تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة

كتاب الضمان
الشيخ: اعلم أن الأشياء التي يتوثق بها الإنسان لحقه هي الشهادة والكتابة والضمان والكفالة والرهن فكل هذه مما يوثق حق الإنسان فالشهادة أن يشهد عليه والكتابة أن يكتب المحقوق بالحق الذي عليه والرهن أن يعطي من له الحق رهناً والضمان هو الباب الذي نحن فيه والكفالة أيضاً ستأتي إن شاء الله.
القارئ: وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام دينه.
الشيخ: لو قال المؤلف رحمه الله وهو التزام الإنسان بما على غيره لكان أوضح من ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه فول قال أن يلتزم ما على غيره من دين كان هذا الضمان.
القارئ: فإذا قال لرجل أنا ضامن مالك على فلان أو أنا به زعيم أو كفيل أو قبيل أو حميل أو هو عليَّ صار ضامناً له وثبت في ذمته مع بقائه في ذمة المدين ولصاحب الدين مطالبة من شاء منهما لقول الله تعالى (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ).
الشيخ: هذا قاله صاحب العزيز قال (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) يعني أنا ضامن.


القارئ: وقول النبي صلى الله عليه وسلم (الزعيم غارم) حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وروى سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل ليصلي عليه فقال (هل عليه دين) قالوا نعم ديناران قال (هل ترك لهما وفاءً) فقالوا لا فتأخر فقيل لما لا تصلي عليه فقال (ما تنفعه صلاتي وذمته مرهونة إلا إن قام أحدكم فضمنه) فقام أبو قتادة فقال هما عليَّ يا رسول الله فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ولا يبرأ المضمون عنه بمجرد الضمان في الحياة رواية واحدة وفي الميت روايتان إحداهما يبرأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على الميت حين ضمنه أبو قتادة والثانية لا يبرأ وهي أصح لما روى

جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أبا قتادة عن الدينارين الذين ضمنهما فقال قد قضيتهما فقال (الآن بردت جلدته) رواه أحمد رضي الله عنه ولأنه وثيقة بدين فلم يسقط كالرهن وكحال الحياة ومتى برئ الغريم بأداء أو إبراء برئ الضمان لأنه تبع فزال بزوال أصله كالرهن وإن أبرأ الضامن لم يبرأ المضمون عنه لأن الوثيقة انحلت من غير استيفاء فلم يسقط الدين كالرهن.

فصل
القارئ: ولا يصح إلا من جائز التصرف فأما المحجور عليه لصغر أو جنون أو سفه فلا يصح ضمانه لأنه تبرع بالتزام مال فلم يصح منهم كنذر الصدقة وخرج بعض أصحابنا ضمان الصبي بإذن وليه على الروايتين في صحة بيعه وقال القاضي يصح ضمان السفيه ويتبع به بعد فك حجره وهذا بعيد لأن الضمان مجرد ضرر وتضييع للمال فلم يصح منه كالعتق ولا يصح ضمان العبد والمكاتب بغير إذن سيدهما لأنه التزام فلم يصح منهما بغير إذن كالنكاح ويصح بإذنه لأن المنع لحقه فزال بإذنه ويؤديه المكاتب مما في يده وهل يتعلق برقبة العبد أو بذمة سيده على وجهين.

فصل


القارئ: ويصح ضمان دين الميت المفلس وغيره لحديث أبي قتادة ولا يعتبر رضى المضمون له ولا المضمون عنه للخبر ولا معرفة الضامن لهما لأنه لا يعتبر رضاهما فأشبه الأجانب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل أبا قتادة عن معرفتهما ويحتمل أن تعتبر معرفتهما ليؤدي إلى أحدهما ويرجع على الآخر بما غرم عنه ويحتمل أن تعتبر معرفة المضمون له ليؤدي إليه ولا تعتبر معرفة المضمون عنه لعدم المعاملة بينه وبينه ولا يصح إلا برضى الضامن لأنه التزام مال فلم يصح من غير رضى الملتزم كالنذر.
الشيخ: فهمنا المضمون عنه لا يشترط رضاه والضمان يشترط رضاه لأنه هو المتبرع والمضمون له لا يشترط رضاه فإذا قال المضمون عنه للضامن لا تضمني أنا لست مماطلاً ولا معدماً ولا أريد أن تضمني وقال المضمون له بل أنا أريد أن يضمن، فمن يقبل قوله؟ الجواب المضمون له، لأنه لا يشترط رضى المضمون عنه حتى وإن كان بعض الناس يرى أن قيام أحد يضمنه يعتبر قدحاً فيه وأنه مماطل أو معسر لأن

بعض الوجهاء والأعيان يأنفون من أن يقوم أحدٌ فيضمنهم فيقول أنا لست مماطل ولست معسراً والأموال عندي كثيرة والحمد لله وأنا مليء، فهل نقول إن الحق عليك وليس لك وإذا طالب الذي له الحق أن يُضمن له ضُمِنَ له وإذا كنت لا تريد أن يضمنك أحد سَلِّم ما عليك الآن واستريح فالمهم أنه لا يشترط إلا رضى الضامن فقط.

فصل


القارئ: ويصح ضمان اللازم لخبر أبي قتادة وضمان الجعل في الجعالة لقول الله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) وضمان كل حق مالي لازم أو مآله إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار وبعدها والأجرة والصداق قبل الدخول وبعده وأرش الجناية نقداً أو حيونا لأنها حقوق مالية لازمة أو مآلها إلى اللزوم فصح ضمانها كالدين والجعل ويصح ضمان الأعيان المضمونة كالغصوب والعواري لأنها مضمونة على من هي في يده فأشبهت الدين ويصح ضمان عهدة المبيع عن كل واحد منهما لصاحبه وهو أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسلميه أو إن ظهر فيه عيب أو استحق أو وجد ذلك في المبيع غرمه الضامن لأن ذلك لازم فإنه إنما يتعلق بالضامن حكم لعيب أو غصب ونحوهما وهذا كان موجوداً حال الضمان فصح ضمانه كالدين وإن استحق الرجوع لأمر حادث كتلف المبيع قبل قبضه أو أخذه بشفعة فلا شيء على الضامن وإن ضمن البائع أو غيره للمشتري قيمة ما يحدثه من غراس أو بناء أو ما يلزمه من أجرة إن خرج المبيع مستحقاً صح ويرجع على الضامن بما لزمه من ذلك لأنه يستند إلى أمر وجودي ويصح أن يضمن الضامن ضامن ثاني لأن دينه ثابت فصح ضمانه كالأول ويصير الثاني فرعاً للضامن حكمه معه حكم الضامن مع الأصيل.
الشيخ: عهدة المبيع معناه أن الإنسان إذا أراد أن يشتري شيئاً من شخص مجهول وخاف أن يكون المبيع مسروقاً أو مغصوباً أو أن يظهر فيه عيب فيتقدم أحد ويقول أنا أضمن العهدة يعني إن ظهر مغصوباً أو مسروقاً أو ظهر فيه عيب فأنا ضمان مع أن هذا شيء معلق لكن المصلحة تقتضي ذلك فإذا كانت المصلحة تقتضي ذلك فلا مانع لأن الأصل في العقود الصحة والجواز إلا إذا اشتملت على غش أو ظلم أو ربا فإنها تحرم وهنا ليس هناك أي محظور.

فصل


القارئ: ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها لأنها غير مضمونة على من هي في يده فكذلك على ضامنه وإن ضمن لصاحبها ما يلزم بالتعدي فيها صح نص عليه أحمد رضي الله عنه لأنها تصير مضمونة على المضمون عنه ولا يصح ضمان مال الكتابة وعنه يصح لأنه يجوز أن يضمن عنه دين آخر والمذهب الأول لأن مال الكتابة غير لازم ولا يفضي إلى اللزوم لأنه يملك تعجيز نفسه ولأن الضمان لتوثيق الحق ومالا يلزم لا يمكن توثيقه وفي ضمان مال السلم روايتان إحداهما يصح لأنه دين لازم فأشبه القرض والثانية لا يصح لأنه يفضي إلى استيفائه من غير المسلم إليه فأشبه الحوالة به.
الشيخ: والصحيح أنه يجوز لضمان دين السلم وكذلك بالنسبة للوديعة يجوز أن يضمن التعدي فيها أو التفريط فيها لأنها إذا تلفت من غير تعدي ولا تفريط فإن المودع لا يضمن وإذا لم يضمن الأصل لم يضمن الفرع أما التعدي أو التفريط فإن المودع إذا تعدى أو فرط فإنه يضمن وحينئذ لو سألك سائل هل يصح ضمان الأمانات يعني الودائع؟ فالجواب أما ضمانها إذا تعدى أو فرط فهذا جائز وأما إذا لم يتعد ولم يفرط فهذا ليس بجائز.

فصل
القارئ: ويصح ضمان المعلوم والمجهول قبل وجوبه وبعده لقوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) وحمل البعير يختلف فهو غير معلوم وقد ضمنه قبل وجوبه ولأنه التزام حق من غير معاوضة فأشبه النذر وإن قال ألق متاعك في البحر وعليَّ ضمانه صح لأنه استدعاء إتلاف بعوض لغرض صحيح فصح كقوله أعتق عبدك وعليَّ ثمنه.
الشيخ: قوله (لغرض صحيح) المقصود به هنا خوف الغرق يعني أنه ينجو من الغرق مثاله سفينة محملة تكاد تغرق فقال أحد الركاب لمن له حِملها ألق متاعك وعليَّ ضمانه فهذا يجوز لأنه يشبه أنه اشتراه منه بثمنه.

فصل


القارئ: ويصح ضمان الحال مؤجلا لأن الغريم يلزمه أداؤه في جميع الأزمنة فجاز للضامن التزام ذلك في بعضه كبعض الدين وإن ضمن المؤجل حالاً لم يلزمه لأنه لا يلزم الأصيل فلا يلزم الضامن ويقع الضمان مؤجلاً على صفته في ذمة الضامن وإن ضمن الدين المؤجل وقلنا إن الدين يحل بالموت فمات أحدهما حل عليه الدين وبقي في ذمة الآخر إلى أجله ولا يملك ورثة الضامن الرجوع على المضمون عنه قبل الأجل لأنه لم يحل

فصل
القارئ: وإذا قضى الضامن الدين بإذن المضمون عنه رجع عليه لأنه قضى دينه بإذنه فهو كوكيله وإن ضمن بإذنه رجع عليه لأنه تضمن الإذن في الأداء فأشبه ما لو أذن فيه صريحا وإن ضمن بغير إذنه وقضى بغير إذنه معتقداً للرجوع ففيه روايتان إحداهما يرجع أيضا لأنه قضاء مبرئ من دين واجب لم يتبرع به فكان على من هو عليه كما لو قضاه الحكام عند امتناعه والثانية لا يرجع لأنه تبرع فلم يرجع به كما لو بنى داره أو أعلف دابته بغير إذنه فإن اختلفا في الإذن فالقول قول من ينكره لأن الأصل عدمه.
الشيخ: الصحيح أنه يرجع عليه مادام نوى الرجوع عند القضاء أنه يرجع سواء كان الضمان بإذن المضمون عنه أو لا، لأنه قضى عنه ديناً واجباً بنية الرجوع فجاز له المطالبة به.
السائل: المؤلف استدل على جواز ضمان المجهول بقوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) ألا يقال إن حمل البعير معروف ويحمل على ما جرت به العادة فلا يكون في الآية دليل؟
الشيخ: قوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ) نقول من الذي جاء به؟ الجواب لا ندري فهو مجهول.

فصل
القارئ: ويرجع الضامن بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين لأنه إن قضاه بأقل منه فإنما يرجع بما غرم وإن أدى أكثر منه فالزائد لا يجب أداؤه فقد تبرع به.


الشيخ: هذا الكلام صحيح وواضح لأنه إذا كان الدين المضمون ألفاً ورضي صاحب الحق بثمانمائة فإنه لا يرجع إلا إذا قال صاحب الحق أعطني ثمانمائة والباقي خذه من صاحبك فهنا لا بأس يأخذ من صاحبه الزائد وهو مائتان.
القارئ: وإن دفع عن الدين عرضا رجع بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الدين وإن قضى المؤجل قبل أجله لم يرجع قبل الأجل لأنه تبرع بالتعجيل وإن أحال به الغريم رجع بأقل الأمرين مما أحال به أو دينه سواء قبض الغريم من المحال عليه أو لم يقبض لأن الحوالة كالتقبيض وإن ضمن الضامن ضامن آخر فقضى الدين رجع على الضامن ثم رجع الضامن على المضمون عنه وإن قضاه الضامن رجع على الأصيل وحده فإن كان الأول ضمن بلا إذن والثاني ضمن بإذن رجع الثاني على الأول ولم يرجع الأول على أحد في إحدى الروايتين.

فصل
القارئ: وإن ضمن بإذنه فطولب بالدين فله مطالبة المضمون عنه بتخليصه لأنه لزمه الأداء بأمره ولا يملك المطالبة قبل ذلك لأنه لا يملك الرجوع قبل الغرامة فلا يملك المطالبة قبل أن يطالب وإن ضمن بغير إذنه لم يملك المطالبة به لأنه لا دين له ولا هو وكيل صاحب الدين ولا لزمه الأداء بإذن الغريم فأشبه الأجانب.
الشيخ: إذا طُلِبَ الضامن فله أن يطالب المضمون عنه بالوفاء لأنه لزمه الأداء بأمره ولا يملك المطالبة قبل ذلك لأنه لم يطالب.

فصل
القارئ: وإذا دفع المضمون عنه قدر الدين إلى الضامن عوضاً عما يقضيه في الثاني لم يصح لأنه جعله عوضاً عما يجب عليه في الثاني فلم يصح كما لو دفع إليه شيئاً عن بيع لم يعقده ويكون ما قبضه مضموناً عليه لأنه قبضه على وجه البدل فأشبه المقبوض ببيع الفاسد وفيه وجه أنه يصح لأن الرجوع بسببين ضمان وغرم فإذا وجد أحدهما جاز تعجيل المال كتعجيل الزكاة فإن قضى الدين استقر ملكه على ما قبض وإن برئ قبل القضاء وجب رد ما أخذ كما يجب رد الثمن إذا لم يتم البيع.

فصل


القارئ: إذا أدعى الضامن القضاء فأنكره المضمون له فالقول قوله مع يمنيه لأن الأصل معه وله مطالبة من شاء منهما فإن استوفى من الضامن لم يرجع على المضمون عنه إلا بأحد القضائين لأنه يدعي أن المضمون له ظلمه بالأخذ الثاني فلا يرجع به على غيره وفيما يرجع به وجهان أحدهما بالقضاء الأول لأنه قضاء صحيح والثاني ظلم والوجه الثاني يرجع بالقضاء الثاني لأنه الذي أبرأ الذمة ظاهراً فأما إن استوفى من المضمون عنه فهل للضامن الرجوع عليه؟ ينظر فإن كذبه المضمون عنه بالقضاء لم يرجع لأنه لم يثبت صدقه وإن صدقه وكان قد فرط في القضاء لم يرجع بشيء لأنه أذن له في قضاء مبرئ ولم يوجد وإن لم يفرط رجع وسنذكر التفريط في الوكالة إن شاء الله فإن اعترف المضمون له بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يلتفت إلى إنكاره لأن الدين حق للمضمون له فإذا أقر بقبضه فقد أقر بأنه صار للضامن ولأنه يثبت القضاء بالإقرار فملك الرجوع به كما لو ثبت ببينة وفيه وجه آخر أن القول قول المضمون عنه لأنه منكر.
طالب: وإن كذب المضمون عنه القضاء عند الأداء.
الشيخ: كل باب الضمان يعود إلى ضمان الدين لصاحب الحق وليس ضمان صاحب الدين بل ضمان الدين وعلى هذا فلو أحضر المضمون عنه لم يبرأ حتى يقضي الدين وأما الكفالة فهي التزام بإحضار بدن المكفول وليس دينه وهذا فرق مهم جداً لأن الكفيل إذا أحضر المكفول برئ سواء أوفي أو لم يوف إلا في مسائل ستأتي إن شاء الله.

باب الكفالة
القارئ: تصح الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحاكم بحق يصح ضمانه لأنه حق لازم فصحت الكفالة به كالدين ولا تصح بمن عليه حد أو قصاص لأنها تراد للاستيثاق بالحق وهذا مما يدرأ بالشبهات.


الشيخ: قوله رحمه الله (وهذا مما يدرأ بالشبهات) فيه نظر وهذا لا يمكن من غير من يجب عليه فمثلاً الكفالة في القصاص لنفرض أن الكفيل لم يقدر على المكفول فهل نقتص منه؟ لا نقتص لكن لو قيل أنه يكلفه فإن لم يكن إحضار بدنه ألزم بالدية فهذا لا بأس لأن هذا أصبح كأنه ضمان إذ أنه التزام بحق مالي يمكن استيفائه من غير من هو عليه وكذلك مسألة الحد فإنه لا عوض عن الحد فلو قال شخص للحاكم مثلاً أخرج فلان من الحبس وأنا أكلفه لك وأحضره لتقيم عليه الحد فإن هذا لا يصح، لماذا؟ لأن هذه

الكفالة في الحقيقة ليس فيها كبير فائدة إذ أنه إذا عجز عن إحضاره لم يستوف الحد من الكفيل ومسألة الدرء بالشبهات فهذه ما فيها شبهة هذه واضحة والمهم أنه لا كفالة في حد وأما القصاص فالصحيح أنه يفصل فيه إذا قال أنا أكفل إحضاره لتقتصوا منه فإن تعذر فلا أكفل لكم إلا الدية ورضوا بذلك صح.
القارئ: ولا تصح بالمكاتب لأنه لا يلزمه الحضور فلا يلزم غيره إحضاره كالأجانب وتصح الكفالة بالأعيان المضمونة كالمغصوب والعواري لأنه يصح ضمانها ولا تصح في الأمانات إلا بشرط التعدي فيها كضمانها سواء.
الشيخ: الكفالة بالأعيان المضمونة تصح كالمغصوب مثلاً إنسان غاصب وغيَّبَ المغصوب وأحضر إلى مجلس الحكم فقال كفيله أنا أكفله لما غصب فهذا جائز لأنه إذا تعذر إحضاره رجعنا عليه بالمال وكذلك العواري أما الأمانات فلا تصح الكفالة فيها لأن الأصل وهو المكفول لا يجب عليه ضمان الأمانات لكن إذا ضمن التعدي فيها جاز.

فصل
القارئ: وإذا صحت الكفالة فتعذر إحضار المكفول به لزمه عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الزعيم غارم) ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب الغرم بها كالضمان.
الشيخ: لو قال المؤلف ولأننا لو لم نوجب الضمان لم يكن للكفالة فائدة هذا هو الصحيح وهو التعليل الصحيح فنحن لو لم نوجب هذا لكانت الكفالة عديمة الفائدة.


القارئ: فإن غاب المكفول به أمهل كفيله قدر ما يمضي إليه فيعيده لأن ما لزم تسلميه لم يلزم إلا بإمكان التسليم فإن مضى زمن الإمكان ولم يفعل لزمه ما عليه أو بذل العين التي كفل بها.

السائل: الكفالة هل تصح بأي صيغة أم يشترط لها صيغة معينة؟
الشيخ: بل بكل ما دل عليها فجميع العقود تنعقد بما دل عليها مطلقاً على القول الراجح واستثنى الفقهاء رحمهم الله النكاح فإنه ينعقد بلفظ أنكحت أو زوجت والصحيح أن جميع العقود تنعقد بما دل عليه وكذلك الفسوخ تنعقد بما دل عليها.
القارئ: فإن مات أو تلفت العين بفعل الله تعالى سقطت الكفالة لأن الحضور سقط عن المكفول به فبرئ كفيله كما يبرأ الضامن ببراءة المضمون عنه ويحتمل أن لا يسقط ويطالب بما عليه.

الشيخ: قوله (إن مات) أي المكفول (أو تلفت العين) أي المكفول بها والصواب أنها تسقط الكفالة إن تعذر تسليم المكفول فإن كان المكفول الرجل فقد مات وإن كان مكفول العين فقد تلفت.
القارئ: وإن سلم المكفول نفسه أو برئ من الحق بأداء أو إبراء برئ كفيله لأن الحق سقط عن الأصيل فبرئ الكفيل كالضمان وإن أبرأ الكفيل صح كما يصح إبراء الضامن ولا يبرأ المكفول به كالضمان وإن قال رجل أبرئ الكفيل وأنا كفيل بمن تكفل به ففيه وجهان أحدهما يصح لأنه نقل الضمان إلى نفسه فصح كما لو أحال الضامن المضمون له على آخر والثاني لا يصح لأنه شرط في الكفالة أن يبرئ الكفيل فهو شرط فاسد فمنع صحة العقد.
الشيخ: والصواب أنه صحيح ولا مانع وفيه فائدة.

فصل


القارئ: وإذا قال أنا كفيل بفلان أو بنفسه أو بدنه أو وجهه صحت الكفالة وإن كفل ببعض بدنه فقال القاضي لا يصح لأن مالا يسري إذا خص به بعض الجسد لا يصح كالبيع وقال غيره إن كفل بعضو لا تبقى الحياة بدونه كالرأس والقلب والظهر صحت لأنه لا يمكن تسلميه بدون تسليم البدن فأشبه الوجه وإن كفل بغيرها كاليد والرجل ففيه وجهان أحدهما لا يصح لأن تسليمه بدون البدن ممكن والثاني يصح لأنه لا يمكن تسليمه على صفته دون البدن فأشبه الوجه.
الشيخ: الآن هل نقول البعض إذا كان يطلق على الكل صح مثل الوجه والرقبة وإن كان لا يطلق على الكل لم يصح كالأذن والعين والرجل والقدم وهذا أقرب شيء ولو قال قائل إنه إذا كفل البعض صح مطلقاً إلا إذا كان هذا منفصلاً أو في حكم المنفصل كالسن والشعر والظفر كما قالوا في الطلاق أنه إذا طلق جزءاً لا ينفصل وقع الطلاق وإذا كان ينفصل لم يقع وهذه الصور الفقهاء يصورنها وإلا ليس هناك من يقول أكفل لك وجه فلان.

فصل
القارئ: إذا علق الكفالة والضمان على شرط أو وقتهما فقال أنا كفيل بفلان أو ضامن ما عليه فقال القاضي لا يصح لأنه إثبات حق لآدمي فلم يجز ذلك فيه كالبيع وقال أبو الخطاب والشريف أبو جعفر يصح لأنه ضمان أو كفالة فصح تعليقه على شرط كضمان العهدة فعلى

هذا لو قال كفلت بفلان على أني إن جئت به وإلا فأنا كفيل بفلان أو ضامن ما عليه صح فيهما عندهما ولم يصح عند القاضي لأن الأول مؤقت والثاني معلق على شرط.


الشيخ: الصحيح الجواز والأقيسة التي ذكروها رحمهم الله منها مالا يصح ومنها ما هو غير مسلم فتعليل القاضي رحمه الله بأنه لا يصح التوقيت كالبيع نقول أولاً أن بينهما فرقاً البيع نقل ملك وهذا ضمان والملك باقي ولا ضرر فيه على أحد وثانياً أن نقول من الذي يقول إن البيع لا يصح معلقاً من قال هذا؟ يحتاج إلى دليل والأًصل في الشروط الحل والصحة والإلزام بما التزم به الشارط إلا بدليل فالصواب إن الشروط في جميع العقود صحيحة هذا هو الأصل كما أن جميع العقود الأصل فيها الصحة إلا بدليل فأي إنسان يقول لك هذا شرط غير صحيح فقل له أين الدليل؟ لكن لو أن إنسان تعبد لله بعبادة فإننا نمنعه حتى يأتي بدليل فالواجب إتباع الأصل كما قلنا ذلك في المنظومة (إن يقع شك فأتبع الأصل) فالصواب في هذا أنه يجوز الضمان والكفالة معلقاً وموقتاً ودليلنا على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً).

فصل
القارئ: وتصح الكفالة ببدن الكفيل كما يصح ضمان دين الضامن وتجوز حالة ومؤجلة كالضمان ولا تجوز إلى أجل مجهول لأنه حق لآدمي فلم يجز إلى أجل مجهول كالبيع.
الشيخ: هذا فيه نظر البيع عقد معاوضة مبني على المشاحة والمقاطعة وهذه عقد توثقة إن حصلت فهذا المطلوب وإن لم تحصل فالحق باقي فالصواب أنها تصح إلى أجل مجهول مثل أن يقول أنا ضامن هذا الرجل إلى أن يحضر أبوه أو أنا كافل به إلى أن يحضر أخيه ليس في هذا مانع إطلاقاً وهذا يقع أيضاً والناس محتاجون إليه فيقول مادام أبوه غير حاضر فأنا ضمان وإذا حضر فأبوه فإنه هو الذي يتولى أمره أيضاً أنا أكفله حتى يأتي أبوه.
القارئ: وتجوز الكفالة مطلقة ومقيدة بالتسليم في مكان بعينه فإن أطلق ففي أي موضع أحضره وسلمه إليه على وجه لا ضرر عليه فيه برئ وإن كان عليه ضرر لم يبرأ بتسليمه وكذلك إذا سلمه قبل المحل قياساً على من سلم المسلم فيه قبل محله أو غير مكانه.


الشيخ: الله المستعان هذا قياس فيه نظر لو سلم الكفيل قبل المحل لم يبرأ ووجهه أن صاحب الحق لا يمكن أن يطالب الكفيل الآن لأن الدين لم يحل إذاً ما الفائدة من تسليمه؟ فالتعليل الصحيح أن يقال أنه إذا سلمه قبل المحل لا يبرأ لأن صاحب الدين وهو المكفول له لا يمكنه المطالبة بدينه وأي فائدة من الإتيان بالكفيل والدين سيحل بعد سنة أما مسألة الدين قبل محله فهذه مسألة أخرى والصحيح أنه إذا سلمه الدين قبل محله لزمه أخذه إلا إذا كان عليه ضرر.

القارئ: وإن كفل واحد لأثنين فسلمه إلي أحدهما أو أبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر لأنه حق لأثنين فلم يبرأ بأداء حق أحدهما كالضمان وإن كفل اثنان لرجل فأبرأ أحدهما لم يبرأ الآخر كما في الضمان وإن سلمه أحدهما لم يبرأ الآخر لأنه برئ من غير استيفاء الحق فلم يبرأ صاحبه كما لو برئ بالإبراء ويحتمل أن يبرأ كما لو أدى أحد الضامنين الدين وإن قال الكفيل أو الضامن برئت مما كفلت به لم يكن إقراراً بقبض الحق لأنه قد يبرأ بغير ذلك.

الشيخ: قوله (وإن قال الكفيل) الأوجه أن يقال (وإن قال للكفيل) أي قال صاحب الحق فتكون العبارة هكذا (وإن قال للكفيل أو الضامن برئت مما كفلت به لم يكن إقراراً بقبض الحق لأنه قد يبرأ بغير ذلك) وهذه العبارة مشكلة وتحتاج إلى مراجعة.

فصل
القارئ: إذا طولب الكفيل بإحضار المكفول به لزمه أن يحضر معه لأنه وكيل في إحضاره فإن أراد إحضاره من غير طلب والكفالة بإذنه لزمه الحضور معه لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه فكان عليه تخليصه كما لو استعار عبده فرهنه وإن كفل بغير إذنه لم يلزمه الحضور معه لأنه لم يشغل ذمته ولا له قبله حق.
الشيخ: ولو قيل بأنه لا يلزم الكفيل الحضور مطلقاً لكان وجيهاً لأن المقصود إحضار المكفول فإذا حضر فسواء حضر الكفيل أو لا، وذلك مثل أن يرسل الكفيل مكفوله مع خادمه أو مع عبده أو ما أشبه ذلك.

فصل


القارئ: إذا كفل إنساناً أو ضمنه ثم قال لم يكن عليه حق فالقول قول خصمه لأن ذلك لا يكون إلا بمن عليه حق فإقراره به إقرار بالحق وهل يلزم الخصم اليمين فيه وجهان مضى توجيههما فيمن أقر بتقبيض الرهن ثم أنكره وطلب يمين المرتهن والله أعلم.