تعليقات
ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة كتاب الوكالة
القارئ: يصح التوكيل في الشراء لقول الله تعالى (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ
بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى
طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ).
الشيخ: إباحة الوكالة لا شك أنها من محاسن الشريعة ومن تيسيرها وذلك لأن
الإنسان قد لا يتمكن من الوصول إلى ما يريد إلا بوكالة وهي تشبه الاستعانة
بالغير لأن المُوَكِّل إذا وَكَّلَ شخصاً فقد استعان به وهنا نسأل هل هي
مباحة أو مندوبة أو محرمة؟ الجواب أما بالنسبة للمُوكِّل فإنها مباحة وأما
بالنسبة للوكيل فإنها سنة لأنها من الإحسان والإعانة وقد قال الله تعالى
(وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) واستدل المؤلف رحمه
الله لجوازها بالآية الكريمة (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ
إِلَى الْمَدِينَةِ) فإذا قال قائل القصة هذه ليست لهذه الأمة؟ فالجواب أن
ما قصه الله علينا في القرآن الكريم فإنه عبرة لنا فإذا قُصَّ ولم ينكر فهو
عبرة لنا يعني لنا أن نفعله، والعلماء رحمهم الله دائماً يستدلون بما في
القرآن الكريم، وفي هذه الآية جواز التوكيل وجواز الاشتراك لقولهم
(بِوَرِقِكُمْ) فإن ظاهر أن النقد الذي معهم مشترك وفيها أيضاً جواز طلب
الأعلى والأزكى من الطعام وأن هذا لا يعد إسرافاً لقوله (فَلْيَنْظُرْ
أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً) وفيها أيضاً رد لكلام الفقهاء في باب السلم
رحمهم الله حيث قالوا إنه إذا شرط الأردأ أو الأجود لم يصح لأنه ما من جيد
إلا وفوقه أجود منه فيقال إن هؤلاء وكلوه في شراء الأزكى ويُحْمَلُ الأردأ
والأجود على ما في السوق وفيها أيضاً جواز التوكيل بالشراء والحمل فلو وكلت
شخصاً ليشتري لك شيئاً فإنه من لازم الوكالة أن يشتريه ويأتي به لا أن
يشتريه ويضعه في الدكان فالمطلوب أن يحضره ويكون قولهم (فَلْيَأْتِكُمْ
بِرِزْقٍ مِنْهُ) من باب التوكيد.
القارئ: ولما روى عروة بن أبي الجعد قال
(أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً اشتري له به شاة) رواه
البخاري (أو أضحية) ولأن الحاجة داعية إليها فإنه لا يمكن كل أحد شراء ما
يحتاج إليه فدعت الضرورة إليها وتجوز في سائر عقود المعاملات قياساً على
الشراء وفي تملك المباحات كإحياء الموات والاصطياد لأنه تملك مال بسبب لا
يتعين عليه فجاز التوكيل فيه كالشراء.
الشيخ: أما أحياء الموات فلا شك أنه جائز فلو وَكَّلَ شخصاً أن يحي له
مواتاً فلا بأس لكن الاصطياد والاحتشاش قد يتوقف فيهما الإنسان لأن هذا شيء
يملكه الإنسان بفعله فيكون لمن اصطاد أو لمن حَشَّ لكن الفقهاء رحمهم الله
يقولون لا بأس به ويكون اصطياده وكالة.
القارئ: وتجوز في عقد النكاح لأن النبي صلى الله عليه وسلم وَكَّلَ عمرو بن
أمية الضمري فتزوج له أم حبيبة وتجوز في الطلاق والعتاق والخلع والرجعة
لأنها في معنى النكاح.
الشيخ: الخلع هو فراق زوجته بعوض وليس
طلاقاً بل هو فسخ واختلف العلماء رحمهم الله إذا وقع الخلع بلفظ الطلاق هل
يكون فسخاً أو يكون طلاقاً فإن قلنا إنه طلاق حُسِبَ من الطلاق وإن قلنا
إنه فسخ لم يحسب، ومثاله أن تطلب المرأة من زوجها أن يطلقها بعوض وليكن ألف
ريال فطلقها على عوض ألف ريال وكان قد طلقها قبل ذلك مرتين فإذا قلنا إنه
طلاق لم تحل له إلا بعد زوج وإذا قلنا إنه فسخ حلت له بعقد والقول الراجح
أنه فسخ كالخلع وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وقال ابن عباس رضي الله
عنهما (كل ما كان فيه عوض فليس بطلاق) وأما قوله في حديث ثابت بن قيس (اقبل
الحديقة وطلقها تطليقة) فهذه الكلمة (طلقها تطليقة) لا تصح وإذا لم تصح
بقينا على الأصل أن هذا فراق بعوض فهو فداء كما سماه الله عز وجل (فَلا
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه) إذاً الخلع هو فراق الزوجة بعوض
سواء كان بلفظ الفسخ أو الفداء أو الفراق أو الطلاق على القول الراجح، وأما
الرجعة فهي أن تكون امرأة مطلقة فيوكِّل زوجها شخصاً فيقول له راجعها عني.
القارئ: وتجوز في إثبات الأموال والحكومة فيها حاضراً كان الموكل أو غائبا
لما روي أن علياً وكَّل عقيلاً عند أبي بكر رضي الله عنهم وقال ما قضي عليه
فعليَّ وما قضي له فلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان وقال إن للخصومة
قحماً يعني مهالك وهذه قضايا في مظنة الشهرة ولم تنكر فكانت إجماعا ولأن
الحاجة تدعو إلى ذلك بأن يكون له حق أو عليه ولا يحسن الخصومة أو لا يحب
حضورها ويجوز التوكيل في الإقرار لأنه إثبات حق فأشبه البيع.
الشيخ: لكن في الإقرار يجب أن يحدد له فيقول أنت وكلي في الإقرار بما يدعيه
عليَّ فلان ما لم يتجاوز عشرة آلاف مثلاً وعليه فيتقيد بما قيده الموكِّل.
القارئ: ويجوز في إثبات القصاص وحد القذف
واستيفائهما في حضرة الموكل وغيبته لأنه حق آدمي أشبه المال وقال بعض
أصحابنا لا يجوز استيفاؤهما في غيبته وقد أومأ إليه أحمد رضي الله عنه بأنه
يجوز أن يعفو الموكل فيكون ذلك شبهة ويجوز التوكيل في حقوق الله تعالى
المالية لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها.
الشيخ: إذا وكل في القصاص فالإمام أحمد رحمه الله أومأ إلى أنه لابد أن
يحضر المُوكِّل لأنه ربما يوكله في القصاص في الصباح ثم يشار على المُوكِّل
بأن يعفو عن القصاص فيعفو ويكون الوكيل قد أعتمد أن ينفذ القصاص، وما أومأ
إليه الإمام أحمد رحمه الله قوي خصوصاً في القصاص الذي يتضمن إتلاف نفس
ولهذا بعض الناس الآن إذا كان له قصاص على شخص وطُلِبَ منه أن يعفو عنه
ويسمح قال لا أسامح لا بد أن يجرى القصاص، فإذا حضر الناس صاح صاحب القصاص
وقال اشهدوا أني عفوت عنه ابتغاء وجه الله، لأجل أن يكون هذا أوقع في نفس
الذي يراد قصاصه وليكون هذا تشجيع للناس.
القارئ: وفي إثبات الحدود واستيفائها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) متفق عليه.
الشيخ: التوكيل في إثبات الحد في قوله (فإن
اعترفت) وفي إقامته في قوله (فارجمها) وهذا الحديث استدل به من يرى أنه لا
يشترط في الإقرار بالزنا التكرار وهو القول الراجح لا سيما إذا اشتهر كما
في قصة هذه المرأة وأما الاستدلال باشتراط التكرار بالقياس على الشهادة
وبكون الرسول صلى الله عليه وسلم ردد ماعزاً ففيه نظر لأن الشهادة بالزنا
لو ثبتت بالواحد لكان في ذلك انتهاك لأعراض الناس فاحتيط فيها بحيث لا يقبل
الشهادة في الزنا إلا أربعة رجال وأما قصة ماعز فالظاهر والله أعلم أن
الرسول عليه الصلاة والسلام شك في أمره لأنه سأله فقال (أبك جنون) ومثل هذا
لا يقال إلا لمن هو مشكوك فيه حتى أنه أمر من كان حاضراً أن (يقوم
فيستنكهه) يعني يشمه هل هو شارب أو لا، فالصواب أن الإقرار بالزنا مرة
واحدة يثبت به الحد لا سيما إذا اشتهر وبان كهذه القصة.
القارئ: ولا تجوز في العبادات البدنية لأن المقصود فعلها ببدنه فلا تحصل من
فعل غيره إلا في الحج لما سبق في بابه.
الشيخ: قوله (إلا في الحج) نقول نعم لكن بشروط كما سبق منهما أن يكون
عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله فله أن يقيم من يحج عنه وقوله (في العبادات
البدنية) احترازاً من العبادات المالية كالصدقات فإنه لا بأس بالتوكيل
فيها.
فصل
القارئ: ولا تجوز في الأيمان والنذور لأنها تتعلق بعين الحالف فلا تدخلها
النيابة ولا في الإيلاء واللعان والقسامة لأنها أيمان ولا في الشهادة لأن
غيره لا يقوم مقامه في مشاهدته.
الشيخ: في الشهادة مثل أن يأمر شخص يقول يا فلان اذهب فاشهد عني، والذي
يؤدي الشهادة هذا الموكَّل فهذا لا يصح لأن الشهادة يشترط فيها العلم ومثل
هذا لا يحصل به العلم أما لو قال اذهب يا فلان اشهد لأني مشغول والذي يؤدي
الشهادة هذا الوكيل فلا بأس بها.
القارئ: ولا في الاغتنام لأنه يتعلق بالحضور فإذا حضر النائب كان السهم له
ولا في الالتقاط لأنه بأخذه يصير لملتقطه.
فصل
القارئ: ولا يصح التوكيل في شيء مما لا يصح
تصرفه فيه لأن من لا يملك التصرف بنفسه فبنائبه أولى.
الشيخ: قوله (مما لا يصح تصرفه فيه) أيهما يقصد الوكيل أم الموكِّل؟ الجواب
يشمل الموكِّل والوكيل لكن مراد المؤلف هنا الموكِّل.
القارئ: فلا يصح توكيل طفل ولا مجنون ولا سفيه لذلك ولا توكيل المرأة في
النكاح ولا الفاسق في تزويج ابنته ولا المسلم لذمي في شراء خمر لذلك فأما
من يتصرف بالإذن كالعبد والصبي والوكيل فإن أذن لهم في التوكيل جاز وإن
نهوا عنه لم يجز وإن أطلق لهم الإذن فلهم التوكيل فيما لا يتولون مثله
بأنفسهم أو يعجزون عنه لكثرته لأن تفويضه إليهم مع العلم بهذا إذن في
التوكيل وفيما سوى ذلك روايتان إحداهما لا يجوز لهم التوكيل لأنهم يتصرفون
بالإذن فاختص بما أذن فيه ولم يؤذن في التوكيل والثانية يجوز لأنهم يملكون
التصرف بأنفسهم فملكوه بنائبهم كالمالك الرشيد.
الشيخ: والصحيح أنهم لا يملكون هذا وذلك لأن المُوَكِّل قد يعتمد على فلان
ولا يعتمد على فلان فقد يرى أن هذا فيه الكافية في معرفة الأمور والمماكسة
وما أشبه ذلك ولا يرى أن غيره يقوم مقامه لكن في مثل هذه الحال إذا كان
الوكيل يخشى أن لا يتمكن فليطلب من المُوَكِّل الإذن من قبل فيقول يا فلان
أنا مستعد أن أباشر الشيء بنفسي لكن إذا كان هناك مانع أتأذن لي أن
أُوكِّلَ غيري، فإذا قال نعم فله أن يُوَكِّلَ، وإن قال لا، فهنا يقول له
إذاً لا أتوكل عنك.
وهذا الذي ذكرته يظهر جداً فيما يختلف فيه القصد فلو وَكَّلَ شخصاً يحج عنه
لأنه يرضاه في دينه وفي علمه ثم جاء هذا المُوَكَّل ووكَّل آخر ليحج عن
الأول فالوكالة غير صحيحة فلا تصح لأني قد أرضى أن يحج عني محمد ولا أرضى
أن يحج عني زيد.
القارئ: فإن قال لوكيله اصنع ما شئت ملك التوكيل لأنه مما يشاء وولي اليتيم
كالوكيل فيما ذكرناه.
الشيخ: قوله (وولي اليتيم كالوكيل فيما
ذكرناه) فيه نظر ظاهر لأن ولي اليتيم كالمالك إذ أن ولايته ثابتة بإذن
الشارع فهي أصلية وأصيلة بخلاف الوكيل فالصواب أن على ولي اليتيم أن يعمل
بما يراه أصلح كما قال عز وجل (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وأما أن يقال له لا توكل أحداً!! فإن هذا فيه نظر
لأنه قد يرى ولي اليتيم أن من المصلحة أن يوكل غيره.
القارئ: ويملك الولي في النكاح التوكيل فيه من غير إذن المرأة لأن ولايته
من غير جهتها فلم يعتبر إذنها في توكيله كالأب وخرج القاضي غير ولاية
الإجبار على الروايتين في الوكيل والفرق بينهما ظاهر.
الشيخ: قوله (غير ولاية الإجبار) يعني أن الأخ لا يجبر أخته على النكاح أما
البنت فالمذهب أن أباها يجبرها والصحيح أنه لا إجبار.
فصل
القارئ: ومن ملك التصرف لنفسه جاز له أن يتوكل فيه ومن لا فلا فيجوز توكيل
الفاسق في قبول النكاح ولا يجوز في الإيجاب لأنه يجوز أن يقبل النكاح
لنفسه.
الشيخ: من ملك التصرف لنفسه في شيء من الأشياء جاز أن يتوكل فيه والأمثلة
تدل على ذلك ومن لا فلا، وعلى هذا فإذا وكَّل الأب فاسقاً في تزويج بنته
فإنه لا يجوز لأنه يشترط في الولي أن يكون عدلاً، ولو وكَّل الزوج فاسقاً
في قبول النكاح جاز لأنه لا يشترط في القبول أن يكون عدلاً.
القارئ: وقال القاضي لا يجوز فيهما لأن من لا يجوز أن يكون وكيلاً في
إيجابه لا يكون وكيلاً في قبوله كالمرأة.
الشيخ: الصواب الكلام الأول وقول القاضي ضعيف.
القارئ: ويجوز توكيل المرأة في الطلاق لأنه يجوز توكيلها في طلاق نفسها
فجاز في غيرها.
الشيخ: هذا فيه نظر فقياس التوكيل بطلاق
غيرها على التوكيل بطلاق نفسها فيه نظر، لأنه من المعلوم أنها إذا وُكِّلت
في طلاق نفسها فإنها لن تُطلِّقَ إلا حيث رأت المصلحة في التطليق لكن لو
وُكِّلت بطلاق غيرها فقد تُطلِّق هذا الغير وهي تعلم أنه ليس من مصلحته لكن
حقداً أو كراهية أو ما أشبه ذلك فالصحيح أن المرأة أن تُوَكَّل في طلاق
نفسها كما يجوز أن تُخير، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخير
نسائه، وأما توكيلها في طلاق غيرها ففي صحته نظر ووجه هذا النظر أنها قد لا
تراعي المصلحة في طلاق غيرها وربما إذا لم تكرمها هذه المرأة التي وُكِّلت
بطلاقها فإنها تُطَلِّقُها على الفور.
القارئ: ولا يجوز للعبد والمكاتب التوكيل إلا بإذن سيدهما ولا الصبي إلا
بإذن وليه وإن كان مأذونا له في التجارة لأن التوكيل ليس من التجارة فلا
يحصل الإذن فيه إلا بالإذن فيها.
السائل: توكيل الرجل الفاسق في تزويج ابنته هذا يحصل كثيراً خصوصاً لمن لا
يعيش في هذه البلاد فهل يشترط في الولي العدالة؟
الشيخ: سيأتينا إن شاء الله أنه ليس من شرط الولي أن يكون عدلاً ولو قلنا
بهذا القول فإنه ما بقى أحد يزوج بنته فمن من الناس مَنْ يكون سالماً من
الكبائر أو الإصرار على الصغائر إلا نادراً فالغيبة الآن مثلاً هي فاكهة
المجالس عند كثير من الناس.
فصل
القارئ: وتصح الوكالة بكل لفظ دل على الإذن وبكل قول أو فعل دل على القبول
مثل أن يأذن له في بيع شيء فيبيعه ويجوز القبول على الفور والتراخي نحو أن
يبلغه أن فلاناً وكله منذ عام فيقول قبلت لأنه إذن في التصرف فجاز ذلك فيه
كالإذن في الطعام.
الشيخ: القبول بالقول أن يقول قبلت والقبول
بالفعل أن يباشر بالفعل فلو قال وكَّلتُكَ أن تبيع السيارة فقال أيها الناس
من يسوم ولم يقل قبلت فإن هذا يكون قبولاً بالفعل وظاهر كلام المؤلف أن
إيجابها لا يصح بالقول ولكنه ليس كذلك فإنه حتى التوكيل يصح بالفعل مثاله
أن يكون رجلاً قد أعدَّ هذا الدكان لبيع الأشياء ولم يقل أنه أعده لبيع
التمر فجاء فوجد في الدكان أكياساً من التمر وهو معروف أنه يبيع في هذا
الدكان فهذا يكون وكالة بالفعل لأن صاحب الكيس الذي جاء به لم يقل له
وكَّلتُك لكنه مادام أنه وضعه في المكان الذي تباع فيه التمور فهذا يعني
التوكيل وعليه فنقول تصح الوكالة بالقول وبالفعل إيجاباً وقبولاً.
القارئ: ويجوز تعلقيها على شرط نحو أن يقول إذا قدم الحاج فأنت وكيلي في
كذا أو في بيع ثوبي.
الشيخ: في نسختي (أو فبع ثوبي) وعلى كل حال قصده أنه يجوز هذا وهذا سواءٌ
قال وكلتك أن تبيع ثوبي أو قال فبع ثوبي.
فصل
القارئ: ولا تصح إلا في تصرف معلوم فإن وكله في كل قليل وكثير لم يصح لأنه
يدخل فيه كل شيء فيعظم الغرر وإن كان وكله في بيع ماله كله أو ما شاء منه
أو قبض ديونه كلها أو ما شاء منها أو الإبراء منها صح لأنه يعرف ماله ودينه
فيعرف أقصى ما يبيع ويقبض فيقل الغرر وإن قال اشتر لي ما شئت أو عبداً بما
شئت فقال أبو الخطاب لا يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن لأن ما يمكن شراؤه
يكثر فيكثر الغرر وإن قدر له أكثر الثمن وأقله صح لأنه يقل الغرر وقال
القاضي إذا ذكر النوع لم يحتج إلى تقدير الثمن لأنه إذن في أعلاه وقد روي
عن أحمد فيمن قال ما اشتريت من شيء فهو بيننا أن هذا جائز وأعجبه وهذا
توكيل في شراء كل شيء ولأنه أذن في التصرف فجاز من غير تعيين كالإذن في
التجارة.
الشيخ: والصحيح أن ذلك يصح مثل أن يقول
وكَّلتُك في كل قليل أو كثير تشتريه من الميناء مثلاً أو من السوق، ومن
المعلوم أنه إذا قال وكَّلتُك في كل شيء لا يريد أنه وكَّلَه في طلاق
زوجاته أو إعتاق عبيده أو إيقاف أملاكه لا يريد هذا بل يريد في كل شيء يرى
أن فيه مصلحة وهذا يقع كثيراً فقد يكون الموكِّل لا يعرف السوق ولا يعرف
البيع والشراء فيوكِّلُ شخصاً فيقول أنت وكلي في كل شيء ترى فيه مصلحة فلا
بأس بهذا.
فصل
القارئ: ولا يملك من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل نطقاً أو عرفا لأن
تصرفه بالإذن فاختص ما تناوله الإذن فإذا وكله في الخصومة لم يملك الإقرار
ولا الإبراء ولا الصلح لأن إذنه لا يقتضي شيئاً من ذلك وإن وكله في تثبيت
حق لم يملك قبضه لأنه لم يتناوله النطق ولا العرف فإنه قد يرضى للتثبت من
لا يأمنه على القبض وإن وكله في القبض فهل يملك تثبيته فيه وجهان أحدهما
يملكه لأنه طريق القبض فكان التوكيل في القبض توكيلاً فيه والثاني لا يملكه
لما ذكرنا في التي قبلها وإن وكله في البيع لم يملك الإبراء من ثمنه ويملك
تسليم المبيع لأن العرف يتناوله ولأنه من تمام العقد وحقوقه ولا يتهم فيه
ولا يملك قبض الثمن لأن اللفظ لا يتناوله وقد يرضى للبيع من لا يرضاه للقبض
إلا أن تقتضيه الحال بأن يكون بحيث لو تركه ضاع.
الشيخ: خلاصة هذا الفصل أن من وُكِّلَ في
شيء لم يملك سوى ما وُكِّل فيه فإذا وكله في الخصومة فقال خاصم عني فلاناً
وهو ما يسمى في العرف بالمحامي فإنه لا يملك الإبراء ولا يملك القبض وإنما
يملك الإثبات فقط وما سوى ذلك فلا، وإذا وكَّله في البيع يقول الفقهاء: إنه
لا يملك قبض الثمن لأنه قد يرضى للبيع من لا يرضاه لقبض الثمن وهذا صحيح
إلا إذا عارضه العرف أو القرينة فمثال ما عارضه العرف أن يكون العرف عند
الناس أن البائع وهو الدلال هو الذي يقبض الثمن، أو اقتضته الحال مثل أن
يبيعه على شخص لا يعرفه فهنا لا بد أن يوثِّق الثمن وإما أن يقبضه، ولو
وكَّلَه في القبض فهل يملك الخصومة أو لا يملك؟ الجواب لا يملك الخصومة
لأنه ربما إذا خاصم لم يكن ألحن من خصمه فيغلبه الخصم ويكون المُوكِّل ألحن
من الخصم فينتفع.
مسألة: هل يجوز أن يوكل الإنسان المحامي عنه؟ نقول إن خاف أن يضيع حقه فلا
بأس وإن كان لا يخاف فلا داعي لأنه يُخْشَى أن يجلب له المحامي أشياء ليس
لها أصل لكي يغلب بالبيان والقوة.
فصل
القارئ: فإن وكله في البيع في وقت لم يملكه قبله ولا بعده لأنه قد يختص
غرضه به في زمن لحاجته فيه وإن وكله في بيعه لرجل لم يملك بيعه لغيره لأنه
قد يقصد نفعه أو نفع المبيع بإيصاله إليه وإن وكله في بيعه في مكان الثمن
فيه أكثر أو أجود لم يملكه في غيره لأنه قد يفوت غرضه وإن تساوت الأمكنة أو
قدر له الثمن ملك ذلك لأن الغرض فيهما واحد فالإذن في أحدهما إذن في الآخر
وإن وكله في بيع فاسد لم يملكه لأنه منهي عنه ولا يملك الصحيح لأنه لم يأذن
له فيه وإن قدر له الثمن في البيع لم يملك البيع بأقل منه لأنه لم يأذن له
فيه نطقاً ولا عرفا ويملك البيع بأكثر منه سواء كانت الزيادة من جنس الثمن
أو غيره لأنه مأذون فيه عرفا لأنها تنفعه ولا تضره.
الشيخ: قوله (ويملك البيع بأكثر منه ... )
نقول هذا ما لم يُحَدِّدْ له فيقول بعه على فلان بعشرة فهنا لا يجوز أن
يبيعه بأكثر لأنه حدد وقد يريد نفع المشتري فقد يريد الموكِّل نفع المشتري
ولا يريد أن تأخذ منه شيئاً أكثر فإذا باعه بأكثر فإنه لا يحل، لكن لو قال
أبيعه بأكثر وأعطي المالك الذي وكلني العشرة فقط، قلنا هذا أشد جرماً لأنك
ضررت الرجل الذي عين ولم تنفع الذي وكَّلك، إذاً نقول إذا باع بأكثر فالبيع
صحيح إلا إذا علمنا أن للموكِّل غرضاً في عدم الزيادة فلا تجوز الزيادة.
القارئ: وإن باع بعضه بدون ثمن جميعه لم يجز وإن باعه بجميعه صح لما ذكرناه
وله بيع باقيه لأنه أذن فيه ويحتمل أن لا يملكه لأنه حصل غرضه ببيع بعضه
فلا يبقى الإذن في باقيه وإن وكله في شراء شيء لم يملك شراء بعضه لأن اللفظ
لا يقتضيه.
الشيخ: قوله (لأن اللفظ لا يقتضيه) نقول إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك مثل أن
يقول أريد عشرة كيلو من هذه السلعة فلا يجد عند صاحب الدكان إلا خمسة لكنه
يعرف أنه سيجد الخمسة في مكان آخر فهنا نقول لا بأس أن يشتري خمسة من الأول
ويشتري من الدكان الآخر خمسة، أما إذا كان فيه احتمال أن لا يجد سوى هذه
الخمسة وقد وكَّله في عشرة فإنه لا يشتريها مثل أن يكون الرجل الذي عنده
هذه السلعة لا توجد عند غيره ولكن لم يجد إلا خمسة منها فهنا نقول لا تشتر
لأنه لم يجد البقية.
القارئ: وإن قال له بعه بمائة درهم فباعه
بعرض يساوي أكثر منها لم يجز لأنه لم يأذن فيه نطقاً ولا عرفا وإن باعه
بمائة دينار أو بتسعين درهماً وعشرة دنانير ففيه وجهان أحدهما لا ينفذ لأنه
خالفه في الجنس كالتي قبلها والثاني ينفذ لأنه مأذون فيه عرفا لأنه يرضى
الدينار مكان الدرهم عرفا وإن وكله في بيع عبيد أو شرائهم ملك ذلك صفقة
واحدة وصفقات لأن العرف جاري بكلا الأمرين وإن أمره بصفقة واحدة لم يملك
التفريق وإن اشتراهم صفقة واحدة من رجلين جاز لأن الصفقة من جهته واحدة.
السائل: لو وكَّله في شراء شيء فاشترى بأكثر مما جرى به العرف فهل عليه
الضمان؟
الشيخ: عليه ضمان الزيادة لأنه اشترى بأكثر من ثمنه ولذلك نقول إذا رأى أنه
زائد فإنه يجب عليه أن يراجع الموكِّل.
السائل: وهل كذلك لو باع؟
الشيخ: نعم وكذلك لو باع بأقل.
السائل: هل يجوز للمسلم أن يوكل الذمي أو الكافر فيما يجوز له ويحرم على
المسلم في بيع أو شراء أو إجارة ونحو ذلك مثل لباس الذهب للرجال أو الحرير
أو الخمر؟
الشيخ: لا يجوز لأن الموكِّل لا يجوز له أن يبيع هذا الشيء.
السائل: ذكر أن شيخ الإسلام نقل عن بعض السلف هذه الصورة فهل هذا صحيح؟
الشيخ: لا، فليس كلام شيخ الإسلام في هذا بل هو في مسألة أخرى وهي أنه
لمَّا أراد الكفار أن يبذلوا الخمر بدلاً عن الجزية منعهم عمر رضي الله عنه
وقال (وَلُّوهُم بيعها وخذوا ثمنها) وقوله (ولوهم بيعها) ليس معناه خذوها
وبيعوها بل المعنى هم يبيعونها ويأتون بالدراهم لكم.
السائل: لو أن الوكيل أراد أن يتصرف فيما لم يؤذن له فيه ولكنه يعلم أنه
إذا تصرف ثم راجع الموكِّل أنه يأذن له فهل له التصرف؟
الشيخ: لا بأس إذا كان فيه مصلحة مثل الرجل الذي وكَّله الرسول صلى الله
عليه وسلم أن يشتري به شاة أضحية بدينار فاشترى اثنتين وباع واحدة بدينار.
فصل
القارئ: وإن وكله في البيع وأطلق لم يملك
البيع بأقل من ثمن المثل لأن أذنه تقيد بذلك عرفا لكون غير ذلك تضييعاً
لماله وهو لا يرضاه ولو حضر من يطلبه بأكثر من ثمن المثل لم يجز بيعه بثمن
المثل لأنه تضييع لمال أمكن تحصيله وإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة
الخيار لم يلزمه الفسخ لأنها زيادة منهي عنها ولا يأمن رجوع صاحبها عنها.
الشيخ: قوله (منهي عنها) من قبل مَنْ؟ الجواب من قِبَلِ الزائد لأن الزائد
هو المنهي عنه فإذا بِعْتَ هذا الكتاب على شخص ونحن في مجلس الخيار لم يجز
لأحد أن يزيد في الثمن ويقول أنت في الخيار افسخ البيع وبع عليَّ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم (نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه) وهذا أبلغ من سومه
على سوم أخيه، إذاً الوكيل يتقيد بثمن المثل فلا يجوز النقص وأما الزيادة
على ثمن المثل فلا بأس بها لأنها من مصلحة الموكِّل.
القارئ: فإن باع بأقل من ثمن المثل أو بأقل مما قدر له فعنه البيع باطل
لأنه غير مأذون فيه وعنه يصح ويضمن الوكيل النقص لأنه فوته ويصح البيع لأن
الضرر يزول بالتضمين.
الشيخ: لو قال بعه بعشرة وباعه بثمانية فهل يصح البيع أو لا؟ قيل إنه يصح
ويضمن النقص وهو درهمان وقيل لا يصح لأنه إنما أذن له بمقدار معين فإذا
تصرف على غير هذا الوجه فإنه لم يؤذن له فيه وكذلك يقال إذا كانت قيمتها
عشرة وباعها بثمانية وإن لم يقدر له فهل يصح البيع أو لا يصح؟ الذي يظهر أن
البيع صحيح لأنه في هذه الحال لم يحصل للموكِّل نقص ولو قلنا بعدم الصحة
صار في ذلك ضرر على المشتري الذي اشتراه وانتهى وربما لا يعلم أن الموكِّل
قد قدَّر الثمن أو لا يعلم أن ثمن المثل هو هذا الذي اشتراه بأقل منه
فالقول الراجح في هذه المسألة أن البيع صحيح ويضمن النقص ووجه ذلك أنه لم
يفوت على الموكِّل شيئاً هذا وجه وهناك وجه آخر أن الحق تعلق بثالث وهو
المشتري.
القارئ: ولا عبرة بما يتغابن الناس به
كدرهم في عشرة لأنه لا يمكن التحرز منه وهل يلزم الوكيل جميع النقص أم ما
بين ما يتغابن الناس به ومالا يتغابنون به على وجهين.
الشيخ: في هذه المسألة هل نقول لو باع بأنقص إنه يضمن كل النقص أو يضمن ما
زاد على ما يتغابن به الناس فمثلاً إذا كان ثمن المثل عشرة وباعه بتسعة
ونصف فهل يضمن؟ الجواب لا يضمن لأن هذا مما يتغابن به الناس فنصف من عشرة
تعني واحد من عشرين وهذا جرت به العادة فتجد هذا يبيع بعشرة وذا بتسعة ونصف
وذا بأحد عشر فهذا ما يتغابن الناس به، لكن إذا قلنا إنه باعه بثمانية فهل
يضمن ريال ونصف أو يضمن ريالين فهذه هي المسألة التي ذكر المؤلف أنها على
وجهين أي هل يضمن النقص كله أو يضمن النقص الزائد على ما يتغابن به الناس
والراجح ما دل عليه الدليل.
القارئ: وكل موضع قلنا لا يملك البيع والشراء فحكمه فيه حكم الأجنبي وقد
ذكرناه لأن هذا غير مأذون فيه.
الشيخ: قوله (فحكمه فيه حكم الأجنبي) يشير المصنف هنا إلى تصرف الفضولي
فإذا قلنا أنه لا يصح لكن وافق الموكِّل فالصحيح أنه إذا وافق فلا بأس وأن
جميع التصرفات الفضولية إذا أقرها مَن الحق له فهي ماضية نافذة ويدل لهذا
أن أبا هريرة رضي الله عنه أذن للذي أخذ من الطعام ولم يضمِّنه الرسول صلى
الله عليه وسلم بل وافق على فعله.
فصل
القارئ: وإن وكله في الشراء فأطلق لم يجز أن يشتري بأكثر من ثمن المثل لما
ذكرنا وإن اشترى بأقل من ثمن المثل أو أقل مما قدر له صح لأنه مأذون فيه
عرفا فإن قال لا تشتره بأقل من مائة لم يملك مخالفته لأن نصه مقدم على
دلالة العرف.
الشيخ: إذا قال لا تشتره بأقل من مائة
فالمصنف يرى أنه لا يملك أن يشتري بتسعين لكن هل نقول في هذه الحال يجوز
للوكيل أن يشتري بمائة؟ الجواب لا يجوز لأن في هذا ضرر على عامة الناس لأن
البائع إذا باع بمائة فسوف يجعل هذا قاعدة يبيع بها وقد كان في الأول يبيع
بتسعين فلاحظوا هذه المسألة فإن مسألة البيع والشراء لها تعلق بشخص ثالث
فنحن نقول إذا قال اشتر بمائة ولا تشتر بأقل فإننا نقول لا يمكن أن يبذل
مائة فيما هو في السوق بتسعين لأن في هذا ضرر على الناس لكن لو علمنا أن
قوله اشتر بمائة يعني من الطيب فهنا لا يشتر بأقل وهذا هو الذي يقع عند
كثير من العامة يقول اشتر لي من الجيد الذي سعره مائة فمعنى ذلك أي لا تشتر
لي من الذي سعره بتسعين أو ثمانين فإذا علمنا أن مراده الجيد فالأمر ظاهر
لا بأس به فلا يشتر بأقل.
القارئ: وإن قال اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين فله شراؤه بما فوق الخمسين
لأنه باق على دلالة العرف وإن قال اشتر لي عبداً وصفه بمائة فاشتراه بدونها
جاز.
الشيخ: قوله (وصفه بمائة) يعني قال اشتر لي عبداً صفته كذا وكذا بمائة
وعليه فنقول قوله (وصفه) تابعٌ للذي قبلها ويحسن أن تقف فتقول اشتر لي
عبداً وصفه فتقف ثم تقول بمائة.
القارئ: وإن خالف الصفة لم يلزم الموكل وإن لم يصفه فاشترى عبداً يساوي
مائة بأقل منها جاز وإن لم يساو المائة لم يلزم الموكل وإن ساوى ما اشتراه
به لأنه خالف غرضه وإن قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى شاتين تساوي إحداهما
ديناراً صح لحديث عروة ولأنه ممتثل للأمر بإحداهما والثانية زيادة نفع وإن
لم تساو ديناراً لم يصح فإن باع الوكيل شاة وبقيت التي تساوي دينارا فظاهر
كلام أحمد صحته لحديث عروة ولأنه وفى بغرضه فأشبه إذا زاد على ثمن المثل.
الشيخ: لا شك أن ظاهر كلام أحمد هو الصحيح
وهذا مما يدل على أن تصرف الفضولي صحيح وجائز إذا أجازه الآخر فما المانع،
لأن هذا ليس ممنوعاً لحق الله حتى نقول إنه لا يجوز ولو تراضى الطرفان بل
هو لحق آدمي فإذا وافق على البيع أو الشراء فلا بأس.
فصل
القارئ: وإن وكله في الشراء نسيئة فاشترى نقدا لم يلزم الموكل لأنه لم يؤذن
له فيه وإن وكله في الشراء بنقد فاشترى بنسيئة أكثر من ثمن النقد لم يجز
لذلك وإن كان بمثل ثمن النقد وكان فيه ضرر مثل أن يستضر بحفظ ثمنه فكذلك
وإذا لم يستضر به لزمه لأنه زاده خيرا وإن أذن له في البيع بنقد لم يملك
بيعه نسيئة وإن أذن له في البيع نسيئة فباع بنقد فهي كمسألة الشراء سواء
وإن عين له نقداً لم يبع إلا به.
الشيخ: المعنى أن الشراء إن كان نقداً يوجب نقص الثمن فإنه لا يجوز وكذلك
إذا كان النقد يؤدي إلى ضرر الموكِّل بحيث يكون الزمن زمن خوف وإذا قبض
الثمن الآن فهو على خطر وإذا تأخر إلى زوال الخوف فهو آمن، فالمهم أنه إذا
كان للموكِّل غرض بأن يكون البيع نسيئة فإنه لا يجوز للوكيل أن يبيع نقداً.
القارئ: وإن أطلق لم يبع إلا بنقد البلد لأن الإطلاق ينصرف إليه فإن كان
فيه نقدان باع بأغلبهما وإن قدر له أجلاً لم تجز الزيادة عليه لأنه لم يرض
بها وإن أطلق الأجل جاز وحمل على العرف في مثله لأن مطلق الوكالة يحمل على
المتعارف ولا يملك الوكيل في البيع والشراء شرط الخيار للعاقد معه لأنه لا
حظ للموكل فيه وله شرط الخيار لنفسه ولموكله لأنه احتياط له.
فصل
القارئ: إذا قال اشتر لي بعين هذا الثمن
فاشترى له في ذمته لم يقع للموكل لأنه لم يرض بالتزام شيء في ذمته فلم يجز
إلزامه وإن قال اشتر لي في ذمتك ثم انقد هذا فيه فاشتراه بعينه صح للموكل
لأنه أمره بعقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدينار وتلفه فعقد له عقداً لا
يلزمه مع تلفه فزاده خيرا ويحتمل أن لا يصح لأنه أراد عقداً لا يبطل
باستحقاقه ولا تلفه ففوت ذلك وإن أطلق فله الأمران لأن العرف جار بهما.
الشيخ: هذا الفصل لا يكاد يعرفه إلا طلبة العلم إن عرفوه والعامي لا يفرق
بين أن يقول اشتر لي بهذا الدينار أو اشتر لي في ذمتك وانقد هذا الدينار
لكن الفقهاء جزاهم الله خيراً يصورون المسائل وقد تكون نادرة الوقوع
تمريناً للطالب ولأنه ربما يحتاج إليها في يوم من الأيام.
السائل: إذا قال الوكيل لموكله اشتر لي هذه الحاجة بمائة دينار مثلاً فهل
للوكيل أن يتصرف لمصلحة نفسه فيشتريها بأقل من مائة ويأخذ الباقي؟
الشيخ: لا يجوز فهذا من الخيانة لأن بعض الناس قد يفعل هذا الشيء فيشتريها
بثمن أرخص مما قُدِّر له أو أرخص من قيمة المثل ثم يبيعها على الموكِّل
بأكثر وهذه خيانة فالواجب عليه إذا كان يريد أن يستفيد أن يقول وكِّلني أن
اشتري لك بعوض وتبرأ ذمته.
مسألة: لو أن البائع باع على الوكيل بأقل
من ثمن المثل مراعاة له لأنه صاحبه ولو علم أن السلعة للآخر الذي وكَّله ما
راعاه، فهل نقول في هذه الحال للوكيل أن يأخذ فرق ما بين ثمن المثل وما وقع
عليه العقد؟ هذا محل نظر يعني قد يقول الإنسان له أن يأخذ ما بين القيمتين
فمثلاً يشتريها من البائع الذي راعاه بثمانية وثمن المثل عشرة ويقول
للموكِّل إن الثمن عشرة أو نقول مادام أنه وكله واشتراها الوكيل لموكله
فالأعمال بالنيات ويكون ما نزل محاباة لهذا الشخص من حظ الموكِّل وهذا لا
شك هو الأبرأ للذمة والأورع لكن إذا أراد أيضاً أن يكون صريحاً فليقل
للبائع يا فلان أنا ما اشتريتها لي إنما اشتريتها لفلان فهذا يكون فيه
مصلحة للبائع حتى لا ينزل شيء من الثمن وفيه إبراء للذمة ويقول للموكِّل
اشتريتها بعشرة.
فصل
القارئ: وإن وكله في شراء موصوف لم يجز أن يشتري معيبا لأن إطلاق البيع
يقتضي السلامة ولذلك يرد بالعيب فإن اشترى معيباً يعلم عيبه لم يقع للموكل
لأنه مخالف له وإن لم يعلم بالعيب فالبيع صحيح كما لو اشترى لنفسه فإن علم
الموكل فرضي به فليس للوكيل رده لأن الرد لحقه فسقط برضاه وللوكيل الرد قبل
علمه لأنها ظلامة حصلت بعقده فملك دفعها كالمشتري لنفسه ولا يلزمه التأخير
لأنه حق تعجل له وله أن يرضى به ويسقط خياره فإن حضر الموكل فرضي به استقر
العقد وإن اختار الرد فله ذلك لأن الشراء له ولم يرض بالعيب فإن أنكر
البائع كون الشراء للموكل فالقول قوله ويرد المبيع على الوكيل في أحد
والوجهين لأنه ابتاع المعيب ومنعه الرد لرضاه بعيبه والثاني ليس له الرد
عليه لأنه غير البائع وللمشتري أرش العيب لأنه فات الرد به من غير رضاه فإن
تعذر ذلك من البائع لزم الوكيل لأنه ألزمه المبيع.
الشيخ: إذا وكَّله في شراء موصوف بأن قال
اشتر لي ناقة فليس له أن يشتري معيبة لأن الإطلاق يقتضي السلامة لكن لو
اشتراها وهو لم يعلم فإن له الرد لأنه وكيل ولكن هل للبائع أن يقول أنت
اشتريتها لفلان انتظر لا تفسخ العقد حتى تراجع موكِّلك؟ الجواب إذا قال هذا
فليس للوكيل أن يقبل فله أن يقول أنا وكيل واشتريت معيباً ولي رده فإن حضر
الموكِّل ورضي بالعيب فليس للوكيل رده لأنه إنما اشتراه للموكِّل وقد رضي
بالعيب، أما إذا كان معيناً بأن قال اشتر لي جمل فلان أو بعير فلان فاشتراه
فلا شيء عليه لأنه عيَّنه له لكن من الأمانة إذا علم أن فيه عيباً أن لا
يشتره حتى يؤذنه ويخبره فلا يقول إن الرجل عين لي هذا بل نقول له أنت أمين
ثم نقول ربما هو عيَّنه لك وهو لا يدري أن فيه عيباً ومن الأمانة أن تخبره
فتقول أنت طلبت مني أن اشتري لك هذا الشيء المعين ولكن تبين لي أن فيه
عيباً.
القارئ: وإن قال البائع موكلك قد علم بالعيب فرضي به فالقول قول الوكيل مع
يمينه أنه لا يعلم ذلك لأن الأصل عدمه فإن قال أخر الرد حتى يعلم موكلك لم
يلزمه التأخير.
الشيخ: قوله (أنه لا يعلم ذلك) نقول أو كذلك لا يعلم رضاه به فقد يقول أنا
أدري أنه عَلِمَ لكن لا أَعْلَمُ أنه رضي فأحلف أنه لم يرض بذلك.
القارئ: فإن أخر وقلنا الرد على الفور لم يسقط خياره ذكره القاضي لأنه لم
يرض به ويحتمل أن يسقط لتركه الرد مع إمكانه فإن رده فقال الموكل قد كنت
رضيته معيباً فصدقه البائع انبنى على عزل الوكيل قبل علمه لأن هذا كذلك وإن
أنكره البائع فالقول قوله أنه لا يعلم ذلك وإن وكله في شراء شيء عينه
فاشتراه فوجده معيباً ففيه وجهان أحدهما يملك الرد لأنه معيب لم يرض به
العاقد والثاني لا يملكه بغير رضى الموكل لأنه قطع نظره واجتهاده بالتعيين
فإن قلنا يملكه فحكمه حكم غير المعين.
فصل
القارئ: إذا وكله في قبض حقه من زيد فمات
زيد لم يملك القبض من وارثه لأنه لم يتناوله إذنه نطقاً لأنهم غيره ولا
عرفاً لأنه قد يرضى بقاء حقه عندهم دونه وإن قال اقبض حقي الذي قِبَلَ زيد
فله القبض من وارثه لأن لفظه يتناول قبض الحق من غير تعرض للمقبوض منه.
الشيخ: نُلاحظ هنا فرقاً دقيقاً فإذا قال اقبض ديني من زيد ثم مات زيد فإنه
لا يملك قبضه من الوارث أما إذا قال اقبض حقي الذي عند زيد ومات فإنه يملك
قبضه من الوارث أو قال اقبض حقي الذي قِبَلَ زيد فإنه يملك القبض من الوارث
لكن مثل هذه التعبيرات قد يفهمها طالب العلم ولكن العامي لا يفهمها فللقاضي
أن يرجع إلى عرف العوام وأنه إذا قال اقبض حقي من زيد فإنه يعني الحق الذي
قِبَلَهُ سواء منه في عينه أو من وارثه إن مات.
القارئ: وإن وكل وكيلين في تصرف لم يكن لأحدهما الإنفراد به لأنه لم يرض
بأحدهما وإن وكله في قضاء دين تقيد بالإشهاد لأنه لا يحصل الاحتياط إلا به
فإن قضاه بغير بينة فأنكر الغريم ضمن لتفريطه.
الشيخ: وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه
يضمن سواء كان الدين قليلاً أو كثيراً ولكن تعليله يدل على التفريق بين
القليل والكثير فلو قلت يا فلان هذه عشرة ريالات أعْطاه لصاحب هذه البقالة،
فَأَعطاهَا له ولم يُشهد ثم إن صاحب البقالة أنكر إما نسياناً أو عمداً
فكلام المؤلف يدل على أن هذا الوكيل يضمن سواء كان بأجرة أو بغير أجرة لأنه
مفرط والواجب أن يُشهد فيأخذ مثلاً رجلين ليشهدا على عشرة ريالات فالحكم
الذي قاله المؤلف يقتضي أنه يُضمِّنه الوكيل والتعليل يقتضي أنه لا يضمن
لأن الناس لا يعدون هذا تفريطاً فكل الناس يوفون عشرة وعشرين ريال وما أشبه
ذلك بغير بينة ولو أنك قلت لصاحب دكان مثلاً تشتري منه حوائج أنا لا يمكن
أن أوفيك إلا بحضور الشهود فإن غالب الظن أنه لا يعاملك فيما بعد أبداً لكن
الشيء الكبير كألف ريال وألفين ريال وما أشبه ذلك لابد أن يكون الوكيل
مشهداً على القبض والآن والحمد لله صار هناك شيء يسير وهو الفاتورة فالآن
ممكن للوكيل أن يقول أعطني فاتورة وتكون هذه الفاتورة سنداً ووثيقةً على
الغريم الذي استوفى حتى ولو بخمسة ريالات أو عشرة أو أكثر أو أقل.
القارئ: وإن أشهد بينة عادلة فماتت أو غابت لم يضمن لأنه لا تفريط منه وإن
قضاه بحضرة الموكل من غير إشهاد ففيه وجهان أحدهما يضمن لأنه ترك التحفظ
والثاني لا يضمن لأنه إذا كان المؤدى عنه حاضرا فهو التارك للتحفظ.
الشيخ: الصحيح أنه لا يضمن لأن الموكل موجود والتفريط منه فلو قال مثلاً
هذه عشرة آلاف ريال اعطها فلاناً وصادف أن فلاناً هذا حضر قبل أن يسلمها
إليه وسلمها بحضرته فلا ضمان على الوكيل لأنه إن كان هناك تفريط فهو من
الموكِّل.
القارئ: وإن قضاه ببينة مختلف فيها ففيه وجهان أحدهما يضمن لأنه ترك التحفظ
والثاني لا يضمن لأنها بينة شرعية أشبهت المجمع عليها.
فصل
القارئ: إذا اشترى لموكله ثبت الملك للموكل
لأنه قبل العقد لغيره فوجب أن ينقل الملك إلى ذلك الغير كما لو تزوج لغيره
ويثبت الثمن في ذمته أصلاً وفي ذمة الوكيل تبعا وللبائع مطالبة من شاء
منهما كالضمان في أحد الوجهين وفي الآخر لا يثبت إلا في ذمة الموكل وليس له
مطالبة غيره.
الشيخ: وظاهر كلامه سواء علم البائع أنه وكيل لفلان أو لم يعلم فله مطالبة
الموكِّل والوكيل ولكن الراجح أنه إذا علم أن هذا وكيل فليس له مطالبته
وإنما يطلب من الموكِّل فإن علم بعد ذلك أنه وكيل وهذا الوكيل فقير لا يمكن
مطالبته فذهب للموكِّل فقال له طريقك على الذي اشترى منك أما أنا ما اشتريت
منك، فهل يملك الموكِّل هذا لا؟ الجواب لا يملك لأنه قد علم أنه وكيله
فيقول أنت الأصل ومطالبتي للوكيل فرع، لأن الذي ملك هذا المبيع هو
الموكِّل.
القارئ: فإن دفع الثمن فوجد البائع به عيبا فرده على الوكيل فتلف في يده
فلا شيء عليه لأنه أمين وللبائع المطالبة بالثمن لأنه دين له فأشبه سائر
ديونه وللوكيل المطالبة به لأنه نائب للمالك فيه.
فصل
القارئ: والوكالة عقد جائز من الطرفين لكل واحد منهما فسخها لأنه إذن في
التصرف فملك كل واحد منهما إبطاله كالإذن في أكل طعامه وإن أذن لوكيله في
توكيل آخر فهما وكيلان للموكل لا ينعزل أحدهما بعزل الآخر ولا يملك الأول
عزل الثاني لأنه ليس بوكيله وإن أذن له في توكيله عن نفسه فالثاني وكيل
الوكيل ينعزل ببطلان وكالة الأول وعزله له لأنه فرعه فثبت فيه ذلك كالوكيل
مع موكله وللموكل عزله وحده لأنه متصرف له فملك عزله كالأول.
الشيخ: هذه المسائل من الأشياء التي تخفى
على العوام فإذا أذن له أن يوكِّل صار وكيلاً وإن أذن له أن يوكِّل عن نفسه
فالوكيل هو الأول، مثاله إذا قال يافلان أنا وكَّلْتُكَ أن تبيع هذا الشيء
ووَكِّل أنت مَنْ شئت، أي وكِّل في بيعه عني فحينئذ يكون للموكِّل وكيلان،
الأول والمأذون له أما إذا قال وكِّل عنك فالوكيل الثاني وكيل عن الوكيل
الأول فللأول أي الوكيل الأول أن يعزل الثاني لأنه وكيله، ففي الصورة
الأولى ليس له ذلك لأنه وكيل الموكل وهذه من العبارات الدقيقة التي
يُفَرَّقُ فيها بين عبارتين متقاربتين.
السائل: إذا أُعطي الشخص عشرة آلاف لسداد دين فهل يصح له أن يعطي بدلها شيك
بالمبلغ ويُبقي العشرة آلاف عنده؟
الشيخ: الظاهر أنه ليس له ذلك لأن ذلك سوف يتعب الغريم بالذهاب إلى البنك
وحمل الشيك وما أشبه ذلك فقد يكون فيه ضرر وإذا أراد فعل ذلك فإنه يطلب من
الوكيل أن يودعها في حسابه ثم هو يوفي صاحب الدين ويحوِّل المال إلى حسابه.
فصل
القارئ: وإذا خرج الموكل عن أهلية التصرف لموت أو جنون أو حجر أو فسق في
ولاية النكاح بطلت الوكالة لأنه فرعه فيزول بزوال أصله.
الشيخ: قوله (لأنه) أي الوكيل (فرعه) أي فرع الموكِّل.
القارئ: فإن وجد ذلك أو عزل الوكيل فهل ينعزل قبل علمه فيه روايتان إحداهما
ينعزل لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضاه فلم يفتقر إلى علمه كالطلاق والثانية
لا ينعزل لأنه أمر فلا يسقط قبل علمه بالنهي كأمر الشارع.
الشيخ: الصواب أنه لا ينعزل قبل علمه لأنه
يترتب على هذا مفاسد منها لو وكَّل رجلاً في القصاص فذهب الوكيل واقتص من
الجاني فعزله الموكِّلُ قبل أن يقتص فإذا قلنا إنه ينعزل قبل العلم وجب
عليه القصاص لأنه قتله متعمداً إلا أن يرفع ذلك بالشبهة فهذا شيء آخر وكذلك
أيضاً لو أمره أن يبيع بيته ثم باعه وأثبته بالوثيقة عند كاتب العدل أو عند
القاضي وكان قد عزله قبل أن يبيع البيت فعلى القول بأنه ينعزل قبل العلم
يكون البيع باطلاً، فالصواب أنه لا ينعزل قبل العلم لأنه تصرف تصرفاً لم
يثبت زواله والأصل بقاء الوكالة فالرجل غير معتدي ولا ظالم بل هو تصرف بحق،
ومن ذلك أيضاً لو حصل من هذا الوكيل أن تصرف وقد أصيب الموكِّلُ بالجنون
مثلاً وهو لم يعلم فعلى كلام المؤلف يكون تصرفه غير صحيح على القول بأنه
ينعزل وعلى القول الثاني يكون تصرفه صحيحاً.
القارئ: وإن أزال الموكل ملكه عن ما وكله فيه بإعتاق أو بيع أو طلاق التي
وكله في طلاقها بطلت الوكالة لأنه أبطل محليته.
الشيخ: هذه المسألة تنبني على مسألة العزل قبل العلم لكن مراد المؤلف إذا
علم الوكيل أن موكِّله أعتق العبد فقال مثلاً خذ هذا العبد بعه ثم إنه أي
المالك أعتقه فهنا تبطل الوكالة، أو قال بع هذه الدار ثم علم الوكيل أن
صاحبه باعها فإن الوكالة هنا تبطل لأن تصرفه فيها بالبيع يدل على أنه عدل
عن الوكالة ولكن لو قال الوكيل أنه قد تعب بالسوم عليها والمناداة وما أشبه
ذلك فهل يستحق على ذلك أجرة أو لا؟ الصحيح أنه يستحق لأن الفسخ الآن من
قِبَلِ الموكِّل وأما الوكيل فلم يحدث منه أي تقصير، ولو قلنا إنه لا يلزمه
لصار كل إنسان يوكِّلُ شخصاً يسوم على هذا البيت فإذا سام عليه وتعب في ذلك
ذهب الموكِّلُ إلى آخر ثم باع عليه وترك الوكيل بلا شيء، فالصواب أنه يستحق
أجرة المثل أو مما قدِّر له بقدر ما تعب فيه.
قوله (طلاق التي وكله في طلاقها) مثاله
إنسان وكل شخصاً فقال وكَّلتُك في طلاق امرأتي ثم قام الزوج فطلق زوجته فهل
يقول الوكيل أنا أطلقها أيضاً؟ الجواب لا، لكن لو قال قائل هي الآن في
العدة وهي رجعية والرجعية يلحقها الطلاق على كلام الفقهاء فهل يملك الوكيل
أن يطلق الآن؟ الجواب نقول لا يملك ذلك وإن كانت رجعية يلحقها الطلاق لأننا
لو قلنا أن الرجعية يلحقها الطلاق فإن الوكيل لا يملك الطلاق كما لو
وكَّلَه في طلاقها مرة واحدة فإنه لا يملك أن يطلقها مرتين.
القارئ: وإن وطئ الزوجة أو دبر العبد أو كاتبه بطلت الوكالة لأن ذلك يدل
على رجوعه إذ لا يجتمع مقصود هذه التصرفات مع البيع والوطء يدل على رغبته
في زوجته.
الشيخ: في مسألة الوطء قد يقول قائل هذا لا يدل على أنه عدل عن توكيله في
الطلاق، وقد يقال أنه عدل لأن كونه يطأ زوجته يمتنع أن يطلق الوكيل في هذه
الحال لأن الطلاق في طهر جامع فيه لا يجوز والقاعدة في هذا أن كل تصرف من
الموكِّل يدل على رجوعه عن الوكالة فإنه يقتضي بطلان الوكالة.
القارئ: وإن وكله في الشراء بدينار فتلف بطلت الوكالة فإن تلف بتفريطه
فغرمه هو أو غيره لم يملك الشراء ببدل لأن الوكالة بطلت بتلفه.
فصل
القارئ: ولا تبطل بالنوم والسكر والإغماء لأنه لا تثبت الولاية به.
الشيخ: الإنسان إذا نام فإنه لا يكون لأحد عليه ولاية أو سَكِرَ أو أغمي
عليه فإذا كان لا تثبت الولاية عليه بذلك فإنه لا تثبت الوكالة.
القارئ: ولا بالردة لأنها لا تمنع ابتداء وكالته فلا تمنع استدامتها ولا
بالتعدي فيما وكل فيه كلبس الثوب وركوب الدابة لأن العقد يتضمن أمانة
وتصرفا فإذا بطلت الأمانة بقي التصرف كالرهن المتضمن وثيقة وأمانة وإن وكله
في بيع عبد ثم باعه المالك بيعاً فاسداً لم تبطل الوكالة لأن ملكه فيه لم
يدل ولا يؤول إلى الزوال.
الشيخ: الصواب أنه إذا باعه بيعاً فاسداً
يعتقد صحته فإن الوكالة تبطل لأن هذا تصرف يدل على عدوله عن التوكيل أما
إذا باع بيعاً فاسد وهو يعلم أنه فاسد فإن الوكالة لا تبطل كما لو باع
الوكيل بعد أذان الجمعة الثاني ما وكله في بيعه فهنا نقول إذا كان الوكيل
يعلم أن البيع فاسد فهذا بيع لاغي لا يترتب عليه أثره أما إذا كان لا يعلم
فلا شك أن بيعه إياه دال على فسخ الوكالة.
القارئ: وإن وكل زوجته ثم طلقها لم تنعزل لأن الطلاق لا ينافي الوكالة ولا
يمنع ابتداءها.
الشيخ: المعنى أنه وكَّلَ زوجته في بيع شيء أو شراء شيء ثم طلقها فإنها لا
تنعزل عن الوكالة لأن الطلاق لا ينافي الوكالة.
القارئ: وإن وكل عبده ثم أعتقه أو باعه فكذلك ويحتمل أن ينعزل لأن أمره
لعبده استخدام وليس بتوكيل في الحقيقة.
الشيخ: الاحتمال الثاني هو الصحيح لأنه حين يأمر عبده ويقول يا فلان بع هذا
الشيء فهذا ليس بتوكيل بل هو استخدام ولأن العبد بالعتق ملك نفسه فلا أمر
لسيده عليه.
فصل
القارئ: ويجوز التوكيل بجعل لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ العوض عنه
كرد الآبق وإذا وكَّلَه في البيع بجعل فباع استحق الجعل قبل قبض الثمن لأن
البيع يتحقق قبل قبضه فإن قال في التوكيل إذا سلمت إليَّ الثمن فلك كذا وقف
استحقاقه على التسليم إليه لاشتراطه إياه.
الشيخ: ما ذكره أولاً خلاف ما عليه العمل الآن فالوكيل بالبيع لا يستحق
الجعل إلا إذا سلم الثمن فالدَّلال الآن لو أنه باع السيارة والسيارة عليها
خمسمائة ريال فباعها ثم جاء لصاحبها وقال لقد بعت السيارة أعطني الخمسمائة
ريال فعلى كلام المؤلف أنه يُلزم بتسليمه خمسمائة ريال ولكن الصحيح أنه لا
يلزم لأن كونه يقول لك على بيعها خمسمائة ريال معروف عرفاً واضحاً أن
المراد خمسمائة ريال من الثمن.
القارئ: وإن قال بع هذا بعشرة فما زاد فهو لك صح وله الزيادة لأن ابن عباس
كان لا يرى بذلك بأسا.
الشيخ: هذا صحيح بشرط أن يكون الموكِّل
عنده علم بالثمن أما إذا لم يكن عنده علم بالثمن فيجب على الوكيل أن يقول
يساوي أكثر مثال ذلك رجل اشترى ثوب بعشرة وارتفع السعر ارتفاعاً فاحشاً
فصار هذا الثوب يساوي خمسين فوكَّله ببيعه وقال بع هذا الثوب بعشرة وما زاد
فهو لك والوكيل يعلم أنه قد زاد ففي هذه الحال يجب أن يقول الوكيل الثوب
يساوي أكثر فإذا قال الموكِّل ولو كان يساوي أكثر فإننا ننظر هل الموكَّل
الآن يظن أن الفرق يسير فلذلك قال ولو كان يساوي أكثر، فإن كان الأمر كذلك
قلنا لابد أن يقول الوكيل يساوي خمسين فيبيَّن له لقول النبي صلى الله عليه
وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولقول صلى الله عليه وسلم
(من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم
والآخر وليأتِ إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) ومثل ذلك ما يفعله بعض الناس
في سيارات اللموزين فيقول إتي لي مثلاً اليوم بثلاثمائة وما زاد فهو لك
فهذا جائز لكن لو قال وما نقص فهو عليك فهذا حرام ولا يجوز لأنه لا يمكن أن
يجمع على هذا العامل بين العمل والتعب وبين الغرم.
مسألة: إذا اتفق رجل ما مع مقاول على أن يبني له بيتاً وعين المدة ستة أشهر
مثلاً وقال إن لم تكمل البيت في هذه الستة أشهر فما زاد فعليك الغرم مائة
ريال لكل يوم فهل هذا يجوز أولا؟ نقول فيه تفصيل وهو إذا كانت المدة
المحددة يمكن انقضاء هذا العمل فيها فهذا لا بأس به من أجل أن نحذر من
التهاون والتلاعب وأما إذا كانت المدة خيالية بأن قال ابني لي هذه العمارة
على أن تكون من عشرة طوابق وفي كل طابق عشرة شقق وفي كل شقة عشرة غرف في كل
غرفة عشرة حمامات مثلاً والمدة ستة شهور فهذا لا يجوز لأن هذا مثل القمار.
السائل: لو قال صاحب العمارة للمقاول إذا لم يتم البناء خلال المدة المتفق
عليها فليس لك شيء إطلاقاً فهل هذا جائز؟
الشيخ: لا أدري هذه المسألة تحتاج إلى تأمل
لأن هذا المقاول سوف يخسر المواد ثم إنه ليس له مهلة فإذا قلنا مثلاً كل
شهر يفوت فعليك كذا فإنه يقدر أن يُعجِّل ويقل المبلغ عليه لكن إذا قيل إذا
لم يتم البناء فليس لك شيء فهذه خسارة فادحة.
السائل: إذا كان لسائق اللموزين راتب شهري وقال له صاحب العمل عليك أن تأتي
لي كل يوم بثلاثمائة ريال وما نقص فإنه يؤخذ من راتبك الشهري فهل هذا يجوز؟
الشيخ: لا يجوز لأن الراتب يملكه بالعقد فكأنك أخذت من ماله.
فصل
القارئ: وليس للوكيل في بيع شيء بيعه لنفسه ولا للوكيل في الشراء أن يشتري
من نفسه لأن العرف في العقد أن يعقد مع غيره فحمل التوكيل عليه ولأنه تلحقه
تهمة ويتنافى الغرضان فلم يجز كما لو نهاه وعنه يجوز لأنه امتثل أمره وحصل
غرضه فصح كما لو باع أجنبيا وإنما يصح بشرط أن يزيد على مبلغ ثمنه في
النداء ويتولى النداء غيره لتنتفي التهمة قال القاضي ويحتمل أن لا يشترط
ذلك وكذلك الحكم في بيعه لوكيله أو طفل يلي عليه أو ولده أو والده أو
مكاتبه أو تزويجه لابنته إذا وكله أن يتزوج له لأنه يتهم في حقهم ويترك
الاستقصاء عليهم.
الشيخ: إذا وُكِّل في بيع فإنه لا يبيع على
نفسه فلو قلت خذ هذا الكتاب بعه فإنه لا يشتريه لنفسه لأن المفهوم أنه إذا
قال خذ هذا الكتاب بعه أن قصده أن يبعه على آخر إذ لو أراد أن يبيعه على
ذلك الوكيل لكان العقد بينهما مباشرة، هكذا علل المؤلف وعلل بتعليل آخر أنه
محل تهمة ولكن هناك رواية أخرى أنه يجوز لأن غرض الموكِّل قد حصل وهو البيع
بثمن المثل وهذا القول أرجح أنه يجوز بشرط أن لا ينقص عن ثمن المثل وأن لا
ينهاه الموكِّل عن الشراء فإن نهاه فإنه لا يشتري لنفسه وإن نقص عن ثمن
المثل فإنه حرام ولا يجوز، وسبق أنه هل يبطل البيع أو يصح ويضمن النقص؟ وهل
يبيع ويشتري من ولده؟ نقول إن كان شريكاً له في المال فالحكم كما ذكرنا وإن
لم يكن شريكاً له فإنه لا يبيع عليه لأنه متهم في حقه ولأن العادة أن
الإنسان لا يستقصي مع ولده ووالده وكذلك يقال في الزوج والزوجة، وإذا أردت
أن تتخلص من هذا كله فقل للموكِّل ما رأيك إذا أردت أنا أن اشتريها منك
فإما أن يقول لا بأس، وإما أن يقول لا، فإن قال لا فلا يشتريها وإن قال لا
بأس فالأمر ظاهر.
القارئ: وإن إذن له الموكل في هذا جاز لانتفاء التهمة مع صريح الإذن وإن
وكله رجل في بيع عبده ووكله آخر في شرائه فله أن يتولى طرفي العقد كما يجوز
للأب ذلك في حق ولده الصغير.
الشيخ: المثال لو قال رجل لآخر اشتر لي
كتاب الكافي وقال آخر بع لي كتاب الكافي والكافي الآن معه فهنا يتولى طرفي
العقد وكيف يقول؟ هل يقول بعت هذا الكتاب على نفسي بالوكالة عن الموكِّل
بالبيع واشتريته بنفسي بالوكالة عن فلان أو يقول بعت هذا على فلان _ يقصد
الثاني _؟ نقول لا يحتاج أن يأتي بإيجاب وقبول بل يقول بعت هذا الكتاب على
فلان، وفي هذه الحال يُشْهِد لئلا يحصل لبس لأنه إذا قال بعت هذا على فلان
أو نوى بقلبه أنه باعه على فلان فهذا لا يُطَّلع عليه ومثل ذلك ابن العم
يتزوج بنت عمه ليس لها ولي إلا هو فإنه يقول تزوجت بنت عمي أو زوجت نفسي
بنت عمي لكن في النكاح لابد من الشهود.
فصل
القارئ: فإذا وكل عبد في شراء عبداً من سيده جاز لأنه يجوز أن يشتري من غير
سيده فجاز منه كالأجنبي وإن وكله في شراء نفسه جاز لأنه يجوز أن يشتري غيره
فجاز أن يشتري نفسه كالأجنبي فإن قال السيد ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق
لإقرار سيده بحريته.
الشيخ: قوله (فإن قال السيد ما اشتريتَ نَفْسَكَ إلا لِنفسِكَ عَتَقَ) هذا
فيه نظر لأنه قد يكون أراد أن يعتقه وهذه الصيغة لا تقتضي العتق والأصل
بقاء الملك وعدم الحرية حتى يوجد شيء صريح ينفي الملك.
القارئ: والقول قول السيد في الثمن لأن الظاهر ممن باشر العقد أنه له ولو
وكله سيده في إعتاق نفسه أو وكل غريمه في إبراء نفسه صح لأنه وكيله في
إسقاط حق نفسه فجاز كتوكيل الزوجة في طلاقها وإن وكل غريمه في إبراء غرمائه
لم يملك إبراء نفسه كما لو وكله في حبسهم لم يملك حبس نفسه وإن وكله في
تفرقة صدقة لم يملك صرفها إلى نفسه لأنه مأمور بإعطاء غيره قال أصحابنا ولا
يملك إعطاء ولده ووالده لأنهم كنفسه ويحتمل جواز ذلك لأن لفظه يعمهم ولا
قرينة تخرجهم.
الشيخ: الظاهر أن الصواب جواز إعطائهم
مادام أنه قد اتق الله ولم يحابهم أما كونه يأخذ لنفسه فهذا فيه نظر فما
قاله المؤلف صحيح فإذا أعطيت مثلاً هذا الرجل ألف ريال وقلت له فرقه في
الزكاة فإنه لا يحل له أن يأخذ لنفسه حتى وإن كان من أهل الزكاة لأن الذي
أعطاه لو أراد أن يبَرَّه لأعطاه مباشرة، لكن هل من المستساغ أن يقول لمن
أعطاه دراهم يفرقها زكاة أتأذن لي إن كنت من أهلها أن آخذَ منها؟ الجواب
هذا ينبني على هل يجوز لمن كان من أهل الزكاة أن يسألها والصواب أنه يجوز
لمن كان محتاجاً أن يسأل إذا أصابته فاقة كما جاء في حديث قبيصة.
فصل
القارئ: والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف تحت يده بغير تفريط بجعل وبغير
جعل لأنه نائب المالك أشبه المودع.
الشيخ: قال المؤلف (بغير تفريط) فهل نقول أن المؤلف نقص العبارة لأنه ينبغي
أن يقال بغير تفريط ولا تعدي أو يقال إن التعدي تفريط وزيادة؟ الجواب
الثاني لكن لو ذكره لكان أحسن فالوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف بيده
بغير تفريط ولا تعدي والفرق بين التعدي والتفريط أن التفريط ترك ما يجب
يعني إهمال ما يجب عليه والتعدي فعل ما لا يجوز مثاله وكَّله في بيع بعير
فصار الوكيل يستعمل البعير فهذا متعدي لأنه فعل مالا يجوز، وإذا أهمل
الوكيل البعير فصار لا يعطيه أكلاً ولا شرباً فهنا يضمن ونقول أنه مفرط حيث
لم يقم بما يجب عليه.
القارئ: والقول قوله فيما يدعيه من تلف وعدم تفريط وخيانة لذلك والقول قوله
في الرد إن كان متطوعا لأنه قبض المال لنفع مالكه فهو كالمودع وإن كان بجعل
ففيه وجهان أحدهما يقبل قوله لأنه أمين أشبه المودع والثاني لا يقبل لأنه
قبضه لنفع نفسه أشبه المستعير.
الشيخ: المعروف أنه إذا كان بِجُعْلٍ لا
يقبل قوله في الرد والقاعدة في المذهب أنه إذا كان قبض المال لحظ نفسه فإنه
لا يقبل قوله في الرد وإذا كان لحظ مالكه قُبلَ وإن كان لحظهما لم يقبل،
مثال الذي يقبضه لحظ مالكه المودع فالمودع قبض المال لحظ مالكه يحفظه له
فهذا يقبل قوله في الرد ودليل ذلك قوله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ
مِنْ سَبِيلٍ) ومثال الذي يقبضه لحظهما المستأجر الذي بيده العين المستأجرة
فهو قبض العين لحظ نفسه ولحظ مالكها فهي لحظه لأنه يستوفي المنافع التي عقد
عليها ولحظ مالكها لأنه سوف يعوض عن هذه المنافع فهذا أيضاً لا يقبل قوله
في الرد لأنه قبض المال لمصلحته، ومثال الذي يقبضه لمصلحته الخاصة المستعير
فالمستعير قبض المال لحظ نفسه فهذا لا يقبل قوله في الرد.
أما مسألة الضمان فالصحيح أن جميع الأمناء لا ضمان عليهم إلا بتعد أو تفريط
والأمناء هم كل من قبض المال بإذن الشرع أو بإذن المالك فهذا هو الأمين فهو
كل من كان المال تحت يده بإذن من الشارع كوكيل اليتيم أو بإذن من المالك
كالوكيل والمستأجر ومن أشبهه.
القارئ: وإن قال بعت وقبضت الثمن فتلف في يدي ففيه وجهان ذكرناهما في الرهن
وإن اختلفا في أصل الوكالة فالقول قول من ينكرها لأن الأصل عدمها وإن
اختلفا في دفع المال إلى الوكيل فالقول قوله لذلك فإن أنكره ثم اعترف به ثم
ادعى تلفه أو رده لم يقبل لأن خيانته ثبتت بجحده وكذلك الحكم في المودع.
الشيخ: لكن لو قال إني أنكرته ناسياً ثم
تذكرت فهل يقبل قوله أو لا؟ الجواب نقول ينبغي أن ينظر في هذا إلى حال
الشخص إذا كان من أهل الصدق والأمانة قُبِلَ قوله وإلا فلا يقبل لأن
النسيان وارد فأحياناً يقول لك الشخص إني كلمتك بكذا فتقول أبداً ما كلمتني
أو يقول لك بعت عليك كذا فتقول ما بعت عليَّ أو أعطيتك كذا فتقول ما
أعطيتني بناءً على النسيان، فإذا ادعى أنه نفى ناسياً فننظر إذا كان من أهل
الصدق والأمانة وجب قبول قوله وإلا فلا يقبل.
السائل: إذا أخذ شخص ما مالاً لسداد دينه فوجد أن المال أكثر من دينه فسدد
دينه وصرف الباقي على الفقراء والمساكين فهل عمله هذا جائز؟
الشيخ: لا يجوز، لأن من أخذ لشيء لم يصرفه في غيره وهذه هي القاعدة، فَمَنْ
أخذ لقضاء الدين فإنه لا يصرفه في حاجة الفقر ومَنْ أخذ لحاجة الفقر فإنه
يجوز أن يصرفه في الدين.
السائل: إذا لم يستطع رده لنفس المزكي فما هو الحكم؟
الشيخ: يكون هذا من جنس المال الذي جُهِل صاحبه أو عجز عن رده.
السائل: رجل أخرج زكاة ماله ثم أعطاها لمستحقيها ولم يخبرهم أنها زكاة ماله
فهل تجزئه؟
الشيخ: نعم تجزئه إذا كان من عادتهم أن يأخذوا الزكاة، والعبرة بنيته هو ما
داموا هم من أهل الزكاة.
السائل: جمع من الناس في قبيلة يخرجون الزكاة كل عام ثم يعطونها واحداً من
أفراد القبيلة ثم هو يزكي معهم العام القادم ثم يجمعون زكاة العام القادم
ويعطونها واحداً غيره وهكذا فهل هذا جائز؟
الشيخ: هو جائز من الناحية الشرعية فيجوز أن تعطي الزكاة شخصاً تكفيه سنة
لكن من الناحية العرفية لا ينبغي هذا.
السائل: حتى لو أعطوه مالاً كثيراً جداً بحيث يستطيع أن يشتري مزرعة فقد
يصبح تاجراً ثم العام القادم يزكي معهم؟
الشيخ: إذا كانوا يعطونه أكثر من اللازم فهذا لا يجوز لأن الفقير لا يعطى
أكثر من مؤنته فلو قدرنا أن هذا الرجل مؤنته كل شهر ألف ريال فإننا نعطيه
اثنى عشر ألف ولا نعطيه أكثر من ذلك.
القارئ: وإن أقام بدعواه بينة ففيه وجهان
أحدهما تقبل لأنها شهدت بما لو أقر به لثبت فقبلت كما لو لم ينكر والثاني
لا تقبل لأنه مكذب لها بجحده فإن كان جحوده أنك لا تستحق عليَّ شيئا سمع
قوله في الرد والتلف.
الشيخ: قوله (إن كان جحوده) المعنى أي أنك لا تستحق وليس المعنى أنني لم
أقبض منك، فهذا له وجه ولهذا يقبل.
القارئ: لأنه لم ينكر القبض فيجوز أن يريد لا تستحق علي شيئا لتلفه أو رده
وإن اختلفا في صفة الوكالة فقال وكلتني في بيع هذا فقال بل في بيع هذا أو
قال وكلتني في بيعه بعشرين قال بل بثلاثين أو قال وكلتني في بيعه نسيئة قال
بل نقدا فالقول قول الموكل لأنه منكر للعقد الذي يدعيه الوكيل فأشبه ما لو
أنكر أصل الوكالة ولأنهما اختلفا في صفة قول الموكل فكان القول قوله كما لو
اختلف الزوجان في صفة الطلاق ونص أحمد رضي الله عنه في المُضَارَبِ على أن
القول قوله.
الشيخ: المُضَارَبُ هو الذي يتصرف في المال والمُضَارِبُ هو الذي يعطي
المال.
القارئ: والوكيل في معناه لأنه أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته كما
لو اختلفا في بيع الثوب المأذون في بيعه.
الشيخ: والراجح أنه ينظر للقرائن فإذا كانت القرينة تدل على قول المُوكِّل
عملنا بها وإذا كانت تدل بالعكس عملنا بها فمثلاً إذا قال إنك أذنت لي في
بيعه بعشرين فقال بل بثلاثين، ونحن نعرف أن هذا الشيء لا يمكن أن يصل إلى
ثلاثين فالقول قول الوكيل، وإذا قال أذنت لي في بيعه نسيئة فقال بل نقداً،
فالقول قول الموكِّل ولا شك، وعلى كل حال ينبغي أن ينظر في هذا إلى القرائن
فمن دلت القرائن على صدقه كان القول قوله.
القارئ: وإن قال اشتريت هذا لك بعشرة قال
بل بخمسة فالحكم فيه كذلك وإن قال اشتريت هذه الجارية لك بإذنك بعشرة فأنكر
الإذن في شرائها فالقول قول الموكِّل فيحلف ويبطل البيع إن كان بعين المال
ويرد الجارية على البائع إن صدق الوكيل في أنه وكيل وإن أنكر أن الشراء
لغيره فالقول قوله وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله وتبقى الجارية في يده
ولا تحل له لأنها ليست ملكاً له فإن أراد استحلالها اشتراها ممن هي له في
الباطن فإن أبى بيعها استحب للحاكم أن يرفق به ليبيعه إياها ولا يجبر لأنه
عقد مراضاة فإن أبى فقد حصلت في يده لغيره وله في ذمة صاحبها ثمنها فأقرب
الوجوه فيها أن يأذن الحاكم له في بيعها ويوفيه حقه من ثمنها لأن الحاكم
باعها في وفاء دينه فإن قال صاحبها إن كانت لي فقد بعتكها بعشرين فقال
القاضي لا يصح لأنه بيع معلق على شرط ويحتمل أن يصح لأن هذا شرط واقع
يعلمانه فلا يضر جعله شرطا كما لو قال إن كانت جارية فقد بعتكها.
الشيخ: والصحيح أنه يصح، وحتى البيع المعلق بالشرط المحض صحيح لعموم قول
الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقول
النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) وقوله
(المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً).
فصل
القارئ: فإن قال تزوجت لك فلانة بإذنك فصدقته المرأة وأنكره فالقول قول
المنكر لأن الأصل معه ولا يستحلف لأن الوكيل يدعي حقاً لغيره وإن ادعته
المرأة استحلف لأنها تدعي صداقها عليه فإن حلف برئ من الصداق ولم يلزم
الوكيل في أحد الوجهين لأن حقوق العقد تتعلق بالموكل فإن كان الوكيل ضمنه
لها فلها مطالبته به وليس لها نكاح غيره لاعترافها أنها زوجته فتؤخذ
بإقرارها ولا يكلف الطلاق لأنه لم يثبت في حقه نكاح ويحتمل أن يكلفه لإزالة
احتمال لأنه يحتمل صحة دعواها فينزل منزلة النكاح الفاسد.
الشيخ: الصحيح أنه يُلْزَم بأن يطلق ويقال
له لا يضرك شيء فلا يلزمك نفقة وإنما تطلق من أجل أن تفك أسر المرأة لأن
كونها تبقى بلا زوج فهذا ضرر عظيم فالاحتمال الثاني هو الصحيح.
القارئ: ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر لأنه لم يثبت صداقها فترث وهو ينكر
أنها زوجته فلا يرثها.
باب الشركة
القارئ: يجوز عقد الشركة في الجملة لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال (يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما
صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه فخرجت من بينهما) رواه أبو داود.
الشيخ: الشركة هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف، فاشتراك الورثة في التركة
هو اجتماع في استحقاق وأما شركة المضاربة والعنان وما أشبهها فهي اجتماع في
تصرف، فالشركة لا تخرج عن هذين القسمين إما اجتماع في استحقاق وهذه لا
تحتاج إلى عقد وإما اجتماع في تصرف وهذه تحتاج إلى عقد والأصل جواز الشركة
لقوله تعالى (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فقوله (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)
يدل على جواز الخلطة ثم الحديث الذي ذكره المؤلف واضح وقوله (أنا ثالث
الشريكين) كون الله تعالى ثالثهما لا شك أنه يستلزم نزول البركة في هذه
الشركة وتيسير الأمور لهما فإذا خان أحدهما الآخر خرج الله من بينهما ونزع
البركة من بينهما.
القارئ: وتكره شركة الذمي إلا أن يكون المسلم يتولى البيع والشراء لما روى
الخلال بإسناده عن عطاء قال (نهى رسول الله عن مشاركة اليهودي والنصراني
إلا أن يكون البيع والشراء بيد المسلم) ولأنه لا يأمن معاملتهم بالربا
والعقود الفاسدة.
الشيخ: الحديث الذي ذكره المؤلف مرسل فهو من أقسام الضعيف لكن لا شك أن
الذمي والمراد بذلك الكتابي من اليهود والنصارى تكره مشاركتهم إلا إذا كان
تدبير الشركة بيد المسلم فلا بأس.
فصل
القارئ: والشركة على أربعة أضرب أحدها شركة
العنان وهو أن يشترك اثنان بماليهما على أن يعملا فيه بأبدانهما والربح
بينهما.
الشيخ: صورة هذه الشركة هي أن كل واحد منهما يأتي بالمال الذي عنده
ويخلطانه ثم يتصرفان فيه فنسمي هذه الشركة شركة عنان لأنها تشبه الفارسين
الراكبين على فرسيهما وكل واحد منهما قد أمسك بعنان فرسه فمن كل واحد منهما
مال وبدن أي عمل، وإذا قال قائل ما الفائدة من هذه الشركة؟ قلنا الفائدة
أنه ربما يُعرض شيء قيمته كثيرة والواحد منهما إذا انفرد لا يستطيع أن يدفع
القيمة فيشتركان فتحصل بذلك الفائدة.
القارئ: فإذا صحت فما تلف من المالين فهو من ضمانهما وإن خسرا كانت الخسارة
بينهما على قدر المالين لأنهما صارا كمال واحد في ربحه فكذلك في خسرانه
والربح بينهما على ما شرطاه لأن العمل يستحق به الربح وقد يتفاضلان فيه
لقوة أحدهما وحذقه فجاز أن يجعل له حظ من الربح كالمضارب.
الشيخ: الخسارة تكون على قدر المالين فإذا كان أحدهما أتى بمائتين والثاني
أتى بثلاث وخسرا خمسين فهنا نوزع الخسارة عليهما أخماساً فالذي أتى بمائتين
نقول عليه عشرون والذي أتى بثلاث نقول عليه ثلاثون وأما الربح فعلى ما
شرطاه فلو قالا الربح بيننا نصفين جاز ذلك ويكون الأكثر مع صاحب الخُمُسينِ
لأنه لو كان الربح على حسب المالين لكان لصاحب الخُمُسينِ خُمُسَا الربح،
وإنما كان الربح على ما شرطاه لأن أحدهما قد يكون أسد وأعلم بطرق البيع
والشراء فيجعل له من الربح نصيباً أكبر من ماله.
السائل: بعض أصحاب السيارات يذهب بسيارته لورشة الإصلاح فيقوم صاحب الورشة
بإصلاحها وإذا احتاجت إلى قطع الغيار يقوم بشرائها من أصحاب محلات قطع
الغيار لكنه يشتريها بسعر أقل من السعر المتعارف عليه ويحسبها على صاحب
السيارة بسعرها المتعارف عليه وإذا تلفت هذه القطعة قبل استعمالها في
السيارة فإنها تكون من ضمان صاحب الورشة فهل هذا جائز؟
الشيخ: لا بأس بهذا فله أن يأخذ هو بتسعة
ويقول لصاحب السيارة هي بعشرة.
السائل: لو شرط أحدهما وهو صاحب المال الأقل أنه ليس عليه خسارة فما الحكم؟
الشيخ: الخسارة لابد أن تكون على قدر المالين فلا يمكن أن يشترط فيها سوى
ذلك، لأنه لو صارت الخسارة على واحد منهما لكان ذلك مشكلاً.
فصل
القارئ: وتصح الشركة على الدراهم والدنانير لأنهما أثمان البياعات وقيم
الأموال ولا تصح بالعروض في إحدى الروايتين لأن قيمة أحدهما ربما تزيد قبل
بيعه فيشاركه الآخر في نماء العين التي هي ملكه والثانية تصح الشركة بها
ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد لأن مقصودها نفوذ تصرفهما في المال
المشترك وكون ربحه بينهما وهذا ممكن في العروض.
الشيخ: الرواية الثانية هي الصحيحة يعني مثلاً إذا أراد شخصان أن يشتركا
شركة عنان فلابد أن يأتيا بالدراهم أو الدنانير فإن أتيا بعروض بأن جاء
أحدهما بسيارات وجاء الثاني بمعدات أخرى وقالا نشترك في هذه شركة عنان،
فالمذهب لا يصح لأن القيمة قد تزيد وقد تنقص في أحدهما، والصحيح أن ذلك
جائز وتُقدَّر القيمة وقت العقد فيقال لصاحب السيارات كم تساوي سياراتك قال
تساوي عشرين ألف والثاني يقال له كم تساوي المعدات قال تساوي عشرة آلاف،
فيكون رأس مال صاحب السيارات بالنسبة الثلثين والآخر الثلث، ونقول الآن هما
اشتركا في مالٍ أحدهما أتى بثلثين والثاني أتى بثلث وهذا هو الذي عليه
العمل الآن.
القارئ: والحكم في النقرة والمغشوش والفلوس كالحكم في العروض لأن قيمتها
تزيد وتنقص فأشبهت العروض ولا تجوز الشركة بمجهول ولا جزاف لأنه لا يمكن
الرجوع به عند المفاصلة ولا بدين ولا غائب لأنه مما لا يجوز بيعه والتصرف
فيه وهو مقصود الشركة
فصل
القارئ: ويجوز في المختلفين.
الشيخ: (يجوز) أو (تجوز) على نسخة (تجوز) المعنى تجوز الشركة في المختلفين
وعلى نسخة (يجوز) نقدر الاشتراك أي ويجوز الاشتراك في المختلفين.
القارئ: فيكون لأحدهما دنانير وللآخر دراهم
أو لأحدهما صحاح وللآخر مكسرة أو لأحدهما مائة والآخر مائتان لأنهما أثمان
فصحت الشركة بهما كالمتفقين ويرجع كل واحد منهما عند المفاصلة بمثل ماله نص
عليه لأنها أثمان فيجب الرجوع بمثلها كالمتفقين.
الشيخ: هذا بناءً على ما كانوا يعرفونه أن الدرهم بالنسبة للدينار لا يزيد
ولا ينقص فاثني عشر درهماً عن دينار لا يزيد ولا ينقص، فهنا نقول لا فرق
بين أن تكون من هذا دنانير ومن هذا دراهم لأن الظاهر أن قيمة الدينار اثني
عشر درهماً بدليل أن الدية ألف مثقال ذهباً وأثنى عشر ألف درهم فضة مما يدل
على أن السعر في ذلك الوقت كان الدينار يساوي اثني عشر درهم لا يزيد ولا
ينقص لكن في وقتنا الحاضر الدنانير والدراهم تختلف فقد يزيد الذهب وقد ينقص
فلهذا نقول لابد أن تقدر القيمة عند الاشتراك فتقدر قيمة الذهب بكم وقيمة
الفضة بكم حتى يرجع إليها عند المناضة، فالفقهاء يقولون لا بأس أن يأتي
أحدهما بدراهمه والثاني بدنانير لأنه عند المفاصلة يرجع كل إنسان بما جاء
به من مال فإذا أتى هذا بمائة دينار والآخر بألف درهم وتمت الشركة وعملا
فيها ثم عند المناضة نعطي هذا دراهمه وهذا دنانيره كاملة لأن القيمة لا
تتغير، لكن في وقتنا الحاضر ربما تكون عشرة دنانير تساوي مائة درهم الآن
وبعد شهر أو شهرين قد تساوي مائتي درهم أو ثمانين درهم، وعليه فنقول لابد
من أن تُقَوَّم الدراهم والدنانير عند العقد حتى يرجع كل واحد منهما بقيمة
نقده.
القارئ: وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المالين لأنه يقصد بها كون الربح بينهما
فلم يشترط خلط المال كالمضاربة.
الشيخ: هذا قياس غير صحيح لأنه في المضاربة أحدهما يعمل والثاني يأتي
بالدراهم وأما في شركة العنان فكل واحد منهما أتى بمال وعمل، فهذا قياس
مستغرب من المؤلف رحمه الله على غزارة علمه وعمق فقهه.
فصل
القارئ: ومبناها على الوكالة والأمانة لأن
كل واحد منهما بتفويض المال إلى صاحبه أمنه وبإذنه له في التصرف وكله ولكل
واحد منهما العمل في المالين بحكم الملك في حصته والوكالة في حصة شريكه
وحكمها في جوازها وإنفساخها حكم الوكالة لتضمنها للوكالة فإن عزل أحدهما
صاحبه قبل أن ينض المال فذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه لا
ينعزل حتى ينض كالمضارب إذا عزله رب المال وقال أبو الخطاب ينعزل لأنها
وكالة فإذا عزله فطلب أحدهما البيع والآخر القسمة أجيب طالب القسمة لأنه
يستدرك ما يحصل من الربح بالقسمة فلم يجبر على البيع بخلاف المضارب وهذا
إنما يصح إذا كان الربح على قدر المالين فإن زاد ربح أحدهما عن ماله لم
يستدرك ربحه بالقسمة فيتعين البيع كالمضاربة.
فصل
القارئ: فإن مات أحدهما فلوارثه إتمام الشركة فيأذن للشريك ويأذن له الشريك
في التصرف لأن هذا إتمام للشركة وليس بابتداء لها فلا تعتبر شروطها وكذلك
إن مات رب المال في المضاربة فلوارثه إتمامها في ظاهر كلامه ويحتمل أن لا
يجوز إتمامها إلا أن يكون المال ناضا لأن العقد قد بطل بالموت وهذا ابتداء
عقد فلا يجوز بالعروض وإن مات عامل المضاربة لم يجز إتمامها إلا على الوجه
الذي يجوز ابتداءها لأنه لم يخلف أصلاً يبنى عليه ولو كان مال الشركة
والمضاربة موصى به والموصى له كالوارث في هذا فإن كانت الوصية لغير معين
كالفقراء فليس للموصى الإذن في التصرف لأنه قد وجب دفعه إليهم
الشيخ: لم يتبين لي رجحان في الاحتمالين، لأنها عقد جائز إذا شاءوا أمضوها
مع الوارث وإن شاءوا فسخوا.
فصل
القارئ: ولكل واحد من الشريكين أن يبيع ويشتري مساومة ومرابحة وتولية
ومواضعة ويقبض المبيع والثمن ويقبضهما ويطالب بالدين ويخاصم فيه.
الشيخ: المساومة هي أن يسوم هذا الثوب
فيسأل ويقول مَنْ يزيد، وأما المرابحة فهي أن يشتري برأس المال مع ربح،
والتولية أن يشتري برأس المال بدون ربح، والمواضعة أن يشتري برأس المال مع
النقص والمهم أن الشريكين لكل واحد منهما أن يبيع مساومة أو تولية أو
مرابحة أو مواضعة.
القارئ: ويرد بالعيب في العقد الذي وليه هو أو صاحبه ويحيل ويحتال ويستأجر
ويفعل كل ما هو من مصلحة التجارة بمطلق الشركة لأن هذا عادة التجار وقد أذن
له في التجارة وهل لأحدهما أن يبيع نساء أو يبضع أو يودع أو يسافر بالمال
يخرج على روايتين إحداهما له ذلك لأنه عادة التجار ولأن المقصود الربح وهو
في هذه أكثر والأخرى لا يجوز لأن فيه تغريراً بالمال.
الشيخ: الصحيح أنه جائز إذا رأى المصلحة فيُقَيَّد ذلك الجواز بما إذا رأى
المصلحة، فإذا رأى المصلحة ببيعه نساء أو بالسفر به فلا بأس.
القارئ: وهل له التوكيل يخرج على الروايتين في الوكيل لأنه وكيل.
الشيخ: الصحيح أن له أن يوكِّل، والفرق بينه وبين الوكيل المجرد أن الوكيل
المجرد ليس له حظ في هذا المال الذي وكِّل فيه وهذا شريك له حظ فلن يوكِّل
إلا مَنْ يرى أن في توكيله مصلحة فلهذا نقول يجوز لأحد الشريكين في شركة
العنان أن يوكِّل سواء أستأذن من صاحبه أم لم يستأذن.
القارئ: وإذا وكل أحدهما فللآخر عزله لأنه وكيله وهل له أن يرهن ويرتهن فيه
وجهان أحدهما له ذلك لأن الرهن يراد للإيفاء والارتهان يراد للاستيفاء وهو
يملكهما فيملك ما يراد لهما والثاني لا يجوز لأن فيه خطرا وفي الإقالة
وجهان أصحهما أنه يملكها لأنه إن كانت بيعاً فقد أذن فيه وإن كانت فسخا
ففسخ البيع المضر من مصلحة التجارة فملكه كالرد بالعيب والآخر لا يملكها
لأنها فسخ فلا تدخل في الإذن في التجارة.
الشيخ: الصواب أن هذا جائز وأن لكل واحد منهما أن يتصرف بما يرى أنه مصلحة
سواء في البيع نساءً أو في الإقراض أو في الإقالة أو غير ذلك.
فصل
القارئ: وليس له أن يكاتب رقيقه ولا يزوجه
ولا يعتقه بمال ولا يقرض ولا يحابي لأن ذلك ليس بتجارة وليس له المشاركة
بمال الشركة ولا المضاربة به.
الشيخ: لكن إذا وجد مصلحة في هذا جاز، فمصلحة القرض أن يقرضه شخصاً ليحفظ
المال لأنه ربما لو بقي المال عنده لتسلط عليه اللصوص والسُّراق أو إذا كان
في بلد حكمه جائر تسلط عليه ولي الأمر فإذا أقرضه فقد أَمَّنَهُ، ومن هذا
وضع الأموال في البنوك الآن فوضع الأموال في البنوك ليس وديعة في والواقع
ولكنه إقراض لأن صاحب البنك يُدخِل هذا المال في صندوقه ويتصرف فيه، وقد
ذكر أهل العلم رحمهم الله أن المودع إذا أذن للمودع في التصرف فهذا قرض
وليس بوديعة.
القارئ: ولا خلطه بماله ولا مال غيره لأنه يثبت في المال حقوقا وليس هو من
التجارة المأذون فيها ولا يأخذ به سفتجة ولا يعطيها لأن فيه خطرا ولا
يستدين على مال الشركة.
الشيخ: السفتجة هي أن يعطيه الفلوس مثلاً في مكة ويقول حولها لي في المدينة
فهذه سفتجة والظاهر أن هذه الكلمة ليست عربية لكن هذا هو معناه عند
الفقهاء، والصواب أن له أن يأخذ به سفتجة لأن هذا قد يكون أحفظ للمال فقد
يكون الرجل لو أصطحب المال معه في السفر من مكة إلى المدينة يتسلط عليه
قُطَّاع الطريق لكن إذا أخذ به سفتجة سلم منهم ولدينا قاعدة عريضة ينبغي أن
نعتبرها في هذا وهي أن كل تصرف من مصلحة الشركة فهو جائز.
القارئ: ولا يشتري ما ليس عنده ثمنه لأنه
يؤدي إلى الزيادة في مال الشركة ولم يؤذن فيه فإن فعل فعليه ثمن ما اشتراه
ويختص بملكه وربحه وضمانه وكذلك ما استدانه أو اقترضه ويجوز أن يشتري نساءً
ما عنده ثمنه لأنه لا يفضي إلى الزيادة فيها وإن أقر على مال الشركة قُبِلَ
في حقه دون صاحبه سواء أقر بعين أو دين لأن الإقرار ليس من التجارة وقال
القاضي يقبل إقراره على مال الشركة ويقبل إقراره بعيب في عين باعها كما
يقبل إقرار الوكيل على موكله به نص عليه لأنه تولى بيعها فقبل إقراره
بالعيب كمالكها فإن رد عليه المعيب فقبله أو دفع أرشه أو أخر ثمنه أو حط
بعضه لأجل العيب جاز لأن العيب يجوز الرد وقد يكون ما يفعله من هذا أحظ من
الرد فأما إن حط بعض الثمن ابتداء أو أسقط ديناً عن غريمهما أو أخره عليه
لزم في حقه دون صاحبه لأنه تبرع فجاز في حقه دون شريكه كالصدقة فإن قال له
أعمل برأيك فله عمل ما يقع في التجارة من الرهن والارتهان والبيع نساء
والإبضاع بالمال والمضاربة به والشركة وخلطه بماله والسفر به وإيداعه وأخذ
السفتجة ودفعها ونحوه لأنه فوض إليه الرأي في التصرف بالتجارة وقد يرى
المصلحة في هذا وليس له التبرع والحطيطة والقرض وكتابة الرقيق وعتقه
وتزوجيه لأنه ليس بتجارة وإنما فوض إليه العمل برأيه في التجارة.
السائل: ما معنى قول المؤلف (الإبضاع)؟
الشيخ: الإبضاع هو أن يتصرف في المال ولا يأتيه من الربح إلا قدر ماله فقط.
فصل
القارئ: الضرب الثاني شركة الأبدان وهو أن يشترك اثنان فيما يكتسبانه
بأبدانهما كالصانعين يشتركان على أن يعملا في صناعتيهما أو فيما يكتسبانه
من مباح كالحشيش والحطب والمعادن والتلصص على دار الحرب فما رزق الله فهو
بينهما فهو جائز.
الشيخ: قوله (فهو جائز) أي فهذا الضرب جائز
وشركة الأبدان ليس فيها مال بل كلها عمل فيشترك اثنان فيما يكتسبان
بأبدانهما مثال ذلك صانعين أتيا بآلة وجعلاها في مكان واحد واشتركا، فهذه
شركة أبدان، أو اشتركا فيما يكتسبان من المباح كأن يخرجا للصيد ويقولا نحن
اليوم شركاء فيما نكتسبه من الصيد، فهذه شركة أبدان، أو خرجا للاحتطاب
وقالا نحن اليوم شريكان فيما نحصل من الحطب، فهذا جائز وهو شركة أبدان، ولا
يحل لواحد منهما أن يتكاسل أو يتهاون أو يفرط ويقول صاحبي فيه البركة، لأن
هذه خيانة بل يجب أن يعمل كأنما يعمل لنفسه أو أشد.
وقوله (التلصص على دار الحرب) معناه أن يكونا قريبين مِنْ حدود مَنْ بيننا
وبينهم حرب ويقولا نشترك فيما نأخذ من السرقة من أموال الحربيين فيدخلا في
الليل مختفيين ويأخذان الغنم والبقر والإبل والأموال فهذا جائز لأن أموال
الحربيين حلال لنا.
القارئ: لما روى عبد الله بن مسعود قال اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب
يوم بدر قال فلم أجيء انا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين رواه أبو داود
والنسائي وابن ماجه واحتج به أحمد.
الشيخ: هذان الأسيران صارا ملكاً للثلاثة.
القارئ: ومبناها على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه وما يتقبله كل
واحد من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما ويلزمه عمله.
الشيخ: إذا عَلِمَ أنهم شركاء فما التزم به أحدهما فهو لازم للجميع، فإذا
دخلت على مصنع وتعرف أنه مصنعٌ لفلان وفلان وقد اتفقتَ مع أحدهما على أن
يصنع لك باباً، فمن الذي يلزمه تنفيذه هل هو الذي اتفقتَ معه أو يلزم
الجميع؟ الجواب: يلزم الجميع.
القارئ: قال القاضي ويحتمل أن لا يلزم كل واحد منهما ما لزم صاحبه
كالوكيلين.
الشيخ: هذا احتمال ضعيف ولا حظ له من النظر بل ما التزم به أحدهما فهو لازم
للجميع.
القارئ: ويصح مع اتفاق الصنائع واختلافها
لأنهما اتفقا في مكسب واحد كما لو اتفقت الصنائع وقال أبو الخطاب لا تصح مع
اختلافها لأن الشركة تقتضي أن ما يتقبله أحدهما يلزم صاحبه ولا يمكن أن
يلزمه عمل صناعة لا يحسنها.
الشيخ: اختلاف الصنائع بأن يكون أحدهما نجاراً والثاني حداداً ويشتركان
فالمذهب أنه تصح الشركة حتى مع اختلاف الصنائع وقال أبو الخطاب لا تصح مع
اختلاف الصنائع وعلل ذلك بأن الشركة تقتضي أن ما تَقَبَّلهُ أحدهما لزم
الجميع لكن هذا التعليل فيه نظر لأننا نقول نعم يلزم الجميع فإذا التزم
الحداد بصناعة باب من الحديد لزم النجار أن يصنعه إذا لم يقم به مَنْ حصل
معه العقد فيقوم ويشتريه من السوق، لكن العلة الصحيحة هو أن اختلاف الصنائع
يقتضي اختلاف المكاسب فيحصل الغبن الكثير لأحدهما لأنه قد ترتفع صنعة
الحديد وتنخفض صنعة النجارة أو بالعكس فيحصل ضرر على أحدهما فهذا هو الذي
ينبغي أن تعلل به المسألة وهو أنه لا تصح ما اختلاف الصنائع لأنه قد يحصل
في هذا غبن كثير جداً وهذا واقع فأحياناً ترتفع أسعار الحدادة وأحياناً
ترتفع أسعار النجارة.
فصل
القارئ: والربح بينهما على ما شرطاه من مساواة أو تفاضل لأنهما يستحقان
بالعمل والعمل يتفاضل فجاز أن يكون الربح متفاضلا وما لزم أحدهما من ضمان
لتعديه وتفريطه فهو عليه خاصة لأن ذلك لا يدخل في الشركة ولكل واحد منهما
طلب الأجرة وللمستأجر دفعها إلى أيهما شاء وإن تلفت في يد أحدهما بغير
تفريط فلا ضمان عليه لأنه وكيل
فصل
القارئ: وإن عمل أحدهما دون صاحبه فالكسب بينهما لحديث ابن مسعود حين جاء
سعد بأسيرين وأخفق الآخران وإن ترك أحدهما العمل لعجز أو غيره فللآخر
مطالبته بالعمل أو بإقامة من يعمل عنه أو يفسخ.
الشيخ: فإن لم يطالبه فالكسب بينهما فإذا قال كيف تجعلون الكسب بيننا وهو
لم يعمل؟ قلنا كان لك الحق في أن تطالب وأنت الذي فرطت في عدم مطالبتك.
فصل
القارئ: إذا كان لرجلين دابتان فاشتركا على
أن يحملا عليهما فما رزق الله تعالى من الأجرة فهو بينهما صح ثم أن تقبلا
حمل شيء في ذمتهما فحملاه عليهما صح والأجرة على ما شرطاه لأن تقبلهما
الحمل أثبته في ذمتهما وضمانهما والشركة تنعقد على الضمان كشركة الوجوه.
القارئ: وإن أجراهما على حمل شيء اختص كل واحد منهما بأجرة دابته ولا شركة
لأنه لم يجب الحمل في ذمته وإنما استحق المكتري منفعة هذه البهيمة التي
استأجرها ولهذا تنفسخ الإجارة بموتها ولا يصح أن يكون كل واحد منهما وكيل
صاحبه في إجارة دابة نفسه ولهذا لو قال أجر دابتك وأجرها بيني وبينك لم يصح
فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل فله أجرة مثله لأنها منافع وفاها بشبهة
عقد
فصل
القارئ: فإن دفع دابته إلى رجل يعمل عليها أو عبده ليتكسب ويكون ما يحصل
بينهما نصفين أو أثلاثا صح نص عليه لأنها عين تنمي بالعمل عليها فجاز العقد
عليها ببعض نمائها كالشجر في المساقاة ونقل عنه أبو داود فيمن يعطي الفرس
على نصف الغنيمة أرجو أن لا يكون به بأس ووجهه ما ذكرناه وإن دفع ثيابا إلى
خياط ليخيطها ويبيعها وله جزء من ربحها أو غزلاً لينسجه ثوباً بثلث ثمنه أو
ربعه جاز وإن جعل معه دراهم لم يجز وعنه الجواز والأول المذهب لأنه لا يجوز
أن يشترط في المساقاة دراهم معلومة وإنما أجاز أحمد ذلك تشبيهاً بالمساقاة
قال نراه جائزا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر.
فصل
القارئ: وإن دفع رجل بغلة وآخر راوية إلى
رجل ليستقي وما رزقهم الله بينهم فقياس المذهب صحته لأن كل واحد منهما عين
تنمي بالعمل عليها فصح دفعها بجزء من النماء كالتي قبلها وقال القاضي لا
يصح لأن المشاركة بالعروض لا تصح والأجرة للعامل لأنه ملك الماء باغترافه
في الإناء ولصاحبيه أجرة المثل لأنه استوفى منافع ملكهما بشبهة عقد ولو
اشترك صانعان على أن يعملا بأداة أحدهما في بيت الآخر والكسب بينهما صح لأن
الأجرة على عملهما وبه يستحق الربح ولا يستحق بالآلة والبيت شيء إنما
يستعملانها في العمل فصارا كالدابتين في الشركة ولو اشترك صاحب بغل وراوية
على أن يؤجراهما والأجرة بينهما لم يصح لأن حاصله أن كل واحد منهما يؤجر
ملكه ويعطي والآخر من أجرته وليس بصحيح والأجرة كلها لمالك البهيمة لأنه
صاحب الأصل وللآخر أجرة مثله.
السائل: ما هو الراجح فيما إذا اشترك اثنان مع اختلاف الصنائع؟
الشيخ: الراجح أنه لا يصح.
السائل: وإذا كانت متقاربة ويحتاج بعضها إلى تكميل بعض كالبناءين فهل يجوز
ذلك؟
الشيخ: إذا كان بعضها يكمل بعض فهو من جنسه.
السائل: لو اشتركا في سيارة ثم حصل على السيارة حادث فاحرقت السيارة وتلفت
البضائع التي فيها فعلى من يرجع صاحب البضائع؟
الشيخ: إذا كان بلا تعدي ولا تفريط ليس عليهم شيء وأما بتعدي أو تفريط فإنه
يرجع على من تعدى أو فرط.
السائل: إذا اشترك اثنان في عمل وترك أحدهما العمل لغير عذر فهل يستحق شيء
من الربح؟
الشيخ: على كلام المؤلف يستحق.
السائل: وما هو الراجح؟
الشيخ: إذا طالب صاحبه فقد يسوغ للقاضي أن يُضمّنه وإلا فيقال له لماذا لم
تطالب.
السائل: أشكل عليَّ أثر ابن مسعود مع عمار وسعد ما وجه اختصاص سعد بأسيرين
مع أن الغنيمة تقسم بين الغزاة؟
الشيخ: هذا كان في غزوة بدر قبل قسم الغنيمة ثم إن الغنائم قسمت فيما بعد.
السائل: متى يعتد بأقوال الصحابي وفعله؟
الشيخ: العلماء مختلفون في هذا لكن الصحيح
أن الصحابي إذا كان من كبار الصحابة في فقهه وعلمه فإنه في هذه الحال يقدم
قوله على غيره.
فصل
القارئ: الضرب الثالث شركة الوجوه وهو أن يشترك رجلان فيما يشتريان بجاههما
وثقة التجار بهما من غير أن يكون لهما رأس مال على أن ما اشترياه فهو
بينهما على ما اتفقا عليه من مساواة أو تفاضل.
الشيخ: صورة هذا التعريف رجلان ليس عندهما مال فذهبا إلي محل تاجر وقالا
نريد أن نشتري منك هذه البضاعة فاشترياه منه على أنهما شريكان فيها فهذه
تسمى شركة الوجوه لأنه ليس فيها مال ولو كان منهما مال لصارت شركة عنان لكن
في هذه المسألة ليس عندهما مال ولذلك سميت شركة الوجوه لأنهما يأخذان المال
بجاههما.
القارئ: ويبيعان كما رزق الله تعالى من الربح وبينهما على ما اتفقا عليه
فهو جائز سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو قال ما اشتريت من شيء فهو
بيننا نص عليه والربح بينهما على ما اشترطاه وقال القاضي الربح بينهما على
قدر ملكيهما في المشترى ولنا أنهما شريكان في المال فجاز تفاضلهما في الربح
مع تساويهما في الملك كشريكي العنان.
الشيخ: الفرق بين قول القاضي والمؤلف أنه
إذا كان أحدهما اختار أن يكون له ثلاثة أرباع مثلاً والثاني له ربع فعلى ما
قَدَّمَهُ المؤلف رحمه الله يكون الربح على ما شرطاه فإذا قالا الربح بيننا
نصفين فعلى رأي المؤلف يكون الربح بينهما نصفين وعلى رأي القاضي يكون الربح
بينهما على قدر ملكيهما أي ثلاثة أرباع فربع لصاحب الربع وثلاثة أرباع
لصاحب الثلاثة أرباع، وما قاله القاضي هو الأصل إذا لم يكن هناك شرط لكن
إذا اشترطا فهما على شرطهما ويبقى النظر لو اشترط صاحب الربع أن يكون له
ثلاثة أرباع الربح فهل له ذلك؟ الجواب له ذلك لأنه ربما يعطي ربحاً أكثر من
نصيبه وذلك لأنه أشد مهارة منه وأعرف من صاحبه بأحوال الناس وأوثق عند
الناس فيكون له نصف الربح وإن لم يكن له في الأصل إلا ربع المال، لكن ما
الفائدة من ذلك؟ نقول الفائدة أنه إذا خسرا فعلى صاحب الثلاثة أرباع ثلاثة
أرباع الخسارة وعلى صاحب الربع ربع الخاسرة لأن الخسارة على قدر الملك.
القارئ: الوضعية على قدر ملكيهما في المشترى لأنه رأس المال.
الشيخ: (والوضيعة) يعني الخسارة.
القارئ: ومبناها على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه فيما يشتريه
ويبيعه وحكمها في جواز ما يجوز لكل واحد منهما أو يمنع منه حكم شركة العنان
فصل
القارئ: الضرب الرابع شركة المفاوضة وهو أن يشتركا في كل شيء يملكانه.
الشيخ: قوله (وهو) يعود على العقد.
القارئ: وما يلزم كل واحد منهما من ضمان
غصب أو جناية أو تفريط وفيما يجدان من ركاز أو لقطة فلا يصح لأنه يكثر فيها
الغرر ولأنها لا تصح بين المسلم والكافر فلا تصح (1) بين المسلمين والكفار
كسائر العقود المنهي عنها ولأنه يدخل فيها أكساب غير معتادة وحصول ذلك وهم
لا يتعلق به حكم.
__________
(1) تعليق من الشيخ على قوله (فلا تصح): قال: اقتصر المؤلف رحمه الله على
النوع الفاسد من شركة المفاوضة وأما غيره فذكر النوعين الصحيح والفاسد
وعرَّفوا الصحيح بأنه عقد يجمع بين أنواع الشركة من عنان ومضاربة ووجوه
وأبدان فليُعلم ذلك.
الشيخ: المؤلف رحمه الله جعل هذا الضرب غير
صحيح، والمفاوضة هي أن يشترك اثنان في كل شيء يملكانه وفي كل شيء يلزم
أحدهما فهذه على هذا الوجه لا شك أنها لا تجوز وذلك لأن الغرر فيها كثير إذ
جَعْلُ ما يلزم أحدهما من ضمان الغصب أو الجناية أو التفريط أو ما يجري من
ركاز أو لقطة لازماً للآخر لا شك أن في هذا غرر عظيم لأن أحدهما مثلاً قد
يحصل عليه حادث فيغرم بسببه الآخر ويضمن فيما لو صححنا هذا النوع من الشركة
وربما يكون هذا الشريك كثير الحوادث والمذهب يقولون إن شركة المفاوضة في
الأموال الحاضرة لا بأس بها ومعناه أن يفوض كل واحد منهما للآخر كل تصرف
مالي أو بدني ولا يدخل فيها الأكساب النادرة كاللقطة والركاز وما أشبه ذلك
ولا الخسارة النادرة كالغصب وضمان المتلفات وما أشبهها والصحيح في هذا هو
المذهب لأنها إذا صححناها فيما لا غرر فيه فهي من جملة العقود التي أباحها
الشرع والأصل في العقود الجواز فمثلاً إذا كان هذا عنده عشرة آلاف والآخر
عنده عشرة آلاف وقالا اشتركنا شركة مفاوضة كل منا يبيع ويشتري ويؤجر
ويستأجر ويرهن ويقرض فهذه شركة مفاوضة، وعمل الناس الآن على العمل بها فتجد
اثنين ليس بينهما شركة في ميراث ولا غيره يتفقان على الشركة العامة ربما
يكون أحدهما في بلد والآخر في بلد آخر وأحدهما يتصرف تصرفاً كاملاً والثاني
كذلك فالصواب أن هذه الشركة جائزة وأنها قد تدعو الحاجة إليها لكن بشرط أن
لا يدخل فيها الأشياء النادرة كاللقطة، فاللقطة إذا وجدها أحدهما لا تدخل
في الشركة بل تكون لواجدها وكذلك الغصب فإذا غصب أحدهما شيء وضمن فهل يكون
الضمان من مال الشركة؟ الجواب لا بل يبقى في ذمة الآخر إلا إذا كان له مال
خارج عن الشركة فمن ماله.
باب المضاربة
القارئ: وهو أن يدفع إنسان ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما وهي جائزة
بالإجماع يروى إباحتها عن عمر وعلي وابن مسعود وحكيم بن حزام رضي الله عنهم
في قصص مشتهرة ولا مخالف لهم فيكون إجماعا وتسمى مضاربة وقراضا وتنعقد
بلفظهما وبكل ما يؤدي معناهما لأن القصد المعنى فجاز بما دل عليه كالوكالة.
الشيخ: التعليل الذي ذكره المؤلف جيد جداً لأن القصد المعنى فتجوز المضاربة
بكل ما دل عليها وهذه القاعدة النافعة طردها شيخ الإسلام في كل شيء حتى في
عقد النكاح فإذا قال: زوجتك بنتي فقال قبلت صح أو قال جوزتك (1) بنتي فقال
قبلت صح أو قال مَلَّكْتُكَ بنتي فقال: قبلت صح، وكلام شيخ الإسلام رحمه
الله هو المطرد وهو الذي تدل عليه الأدلة أي أن كل لفظ يدل على المعنى فإنه
يثبت به الحكم وليس هناك ألفاظ نتعبد بها إلا ألفاظ الذكر والدعاء وما
أشبهها.
القارئ: وحكمها حكم شركة العنان في جوازها وانفساخها وفيما يكون رأس المال
فيها ومالا يكون وما يملكه العامل وما يمنع منه وكون الربح بينهما على ما
شرطاه لأنها شركة فيثبت فيها ذلك كشركة العنان.
__________
(1) تنبيه: يقصد الشيخ اللفظ الذي يستخدمه العوام الآن في الدلالة على
النكاح.
الشيخ: شركة المضاربة جوازها من محاسن
الشريعة لأنه قد يكون عند الإنسان مهارة وقوة ونشاط في البيع والشراء لكن
ليس عنده مال فلو قلنا لا تجوز المضاربة تعطلت هذه القوة والطاقة في هذا
الرجل، وقد يكون الإنسان عنده أموال لكنه لا يعرف البيع والشراء فإذا قلنا
لا تجوز المضاربة بقي هذا المال معطل فصار إما أن نعطل طاقات الناس أو نعطل
أموالهم فمن محاسن الشريعة أن جازت المضاربة نقول مثلاً لهذا الرجل أعطي من
مالك فلاناً يتجر فيه والربح بينكما والخسارة على رأس المال، ولا يجوز أن
نجعل على العامل منها شيئاً لأننا لو جعلنا على العامل منها شيئاً ظلمناه
ظلماً عظيماً فيخسر العمل والمال فإذا أعطاه مثلاً مائة ألف يتجر فيها وبقي
كل السنة يكدح يبيع ويشتري ويضارب ويسافر ويقيم ثم عند التصفية صارت ثمانين
ألفاً فلو قلنا العامل عليه خسارة فسيكون عليه عشرة آلاف مع أنه تعب تعباً
عظيماً فيكون عليه خسارة بدنية وخسارة مالية ولهذا الخسارة تكون على رب
المال ولا يجوز شرطها على العامل.
فصل
القارئ: ويشترط تقدير نصيب العامل ونصيب كل واحد من الشريكين في الشركة
بجزء مشاع لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها
والمضاربة في معناها فإن قال خذه مضاربة والربح بيننا صح وهو بينهما نصفين
لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة من غير ترجيح لأحدهما.
الشيخ: البيْنيَّة تقتضي التسوية فإذا أعطيت عشرة رجال مالاً وقلت لهم
المال بينكم فهم يستحقونه بالسَّويةِ كل واحد منهم العشر ولو قال أحدهم أنا
لي سهمين، قلنا له: لا، لأن البَيْنيَّةَ تقتضي التسوية.
القارئ: فاقتضى التسوية كقوله هذه الدار
بيني وبينك وإن قال على أن لك ثلث الربح صح والباقي لرب المال لأنه يستحقه
لكونه نماء ماله فلم يحتج إلى شرطه وإن قال على أن لي ثلث الربح ولم يذكر
نصيب العامل ففيه وجهان أحدهما لا يصح لأن العامل إنما يستحق بالشرط ولا
شرط له والثاني يصح والباقي للعامل لأنه يدل بخطابه على ذلك كقوله تعالى
(وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) دل على أن باقيه للأب وإن
قال لي النصف ولك الثلث وترك السدس فهو لرب المال لأنه يستحقه بماله.
الشيخ: كلام المصنف هنا مجرد تصوير وإلا إذا قال ليَ النصف ولك الثلث
فسيقول له العامل وأين يذهب السدس، لكن لو فُرِضَ أنها فاتت على العامل
فالثلث يرجع إلى رب المال لأنه نماء ملكه، وهذا ما ذهب إليه المؤلف والذي
يظهر أن السدس يكون بينهما لأن هذا الربح حصل بعمل العامل والمال لو بقي في
صندوق صاحبه لم يستفد شيئاً فمن الظلم أن نقول إن السهم المسكوت عنه يكون
من نصيب صاحب المال بل الصحيح أن السهم المسكوت عنه يكون بينهما لأن من
الأول المال ومن الثاني العمل.
القارئ: وإن قال خذه مضاربة بالثلث صح وهو للعامل لأن الشرط يراد من أجله
ورب المال يأخذه بماله لا بالشرط ومتى اختلفا لمن الجزء المشروط فهو للعامل
لذلك واليمين على مدعيه.
السائل: لو أعطاه مالاً وقال خذ هذا المال ونمه ولم يذكر مضاربة أو بجزء
معين، فما هو الحكم؟
الشيخ: إذا كان من عادة هذا الآخذ أي آخذ المال أنه يأخذ أموال الناس بسهم
معروف حُمِلَ العقد عليه وإذا لم يكن من عادته أخذ أموال الناس فإنه يُعطى
إما أجرة مثله وإما سهم مثله وهذا الأصح.
السائل: لو اشترك أحدهما بماله والآخر ببدنه ثم لم تخسر الشركة ولم تربح
فهل يستحق العامل أجرة؟
الشيخ: لا يستحق لأن العامل رضي بأن له نصيبه من الربح ويعرف أنه إن ربح
أخذ وإن لم يربح فلا شيء له.
فصل
القارئ: وإن لم يذكر الربح أو قال لك جزء
من الربح أو شركة لم تصح المضاربة لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب.
الشيخ: المؤلف رحمه الله علل بأنه إذا قال لك جزء من الربح ولم يعين أو قال
أنت شريك في الربح ولم يعين بأن الجهالة تمنع تسليم الواجب وهذا حقيقة فهي
تمنع تسليم الواجب على سبيل التقدير لكن خيرٌ من ذلك أن يقول لأن النبي صلى
الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) وهذا غرر والغرر يفضي إلى النزاع
والخصومة والشريعة الإسلامية تمنع كل ما يفضي إلى النزاع والخصومة فهذا هو
التعليل الصحيح وتعليل المؤلف لا بأس به لكن الأولى أن يعلل بالنص والمعنى
الذي توميء إليه الشريعة الإسلامية.
القارئ: وإن قال لك مثل ما شرط لفلان وهما يعلمانه صح وإن جهلاه أو أحدهما
لم يصح.
الشيخ: الصحيح صحة ذلك إذا كان فلان هذا ممن عُرِفَ بالتجارة وممارسة
الأشياء لأن كونهما يُقيِّدَانِهِ بهذا الرجل المعروف بأنه ذو خبرة أحسن من
كونهما يُقَدِّرَانِهِ بأنفسهما لأنه ربما يقول لك نصف الربح وهو لا يستحقه
أو يقول لك ربعه وهو لا يستحقه فالصواب أن يقال إذا كان هذا الرجل الذي
قُيِّدَ الشرط به من أهل الخبرة والمعرفة فلا بأس.
القارئ: ولا يجوز أن يشرط لأحدهما دراهم معلومة لأنه يحتمل أن لا يربحها أو
لا يربح غيرها فيختص أحدهما بجميع الربح ولو شرط لأحدهما ربح أحد الألفين
أو أحد الكيسين أو أحد العبدين وللآخر ربح الآخر أو جعل حقه في عبد يشتريه
أو أنه إذا اشترى عبداً أخذه برأس المال لم يصح لإفضائه إلى اختصاص أحدهما
بالربح.
الشيخ: ما ذكره المؤلف صحيح لأن الأصل في الشركة أنها مبنية على التساوي في
المغنم والمغرم وهذا هو الأصل فإذا جُعِلَت على وجه يختص فيه الربح بأحدهما
صارت قِماراً وميسراً وعليه فقاعدة الشركة من شركة العنان إلى آخر الشركات
أنه لابد أن يتفق الشريكان في المغنم والمغرم.
فصل
القارئ: وإن قال خذه مضاربة والربح كله لك
أو قال لي لم يصح لأن موضوعها على الاشتراك في الربح فشرطه كله له ينافي
مقتضى العقد فبطل وإن قال خذه فاتجر به والربح كله لك فهو قرض لأن اللفظ
يصلح للقرض وقد قرن به حكمه فتعين له وإن قال والربح كله لي فهو إبضاع لأنه
قرن به حكمه.
الشيخ: الفرق بين قوله (خذه فتجر به والربح كله لك) وقوله (خذه مضاربة)،
أنه في الأول قال (خذه مضاربة) والمضاربة لا تصح على أن يكون الربح كله
للعامل والذي يصح وأن يكون الربح كله فيه للعامل هو القرض فإذا قال خذ هذا
المال اتجر به ولك ربحه فذلك يعني أنه قَرْض ولكن هنا مشكلة لأنه إذا
جعلناه قرضاً فتلف بغير تعدي ولا تفريط من العامل فعليه ضمانه لأن القرض
يدخل في ملكه وحينئذ يكون فيه إشكال لأن العامل ربما يأخذه على أنه لصاحبه
فإذا تلف المال بلا تعدي ولا تفريط فيكون ضمانه على رب المال فهذه المسألة
ينظر فيها، هل فيها خلاف أو لا ثم هل يرجع في هذا إلى العرف؟
فصل
القارئ: فإن قال لغريمه ضارب بالدين الذي عليك لم يصح لأن ما في يد الغريم
لنفسه لا يصير لغريمه إلا بقبضه فإن عزل شيئاً واشترى به فالشراء له لأنه
اشترى بماله ويحتمل أن تصح المضاربة لأنه اشترى له بإذنه ودفع المال إلى من
أذن له في دفعه إليه فبرئت به ذمته.
الشيخ: قوله (ويحتمل أن تصح المضاربة) هذا الاحتمال هو الصحيح فإذا قال
لغريمه يا فلان أعطى فلاناً ألف ريال مما في ذمتك لي لفلان مُضَارَبةً فهذا
جائز لأنه وَكَّلَهُ والوكالة جائزة إلا فيما يكون حراماً.
القارئ: وإن كانت له وديعة فقال للمودع ضارب بها صح لأنه عين ماله.
الشيخ: قوله (لأنها) يعني لأن المال.
القارئ: وإن كان عرضاً فقال بعه وضارب بثمنه صح لأن الثمن عين مال رب المال
وإن قال اقبض مالي على فلان فضارب به ففعل صح لأنه وكيل في قبضه فيصير
كالوديعة.
فصل
القارئ: ويصح أن يشرط على العامل أن لا
يسافر بالمال ولا يتجر به إلا في بلد بعينه أو نوع بعينه أو لا يعامل إلا
رجلاً بعينه لأنه أذن في التصرف فجاز ذلك فيه كالوكالة ويصح توقيتها فيقول
ضاربتك بهذه الدراهم سنة لذلك نص عليه وعنه لا يصح أختارها أبو حفص لأنه
عقد يجوز مطلقا فلم يجز توقيته كالنكاح ويصح أن يشرط نفقة نفسه حضراً وسفرا
قياساً على الوكيل.
الشيخ: قوله (أن يشرط نفقة نفسه) يعني المُضَارَب الذي أخذ المال فيصح أن
يقول المُضَارَب النفقة على المال حضراً وسفراً.
فصل
القارئ: ولا يصح أن يشترط ما ينافي مقتضى العقد نحو أن يشرط لزوم المضاربة
أو لا يعزله مدة بعينها أو لا يبيع إلا برأس المال أو أقل أو يوليه ما
يختار من السلع لأنه يفوت المقصود من العقد وإن شرط أن يتجر له في مال آخر
مضاربة أو بضاعة أو خدمة في شيء أو يرتفق بالسلع أو شرط على العامل الضمان
أو الوضيعة أو سهماً منها أو متى باع سلعة فهو أحق بها بالثمن فالشرط فاسد
لأنه ليس في مصلحة العقد ولا مقتضاه.
فصل
القارئ: وكل شرط يؤثر في جهالة الربح يبطل المضاربة لأنه يمنع التسليم
الواجب ومالا يؤثر فيه لا يبطلها في قياس قوله لنصه فيما إذا شرط سهماً من
الوضيعة أن المضاربة صحيحة لأنه إذا حذف الشرط بقي الإذن بحاله ويحتمل
البطلان لأنه إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا فسد فات الرضى به ففسد
كالمزارعة إذا شرط البذر من العامل وكالشروط الفاسدة في البيع ومتى فسدت
فالتصرف صحيح لأنه بإذن رب المال والوضيعة عليه لأن كل عقد لا ضمان في
صحيحه لا ضمان في فاسده والربح لرب المال لأنه نماء ماله وإنما يستحق هنا
بالشرط وهو فاسد هاهنا لا يستحق به شيء وللعامل أجر مثله لأنه بذل منافعه
بعوض لم يسلم له.
الشيخ: الذي مشى عليه المؤلف رحمه الله أن
المضاربة الفاسدة يكون للعامل أجرة العمل ويكون الربح كله لرب المال،
والصواب أنه لا يستحق أجرة العمل وإنما يستحق السهم أي سهم مثله لأن الأصل
في المضاربة أنها مشاركة وبناءً على هذا القول إذا لم تربح المضاربة فلا
شيء للعامل لأن العامل وإن كان العقد عقداً فاسداً فإنه قد دخل على أنه
شريك في الربح وأنه إذا لم يربح فلا شيء له، فعليه نقول الصواب في هذه
المسألة أنه إذا فسدت المضاربة فللعامل سهم المثل إن ربحت وإن لم تربح فلا
شيء له لأن العامل نفسه داخل على أنه إذا لم تربح فلا شيء له فكيف نعطيه
أجر الربح!! وربما تكون أجرة المثل تحيط بالربح كله.
القارئ: وإن فسدت الشركة قسم الربح على رؤوس أموالهما ورجع كل واحد منهما
على الآخر بأجر عمله لما ذكرنا وقال الشريف أبو جعفر الربح بينهما على ما
شرطاه لأنه عقد يجوز أن يكون عوضه مجهولا فوجب المسمى في فاسده كالنكاح.
الشيخ: ما ذكره المؤلف في هذه المسألة إنما هو في شركة العنان وليس في شركة
المضاربة لأنه قال (قسم الربح على رؤوس أموالهما) والمضاربة ليس فيها رأس
مال من الجميع بل رأس مال للمُضَارِبِ فقط.
فصل
القارئ: وعلى العامل عمل ما جرت العادة بعمله له من نشر وطي وإيجاب وقبول
وقبض ثمن ووزن ما خف كالنقود والمسك والعود لأن إطلاق الإذن يحمل على العرف
والعرف أن هذه الأمور يتولاها بنفسه وإن أستأجر من يفعلها فعليه الأجرة في
ماله لأنه بذلها عوضا عما يلزمه وما جرت العادة أن يستنيب فيه كحمل المتاع
ووزن ما يثقل والنداء فله أن يستأجر من مال القراض من يفعله لأنه العرف فإن
فعله بنفسه ليأخذ أجرة لم يستحقها نص عليه لأنه تبرع بفعل ما لم يلزمه فلم
يكن له أجر كالمرأة التي تستحق على زوجها خادماً إذا خدمت نفسها ويتخرج أن
له الأجر لأنه فعل ما يستحق الأجر فيه فاستحقه كالأجنبي.
الشيخ: الصحيح أنه إذا فعل المُضَارَبُ ما
لا يلزمه في مال المضاربة فإنه لا يستحق شيئاً لأنه متبرع ومقتضى العقود
إذا لم يكن لها ضابط شرعي فإنه يرجع فيه إلى العرف.
فصل
القارئ: وليس له أن يشتري بأكثر من رأس المال.
الشيخ: قوله (ليس له) أي للمُضَارَبِ.
القارئ: لأن الإذن لم يتناول غيره فإن كان ألفاً فاشترى عبداً بألف فهو
للمضاربة لأنه مأذون فيه فإن اشترى آخر لم يدخل في المضاربة لأنه غير مأذون
فيه وحكمه حكم ما لو اشترى لغيره شيئاً بغير إذنه فإن تلف الألف قبل نقده
في الأول فعلى رب المال الثمن لأن الشراء بإذنه ويصير رأس المال الثمن
الثاني لأن الأول تلف قبل تصرفه فيه وإن تلف قبل الشراء لم يدخل المشترى في
المضاربة لأنها انفسخت قبل الشراء لتلف رأس المال وزوال الإذن.
الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه ليس له أن يشتري بأكثر ولو كان يعتقد المصلحة
وأن في ذلك ربح للشركة مثل أن يكون رأس مال المضاربة مائة ألف فتعرض أرض
للبيع بمائة وعشرة آلاف ويرى أن المصلحة في شراء الأرض فيشتريها بمائة
وعشرة آلاف فظاهر كلام المؤلف أن ما زاد على المائة ليس لازماً على رب
المال لأنه لم يأذن له إلا بمائة ألف ويكون هذا الزائد على نفقة المضارب،
لكن على القول الراجح إذا رضي بذلك وأجازه فإنه يصح وهذا سبق الكلام عليه
في أول كتاب البيع ويُعبَّرُ عن هذا بتصرف الفضولي.
فصل
القارئ: وليس له التصرف إلا على الاحتياط كالوكيل لأنه وكيل رب المال إلا
أن له شراء المعيب لأن مقصودها الربح وقد يربح في المعيب بخلاف الوكالة فإن
الشراء فيها يراد للقنية فإن اشترى شيئاً فبان معيباً فله رده فإن اختلف هو
ورب المال في رده فعل ما فيه النظر لأن المقصود الحظ لهما فإذا اختلفا قدم
الأحظ.
الشيخ: لو أن المضارب اشترى معيباً يرى أن
فيه مصلحة فقال رب المال لا أريده وقال المضارب بل أريده فالقول قول
المضارب مادام أن فيه مصلحة بخلاف الموكِّل والوكيل فإذا اشترى الوكيل
معيباً وقال الموكِّل لا أريده وجب رده.
فصل
القارئ: فإن شترى من يعتق على رب المال صح لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح
شراؤه كالذي نذر رب المال عتقه ويعتق وعلى العامل الضمان علم أو لم يعلم
لأن مال المضاربة تلف بتفريطه وفي قدر ما يضمن وجهان أحدهما ثمنه لأنه فات
فيه والثاني قيمته لأنها التالفة وقال أبو بكر إن لم يعلم لم يضمن لأنه
معذور فلم يضمن كما لو اشترى معيباً لم يعلم عيبه ويتخرج أن لا يصح شراؤه
لأن الإذن تقيد بالعرف لما يمكن بيعه والربح فيه فلا يتناول غيره ولأنه
تقيد بما يظن الحظ فيه وهذا لا حظ للتجارة فيه ولهذا جعلناه مفرطاً
وألزمناه الضمان.
الشيخ: المسألة التي ذكرها المصنف ثلاثة أقوال القول الأول أنه يصح ولكن
المضارب يضمن لأنه اشترى ما يعتُقُ على رب المال وبمجرد الشراء يعتق فيتلف
المال والقول الثاني أنه إذا لم يعلم فلا ضمان عليه لأنه مجتهد وغير مفرط
والقول الثالث الذي ذكره المؤلف احتمالاً أنه لا يصح العقد أصلاً وأنه
يُرَدُّ على البائع وهذا القول قول قوي لكن إذا كان يعلم أي المضارب أنه
ممن يعتق على رب المال فهنا نقول البيع صحيح وعليه الضمان والكلام فيما إذا
لم يعلم.
القارئ: وإن اشترى زوجة رب المال أو زوج ربة المال صح وانفسخ النكاح لملكه
إياه فإن كان قبل الدخول فعلى العامل نصف الصداق لأنه أفسد نكاحه فأشبه من
أفسده بالرضاع.
فصل
القارئ: فإن اشترى من يعتق على نفسه ولا
ربح في المال لم يعتق وإن ظهر فيه ربح وقلنا لا يملك العامل إلا بالقسمة لم
يعتق أيضا وإن قلنا يملكه بالظهور عتق عليه قدر حصته منه وسرى إلى باقيه إن
كان موسرا وغرم قيمته وإن كان معسراً لم يعتق عليه إلا ما ملك وقال أبو بكر
لا يعتق بحال لأنه لم يتم ملكه في الربح لكونه وقاية لرأس المال.
فصل
القارئ: وليس له وطء جارية من المال فإن فعل فعليه المهر لأنها مملوكة غيره
ويعزر نص عليه ولا حد عليه لشبهة حقه فيها وقال القاضي عليه الحد إن لم
يظهر ربح لأنه لا ملك له فيها والأول أولى لأن ظهور الربح ينبني على
التقويم وهو غير متحقق فيكون شبهة فإن ولدت منه ولم يظهر ربح فالولد مملوك
ولا تصير به الجارية أم ولد لأنها علقت به في غير ملك وإن ظهر ربح فالولد
حر وأمه أم ولد وعليه قيمتها ويسقط من القيمة والمهر قدر حصة العامل منها
وإن أذن له رب المال في التسري فاشترى جارية خرجت من المضاربة وصار ثمنها
قرضا لأن استباحة البضع لا تكون إلا بملك أو نكاح لقول الله تعالى (إِلَّا
عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ).
فصل
القارئ: وليس لرب المال وطء جارية من المضاربة لأن لغيره فيها حقا فإن فعل
فلا حد عليه لأنها ملكه وإن لم تعلق منه فالمضاربة بحالها وإن علقت منه
فالولد حر وتصير أم ولد له وتخرج من المضاربة وتحسب عليه قيمتها ويأخذ
المضارب حصته من الربح مما بقي.
فصل
القارئ: وليس له دفع المال مضاربة لأنه إنما دفع إليه المال ليضارب به
وبهذا يخرج عن كونه مضارباً فإن فعل فهو مضمون على كل واحد منهما على الأول
لتعديه وعلى الثاني لأخذه مال غيره بغير إذنه فإن غرم الأول ولم يعلم
الثاني بالحال لم يرجع عليه لأنه دفعه إليه أمانة وإن علم رجع عليه وإن غرم
الثاني مع علمه لم يرجع على أحد وإن لم يعلم فهل يرجع على الأول على وجهين
بناءً على المشتري من الغاصب.
الشيخ: الصحيح أنه يرجع لأنه مغرور
فالمُضَارَبُ ليس له أن يدفع المال الذي ضورب عليه إلى شخص آخر مضاربةً
لأنه لم يُدْفع له على هذا الأساس ولكن لو فعل فإن الضمان عليه وعلى الثاني
ووجه ذلك أما بالنسبة للأول لأنه متعدي غير مأذون له فيه وبالنسبة للثاني
لأنه تلف المال تحت يده، وأما بالنسبة للضمان إن ضُمِّنَ الأول لم يرجع على
الثاني إلا إذا علم الثاني أنه مُلْكُ غير المُضَارَبِ وأنه تعدى بإعطائه
إياه فيرجع عليه لأنه تلف تحت يده وإن ضُمِّنَ الثاني فإنه يرجع على الأول
إذا كان لا يعلم وإن كان يعلم لم يرجع على أحد، وقولنا يرجع الأول هذا على
القول الراجح لأن المؤلف ذكر فيه وجهين والراجح أنه يرجع.
القارئ: وإن ربح فالربح لرب المال لأنه نماء ماله ولا أجرة لواحد منهما لأن
الأول لم يعمل والثاني عمل في مال غيره بغير إذنه فأشبه الغاصب وعنه له
أجرة مثله لأنه عمل في المال بشبهة المضاربة فأشبه المضاربة الفاسدة.
الشيخ: الصواب في مثل هذا وفي جميع العقود الفاسدة أن العامل إن كان عالماً
فلا شيء له وإن كان غير عالم فله سهم مثله لا أجرة مثله، والفرق ظاهر لأنه
قد يكون سهم مثله أكثر من الأجرة وقد تكون الأجرة أكثر وقد لا يربح فإذا
قلنا على رب المال الأجرة وهو لم يربح فهذا مشكل، فالصواب أن المُضَارَبُ
إذا كانت المضاربة فاسدة فإن له سهم مثله وإذا خسرت المضاربة فلا شيء له.
القارئ: ويحتمل أنه إن اشترى في الذمة كان الربح له فأما إن دفعه إلى غيره
بإذن رب المال صح ويصير الثاني هو المُضَارَبُ فإن شرط الدافع لنفسه شيئاً
من الربح لم يستحق شيئا لأن الربح يستحق بمال أو عمل وليس له واحد منهما
فإن قال له رب المال اعمل برأيك فعن أحمد رضي الله عنه جواز دفعه مضاربة
كما ذكرنا في الشركة.
الشيخ: الصحيح في هذه المسألة أنه إذا رأى
المُضَارَبُ مصلحة في المضاربة به فلا بأس، كما لو أعطاه شخصاً مُضَارَباً
وهذا الشخص يريد أن يسافر إلى بلد آخر ويأتي بالمال فهذا لا شك أنه من
مصلحة الشركة ولا ينبغي أن نقول في هذه الحال أنه ضامن لأنه إنما تصرف
لمصلحة الشركة إلا إذا قال له لا تعطه أحداً لا بِمُضَارَبَةٍ ولا غيرها
فحينئذ لا يعطيه أحد لأن القاعدة عندنا أن المُضَارَب له أن يتصرف فيما فيه
مصلحة المال بكل حال.
فصل
القارئ: إذا تعدى المُضَارَبُ بفعل ما ليس له فهو ضامن لأنه تصرف بغير إذن
المالك فضمن كالغاصب والربح لرب المال ولا أجرة له لأنه عمل بغير إذن أشبه
الغاصب وعنه له أجرة مثله ما لم تحط بالربح كالإجارة الفاسدة وعنه له أقل
الأمرين من أجرته أو ما شرط له لأنه رضي بما جعل له فلا يستحق أكثر منه ولا
يستحق أكثر من أجرة المثل لأنه لم يفعل ما جعل له الربح فيه وقال القاضي إن
اشترى في الذمة ثم نقد المال فكذلك وإن اشترى بعين المال فالشراء باطل في
رواية والنماء للبائع وفي رواية يقف على إجازة المالك فإن لم يجزه فالبيع
باطل أيضاً وإن أجازه صح والنماء له وإن أخذ الربح كان إجازة منه للعقد
لأنه دل على رضاه وفي أجرة المضارب ما ذكرناه.
فصل
القارئ: ونفقة العامل على نفسه حضراً وسفرا
لأنها تختص به فكانت عليه كنفقة زوجته ولأنه دخل على أن له جزءاً مسمى فلم
يستحق غيره كالمساقي وإن اشترط نفقته فله ذلك لقول النبي صلى الله عليه
وسلم (المؤمنون على شروطهم) ويستحب تقديرها لأنه أبعد من الغرر فإن أطلق
جاز لأنه لها عرفاً تنصرف إليه فأشبه إطلاق الدينار في بلد له فيه عرف قال
أحمد ينفق على ما كان ينفق غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال وله نفقته من
المأكول خاصة إلا أن يكون سفره طويلاً يحتاج إلى تجديد كسوة فله أن يكتسي
فإن كان معه مال آخر فالنفقة على المالين بالحصص لأن النفقة للسفر والسفر
لهما وإن مات لم يجب تكفينه لأنه لم يبق عاملا وإن لقيه رب المال في السفر
ففسخ المضاربة فلا نفقة له لرجوعه لذلك.
الشيخ: المسألة الأخيرة فيها نظر لأن المُضَارَب عليه ضرر فهذا المُضَارَبُ
سافر وقد شُرِطَت له النفقة وفي أثناء السفر فُسِخَ فكوننا نقول تسقط
النفقة وهي مشروطة على رب المال فهذا فيه نظر فالصواب أن له النفقة حتى
يرجع لأن في ذلك ضرراً عليه.
فصل
القارئ: وللمُضَارَبِ أن يأخذ مضاربة أخرى إذا لم يكن فيه ضرر على الأولى.
الشيخ: قوله (مضاربة أخرى) يعني من رجل آخر وليس المقصود من رب المال الذي
أعطاه أولاً، لأن هذا ليس فيه إشكال، لكن إذا كان يأخذ مضاربة من زيد ثم
يريد أن يأخذ من عمرو فله ذلك بشرط أن لا يضر بالأول.
القارئ: لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها فلم يملك عقداً أخر كالوكالة.
الشيخ: قوله (لا يملك به) أي رب المال (منافعه) أي منافع المُضَارَب
فالمُضَارَبُ يقول لصاحب المال الأول: أنا عملت بمالك وليس لك حق أن تمنعني
من العمل بمال غيرك.
القارئ: فإن كانت الثانية تشغله عن الأولى
لم يجز لأنه تصرف يضر به فلم يجز كالبيع بغبن فإن فعل ضم نصيبه من الربح في
الثاني إلى ربح الأول فاقتسماه لأن ربحه الثاني حصل بالمنفعة التي اقتضاها
العقد الأول وإن فعل ذلك بإذن الأول جاز لأن الحق له فجاز بإذنه فإن أخذ
مالين من رجلين واشترى بكل مال عبدا فاشتبها عليه ففيه وجهان أحدهما يكونان
شريكين فيهما كما لو اشتركا في عقد البيع والثاني يأخذهما العامل وعليه رأس
المال لأنه تعذر ردهما بتفريطه فلزمه ضمانهما كما لو أتلفهما.
فصل
القارئ: وإذا دفع إليه ألفاً ثم دفع إليه ألفاً آخر لم يجز له ضم أحدهما
إلى الآخر لأنه أفرد كل واحد بعقد له حكم فلم يملك تغييره فإن أمره بضمهما
قبل التصرف فيهما أو بعد أن نضّا جاز وصارا مضاربة واحدة وإن كان بعد
التصرف قبل أن ينضا لم يجز لأن حكم ما تصرف فيه قد استقر فصار ربحه وخسرانه
مختصاً به فضم الآخر إليه يوجب جبر وضيعة أحدهما بربح الآخر فلم يجز.
الشيخ: صورة المسألة رجل أعطاه رجل آخر ألف
ريال وقال له خذ هذه الألف مضاربة ثم أعطاه ألفاً آخر وقال هذه مضاربة
أخرى، فإن المُضَارَب لا يجمعهما جميعاً بل يتجر بالألف الأول على حدى
والألف الثاني على حدى، إلا إذا كان لم يتصرف في الأول يعني أنها مازالت
دراهم فهذا لا بأس أو إذا كان الأول قد نضَّ أي صُفِّيَ وبِيعَ وبقي دراهم
فلا بأس أيضاً، أما إذا لم ينض فيقول المؤلف إن هذا لا يصح، والصحيح أنه
يصح ولا مانع منه لكن تقدر قيمة الموجود من الألف الأول بمعنى أنه إذا كان
الألف الأول لم ينض ومازال مالاً إما رزاً أو سكراً أو شاهياً أو غير ذلك
فإنها تقدر قيمته عند ضم الثاني إليه حتى يعرف أن قيمة هذا مثلاً ألف ريال
وتضاف إليها الألف الثانية ويكون رأس المال ألفين فإذا اتفقا على ذلك فما
المانع، فالصواب أنه جائز والمؤلف علل وقال (لأن حكم ما تصرف فيه قد استقر)
فيقال الحق لهما فإذا رضيا بذلك فلا بأس، ونحن نرى أنه يجوز أن يكون رأس
مال المضاربة عيناً لا نقداً لكن تقدر قيمتها وقت العقد بنقد من أجل أن
يرجعا إليها عند النَّض.
فصل
القارئ: وليس للمضارب ربح حتى يوفي رأس
المال لأن الربح هو الفاضل عن رأس المال فلو ربح في سلعة وخسر في أخرى أو
في سفرة وخسر في أخرى جبرت الوضيعة من الربح وإن تلف بعض المال قبل التصرف
فتلفه من رأس المال لأنه تلف قبل التصرف أشبه التالف قبل القبض وإن تلف بعد
التصرف حسب من الربح لأنه دار في التجارة فإن اشترى عبدين بمائة فتلف
أحدهما وباع الآخر بخمسين فأخذ منها رب المال خمسة وعشرين بقي رأس المال
خمسين لأن رب المال أخذ نصف المال الموجود فسقط نصف الخسران ولو لم يتلف
العبد وباعهما بمائة وعشرين فأخذ رب المال ستين ثم خسر العامل فيما معه
عشرين فله من الربح خمسة لأن سدس ما أخذه رب المال ربح للعامل نصفه وقد
انفسخت المضاربة فيه فلا يجبر به خسران الباقي وإن اقتسما العشرين الربح
خاصة ثم خسر عشرين فعلى على العامل رد ما أخذه وبقي رأس المال تسعين لأن
العشرة الباقية مع رب المال تحسب من رأس المال ومهما بقي العقد على رأس
المال وجب جبر خسرانه من ربحه.
الشيخ: القاعدة في هذا أنه لا يحسب الربح إلا بعد المناضَّة والمحاسبة وأما
مادامت الشركة باقية فإن الخسارة تكون من الربح ولو استوعبت الخسارة الربح
وبعض رأس المال فاتت على الجميع وصار ليس للعامل ربح ولا لرب المال ربح بل
عليه خسارة في رأس ماله، فإذا ضاربه بمائتين ثم ربح العامل مائة صار
المجموع بالإضافة إلى رأس المال ثلاثمائة فإذا خسر المال مائة وخمسين فليس
للعامل شيء لأن الخسارة تكون من الربح، وهل يُلْزِمُ رب المال العامل
بالخمسين؟ الجواب لا، حتى لو شرط رب المال على العامل أن الخسارة عليه
فالشرط باطل ولا يصح.
القارئ: وإن قسما الربح قال أحمد إلا أن
يقبض رأس المال صاحبه ثم يرده إليه أو يحتسبا حساباً كالقبض وهو أن يظهر
المال ويجئ به فيحتسبان عليه فإن شاء صاحبه قبضه ولا يكون ذلك إلا في الناض
دون المتاع لأن المتاع قد يتغير سعره وأما قبل ذلك فالوضيعة تجبر من الربح
ولذلك لو طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال لم يلزم الآخر إجابته لأنه
لا يأمن الخسران في الثاني وإن اتفقا على قسمه أو قسم بعضه أو على أن يأخذ
كل واحد منهما كل يوم قدراً معلوماً جاز لأن الحق لهما ولو تبين للمضارب
ربح لم يجز له أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال.
الشيخ: قوله (ولو تبين للمضارب ربح لم يجز له أخذ شيء منه إلا بإذن رب
المال) وذلك لأنه يحتمل أن يخسر فإذا خسر وهو قد أخذ من الربح صار في هذا
ظلم على رب المال.
فصل
القارئ: ويملك العامل الربح بالظهور وعنه لا يملكه لأنه لو ملكه اختص بربحه
والأول المذهب لأنه يملك المطالبة بقسمه فملكه كالمشترك وإنما لم يختص
بربحه لأنه وقاية لرأس المال.
الشيخ: الحقيقة أن هذا الكلام وهو أنه يملك الربح لا أعمله يستفيد من ذلك
شيئاً اللهم إلا إذا قسم الربح وقلنا إنه يملكه فإنه يعتبر حوله من حين
ظهوره ففي الزكاة إذا تمت السنة والربح باقي قلنا تجب عليك الزكاة لكن
المذهب رحمهم الله يقولون لا زكاة في ربح مال المضاربة بالنسبة للعامل
ويعللون ذلك بأن ملكه غير مستقر لأنه إذا خسر لم يكن له شيء فملكه غير
مستقر.
فصل
القارئ: ولكل واحد منهما فسخ المضاربة لأنها عقد جائز فإذا فسخ والمال عرض
فاتفق على قسمه أو بيعه جاز وإن طلب العامل البيع وأبى رب المال وفيه ربح
أجبر عليه لأن حقه في الربح لا يظهر إلا بالبيع.
الشيخ: قوله (أجبر عليه) نقول إما أُجبِر
البائع على البيع وإما أن يجبر على إعطاء العامل نصيبه من الربح فإذا قال
رب المال أنا أحب أنَّ هذه السلعة التي اشتريتها أن تبقى على ملكي ونصيبك
من الربح تُقَدِّرُ القيمة وأعطيك إياه فحينئذ نقول لا يجبر لأنه ليس على
المُضارَب ضرر، وصورة المسألة نقول إن لكل من المُضَارَب والمُضارِب فَسْخُ
المضاربة لأنها عقد جائز فإذا فسخا العقد والمال عَرضٌ أي أنه ليس دراهم بل
هو سيارات أو مكائن أو ساعات أو أقمشة فاتفقا على قَسْمِهِ أو بيعه جاز لأن
الحق لهما، لكن إذا طلب العامل البيع وقال لا أَقْسِم ولا أريد شيئاً من
هذا المتاع بل أريد أن يباع لأن في ذلك ربح فأبى رب المال ذلك فقال المؤلف
(أجبر عليه) أي رب المال يجبر على البيع لئلا يفوت ربح العامل وهذا واضح،
لكن نقول هذا القول صحيح إلا أنه إذا طلب رب مال أن لا يباع وقال إني أريد
أن تبقى هذه السلعة عندي وأنت أيها العامل سوف نُقدِّر القيمة ونعطيك نصيبك
من الربح فإنه لا وجه لإجباره على البيع لأن العامل في هذه الحال لا يتضرر،
فنحن نقول يجبر عليه أو يجبر على التقويم ويعطى العامل نصيبه من الربح.
القارئ: وإن لم يكن فيه ربح لم يجبر لأنه لا حق له فيه.
الشيخ: لكن كيف نعلم أنه لا ربح فيه؟ نقول نعلم هذا بهبوط الأسعار فإذا
هبطت الأسعار هبوطاً واضحاً وعلمنا أنه لا يمكن أن يربح ولا واحد في
المليون فحينئذ العامل ليس له حق فلا يُجبر المالك على البيع.
القارئ: وإن طلب رب المال البيع وأبى العامل أجبر في أحد الوجهين لأنه
يستحق عليه رد المال كما أخذه والآخر لا يجبر لأنه متصرف لغيره بحكم عقد
جائز فلم يلزمه التصرف كالوكيل.
الشيخ: الوجه الأول أصح بلا شك فإذا قال رب المال لابد أن يباع المتاع الذي
في محل التجارة، فإنه يجبر العامل على البيع لأن هذا مقتضى العقد.
القارئ: وإن كان ديناً لزم العامل تقاضيه
لأن المضاربة تقتضي رد المال على صفته.
الشيخ: الدين أشد على العامل من بيع السلع فكيف نقول يلزمه أن يتقاضى الدين
في ذمم الناس المماطلين المعسرين ولا يلزمه أن يبيع السلع مع أن بيعها سهل.
فصل
القارئ: ويجوز أن يدفع المال إلى اثنين مضاربة فإن شرط لهما جزءاً من الربح
ولم يبين كيف هو بينهما فهو بينهما نصفين لأن إطلاق لفظ لهما يقتضي التسوية
وإن شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر سدسه صح لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان
وإن قارض اثنان واحداً بألف لهما جاز وكان بمنزلة عقدين فإذا شرطا له جزءاً
من الربح والباقي لهما على عقد ملكيهما فإن كان بينهما نصفين فشرط أحدهما
للمضارب نصف ربح نصيبه وشرط له الآخر الثلث والباقي بينهما نصفين لم يجز
لأن كل واحد منهما يستحق ما بقي من الربح بعد شرطه فإذا شرطا التسوية فقد
شرط أحدهما جزءاً من ربح مال صاحبه بغير عمل وإن دفع إليه ألفا وقال أضف
إليها من مالك ألفا والربح ببيننا لك ثلثاه ولي ثلثه جاز وكان شركة وقراضاً
وللعامل النصف بماله والسدس بعمله وإن قال والربح بيننا نصفين نظرنا في
لفظه فإن قال خذه مضاربة فسد لأنه جعل ربح ماله كله له وذلك ينافي مقتضى
المضاربة وإن لم يقل مضاربة صح وكان إبضاعاً وإن قال ولي الثلثان فسد لأنه
يشرط لنفسه جزءاً من ربح مال صحابه بغير عمل.
فصل
القارئ: وإن أخرج ألفاً وقال أتجر أنا وأنت
فيها والربح بيننا صح نص عليه وذكره الخرقي بقوله أو بدنان بمال أحدهما
وقال ابن حامد والقاضي لا يصح لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل
وهذا الشرط ينفي ذلك والأول أظهر لأن العمل أحد ما تتم به المضاربة فجاز
انفراد أحدهما به كالمال ومقتضى المضاربة إطلاق التصرف في المال والمشاركة
في الربح وهذا لا ينفيه فإن شرط المضارب أن يعمل معه غلام رب المال فهو
أولى بالجواز لأن عمل الغلام يصح أن يكون تابعاً لعمل العامل كالحمل على
بهيمته وقال القاضي لا يجوز لأن يد العبد كيد سيده.
الشيخ: الصحيح الجواز وأنه لا مانع وذلك لأن الحق للمتعاقدين فإذا رضي رب
المال وقال هذا ألف أتجر أنا وإياك فيه ولك من الربح كذا وكذا أو الربح
بيننا، فما المانع!! فالصواب أنه جائز والأصل في المعاملات هو الحل إلا ما
دل الدليل على أنه محرم.
السائل: ذكرنا أنه إذا اشترط المضارب أن له الثلثان من الربح فإنه لا يصح
على كلام المؤلف، لكن لو أنه دخل معه في التجارة لأن هذا التاجر معروف
والناس يشترون بضاعته ويثقون فيه فهل له أن يطلب الثلثين؟
الشيخ: الفقهاء يقولون لا يصح لأنه يأخذ ربحاً لم يعمل فيه وليس ماله. ولكن
ما ذكرتَه أنت له وجهة نظر أنه زاده في الربح لأنه رجل مشهور ومعروف ويمكن
أن يأخذ منه الناس أكثر مما يستفيد من ماله فهذا كلام وجيه مادام أن فيه
مصلحة.
فصل
القارئ: والعامل أمين لا ضمان عليه فيما تلف بغير تعد لأنه متصرف في المال
بإذن المالك لا يختص بنفعه فأشبه الوكيل.
الشيخ: قوله (بغير تعد) نقول ويُزاد أيضاً
ولا تفريط والفرق بين التعدي والتفريط أن التفريط ترك ما يجب والتعدي فعل
مالا يجوز فمثلاً إذا أهمل المال وأتت الأمطار وأفسدته فلم يجعل له ظِلاً
فهذا تفريط وإذا استعمل المال فيما يختص به هو فهذا تعدي وقوله رحمه الله
(لا يختص بنفعه) احترازاً من العارية لأن العاريِّة حصلت بإذن ربها لكن
الذي يختص بنفعها هو المستعير، والصواب أن العاريِّة وغيرها سواء وأن كل ما
أُخِذَ بإذن مالكه أو إذن الشارع فإنه لا ضمان فيه بغير تعد ولا تفريط.
القارئ: والقول قوله فيما يدعيه من تلف أو يدعى عليه من جناية لذلك وإن قال
هذا اشتريته لنفسي أو للمضاربة أو اختلفا في نهي رب المال له عن شرائه
فالقول قوله لأن الأصل عدم النهي وهو أعلم بنيته في الشراء وإن اختلفا في
رد المال فالقول قول المالك لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في
الرد كالمستعير وإن اختلفا فيما شرط له من الربح ففيه روايتان إحداهما
القول قول المالك لأن الأصل عدم ما اختلفا فيه والثانية إن ادعى العامل
أجرة المثل أو قدراً يتغابن الناس به فالقول قوله لأن الظاهر صدقه وإن ادعى
أكثر فالقول قول المالك لأن الظاهر صدقه فأشبها الزوجين إذا اختلفا في
المهر.
الشيخ: إذا اختلفا فيما شرط لهم من الربح
فقال المضارب الذي يعمل في المال إنك ذكرت أن الربح بيننا نصفين فقال
المالك بل الشرط أن لي ثلثيه ولك الثلث، فأيهما نقدم؟ الجواب في الواقع
يتنازع هذا أصلان الأصل الأول أن الربح حصل بفعل العامل فكان قوله أحق
بالقبول والثاني أن الربح تولد من نفس المال فكان قول صاحب المال أحق
بالقبول، ولذلك اختلف العلماء هل يقبل قول المُضَارَب أو قول المُضَارِب
والأولى أن يقال في هذا أنه إن ادعى المُضَارَب ما يخرج عن العادة فإن
القول قول رب المال وإن ادعى ما يمكن عادة فالقول قوله لأن هذا النماء لا
شك أنه حصل بفعله ولو بقي المال راكداً لم يتجر فيه لم يحصل فيه ربح فهذا
الضابط هو أقرب ما يكون للعدل فإذا قال المُضَارَب إنك قد شرطت لي ثلثين
وقال صاحب المال بل شَرَطتُ لك الثلث، ثم سألنا أهل الخبرة فقالوا مثل هذا
الأمر لا يكون إلا إذا كان للعامل الثلثين فالقول هنا قول العامل بلا شك
وإن قال أهل الخبرة إنه لا يكون إلا بالثلث فالقول قول رب المال، وإن أشكل
علينا الأمر فالقول قول العامل لأن هذا الربح إنما كان من عمله وكسبه فهذا
العدل إن شاء الله وقول المؤلف رحمه الله (والثانية إن ادعى العامل أجرة
المثل) في هذا التعبير نظر بل يقال إن ادعى العامل سهم المثل لأن العامل
ليس أجيراً بل العامل شريك فيرجع في ذلك إلى السهم الذي يُشترط لمثله عادة.
فصل
القارئ: وإن أقر بربح ثم قال خسرته أو تلف قبل قوله وإن قال غلطت أو نسيت
لم يقبل لأنه مقر بحق لآدمي فلم يقبل رجوعه كالمقر بدين.
الشيخ: الصواب في هذه المسألة أنه إذا
عُلِمَت أمانته وصدقه وقال أنا غلطت أو نسيت أو أخطأت في جمع المال،
فالصواب أن قوله مقبول لأن هذا أمر ممكن فقد يقول مثلاً إني ربحت في مائة
ألف عشرة آلاف ريال ثم بعد مراجعة الحساب يجد أنه لم يربح إلا خمسة وهو
أمين، فالصواب أنه يقبل قوله وأنه لا فرق بين النسيان وغيره والمؤلف يقول
إذا (قال خسرته أو تلف قبل قوله) لأنه أمين وإذا (غلطت أو نسيت لم يقبل)
والصواب أنه إذا عُرِفَ بالأمانة والصدق فإنه يقبل.
القارئ: ولو اقترض العمال شيئاً تمم به رأس المال ثم عرضه على رب المال
فأخذه لم يقبل رجوع العامل ولم يملك المقرض مطالبة رب المال لأن العامل
ملكه بالقرض وأقر به لرب المال ويرجع المقرض على العامل.
الشيخ: مثل هذا التصرف لا ينبغي للعامل أن يفعله لأن بعض الناس يحذوه الطمع
ويقترض مالاً زائداً على رأس المال من أجل زيادة الربح وهذا من الغلط بمكان
فمثلاً إذا أعطاه مائة ألف ريال مضاربة ثم عُرِضَ شيء بمائة ألف وعشرة ورأى
العامل أن في هذا مصلحة فاقترض عشرة آلاف فإننا نقول هذا خطأ منك لأنه لم
يُسَلِّم له إلا مائة ألف فكيف يزيد رأس المال وفي هذه الحال لو خسر عادت
الخسارة على رب المال وهو لم يأذن له، ثم إنَّ هذه قاعدة ينبغي للإنسان أن
يسير عليها وهي أن لا يأخذ الإنسان أكثر مما عنده وعليه فينبغي للتاجر أن
لا يأخذ أكثر مما عنده فمثلاً إذا كان رأس ماله مائة ألف ريال فلا يشتري
عرضاً يريد به الربح بمائة وعشرة آلاف لأنه إذا فعل هذا وقدَّر الله عليه
التلف فتلف المال كله فإنه يبقى عليه في ذمته عشرة آلاف، لكن لو اشترى
بالمائة ألف التي هي عنده ثم قدَّر الله عليه فتلف المال فإنه لا يبقى في
ذمته شيء، ولذلك تجد هؤلاء المساكين الذين يحملهم الطمع والشح على كثرة
شراء الأموال تجدهم في النهاية قد غرقوا من الديون وما أحسن قول العامة (مد
رجلك على قدر لحافك).
فصل
القارئ: فإن قال المالك دفعت إليك المال
قرضا قال بل قراضا أو بالعكس أو قال غصبتنيه قال بل أودعتنيه أو بالعكس أو
قال أعرتكه قال بل أجرتنيه أو بالعكس فالقول قول المالك لأنه ملكه فالقول
قوله في صفة خروجه عن يده.
الشيخ: هذه أيضاً من الأشياء التي ينبغي أن ينظر فيها لقرائن الأحوال فإذا
قال أعطيتنيه قِرَاضاً فقال بل قرضاً، فمن المعلوم أنه إذا تلف وهو قد
أعطاه إياه قِرَاضاً بلا تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه والضمان يكون على رب
المال وإذا كان قرضاً فعليه الضمان، فهنا ينبغي أن نعرف هل هذا الرجل ممن
جرت العادة بأنه يأخذ المضاربات ويبيع ويشتري ويتجر أو أن هذا الذي أخذ
المال ممن لا يعرف البيع ولا الشراء لكنه احتاج واستقرض فهنا ينبغي أن ينظر
للقرائن فمن ادعى ما يخالف القرينة فقوله مردود والحكم بمقتضى القرائن ثابت
في الكتاب والسنة، فالحاكم الذي حكم بين يوسف وامرأة العزيز قال (إِنْ
كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
(26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ
الصَّادِقِينَ) لأن القميص إذا كان من القُبُل فمعناه أنَّ الرجل طلب
المرأة فمزقت قميصه لتتخلص منه وإذا كان من وراء فمعناه أن الرجل هرب
ولحقته وأمسكت بثوبه حتى انقدَّ فهذه قرينة، وكذلك أيضاً قصة سليمان وداود
في امرأتين عجوز وشابة خرجتا ومعهما أولادهما فأكل الذئب ولد الكبيرة
فاختصمتا إلى داود عليه الصلاة والسلام فحكم به للكبيرة اجتهاداً منه أن
الصغيرة شابة وفي مستقبل العمر قد يأتيها أولاد وهذه العجوز قد يكون هذا
آخر ولد لها، ثم خرجتا إلى سليمان فمرتا به فأخبرتاه فقال لا، أنا أحكم
بينكم الآن، ودعا بالسكين وقال أشق الولد بينكما نصفين، أما الكبيرة فوافقت
وأما الصغيرة فأبت، أما الكبيرة فوافقت لأن ولدها قد أكله الذئب وأما
الصغيرة فمنعها شفقة الأم من ذلك وفَضَّلت أن يبقى ولدها ولو كان
عند الكبيرة، فقالت الصغيرة هو لها يا نبي
الله، فحكم به سليمان عليه السلام للصغيرة بهذه القرينة، والسنة أيضاً لها
وقائع من هذا النوع وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالقرينة كما
في قصة مال حيي بن أخطب حين سأل عنه عليه الصلاة والسلام لما فتح خبير فقال
أين مال حيي قالوا أكلته الحروب فقال لا يمكن أن تأكله الحروب فالمال
الكثير والعهد قريب فكيف تأكله الحروب، ثم دفع النبي صلى الله عليه وسلم
هذا القائل إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه وقال له مُسَّه بعذاب فلما
ذاق مس العذاب قال أنا أرى حيي يطوف حول هذه الخربة، فحفروا فوجدوا المال
في تلك الخربة مدفوناً فهنا عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالقرينة وهي
كثرة المال مع قرب العهد، والمهم أن مثل هذه الاختلافات لا ينبغي أبداً أن
نُهمل فيها جانب القرينة فَتُغلَّبُ القرينة على الأصل لأن القرينة بمنزلة
البينة والشهود.
القارئ: وإن قال المضارب شرطت لي النفقة فأنكره فالقول قول رب المال لأن
الأصل عدمه وإن اتفقا على الشرط فقال المضارب إنما أنفقت من مالي فالقول
قوله لأنه أمين فقبل قوله في الإنفاق كالوصي وله الرجوع سواء كان المال في
يده أو لم يكن.
الشيخ: قوله (اتفقا على الشرط) يعني شرط النفقة فإذا قال العامل أنفقتُ من
مالي وقال رب المال بل أنفقت من مال الشركة، فهنا أراد رب المال لمَّا قال
أنفقت من مال الشركة أن لا يرجع عليه وهو إذا قال أنفقت من مالي رجع عليه
(فالقول قوله) أي قول المضارب لأنه أمين.
السائل: قولنا القول قوله، هل لا بد في ذلك مع اليمين أو لا؟
الشيخ: نعم كل من قلنا القول قوله في حقوق الآدميين فإنه لابد من اليمين
أما في حقوق الله فلا فمثلاً لو قيل لتاجر أخْرِج زكاتك فقال قد أخرجتها
فالقول هنا قوله بلا يمين.
السائل: من المطالب بالزكاة في المضاربة هل هو العامل أو صاحب المال؟
الشيخ: المذهب أن الزكاة على رب المال
فيكون على رأس المال ونصيبه من الربح وأما نصيب العامل فلا زكاة فيه وعللوا
ذلك بأنه عرضة للتلف لأنه إذا خسرت البضاعة لم يكن له ربح فليس فيه استقرار
ملك للعامل، والصحيح أنه إذا تمت السنة فإنه يزكى المال كله بربحه وكلٌّ
منهما على نصيبه رب المال والعامل.
السائل: ما معنى الإبضاع؟
الشيخ: الإبضاع هو العمل بلا نصيب.
فصل
القارئ: وإن اشترى رب المال شيئاً من مال المضاربة لم يصح في إحدى
الروايتين لأنه ملكه فلم يجز له شراؤه كماله الذي مع وكيله والثانية يصح
لأنه قد تعلق به حق غيره فأشبه مال مكاتبه.
الشيخ: الرواية الثانية أصح لأنه قد تعلق به حق غيره وهو المُضَارَب فهو له
حق في ربح هذا المال، فالصواب أنه لا بأس ولكن عليه أن يشتريه بثمن المثل
لا بأقل إلا برضى المضارب لأنه لو اشتراه بأقل فات الربح فصار في ذلك ضرر
على المضارب.
القارئ: ويصح أن يشتري المضارب من مال المضاربة لنفسه لأنه ملك غيره فصح
شراؤه له كشراء الوكيل من موكله ولا يصح شراء السيد من عبده المأذون لأنه
ماله ويحتمل أن يصح إذا ركبته الديون وأن اشترى أحد الشريكين من مال الشركة
بطل في نصيبه وفي الباقي وجهان بناءً على تفريق الصفقة ويحتمل أن يصح في
الجميع بناءً على شراء رب المال من مال المضاربة.
الشيخ: الاحتمال الثاني هو الصحيح وهو أنه يجوز أن يشتري أحد الشريكين
المال المشترك ولا مانع من ذلك فيكون نصف الثمن له والنصف الثاني لشركيه.
القارئ: وإن استأجر أحد الشركيين من شركيه داراً ليحرز فيها مال الشركة أو
غرائر صح نص عليه وإن استأجره أو غلامه أو دابته لنقل المتاع ففيه روايتان
إحداهما يجوز قياساً على الدار والثانية لا يجوز لأن الحيوان لا تجب له
الأجرة إلا بالعمل ولا يمكن إبقاؤه في المشترك لعدم تميز نصيب أحدهما من
الآخر بخلاف الدار فإن الواجب موضع العين من الدار فيمكن تسليم المعقود
عليه.
الشيخ: الصواب الصحة وعدم المنع وإن كانت
الدابة أو الرقيق لا يمكن قسمته ولا تمييزه لكن يقال ما المانع من ذلك لأن
الأصل الحل في جميع المعاملات والمنع فيها إنما يكون مع وجود الربا أو
الظلم أو الغرر.
فصل
القارئ: ولا يجوز قسمة الدين في الذمم لأنها لا تتكافأ والقسمة بغير تعديل
بيع ولا يجوز بيع دين بدين.
الشيخ: يقول المؤلف (لا يجوز قسمة الدين في الذمم) مثال ذلك هذا المال
مشترك وبيع على زيد وعمرو بيعاً مؤجلاً فأراد أحد الشريكين القسمة وقال
لشريكه لك الدين الذي على زيد ولي الدين الذي على عمرو يقول المؤلف إن هذا
لا يجوز وعلل بأن الذمم لا تتكافأ وإذا كانت لا تتكافأ فإن القسمة بغير
تعديل هي بيع ولا يجوز بيع دين بدين وهذا هو المذهب أنه لا يجوز قسمة الدين
في الذمم لأن فيه غرراً لأني قد أقبل الدين الذي في ذمة زيد وأنت تقبل
الدين الذي في ذمة عمرو ثم قد يَعْسُرُ عمرو وقد يُسِرُ زيد فيكون أحد
الشريكين رابحاً والثاني خاسراً وهذا في الحقيقة هو المحذور من مَنْعِ
قَسْمِ الدين في الذمم لكن هذه هي العلة مع ما فيها من المخاطرة وذلك أن كل
واحد من الشريكين يظن أن صاحبه الذي تَقَبَّلَ دينه سيوفي ثم قد تُخلِف
الحال فيخسر، لكن نقول الراجح جواز قسمة الدين في الذمم لأن غاية ما فيه أن
أحدهما رضي بأن يسقط نصيبه من ذمة المدين الذي هو مدين له ولشريكه فهذا
غاية ما فيها، فالصواب أن ذلك جائز لكن لابد من رضى الطرفين.
القارئ: وعنه يجوز لأن الاختلاف لا يمنع القسمة قياساً على اختلاف الأعيان
ولا يمكن قسمة الدين في ذمة واحدة لأن معناها إفراز الحق ولا يتصور في ذمة
واحدة.
الشيخ: ما ذكره المؤلف في هذه الرواية صحيح لأنه إذا كان المدين واحداً
لشريكين وقال أحدهما نقسم أنا وإياك الدين فهنا لا يصح ويقال كيف يقسم وهو
دين واحد، بخلاف الدين على رجلين فيمكن قسمته.
السائل: ما حكم قسمة العين إذا لم يرض الشريك؟
الشيخ: لا يُلزم الثاني بذلك إلا إذا كان
يمكن أن تنقسم بدون ضرر كأرض واسعة مثلاً أو حبوب ككيس من الرز أو كيس من
البر فإذا طلب أحدهما القسمة أجبر الآخر على ذلك أما ما لا يمكن قسمته إلا
بضرر فلا بد فيه من الرضى.
السائل: ما علة تحريم بيع الدين بالدين؟
الشيخ: العلة عدم القدرة على الوفاء أي على التسليم.
فصل
القارئ: إذا كان لاثنين دين في ذمة رجل بسبب واحد فقبض أحدهما منه شيئاً
فهو بينهما إذ لا يجوز أن يكون المقبوض نصيب من قبضه لما فيه من قسمة الدين
في ذمة واحد ولشريك القابض مطالبته بنصيبه منه لذلك وله مطالبة الغريم لأنه
لم يبرأ من حقه بتسليمه إلى غيره بغير إذنه ومن أيهما أخذ لم يرجع على
الآخر لأن حقه ثبت في أحد المحلين فإذا اختار أحدهما سقط حقه من الآخر وإن
هلك المقبوض في يد القابض تعين حقه فيه ولم يضمنه للغريم لأنه قدر حقه فما
تعدى بالقبض وإنما كان لشريكه مشاركته لثبوته مشتركا وإن أبرأ أحدهما
الغريم برئ من نصيبه ولم يرجع عليه الآخر بشيء لأنه كتلفه وإن أبرأه من نصف
حقه ثم قبضا شيئا اقتسماه أثلاثاً.
الشيخ: قوله (وإن أبرأه من نصف حقه ثم قبضا شيئاً اقتسماه أثلاثاً) معناه
أن المال بينهما نصفين فأبرأ أحدهما المدين من نصف نصيبه فيبقى ثلاثة أرباع
ويكون ربع الكل ثلث الباقي.
القارئ: وإن أخر أحدهما حقه جاز لأنه يملك إسقاطه فتأخيره أولى وإن اشترى
بنصيبه شيئا فهو كما لو اشترى بعين مال مشترك بينهما وإن كان الحق ثابتاً
بسببين كعقدين أو إتلافين فلا شركة بينهما ولكل واحد استيفاء حقه مفردا فلا
يشاركه الآخر فيه (1).
فصل
__________
(1) ملاحظة: ترك الشيخ رحمه الله تعالى بعد هذا الفصل بعض الفصول المتعلقة
بالعبد وهي أربعة فصول لعدم الحاجة إليها في وقتنا الحاضر.
القارئ: وما كسب العبد من المباح أو وهب له
فقبله ملكه مولاه لأنه كسب ماله فملكه كصيد فهده وإن ملكه سيده مالاً ملكه
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للبائع) رواه
مسلم ولأنه يملك البضع فملك المال كالحر وعنه لا يملك لأنه مال فلم يملك
المال كالبهيمة.
الشيخ: هذه المسألة وهي هل يملك العبد بالتمليك أو لا؟ فيها ثلاثة أقوال
القول الأول المذهب أنه لا يملك ولو كان التمليك من سيده لقول النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم (من باع عبداً له مال فماله للذي باعه) وهذا عام،
والقول الثاني قالوا إن ملَّكَهُ سيده مَلَكَه وإن مَلَّكَه غيره لم يملك،
والقول الثالث قالوا إنه يملك بالتمليك مطلقاً فلو وهب شخص لهذا العبد ساعة
أصبحت ملكه، فعلى هذا القول يملكها وله أن يبيعها ويشتري بثمنها ما شاء،
وعلى القول بأنه لا يملك تكون الساعة للسيد ويكون العبد كأنه ساقية مرَّ
بها الماء، والمؤلف رحمه الله قَدَّمَ أنه يملك إذا ملَّكَهُ سيده،
والحقيقة أنه إذا ملَّكَهُ سيده فينبغي أن يقال إنه بمنزلة الإباحة أي
إباحة المال فيكون أَذِنَ له في استباحة هذا المال وإلا فالعبد وما ملكه
للسيد) وإذا قلنا بالتمليك فهل يجوز لسيده أن يرجع في ذلك؟ نقول هل هو أب؟
الجواب لا، فلا يجوز له الرجوع، لكن لو قال أنا أملكك أنت وما معك فهنا
نقول له ذلك لأن العبد لا يملك المال منفرداً حتى وإن وهبه سيده أو
ملَّكَهُ فإنه لو أراد أن يقول له أنت وما معك ملكي فله ذلك.
القارئ: فإن ملكه سيده جارية لم يملك وطأها قبل الإذن فيه لأن ملكه غير تام
فإن أذن له فيه ملكه.
الشيخ: مَلَّكَ السيد عبده جاريةً فهو يملكها وله أن يبيعها لكن ليس له أن
يطأها، وذلك احتياطاً للأعراض لأن ملكه عليها غير تام وإذا أراد العبد
الوطء فإنه يستأذن من سيده فإن أذن له جاز له الوطء.
القارئ: قال أبو بكر على كلتا الروايتين
لأنه يملك الاستمتاع بالنكاح فملكه بالتسري كالحر وقال القاضي بل هذا بناءً
على الرواية التي يملك المال ولا يملك ذلك على الأخرى لقول الله تعالى
(إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) وإن لزمته
كافرة فكفارته الصيام لا غير إن لم يأذن له سيده في التكفير بالمال وإن أذن
له فيه انبنى على الروايتين في ملكه فإن قلنا لا يملك لم يكفر بغير الصيام
وإن قلنا يملك فله التكفير بالإطعام والكسوة وفي العتق وجهان أحدهما يملكه
قياساً على الإطعام والكسوة والثاني لا يملكه لأنه يتضمن الولاء والعبد ليس
من أهله فعلى الأول إن أذن له في التكفير بإعتاق نفسه فهل يجزئه على وجهين
والله تعالى أعلم.
الشيخ: هذه المسألة من غرائب العلم فإذا لزم العبد كفارة عِتْق فقال له
سيده أنا مَلَّكْتُكَ نَفْسَكَ وأَعْتِقْهَا عن هذه الكفارة فهل هذا يصح،
الظاهر في هذه المسألة الوجه الثاني وهو عدم الصحة.
باب
المساقاة
القارئ: تجوز المساقاة على النخل وسائر الشجر بجزء معلوم يجعل للعامل من
الثمر لما روى ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على
شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) متفق عليه.
الشيخ: المساقاة صورتها أن يدفع رجل نخله
وأرضه لشخص ويقول اعمل فيها ولك نصف الثمرة أو يقول له ولك نصف الزرع فتكون
مزارعة ومساقاة وتسمى عندنا الفِلاحَة، وهي جائزة ودليلها ما ذكره المؤلف
رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم (عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج
منها من ثمر أو زرع) قوله (على شطر ما يخرج) أي على النصف وأهل خيبر في ذلك
الوقت كانوا يهوداً حين فتحها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له يا محمد
نحن أهل زرع ونعرف الحرث وغير ذلك وأنتم أهل عمل وجهاد دعونا في أرضنا ولكم
نصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع ففعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ذلك وقال (نقركم على ذلك ما شئنا) وبقوا وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يبعث إليهم من يخرص عليهم الثمر وأرسل مرة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه
يخرص الثمر لكي يُعرف حق النبي صلى الله عليه وسلم من حقهم فجمعهم عبد الله
بن رواحة وقال (جئتكم من أحب الناس إليَّ وإنكم لأبغض إليَّ من عِدَّتكم من
القردة والخنازير _ يقول ذلك لهم صراحةً _ وليس حبي إياه وبغضي إياكم
بمانعي من أن أعدل فيكم) فقالوا (بهذا قامت السماوات والأرض) فعدل فيهم
وقسم.
وقوله رحمه الله (بجزء معلوم) ينبغي أن يضاف إليها قيد آخر وهو مشاع فلا بد
أن يكون الجزء مشاعاً كالنصف والربع والثلث والثمن وما أشبه ذلك أما إذا
كان معلوماً بالكيل والوزن فهذا لا يجوز مثل أن يقول ساقيتك على هذا النخل
ولك منه مائة صاع والباقي لي أو لي منه مائة صاع والباقي لك فهذا لا يجوز
لأنه قد لا يثمر إلا هذه المائة صاع فيبقى الآخر محروماً فيحتاج أن نزيد
ونقول بجزء معلوم مشاع.
القارئ: ولأنه مال ينمى بالعمل عليه فجازت المعاملة عليه ببعض نمائه
كالأثمان.
الشيخ: هذا يشبه المضاربة تماماً لأن أصحاب البساتين منهم رأس المال وهو
الشجر والمضاربة كذلك فيها رأس مال وفيها عمل.
القارئ: ولا تجوز على مالا يثمر كالصفصاف.
الشيخ: قوله (لا تجوز على ما لا يثمر) نقول
هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله والصحيح أنها تجوز ويكون للعامل الجزء
المشروط، والصفصاف يشبهه شجر الأثل عندنا فإن شجر الأثل وإن كان له ثمر
لكنه غير مقصود فلا يقصده الناس وإنما يقصدون الخشب فيكون الخشب المقطوع
بمنزلة الثمرة.
القارئ: لأن موضوعها على أن للعامل جزءاً من الثمرة وفي المساقاة بعد ظهور
الثمرة روايتان حكاهما أبو الخطاب إحداهما الجواز إذا بقي من العمل ما تزيد
به الثمرة لأنها جازت في المعدومة مع كثرة الغرر فمع قلته أولى والثانية
المنع لإفضائها إلى أن يستحق جزءاً من النماء الموجود قبل العمل فلم يصح
كالمضاربة بعد الربح.
الشيخ: الصواب أنه تصح المساقاة بعد ظهور الثمر حتى وإن لم يبق جزء ينمو به
الثمر لأنه سوف يحتاج إلى ماء حتى وإن انتهى نموه فهو يحتاج إلى الماء إلى
أن يُجذ فلا مانع من ذلك فليس فيه غرر ولا ظلم ولا ربا.
القارئ: وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يحمل فيكون له جزء من
الثمرة جاز نص عليه لأن الثمرة تحصل بالعمل عليها كما تحصل على النخل
المغروس ولا تصح إلا على شجر معين معلوم برؤية أو صفة لأنها معاوضة يختلف
الغرض فيها باختلاف الأعيان فأشبهت المضاربة ولو ساقيتك على أحد هذين
الحائطين لم يصح.
الشيخ: قوله (معلوم برؤية) صورتها أن يطلب صاحب البستان من العامل أن ينظر
إلى النخل ويراها بعينه وأما قوله (أو صفة) ففيها تردد لأن الصفة قد لا
تكون على وجه محدود ومعين فماذا سيقول له، هل يقول النخلة طويلة أو قصيرة
أو يقول بعض النخل طويل وبعض النخيل قصير أو يقول بعض النخل نشيط وبعض
النخل ضعيف ففي جواز المساقاة بالصفة تردد لأن النخل يتخلف.
فصل
القارئ: وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنها
عقد جائز لما روي عن ابن عمر أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يقرهم بخيبر على أن يعملوها ويكون لرسول صلى الله عليه وسلم شطر ما يخرج
منها من ثمر أو زرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نقركم على ذلك ما
شئنا) رواه مسلم فلو كانت لازمة لقدر مدتها ولم يجعل إخراجهم إليه إذا شاء
ولأنه عقد على مال بجزء من نمائه فكان جائزاً كالمضاربة فلذلك لا يفتقر إلى
ضرب مدة.
الشيخ: استدلال المؤلف بهذا الحديث على أن المساقاة عقد جائز فيه نظر لأن
قول النبي صلى الله عليه وسلم (نقركم على ذلك ما شئنا) لا يعود إلى أصل
المساقاة إنما يعود إلى إقرارهم في خيبر ولذلك لما نقضوا العهد طردهم عمر
رضي الله عنه فيكون هذا الإقرار ليس على المساقاة بل على البقاء أما عقد
المساقاة فهو عقد لازم ولا شك لأننا لو قلنا إنها عقد جائز حصل في هذا ضرر
لكان الفلاح إذا عمل ورأى أن الثمر أصيب بجائحة أو أنه لا يساوي العمل عليه
فسخ العقد وكذلك لو رأى رب الأرض أو رب الشجر أن السهم الذي شَرط للعامل
كثير لَفَسَخَ العقد فيحصل في هذا اضطراب، وعمل الناس اليوم على أنها عقد
لازم ولهذا يحددون المدة فيقولون مثلاً ساقيتك على هذا النخل خمسُ سنوات أو
عشرُ سنوات، وهذا هو الصحيح فالصحيح أنها عقد لازم وأنه لابد من تحديد
المدة فيها.
القارئ: وإن وقتاها جاز كالمضاربة.
الشيخ: قوله (جاز كالمضاربة) نقول وعلى القول الراجح إذا وقَّتاها فإنه يجب
التوقيت.
القارئ: وتنفسخ بموت كل واحد منهما وجنونه وفسخه لها.
الشيخ: هذا مبني على أن المساقاة عقد جائز أما إذا قلنا إنها عقد لازم فإنه
ينتقل الحق إلى الورثة.
القارئ: فإن انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي
بينهما لأنها حدثت على ملكهما وعلى العامل تمام العمل كعامل المضاربة إذا
انفسخت قبل أن ينض المال وإن انفسخت قبل ظهورها بفسخ العامل فلا شيء له
لأنه رضي بإسقاط حقه وإن انفسخت بغير ذلك فللعامل أجرة مثله لأنه منع إتمام
عمله الذي يستحق به العوض فصار كعامل الجعالة.
الشيخ: ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو أن العامل يستحق أجرة المثل فيه نظر
والصواب أنه يستحق قسطه من سهم المثل أو قسطه من السهم الذي جعل له وهذا
أقرب، ويتبين الفرق فيما لو كان إذا قدر له أجرة المثل فاستوعب مالاً
كثيراً أكثر من سهمه الذي كان له في الأول وإن كانت الأجرة رخيصة نقص حقه
كثيراً فإذا قلنا إن له قسطه من السهم الذي جعل له كان هذا أقرب إلى العدل
فيقال مثلاً هو أعطى نصف الثمرة إذا أكمل العام والآن قطع نصف الشوط فيعطى
ربع الثمرة أي نصف نصيبه ويرجع في هذا إلى أهل الخبرة.
القارئ: وقال بعض أصحابنا هو لازم لأنه عقد معاوضة فكان لازما كالإجارة.
الشيخ: قوله (هو لازم) أي عقد المساقاة.
القارئ: فعلى هذا يفتقر إلى تقدير مدتها
كالإجارة ويجب أن تكون المدة تكمل الثمرة في مثلها لأن المقصود اشتراكهما
في الثمرة فلا يحصل بدون ذلك فإن شرطا مدة لا تكمل الثمرة فيها فعمل العامل
ففيه وجهان أحدهما لا شيء له لأنه رضي بالعمل بغير عوض فأشبه المتطوع
والثاني له أجرة مثله لأنه يقتضي العوض فلم يسقط بالرضى بتركه كالوطء في
النكاح وإن جعلا مدة تحمل في مثلها فلم تحمل فلا شيء له لأنه عقد صحيح فيه
مسمى صحيح فلم يستحق غيره كعامل المضاربة إذا لم يربح وإن جعلا مدة قد تكمل
فيها وقد لا تمكل ففيه وجهان أحدهما يصح لأنها مدة يرجى وجود الثمرة فيها
فصح العقد عليها كالتي قبلها والثاني لا يصح لأنه عقد على معدوم ليس الغالب
وجوده فلم يصح كالسلم في مثله فعلى هذا إن عمل استحق الأجر لأنه لم يرض
بالعمل بغير عوض ولم يسلم له فرجع إلى بدله كالإجارة الفاسدة.
فصل
القارئ: ويجوز عقد المساقاة والإجارة على مدة يغلب على الظن بقاء العين
فيها وإن طالت لأنه عقد يجوز عاماً فجاز أكثر منه كالكتابة فإذا عقدها على
أكثر من عام لم يجب ذكر قسط كل سنة كما لو اشترى أعياناً بثمن واحد وإن قدر
قسط كل سنة جاز وإن اختلفت نحو أن يقول ساقيتك ثلاثة أعوام على أن لك نصف
ثمرة العام الأول وثلث الثانية وربع الثالثة فإن انقضت المدة قبل طلوع ثمرة
العام الآخر فلا شيء للعامل منها لأنها حدثت بعد مدته وإن ظهرت في مدته
تعلق حقه بها لحدوثها في مدته.
الشيخ: غالب الناس الآن يقدرون السنوات بسهم واحد فمثلاً يقول ساقيتك على
هذا البستان ثلاثة سنوات بالثلث أو بالربع فالغالب أنهم لا يُفرِّقون، لكن
قد تدعو الحاجة إلى التفريق مثل أن يكون العمل في هذا البستان في أول سنة
أشق وأتعب فهنا سيطلب العامل سهماً أكثر.
السائل: لو قال صاحب الأرض للعامل اغرس هذه الأشجار ثم تكون بيننا مساقاة؟
الشيخ: هذه يسمونها مغارسة لأنه إذا كان
العمل على شجر لم يُغرس تسمى مغارسة ويكون السهم في أصل الشجر.
السائل: إذا لم يحدد في عقد المساقاة المدة فما حكم هذا العقد؟
الشيخ: إذا لم يعين المدة فسد العقد وحينئذ يرجع إلى سهم المثل.
السائل: إذا ترك العامل العمل في المزرعة بعد مدة معينة ولم يقم بما يجب
عليه فهل يعطى أجرة المثل فيما عمله فيما مضى من المدة؟
الشيخ: لا يصح لأنها ليست إجارة وهو ما التزم بأنها إجارة بل هو التزم
بأنها مساقاة وأن له سهماً على ذلك فإذا قدرنا أنه مضى من المدة نصفها وأن
التعب في النصف الباقي كالتعب في النصف الأول استحق نصف السهم.
السائل: هل يجوز تحديد المدة بغير السنوات مثلاً إذا كانت الشجرة تحصد في
السنة مرة واحدة فيقول له المدة بيننا ثلاثة حصادات؟
الشيخ: الحصاد لا يسمونه مساقاة بل هذه تسمى مزارعة، لكن هم إذا قالوا سنة
ففي الغالب يقصدون سنة الثمرة ولا يقصدون بذلك السنة الهلالية.
فصل
القارئ: وحكم المساقاة والمزارعة حكم المضاربة في الجزء المشروط للعامل في
كونه معلوماً مشاعاً من جميع الثمرة وفي الاختلاف في قدره وفساد العقد
بجهله وشرط دراهم لأحدهما أو ثمر شجر معين أو عمل رب المال أو غلمانه وفي
ملكه للنماء بالظهور لأنه عقد على العمل في مال ببعض نمائه فأشبه المضاربة.
الشيخ: بين المؤلف أنه في عقد المساقاة لا
بد أن يكون المعقود عليه معلوماً ومشاعاً فلو قال ساقيتك على هذا النخل
ببعض ثمره فالعقد غير صحيح لأنه مجهول، ولو قال ساقيتك على هذا النخل على
أن لك الجهة الشرقية ولي الغربية فهذا غير صحيح لأنه قد يثمر الشرقي كثيراً
والغربي دون ذلك أو بالعكس، ولو قال ساقيتك على هذا البستان أو على هذا
النخل على أن لك ما على السواقي يعني ما يمر به الماء لم يصح، لأن القاعدة
في المشاركة أن يكون الشريكان متساويين في المغنم والمغرم لأنهما إذا لم
يتساويا صار من الميسر فالقاعدة في جميع الشركات التي مضت في الأموال وكذلك
المشاركات في المساقاة والمزارعة والمغارسة أنه لا بد أن يشترك الطرفان في
المغنم والمغرم وإذا شُرِط لأحدهما دراهم أو ثمر شجر معين فإنه لا يصح، لكن
لو أن الفلاح استأجر هذا البستان كل سنة بعشرة آلاف وصاحب البستان لن يتعرض
لثمره إطلاقاً لأنه إجارة فهل يصح أو لا يصح نقول في هذا خلاف بين أهل
العلم فمنهم من قال إنه لا يصح لأنه في الثمر بيع للثمرة قبل بدو صلاحها بل
قبل ظهورها وفي الزرع كذلك بيع قبل اشتداد حبه وقبل ظهوره فلا يصح، وقال
بعضهم يكون مساقاة في الثمر وأجرة في الأرض يعني الزرع الذي يزرع بالأرض لا
بأس أن تؤجر الأرض من أجله وأما في النخل فلا إذ لا بد فيه من المساقاة،
وعليه فإنه لابد أن يساقي في النخل ويؤجر على الأرض مثلاً عندي بستان فيه
نخل وفيه مكان آخر ليس فيه نخل بل هي أرض بيضاء صالحة للزراعة فإذا ساقيتُ
الفلاح على النخل وقلت له لك ثلث ثمر النخل وأما الأرض البيضاء فأنا أؤجرها
عليك كل سنة بعشرة آلاف فهذا يصح لأن المساقاة على النخل جائزة وتأجير
الأرض لزراعتها جائز ولا إشكال فيه، لكن الإشكال فيما إذا قلتُ له أجرتك
هذا البستان كله نخله وبياض أرضه بعشرة آلاف ريال فهل هذا يجوز أو لا؟
المذهب أنه لا يجوز بل لا بد أن يكون العقد على النخل مساقاة وعلى
الأرض بأجرة أو مزارعة واختار شيخ الإسلام
رحمه الله أن ذلك جائز أي أن تأجير البستان كله نخله وأرضه جائز فيقول صاحب
الأرض خذ هذا البستان أجرتك إياه بعشرة آلاف ريال كل سنة تعطيني عشرة آلاف
ريال والثمر لك، واستدل شيخ الإسلام على ذلك بتضمين أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه حديقة أسيد بن الحضير كان عليه دين فضمنها بعض الناس
على أن يسلم الآن كذا وكذا من الدراهم وتكون الحديقة له لمدة عشر سنوات أو
خمس سنوات، وعمر رضي الله عنه له سنة متبعة وأيضاً نقول إن في ذلك مصلحة
والآن قد بدأ أهل الأراضي والنخيل يتعاملون بهذه المعاملة وإلا ففي السابق
لا يمكن أن يتعاملوا بهذه المعاملة إلا مساقاة في الشجر وإجارة في الأرض أو
مزارعة، لكن الصواب ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله وفيه مصلحة للطرفين أما
صحاب الأرض فيقول أنا آخذ دراهم بدون منازعة وبدون مراقبة للفلاح والفلاح
أيضاً يطمئن فيأخذ من الثمر ما شاء ويتصدق بما شاء ويهدي لمن شاء ولا شريك
له في ذلك لأن صاحب الأرض قد أخذ الأجرة وقول المؤلف رحمه الله (شرط دراهم
لأحدهما) هذا في المساقاة أما لو أجره تأجيراً فقد ذكرنا الخلاف في هذه
المسألة.
القارئ: ولو شرط له ثمرة عام غير الذي عامله فيه لم يصح كما لو شرط للمضارب
ربح غير مال المضاربة وإن قال إن سقيته سيحاً فلك الثلث وإن سقيته بنضح فلك
النصف وإن زرعت في الأرض حنطة فلك النصف وإن زرعت شعيراً فلك الثلث لم يصح
لأنه عقد على مجهول فلم يصح كبيعتين في بيعة ويتخرج أن يصح بناءً على قوله
في الإجارة إن خطته رومياً فلك درهم وإن خطته فارسياً فلك نصف درهم.
الشيخ: قوله (ويتخرج أن يصح بناءً على
قوله) يعني قول الإمام أحمد رحمه الله، والموفق رحمه الله من علماء المذهب
الذين هم أهل التخريج والتوجيه فقوله يعتبر وجهاً في المذهب وتخريجه يعتبر
تخريجاً على المذهب وهذا التخريج هو الصواب لأنه ليس هناك أي جهالة في هذا
فقوله (إن سقيته سيحاً فلك الثلث وإن سقيته بنضح فلك النصف) الفرق فيه واضح
فالسيح أنفع للثمر فيكون له الثلث ولصاحب الأرض أي البستان الثلثان وإن
سقاه بنضح فله النصف لأن السقي بالنضح يكون أصعب في الغالب فيحتاج العامل
إلى زيادة السهم وكذلك أيضاً قوله (إن زرعت حنطة فلك النصف وإن زرعت شعيراً
فلك الثلث) هذا أيضاً لا بأس به ولا جهالة فيه فإذا زرع الشعير فله الثلث
وإن زرع الحنطة فله النصف فليس هناك جهالة كما لو قال مثلاً في وقتنا
الحاضر إن خطته أي الثوب سعودياً فلك كذا وإن خطته قطرياً فبكذا ويقصد بذلك
أجرة الخياطة أو قال إن خطته سودانياً فبكذا أو مصرياً فبكذا وكذا وعلى كل
حال فإن البلدان تختلف في الخياطة.
فصل
القارئ: وإن ساقاه على بستانين بالنصف من هذا والثلث من الآخر صح أوعلى
أنواع جعل له من كل نوع قدراً أو جعل له في المزارعة نصف الحنطة وثلث
الشعير وهما يعلمان قدر كل نوع أو كان البستان لاثنين فساقياه على نصف ثمرة
نصيب أحدهما وثلث ثمرة الآخر وهم يعلمونه صح لأنه معلوم فصح كما لو كانا في
عقدين وإن لم يعلموا لم يصح لأنه مجهول ولو قال ما زرعت فيها من حنطة فلك
نصفه وما زرعت من شعير فلك ثلثه لم يصح لأنه مجهول.
الشيخ: هذه المسألة غير المسألة الأولى
فهذا الزرع مختلط حنطة وشعير فقال ما زرعتَ من حنطة فلك نصفه وما زرعتَ من
شعير فلك ثلثه، ذكر المؤلف أن هذا لا يصح لأنه قد يزرع مساحة كبيرة في
الحنطة ودونها في الشعير أو بالعكس ولكن الصحيح أنه جائز لأنه إذا كان يجوز
في كل الأرض فيجوز في بعضها وأي فرقٍ في هذا بين المسألتين فالمسألة الأولى
يقول إن زرعتَ الأرض شعير فبكذا أو حنطة فبكذا في كل الأرض والثانية يقول
ما زرعتَ من شعير فلك كذا وما زرعتَ من حنطة فلك كذا فالمسألة الأولى على
المذهب لا تصح ولكن ذكر المؤلف أنه يتخرج أن تصح والمسألة الثانية لم ذكر
فيها التخريج فعلى هذا تكون ممنوعة ولكننا نرى أنه يتخرج أن تصح لأنه إذا
صح في كل الأرض صح في بعضها ولا فرق وصورة المسألة الأولى مثلاً أرض
مساحتها كيلو في كيلو فأعطيتها هذا الرجل يزرعها وقلتُ له إن زرعتها براً
فلك نصفه وإن زرعتها شعيراً فلك ثلثه يصح أو لا يصح؟ نقول على رأي المذهب
لا يصح وعلى القول الثاني الذي خرجه المؤلف يصح وهو كذلك الصحيح وأما صورة
المسألة الثانية إذا أعطيته الأرض وقلتُ له إنك ستزرعها حنطة وشعيراً فما
زرعتَ من الحنطة فلك نصفه وما زرعتَ من الشعير فلك ثلثه فهنا يرى المؤلف
أنه لا يصح لأنه ربما يزرع ثلثيها شعيراً والثلث الآخر حنطة أو بالعكس أو
يزرع النصف والنصف أو يزرع التسعة أعشار لصنف وعشر واحد لصنف والعلة هي
الجهالة فنقول وماذا يضر في هذا فإنه إذا جاز في الكل فليجز في البعض ولا
فرق.
السائل: ما هو السيح وما هو النضح؟
الشيخ: السيح هو أن يمشي الماء حتى يروى الزرع فتجعل له ساقية تصب في الحوض
ثم تروي الزرع، والنضح يشبه الرش فهو أسهل.
فصل
القارئ: وينعقد بلفظ المساقاة لأنه موضوعها
وبما يؤدي معناه لأن المقصود المعنى ولا يثبت فيها خيار الشرط وإن قلنا
بلزومها لأنه لا يمكن رد المعقود عليه إذا فسخ وفي خيار المجلس وجهان
أحدهما لا يثبت لأنه لا يثبت فيها خيار الشرط فأشبه النكاح والثاني يثبت
لأنه عقد لازم يقصد به المال فأشبه البيع.
الشيخ: القياس بالشبة ضعيف جداً، فالمسألة الأولى يقول المؤلف إنه لا يصح
فيها خيار الشرط وهذا فيه نظر بل الصحيح أنه يصح فيها خيار الشرط إذا قلنا
باللزوم أما إذا قلنا بغير اللزوم أي بأنها جائزة فلا حاجة لخيار الشرط
لأنه متى شاء فسخها لكن إذا قلنا إنها لازمة فالصواب أنه يصح فيها خيار
الشرط بشرط أن تكون المدة تنتهي قبل ابتداء عقد المساقاة فمثلاً لو قال
ساقيتك على هذا النخل ثلاث سنوات ابتداءاً من شهر رمضان ونحن الآن في جمادى
الأولى لكن لي الخيار لمدة شهر، فهذا جائز ولا مانع من ذلك لأن المساقي
الآن لم يبدأ العمل والإنسان قد يتعجل في العقد ثم يتروى بعد ذلك لكن لو
فُرِضَ أنه قال لي الخيار وابتداء المدة من العقد فهذه المسألة هي التي قد
يتوقف فيها الإنسان مع أن الصواب أنها لا بأس بها وحتى في خيار الشرط في
الإجارة إذا فسخ العقد مثلاً وقد مضى بعض المدة فإنه تقدر هذه المدة بأجرة
المثل فهي لا تضيع عليه بل تقدر بأجرة المثل وقد مرَّ علينا سابقاً أن
الأصل في العقود والشروط الحل حتى يتبين التحريم فنقول خيار الشرط في إجارة
لا تبتدئ إلا بعد انتهائه أو في مساقاة لازمة لا تبتدئ إلا بعد انتهائه لا
إشكال في جوازه وليس فيه مضرة على أحد لكن نقول نعم إذا كانت الإجارة تبتدئ
من العقد وفيها شرط لمدة شهر فإذا فسخ العقد بطلت الإجارة ونرجع إلى أجرة
المثل في هذا الشهر.
فصل
القارئ: يلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة
وزيادتها كالحرث وآلته وبقره واستقاء الماء وإصلاح طرقه وقطع الشوك والحشيش
المضر واليابس من الشجرة وزبار الكرم وتسوية الثمرة والحفظ والتشميس وإصلاح
موضعه ونحو ذلك.
الشيخ: قوله (زبار الكرم) يعني العنب وهو قطع الأغصان الرديئة التي ليس
فيها خير، وقوله (نحو ذلك) نقول كل ما يتعلق بالثمرة من أولها إلى آخرها
فهو على العامل.
القارئ: وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل كسد الحيطان وإنشاء الأنهار وحفر
بئر الماء وعمل الدولاب ونصبه.
الشيخ: قوله (عمل الدولاب) الدولاب أنا قد شاهدته عندنا هنا في عنيزة وهو
عبارة عن عجلة يدور بها بغل أو حمار لها أسنان وعجلة أخرى لها أسنان
فالأولى رأسية والثانية أفقية وهذه الأخرى هي من جنس الجنزير الذي يكون في
السياكل أي الدراجة وفيه مغارف لكنها ليست كمغارف الطعام صغيرة بل هي مغارف
كبيرة تدور حتى تصل إلى الماء فإذا وصلت إلى الماء غَرَفَتْ ثم صبت في
الحوض الذي على الأرض ثم ترجع إلي البئر منقلبة ثم إذا وصلت الماء اعتدلت
وغرفت من الماء.
القارئ: قال أصحابنا والثور الذي يديره لأن هذا يراد لحفظ الأصل ولهذا من
أراد إنشاء بستان عمل هذا كله وقيل ما يتكرر في كل عام فعلى العامل ومالا
يتكرر فعلى رب المال والجذاذ والحصاد واللقاط على العامل نص عليه لأن النبي
صلى الله عليه وسلم دفع خبير إلى يهود على أن يعملوها من أموالهم وهذا من
العمل مما لا تستغني عنه الثمرة أشبه التشميس وعنه أن الجذاذ عليهما لأنه
يوجد بعد تكامل الثمر وهذا ينتقض بالتشميس.
الشيخ: ما ذكره المؤلف صحيح فالتشميس على العامل فإذا كان التشميس على
العامل وهو بعد الجذاذ فالجذاذ من باب أولى.
القارئ: فإن شرط على أحدهما ما يلزم الآخر
فقد نص أحمد رضي الله عنه على أن الجذاذ عليهما ويصح شرطه على العامل
فيتخرج في سائر العمل مثل ذلك قياساً عليه وقال القاضي تفسد المساقاة لأنه
ينافي مقتضاها أشبه ما لو شرط عمل المضاربة على رب المال.
الشيخ: التخريج الذي ذكر المؤلف رحمه الله صحيح وهو أنه إذا شرط أحدهما على
الآخر ما يلزمه أي ما يلزم الشارط فلا بأس لأن هذا حق لهما فإذا التزم
أحدهما بالقيام به عن الآخر فأي مانع في هذا، وبناءً على هذا نقول لو قيل
إنه يُرْجَعُ في هذا إلى العرف والأعراف تختلف في كل زمان ومكان _ فإذا
جعلنا الشرط العرفي كالشرط اللفظي _ كما هي القاعدة والشرط العرفي هو أن
يكون العرف مطرداً فيكون كالمشروط تماماً لأن العقد المطلق ينصرف إلى
المعهود عند العامة وهو العرف المطرد عندهم.
وخلاصة هذا الفصل أن يقال القاعدة على المذهب أن ما يحفظ به الأصل فهو على
رب المال وما يحفظ به الثمرة فهو على العامل، وإن شرط أحدهما على الآخر ما
يلزمه فهل تصح المساقاة؟ الجواب ذهب القاضي إلى أنها تفسد والصحيح أنها لا
تفسد وأن المرجع في ذلك إلى العرف.
فصل
القارئ: والعامل أمين والقول قوله فيما يدعيه من تلف أو يدعى عليه من خيانة
أو تفريط وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشرف عليه ولا تزال يده عن العمل لأنه
يمكن استيفاؤه منه فإن لم ينحفظ استؤجر من ماله من يعمل عنه لأنه تعذر
استيفاؤه منه فاستوفي بغيره وإن هرب فهو كفسخه إن قلنا بجواز العقد وإن
قلنا بلزومه رفع الأمر إلى الحاكم ليستأجر من ماله من يعمل عنه فإن لم يكن
له مال أقترض عليه.
الشيخ: قوله (أقترض عليه) يعني الحاكم.
القارئ: فإن لم يجد فللمالك الفسخ لأنه
تعذر استيفاء المعقود عليه فأشبه ما لو استأجر داراً فتعذر تسليمها ثم إن
فسخ قبل ظهور الثمرة فلا شيء للعامل لأن الفسخ لأمر من جهته وإن كانت ظاهرة
فهي بينهما وإن لم يفسخ رب المال استأذن الحاكم في الإنفاق ثم رجع بما أنفق
فإن لم يجد حاكما أشهد على الإنفاق بشرط الرجوع ورجع به لأنه حال ضرورة وإن
أنفق من غير استئذان الحاكم مع إمكانه ففي الرجوع وجهان بناءً على قضاء
دينه بغير إذنه وإن عجز العامل عن العمل لضعفه أو عن بعضه أقام مقامه من
يعمله فإن لم يفعل فهو كهربه وإن استأذنه رب المال فأنفق بإذنه رجع عليه.
الشيخ: قوله (وإن استأذنه رب المال فأنفق بإذنه رجع عليه) نقول وذلك في حال
ضعفه أو عجزه فيكون المعنى إن استأذن رب المال العامل فأنفق بإذنه أي بإذن
العامل رجع عليه.
السائل: هل يصح للشريك أن يقيم مقامه آخر؟
الشيخ: نعم يجوز أن يقيم مقامه آخر بشرط أن لا يتضرر الأصل.
فصل
القارئ: فإن مات العامل أو رب المال وقلنا يلزم العقد قام الوارث مقامه
لأنه عقد لازم أشبه الإجارة فإن كان الميت العامل فأبى الوارث الإتمام أو
لم يكن وارث استؤجر من التركة من يعمل فإن لم يجد تركة فلرب المال الفسخ
ولا يقترض عليه لأنه لا ذمة له وإذا فسخ فالحكم على ما ذكرنا
فصل
القارئ: فإن بان الشجر مستحقاً رجع العامل على من ساقاه بالأجرة لأنه لم
يسلم له العوض فرجع على من استعمله.
الشيخ: هذه المسألة سبق نظيرها وهي إذا بان الشجر مستحقاً أي لغير الذي
ساقاه فمعلوم أن صاحبه سيأخذه، فبماذا يرجع العامل؟ الجواب المذهب يرجع
بالأجرة لأن العقد تبين بطلانه فَيُرجع إلى الأجرة فيأخذها من الذي ساقاه
والصحيح كما سبق أنه يُضْرَبُ له سهم المثل من المساقاة.
القارئ: فإن كانت الثمرة باقية أخذها ربها
وإن كانت تالفة ضمنها لمن شاء منهما فإن ضمنها للغاصب ضمنه جميعها لأنه حال
بينه وبينه وإن ضمنها العامل ضمنه النصف لأنه لم يحصل في يده غيره ويحتمل
أن يضمنه الجميع لأن يده ثبتت عليه وعمل فيه فضمنه كالعامل في القراض.
الشيخ: معنى (ضمنه النصف) يعني أَخَذَ الثمر كلها فيكون الفائت على العامل
هو النصف.
باب
المزارعة
القارئ: وهي دفع الأرض إلى من يزرعها بجزء من الزرع.
الشيخ: قوله (دفع الأرض إلى من يزرعها بجزء من الزرع) نقول نحتاج إلى زيادة
قيد وهو أن يكون مشاعاً وقيد ثالث أن يكون معلوماً.
القارئ: وتجوز في الأرض البيضاء والتي بين الشجر لخبر ابن عمر رضي الله
عنهما وما ذكرنا في المساقاة وأيهما أخرج البذر جاز لأن النبي صلى الله
عليه وسلم دفع خيبر معاملة ولم يذكر البذر وفي ترك ذكره دليل على جوازه من
أيهما كان وفي بعض لفظ الحديث ما يدل على أنه جعل البذر عليهم لقول ابن عمر
(دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل خيبر وأرضها إليهم على أن يعملوها
من أموالهم) رواه مسلم وفي لفظ (على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج
منها) وعن عمر رضي الله عنه (أنه كان يدفع الأرض على أن من أخرج البذر فله
كذا ومن لم يخرجه فله كذا) وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه يشترط كون
البذر من رب الأرض لأنه عقد يشترك رب المال والعامل في نمائه فوجب أن يكون
رأس المال من رب المال كالمساقاة والمضاربة فإن شرطه على العامل أو شرط أن
يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقتسما ما بقي فسدت المزارعة ومتى فسدت فالزرع
لصاحب البذر لأنه من عين ماله ولصاحبه عليه أجرة مثله.
الشيخ: الصحيح أنه لا يشترط أن يكون البذر
من رب الأرض لأنه لا دليل عليه والقياس لا يصح بل ظاهر الدليل أنه ليس على
صاحب الأرض لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامل أهل خبير بشطر ما
يخرج منها من ثمر أو زرع ولم يذكر أن الحب الذي يزرع يكون عليهم وهذا هو
الذي عليه العمل ولهذا قال صاحب زاد المستقنع ولا يشترط كون البذر والغراس
من رب الأرض وعليه عمل الناس، وقوله (ولصاحبه عليه أجرة مثله) نقول الصحيح
أن له سهم المثل لأن العقد وقع على المشاركة فيجب أن يعطى مثل نصيب مَنْ
شارك.
فصل
القارئ: فإن دفع بذراً إلى ذي أرض ليزرعه فيها بجزء لم يصح لأن البذر لا من
العامل ولا من رب الأرض فإن قال أنا أزرع أرضي ببذري وعواملي على أن سقيها
من مائك بجزء لم يصح لأن المزارعة معاملة على الأرض فيجب أن يكون العمل
فيها من غير صاحبها وعنه أنه يصح اختارها أبو بكر لأنه لما جاز أن يكون عوض
العمل جزءاً مشاعا جاز أن يكون عوض الماء كذلك وإن كانوا ثلاثة من أحدهم
الأرض ومن آخر العمل ومن آخر البذر والزرع بينهم فهي فاسدة لما ذكرنا في
أول الفصل.
فصل
القارئ: فإن قال أجرتك هذه الأرض بثلث الخارج منها فقال أحمد رضي الله عنه
يصح واختلف أصحابه فقال أكثرهم هي إجارة صحيحة يشترط فيها شروط الإجارة
وقال أبو الخطاب هذه مزارعة بلفظ الإجارة فيشترط فيها شروط المزارعة وحكمها
حكمها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كانت له أرض فليزرعها أو
فليزرعها أخاه ولا يكريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى) رواه أبو داود
ولأن هذا مجهول فلم يجز أن يكون عوضاً في الإجارة كثلث نماء أرض أخرى.
الشيخ: لو قال آجرتك هذه الأرض بمائة صاع
فإنه يصح لأن المائة صاع خارجة عن الزرع الذي زرعه في الأرض، ولو قال آجرتك
هذه الأرض بمائة صاع مما يخرج منها فإنه لا يصح لأن هذا شرط معلوم في
المزارعة فلا يصح، ولو قال آجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها ففيها قولان
في مذهب الإمام أحمد قول أنه يصح وهو نص الإمام أحمد رحمه الله والقول
الثاني أنه لا يصح، ولكن نقول الأصل في المعاملات الحل إلا ما قام الدليل
على تحريمه بنص أو قياس صحيح.
فصل
القارئ: وحكم المزارعة حكم المساقاة فيما ذكرناه من الجواز واللزوم وما
يلزم العامل ورب الأرض وغير ذلك من أحكامها لأنها معاملة على الأرض ببعض
نمائها وإن كانت الأرض ذات شجر فقال ساقيتك على الأرض والشجر بالنصف أو قال
ساقيتك على الشجر بالنصف وزارعتك الأرض بالثلث جاز لأنهما عقدان يجوز
إفرادهما فجاز جمعهما كعينين.
فصل
القارئ: ومتى سقط من الحب شيء ثم نبت في عام آخر أو سقط من حب المستأجر ثم
نبت في عام آخر فهو لصاحب الأرض لأن صاحب الحب أسقط حقه منه بحكم العرف
بدليل أن لكل أحد التقاطه فسقط كما لو سقط النوى فنبت شجراً.
الشيخ: ما ذكره المؤلف صحيح وذلك أن الزرع
عند الحصاد لا بد أن يتناثر منه حب فإذا نبت هذا الحب فهو لصحاب الأرض لأن
هذا هو العرف والدليل على هذا أنه لو تتبع هذا الحب أحد بعد الحصاد فإنه له
كما جرى به العرف لكن لو أصيب هذا الزرع ببرد فحصده حصداً ونبت الحب الذي
تأثر بهذا البَرَد فهل نقول إنه لصاحب الأرض أو نقول إن الزرع لمالك الحب؟
الجواب الثاني لأن هذا شيء خارج عن العادة وصورة المسألة نقول هذا إنسان
زرع هذه الأرض ثم أرسل الله عليها بَرَداً ثم إن البرد كسر هذا الزرع
واختلط الحب بالطين وفي السنة الثانية نبت فهل نقول إنه لصاحب الأرض أو
نقول إنه لصاحب الحب؟ الجواب الثاني ولا شك لأن هناك فرقاً بين ما جرت
العادة بأنه يسقط ويملكه من لَقَطَهُ وبين هذا الذي تلف على صاحبه بآفة
فإنه لازال ملكه عليه.
السائل: قول المؤلف أحمد رضي الله عنه ما حكم هذه العبارة رضي الله عنه؟
الشيخ: جرى العادة والعرف أن رضي الله عنه تقال للصحابة وأما من بعدهم
فيقال رحمهم الله إلا أنهم يتساهلون بالنسبة للأئمة فيقولون الإمام أحمد
رضي الله عنه، الإمام الشافعي رضي الله عنه، الإمام مالك رضي الله عنه،
الإمام أبوحنيفة رضي الله عنه، لكن العرف المطرد أن هذا الدعاء رضي الله
عنه للصحابة فقط، والأحسن أن يقال عن الأئمة رحمه الله.
|