم تبطل الحوالة لأن ذمة المشتري برئت
بالحوالة من البائع فصار كأنه قبض منه وتعلق به هاهنا حق غير المتعاقدين
وهو المحتال بخلاف التي قبلها ويرجع المشتري على البائع بالثمن.
الشيخ: هنا يفرق بين الفسخ وبين البطلان
فإذا تبين البطلان بطلت الحوالة وأما إذا صار فسخاً فالحوالة باقية ولكن
لكل منهما أن يحيل على الآخر فإذا فسخ البيع فمعناه أن البائع لا يستحق
الثمن وإذا كان لا يستحقه فإنه إن قبض الحوالة أخذت منه وإن قال لا أنا
سآخذ الثمن من المحال عليه قلنا خذه لكن يرجع به المشتري عليه، وله أن
يحيله يعني فيقول البائع للمشتري _ لما فسخ البيع _ إني أحلتك على الذي
أحلتني عليه من قبل.
فصل
القارئ: وإذا أمر رجل بقبض دين له من غريمه ثم اختلفا فقال أحدهما كانت
وكالة بلفظها وقال الآخر كانت حوالة بلفظها فالقول قول مدعي الوكالة لأنه
يدعي بقاء الحق على ما كان وينكر انتقاله وإن اتفقا على أنه قال أحلتك
بالألف وقال أحدهما كانت حوالة حقيقة وقال آخر كانت وكالة بلفظ الحوالة
ففيه وجهان أحدهما القول قول المدعي الوكالة لذلك والثاني القول قول مدعي
الحوالة لأن الظاهر معه لموافقته الحقيقة ودعوى الآخر المجاز وإن قال أحلتك
بدينك فهي حوالة بكل حال.
الشيخ: الصحيح أنه إذا اتفقا على أنه قال أحلتك فإنها حوالة كما لو قال
أحلتك بدينك أما إذا قال أمرتك أن تقبض فقال إنك أمرتني على أنها حوالة
وقال بل على أنها وكالة فالقول قول مدعي الوكالة لأن الأصل بقاء الحوالة
على ما كان عليه.
فصل
القارئ: وإذا قال المدين لغريمه قد أحلتك
بدينك فلاناً فأنكر فالقول قوله مع يمينه فإن أقام المدين بينة بذلك سمعت
ليسقط عنه حق المحيل فإن كانت بحالها فأدعى أجنبي على المدين أن رب الدين
أحاله به فأنكره فأقام الأجنبي بينة ثبت في حقه وحق الغائب لأن البينة يقضى
بها على الغائب ولزم دفع الدين إليه فإن لم تكن له بينة فاعترف المدين له
بصحة دعواه ففيه وجهان أحدهما يلزمه الدفع إليه لاعترافه له بوجوب حقه عليه
وانتقال دينه إليه فأشبه ما لو قامت به بينة والثاني لا يلزمه الدفع إليه
لأنه لا يأمن إنكار المحيل ورجوعه عليه فكان له الاحتياط في تخليص نفسه كما
لو أدعى الوكالة فإن دفعه إليه ثم أنكر المحيل الحوالة وحلف ورجع على
المحال عليه فأخذ منه لم يرجع المحال عليه على المحتال لأنه معترف له أنه
استوفى حقه وإنما المحيل ظلمه وإن أنكر المدين الحوالة انبنى على الوجهين
إن قلنا يلزمه الدفع مع الإقرار لزمته اليمين على الإنكار وتكون على نفي
العلم لأنها على نفي فعل الغير وإن قلنا لا يلزمه الدفع مع الإقرار لم
تلزمه اليمين مع الإنكار لعدم فائدتها وليس للمحتال الرجوع على المحيل
لاعترافه ببراءة ذمته ويسأل المحيل فإن صدق المحتال ثبت ثبتت الحوالة لأن
رضى المحال عليه غير معتبر وإن كذبه حلف له وسقطت الحوالة وإن نكل المحال
عليه عن اليمين فقضي
عليه واستوفي منه ثم أنكر المحيل الحوالة فله أن يستوفي من المحال عليه
لأنه معترف له بالألف مدع أن المحتال ظلمه.
فصل
القارئ: فإن كان عليه دين فادعى رجل أنه وكيل ربه في قبضه فصدقه لم يلزمه
دفعه إليه لما ذكرنا في الحوالة وإن أنكر لم تلزمه اليمين لأنه لا يلزمه
الدفع مع الإقرار فلم تلزمه اليمين مع الإنكار.
الشيخ: هذا إنسان عليه دين فجاءه رجل فقال
إن صاحب الدين وكلني في قبضه منك فقال صدقت أنت رجل صدوق وليس عندي إشكال
في صدقك لكن لن أعطيك المال، وهذا يمكن أن يحدث، لماذا؟ لأنه ربما ينكر
صاحب الدين الوكالة فيقول ما وكلته، فإذا أنكر الوكالة لزم المدين أن يوفيه
فيوفيه ويرجع على أدعى أنه وكيل أما لو ثبت ببينة فإنه يلزمه أن يوفي لأنه
لا ضرر عليه لأن قد أثبت ذلك بالبينة نعم وهذا حقيقة قد يستغربها الإنسان
كيف يصدقه الوكيل ولا يعطيه لقول نعم لأن فيها طرف ثالث وهو الموكل لأنه قد
ينكر والوكالة وحينئذ يلزم هذا أن يضمن.
القارئ: فإن دفعه إليه فأنكر رب الدين الوكالة حلف ورجع على الدافع ثم رجع
الدافع على الوكيل إن لم يكن أعترف بصدقه لأنه لم يثبت أنه وكيل وإن كان
اعترف له لم يرجع عليه لأنه اعترف بصحة دعواه وأن الموكل ظلمه فلم يرجع على
غير ظالمه وإن كان المدفوع وديعة فوجدها ربها أخذها وإن تلفت في يد الوكيل
تلزمه مطالبة من شاء منهما فإن طالب الوكيل لم يرجع على أحد لأن التلف حصل
في يده فاستقر الضمان عليه وإن طالب المودع وكان قد اعترف بالوكالة لم يرجع
على أحد لما ذكرناه في الدين وإن لم يكن اعترف للوكيل رجع عليه.
فصل
القارئ: فإن كان عند رجل دين أو وديعة فجاء رجل فادعى أنه وارث صاحبهما وقد
مات ولا وارث له سواه فصدقه لزمه الدفع إليه لأنه لا يخشى تبعة وإن كذبه
فعليه اليمين أنه لا يعلم ذلك لأنه لزمه الدفع مع الإقرار فلزمته اليمين مع
الإنكار.
فصل
القارئ: فإن كان لرجل ألف على اثنين كل
واحد منها ضامن لصاحبه فأحاله أحدهما بها برئا منها لأن الحوالة كالتقبيض
وإن أحال صاحب الألف به على أحدهما صحت الحوالة لأنها مستقرة في ذمة كل
واحد منهما وإن أحال عليهما جميعاً ليستوفي من كل واحد منهما نصفها صحت لأن
ذلك للمحيل فملك الحوالة به وإن أحال عليهما ليستوفي من أيهما شاء صحت أيضا
لأنه لا فضل في نوع ولا عدد ولا أجل وإنما هو زيادة استيثاق فأشبه حوالة
المعسر على المليء ولهذا لو أحالاه على واحد صح.
|