شرح زاد المستقنع للخليل

كتاب الزكاة
قال شيخنا حفظه الله:
• قال - رحمه الله -:
كتاب الزكاة

[المسألة الأولى:] عقب المؤلف الصلاة بالزكاة لأمرين:
- الأول: اقتداء بالكتاب الكريم ففيه: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}.
- الثاني: أن الزكاة الركن الثاني من أركان الاسلام بعد الصلاة فذكرها - رحمه الله - بعد الصلاة.

ـ المسألة الثانية: الزكاة في:
- اللغة: معناها: النماء والزيادة والطهارة والبركة والمدح.
فكل هذه المعاني تصدق عليها. إلا أن المعنى الأقرب الذي تتفرع عنه المعاني هو: الزيادة والطهارة.
- وفي الشرع: فهي إخراج مال مخصوص لأناس مخصوصين على صفة مخصوصة.

• قال - رحمه الله -:
تجب بشروط خمسة.
الزكاة لا تجب إلا إذا تحققت فيها خمسة شروط وإلا فإنها لاتجب.
والزكاة تتعلق بأموال معينة وهي في الشرع أربعة فقط: فما عدا هذه الأربع لا تجب فيها الزاكاة ولا ينظر في تحقق الشروط أصلاً لأنها ليست من الأموال الزكوية - أي ما عدا هذه الأربع.
والأموال الأربع هي:
1 - بهيمة الأنعام.
2 - والخارج من الأرض.
3 - والذهب والفضة.
4 - وعروض التجارة.

قال - رحمه الله -:
تجب بشروط خمسة: حرية.
- فالأول الحرية: فإنه يشترط لوجوب الزكاة أن يكون مالك المال حراً فإن كان عبداً فإنها لا تجب عليه الزكاة.
والدليل على هذا من وجهين:
- الأول: الإجماع. فإنه حكي الإجماع على أن الزكاة لا تجب على العبد. إلا ما يذكر من الخلاف عن عطاء وأبي ثور. أما ما عداهما فهم يرون أن الزكاة لا تجب على العبد.
- الثاني: أن الزكاة فرع عن الملك. والعبد ماله لسيده.
بناء على هذا: ما يكون في يد العبد من مال تجب زكاته على سيده.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإسلام.
-[الثاني: الإسلام] يعني: ويشترط لوجوب الزكاة أن يكون مالك المال: مسلماً.
ـ ومعنى أنه شرط وجوب: أي أنه شرط أداء. ويتفرع على هذا: أنه إذا أسلم لا يؤمر أو يطالب بقضاء الزكاة.
ـ وأما أنه واجب بمعنى: أنه يعاقب على تركه فهو واجب بهذا الاعتبار حتى على الكافر.
ـ إذاً: إذا قيل لك: هل تجب الزكاة على الكافر؟


فتقول: - باعتبار الأداء: لا. - وباعتبار العقوبة: نعم.
والدليل على عدم وجوب الزكاة على الكافر:
- الأول: حديث معاذ المشهور: حيث أمره بأن يأمرهم بشهادة أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة. ثم قال: (فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) فنص الحديث على أن وجوب الزكاة يكون بعد الاسلام.
- الثاني: أن الزكاة عبادة والكافر ليس من أهل العبادات.
- الثالث: الإجماع. فقد أجمعوا على أن الكافر لا تجب عليه الزكاة.
فهذه المسألة لا إشكال فيها.

ثم قال - رحمه الله -:
وملك نصاب.
-[الثالث: ملك النصاب]. ملك النصاب من شروط وجوب الزكاة.
والنصاب هو: القدر الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة.
وبلوغ النصاب شرط بالإجماع:
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس نوق صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة) وهذا الحديث في البخاري.
فنص النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن المال إذا لم يبلغ النصاب الشرعي ليس فيه صدقة أي: ليس فيه زكاة.
* * مسألة: من ملك النصاب فهو غني شرعاً. - لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم). فكل من أخرج الزكاة بعد أن يبلغ ماله النصاب فهو غني في الشرع.
• ثم قال - رحمه الله -:
واستقراره.
-[الرابع: استقراره]. الضمير يعود على الملك: أي استقرار الملك. وعَبَّرَ غير المؤلف - رحمه الله - من الحنابلة: بقوله: (تمام الملك). إذاً الشرط: استقرار الملك وتمامه.
ومعنى: استقرار الملك: أي أن لا يتعلق به حق الغير بحيث يتصرف فيه كما يشاء.
وبالإمكان أن نضيف ضابط يسهل الأمر فنقول: - (أن لا يكون المال عرضة للزوال).
وهذا الضابط يمكن أن يؤخذ من أمثلة الفقهاء، فمن أمثلة عدم استقرار الملك:
ـ مال المكاتب: فلا زكاة فيه لأن المكاتب قد ينصرف عن المكاتبة ويعجز نفسه ولا يدفع المال.
والمكاتب هو: من اتفق مع سيده أن يدفع له مبلغاً معيناً يكون العبد بعده حراً وعادة ما يكون المال الذي يدفعه المكاتب لسيده أقساط أو منجماً فبإمكانه أن يعجز نفسه في أي وقت ولذلك نقول مال المكاتبة ليس مستقراً.


من الأمثلة أيضاً على المال الذي لم يستقر الملك فيه:
ـ ربح المضارب: فإذا أعطى شخص شخصاً مالاً ليضارب به ونتج عن هذا المال ربح فإن هذا الربح بعضه للمضارب وبعضه لرب المال. فهذا الربح ليس فيه زكاة إلا بعد القسمة.
لماذا؟ - لأن ربح مال المضاربة تعوض به خسارة رأس المال.
فإذاً لا يمكن أن نوجب على المضارب زكاة إلا إذا تمت القسمة بعد استكمال رأس المال.
هذان مثالان لمسألة استقرار الملك.
واستقرار الملك محل إجماع.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومضي الحول.
-[الخامس: ومضي الحول] يشترط لوجوب الزكاة مضي الحول: أي أن يملك الإنسان حولاً كاملاً.
والدليل على اشتراط مضي الحول من وجوه:
- الأول: حكي فيه الإجماع.
- الثاني: فيه حديث رواه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول).
وهذه الأحاديث ضعيفة لكنها تقوى بالآثار.
- الثالث: وهو الآثار. فقد صح عن أبي بكر وعلي وعثمان - رضي الله عنهم - أنهم اشترطوا الحول لوجوب الزكاة.
وهذا صحيح عنهم - رضي الله عنهم أجمعين -.
- الرابع: - وهو أيضاً من الأدلة القوية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث عمال الصدقة والسعاة في كل سنة مرة واحدة.
فإذاً اشتراط الحول ثابت ولله الحمد.
ثم لما ذكر مسألة اشتراط الحول بدأ فيما يستثنى:
• فقال - رحمه الله -:
في غير المعشر.
المعشر: هي الحبوب والثمار.
فالزروع والثمار لا يشترط لها الحول بل متى نبتت وخرجت وصلحت وجبت فيها الزكاة بعد الحصاد.
- لعموم قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده}.
وسميت المعشرات بذلك: لأنه يؤخذ منها العشر أو نصف العشر كما سيأتينا.
فهذا الأمر الأول الذي يستثنى.

ثم قال - رحمه الله -:
إلاّ نتاج السائمة وربح التجارة ولو لم يبلغ نصاباً، فإن حولهما حول أصليهما: إن كان نصاباً، وإلاّ فمن كماله.
- نتاج السائمة وربح التجارة: لا يشترط فيه الحول.
[= الأول: نتاج السائمة]:


ـ فإذا جاء عمال الصدقة إلى من يملك المواشي ونتجت - يعني ولدت هذه المواشي قبل حولان الحول بشهر فكانت مثلاً: تسعين شار ثم أصبحت مائة والعشر الزائدة لم تأت إلا قبل حولان الحول بشهر واحد فإن عامل الصدقة يأخذ الزكاة من المائة.
- لأنه لا يشترط في نتاج السائمة أن يحول عليه الحول بل حولها حول أصلها.
وأصلها: يعني الأمهات.
والسائمة: هي التي ترعى الحول ويقصد بها الآن بهيمة الأنعام: البقر والغنم والإبل.
ـ فالبقر والغنم والإبل: لا يشترط في نتاجها يعني فيما تلده أن يحول عليه الحول بل يأخذ الساعي الزكاة من مجموع - الأغنام مثلاً - وإن كان بعضها نتج أثناء الحول.
ما الدليل؟
- الدليل الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث السعاة إلى أصحاب المواشي فيأخذون الزكاة من الموجود كله ولا يسألون عن ما ولد أثناء الحول.
- الدليل الثاني: أنه صح عن الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم كانوا يجعلون حول المولود من بهيمة الأنعام حول أصله.
= الثاني: ربح التجارة:
ربح التجارة لا يشترط له الحول بل حول الربح حول الأصل.
ـ فإذا ملك الإنسان مائة ألف وتاجر بها ثم ربحت بعد ستة أشهر خمسين ألف وحال الحول على المائة وخمسين ألفاً فالزكاة تجب فيها مع أن الذي حال عليه الحول كاملاً المائة ألف والخمسين ربح لكن الفقهاء يقولون: ربح التجارة تابع لأصله فلا يشترط له حول جديد.
الدليل على هذا من وجهين:
- الأول: أن ربح التجارة تابع لأصله. والتابع لا يفرد بحكم.
- الثاني: أن المسلمين ما زالوا يخرجون صدقة عروض التجارة ويخرجون الزكاة من رأس المالل والأرباح ولو كانت حاصلة أثناء الحول.

ـ إذاً: الذي يستثنى من الحول فقط ثلاثة أشياء:
1 - المعشرات.
2 - ونتاج السائمة.
3 - وربح التجارة.
فيما عدا هذه الثلاثة أموال كل شيء يحتاج إلى حول. وهذه قاعدة تريح طالب العلم.
ـ مثال ذلك:
- رجل يملك خمسين رأس من الغنم وفي أثناء الحول اشترى خمسين أخرى.
فالخمسين الجدد التي اشتراها أخيراً: هل نقول: حولها حول الأول أو تحتاج إلى حول جديد؟
الجواب: أنها تحتاج إلى حول جديد: لأنها ليست من الثلاثة.


- رجل يملك مائة ألف ثم بعد مضي ستة أشهر وهبت له خمسين ألف أو ورث خمسين ألف.
فهذه الخمسين: تحتاج إلى حول جديد لأنها ليست من الأشياء المستثناة.
إذاً نقول: ما عدا هذه الثلاثة أشياء يحتاج إلى حول جديد.
وعرفنا الآن نتاج السائمة وربح التجارة
• يقول - رحمه الله:
فإن حولهما حول أصليهما: إن كان نصاباً.
يشترط في عدم اعتبار حول جديد لنتاج السائمة أن يكون الأصل بلغ النصاب.
فإن لم يكن بلغ النصاب فإنه لا يبدأ الحول إلا من بلوغ النصاب.
ـ مثال ذلك: رجل يملك أربعاً من الإبل. ثم في أثناء الحول ولدت واحدة فصار المجموع خمسة. فإن الحول يحتسب من ولادة هذه الخامسة.
لماذا؟
لأنته يقول: بشرط أن يكون حول أصلهما أذا كان يبلغ النصاب.
• قال: وإلا فمن كماله:
أي وإلا نبدأ احتساب الحول من كمال النصاب ولو كان الكمال حصل بنتاج السائمة أو بربح التجارة.

ثم قال - رحمه الله -:
ومن كان له دين أو حق من صداق أوغيره.
المؤلف - رحمه الله - يريد أن يبين في هذه العبارة حكم زكاة الدائن ثم سيذكر بعدها حكم زكاة المدين.
وهاتان مسألتان غاية في الأهمية لا سيما في وقتنا هذا فإنه لا يخلوا أحد من أن يكون دائن في الغالب أو مدين.
نبدأ بما بدأ به المؤلف - رحمه الله - وهو أن يكون دائناً: ـ من كان له دين.
الدين في اللغة: كل ما كان غائباً فهو دين في لغة العرب.
وفي الشرع: - وهو الذي يهمنا -: اسم للمال الواجب في الذمة بدلاً عن قرض أو مبيع أو منفعة أو إتلاف.
فمن خلال هذا التعريف أيهما أعم: القرض أو الدين؟
- الدين: لأن القرض نوع من أنواع الدين.
عرفنا الآن الدين لغة واصطلاحاً.
الأذان ...
انتهى الدرس


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بالأمس توقف الكلام عن زكاة الدين: يعني: زكاة مال الدائن.
وقلت أن مسائل زكاة الدين مسائل مهمة وتشتد حاجة الناس إليها.
وذكرت تعريف الدين لغة واصطلاحاً.
وأضيف الآن وأقول: أن حكم زكاة الدين فيه اختلاف شديد بين أهل العلم وتعدد في الأقوال وتتداخل، فهي من المسائل التي قد تعتبر مشكلة.
ونأتي إلى حكم زكاة الدين:
ينقسم الدين إلى قسمين:
ـ القسم الأول: الدين المرجو.
ـ والقسيم الثاني: الدين غير المرجو.
- فالدين المرجو: هو الدين على غني باذل.
- والدين غير المرجو: هو الدين على معسر أو مماطل.
نأتي إلى:
القسم الأول: الدين المرجو - وقد عرفت ما هو الدين المرجو - اختلف فيه الفقهاء على أقوال:
= فالقول الأول: للجمهور: أنه تجب فيه الزكاة لكل سنة.
إلا أن بعض الجمهور قال: يجوز له أن يؤخر إخراج الزكاة إلى حين القبض ثم يخرج زكاة السنين جميعاً.
واستدل هؤلاء بعدة أدلة:
- الدليل الأول: أنه جاء في الآثار عن عدد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إيجاب الزكاة.
- الدليل الثاني: أن الدين المرجو كالدين الذي في يده [لا يجب أن يزكيه].
- الدليل الثالث: عموم الأدلة.

= القول الثاني: أنه لا تجب الزكاة مطلقاً.
واستدل هؤلاء:
- بأن المال إذا كان ديناً لا يعتبر من الأموال النامية والزكاة تتعلق بالأموال النامية.
والجواب: أنه يعتبر نام حكماً لا حقيقة ويكتفى بكونه نام حكماً لا حقيقة.
= القول الثالث: أنه تجب فيه الزكاة إذا قبضه لسنة واحدة.
واستدل هؤلاء:
- بأن من شروط وجوب الزكاة: القدرة على الأداء. وهذا المال ليس بيده.
والجواب من وجهين:
- الأول: أن الصواب أنه لا يشترط في وجوب الزكاة القدرة على الأداء - كما سيأتينا في كلام الماتن.
- الثاني: أن الدائن بإمكانه أن يأخذ المال إلا أنا نفترض أن المدين باذل وغني فيستطيع هو أن يأخذ المال فإذا لم يأخذ المال هو فلا يسقط حق الله فإذا أسقط حق نفسه لا يسقط حق الله وهو الزكاة.
والصواب: إن شاء الله مع القول الأول وهو: وجوب الزكاة وله أن يؤخر إخراج الزكاة إلى أن يقبض المال بشرط أن يحسب زكاة كل سنة.
ورجح هذا القول عدد من المحققين منهم: أبو عبيد - رحمه الله -.
القسم الثاني: الدين غير المرجو - وقد عرفت ما هو الدين غير المرجو - واختلف أيضاً فيه الفقهاء على قولين:


= القول الأول: وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الاسلام: أنه لا تجب الزكاة فيه مطلقاً.
واستدل هؤلاء:
- بأن هذا الدين لا يمكن الانتفاع به بحال.
= والقول الثاني: وجوب الزكاة فيه.
واستدل هؤلاء:
- بأثر عن علي - رضي الله عنه -.
- وأثر عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
- وأثر عن ابن عمر - رضي الله عنه -.
ولا يصح من هذه الآثار إلا أثر علي - رضي الله عنه -.

= والقول الثالث: أنه تجب فيه الزكاة إذا قبضه لسنة واحدة.
والصواب مع القول الثاني. وسبب الترجيح: صحة أثر علي - رضي الله عنه - ولولا وجود هذا الأثر لكان القول الأول وهو: عدم الوجوب مطلقاً هو القول الصواب.
لكن مع وجود أثر علي - رضي الله عنه - صرح فيه بأنه يخرج زكاته إذا قبضه فيكون هذا القول هو الراجح.
وله أيضاً أن يؤخر إخراج الزكاة إلى أن يقبض المال فيزكي عن الجميع.
وأما القول الأخير ففيه ضعف ظاهر. لأنه إما أن تجب الزكاة في كل السنين أو تنتفي في كل السنين. لأن هذا المال على حال واحدة وله حكم واحد فالتفريق بين السنة الأخيرة وما قبلها من السنوات لا دليل عليه.
فيكون الراجح مذهب الحنابلة.
• ولذلك يقول المؤلف - رحمه الله -:
ومن كان له دين أو حق من صداق أو غيره، على مليء أو غيره: أدّى زكاته إذا قبضه لما مضى.
فما ذكره المؤلف هو الراجح في المرجو وغير المرجو.
* * مسألة: حكم زكاة مال الصبي والمجنون: - ومكانها المناسب بعد الشرط الثاني.
ولا حظ معي فإن المؤلف - رحمه الله - يقول في المتن:
(تجب بشروط خمسة: حرية وإسلام): هذان الشرطان يتعلقان بالمزكي.
ثم قال رحمه الله: (وملك النصاب واستقراره ومضي الحول) وهذه الشروط تتعلق بالمال.
فمن قول المؤلف - رحمه الله -: (حرية وإسلام) عرفنا أن الحنابلة لا يشترطون في المزكي أن يكون بالغاً.
= وهذا مذهب الجماهير والجم الغفير من أهل العلم من السلف والصحابة ومن يعدهم فكلهم يرى أن الصبي تجب في ماله الزكاة.
واستدلوا:
ـ أولاً: بالنصوص الصريحة الصحيحة:
- كقوله تعالى: {خذ من أموالهم ... }.
فعلق الوجوب بالمال.
- وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاذ: (صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم).


ـ وثانياً: الآثار المتكاثرة عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها الأمر بإخراج الزكاة عن مال الصبي.
فهذا القول هو القول الراجح. وهو منذهب الجماهير.
= والقول الثاني: عدم الوجب.
واستدلوا:
- بأن الزكاة عبادة والصبي ليس من أهل العبادات.
- وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (رفع القلم عن ثلاثة ... ).
والصواب مع الجماهير. لكثرة الآثار ولأن ظواهر النصوص ربط الزكاة بالمال لا بالمزكي.
[ثم ننتتقل إلى زكاة المدين بعد أن بينا أحكام زكاة الدائن:].
• قال - رحمه الله -:
ولا زكاة في مال: من عليه دين ينقص النصاب، ولو كان المال ظاهراً.
تنقسم الأموال في الشرع إلى قسمين: - ونحن الآن في صدد الكلام عن زكاة المدين.
ـ القسم الأول: أموال ظاهرة.
ـ والقسم الثاني: أموال أو باطنة.
- فالأموال الظاهرة:
تعريفها: هي الأموال التي لا يمكن إخفائها.
وتعدادها هي: - الزروع. - والثمار. - والمواشي.
- وأما الأموال الباطنة:
تعريفها: هي الأموال التي يمكن إخفائها.
وتعدادها هي: - الذهب والفضة. - وعروض التجارة.
* * مسألة: جنح كثير من المتأخرين بل من المعاصرين إلى أن عروض التجارة أصبحت من الأموال الظاهرة لا من الأموال الباطنة في وقتنا هذا: - لا تساع التجارات وتنوعها وتنوع طريقة العرض فيها.
والصواب: أن عروض التجارة من الأموال الباطنة كما هو مذهب الجماهير.
وعلة كون عروض التجارة من الأموال الباطنة: أن المنظور فيها إلى القيمة. فهي باعتبار القيمة لا تعرف. لا كما ظن بعض أهل العلم أن المنظور فيها إلى طريقة العرض وكثر أو قلة البضائع. فليس الأمر كذلك. بل هي من الأموال الباطنة باعتبار الثمن وقيمة العروض.
ولذلك يحصل كثيراً أن تدخل محلاً ولا تتصور أن تبلغ البضاعة الموجودة في هذا المحل هذا المبلغ الكبير من حيث القيمة ويتفاجأ الإنسان أنه قيمة هذه البضائع تبلغ مبلغاً كبيراً.
وهذا دليل على أنها باطنة. لأن المنظور فيها للقيمة.
ولا نريد الإطالة في هذه المسألة. لكن هذا هو الراجح مع كذر أقوى دليل وهو أنها باطنة باعتبار الثمن.
وقبل نأتي إلى حكم زكاة المدين نبين ما معنى أنه لا زكاة على المدين؟
ـ معنى أنه لا زكاة على المدين:


أن المسلم إذا أراد أن يخرج الزكاة يخصم من الأموال التي بيده قدر الدين الذي عليه ويزكي الباقي إن بلغ نصاباً.
فهذا معنى أنه لا زكاة على المدين عند من يقول بهذا القول.
نأتي إلى الأحكام:
ـ أولاً: حكم زكاة المدين في الأموال الباطنة - ونبدأ بها لأنها الأهم - وقد عرفنا ما هي الأموال الباطنة:
= القول الأول: أنه لا تجب الزكاة على المدين في الأموال الباطنة.
وإذا قلنا لا تجب الزكاة - عرفنا ما معنى لا تجب الزكاة وليس المقصود لا تجب مطلقاً كما قد يفهم البعض - ولكن المعنى هو ما ذكرت لك كما قرره الفقهاء.
وإلى هذا القول ذهب الجماهير من الصحابة والسلف والتابعين وتابعوهم وجمهور الأئمة وعامة العلماء.
واستدلوا بأدلة كثيرة:
- الدليل الأول: ما روي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه خطب الناس وقال: قد جاء شهر زكاتكم فأخرجوا ديونكم لتزكوا أموالكم.
وجه الاستدلال: أنه لم يأمر بإخراج الزكاة من مبلغ الدين الذي سيقضى.
- الدليل الثاني: إجماع الصحابة. وممن أشار إلى هذا الإجماع ابن سيرين والزهري وذكره غيرهما من العلماء المتأخرين لكن من السلف أشار هذان الإمامان إلى الإجماع.
- الدليل الثالث: - مع إجماع الصحابة: الآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم -.

= القول الثاني: أنه تجب الزكاة على المدين في الأموال الباطنة.
وهؤلاء استدلوا:
- أولاً: بعموم الأدلة.
- وثانياً: أنه لا دليل على استثناء مقدار الدين من الزكاة.
والجواب على هذا الاستدلال: أن ما ذكره أصحاب القول الأول من أدلة هي الدالة على الاستثناء.
والراجح القول: الأول. كيف وقد حكي إجماع الصحابة.
ـ بناء على أن هذا القول هو الراجح: إذا كان الإنسان يملك مائة ألف ريال وهو مدين بثلاثين ألف ريال فالواجب عليه أن يخرج الزكاة عن سبعين ألف ريال.
وقد فصَّل هذا التفصيل تماماً من التابعين ميمون بن مهران فذكر أن الإنسان إذا أراد أن يزكي يصنع كما قلت لكم يخصم مما بيده مقدار الدين.
* * مسألة: - وهي مهمة جداً -:
يشترط لخصم الدين من الزكاة أن لا يجد سوى النصاب ليقضي به الدين.
فإن وجد غير النصاب زكى النصاب كاملاً سواء وجد أموالاً نقدية أو عينية.


مثال ذلك: إذا كان الإنسان يملك ألف وهو مدين بألف ويملك سيارة زائدة عن حاجته بألف فكم سيزكي؟
ألف. مع أنه مدين بألف. لكن الدين يقابله العرض الذي يساوي ألف.
وتطبيق هذا الشرط لا بد منه.
وإذا طبقنا هذا الشرط يندر أن يخصم الإنسان من الوعاء الزكوي لديه مقدار الدين لأنه غالباً يكون عنده عروض أخرى تصلح لسداد الدين.
ـ بناء عليه: ليس من المقبول أن يقول شخص: أنا مدين بمائة ألف وهو يملك سيارات واستراحات وأراضي. فنقول له: إذا كنت مديناً فسدد الدين من غير الزكاة وإنما مما تملك من العروض سواء كانت أراضي أو استراحات أو سيارات زائدة عن حاجتك.
* * مسألة: رجل يملك عشرة آلاف: وهو مدين بخمسة آلاف وعنده سيارة هي السيارة التي يتنقل عليها.
فكم سيزكي؟
خمسة آلاف.
ويصح هنا أن يخصم مقدار الدين من الزكاة لأن السيارة التي معه تقوم بحاجته التي لا يستغني عنها.
إذاً: لا بد أن ننتبه لهذا الشرط.
وهذا الشرط اشترطه جمهور الفقهاء ونص عليه الإمام أحمد وهو شرط صحيح.
ـ ثانياً: بقينا في الأموال الظاهرة:
والأموال الظاهرة هي: الزروع والثمار والمواشي كما تقدم معنا.
اختلف فيها الفقهاء على قولين:
= القول الأول: أنه لا يخصم الدين من الزكاة في الأموال الظاهرة.
فإذا كان عند الإنسان مائة من الإبل وهو مدين بعشرة آلاف فالواجب أن يخرج زكاة كم؟
مائة من الإبل. ولا يخصم مقدار الدين من الزكاة في الأموال الظاهرة.
وإلى هذا ذهب الجمهور.
واستدلوا بأدلة قوية جداً:
- الدليل الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء - رضي الله عنهم - كانوا يبعثون عمال الصدقة - السعاة - إلى أصحاب الإبل والمواشي فيأخذون منهم الصدقة ولا يسألون عن مقدار الدين.
- الدليل الثاني: أن الزهري وابن سيرين نصوا على أن الإنسان يخصم الدين من العين دون المواشي والثمار ونسبوا هذا إلى الصحابة فقالوا: كانوا - يعني الصحابة -.
= والقول الثاني: أنه يخصم الدين حتى من الأموال الظاهرة.
واستدلوا:
- بما استدل به الجمهور بمسألة الأموال الباطنة.


والجواب عليه: أن الأدلة التي استدل بها الجمهور في المسألة الأولى وهي الأموال الباطنة هي بنفسها تفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة كما نقلنا عن ابن سيرين والزهري فإنهم نصوا على الفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة.
فالسلف أنفسهم يفرقون بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة.
والراجح القول الأول.
فصار القول الراجح: التفريق بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة. وهذا مذهب الجمهور وممن رجحه من المتأخرين الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -.
وبهذا اكتمل الكلام عن مسألة الأموال الظاهرة والباطنة في زكاة المدين.

قال - رحمه الله -:
ولا زكاة في مال: من عليه دين ينقص النصاب، ولو كان المال ظاهراً.
فعرفنا أن: = مذهب الحنابلة أنه يخصم الدين من الزكاة في الأموال الظاهرة وكذلك في الأموال الباطنة على حد سواء.
وتقدم معنا الراجح وهو: أنه لا يخصم في الأموال الظاهرة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وكفارة كدين.
مقصود المؤلف أن دين الآدمي يخصم وكذلك دين الله.
أي التسوية بين دين الآدمي والدين الذي لله سواء كان الدين الذي لله مما له مطالب كالزكاة أو مما ليس له مكالب كالكفارات.
والدليل على أن دين الله كدين الآدمي فيخصم من الزكاة:
- قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه البخاري: (اقضوا الله فالله أحق بالوفاء). فهذا نص أن دين الله كدين الآدمي.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن ملك نصاباً صغاراً: انعقد حوله حين مَلَكَهُ.
يعني: إذا ملك الإنسان من الموشي قدر النصاب إلا أنها صغيرة فتجب فيها الزكاة إذا حال الحول إذا بلغت صاباً.
ولا يشترط في المواشي أن تبلغ سناً معينة لكي تجب فيها الزكاة.
واستدل هؤلاء:
- بعموم ما أخرجه البخاري: (في كل أربعين شاة شاة). وهذا عام سواء كانت هذه الأربعين صغيرة أو كبيرة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن نقص النصاب في بعض الحول ... انقطع الحول.
إذا نقص النصاب أثناء الحول انقطع الحول.
مثال ذلك: رجل يملك خمساً من الإبل وهو النصاب ثم بعد مضي ستة أشهر ماتت واحدة أو ذهبت لأي سبب فأصبح المجموع: أربع.
فإذا أصبح المجموع أربع انقطع الحول من حين ينقص النصاب.


فإذا اكتمل النصاب مرة أخرى استأنفنا الحول من جديد.
الدليل:
- أن اشتراط النصاب في كل الحول دلت عليه النصوص فإذا تخلف النصاب في بعض الحول انقطع.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو باعه.
يعني: إذا باع النصاب أو باع بعض النصاب انقطع الحول أيضاً.
فإذا كان يملك ثلاثين من البقر ثم باع منها خمساً في أثناء الحول انقطع الحول.
فإذا اشترى ما يكمل النصاب استأنف الحول من جديد.
والدليل:
- هو: نفس الدليل السابق.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو أبدله بغير جنسه.
إذا باعه أو أبدله بغير جنسه: انقطع الحول.
وتقدم معنا صورة البيع.
أما صورة الإبدال: فهي أن يبيع النصاب معاطاة وبعبارة أخرى: المؤلف - رحمه الله - يقول: إذا باعه أو أبدله وسيأتينا أن البيع هو عبارة عن إبدال فلذلك هم يصدرون تعريفه بقولهم: مبادلة مال بمال.
فلماذا فرق المؤلف - رحمه الله - بين البيع والإبدال؟
- نقول: نحمل الإبدال على أحد صورتين:
ـ الصورة الأولى: أن يكون: - البيع يقصد به: مبادلة عين بنقد.
- والإبدال: مبادلة عين بعين. والذي يسمى المقايضة.
ـ الصورة الثانية: أن يكون المقصود: - بالبيع: البيع الذي يتم بالإيجاب والقبول.
- وبالمبادلة: المبادلة التي ننم عن طريق المعاطاة بدون صيغة إيجاب وقبول.
بناء على هذا: إذا أعطى رجل رجلاً آخر ثلاثين من البقر وأخذ منه عشرين من الإبل.
فهل هذا بيع أو إبدال؟
الجواب: - باعتبار المصطلح الخاص الذي نتكلم به: إبدال.
وإذا باع الثلاثين بعشرة آلاف درهم؟
بيع.
إذاً هذا مال بمال أو مال بنقد.
إذا باع ثلاثين من البقر بعشرة آلاف درهم بإيجاب وقبول. قال: بعت. وقال الآخر: اشتريت. وتمت المبادلة فهذا: بيع.
وإذا كان عن طريق المعاطاة بأن يعطيه البقر ويأخذ النقد بدون كلام وإنما عن طريق المعاطاة فهو: مبادلة.
والأمر بسيط لكن نريد أن نعرف لماذا غاير المؤلف - رحمه الله - وفاوت بين البيع والإبدال فخرجوه على أحد هذه التخريجات.
• ثم قال - رحمه الله -:
لا فراراً من الزكاة: انقطع الحول.
فصار الحول ينقطع:
- إذا نقص النصاب.
- أو باع النصاب.
- أو أبدل النصاب.
ففي هذه الصور الثلاث ينقطع الحول. وإذا اكتمل النصاب بدأ الحول من جديد.


قال: لا فراراً من الزكاة:
فإن كان يريد الفرار من الزكاة فإن عمله لا يقطع الحول.
بناء على هذا: إذا ملك الإنسان ثلاثين من البقر فلما بقي على حولان الحول شهر باع البقر بعشرة آلاف درهم ثم بعد عشرة أيام أو أقل أو أكثر اشترى الثلاثين أو غير هذه الثلاثين.
فهل يستأنف الحول أو لا؟
نقول: ما دام قصدك قطع الحول فتستمر على حولك الأول كأنك لم تصنع شيئاً.
- لأن القاعدة تقول: (أن الحيل لا تسقط الواجبات). بدليل أن الله سبحانه وتعالى ذم اليهود الذين احتالوا على صيد السمك في يوم السبت والأحد وذمهم بذلك واعتبر عملهم محرم مع أن الصورة جائزة.
وكذلك كل الحيل.
- ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لعن المحلل والمحلل له) ولماذا لعنه؟ لأنهم يحتالون على العقود الشرعية.
إذاً إذا كان قصد الإنسان الحيلة فلا يعتبر أن الحول انقطع ...
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن أبدله بجنسه: بنى على حوله.
إذا أبدل النصاب بجنسه فإنه لا ينقطع الحول.
فإذا كان الإنسان يملك ثلاثين من البقر وباعها بثلاثين من البقر أخرى فإن الحول يستمر ولا ينقطع.
لكن إذا أبدل ثلاثين من البقر بعشرين من الإبل ينقطع الحول لأن البقر جنس والإبل جنس آخر.
إذاً إذا أبدل الإنسان الشيء بجنسه فإنه لا ينقطع.
استثنى الحنابلة من هذه القاعدة وهي: أنه إذا أبدله بغير جنسه انقطع: استثنوا الذهب والفضة وعروض التجارة.
- فإذا أبدل الإنسان دراهم بدنانير لا ينقطع الحول.
- وإذا أبدل دراهم بعروض تجارة أو دنانير بعروض تجارة لا ينقطع الحول.
والصواب أنه: لا يستثنى إلا فقط عروض التجارة. أما الذهب والفضة فهما جنسان إذا أبدل أحدهما بالآخر انقطع الحول إلا إذا كان الإبدال على سبيل التجارة فإنها تصبح الآن عروض تجارة.
فالآن: الذين يتعاملون بالعملات ما نقول: إذا اشتريت بالريال السعودي جنيه مصري أنه انقطع الحول أو درهم إماراتي أو أي عملة أخرى ما نقول انقطع الحول لأنهم الآن يبادلون هذه العملات على سبيل التجارة ونحن نقول أنه إذا أبدله بجنسه أو بغير جنسه ما دام على سبيل عروض التجارة فإن الحول لا ينقطع.


لكن لو أن قائلا قال: أنا أحتاج بدل الدراهم دنانير فاستبدل دراهمه بدنانير لينتفع بها لا للتجارة فإنه عند الحنابلة لا ينقطع الحول.
والصواب أنه ينقطع: لأن الذهب جنس والفضة جنس آخر.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتجب الزكاة: في عين المال، ولها تعلق بالذمة.
اختلف الفقهاء في هذه المسألة وهي: هل تجب الزكاة في عين المال أو في الذمة على أقوال كثيرة:
= المذهب خلاف ما ذكره المؤلف: فالمذهب أن الزكاة تجب في عين المال.
واستدلوا:
- بقوله تعالى: {خذ من أموالهم ... }.
- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (في كل أربعين شاة شاة).
وقالوا: إن في في هذه النصوص للظرفية يعني أن مقدار الزكاة واجب في عين المال.
بناء على هذا القول:
- لو تلف النصاب لم يلزمه شيء لأن الوجوب يتعلق بالعين والعين تلفت.
وبناء على هذا القول:
- لا يجوز له أن يتصرف بمقدار الزكاة من المال.
ويترتب على هذا القول أيضاص أشياء كثيرة.

= القول الثاني: أن الزكاة تتعلق بالذمة لا بعين المال.
واستدلوا على هذا:
- بأنه يجوز أن نخرج الزكاة من غير النصاب. فدل على أنها تتعلق بالذمة لا بالعين.
مثال ذلك: لة كان عندي عدد من الإبل ووجب فيها بنت لبون أو حقه أو جذعة فهل يجوز أن أشتري من السوق بنت لبون وأخرجها زكاة؟ أو يجب أن أخرج من الإبل التي عندي؟
الجواب: يجوز أن أخرج ولو من غير الإبل التي أملك.
فهذا دليل على أن الزكاة تتعلق بالذمة. فلو كانت تتعلق بالعين لوجب أن أخرج من عين الإبل التي عندي.
= القول الثالث: أنها تجب في العين وتتعلق بالذمة. وهو القول الذي ذكره المؤلف - رحمه الله -.
= القول الرابع: أنها تجب في الذمة وتتعلق بالعين - عكس ما ذكره المؤلف - رحمه الله -. وهذا اختيار شيخ الاسلام - رحمه الله -.
وهو الأقرب والله أعلم. أن الأصل في الزكاة أنها تتعلق في الذمة لكن لها تعلق بالعين. فهذا القول تجتمع به المعاني والعلل التي ذكرها أصحاب القول الأول والثاني.
إذاًَ هذا القول الأخير هو الراجح.


وأرغب من كل طالب - وإن شئتم أن تعتبرونه ملزماً - أن يراجع آخر قواعد بن رجب فإنه في آخر قواعد بن رجب ذكر عدة مسائل ينبني عليها فروع كثيرة منها: هل تجب أو تتعلق الزكاة بعين المال أو بالذمة ثم ذكر ما يترتب على كل قول في تفريع بديع جداً يصقل طالب العلم ويدربه على فهم ما يترتب على القول.
فإنا أرجو من جميع الإخوة أن يقرأوا هذا الموضع وهو في آخر قواعد ابن رجب.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا يعتبر في وجوبها: إمكان الأداء.
ليس من شروط الزكاة إمكان الأداء بل تجب ولو لم يتمكن من الأداء.
مثال عدم التمكن من الأداء:
- أن يكون المال غائباً.
- أو أن يكون المال ديناً.
فهل يتمكن الإنسان أن يخرج الزكاة من المال الغائب؟
لا. لا يتمكن ومع ذلك نقول تجب الزكاة ولولم يتمكن من الأداء.
الدليل:
- قالوا: الدليل: قياساً على سائر العبادات فإن الصوم يجب على المريض وإن كان لا يستطيع.
فإذاً لا يشترط في وجوب الزكاة إمكان الأداء.
* * مسألة: يشترط لوجوب الإخراج إمكان الأداء.
فإذا لم يتمكن من الأداء لم يجب عليه أن يخرج الآن وله أن ينتظر إلى أن يتمكن.
فتحصل عندنا الفرق بين وجوب الزكاة ووجوب الإخراج.
فالأداء شرط في الإخراج. وليس شرطاً في الوجوب.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا بقاءُ المال.
يعني: أنه لا يشترط لوجوب الزكاة بقاء المال فلو تلف رالمال كله لوجبت الزكاة فيه.
وهذا القول يتوافق مع القول بأن الزكاة تجب في الذمة أو في العين؟؟
- في الذمة. وهذا مما يقوي القول الذي رجحه شيخ الاسلام - رحمه الله -.
إذاً الحنابلة يرون أنه يجب عليه أن يخرج الزكاة ولو تلف كل المال.
الدليل:
- قالوا: الدليل أن هذا مال وجب في ذمته فيجب أن يخرجه ولو تلف كدين الآدمي. إذا كان الإنسان مطلوب مائة ألف ريال واحترق كل ما يملك من المال فهل يسقط هذا الدين؟ أو يبقى في ذمته؟
يبقى. فكذلك دين الله وهو الزكاة.
= والقول الثاني: أن المال الزكوي:
- إذا تلف بغير تفريط ولا تعدي فإنه لا يجب عليه أن يخرج شيئاً.
- وإن تلف بتفريط أوتعدي وجب عليه أن يخرج مقدار الزكاة.
وهذا القول اختيار شيخ الاسلام واختيار ابن قدامة.


لكن ابن قدامة بين التفريط فقال: والتفريط أن يتأخر بالإخراج مع إمكان الأداء.
وظاهر كلام غيره من الفقهاء أن التفريط لا يتعلق بمسألة الإخراج وإنما يتعلق بكيفية حصول التلف:
فإن كان لم يفرط بأن جائه آفة سماوية أو حريق ليس له يد في منعه فإنه لا يلزمه إخراج شيء.
وإن فرط بأن وضع المال في مكان لا ينبغي أن يوضع فيه أو قرب النار المهم فرط بإتلافه بأي طريقه فإنه تجب عليه.
هذا ظاهر كلام الفقهاء فيما عدا ابن قدامة الذي يرى أن التفريط هو بمجرد التأخر في إخراج الزكاة.
وهذا القول الذي مال إليه ابن قدامة قوي جداً ويتوافق مع ما سيأتينا من وجوب إخراج الزكاة فوراً.
ولذلك أنا أميل إلى هذا الضابط وهو أنه: إذا أخر إخراج الزكاة مع قدرته على إخراجها ثم تلف المال ولو بغير تفريط منه وجب عليه أن يؤدي الزكاة. لأن التفريط حصل بالتأخر في إخراج الزكاة.
وهذا الضابط الذي ذكره ابن قدامة جيد وقوي.
• ثم قال - رحمه الله -:
والزكاة كالدين في التركة.
الزكاة كالدين في التركة يعني: أنها مقدمة على الورثة وعلى الوصية.
فإذا مات الإنسان ولم يخرج زكاة ماله فإنا نخرج الزكاة قبل أن ننفذ الوصية أو نقسم التركة على الورثة.
وسواء في ذلك كان إخراج الزكاة من الميت على سبيل الجواز أو على سبيل التحريم: يعني: سواء كان أخرها قداً وهو آثم بذلك وارتكب محرماً أو مات قبل أن يتمكن من إخراج الزكاة ففي الصورتين يجب أن يخرج الزكاة من مال الميت. لأن الزكاة فيها حق للفقراء فيجب أن يصل إليهم ولو كان الميت أخر إخراج الزكاة تعدياً وظلماً.
لكن إن كان الميت لم يتمكن من الإخراج أجزأت عنه ولا إثم وإن كان أخرها عمداً وقصداً وتعدياً وظلماً فإنا ندفعها للفقراء ومع ذلك يأثم بتركه الزكاة.
إذاً الزكاة كالدين في التركة تماماً تستوي مع دين الآدمي.
بقينا في مسألة: هل هي مثل دين الآدمي أو أقل من دين الآدمي إذا تعارض دين الله ودين الآدمي؟
الصواب: أنهما بمنزلة واحدة فنسدد دين الله ودين الآدمي بالمحاصة إذا لم يتسع المال للجميع.
أما إذا اتسع المال للدينين فلا إشكال فسنسدد دين الله ودين الآدمي.


وهذا الكلام الذي قلته فيما يتعلق بالزكاة ينطبق على غيره من ديون الله كالكفارات مثلاً. فلو مات وعليه كفارة يمين فنفس الكلام يجب أن نخرج كفارة اليمين قبل أن ننفذ الوصية أو نقسم التركة.

باب زكاة بهيمة الأنعام
• ثم قال - رحمه الله -:
باب زكاة بهيمة الأنعام.
بدأ المؤلف بباب زكاة بهيمة الأنعام قبل غيرها من الأموال الزكوية اقتداء بكتاب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - الذي كتبه لأنس حين ذهب إلى البحرين فإن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - بدأ بزكاة بهيمة الأنعام قبل زكاة غيرها من الأموال الزكوية.
فتأسياً بهذا الكتاب نبدأ بزكاة بهيمة الأنعام.
• يقول - رحمه الله -:
تجب في إبل وبقر وغنم.
وجوب الزكاة في الإبل والبقر والغنم محل إجماع. فلم يخالف فيه أحد ولله الحمد والنصوص الصريحة الصحيحة أخرجها البخاري وغيره دالة على وجوب الزكاة في هذه الأصناف الثلاثة.
وفهم من هذه العبارة أن الزكاة لا تجب في غير الإبل والبقر والغنم.
فمثلاً: لا تجب في الضباء البرية ولا تجب في البقر الوحشي ولكنها تجب في الجواميس لأن الجواميس نوع من أنواع البقر.
وقوله: الإبل والبقر والغنم. دليل على أن الزكاة تجب في هذه الأصناف مهما تنوعت ماختلفت أشكالها ومسمياتها ما دامت إبلاً أو بقر أو غنم فالماعز والشياه في هذا سواء.
• ثم قال - رحمه الله -:
إذا كانت سائمة الحول أو أكثره.
يشترط لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام
الأذان ....
انتهى الدرس


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
باب زكاة بهيمة الأنعام
تكلمت بالأمس عن زكاة بهيمة الأنعام من حيث مشروعية الزكاة وإجماع الأمة عليه وما هي بهيمة الأنعام وتوقفنا عند شرط من شروط وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام وهي:
- أن تكون سائمة.
• يقول المؤلف رحمه الله:
تجب في إبل وبقر وغنم: إذا كانت سائمة الحول أو أكثره.
السائمة في لغة العرب: الراعية.
وفي الاصطلاح في هذا الباب: هي التي ترعى المباح أكثر الحول وتكتفي به.


= ذهب الجمهور ومنهم الحنابلة إلى أنه يشترط في وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام أن تكون سائمة.
وخرج بقولهم: سائمة: المعلوفة والعاملة.
واستدل الجمهور على اشتراط هذا الشرط:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وفي الغنم في سائمتها) وهو حديث في البخاري ونص على أن الغنم التي تجب فيها الزكاة هي السائمة.
- وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليس في البقر العوامل صدقة) وهذا الحديث فيه ضعف ولكنه ينجبر بالشواهد وبكثرة الآثار عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الدالة على ذلك.
= والقول الثاني: أنه لا يشترط أن تكون سائمة. وهو مذهب المالكية ويوجبون الزكاة في المعلوفة والعاملة.
واستدلوا على ذلك:
- بعموم الأدلة. كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (في كل خمس من الإبل شاة) فإنه لم يقيد في هذا الحديث وجوب الزكاة بأن تكون البهائم سائمة.
والصواب مع الجماهير لأن القاعدة الفقهية الأصولية تقول: ((الخاص مقدم على العام)).
فأدلة الجمهور تخصص أدلة المالكية.
ـ المسألة الثانية: هي التي أشار إليها بقوله: (الحول أو أكثره).
أي أنه لا يشترط في السائمة أن تكون راعية كل الحول بل يكتفى بأكثر الحول.
واستدل الجمهور على هذا الحكم:
- بأن اسم السوم - يعني: اسم كونها سائمة - لا يرتفع عن البهيمة لكونها ترعى بعض الحول.
- الدليل الثاني: أنه لا يمكن التحرز عن ترك السوم في بعض الحول.
= والقول الثاني: أنه يشترط لوجوب الزكاة أن تكون سائمة في جميع الحول. أخذاً بظاهر النص.
والصواب مع الجمهور. ويؤيد ذلك أن العلماء رحمهم الله قرروا أن للأكثر حكم الكل.
• ثم قال رحمه الله:
فيجب في خمس وعشرين من الإبل: بنت مخاض.
بدأ المؤلف ببيان الأنصباء التي حددها النبي - صلى الله عليه وسلم - في بهيمة الأنعام وهي: الإبل والبقر والغنم.
وقد جاء تحديد أنصبة الإبل في حديث أنس الذي رواه عن أبي بكر حين بعث بخطابه إليه في البحرين وذكر في الخطاب أن هذه الفروض سنها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
• فقال رحمه الله:
فيجب في خمس وعشرين من الإبل: بنت مخاض.
بنت المخاض هي: ما تم لها سنة.
وسميت بذلك: لأنه في الغالب تكون أمها حامل. والحامل تسمى مخاض.


وكونه في خمس وعشرين: بنت مخاض. هذا جاء صريحاً في حديث أبي بكر ونص عليه نصاً رضي الله عنه.
وهو محل إجماع.
ويجوز أن يخرج بدل بنت مخاض ابن لبون إذا لم نجد بنت مخاض بالإجماع لأنه في حديث أبي بكر نص على ذلك.

ثم قال رحمه الله:
وفيما دونها: في كل خمس شاة.
في كل خمس فيما دون الخمس والعشرين: شاة.
وهذا الحكم محل إجماع ودل عليه النص. فدل عليه النص والإجماع لأنه في حديث أبي بكر: (في كل خمس شاة).
ولو أن المؤلف بدأ بأنه: في كل خمس شاة قبل الخمس والعشرين لكان هو الموافق للترتيب التصاعدي.
• ثم قال رحمه الله:
وفي ست وثلاثين: بنت لبون.
بنت اللبون هي: التي تم لها سنتان.
وسميت بذلك لأنه في الغالب تكون الأم وضعت فهي ذات لبن فهي بنت ذات لبن.
إذا بلغت الإبل ستاً وثلاثين فإنها يجب أن نخرج زكاتها بنت لبون وهذا جاء نص في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
• ثم قال رحمه الله:
وفي ست وأربعين: حقة.
والحقة: ما تم لها ثلاث سنين وهو منصوص عليه أيضاً في حديث أبي بكر رضي الله عنه.
وسميت حقة: - إما لأنها استحقت ضرب الفحل.
- أو أنها استحقت أن يحمل عليها.
باعتبار أنها وصلت مرحلة من العمر تتحمل الأمرين.
• ثم قال رحمه الله:
وفي إحدى وستين: جذعة.
وهي ما تم لها أربع سنين. وهذا هو أعلى سن تجب فيه الزكاة. وهذا من رحمة الله وتخفيفه على الناس بينما نجد في الأضاحي أقل سن يجزئ هو الخمس كما سيأتينا.
بينما في الزكاة اختلف الأمر فصار أرفع سن تجب فيه الزكاة هو أربع سنوات.

ثم قال رحمه الله:
وفي ست وسبعين: بنتا لبون. وفي إحدى وتسعين: حقتان. فإذا زادت عن مائة وعشرين ((وَاحِدَةٌ)): فثلاث بنات لبون.
كل هذا نص في حديث أبي بكر:
- أنه في ست وسبعين بنتا لبون.
- وفي إحدى وتسعين حقتان.
- فإذا زادت عن مائة وعشرين واحدة فثلاث بنات لبون.
ففي مائة وإحدى وعشرين: ثلاث بنات لبون.
ثم يستقر الأمر في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.
وسنلقي الضوء في الجدول المرفق الذي استلمتموه عن كيفية توزيع الأنصباء.
لكن قبل ذلك نريد أن نذكر الأحكام التي تتعلق بالإخراج قبل دراسة المتن.


- جاء في حديث أبي بكر رضي الله عنه أن من لم يجد السن المطلوب ووجد أعلى منه فإنه يجوز لعامل الصدقة أن يأخذ الأعلى ويعطي صاحب البهائم شاتين.
أو العكس: إذا لم يجد إلا أقل فإن العامل يأخذ الأقل ويعطي صاحب الإبل العامل شاتين.
مثال ذلك: وجبت عليه بنت مخاض ولم يجد في إبله إلا بنت لبون. فماذا يصنع؟
نقول: أعط العامل بنت لبون وخذ منه شاتين.
العكس: وجبت عليه بنت لبون ولم يجد إلا بنت مخاض:
فنقول: أعط العامل بنت مخاض وأعطه معها شاتين.
وهذا القدر الذي ذكرته الآن منصوص عليه في حديث أبي بكر في الصحيح.
ــ مسألة: إذا لم يجد إلا أربفع بمرتبتين - يعني: وجب عليه بنت مخاض ولم يجد بنت لبون ولا بنت مخاض ووجد حقة:
فحينئذ نقول تعطيه الحقو وتأخذ أربع شياه.
هذا الحكم: أنك تأخذ أربعةشياه مقيس على ما ذكر في حديثص أبي بكر وليس من المنصوص عليه لكن قياسهم صحيح وهو قول الحنابلة وهو الراجح إن شاء الله.
فإذا لم نجد إلا أكثر: وجبت عليه بنت مخاض ولم يجد إلا جذعة فيأخذ ست. .. وهكذا.
إذاً عرفنا الآن أن من لم يجد إلا أقل أو أعلى فإنه يأخذ أو يدفع حسب الموجود.
ــ المسألة الثانية هذا العمل وهو أخذ شاتين أو دفع شاتين حسب الموجود يسمى: الجبران ولا يدخل إلا في الإبل فقط لأن النص لم يأتي إلا في الإبل.
أما ما عداها من بهائم الأنعام فلا يدخل فيها ما يسمى بالجبران.
نقف بعض الشيء مع الجدول .... ((ثم تكلم الشيخ حفظه الله عن الجدول وفصل فيه فيستحسن أخذها من التسجيل بمتابعة الجدول)).
ثم قال الشارح حفظه الله:
إذاً المسألة أصبحت مسألة حسابية بعد أن فهمت فقه المسألة. فيبقى الآن أن تعرف الحساب وهذا أمر يرجع لكل شخص ومعرفته بتحديد كم في العدد من أربعين وكم في العدد من خمسين. فلا نقف طويلاً مع الأمثلة بعد أن عرف الإنسان فقه الأنصباء وكيفية التعامل معه.

فصل
[في زكاة البقر]
ثم نرجع إلى المتن:
• قال رحمه الله:
(فصل)
يعني في بيان أحكام زكاة البقر.
• قال رحمه الله:
ويجب في ثلاثين من البقر.
وجوب الزكاة في البقر ثابت بالنص والإجماع.
- فالإجماع: أجمع أهل العلم رحمهم الله أن تجب الزكاة في البقر.


- أما النص: فما جاء في حديث أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أسمن ما كانت وأكمل ما كانت ثم تطأ عليه بأظلافها وتنطحه بقرونها) أو قال بأخفافها (ثم ترجع عليه كلما انتهت إلى أن يقضى بين العباد).
ففي هذا الحديث بيان أن الزكاة واجبة أن ترك الزكاة من كبائر الذنوب لأنه رتب على ترك الزكاة وعيد خاص يقع يوم القيامة.
وزكاة البقر لم تذكر في كتاب أبي بكر وإنما جاءت في حديث معاذ في السنن وهو حديث صحيح إن شاء الله بين فيه النبؤي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ وأبي موسى لما بعثهما إلى اليمن كيف يأخذون الزكاة من البقر.
وذكر أهل العلم رحمهم الله من شراح الأحاديث والفقهاء كلهم أن البقر لم تذكر في حديث أبي بكر لأن أهل الحجاز وأهل نجد قلما يتعاملون بالبقر فلما ذهب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وفيها البقر بين لهم - صلى الله عليه وسلم - كيفية أخذ الزكاة من البقر.

وكيفية أخذ الزكاة من البقر أسهل من الإبل بكثير:
• فيقول رحمه الله:
ويجب في ثلاثين من البقر. تبيع أو تبيعة.
التبيع والتبيعة: ما له سنة واحدة.
وسمي بهذا الاسم لأنه يتبع أمه في ذهابها ومجيئها.
فتبين أن ما دون الثلاثين من البقر لا زكاة فيه. وهذا باتفاق الأئمة الأربعة رحمهم الله. لأنه في حديث جابر نص على أنه: أمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيع أو تبيعه.
فدل على أن ما دون الثلاثين لا زكاة فيه.
وفي مسألة: البقر نستطيع أن نضع ضابط يسهل على الإنسان معرفة كيفية إخراج الزكاة بالنسبة للثلاثين.
فنقول: يجزئ الذكر في الثلاثين ومضاعفات الثلاثين.
ففي الثلاثين: تبيع.
وفي الستين: .....
وفي التسعين: .....
في كل مضاعفة للثلاثين يجزء الذكر.
ويجوز إذا قلنا يجزئ الذكر أنه تخرج تبيع أو تبيعة.
• كذلك نأتي إلى قوله رحمه الله:
وفي أربعين: مسنة.
المسنة ما لها: سنتان.
فالمسنة يجزئ في الأربعين مسنة. ثم نقول: مضاعفات الأربعين كذلك فيها مسنة.
فالثمانين كم فيها؟ ...... وهكذا.
إذاً تضيف أربعين وتضيف مع كل أربعين مسنة.


وفي قوله: في كل أربعين مسنة علمنا أنه لا يجزء المسن. وإنما في الأربعين لا بد من إخراج أنثى ولا يجزئ الذكر.
ــ مسألة: هل يجزئ في الأربعين تبيعان؟
اختلف الفقهاء في هذا:
= فمنهم من قال لا يجزئ في الأربعين تبيعان. لأنه في حديث معاذ نص النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأربعين فيها مسنة.
= والقول الثاني: أنته يجزئ تبيعان.
واستدل هؤلاء بأنه إذا كان يجزء التبيعان في الستين فمن باب أولى أن يجزئ في الأربعين.
وهذا القول هو الصواب. لأن الستين أكثر من الأربعين والنعمة في الستين أكبر منها في الأربعين فإذا أجزأ تبيعان في الستين فكذلك في الأربعين.
• ثم قال رحمه الله:
وفي ستين تبيعان.
وهذا يتفق مع القاعدة: أن الثلاثين ومضاعفاتها فيها ذكر.
فالثلاثين تبيع وبطبيعة الحال الستين فيها تبيعان.
• قال رحمه الله:
ثم في كل ثلاثين: تبيع، وفي كل أربعين: مسنة.
إذاً اتضح الأمر أنه في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة.
فالسبعين: فيها تبيع ومسنة.
مائة وعشرين: ثلاث مسنات أو أربعة أتبعه. فهو مخير بينهما.
وهكذا بعملية حسابية يستطيع الإنسان أن يعرف كيفية إخراج زكاة البقر بعد أن ذكرنا الأمثلة.
• ثم قال رحمه الله:
ويجزئ الذكر: هنا، وابن لبون مكان بنت مخاض، وإذا كان النصاب كله ذكوراً.
المؤلف رحمه الله يريد بهذه العبارة بيان متى يجوز أن نخرج الذكر في الزكاة سواء كان في الإبل أو في البقر أو في الغنم.
لا يجوز أن نخرج الذكر في الزكاة إلا في ثلاث مواضع:
- الموضع الأول: يقول: هنا. ويقصد بقوله هنا: التبيه. فإنه يجوز في الثلاثين أن نخرج تبيع.
- الموضع الثاني: ما تقدم معنا: أنه يجوز أن نخرج بدل بنت مخاض ابن لبون.
- الموضع الثالث والأخير: إذا كان النصاب كله ذكور.
فإذا كان الإنسان يملك أربعين من البقر كلها ثيران. فالأربعين الأصل أنه يجب أن يخرج مسنة لكن نقول الآن أن تخرج بدل الأنثى ذكر لأنه جميع القطيع ذكران أي ثيران.
الدليل على الجواز:
- أن الزكاة وجبت على سبيل المواساة والإنسان إنما يواسي الغير بما يجد.
= القول الثاني: أنه لا يجوز في الصورة الثالثة إخراج الذكر بل يجب أن نخرج الأنثى.


- لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نص في الأحاديث أحياناً على الذكر وأحياناً الأنثى ولا يجوز أن نخرج عما نص عليه الحديث بلا دليل شرعي.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أنه يجوز ابن لبون بدل بنت مخاض فقط وبين أنه يجوز التبيع مع التبيعة فقط ففيما عداه لا يجوز أن نخرج إلا الإناث تماشياً مع النص.
فنقول لصاحي الماشية يجب عليك وجوباً أن تشتري أنثى توافق النصاب المفروض وتخرج هذه الأنثى.
والأقرب والله أعلم. مذهب الحنابلة. لأن هذا الرجل لا يملك الآن إلا الذكور ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها وهو إنما أخرج الزكاة مواساة لإخوانه ولا يجب عليه أن يواسيهم بما لا يجد.
ولا شك أن الاحتياط أن يخرج أنثى في غير الصورتين وهو الأبر لذمته أن يخرج أنثى لكن لا أرى أنه يجب عليه وجوباً.
فيكوزن الراجح بهذه المسألة أنه يجوز أن نخرج الذكور إذا كان النصاب كله ذكور.
قال الشيخ حفظه الله: - قبل أن ننتقل إلى الغنم نلقي نظره على الجدول ......... ((ثم تكلم عن الجدول يحسن استماعه من التسجيل)).

فصل
[في زكاة الغنم]
• ثم قال رحمه الله:
(فصل) ويجب في أربعين من الغنم: شاة. وفي مائة وإحدى وعشرين: شاتان، وفي مائتين وواحدة: ثلاث شياه. ثم في كل مائة: شاة.
وجوب الزكاة في الغنم أيضاً محل إجماع.
ودل عليه النص والإجماع.
- أما الإجماع: فحكاه ابن المنذر وغيره ممن يعتنون بذكر الإجماعات.
- وأما النص فالغنم مذكورة في حديث أبي بكر الذي كتبه في كتابه الذي كتبه لأنس في البحرين وبين أنه أخذه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والفروض المذكورة في زكاة الغنم كما بينها المؤلف موجودة في نصها في حديث جابر.
فنأخذ الجدول لأنه يتوافق مع ما ذكره المؤلف رحمه الله .... ((ثم تكلم عن الجدول وبين وضرب أمثلة حفظه الله يحسن أخذها من التسجيل)).
ثم قال حفظه الله: (إذاً أنصبة البقر والغنم أسهل من أنصبة الإبل وأقل تفصيلاً .... ثم انتقل المؤلف إلى مسألة الخلطة.
• فقال رحمه الله:
والخُلطة تصير المالين كالواحد.
في الخلطة مسائل كثيرة:
ــ المسألة الأولى: أن الخلطة تؤثر في النصاب دون الحول.


ــ المسألة الثانية: الخلطة تؤثر في بهيمة الأنعام دون غيرها من الأموال الزكوية فلا تؤثر في الحبوب والثمار ولا في الذهب والفضة ولا في عروض التجارة ولا في غيرها من الأموال الزكوية. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن الخلطة تؤثر في بهيمة الأنعام ولا يوجد دليل على أنها تؤثر في غيرها فنبقى على أنها لا تؤثر إلا في بهيمة الأنعام.

ــ المسألة الثالثة:
الخلطة في اللغة: هي الشركة.
وفي الاصطلاح: تنقسم إلى قسمين:
- خلطة أعيان.
- وخلطة أوصاف.
ـ فخلطة الأعيان هي: أن يشترك اثنان فأكثر في بهيمة الأنعام بلا تميز بين ماليهما.
مثاله: أن يرث رجلان مائة من الإبل فهذه المائة هي ملك لهما على سبيل الشيوع - مشاعة بينهما - فليس لكل واحد منهما جزء محدد.
وكأن يشتريا.
ـ وخلطة الأوصاف: هي أن يجتمع المالان في أشياء معدودة - سيأتي ذكرها - مع تميز مال كل واحد من الشريكين.
مثاله: إذا ملك زيد خمسين من الإبل وعمرو خمسين من الإبل وصارت هذه الإبل تجتمع ويكون مجموعها مائة فتجتمع في المرعى وفي الأكل وفي غيرها مما سنذكره فهذه تعتبر خلطة أوصاف وليست خلطة أعيان.
ففي خلطة الأوصاف: هل يعرف كل واحد من الشريكين ماله وما عليه؟
نعم.
أما في خلطة الأعيان فالأمر مشاع لا يتحدد مالكل واحد منهما.
= ذهب الجماهير - كما هو مذهب الحنابلة -: إلى أن الخلطة تؤثر في الزكاة.
واستدلوا:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة).
فدل على أنهما إذا اجتمعا وجمعا المالين أو فرقاهما أثر.
- نمثل لمسألة لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع:
إذا ملك كل واحد من الشخصين عشرين من الشياه.
إذا استقل كل واحد منهما فهل نجب عليه الزكاة؟
وإذا اجتمعا؟ تجب.
إذاً هذا يتعلق بقوله: ولا يفرق بينهما خشية الصدقة.
- الجمع: إذا كان لزيد أربعبن وعمروا أربعين وخالد أربعين.
فلو اجتمعوا لوجب عليهم شاة واحدة ولو تفرقوا لوجب ثلاث شياه لكل واحد شاة فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجوز أن تجمعوا بين هذه الشياه بقصد الفرار من الزكاة.


=القول الثاني: أن الخلطة لا تؤثر في الزكاة لا زيادة ولا نقصاً بل كل واحد من الشريكين يزكي ماله بحسب مقداره.
واستدلوا على هذا الحكم:
- بالعمومات. كقوله: (في كل خمس شاة) (في كل ثلاثين في البقر (تبيع) فهذا الحديث عام يشمل ما إذا كانت الأنعام مجتمعة وما إذا كانت متفرقة.
والجواب عليه: كما تقدم معنا: أن الخاص مقدم على العام. وأن عموم أدلة القول الثاني تخصص بالأدلة الخاصة لأصحاب القول الأول وهم الجمهور.
والراجح: أن الخلطة تؤثر.
• يقول رحمه الله:
والخلطة تصير المالين كالواحد.
يعني: في الزكاة. من حيث المقدار وما يؤخذ منهما.
ــ مسألة: لا تؤثر الخلطة إلا إذا اشتركا في الشياه: - فمنهم من قال خمس. - ومنهم من قال سبع. - ومنهم من قال غير ذلك.
على المذهب هي خمسة أشياء:
- الأول: المراح. ويقصد بالمراح مكان المبيت.
- الثاني: الفحل. ويقصد بالفحل: أن لا يخصص فحل أحد المالين لضرب هذا المال فقط. بل يكون الفحل مشاع للجميع.
ولا يقصد الفقهاء بقولهم الفحل أنه يجب أن يكون فحل واحد لجميع الغنم مثلاً بل الشرط أن لا نخصص فحلاً معيناً لفئة من الأموال فنترك المجموعتين على سجيتها بدون أن نخصص فحلاً معينا لأحد المالين.
- الثالث: المسرح: وهو المكان الذي تجتمع فيه البهائم لتذهب إلى المرعى
- الرابع: الراعي.
- الخامس: مكان الحلب.
فيجب أنه يشترك المالان في هذه الخمسة أمور فإن لم يشتركا في جميع هذه الخمسة فلا يعتبر المال مخلوطاً وكل يخرج زكاته بحسب ماله.
وهذا عند الحنابلة.

= القول الثاني: أنه يرجع في معرفة الخلط وعدمه إلى العرف فإذا اعتبر العرف المال مختلطاً - البهائم مختلطه - اعتبرناها مختلطة وإلا فلا.
وإلى هذا ذهب ابن مفلح رحمه الله.
وهذا القول - الثاني - لا شك أنه هو الصواب. لأن القاعدة الشرعية تقول: (أنه إذا جاء لفظ في الشرع ولم يأت في الشرع له تحديداً فنرجع فيه إلى العرف).
والشارع لم يحدد معنى الخلطة.
والأحاديث التي فيها تحديد الفحل والمرعى والراعي ضعيفة. فنرجع إلى الأصل وهو أنه يعرف حد ذلك بالعرف.
فما اعتبره الناس جميعاً فهو جميع.


والغالب في الخلط: أن يكون بسبب اتحاد الراعي. فإذا كان يوجد في المدينة شخص يرعى الغنم ومعروف برعيه لها صار كل مجموعة من الناس يعطيه عدد من الغنم فتجتمع عند هذا الراعي من هذا خمس ومن هذا خمس إلى أن تجتمع عنده أعداد كبيرة فيأخذ حكم الخلطة ونقول أخرج الزكاة من مجموع ما لديك من الأغنام مثلاً مع العلم أنه قد يكون لكل واحد من الذي أعطوه شاة واحدة لكن أعطاه أربعين شخص أربعين شاة فوجبت فيه الزكاة شاة واحدة.
إذاً عرفنا الآن أن الخلطة تؤثر وعرفنا شروط تأثير الخلطة وعرفنا أن الصواب أنه يرجع في تحديد الخلطة إلى العرف الدارج بين الناس.
والراعي يخرج من أموالهم ثم يرجعون على بعضهم بالسوية.
فلو أن لشخص عشرين والآخر له عشرين وأخرجنا شاة من عشرين زيد فإن عمراً يعطي زيد نصف قيمة الشاة.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في آخر الحديث: (وما كان من الخليطان فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية).
يعني يرجع بالقيمة على من دفع.

باب زكاة الحبوب والثمار
بعد أن أنهى رحمه الله الكلام عن زكاة بهيمة الانعام انتقل إلى باب زكاة الحبوب والثمار وهي ثابتة في الكتاب والسنة والإجماع.
- أما الكتاب فآيات كثيره منها قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) قال ابن عباس: حقه الزكاة.
- وأما الإجماع فحكاه غير واحد من أهل العلم وهو إجماع في الجملة لأنه سيأتينا الإختلاف في الحبوب والثمار التي تجب فيها والتي لا تجب فيها.
فالإجماع يقصد به في الجملة فتجب الزكاة في الحبوب والثمار.
- وأما السنة فأحاديث مستفيضة كثيرة سيأتينا أفرادها أثناء بحث الباب.
• قال رحمه الله:
تجب: في الحبوب كلها ولو لم تكن قوتاً، وفي كل ثمر يكال ويدخر: كتمر وزبيب.
يريد المؤلف رحمه الله في هذه العبارة أن يبين الضابط الذي تجب فيه الزكاة في الحبوب والثمار فيقول:
في الحبوب كل وفي كل ثمر يكال ويدخر.
= ذهب الحنابلة إلى أنه كل ما يكال ويدخر من الحبوب والثمار تجب فيه الزكاة ولذلك قال: في الحبوب كلها. بناء على أن الحبوب كلها مما يكال ويدخر.
فالحنابلة يرون: أن كل حب أو ثمر يكال ويدخر فإنه تجب فيه الزكاة.
واستدلوا على هذا:


- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة.
وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الاوق فدل على أن ما لا يكال لا تتعلق به الزكاة.
فهذا دليل الكيل.
وأما دليل الادخار فقالوا:
- أن النعمة تتم وتكمل في الادخار يعني فيما يدخر دون ما لا يدخر فلا تجب فيه الزكاة.
فيشترط في الحبوب والثمار لكي تجب فيها الزكاة أن تجمع بين وصفين: - الادخار. - والكيل. وهذا مذهب الحنابلة.

= القول الثاني: أنه تجب الزكاة في كل ما يخرج من الارض. وهذا مذهب داود الظاهري وهو الذي تبناه الأحناف.
واستدلوا:
- بقوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده). فإن الآية عامة لم تستثن شيئاً.
= والقول الثالث: أن الزكاة تجب في كل ما يقتات ويدخر.
ونستطيع أن نقول أن هذا مذهب الجمهور لأنه مذهب المالكية والشافعية.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنه لا زكاة في القثاء والبطيخ. وقالوا: سبب ذلك أنها ليست مما يقتات فليست قوتاً.
وأما الادخار ف:
- لأن النعمة إنما تعظم بما يدخر دون غيره - يعني: قريب مما استدل به الحنابلة.
= والقول الأخير: الذي مال إليه شيخ الاسلام أن الضابط: الادخار فقط.
- لأنه هو المعنى الذي يناسب أن يربط به وجوب الزكاة دون غيره.
والصواب: مع الحنابلة. ما يكال ويدخر. فكل حب أو ثمر يكال أو يدخر فإنه تجب فيه الزكاة.
بناء على هذا لا تجب الزكاة في جميع الخضراوات والفواكه. لأنها لا تكال ولا تدخر.
ونذكر قول الظاهرية والذي تبناه ابن حزم: وهو أنه لا تجب الزكاة إلا في أربعة أشياء: البر والشعير والزبيب والتمر.
فهذا مذهب الظاهرية وذهب إليه أيضاً بعض المحققين مثل أبو عبيد وأيضاً ذهب إليه بعض السلف من التابعين.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أرسل معاذ إلى اليمن أمره أن لا يأخذ الزكاة إلا من هذه الأربعة.
وحديث معاذ هذا الذي فيه الأمر بخذ الزكاة من أربعة أصناف فقط فيه خلاف في تصحيحه وتضعيفه. فممن ضعفه الإمام الدارقطني والترمذي. وومن صححه الإمام البيهقي فقد رأى أن إسناده حسن.


وأنا عندي توقف في هذا الحديث ففي تصحيحه وتضعيفه إشكال فإن له شواهد ممكن أن تقويه وفي المقابل متنه غريب وفي اسناده ارسال ومما يزيد الاشكال أن الذين تكلموا فيه المتقدمون. وكما تلاحظ الخلاف بين البيهقي وهو من المتقدمين والدارقطني.
فأوجد هذا نوع إشكال ففي تصحيحه وتضعيفه فيه نوع توقف عندي لكن مع ذلك أقول أن مذهب الحنابلة هو الصواب لأن في حديث الاوساق الإشارة الواضحة إلى مسألة الكيل.
وحديث معاذ إن صح يحمل على أنه لا يوجد في ذلك الوقت في اليمن مما تأخذ منه الزكاة إلا هذه الأربع أصناف .. (((الأذان))).
انتهى الدرس


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لما بين المؤلف الانواع التي تجب فيها الزكاة من الحبوب والثمار انتقل بعد ذلك إلى بيان شروط وجوب الزكاة في الحبوب والثمار.
- فالشرط الأول: أن يبلغ النصاب. وعبر عن هذا بـ:
• قوله - رحمه الله -:
ويعتبر: بلوغ نصاب قدره ألف وستمائة رطل عراقي.
اشتراط بلوغ النصاب مما لا خلاف فيه بين أهل العلم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليس فيما دون خمس أوسق صدقة).
فنص على أن الصدقة لا تجب إلا إذا بلغ خمسة أوسق.
والخمسة أوسق تساوي بميزاننا الحديث ستمائة واثنا عشر كيلو.
فإذا ملك الانسان هذا المقدار وجبت عليه الزكاة.
وتحديده بستمائة واثنا عشر كيلو مما اختلف فيه المعاصرون ولكن نختار هذا التقدير لكون شيخنا - رحمه الله - صنعه بيده. فقام بقياس المقدار بيده - رحمه الله -.
والاختلاف بينهم أمره يسير.
فيكون النعتبر والمعتمد إن شاء الله هذا الرقم: 612 كيلو.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض: في تكميل النصاب.
أي إذا وجدت ثمرة واحدة لها أنواع فإن هذه الأنواع يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب ولا يعتبر كل نوع على حدة.


فمثلاً: إذا قلنا تجب الزكاة في العنب. فإن العنب منه الأحمر ومنه الأبيض ومنه الطائفي ومنه البلدي وله أنواع معروفة فجمع هذه الانواع تضم بعضها إلى بعض فيما لو كانت مزرعة الإنسان تحتوي على جميع هذه الانواع فإذا بلغت النصاب المعتبر وجبت فيها الزكاة.
إذاً: الأنواع المختلفة لجنس واحد يضم بعضها إلى بعض.
ثم أراد المؤلف - رحمه الله - أن يبين حكم الجنس بعد أن بين حكم النوع.
وقبل ذلك نشير إلى أن قوله: (وتضم ثمرة العام الواحد) فالذي يضم ثمرة عام واحد أما ثمرة الأعوام المختلفة فلا يضم بعضها إلى بعض لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث السعاة في كل سنة مرة واحدة.
فإذاً لا نضم بعضها إلى بعض فلو فرضنا أن الثمرة بقيت في بعض الشجر إذا أمكن ذلك إلى أن طلع الثمر من السنة القادمة فإنه لا يضم ثمر هذه السنة إلى ثمر السنة القادمة.
• ثم قال - رحمه الله -:
لا جنس إلى آخر.
يعني: لا يضم جنس من الحبوب أو الثمار إلى آخر.
فلا يجوز أن نضم البر إلى الشعير.
ولا التمر إلى العنب.
لأن هذه أجناس مختلفة لا يكمل نصاب بعضها من بعض لاختلاف الجنس وإنما يضم إلى بعضها إلى بعض إذا كانت أنواع مختلفة لجنس واحد.
• ثم قال - رحمه الله -: - مبيناً الشرط الثاني:
ويعتبر أن يكون النصاب: مملوكاً له وقت وجوب الزكاة.
- الشرط الثاني: أن يكون المال الزكوي من الحبوب والثمار مملوكاً للإنسان وقت وجوب الزكاة.
وسينص المؤلف - رحمه الله - في الفصل اللاحق على وقت وجوب الزكاة. ووقت وجوب الزكاة هو: صلاح الثمر واشتداد الحب.
فبالنسبة للثمر: أن يصلح: بأن يحر أو يصفر.
وبالنسبة للحب: أنه يشتد.
فإذا وصلت الحبوب أو الثمار إلى هذه المرحلة فقد بلغت وقت الوجوب.
فمن شروط وجوب الزكاة: أن يكون المال مملوك للإنسان وقت الوجوب.
- فإذا باع المزارع الثمرة قبل بدو الصلاح - وجوب الزكاة - فالزكاة على المشتري. لأن المشتري هو الذي سيصادف وقت وجوب الزكاة.
- وإذا باع الإنسان ثمرة بستاه بعد بدو الصلاح فالمشتري لا زكاة عليه وتكون الزكاة على البائع. فيجب أن يخرج زكاة هذه الثمرة التي باعها.


ولما قرر المؤلف - رحمه الله - هذا الشرط: أنه لا تجب الزكاة إلا على من ملك النصاب وقت وجوب الزكاة وعرفت الآن متى يكون وقت وجوب الزكاة - انتقل إلى التفريع على هذا الشرط:

فقال - رحمه الله -:
فلا تجب فيما: يكتسبه اللقاط.
اللقاط: هو الذي يتتبع المزارع ليأخذ ما سقط منه سوار من الحب أو من الثمر.
فلو فرضنا أن هذا اللقاط أخذ من الأرض ما يبغ نصاباً فلا زكاة عليه لأن الشرط لم يتحقق في حقه فإنه ملك هذه الثمار والزروع بعد وقت الوجوب. ونحن عرفنا أنه إذا ملك الإنسان الحبوب والثمار بعد وقت الوجوب فإن الزكاة لا تجب عليه.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو يأخذه بحصاده.
يعني: ولا تجب الزكاة على من أخذ الزرع بحصاده.
وصورة هذا: أن يقول شخص لآخر: قم بحصاد الزرع ولك ثلث ما نتج.
فإذا حصده وأخذ الثلث وبلغ الثلث نصاباً فإنه لا زكاة عليه لأنه ملكه بعد وقت الوجوب وهو: اشتداد الحب ز
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا فيما: يجتنيه من المباح كالبطم والزَعْبَل وبزر قطونا، ولو نبت في أرضه.
هذه الأشياء مباحه. ومعنى أنها مباحه: أي أنها لا تملك إلا بعد الأخذ وهب قبل الأخذ ملك لجميع المسلمين.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الناس شركاء في ثلاث: الماء والنار والكلأ).
فالكلأ ونحوه مما ينبت بغير فعل الآدمي لا يملك إلا بالأخذ فقبل الأخذ هو مباح لجميع المسلمين.
فإذا أخذ الإنسان من هذه الأشياء المباحة ما يبلغ نصاباً فإنه لا زكاة عليه.
والتعليل: أن هذه الأشياء لا تملك إلا بالأخذ. فإذاً هي وقت الوجوب لم تكن مملوكه لهذا الشخص.
ويستثنى من هذا: - إذا سقط في أرض الإنسان بذر مما اعتاد الآدمي على وضعه في الأرض فإنه تجب عليه الزكاة ولو سقط بغير قصد منه.
فلو أن شخصاً وقع أو سقط في أرضه المملوكة له بذر وأنبتت الأرض قمحاً ولم يكن وقوع هذا البذر بقصد منه وإنما بغير قصد منه فيجب عليه مع ذلك أن يزكي هذا الذي نبت في أرضه لأن هذا مما يملك وليس من الكلأ الذي يباح لجميبع الناس.
إذاً: هذه المسائل الثلاث مفرعة على الشرط الثاني: ما يأخذه اللقاط وما يأخذه بحصاده وما يجتنيه من المباح.

فصل
[في قدر الواجب في الحبوب والثمار]


• ثم قال - رحمه الله -:
(فصل)
المؤلف - رحمه الله - يريد أن يبين في هذا الفصل القدر الواجب ويريد أن يبين متى يكون وقت الوجوب وسيبين جملة من المسائل المهمة جداً والتي تتعلق بالحبوب والثمار.
• قال - رحمه الله -:
يجب: عُشر فيما سُقي بلا مؤونة.
كلمة مؤنة هنا في هذه النسخة (نسخة الهبدان) يبدو أنها خطأ من الطابع أو شيء من هذا .. المهم أن النون عليها ضمة والصواب فتحة.
وأيضاً تضاف بعد الواو المهموزة واواً أخرى.
العشر هو: الواحد من عشرة.
فيجب في الزرع والثمر الذي سقي بغير بمؤونة العشر: بالإجماع.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فيما سقت السماء أو العيون أو كان عثرياً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر).
وهذا الحديث في البخاري ومسلم ولا إشكال في صحته.
إذاً إذا كان الزرع سقي بالسماء - يعني بالمطر - أو من خلال العيون التي تخرج من غير فعل آدمي أو كان عثرياً وهو الماء الذي يتجمع في البرك من غير فعل الإنسان ففي كل هذه الأحوال التي نص عليها الحديث يجب على المزارع أن يخرج العشر لأنه سقي بلا مؤونة.
وهذه الأشياء المذكورة في الحديث ذكرت على سبيل التمثيل.
فكل زرع سقي بلا مؤونة ففيه العشر.
ـ مسألة: كل عمل يقوم به المزارع مرة واحدة في السنة ثم لا يعود إليه إلا من السنة القادمة فإن الزرع يعتبر سقي به بلا مؤونة.
مثاله: إذا قام المزارع بشق حفرة ليأتي الماء من النهر إلى المزرعة مرة واحدة في أول السنة ثم صار الماء يأتي من النهر إلى المزرعة بلا عمل من المزارع فهذا يعتبرربلا مؤونة لأنه عمل في السنة مرة واحدة.
مثال آخر: إذا قام المزارع بتركيب الدولاب الذي يخرج الماء من النهر إلى المزرعة مرة واحدة والذي يدير الماء هو النهر لا الحيوانات فإنه يركبه في السنة مرة واحدة ثم لا يعود إليه فهذا يعتبر بلا مؤونة.
هذه الأشياء التي ذكرت في الحديث والتي ذكرتها الآن مما مثل به الفقهاء فكلها أمثلة. والقاعدة: أن ما سقي بلا مؤونة فيه العشر.
• ثم قال - رحمه الله -:
ونصفه معها.
يعني ويجب نصف العشر في الزرع الذي سقي بمؤونة.
- للحديث السابق وللإجماع.


ـ مسألة: توضح المقام: كل ما احتاج المزارع لإخراجه من الأرض وإيصاله للزرع إلى آله فهو بمؤونه.
والمقصود بقول الفقهاء هنا: (آله) يعني تدار من قبل الآدمي. أي بصنع وعمل الآدمي.
فإذا وضع آلة تدار بالحيوانات أو بالكهرباء أو بغيره من الوقود الذي تدار به الآلات فإنه يعتبر بمؤونة.
أما الآلة التي تدور بمرور الماء في النهر فهذه بغير صنع الآدمي وإنما بمجرد جريان النهر.
بناء على هذا: ما يوجد من آلات حديثة يخرج الماء عن طريقه في وقتنا المعاصر - كالدينموات والمكائن - فكل هذا يعتبر بمؤونة. لأن المزارع احتاج في إخراج الماء إلى الزرع إلى آله وهذه الآلة تدار من قبل الإنسان.
عرفنا الضابط فيما سقي بمؤونة وعرفنا الحكم وهو: وجوب نصف العشر.
• ثم قال - رحمه الله -
وثلاثة أرباعه بهما.
يعني إذا سقي بمؤونة النصف وسقي بلا مؤونة النصف الآخر فإنه يجب فيه ثلاثة أرباع بإجماع الفقهاء.
- لأن هذا مقتضى العدل.
فإذا سقي ستة أشهر بمؤونة وسقي ستة أشهر أخرى بلا مؤونة فإن فيه ثلاثة أرباع إذا افترضنا أن النبتة بقيت هذا المقدار: اثنا عشر شهراً فإذا كانت عادة تبقى ستة أشهر فإذا سقيت ثلاثة بمؤونة وثلاثة بلا مؤونة ففيها كما قال المؤلف: ثلاثة أرباع.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن تفاوتا: فبأكثرهما.
يعني إذا تفاوت السقي بين أن يكون تارة بمؤونة وتارة بلا مؤونة فـ:
= عند الحنابلة يعتبر بأكثرهما. والمقصود بالأكثرية هنا: الأكثر نفعاً ونمواً لا عدداً ووقتاً. وهذا مهم في فهم مذهب الحنابلة.
فإذا افترضنا أن المزارع سقى الشجرة لمدة شهر بلا مؤونة وسقاها لمدة عشرين يوماً بمؤونة والذي أثر في نضج الثمرة ونموها السقي الأخرين لمدة عشرين يوماً ففيه النصف لأن السقي الذي أثر هو الذي بمؤونة.
الدليل:
- قالوا: أن اعتبار كل سقيه ومعرفة مقدار كل سقيه أمر يشق فنرجع إلى الأكثر كما في السوم - في البهائم السائمة فإن في السائمة اعتبرنا الأكثر فكذلك هنا.
= القول الثاني: أنه إذا تفاوت السقي بمؤونة وبغير مؤونة يؤخذ بالقسط منهما.
لأنا إذا اعتبرنا القسط في النصف فكذلك فيما دون النصف أو أكثر من النصف.


يعني: أصحاب هذا القول يقولون: - عند جميع العلماء: إذا سقي النصف والنصف ففيه ثلاثة أرباع فإذا كنتم تعتبرون النصف حداً طبيعياً فكذلك إذا تفاوت فكان أكثر من النصف وأقل من النصف فكذلك يجب أن نراعي الحساب بحسب السقي. فنعتبر هذا الأمر بالنسبة فالأكثر هو المعتبر.
وهذا القول الثاني هو: مقتضى العدل.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومع الجهل العشر.
يعني إذا قال المزارع أنا لا أدري أيهما أكثر السقي بمؤونة أو بغير مؤونة ولا أعرف مقدار كل منهما فنقول الواجب عليك حينئذ العشر.
لدليلين:
- أولاً: ليخرج من العهدة بيقين.
- ثانياً: لأن الأصل في الحبوب والثمار وجوب العشر وإنما خفف إلى النصف إذا كان يسقى بالمؤونة. فنرجع إلى الأصل.
إذاً إذا قال المزارع أنه يجهل: نقول: الواجب عليك العشر.
ولو قيل في هذه المسألة أن المزارع يقدر ويحتاط لكان له وجه قوي جداً.
فنقول: قدر واحتط في هذا التقدير ثم زك بحسب النسبة.
فإذا قال: أنا لا أدري الزرع بقي لمدة ستة أشهر ولا أدري كم سقي بمؤونة وبغير مؤونة؟
نقول: هل تجزم بشهرين؟
فإذا قال: لا.
نقول: شهر ونصف.
إذا قال لا أجزم.
إذا قلنا فشهر؟
فقال: الشهر قطعاً. أنه مر عليه شهر سقي بمؤونة.
فنقول: اعتبر هذا الذي تجزم به واخصم من الزكاة بمقداره.
أما على المذهب فإنه بمجرد ما يجهل نسبة كل منهما فيجب عليه مباشرة أن يخرج العشر.
ثم انتقل المؤلف إلى بيان وقت الوجوب:
• فقال - رحمه الله -:
وإذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمر: وجبت الزكاة.
= ذهب الجماهير إلى هذا الضابط. أنه إذا اشتد الحب وبدا الصلاح فقد حصل وقت الوجوب.
واستدلوا على هذا:
- بأنه حينئذ يقصد بالأكل والاقتيات.
فإذاً وقت الوجوب هو اشتداد الحب وبدو الصلاح.
وبدو الصلاح يعني: أن تحمر أو تصفر الثمرة إذا كانت مما يحمر أون يصفر.
ويأتي معنا ما تقدم من المسائل المهمة التي كثير من الناس يضطرب فيها فيقول من يخرج الزكاة. هل الذي يشتري المزرعة يخرج الزكاة أو مالك المزرعة يخرج الزكاة؟
وقد عرفنا من هو الذي يخرج الزكاة؟
وهو: الذي تكون الثمرة مملوكة له وقت الوجوب سواء كان البائع أو المشتري.


فأي إنسان يملك الثمرة أو الزرع وقت الوجوب فهو الذي مخاطب بوجوب إخراج الزكاة. وغالباً سيكون: المالك - البائع - لأنه لا يجوز أصلاً بيع الثمر قبل بدو الصلاح.
فدائماً سيكون من يجب عليه الزكاة هو: المالك - البائع. لأنه أصلاً لا يجوز له أن يبيع إلا بعد الصلاح.
إذاً: لو قيل: هل لهذه المسألة فائدة؟
نقول: نعم لها فائدة لأنه يوجد صور فيها خلاف لكن أجاز بعض أهل العلم شراء الثمر فيها قبل بدو الصلاح.
من أمثلة هذه الصورة: أن يشتري الإنسان الثمر قبل بدو الصلاح بشرط القطع ثم يبقيها من غير حيلة.
فلو جاء إنسان ليشتري ثمر النخيل لهذا العام قبل بدو الصلاح نقول له: لا يجوز أن تشتري قبل بدو الصلاح.
فإذا قال: سأشتري ثم أقطع مباشرة ولن أنتظر النضج لأني سأستعمل هذه الثمار لإعلاف الدواب.
نقول: إذا كان ستقطع مباشرة فيجوز أن تشتري قبل بدو الصلاح.
ثم لما اشترى بدا له أن يترك الثمرة - من غير حيلة بحيث يكون نوى من الأصل فحينئذ يجوز له أن يشتري وأن يبقي الثمرة ويكون الزكاة على امشتري في هذه الصورة.
فالمهم نقول: من ملك هذه الحبوب والثمار وقت وجوب الزكاة فهو الذي يجب عليه أن يخرج الزكاة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا يستقر الوجوب: إلاّ بجعلها في البيدر، فإن تلفت قبله بغير تعد منه: سقطت.
البيدر هو: اسم للمكان الذي تجمع فيه الثمار ليتم نضجها ويبسها.
فالمؤلف - رحمه الله - يقول: لا يستقر الوجوب إلا بجعلها بالبيدر.
يعني: إذا خرصنا الثمر على رؤس النخل وعرفنا مقدار الزكاة فيه ثم قبل أن تحصل هذه الثمرة وتجعل في مكان جاف تحت الشمس لتيبس فقبل ذلك أصابتها جائحة فإنه لا يجب على مالك الثمرة الزكاة.
= وهذا مذهب الجمهور.
واستدلوا على ذلك:
- بأن هذه الثمرة قبل التحصيل ليست في يده ولا تحت تصرفه ولو أصابتها جائحة بعد البيع لرجع البائع على المشتري فإذا تلفت لم تجب فيها الزكاة.
لكن اشترط المؤلف - رحمه الله - كما تلاحظ في المتن شرطاً: أن يكون ذلك بغير تعد منه:
• فقد قال - رحمه الله -:
فإن تلفت قبله بغير تعد منه سقطت.
إذا تلفت بغير تعد من المزارع قبل أن يجعلها في البيدر سقطت.
أما إذا تلفت بتعد منه فإنها لا تسقط.


مثال التعدي: أن يتساهل المزارع قبل جني الثمرة ويرش هذه الثمرة بالسم القاتل للحشرات المضرة ولكن يتساهل ويفرط ويكثر من الرش ولا يراعي الطريقة الصحيحة للرش فيؤدي ذلك إلى فساد الثمر. فعلى المذهب يجب على المزارع أن يضمن الزكاة لأنها فسدت بتفريط منه.
وعرفنا بهذه للمؤلف: أن الثمرة من حيث التعدي والتفريط ووجوب الزكاة لها ثلاثة أنواع:
- النوع الأول: أن تفسد قبل وجوب الزكاة: يعني: قبل بدو الصلاح: فحينئذ: لا تجب الزكاة ولو فسدت بتعدي وتفريط المزارع. لأن الزكاة لم تجب في ذمته أصلاً قبل وقت الوجوب.
- النوع الثاني: الذي ذكره المؤلف عندنا هنا: أن تتلف بعد وجوب الزكاة وقبل جني الثمرة: فإن فرط ضمن وإن لم يفرط لم يضمن.
- النوع الثالث: أن تتلف الثمرة بعد جنيها ووضعها في البيدر: فحينئذ يجب على المالك أن يضمن الزكاة ولو كان التلف بغير تفريط ولا تعدي.
إذاً هذه ثلاثة أنواع مهمة جداً للمزارعين: متى يجب عليه أن يضمن. - ومتى يجب أن يضمن؟.
بالنسبة للنوع الأول وهو:
إذا تلفت قبل وجوب الزكاة لا إشكال أنه لا يضمن لأنها لم تجب أصلاً سواء كانت بتعدي أو تفريط أو بغير تعدي أو تفريط.
وبالنسبة للنوع الثاني والثالث:
= القول الثاني: أن المزارع لا يضمن مطلقاً في أي مرحلة من مراحل الثمرة إلا بالتعدي والتفريط.
- تعليل ذلك: أن يد المزارع على الثمرة يد أمانة والقاعدة تقول: ((أن يد الأمانة لا تضمن إلا بتعدي أو تفريط)).
وهذا القول الثاني هو الصواب إن شاء الله.
ـ مسألة: - تبين ثمرة الخلاف - إذا خذ الإنسان التمر ووضعه في الجريد أو في البيدر لينضج أن ليتم نضجه ويبسه واحترق بغير تفريط ولا تعدي منه: فما الحكم؟
= عند الحنابلة: يضمن. لأنه بعد جني الثمرة.
= وعلى القول الصواب: لا يضمن.
إذا تلفت الثمرة بعد وقت الوجوب وقبل الجني بغير تعد ولا تفريط فعلى القولين لا يضمن لا عند الحنابلة ولا عند أحاب القول الثاني.
إذا تلفت الثمرة قبل وجوبها بتعد وتفريط: لا يضمن.
إذا تلفت قبل جنيها بتعد وتفريط: يضمن عند الجميع.
وإذا تلفت بعد جنيها بتعد وتفريط: يضمن.
إذاً يضمن دائماً بتعد وتفريط إلا إذا كان ذلك قبل الوجوب.

ثم قال - رحمه الله -


ويجب: العشر على مستأجر الأرض.
يعني: أن الذي يجب عليه إخراج الزكاة هو: المستأجر لا مالك الأرض. لأن المستأجر الذي زرع هو المالك الحقيق للثمرة لا صاحب الأرض.
يدل على هذا: أن من استأجر حانوتاً فإن وجوب زكاة التجارة عليه على مؤجر الحانوت فكذلك من أجر أرضاً لمن يزرعها فالزكاة على الزارع لا على مالك الأرض.
ثم انتقل المؤلف رحمه الله للكلام عن العسل:
• فقال - رحمه الله -:
وإذا أخذ من ملكه أو مواته من العسل مائة وستين رطلاً عراقياً ففيه: عشره.
بين المؤلف - رحمه الله - في هذه العبارة مسألتين:
ـ المسألة الأولى: النصاب وهي مائة وستين رطلاً.
الدليل على هذا التقدير:
- أنه روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قدر نصاب العسل بهذا المقدار وهو يساوي: بالكيلوات المعاصرة 62كيلو تقريباً.
= القول الثاني: لأبي حنيفة أن الزكاة تجب في العسل في قليله وكثيره.
- لعموم قوله تعالى: - (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ .. ) -[البقرة/267]. فإنه يعتبر العسل من جنس الخارج من الأرض فتجب عنده في القليل والكثير.
والصواب. أنها لا تجب إلا إذا بلغت هذا المقدار لوروده عن عمر - رضي الله عنه -.
ـ المسألة الثانية: عند قوله: (ففيه عشره) يعني: أن الزكاة تجب في العسل وإلى هذا ذهب الإمام أحمد - رحمه الله -. وهو مذهب الحنابلة والمذهب الشخصي للإمام أحمد.
استدلوا على هذا بأمرين:
- أولاً: أحاديث مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوجب الزكاة في العسل على بعض أهل اليمن. ولا يصح في وجوب زكاة العسل حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مطلقاً. فجميع الأحاديث المرفوعة التي تفيد وجوب زكاة العسل ضعيفة.
- ثانياً: أنه صح عن عمر - رضي الله عنه - أنه أمر رجلاً من أهل اليمن أن يخرج زكاة العسل الذي يملك نحله ومقابل ذلك يقوم عمر - رضي الله عنه - بمنحه مساحة من الأرض لنحله ويحميها له فقال: نحمي لك وتخرج الزكاة.
= القول الثاني: أنه لا تجب الزكاة في العسل.
- لأن الأصل براءة الذمة وحرمة مال المسلم.
- ولأنه لم يثبت في حديث صحيح وجوب الزكاة في العسل.
والقول الثاني هو الصواب.


والقول الأول يتعين فيه الاحتياط لأنه مروي عن عمر - رضي الله عنه - ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه خالفه أو اعترض عليه.
فينبغي لمن ملك عسلاً أن يحتاط ويخرج العشر من القيمة أو من نفس العسل.
وكما قلت الاحتياط في هذا في الحقيقة متعين - نقول الاحتياط متعين لا الزكاة ..
• ثم قال - رحمه الله -:
والركاز: ما وجد من دفن الجاهلية.
الركاز عرفه المؤلف. فهو ما يوجد من دفن الجاهلية.
يعني: ما يجده الإنسان مدفوناً عليه من العلامات ما يدل أنه دفن في العهد الجاهلي.
فتبين من هذا أنه إذا وجد مدفوناً عليه من العلامات ما يدل أنه دفن في عهد المسلمين فليس من الركاز. وهو كذلك ويعتبر من اللقطة.
ثم بين المؤلف - رحمه الله - حكمه:
• فقال - رحمه الله -:
فيه الخمس في قليله وكثيره.
الركاز: تميز بأحكام يختص يها لا يشترك معه غيره من الأموال الزكويه:
- منها: أن الزكاة تجب في قليله وكثيره.
- ومنها: أنه لايشترط له حول وأنه - كما قلنا لا يشترط له نصاب.
- ومنها: أن مصرفه في مصالح المسلمين لا كما في الزكاة في الأصناف الثمانية التي ستأتينا.
إذاً اختلف عن غيره من الأموال الزكوية بهذه الثلاثة أمور.
الدليل على هذا:
- قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وفي الركاز الخمس).
وقوله: الخمس.
قال الحنابلة: المقصود بالخمس هنا ال في الخمس للعهد الذهني يعني: الخمس المذكور في كتاب الله (لله ولرسوله) يعني بعبارة أخرى: الخمس الذي يجب في الفيء وهو يصرف في مصالح المسلمين العامة.
فإذا أخرج الخمس من الرماز مهما كانت قيمة هذا الركاز فإن الباقي له قد ملكه إياه الشارع مهما كان نوع الموجود فما دام له قيمة وثمن سواء كان من الذهب أو الفضة أو من غيرهما.
فإذا وجد معدناً نفيساً ففيه الخمس ولو لم يكن من الذهب والفضة.

باب زكاة النقدين.
• ثم قال - رحمه الله -:
باب زكاة النقدين. يجب في الذهب: إذا بلغ عشرين مثقالاً .. الخ.
الذهب تجب في الزكاة بالإجماع فلم يخالف في هذا أحد من أهل العلم ولله الحمد.
وقد دل على وجوبه: الكتاب والسنة.
- أما من الكتاب: فقوله تعالى: - (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) -[التوبة/34].


ومن المعلوم أن البشارة بالعذاب الأليم لا تكون إلا على ترك واجب بل على ترك فريضة.
- ومن السنة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ثم أحمي عليها في نار جهنم ثم كوي بها جنبه وجبينه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس). ولا يخفى مقدار المبالغة في العذاب المذكور في هذا الحديث فإنه ذكر أنها تصفح صفائح من نار ومع هذا يحمى عليها في نار جهنم ومع هذا يبقى يكوى عليها لمدة طويلة وهي خمسين ألف سنة ومع هذا يكوى في أكثر من موضع ومع هذا يكوى في أماكن يشتد فيها الألم وهو الجنب والظهر والجبين ومع هذا يكوى في موقع فيه إهانة وتوبيخ وهو الجبين.
فلاحظ كيف شدد في العذاب على تارك الزكاة ولهذا اتفقوا على أن تارك الزكاة مرتكب كبيرة.
• قال - رحمه الله -:
يجب في الذهب: إذا بلغ عشرين مثقالاً: ربع العشر.
مع اتفاق العلماء على وجوب الزكاة في الذهب إلا أنه ليس في السنة حديث صحيح يدل على نصاب الذهب وهذا من الغرائب ومن حكمة الله.
إذاً: ما هو الدليل؟ الدليل: ذكروا أشياء:
- الأول: الإجماع فإن أهل العلم أجمعوا على أن نصاب الذهب عشرين دينار إلا واحد من السلف خالف وهو الحسن البصري فقال: النصاب أربعين مثقالاً.
إذاً الدليل الأول الإجماع إلا ما يذكرلا عن الحسن.

- الثاني: روي في الباب أحاديث عن عائشة رضي الله عنها وعن علي - رضي الله عنه - ولكنها ضعيفة.
- الثالث: فيه آثار عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فلا إشكال إن شاء الله في أن النصاب هو عشرون مثقالاً.
ـ مسألة - مهمة جداً -: هل نصاب الذهب يعتبر نصابا مستقلا أو يعتبر بالفضة؟
أي: إذا وجدنا عشرين دينار قيمتها أقل من مائتي درهم فهل تجب فيها الزكاة؟
وأيضاً: إذا وجدنا أقل من عشرين دينار لكن قيمتها مائتي درهم فهل تجب فيها الزكاة؟
هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على قولين:
= القول الأول: أن الذهب له نصاب مستقل لا يعتبر ولا يرتبط بالفضة فيجب لكي نخرج زكاة الذهب أن يبغ عشرين مثقالاً برأسه.


= القول الثاني: أن نصاب الذهب معتبر بالفضة. ففي الحقيقة نصاب الذهب هو ما يبلغ قيمته مائتي درهم سواء كان أقل أو أكثر من عشرين ديناراً.
واستدل هؤلاء:
- بأن الله ورسوله أوجبا في الذهب ومع ذلك لم يأت عنهم ما يدل على النصاب فدل على أنهم أرادوا ربطها بالفضة وأنه يعتبر نصاب الذهب بنصاب الفضة.
وإلى هذا القول - الثاني - ذهب عدد من السلف.
وأنا أرى أنه هو القول الراجح وأن نصاب الذهب يعتبر بالفضة وأنه لهذا المعنى لم يأت في السنة ما يدل على نصاب الذهب ليرتبط بالفضة.
أضف إلى هذا أن ربط الذهب بالفضة في الغالب هو من صالح الفقير.
فإذا تقرر هذا تبين أن الأصل في اعتبار القيمة في باب الزكاة هو الفضة لا الذهب. هذا إذا رجحنا القول الثاني فدل هذا على أن الأصل أن نعتبر القيمة في الفضة لا بالذهب.
فإذا بلغت قيمة الريالات بالفضة زكاة ولم تبلغه بالذهب فهل فيها زكاة أو ليس فيها زكاة؟
الجواب: فيها زكاة. لأن المعتبر هو الفضة.
هذا إذا رجحنا القول الثاني وهو قول وجيه جداً كما ترى.

ثم قال - رحمه الله -:
وفي الفضة: إذا بلغت مائتي درهم، ربع العشر منهما.
نصاب الفضة دل عليه النص والإجماع.
فقد أجمع العلماء على أن نصابه مائتي درهم.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة).
والأوقية الواحد أربعين درهماً. فالمجموع: مائتي درهم.
وهي تساوي في موازيننا المعاصرة: خمسمائة وخمس وتسعين جراماً.
وأما الذهب - ولم نذكره في محله - يساوي خمس وثمانون جراماً.
فمن ملك خمس وثمانين جرام وجبت عليه الزكاة.
ومن ملك من الريالات ما قيمته خمس وثمانون جراماً وجبت عليه الزكاة.
ومن ملك من الريالات ما قيمته خمسمائة وخمس وتسعين جراماً وجبت عليه الزكاة.
وهذا كما هو معلوم يختلف باختلاف سعر الجرام.
فإذا أراد الإنسان أن يعرف هل ملك نصاباً من الريالات أو من العملة أي نوع من أنواع العملة المعاصرة فعليه أن يسأل عن سعر الجرام ثم يضرب السعر بالذهب بخمس وثمانين وبالفضة بخمسمائة وخمس وتسعين.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب.
يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب في كل منهما.


فإذا كان عنده نصف نصاب من الفضة وعنده من الذهب ما قيمته مائة درهم صار مجموع ما عنده مائتي درهم وهو نصاب الفضة.
إذاً يضم نصاب الذهب إلى الفضة في التكميل - يكمل الذهب من الفضة والفضة من الذهب.
الدليل:
- أولاً: قالوا: الدليل على ذلك: أن المقصود من الذهب والفضة واحد وجهة الانتفاع منهما واحدة لأن كلا منهما يعتبر ثمناً للأشياء.
- ثانياً: أن الذهب والفضة كل منهما يقيم ويضم في عروض التجارة. يعني: الذهب يضم إلى عروض التجارة والفضة تضم إلى عروض التجارة فدل على أنهما واحد.

= القول الثاني: أن لكل منهما نصاباً مستقل فلا يضم نصاب الذهب إلى الفضة ولا نصاب الفضة إلى الذهب.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة). قالحديث نص على أن الإنسان إذا ملك من الفضة دون خمس أواق أو دون مائتي درهم فإنه لا يجب عليه أن يزكي ولم يشر الحديث لا من قريب ولا من بعيد إلى التكميل بالذهب بالنسبة للفضة.
وهذا القول هو الصواب إن شاء الله.
والسبب في ترجيحه أن مال المسلم الأصل فيه العصمة في الحقيقة فما دام لا يوجد دليل صحيح في الضم نبقى على الأصل وهو عدم الوجوب.
وإن كان ما ذهب إليه الجنابلة وجيه جداً في الحقيقة لأن الذهب والفضة وعروض التجارة سيأتينا أنها شيء واحد لكن الذي سبب ترجيح القول الثاني هو عصمة مال المسلم وأن الأصل عدم الوجوب وبراءة الذمة.
ـ مسألة: هل المعتبر بالفضة الوزن أو العدد؟
اختلف الفقهاء:
= فذهب الجماهير والجم الغفير إلى أن المعتبر الوزن لا العدد.
فإذا ملك الإنسان أقل من مائتي رهم لكن وزنها خمس أواق فتجب عليه الزكاة.
واستدلوا:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيما دون خمس أواق صدقة.
= القول الثاني: أن المعتبر في الدراهم في تافضة العدد لا الوزن.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا بلغ مائتي درهم وجبت فيه الزكاة فنص على العدد.
والحديثان صحيحان.
وإلى هذا القول - الثاني - ذهب شيخ الاسلام ابن تيمية.
واستدل على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب في مائتي درهم زكاة مع العلم أن الدراهم في وقته تختلف أوزانها فدل على أن المعتبر العدد لا الوزن.


والأقرب: أنه ينظر في ذلك إلى مصلحة الفقير فإذا وجبت الزكاة باعتبار الوزن أو باعتبار العدد وجبت الزكاة.
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب الزكاة باعتبار الوزن تارة وباعتبار العدد تارةة فمتى وجبت الزكاة بأي منهما وجبت الزكاة.
فإذا ملك مائتي درهم تساوي أربعة أواق:
= فعند الجمهور: لا تجب.
= وعلى القول الثاني: تجب.
وإذا ملك الإنسان مائة درهم وزنها خمس أواق:
= فعند الجمهور: تجب.
= وعلى القول الثاني: لا تجب.
= وعلى القول الثالث: في المسألتين: تجب.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتضم قيمة العروض إلى كل منهما.
يعني: يكمل النصاب في قيمة عروض التجارة من:
- الذهب.
- ويكمل أيضاً من الفضة.
- ويكمل من الذهب والفضة.
الأول والثاني واضح.
وأما الثالث فمثاله: لو ملك عروض تجارة قيمتها خمسين درهماً وعنده خمسين درهم وعنده ذهب بقيمة مائة درهم.
فكم قيمة المجموع؟
مائتي درهم. وهو النصاب.
فالآن أكملنا العروض بالذهب والفضة.
وإلى هذا ذهب العلماء كلهم وهي محل إجماع.
والدليل على هذا:
- أن عروض التجارة تقوم بالذهب تارة وبالفضة تارة. فدل على أنه يكمل منهما النصاب جميعاً.
وهذا واضح جدا لأن عروض التجارة أحياناً نعتبرها بالفضة وأحياناً نعتبرها بالذهب.
بناء على هذا: نكمل النصاب من الذهب ومن الفضة. وهذه ليست محل خلاف.
وقبل الدخول في مسألة ما يباح للذكر وما لا يباح:
- ذكرنا أنه الأقرب أنه لا يكمل نصاب الذهب من الفضة ولا نصاب الفضة من الذهب:

ـ مسألة: تضاف إلى هذا: مع ذلك الصواب أنه يجوز أن يخرج زكاة الذهب من الفضة وزكاة الفضة من الذهب خلافاً للحنابلة.
الدليل:
- لأن الغرض يحصل بإخراج الزكاة من أي منهما. وإذا حصل مقصود وغرض الشارع فأي مانع من أن نخرج الزكاة من الذهب عن الفضة أو العكس.
بشرط أن لا يضر ذلك بالفقراء.
(((الأذان))).
انتهى الدرس


توقفنا بالأمس عند الكلام عن حكم الفضة عند قوله - رحمه الله -: ويباح للذكر.
• فقال المؤلف - رحمه الله -:
ويباح للذكر من الفضة: الخاتم وقبيعة السيف وحلية المنطقة ونحوه.
ظاهر كلام المؤلف - رحمه الله - عندما قال: (ويباح للذكر). أن الأصل في الفضة التحريم. إلا ما دل الدليل على جوازه مما سيذكره المؤلف - رحمه الله -.
= وإلى هذا ذهب الجمهور.
= والقول الثاني: أن الأصل في الفضة الإباحة وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الاسلام - رحمه الله - وعدد من المحققين.
لدليلين:
- الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أما الفضة فالعبوا بها لعباً).
- الثاني: عدم وجود دليل صريح صحيح يدل على تحريم الفضة مطلقاً.
وهذا القول أقرب للدليل.
• قال - رحمه الله -:
ويباح للذكر من الفضة: الخاتم وقبيعة السيف
عرفت أن هذا التفصيل إنما هو على القول بالمنع المطلف للفضة.
فإذا قلنا: تمنع مطلقاً فيجوز منها:
ــ الخاتم: فيجوز للإنسان أن يتخذ خاتماً من فضة.
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صح عنه في الصحيحين أنه اتخذ خاتماً من وَرِقٍ.
فدل هذا على جواز أن يتخذ الذكر المسلم خاتماً من وَرِقٍ.
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اتخذه تارة باليمين وتارة بالشمال ولم يخص إحدى اليدين بوضع الخاتم فيها.
وهذا يدل على أن ما يلبس في اليدين مما هو من جنس الخاتم ليس هناك سنة فيه: أن يكون في اليمين أو أن يكون في الشمال لأنه صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جعله تارة في اليمين وتارة في الشمال.

ثم قال - رحمه الله -:
وقبيعة سيف.
قبيعة السيف هي: ما يجعل على طرف المقبض من السيف. فهذا يجوز أن يكون من الفضة.
بعبارة أخرى: يجوز أن نحلي السيف بالفضة.
الدليل من وجهين:
- الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ سيفاً وفي طرف قبضته فضة. وهذا الحديث حكم الأئمة بالإرسال وله شواهد.
- الثاني: أن الزبير بن العوام وعروة - رضي الله عنهما - اتخذوا سيوفاً محلاة بالفضة.
فدل هذا على الجواز.
• ثم قال - رحمه الله -:
وحلية المنطقة.
المنطقة هي: ما يشدها الرجل على وسطه ليضع فيها ما يشاء من أشيائه.
فهذه المنطقة يجوز أن نحليها بالفضة.
والدليل على هذا:
- ما اشتهر بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم فعلوا ذلك. يعني: حلوا المناطق التي يشدونها بأوساطهم بالفضة فدل هذا على الجواز.


• ثم قال - رحمه الله -:
ونحوه.
المقصود بنحوه: في هذا السياق يعني: آلات الحرب والملبوسات.
فيجوز في هذين الأمرين أن نحليها باليسير من الفضة كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه.
وقد سمعت الخلاف في الأصل من حيث حكم الفضة.
ولما انتهى المؤلف - رحمه الله - من الفضة انتقل إلى الذهب.

قال - رحمه الله -:
ومن الذهب: قبيعة السيف.
= يعني: أنه يجوز أن نحلي قبيعة السيف أو أن تكون قبيعة السيف من الذهب.
وقوله قبيعة السيف: يعني فقط دون غيره من آلات الحرب.
- لأنه جاة عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم اتخذوا السيوف المحلاة بالذهب. يعني: التي كانت يوضع في طرفها شيء من الذهب.
= والقول الثاني: أنه يجوز أن نحلي كل آلات الحرب السيف وغيره وأن الحكم لا يختص بالسيف.
- إذ لا يوجد معنى يخصص الحكم بالسيف.
= والقول الثالث: أنه يجوز اليسير من الذهب في آلات الحرب وفي الملبوسات جميعاً. بشرط أن يكون يسيراً.
والدليل على ذلك:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس قباءً أزراره من ذهب. وهذا الحديث ثابت في صحيح البخاري.
فدل هذا على جواز لبس اليسير من الذهب سواء كان في آلات الحرب من السيف والرمح والسهم وغيرها أو في الملبوسات بشرط أن يكون يسيراً كما جاء في هذا الحديث الأزرار ونحوها.
وهذا القول الأخير: اختيار شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله -.
والأقرب أن يسير الذهب جائز فإن فيه نص في البخاري.
• ثم قال - رحمه الله -:
وما دعت إليه ضرورة كأنف ونحوه.
- لأن عرفجة بن أسعد - رضي الله عنه - قطع أنفه في الجهاد فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن ثم اتخذ أنفاً من ذهب.
فدل على أنه يجوز أن نضع من الذهب ما دعت ليه الحاجة.
ويدل على ذلك أيضاً:
- النصوص العامة الدالة على رفع الحرج.
- وأن الضروران تبيح المحرمات.
ويدل عليه أيضاً:
- ما اشتهر عن عدد كبير من السلف - رضي الله عنهم - أنهم شدوا أسنانهم بالذهب.
فإذاً: مجموع هذه النصوص يدل دلالة أشبه ما تكون بالقطعية على جواز استخدام الذهب للضرورة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويباح للنساء من الذهب والفضة: ما جرت عادتهن بلبسه ولو كثر.
يجوز للنساء أن تتحلى بالذهب.


وهذا أمر مجمع عليه. ودلت عليه النصوص.
فمن ذلك:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خطب يوم العيد ثم انتقل إلى النساء وأمرهن بالصدقة صرن يتصدقن بحليهن والنبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ ذلك بقبول.
فدل على أن اتخاذ المرأة للحلي جائز.
- الدليل الثاني: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الذهب والحرير. أحل لإناث أمتي وحرم على ذكورها.
- والإجماع: فقد أجمعوا على جواز لبس الذهب بالنسبة للنساء.
ولو كان كثيراً: - لأن النصوص عامة.
ويستثنى من هذا إذا كانت الكثرة تدخل في حد الإسراف. فإنه حينئذٍ يعتبر محرم.
مسألة / دَلَّ عموم كلام المؤلف - رحمه الله - أن الذهب يجوز بجميع أنواعه سواء كان محلق أو غير محلق.
وهذه المسألة في الحقيقة أشبه ما تكون متفق عليها بين أهل العلم أن الذهب المحلق يجوز ولك تزل نساء الصحابة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يلبسن الذهب المحلق وأكثر ما يتخذ الذهب إنما يتخذ محلقاً ووجد الخلاف عند بعض المعاصرين المتأخرين فذهب إلى المنع من الذهب المحلق متمسكاً بظواهر بعض النصوص والصواب الذي لا إشكال فيه إن شاء الله وعليه عامة السلف ولا أذكر الآن خلاف أصلاً بين السلف أن الذهب بجميع أنواعه جائز سواء كان محلق أو غير محلق.
وربما يوجد عن واحد أو اثنين - أنا لا أذكر الآن لكن أقول ربكا نقل عن رجل أو اثنين من السلف: المنع من المحلق.
لكن هذا القول أصبح كالمهجور واستقر أهل الرأي وأهل الفتوى من علماء المسلمين وأقصد بذلك المتقدمين بالقرون الأولى والثانية والثالثة والرابعة أن المحلق جائز ولا إشكال فيه.

ثم قال - رحمه الله -:
ولا زكاة في حليهما المعد للإستعمال أو العارية.
أفادنا المؤلف - رحمه الله - أنه لا زكاة في الحلي المعد للاستعمال أو العارية: يعني الذي يعار ويقاس عليه كل ذهب مباح. كل ذهب أبيح اتخاذه واستعماله.
وهذه المسألة مسألة كبيرة وهي هل في الذهب - الحلي المعد للاستعمال زكاة أو لا؟
فيه خلاف كبير: على أقوال:
- القول الأول: الذي ذكره المؤلف - رحمه الله - وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد وجماهير الصحابة وعلمة العلماء أنه ليس في الذهب إذا اتخذ حلياً زكاة.


واستدل هؤلاء بأدلة:
- الدليل الأول: صح عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت لا تخرج الزكاة عن الذهب إذا اتخذ حلياً.
- الدليل الثاني: صح عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه لا يرى في الذهب الذي اتخذ حلياً زكاة.
- الدليل الثالث: أن الذهب إذا اتخذ على هيئة الحلي أن هذا الذهب يشبه أدوات القنية أكثر منه الأموال النامية فهو يشبه الملبوس والمركوب والسكن وآلات القنية أكثر منه شبهاً بالأموال الزكوية الأخرى باعتبار أن المناط المشترك أو القاسم المشترك بين الأموال الزكوية قبولها للنماء وهذا الذهب غير قابل للنماء باعتبار أنه يعد للاستعمال.
فهذه ثلاثة أدلة تدل على عدم وجوب الزكاة في الحلي وسيأتي إتمام لهذه الأدلة وتأكيد عندما نذكر الراجح.
= القول الثاني وهو مذهب الأحناف ومال إليه ونصره بقوة ابن حزم وكثير من المتأخرين. أن الزكاة تجب في الحلي المعد للاستعمال.
واستدل هؤلاء بنوعين من الأدلة:
1 - أدلة عامة.
2 - وأدلة خاصة.
ــ النوع الأول: الأدلة العامة. استدلوا:
- بقوله تعالى { ... والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} [التوبة/34]. ولاشك أن الحلي ذهب أو فضة.
والجواب على هذا الدليل: أن الكنز في لغى العرب واستعمال الشارع لا يطلق إلا على الدراهم والدنانير دون الحلي فإن الحلي لا يسمى في اللغة ولا في العرف: كنزاً.
ويدل على هذا المعنى أنه سبحانه وتعالى قال: { ... ولا ينفقونها .. } والتي تنفق هي الدراهم والدنانير لا الحلي المعد للإستعمال فإن الحلي المعد للإستعمال لا ينفق وإنما يبقى للإستعمال.
فهذا الدليل الأول وجوابه.
- الدليل الثاني: استدلوا أيضاً بالعمومات من السنة: ــ كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وفي الرقة ربع العشر).
ــ وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها ... ) الحديث.
والجواب عليه: أن الرقة والفضة تطلق في العرف والاستعمال على المضروب دون الحلي.


فما أجبنا به عن الآية هو الجواب عن نصوص السنة العامة وهو أنه يقصد بالذهب والفضة في هذه النصوص الدراهم والدنانير التي تتخذ للإنفاق والتنمية دون الحلي فإنها لا تدخل في منطوق هذه النصوص.
ــ النوع الثاني: الأدلة الخاصة. واستدلوا بعدة أدلة:
- الدليل الأول: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي يدها مسكتان من ذهب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (أتؤدين زكاة هذين). قالت: لا. قال: (أيسرك أن يطوقك الله بهما طوقين من نار يوم القيامة).
- الدليل الثاني: حديث عائشة - رضي الله عنها - نحو حديث عمرو بن شعيب تماماً.
- الدليل الثالث: حديث أم سلمة - رضي الله عنها - وهو أيضاً نحو حديث عائشة وعمرو بن شعيب.
فإن ألفاظ هذه الأحاديث الثلاثة متقاربة.
وهذه الأحاديث الثلاثة: عمرو وعائشة وأم سلمة هي أقوى الأدلة في الباب. يوجد أدلة أخرى لكن لا نشتغل بها لضعف أسانيدها.
نبقى في هذه الأدلة التي تنص على وجوب الزكاة في الحلي.
أجاب الجمهور عن هذه الأدلة بجوابين:
ــ الجواب الأول: أن المقصود في هذه النصوص: العارية وأن هذا فهم الصحابة فإن الصحابة فهموا أن زكاة الحلي بإعارته.
ــ الجواب الثاني: أن هذه الأحاديث ضعيفة. وممن ضعف هذه الأحاديث جميعاً الحافظ الترمذي فإنه قال في السنن: ولا يصح في هذا الباب شيء. وممن ضعف هذه الأحاديث ابن حزم فإنه قال: إنه في وجوب زكاة الحلي آثار ضعيفة. فهو رحمه الله يرى وجوب الزكاة لكن مع ذلك يضعف جميع الأحاديث فهو يعتمد في الوجوب على العمومات حتى لا يشكل على الإخوان كيف يضعف الأحاديث ويقول بوجوب زكاة الحلي.
وممن أشار إلى ضعفها أيضاً الإمام الكبير الشافعي فإنه أشار إلى أنه لا يثبت في وجوب زكاة الحلي شيء.
فهؤلاء ثلاثة من الأئمة وهذه الأحاديث لا تخلو أسانيدها من ضعف ولا تخلو متونها من بعض النكارة. فكل متن من هذه المتون فيه نوع نكارة والكلام عن كل واحد من هذه الأحاديث من حيث المتن يطول جداً فإن متون هذه الآثار أعلت كل واحد منها بأكثر من وجه.


والذي يظهر والله أعلم أن هذه الأحاديث لا تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الجواب الثاني هو الأقرب ولا يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر تلك المرأة أو عائشة أو أم سلمة بزكاة ما عليها من حلي.
- الدليل الأخير لهم: ثبت عن ابن مسعود أنه يرى وجوب الزكاة في الحلي. ونقل عن غيره. والصواب أنه لا يثبت القول بوجوب الزكاة عن أحد من الصحابة إلا عن ابن مسعود فقط. وقد صرح بهذا عدد من الحفاظ. وابن مسعود سكن الكوفة وفقهاء الكوفة أخذوا عنه هذا القول ولذلك تجد أن أبا حنيفة وروي أحد القولين عن الثوري يرون وجوب الزكاة في الحلي لأنهم أخذوا فقه هذه المسألة عن الصحابي الفقيه الجليل الكبير ابن مسعود - رضي الله عنه -.
الراجح:
الراجح والله أعلم بالصواب: أنه لا تجب الزكاة في الحلي.
لماذا؟
أولاً: لأن المنقول عنهم من الصحابة القول بعد الوجوب فيهم امرأتان عائشة وأختها. ومن المعلوم لكل إنسان أن أكثر الناس عناية بحكم الحلي هم النساء لا سيما هذه المرأة الفقيهه العارفة الفاهمة عائشة - رضي الله عنها - فإنه يبعد جداً أن لا تعرف حكم زكاة الحلي. كيف وهي بيت النبوة وتأخذ العلم عنه - صلى الله عليه وسلم - فهذا بعيد كل البعد أن لا تعرف حكم زكاة الحلي.
أضف إلى هذا أن الغالب أن ابن عمر - رضي الله عنه - أخذ حكم هذه المسألة عن حفصة أخته - رضي الله عنها - وهي أيضاً نشأت في بيت النبوة ويبعد جداً أن لا تعرف حكم زكاة الحلي.
فإذا كان ثبت عن زوجتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عدم وجوب زكاة الحلي ففي الحقيقة المصير إلى قول هاتين الفقيهتين أشبه ما يكون بالمتعين.
ثانياً: أن هذا هو قول جمهور الصحابة قال الإمام أحمد - رحمه الله - عن خمسة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا تجب الزكاة في الحلي وعرفنا أن الذي نقل عنه الوجوب هو ابن مسعود فقط أما خمسة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بإثبات الإمام أحمد - رحمه الله - يرون عدم الوجوب فنستطيع أن نقول جمهور الصحابة وجمهور الأئمة يرون عدم الوجوب.


ثالثاً: لو كانت زكاة الحلي واجبة لما خفي هذا على المسلمين فكل بيت من بيوت المسلمين فيه حلي فلو كانت الزكاة واجبة لعرف ونقل واشتهر كيف وقد نقل عن خمسة من الصحابة منهم عائشة عدم الوجوب.
أما الخلفاء الراشدون فإنه لم ينقل عنهم شيء في هذه المسألة. فلم يصح عن الخلفاء الراشدين شيء في هذه المسألة. فإذا وجدت أحداً ممن يسوق الخلاف ينسب إلى أحد من الخلفاء الراشدين - رضي الله عنه - أنهم يرون وجوب زكاة الحلي أو عدم وجوب زكاة الحلي فهو ليس بصحيح فلن يثبت عنهم شيء.
والخلاصة: أن الأقرب للآثار وللمعنى المفهوم من الزكاة عدم وجوب زكاة الحلي.
ولعلك عرفت من خلال سياق الخلاف والنصوص أن الاحتياط في مثل هذه المسألة جيد ووجيه بسبب وجود بعض النصوص التي اختلف الفقهاء في تصحيحها وتضعيفها وبسبب وجود آثر عن ابن مسعود وكل هذا يستدعي أن الإنسان يحتاط بإخراج الزكاة.
أما الوجوب فأنا أرى أنه لا يجب على المرأة أن تخرج زكاة الحلي.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا زكاة في حليهما المعد للإستعمال أو العارية.
يقاس على هذا: ما أبيح استعماله للرجل فلا زكاة فيه أيضاً.
فلو كان عند الإنسان مائة سيف وفي مقابض هذه السيوف ذهب يبلغ نصاباً فإنه لا زكاة فيه لأنها معدة للاستعمال.
ولو اتخذ الإنسان - مثلاً - أنفاً من ذهب واحتاج إلى سن من ذهب فلو فرضنا أنه بلغ مجموع ما احتاج إليه إلى نصاب وهذا بعيد لم تجب الزكاة عليه فيه لأنه استعمله استعمالاً مباحاً.
إذاً: أي ذهب يستعمل استعمالاً مباحاً للرجل أو للمرأة فلا زكاة فيه.
فقولهم: زكاة الحلي. هذا خرج مخرج الغالب لأن الغالب في استعمال الذهب أن يكون على شكل حلي.

ثم قال - رحمه الله -:
وإن أُعد للكرى أو النفقة أو كان محرماً: ففيه الزكاة.
إذا أعدت المرأة الحلي للإيجار: تؤجره أو أعدته للنفقة أو كما يصنع الآن كثير من النساء للإدخار أو بضابط أعم: إذا اتخذت الحلي لا للاستعمال. وإنما للنفقة أو للإيجار أو للادخار أو لغيرها مما قد يطرأ فإنه تجب فيه الزكاة.
لماذا؟
لأن الحلي المستعمل استثنيناه من وجوب الزكاة لكونه خرج من المعنى وهو أن يكون مالاً نامياً إلى أن يكون مالاً مستعملاً.


فإذا لم يكن مستعملاً رجع إلى الأصل وهو وجوب الزكاة.
وهذا ما لا يتفطن له كثير ممن يعتمد القول بعدم وجوب الزكاة إذا اتخذ الحلي لا للاستعمال.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو كان محرماً: ففيه الزكاة.
إذا كان الذهب محرماً كأن تسرف المرأة أو وهو الذي يقع الآن كثيراً: تتخذ حلياً على شكل حيوان فهذا محرم.
فلو اتخذت حلياً على شكل حيوان فإن هذا محرم وتجب فيه الزكاة.
لأنه بالتحريم لم يصبح مستعملاً لأن هذا استعمالاً محرماً.
وأخذنا: أن هذا الحلي إذا فقد خاصية الاستعمال رجع إلى الأصل وهو وجوب الزكاة في الذهب والفضة.
إذاً:
- عرفنا أنه يستثنى ما أعد للإجارة أوالنفقة وما كان محرماً.
- وعرفنا القاعدة في هذه المستثنيات وهو أنه إذا لم يعد مستعملاً أو استعمل استعمالاً محرماً فإنه يرجع إلى الأصل.
فما يتخذه بعض الرجال الآن من أنواع الحلي - ذهب - تجب فيه الزكاة ولو كان حلياً مستعملاً لأن استعمال الرجل له محرم.

باب زكاة العروض.
• ثم قال - رحمه الله -:
باب زكاة العروض.
العروض: جمع عرض.
والعرض: هو ما عدا الأثمان من الأموال. كالأواني والثياب والمنازل وكل ما عدا الأثمان. فإنه يعتبر من العروض.
هذا في اللغة.
في الاصطلاح الخاص في باب الزكاة العروض هي: كل ما أعد للبيع أوالشراء بقصد الربح ولو كان من الأثمان. فإن هذا يدخل في زكاة عروض التجارة.
• قوله - رحمه الله -:
إذا ملكها بفعله بنية التجارة وبلغت قيمتها نصاباً: زكى قيمتها.
زكاة العروض فيها خلاف:
انقسم العلماء فيها إلى قسمين:
ــ القسم الأول: وجوب الزكاة في عروض التجارة.
وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وعامة التابعين وجمهور الصحابة وحكي إجماعاً وكأنه قول جميع أهل العلم إلا من سنذكر فكلهم ذهب إلى وجوب الزكاة في عروض النجارة.
واستدلوا بأدلة:
- الأول: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ... } [البقرة/57]. والكسب هنا بتفسير عدد من السلف: التجارة.
- الثاني: حديث سمرة - رضي الله عنه -: كنا نؤملا بإخراج الزكاة مما نعد للتجارة. وهذا الحديث ضعيف: ففي إسناده ضعف. ولو صح لكان فيصلاً في الباب.


- الثالث: صح عن عدد من الصحابة - رضي الله عنهم - منهم: عمر وابنه وابن عباس وهؤلاء من فقهاء الصحابة.
- وصح عن عدد من التابعين: كعطاء والنخعي وغيرهم من أئمة السلف.
ولا يعلم للصحابة القائلين بالوجوب ولا للتابعين القائلين بالوجوب لا يعلم لهم مخالف فليس لهم مخالف.
ــ القسم الثاني: أنها لا تجب زكاة عروض التجارة. وإلى هذا ذهب ابن حزم وبعض المعاصرين.
واستدلوا:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقه. وهذا الحديث عام يشمل ما إذا اتخذت للتجارة أو لغير التجارة.
- الدليل الثاني: أنه لم يثبت في حديث صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بزكاة عروض التجارة.
والقول الراجح هو وجوب زكاة عروض التجارة بل الذي اعتقده ما قاله شيخ الاسلام - رحمه الله - أن القول بعدم الوجوب: شاذ. وأشار إلى الشذوذ عدا شيخ الإسلام بن تيمية أبو عبيد فإنه قال: والقول بعدم الوجوب ليس من أقوال أهل العلم عندنا.
ففي الحقيقة هذا القول شاذ خارج عن قول جماهير الفقهاء أهل الفقه وعن فتاوى الصحابة وعن ما جرى عليه عمل المسلمين من القديم ثم أحياناً غالب الأموال تكون من عروض التجارة.
فعدم إخراج الزكاة عنها يؤدي إلى عدم إخراج الزكاة عن جملة كبيرة من الأموال.
ثم يبعد جداً في حكمة الشارع والله أعلم أن يفرق بين المتماثلات فكف يأمر إنسان يملك عشرة آلاف ريال بالزكاة ولا يأمر إنساناً يملك ملايين من عروض التجارة لا يأمره بالزكاة مع أنه لا مقارنة بينهما في الغنى والغنى هو مناط وجوب الزكاة.
• ثم قال - رحمه الله -: مبيناً شروط وجوب زكاة العروض.
إذا ملكها بفعله.
يشترط لوجوب زكاة العروض عند الحنابلة أن يملكها بفعله سواء مكلكها بثمن - بعوض كالبيع أو بغير ثمن كقبول الهبة.
ففي الصورتين يتحقق الشرط وهو أنه ملكهعا بفعله.
وخرج بقوله: (ملكها بفعله). ما إذا صارت إليه عن طريق الإرث.
واستدلوا على هذا:
- بأن الإرث ليس من طرق الكسب. والتجارة تتعلق بالكسب.
فإذاً الإرث ليس من التجارة فلا زكاة فيه. وسيأتينا الخلاف في هذه المسألة.

ثم قال - رحمه الله -:
بنية التجارة.


مقصوده بقوله: (بنية التجارة). أن ينوي التكسب بها. هذا معنى بنية التجارة.
ومراد الحنابلة بقولهم: بنية التجارة أن ينوي التجارة بها من حين اشتراها - من أول الشراء.
فإن اشتراها لغير التجارة ثم نواها للتجارة لم تجب فيها الزكاة.
الدليل:
الدليل على ذلك:
- قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنما الأعمال بالنيات). والزكاة عبادة والعبادات يجب أن تقترن فيها النية من أول العبادة فإذا لم تقترن نية التكسب من أول الشراء لم يتحقق الشرط.
= والقول الثاني: في هذين الشرطين:
1 - إذا ملكها بفعله.
2 - أو بنية التجارة:
أنه لا يشترط لا أن يملكها بفعله ولا أن ينوي التجارة بها من حين اشتراها.
والدليل على هذا من وجهين:
- الأول: أن الآثار المروية عن عمر وابنه وغيرهما من الصحابة - رضي الله عنهم - عامة لم تشترط هذه الشروط فكل من ملك مالاً ونوى به التجارة وجبت عليه الزكاة.
- الوجه الثاني: عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات). وهذا المال نويت به التجارة والتكسب فصدق عليه أنه من عروض التجارة.
وهذا القول الثاني هو الصواب وممن اختاره من المحققين ابن عقيل وهو رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله -.
• ثم قال - رحمه الله -:
وبلغت قيمتها نصاباً: زكى قيمتها.
قوله: (بلغت قيمتها نصاباً). هذا في الحقيقة لا يعتبر من الشروط الخاصة بعروض التجارة.
إذاً: كم هي الشروط الخاصة بعروض التجارة؟
شرطان فقط.
أما هذا فهو شرط في جميع الأموال.
فكل مال زكوي لا تجب فيه الزكاة إلا إذا بلغ النصاب.
لكن يفهم من قوله: (إذا بلغت قيمتها نصاباً). أن يشترط أن يستمر النصاب في كل الحول. = فإن نقصت قيمة عروض التجارة في بعض الحول استأنف الحول من جديد.
= ومنهم من قال: بل إذا نقصت قيمة عروض التجارة في أثناء الحول فإنه لا يضر فإنه من عادة التجار أن ترتفع القيم وتنزل.
والصواب أنه يشترط أن يبقى النصاب على مدار الحول أخذاً بالعمومات الدالة على اشتراط النصاب في جميع الحول.
• ثم قال - رحمه الله -: مفرعاً على الشرطين:
فإن ملكها بإرث أو بفعله بغير نية التجارة ثم نواها: لم تصر لها.


كما تقدم معنا مفصلاً في اشتراتط هذين الشرطين وهذا ما ذكره المؤلف - رحمه الله - هو ثمرة هذين الشرطين.
وهو: أنه إذا ملك المال بإرث فلا زكاة وإذا اشترى المال لغير التجارة ثم نوى بها التجارة فلا زكاة وتقدم معنا الخلاف وأن الصواب عدم اشتراط ذلك.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتقوّم عند الحول: بالأحظ للفقراء من عين أو ورق.
عروض التجارة تقوم بالأحظ للفقراء.
فإن كان الأحظ لهم: الذهب أي تبلغ نصاباً إن قومت بالذهب. فتقوم بالذهب.
وإن كانت إن قومت بالفضة بلغت النصاب وجي أن تقوم بالفضة.
والدليل على هذا:
- أن التقويم أصلاً إنما شرع مراعاة لحظ الفقراء فعندما نقوم فيجب أن نراعي فيه حظ الفقراء.
مسألة / إذا كانت عروض التجارة تبلغ النصاب بالذهب وبالفضة فبأيهما يقوم؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
= القول الأول: أنه مخير إن شاء بالذهب وإن شاء بالفضة.
- لأنه إن قومه بالذهب أو بالفضة حصل المقصود وهو إخراج الزكاة.
= القول الثاني: أنه إذا بلغ نصاباً بالذهب وبالفضة: فيجب أن نقومه بالأحظ لهما.
- قياساً على أصل الوجوب.
- ومراعاة لحال الفقراء.
وهذا القول الثاني هو الأقرب ومال إليه الشيخ الفقيه المجد - رحمه الله -.
فهذا القول أقرب.
وفي الحقيقة قيمة العروض سيعتبرها التاجر بالأغلى بالأكثر فكذلك في حق الفقراء.
المقصود أن الراجح أنها تقوم بالأحظ وإن بلغن نصاباً بالنقد الآخر.

ثم قال - رحمه الله -:
ولا يعتبر ما اشتريت به.
لا يعتبر ما اشترتيت به لا قدراً ولا جنساً.
فإذا اشترى بالدراهم سلعة ثم لما تم الحول صارت تبلغ النصاب بالدنانير دون الدراهم: فإننا نعتبر الدنانير ونترك الدراهم.
وهنا نعتبر لم ننظر لما اشترتيت به: جنساً أو قدراً؟ جنساً. لم ننظر إليه جنساً.
وأما قدراً: إذا اشترى سلعة بمائة ألف وأصبحت بعد نهاية العام تساوي مائة وخمسين فلا ننظر لما اشترتيت به قدراً وهو المائة وإنما ننظر إلى المائة وخمسين وهو قيمتها بعد الحول.
إذاً: لا ننظر إليها لا قدراً ولا جنساً.
الدليل:
قالوا الدليل على ذلك:
- أنه لولا ذلك لذهبت فائدة التقويم على الفقراء.


يعني: لولا أنا نقدرها بقيمتها بعد الحول لذهبت فائدة التقدير على الفقراء.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن اشترى عرضاً بنصاب من أثمان أو عروض: بنى على حوله.
إذا اشترى عرضاً يعني عروضاً للتجارة في أثناء الحول فإنه لا يستأنف الحول بل يستمر على حوله ويبني على الأول.
والدليل على هذا:
- أن من شأن التجار تقليب الأموال والبضائع والسلع تارة تكون سلع وتارة تكون نقود. ولو اعتبرنا أنها إذا كانت نقوداً انقطع الحول وإذا كانت سلعاً انقطع الحول لم يتم حول على تاجر.
فإذاً يبني التاجرل على نصابه إذا قَلَّبَ الأموال التي عنده بين النقود والسلع.

ثم قال - رحمه الله -:
وإن اشتراه بسائمة: لم يبن.
إن اشتراه بسائمة لم يبن:
- لأن السائمة تختلف عن عروض التجارة في النصاب وفي الواجب. وما كان كذلك لا يمكن أن يبنى بعضه على بعض بل يستأنف الحول من جديد.
مسألة / وهي مهمة جداً: إذا اشترى إنسان سائمة من الماشية ونوى بها التجارة: جعلها ترعى الحول كله ونوى بها التجارة فهل يخرج الزكاة منها باعتبارها من السائمة أو باعتبارها من عروض التجارة؟
فيه خلاف:
= فالمذهب: باعتبارها عروض تجارة. إلا في حالة واحدة إذا بلغت النصاب إذا لااعتبرناها سائمة دون إذا اعتبرناها عروض تجارة فحينئذ نزكيها باعتبار أنها سائمة. وإلا فالأصل عند الحنابلة أن تعتبر بأنها عروض تجارة.
= القول الثاني: أنها تزكا باعتبارها سائمة.
- لأن هذا مجمع عليه - يعني: إخراج الزكاة باعتبارها سائمة - وفيه النصوص بخلاف عروض التجارة.
= القول الثالث: أنها تخرج بالأحظ للفقراء. وفي الغالب الأعم أن الأحظ لهم أن تعتبر: عروض تجارة.
وبهذا يقترب القول الأخير من مذهب الحنابلة.
لكن نقول: الأصل والقول الراجح أن نعتبرها بالأحظ للفقراء.
فنقول: انظر: هل الأحظ للفقراء أن تزكيها باعتبارها عروض تجارة أو تزكيها باعتبارها سائمة.

باب زكاة الفطر.
• ثم قال - رحمه الله -:
باب زكاة الفطر.
يعني: باب لبيان الأحكام التي تتعلق بالزكاة التي سببها الفطر.
• قال - رحمه الله -:
تجب.
أجمع الفقهاء على أن زكاة الفطر واجبة.
وَدَلَّ على الوجوب:


- قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على الحر والعبد والصغير والكبير والذكر والأنثى من المسلمين). وهذا حديث متفق عليه.
فدل على الوجوب النص والإجماع.
• وقوله - رحمه الله -:
وتجب على كل مسلم.
يعني ولو كان صغيراً ولو كان من أهل البادية ومهما كانت صفته فتجب عليه زكاة الفطر.
- لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (على الحر والعبد والصغير والكبير والذكر والأنثى .. ).
فإذاً الزكاة واجبة على جميع المسلمين ولهذا لم يشترط إلا أن يكون مسلماً:
• فقال - رحمه الله -:
على كل مسلم.
فلم يقل كبير ولا صغير ولا عاقل ولا مكلف ولا غير مكلف وإنما تجب على كل مسلم.
• ثم قال - رحمه الله -:
فَضَلَ له يوم العيد وليلته: صاع عن قوته وقوت عياله وحوائجه الأصلية.
يعني: أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم ملك صاعاً يوم العيد فاضل عن ثلاثة أمور:
1 - قوته. 2 - وقوت عياله. 3 - وحوائجه الأصلية.
فإذا ملك هذا الصاع بهذه الشروط الثلاثة وجبت عليه الزكاة.
وفهم من كلام المؤلف - رحمه الله - أنه لا يشترط أن يملك نصاباً. بل تجب على من ملك صاعاً واحداً فقط.
وهذا هو الصحيح خلافاً لم خرج عن ظاهر نص ابن عمر واشترط أن يملك نصاباً فإن هذا القول ضعيف.
بناء على هذا: من ملك متاعاً خارجاً عن حاجته الأصلية وجاء يوم العيد وهو من أهل الوجوب كما سيأتينا متى يكون وقت الوجوب؟ وجب عليه أن يبيع هذا المتاع ويشتري صاعاً ليخرجه عن زكاة الفطر بشرط أن يكون هذا المتاع زائداً عن حاجته الأصلية.
ومن الحوائج الأصلية:
1 - ما لا يستغني عنه الإنسان في البيت.
2 - وآلة العمل.
3 - وكتب طالب العلم التي لا يستغني عنها. فإن كتب طالب العلم من حاجاته الأصلية. بشرط أن لا تكون زائدة وإنما نقتصر على ما يحتاجه طالب العلم في المذاكرة ومراجعة المسائل.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا يمنعها الدين إلاّ بطلبه.
الدين لا يمنع زكاة الفطر بخلاف الزكاة التي تتعلق بالمال فهو يمنعها كما تقدم معنا.
الدليل:
الدليل على ذلك:
- أن زكاة الفطر آكد باعتبار أنها تتعلق بالبدن لا بالمال.


فهي آكد من هذه الجهة. فتقدم على الدين ولا يمنع الدين وجوبها.
إلا في حالة واحدة وهي التي قال عنها المؤلف - رحمه الله -:
إلا بطلبه.
يعني: إذا طلب الدائن الدين فحينئذ يقدم على زكاة الفطر.
والدليل:
- أنه إذا طلبها الدائن صارت آكد من الزكاة. لأنها تتعلق بحق الآدمي. فوجب أن تقدم.
وهذا صحيح.
فإذا كان عند الإنسان صاع وهو مدين بصاع فالواجب أن يخرج هذا الصاع إلا إذا جاء الدائن يوم العيد وطلب هذا الدين فحينئذ يخرج الدين ولا يخرج زكاة الفطر لأن الدين الذي له مطالب يوم العيد مقدم على زكاة الفطر.

ثم قال - رحمه الله -:
فيخرج: عن نفسه.
يجب أن يخرج الزكاة أول ما يخرجها عن نفسه.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: في سياق الكلام عن النفقات: (ابدأ بنفسك).
وسيأتينا مراراً وتكرارً أن زكاة الفطر تشبه إلى حَدٍّ كبير أحكام النفقات - كما سيأتينا.
- الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (على كل حرٍّ وعبد وصغير وكبير ... الخ. وأول من يدخل بهذا اللفظ نفس الإنسان.
• ثم بين - رحمه الله - القاعدة العامة فيمن يجب على الإنسان أن يخرجها عنهم بقوله - رحمه الله -:
ومسلم يمونه.


من الأسئلة:
= ما حكم اتخاذ سن من الذهب للزينة؟
- لا يجوز اتخاذ سن من الذهب للزينة لأنه تقدم معنا أنه يجوز للضرورة والسن الذي للزينة ليس من الضرورة في شيء ثم هو ليس باليسير.
(((الأذان))).
قال شيخنا حفظه الله:
أسألكم سؤالاً: ما هي المناسبة أن المؤلف - رحمه الله - ذكر ما يجوز اتخاذه من الذهب والفضة دون ما لا يجوز؟
لأنه يترتب على هذا مسألة الزكاة.


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• باب زكاة الفطر
بين المؤلف رحمه الله في الدرس السابق أنه يجب على الإنسان أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وتحدثت عن أدلة هذا الحكم.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - في هذا الدرس إلى الكلام عن الذين يلزم الإنسان أن يخرج زكاة الفطر عنهم:
• فقال - رحمه الله -:
ومسلم يمونه.
عني: ويجب أن يخرج زكاة الفطر عن كل مسلم يقوم هو بالنفقة عليه من الأبناء والزوجات والعبيد ... إلخ.
فهذه هي القاعدة العامة عند الحنابلة.
والدليل على هذا:
- رواية في حديث ابن عمر أنه قال: (وعمن يمونون).
والذين يخرج الإنسان الصدقة عنهم ثلاثة أصناف:
- الصنف الأول: الزوجات.
- الصتف الثاني: العبيد.
- الصنف الثالث: الأقارب.


نبدأ بالصنف الأول: - الزوجات.
= ذهب جماهير أهل العلم إلى أنه يجب على الإنسان أن يخرج زكاة الفطر عن زوجته وأنه لا يجب عليها هي أن تخرج ذلك.
واستدلوا بأمرين:
- الأول: الرواية السابقة: (وعمن يمونون) والزوجة ممن يجب على الإنسان أن ينفق عليها.
- الثاني: أن صدقة الفطر تقاس على النفقة لأن كلاً منهما يتعلق بالبدن.
= والقول الثاني: للأحناف واختاره من المحققين ابن المنذر - رحمه الله - أنه يجب على الزوجة أن تخرج هي بنفسها الزكاة ولا يجب على الزوج أن يخرج زكاة الفطر عنها إلا إذا أراد أن يتبرع.
واستدلوا على هذا:
- بقوله - صلى الله عليه وسلم -: - في حديث ابن عمر: (فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير قال على الحر والعبد والذكر والأنثى) وهو بعمومه يتناول الزوجة.
وسيأتينا الراجح بعد أن نستكمل الحديث عن الأصناف الثلاثة.
- الصنف الثاني: العبيد. والعبيد يجب على الإنسان أن يخرج زكاة الفطر عنهم بالنص والإجماع فهي مسألة لا إشكال فيها.
- أما النص فقواه - صلى الله عليه وسلم -: (ليس على الإنسان صدقة في فرسه ولا في عبده إلا زكاة الفطر) وهذا الحديث في صحيح مسلم.
- والإجماع: فقد أجمع أهل العلم على أنه يجب على الإنسان أن يخرج الزكاة عن عبده.
- الصنف الثالث: الأقارب. وهو أنواع:
- النوع الأول: الأبناء. - الصغار: فقد أجمع أهل العلم على أنه يجب على الأب أن يخرج زكاة الفطر عنهم.
- النوع الثاني: الأبوين: كذلك أجمع أهل العلم ولم يخالف إلا أبو حنيفة في أنه يجب على الإنسان أن يخرج الزكاة عن أبويه.
- والنوع الثالث: بقية الأقارب: فيهم خلاف.
والراجح والله أعلم. أنه:
- يجب على الإنسان أن يخرج زكاة الفطر عن كل شخص يجب عليه أن ينفق عليه من الزوجات والأبناء والأقارب والآباء.


والدليل على هذه القاعدة والتي تشمل الأصناف جميعاً:
- أولاً: قوله: (وعمن يمونون) وهذا اللفظ ضعيف لكنه يصلح للإستدلال به لأنه صح موقوفاً. فهو فتوى من صحابي.
- ثانياً: عرفنا فيما سبق أنه فيث بعض المواضع - في ثلاثة مواضع - أجمع أهل العلم على وجوب إخراج زكاة الفطر عنهم وهم: العبيد والأبناء الصغار والآباء مع خلاف أبي حنيفة في الآباء فقط. وإذا نظرت في المواضع التي أجمع عليها أهل العلم لم تجد قاسماً مشتركاً بينها ولا معنى تخرج عليه إلا وجوب النفقة.
فتبين أن من وجبت نفقته وجب إخراج زكاة الفطر عنه.
- ثالثاً: ما تقدم معنا: أن زكاة الفطر في الحقيقة تتعلق بالبدن وليست تتعلق بالمال. فهي تشبه من هذه الجهة النفقة وتأخذ أحكامها.
فهذا القول هو الراجح فيما ظهر لي بعد تأمل في النصوص والأدلة:
أن الإنسان يجب عليه أن يخرج زكاة من وجب عليه أن ينفق عليهم.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولو شهر رمضان.
قصده في قوله: (ولو شهر رمضان): أنه يجب على الإنسان أن يخرج زكاة الفطر عمن تبرع بالنفقة عليه كما إذا قدم ضيف سكن عنده في رمضان فإنه إذا جاء وقت زكاة الفطر وهذا الضيف الذي تبرع بالنفقة عليه لكونه ضيفاً يجب أيضاً عند الحنابلة أن يخرج زكاة الفطر عنه على سبيل الوجوب.
بناء على هذا: الضيوف الذين يأتون عادة في العشر الأواخر من روضان إذا بقوا عند الإنسان في بيته ينفق عليهم فإنه يجب عليه وجوباً أن يخرج زكاة الفطر عنهم. = عند الحنابلة.
= القول الثاني: أنه لا يجب على الإنسان أن يخرج زكاة الفطر عمن أنفق عليه تبرعاً.
وهذا القول اختاره عدد من المحققين المتقدمين.
واستدلوا:
- بأن الأصل براءة الذمة وعدم الوجوب ولا دليل على إخراج الصدقة عمن لا تجب نفقته.
وهذا القول الثاني: هو الصواب. وقوة هذا القول ظاهره ولله الحمد.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن عجز عن البعض.
يعني: إذا لزمته زكاة الفطر عن عدد من أقاربه بما فيهم الزوجات والآباء والأبناء والعبيد ولكنه لا يستطيع أن يخرج زكاة الفطر عن الجميع فيرجع إلى الترتيب الذي ذكره المؤلف - رحمه الله -:
• قال - رحمه الله -: - أولاً:
بدأ بنفسه.
أول ما يبدأ بنفسه:


- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم معنا: (ابدأ بنفسك) وهو في سياق الكلام عن النفقة.
- الدليل الثاني: أن نفقة الإنسان نفسه مقدمة على غيره فكذلك زكاة الفطر.
ثم في المرتبة الثانية:
• قال - رحمه الله -:
فامرأته.
وأتت المرأة في النرتبة الثانية لـ: تأكد النفقة. والإجماع على وجوبها في حق الزوجة فتكون هي في المرتبة الثانية.
• ثم قال - رحمه الله -:
فرقيقه.
يأتي الرقيق في المرتبة الثالثة لأمرين:
- أولا ً: أن وجوب زكاة الفطر على السيد متفق عليه ومحل إجماع كما تقدم.
- ثانياً: أنه يجب على الإنسان أن ينفق على العبد الذي يملكه سواء كان السيد موسراً أو معسراً فإن النفقة لا تسقط.
المرتبة الرابعة:
• قال - رحمه الله -:
فأُمه.
الأم تأتي في المرتبة الرابعة:
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل عن أوجب الناس برا فقال: أمك ثم أمك ثم أمك وقال في الرابعة قال ثم أبيك.
فدل الحديث على أن الأم مقدمة على الأب في البر.
• ثم قال - رحمه الله -:
فأَبيه.
- للحديث السابق حيث أنه يأتي في البر بعد الأم.
• ثم قال - رحمه الله -:
فولده.
يعني: أنه يجب بعد هؤلاء وفي الأخير: الولد. - لأنه محل إجماع بالنسبة للصغير. في زكاة الفطر وأيضاً محل إجماع في وجوب النفقة فجاء مقدماً على بقية الأقارب.
= والقول الثاني: أن ابن الإنسان مقدم على أبويه وزوجته.
والراجح مذهب الحنابلة.

ثم قال - رحمه الله -:
فأقرب في ميراث.
بعد هؤلاء: يرتب الأقارب حسب قربهم باعتبار الميراث.
والتعليل:
- لأن من كان أقرب فهو أولى.
وإنما يتصور أن يكون عند الإنسان كل هؤلاء أبناء وآباء وأقارب وعبيد، يتصور غالباً في أحد حالين: - إما في المجاعات والكوارث العامة حيث يمتليء البيت من العائلة الواحدة.
- أو في الحروب. فإنه في الحروب يجتمع في البيت الواحد من الأقارب عدد كبير.
ففيما سوى هاتين الحالتين يندر أن يجتمع عند الإنسان مثل هذا العدد من الأقارب حتى يحتاج إلى أن يرتبهم حسب الترتيب الفقهي الذي ذكره الحنابلة.
على كل حال: هذا هو الترتيب إذا فرض أنه وجب على الإنسان أن ينفق على كل هؤلاء.
• ثم قال - رحمه الله -:
والعبد بين شركاء عليهم صاع.


مقصوده: أنه إذا كان العبد مملوكاً لأكثر من شخص فإن الصاع يجب على الملاك جميعاً لكن يقيد ذلك بأنه بحسب الملك.
فمن ملك ثلثي العبد وجب عليه أن يخرج ثلثي الصاع وهكذا.
وحكي على هذه المسألة الإجماع ولم يخالف إلا أبو حنيفة فإنه قال ليس عليهم شيء.
وعن الإمام أحمد روية أنه على كل مالك صاع ولو كثر الملاك.
- مسألة: كيف نقول: أن المسألة إجماع ثم نذكر رواية أخرى عن الإمام أحمد؟
الجواب: أن الإمام أحمد رجع عن هذه الرواية وقوله الأخير هو الموافق للإجماع فلما رجع عن هذه الرواية أجمعو ولم يوجد مخالف إلا ما ذكرت عن أبي حنيفة.
والصواب مع الجماهير أن عليهم صاع بحسب ملكهم.

ثم قال - رحمه الله -:
ويستحب عن الجنين.
أي ولا يجب.
فيستحب للإنسان إذا كان الجنين في بطن زوجته أن يخرج عنه صاعاً على سبيل زكاة الفطر.
وظاهر كلام المؤلف - رحمه الله - أن استحباب زكاة الفطر عامة سواء كان هذا الحنين نفخت فيه الروح أو لم تنفخ فيه الروح.
وسواء كان في أول الحمل أو بعد التخليق.
وبعبارة أخرى في كل مراحل الحمل.
دليل الاستحباب:
- أنه روي أن عثمان - رضي الله عنه - أمر بإخراج زكاة الفطر عن الحمل.
= والقول الثاني: أن إخراج زكاة الفطر عن الحمل واجب.
= والقول الثالث: أنه يجب أن يخرج زكاة الفطر عن الحمل إذا نفخت فيه الروح.
والصواب أنه مستحب. إذ لادليل على الوجوب والجنين في البطن لا تتعلق به الأحكام إلا في موضعين: - الإرث. - والوصية.
أما ما عداهما فلا تتعلق به الأحكام.
فالصواب والله أعلم أنه يستحب.
لكن كما أشرت مراراً وتكراراً أنك إذا عرفت الخلاف في هذه المسألة عرفت أن الاحتياط أن الإنسان إذا كان مستطيعاً أن يخرج عن الحمل صاعاً زكاة فطرة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا تجب لناشز.
يعني لا يجب على الزوج أن يخرج زكاة الفطر عن زوجته الناشز.
التعليل:
- لأنه لا تجب نفقتها وسبيل زكاة الفطر سبيل النفقة.
لذلك نقول أن قول المؤلف - رحمه الله - ولا تجب لناشز. إنما هو على سبيل التمثيل ومثل به لأنه هو الغالب.
والقاعدة: أن كل زوجة لا يجب على الزوج أن ينفق عليها فلا يجب تبعاً لذلك أن يخرج زكاة الفطر عنها.
كالزوجة التي لم يدخل بها.


ثم قال - رحمه الله -:
ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه: أجزأت.
إذا أخرج الإنسان عن نفسه زكاة الفطر وهي تجب على غيره فينقسم إلى قسمين:
- الأول: أن يكون بإذن الغير. الذي يجب عليه أن يخرجها عنه فهذا مجزئ بالإجماع.
- الثاني: وهو الذي ذكره المؤلف: أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه بغير إذن من تجب عليه:
كأن تخرج الزوجة زكاة الفطر بغير إذن الزوج أو الابن الصغير بغير إذن أبيه. فالحنابلة يرون أن هذا مجزئ ولو لم يأذن من تجب عليه الزكاة.
واستدلوا على هذا:
- بأن المخرج أخرج الزكاة عن نفسه والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: على كل حر وعبد فدخل في الحديث.
= والقول الثاني: أنه لا تجزئ عنه.
- لأنه فعل ما يجب على غيره بغير إذنه.
- وقياساً على زكاة المال.
والصواب إن شاء الله أنها تجزئ.
لكن لا ينبغي للإنسان أن يصنعى هذا الأمر بأن يخرج الزكاة وهي تجب على غيره إلا بعد أن يستأذن هذا الغير خروجا من الخلاف.
ثم انتقل - رحمه الله - إلى مسألة مهمة وهي: وقت الوجوب:
• فقال - رحمه الله -:
وتجب بغروب الشمس ليلة الفطر.
نقل عن الإمام أحمد - رحمه الله - أربع روايات. لكن أصول الأقوال قولان فقط وهما روايتان:
- الأولى: هي المذهب: أنه بغروب الشمس ليلة العيد تجب زكاة الفطر. وهو مذهب الجمهور.
واستدلوا على هذا القول:
- بقول ابن عمر - رضي الله عنه -: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر) فأضاف الزكاة إلى الفطر.
قالوا: والإضافة تقتضي التخصيص والسببية. وأول وقت يحل فيه الفطر هو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان.

= والقول الثاني: وهو رواية عن أحمد: أن الوجوب يتم بطلوع الفجر الثاني يوم العيد.
واستدلوا:
- بنفس الحديث: فقالوا: قوله: (فرض رسول - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر) يعني: زكاة يوم الفطر ويوم الفطر يبدأ من طلوع الفجر الثاني.
- وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون) فأطلق على يوم العيد أنه يوم الفطر.
والأقرب القول الأول. - لأن ليلة العيد يحصل بها الفطر وتترتب عليها الأحكام من مشروعية التكبير وغيره مما يتعلق بالفطر فدل على أنه زمن الوجوب.


ولا يخفاكم أن ثمرة الخلاف في الليل: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني. فمن ولد أو مات ... الخ كما سيذكره المؤلف في هذا الوقت صار محل خلاف.
• يقول - رحمه الله -:
فمن أسلم بعده، أو ملك عبداً، أو تزوج، أو ولد له ولد: لم تلزمه فطرتهم.
لأنهم وقت الوجوب ليسوا من أهل الوجوب بالنسبة للمنفق.
فإذا ولد للإنسان مولود بعد مغيب الشمس فإنه لا يجب عليه أن يخرج فطرته.
وكذا لو اشترى عبداً وتزوج زوجة.
= وعلى القول الثاني: تجب عليه.
أما لو ولد للإنسان مولود بعد طلوع الفجر الثاني فإنه بالإجماع لا يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عنه لأنه وقت الوجوب ليس من أهل الوجوب.
• ثم قال - رحمه الله -:
مقرراً لما تقدم وهو أمر واضح:
وقبله تلزم.
قبل هذا الوقت: يعني: إذا أسلم قبل غروب الشمس أو ملك أو تزوج أو ولد قبل غروب الشمس فإنه تلزم الإنسان نفقة هؤلاء.
أي تلزمه زكاة الفطر عنهم.
وقد عرفت الخلاف في هذه المسألة.

ثم قال - رحمه الله -:
ويجوز إخراجها: قبل العيد بيومين فقط.
= يجوز عند الحنابلة أن نخرج زكاة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين.
- لما صح عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: (كانوا يخرجون زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين) وهذا الحديث ثابت في الصحيح وهو نص في المسألة.
= القول الثاني: أنه يجوز أن نخرج زكاة الفطر قبل العيد بثلاثة أيام.
= القول الثالث: أنه يجوز أن نخرج زكاة الفطر من أول الشهر.
واستدل هؤلاء:
- بأن سبب الوجوب مركب من أمرين: الصوم والفطر. فإذا وجد أحد السببين جاز إخراج الزكاة.
- وبأن في هذا توسعة على المسلمين لا سيما إذا كان أهل الزكاة يحتاجون إلى مشقة في الوصول إليهم.
والصواب مع الحنابلة لأن معهم نصاً ظاهراً صريحاً واضحاً أنهم كانوا يخرجون الزكاة قبل العيد بيوم أو يومين فقط والتقييد بثلاثة أو بأول الشهر قول ضعيغ مخالف للنص الصريح.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويوم العيد قبل الصلاة أفضل.
يعني أن أفضل الأوقات لإخراج الزكاة هو ما بين طلوع الفجر إلى صلاة العيد.
وهذه الأفضلية محل إجماع ويدل عليه:
- ما في حديث بن عمر أنه - رضي الله عنه - قال: وكانوا يأمرون بها أن تخرج قبل صلاة العيد.


= - ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة).
فإذاً اعتبار الوقت هو أفضل الأوقات دل عليه النص والإجماع فلا إشكال فيه.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتكره في باقيه.
يتركب هذا من قولين - هذه العبارة تدل على مسألتين بعبارة أخرى:
- أنه يجوز أن نخرج الزكاة بعد الصلاة ولكنه مكروه.
أما دليل الكراهة فهو: - مخالفة السنة فإنهم كانوا يخرجونها قبل الصلاة.
وأما دليل الجواز:
- فعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم). يعني بزكاة الفطر.
والإغناء يحصل ولو بعد الصلاة.
= والقول الثاني: أنه يجوز بلا كراهة أن يخرج الزكاة بعد الصلاة.
= والقول الثالث: أنه يحرم ولا يجزئ أن يخرج الزكاة بعد الصلاة.
واستدل هؤلاء بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أخرجها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات). فنص الحديث على أنها إذا أخرجت بعد صلاة العيد لا تعتبر زكاة فطر فدل على أن هذا محرم وأنه لا يجزئ.
وهذا اختيار شيخ الاسلام وابن القيم وهو في الحقيقة الذي يتوافق مع النصوص وإن كان يخالف مذهب أكثر أهل العلم.
ويستثنى من هذا: إذا كان التأخير له سبب مقبول. وعذر واضح فإنه حينئذ يرجى أنه إن شاء الله تجزئ عنه ولا يأثم بهذا التأخير كأن لا يجد من يعطيه أو يضيع المال أو - وهو أكثر الأعذار انتشاراً - أن يوكل شخصاً ولا يخرج هذا الموكل الزكاة فإنه من أكثر أسباب التأخر كأن يفرط الموكل فإن الموكل لا حرج عليه وله أن يخرج بعد الصلاة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويقضيها بعد يومه آثماً.
يعني أنه إذا لم يخرج في كل اليوم فإنه آثم وعمله محرم ويجب عليه أن يتوب ولكن مع ذلك يجب أن يخرج الزكاة وتصبح قضاء.
واستدلوا على هذا:
- بأن زكاة الفطر تعلق بها حقان:
- الأول: حق الآدمي.
- والثاني: حق الله سبحانه وتعالى.
فحق الله بين الإنسان وربه سبحانه وهو آثم ويحتاج إلى توبه.
أما حق الآدمي فهو دين في ذمة الذي يجب عليه إخراج الزكاة ولا يسقط بمضي الوقت قياساً على دين الآدمي فيجب أن يخرج الزكاة بعد العيد.


هذا القول: الذي فيه وجوب إخراج الزكاة بعد العيد = مذهب الجماهير وحكاه بعضهم إجماعاً.
لكن الذين حكوا الإجماع هم من المتأخرين فلم أر أحداً من المتقدمين - حسب ما وقفت عليه - حكى الإجماع. ولكن هذا الإجماع يدلك على أن هذا القول هو قول عامة أهل العلم.

= والقول الثاني: أنه لا يجزئ ولو أخرجها فلا قيمة لها لا أداء ولا قضاء ولا ينظر إليها وهو أيضاً اختيار الشيخين: ابن تيمية وابن القيم وتمسكوا بالحديث.
- وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ومن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات).
واختيارهم قوي. ومذهب الجماهير أحوط. فنقول للإنسان: مهما أخرت الزكاة أخرجها لأنها كالدين في ذمتك.
وما استدل به الجمهور فقوي وهو أن هذا دين يتعلق به حق الفقراء فمهما أخر فيجب أن يخرج قياساً على زكاة المال. فإن زكاة المال لها موعد إذا أخر عنه أثم من أخره كما سيأتينا على الخلاف في تحديد هذا الموعد.
ومع ذلك نقول: مهما أخرت وأثمت وارتكبت هذا المحرم فيجب أن تخرج الزكاة فكذلك هنا نقول. مهما أخرت وأثمت فيجب أن تخرج الزكاة.

فصل
[في قدر الواجب ونوعه ومستحقه وما يتعلق بذلك]
• ثم قال - رحمه الله -:
(فصل).
المقصود بهذا الفصل بيان القدر الواجب وما يتعلق بالأجناس وما يجزئ منها وما لا يجزئ. وهو مبحث مهم جداً.
• قال - رحمه الله -:
ويجب صاع.
الصاع: مكيال معروف. والمقصود بالصاع هنا: صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أربع أمداد. فهذا هو المقصود بقول الفقهاء: يجب صاع.
• قال - رحمه الله -:
يجب صاع من بر أو شعير ..... إلى آخره ..
= ذهب الأئة الثلاثة إلى أنه لا يجزئ من جميع الأصناف إلا إخراج صاع كامل سواء كان المخرج بر أو شعير أو تمر أو إقط أو زبيب أو أي نوع مما سيأتينا.
واستدلوا على هذا:
- بقول ابن عمر - رضي الله عنه -: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر.
- وبحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال: كنا نخرج الزكاة إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا صاعاً من طعام أو شعير أو إقط أو زبيب أو تمر. وهذه أربعة أصناف.


ففي الحديثين لم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين نوع وآخر.
= القول الثاني: أنه يجوز في البر خاصة نصف صاع. وإلى هذا ذهب الأحناف وبعض اليلف على رأسهم الإمام الكبير سعيد بن المسيب وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية.
واستدلوا بعدة أدلة:
- الدليل الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صاع من بر يكفي عن اثنين). وهو حديث إما ضعيف أو ضعيف جداً.
- الدليل الثاني: أن المسلمين استمروا على هذا العمل من زمن معاوية إلى أزمان متأخرة بعده. فما زال عمل المسلمين على هذا.

- الدليل الثالث - والأخير -: أن هذا القول مروي عن عدد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والراجح والله أعلم القول الأول وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد.
- لأن أبا سعيد الخدري وهو أعرف الناس بهذه المسألة قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا صاعاً من تمر أو شعير أو إقط أو زبيب حتى إذا قدم معاوية قال: أرى نصف صاع من سمراء الشام تكفي عن صاع من هذا التمر قال: فأخذ الناس بذلك.
وسمراء الشام: هو القمح الدمشقي. والمقصود به: البر. قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنا نخرجه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومع كون القول بوجوب إخراج الصاع هو الراجح إلا أنه لا يخفى أبداً قوة القول الثاني. لا سيما وقد عمل به نحو خمسة من الصحابة فكلهم يرى هذا الرأي ولا سيما أن معاوية خطب بهذا على المنبر وأخذ الناس به والناس في زمن معاوية هم الصحابة والتابعون. فهذا القول قوي ولهذا اختاره شيخ الاسلام بن تيمية لهذه الاعتبارات.
لكن القول الراجح هو القول الأول باعتبار أن في المسألة نص وباعتبار أن أبا سعيد الخدري لم يرض بهذا القول وإنما رأى أنه يلزمهم أن يستمروا على إخراج صاع مهما كان نوع المخرج.
• قال - رحمه الله -:
ويجب صاع من بر.
البر لم يذكر في النصوص لكن أهل العلم أجمعوا على أنه يجزئ لأنه أولى مما ذكر من الشعير وغيره.
• قال - رحمه الله -:
أو شعير.
الشعير مذكور في جميع الأحاديث. أنه من الأصناف التي يجزئ إخراجها في زكاة الفطر: في حديث ابن عمر وفي حديث أبي سعيد الخدري.

قال - رحمه الله -:


أو دقيقهما.
يعني: أنه يجوز أن نخرج دقيق القمح أو دقيق الشعير. لأن الدقيق هو عبارة عن القمح والشعير مطحون فهو أجزاء لما يشرع إخراجه. فدقيق القمح أجزاء للقمح ولذلك جاز إخراجه.
لكن يشترط:
1 - أن يكون بالوزن.
2 - وأن يحتاط إذا كان ثقيلاً بالزيادة. فيحتاط إذا كان وزنه ثقيل بأن يزيد عليه.
لأن الصاع مكيال وليس ميزان.
والصاع بالميزان الحديث اختلفوا فيه:
= منهم من قال: كيلوين وربع.
= ومنهم من قال: كيلوين ونصف.
= ومنهم من قال: كيلوين وأربعين جرام.
هذه ثلاثة أقوال. الوسط منها هو اختيار شيخنا - رحمه الله - وهو الأقرب لكون الشيخ - رحمه الله - بيده قد قاس هذا الأمر فنحن نرى أن هذا أدق شيء.
فكيلوين وأربعين جرام إذا كان البر ثقيل صار كمية قليلة من البر تزن كيلوين وأربعين جرام بينما لو وضعنا هذه الكمية في المكيال لكانت أقل من صاع لأن المكيال يعتمد على الحجم والميزان يعتد على الوزن. فإذا كان ثقيلاً فيجب أن نحتاط بالزيادة.,
والفقهاء - رحمهم الله - كلهم يقولون: إذا أردت أن تخرج دقيق فيجب أن يكون بالوزن حتى ينضبط ويجب أن تحتاط إذا كان ثقيلاً.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو سويقهما.
يعني سويق الشعير والبر.
والسويق هو: ما يحمص من هذه الأشياء ثم الطحن.
فهو في الحقيقة قريب من الدقيق لكنه قبل أن يطحن يحمص فالحكم واحد.

ثم قال - رحمه الله -:
أو تمر أو زبيب أو أقط.
هذا مذكور في حديث أبي سعيد الذي ذكرته لك آنفاً فقد ذكر فيه: التمر والزبيب والإقط. فزاد الزبيب والإقط.
هذه الخمسة أصناف هي التي نص عليها الفقهاء - رحمهم الله -:
1 - البر.
2 - والشعير.
3 - والتمر.
4 - والزبيب.
5 - والإقط.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن عدم الخمسة: أجزأ كل حب وثمر يقتات ... إلخ.
= أفادنا المؤلف - رحمه الله - بهذه العبارة أنه لا يجوز أن نخرج من غير هذه الأصناف الخمسة إذا كانت موجودة فإذا وجدت وأخرج الإنسان غيرها ولو كان هذا الغير من قوت البلد فإنه: لا يجزئ.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على هذه الأصناف.
- والصحابة اتفقوا على البر.
فهي أصناف منصوص عليها ومتفق عليها لا يخرج عنها إلا إذا لم توجد.


= والقول الثاني: أنه يجوز أن نخرج من أي نوع من الطعام بشرط أن يكون قوتاً للبلد.
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نص على هذه الأصناف لأنها في وقتهم هي قوت البلد. بدليل: أنه لم يذكر البر مع أنه أعلى هذه الأصناف لأنه لا يوجد في المدينة بكثره.
فنص على الأقوات المعروفة في المدينة.
بناءً عليه: يجوز للإنسان أن يخرج أي نوع من أنواع الطعام إذا كان قوتاً ولو لم يكن من هذه الأصناف المنصوص عليها.
ووقتنا هذا يؤكد رجحان هذا القول:
لأن من الأصناف الآن: الشعير وهو صنف لا يقتات أبداً ولا ينتفع منه الفقير ولا أظن أحداً يقول أنه يخرج شعيراً ولو كان منصوصاً عليه لأن الفقير لا ينتفع منه مطلقاً.
وبالإجماع المقصود من زكاة الفطر إغناء الفقير وأن ينتفع بها فكيف نعطيه ما لا ينتفع به.
فدل هذا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد أن ينص على الأقوات فمهما كان الطعام قوتاً جاز أن يخرج.
بل من الممكن أن نقول: كما ذكرت الآن: أنه إذا كان بعض هذه الأنواع أصبح ليس من الأقوات فإنه لا يشرع أن نخرجه:
- لأنا نجزم أن العلة هي القوت فإذا خرج عن أن يكون قوتاً صار لا يجزئ.
• ثم قال - رحمه الله -:
أجزأ كل حب وثمر يقتات.
لما تقدم من أن القاسم المشترك بين الأصناف أو العلة المعتبرة فيها هي: الاقتيات.
• ثم قال - رحمه الله -:
لا معيب.
يعني: لا يجوز أن يخرج الإنسان لا من هذه الأصناف ولا من غيرها إذا لم توجد شيئاً معيباً.
- لقوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ... } [البقرة/267]
- ولأن نفع الفقير يقل أو ينعدم إذا أخرج المعيب.
والمعيب:
كـ: المبلول وكالذي تغيرت رائحته وطعمه من طول البقاء وكأي عيب يعرفه الناس.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا خبز.
لا يجوز أن يخرج الإنسان في زكاة الفطر خبزاً.
لأمرين:
- الأول: أنه لا يمكن أن نعرف بالدقة وزن هذا الخبز؟
- الثاني: أن هذا الخبز لا يبقى.
وبناءً على هذا يتضرر الفقير من تلفه ولا ينتفع به على الوجه الأكمل.
= والقول الثاني: أنه يجوز أن نخرج الخبز في حال واحدة: إذا عرف عن أهل هذا البلد أنهم يأكلون الطعام يوم العيد.
فإنه في هذه الحالة لا يفسد لأنه سيؤكل يوم العيد.


وإلى هذا القول - الثاني - ذهب الحافظ ابن القيم.
والأقرب والله أعلم: أنه لايجزئ الخبز. لأنه لا ينضبط الوزن فمهما قيل حتى لو وزنت ثم خبزت فإنه سيختلف الوزن والإنسان مطالب إبراءً لذمته أن يخرج صاعاً كاملاً. هذا من جهة.
من جهة أخرى: أنه لا شك أن البر أنفع بمراحل. لأنه وإن كان البر يخبز لكنهم يخبزونه على مراحل حسب الحاجة وأيضاً يدخر وينتفع به بشتى الوسائل بخلاف الخبز.
فالأقرب والله أعلم أنه لا يجزئ ولو كان أهل البلد يأكلون يوم الفطر.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويجوز أن يعطي الجماعة: ما يلزم الواحد.
أي: يجوز أن نعطي الجماعة من الفقراء ما يلزم الواحد يعني: الصاع. صاع واحد.
فيجوز أن نفرق الصاع بين جماعة من الفقراء.
ولكن ينبغي أن نخبر الفقير أنه أقل من صاع حتى لا يخرجه ظاناً أنه صاع.
الدليل على هذا الحكم بالنسبة لهذه الصورة:
- الإجماع. فإنه لا يوجد مخالف أن هذا جائز. فيجوز أن نعطي الجماعة صاعاً واحداً.
• ثم قال - رحمه الله -:
وعكسه.
عكس هذه الصورة: يعني يجوز أن يعطي الجماعة فقيراً واحداً.
الدليل:
- قالوا الدليل: أن الواجب إخراج صاع وقد حصل ولم ينص الشارع على تعداد الأصواع على الفقراء أو تفريق الأصواع على الفقراء بل الواجب إخراج صاع وقد حصل.
وهذا كما ترون صحيح ووجيه.
إذاً: يجوز أن يعطي الإنسان عدة فقراء ويجوز لعدة أناس أن يعطوا فقيراً واحداً.

باب إخراج الزكاة
• ثم قال - رحمه الله -:
باب إخراج الزكاة.
يعني: هذا باب خصص لبيان أحكام إخراج الزكاة.
فالحكم الأول:
• قال - رحمه الله -:
يجب على الفور مع إمكانه.
يحرم على الإنسان أن يؤخر إخراج الزكاة بعد تمام الحول.
فإن أخر فهو آثم.
الدليل:
الدليل على ذلك من وجوه:
- أولاً: أن الأصل في الأوامر أنها على الفور. وستأتيكا هذه المسألة مبسوطة أتم البسط في باب الأوامر والنواهي في أصول الفقه في الورقات.
- ثانياً: أن التأخير يؤدي إلى ضياع حق الفقير بالنسيان والإتلاف والتقصير والتفريط.
- ثالثاً: أن المأمور إذا تأخر في التنفيذ استوجب العقوبة شرعاً وعرفاً. والعقوبة تكون على المحرم.
إلا أن الحنابلة يقولون: يجوز التأخير اليسير للحاجة.


وحد بعض الحنابلة هذا اليسير:
- بيوم أو يومين.
- والمصلحة بما إذا أراد أن يعطي قرابته فأخر بعض الشيء ليتمكن من ذلك.
- أو إذا أراد أن يعطي من هو أشد فقراً فأخر ليتمكن.
- أو أراد أن يعطي من هو أورع وأقرب إلى الله.
وقد نصوا على هذه الأمثلة الثلاثة ليقاس عليها ما يشبه هذه الأمثلة الثلاثة.
= القول الثاني: أنه يجوز التأخير لمدة شهر فقط فإن زاد عن الشهر أثم.
وإلى هذا ذهب ميمون بن مهران.
= القول الثالث: أنه يجوز التأخير بلا حد.
- لأن الأمر المطلق لا يستوجب وقتاً معيناً بل يحصل الامتثال مهما صنع ولو تأخر. أو بعبارة أوضح: يحصل الامتثال إذا صنع ولو تأخر.
وإلى هذا ذهب أبو حنيفة - رحمه الله -.
وهو أضعف وأبعد الأقوال عن روح الشرع والنصوص العامة. لأن الافراط في السماح بالتأخير يؤدي غالباً إلى ضياع حق الفقير ودخول الشهوات بأن يقصد المؤخر الانتفاع بالمال لا تحقيق مصلحة معينة.
الراجح القول الأول.
وفي المسألة: = قول آخر أنه لا يجوز التأخير ولو لحاجة ولو لشي يسير.
وهذا رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله -: أنه لا يجوز التأخير مطلقاً إلا في حالة واحدة فقط: للضرورة ففي ما عدا هذه الصورة لا يجوز التأخير.
وهذا القول الأخير الذي هو رواية عن الإمام أحمد أضيق من مذهب الحنابلة.
لكن الأقرب والله أعلم مذهب الحنابلة أنه يجوز للإنسان أن يؤخر تأخيراً يسيراً لتحقيق مصلحة معتبرة.
مسألة / بناء على ما تقدم: لا يجوز للإنسان أن يصنع ما يصنعه بعض الناس اليوم: أن يجعل الزكاة عنده ويعطي قريبه الفقير أقساط شهرية فإن هذا لا يجوز لأن الأقساط المؤخرة مؤخرة والزكاة تجب على الفور.
والأنفع للفقير في مثل هذه الحالة وهي: أنه إذا رأى أن الفقير لا يحسن التصرف ولا يمكن أن يعطى جميع المال فبدل أن يقسط عليه الزكاة ويدخل في هذا المحذور يجعل الفقير يوكل المخرج أو غيره في شراء أعيان وأشياء ينتفع بها الفقير على مدار السنة.
فيشتري له قوتاً أو مسكناً أو فراشاً أو كتباً إن كان من طلاب العلم - كما سيأتينا - المهم يشتري له بها ما تقوم به حاجته في السنة فإن هذا الحل خير من التقسيط.


وقد نص الإمام أحمد في رواية أن جمع الزكاة وإخراجها مقسطة على القريب لا يجوز.
• ثم قال - رحمه الله -:
إلا لضرر.
إذا كان إخراج الزكاة الآن يسبب ضرراً على المخرج: جاز له التأخير.
وذكر الفقهاء - رحمهم الله - مثالين:
- المثال الأول: أن يكون صاحب ماشية فيبادر بإخراج الزكاة ويخشى أن يأتي السعاة فيأخذوا الزكاة منه مرة أخرى. فحينئذ فإن له أن يؤخر إلى أن يأتي عمال الصدقة فيعطيهم الزكاة.
- المثال الثاني: أن يخشى أنه إذا أخرج الزكاة لا سيما إذا كانت من الذهب والفضة: أن يجترئ عليه اللصوص. فحينئذ له أن يؤخر إلى أن يكون في مأمن.
وهذا مثالان. والقاعدة أنه ((إذا ترتب على إخراج الزكاة ضرر فله أن ينتظر)) لأن هذا من دفع الضرر. والضرورات تبيح المحرمات.

ثم قال - رحمه الله -:
فإن منعها جحداً لوجوبها كفر عارف بالحكم.
يعني: أن من لم يخرج الزكاة بسبب أنه يجحد وجوب الزكاة ... (الأذان).
إذاً: من تركها جاحداً لوجوبها فهو - نتم هذه المسألة فقط -: فهو كافر بشرط أن يكون عالماً بالحكم. فإن كان من البادية الذين نشأو في الصحراء ولا يعرف الحكم فإنه لا يكفر حتى يعلم أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وأن الجاحد لوجوبها يكفر.
والجاحد لوجوبها يكفر ولو أخرجها فلو جاءنا إنسان وقال: أنا لا أرى أن الزكاة واجبة لكن سأخرج الزكاة. فنقول: أنت كافر لأن الزكاة واجبة.
الدليل على كفره:
- أنه مكذب لله مكذب لرسوله مخالف لإجماع المسلمين.
ولهذا أصبح كافراً.
والقرآن - كما قال الفقهاء - رحمهم الله - مليء بإيجاب الزكاة فلال عذر بعد ذلك لمن أنكر الوجوب فهو كافر.


من الأسئلة:
قال شيخنا حفظه الله: يسأل عن مسألة إخراج القيمة بدلاً من الأصناف المذكورة في زكاة الفطر وهي مسألة كثر البحث فيها في وقتنا هذا: والصواب باختصار أنه: لا يجوز.
والدليل على ذلك:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراجها من هذه الأصناف وحدد هذه الأصناف.
وبناء على هذا لا يجوز أن نخرجها مالاً لأنه يؤدي إلى ذهاب هذه الشعيرة.
فإن قيل: أنه أنفع للفقراء:
فالجواب: أن الناس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أيضاً فقراء جداً حتى أن سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - كان لا يجد ما يأكل أحياناً وعدد من الصحابة فقراء وأصحاب الصفة فقراء فمعلوم أن وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشتهر فيه الفقر والإعواز ومع ذلك لم تخرج من الأموال وإنما أمر بإخراجها من هذه الأصناف المذكورة في الحديث.


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم معنا الكلام عن حكم من أنكر وجحد وجوب الزكاة وأنه يكفر ولو أخرجها لأنه مكذب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين.
• وتوقفنا على قول المؤلف - رحمه الله -:
وأخذت.
يعني إذا حكمنا عليه بالكفر فإنه مع ذلك تؤخذ منه الزكاة فيأخذها الإمام قهراً.
- لأن الزكاة وجبت في ذمته قبل أن يكفر فلا بد من إخراج هذه الزكاة لأنها حق للفقراء ولا يسقط هذه الزكاة كونه كفر.
• ثم قال - رحمه الله -:
وقتل.
وهذا هو الحكم الثالث.
إذاً يترتب على إنكار وجوب الزكاة أنه:
1 - يكفر.
2 - وتؤخذ منه.
3 - ويقتل.
يجب أن يقتل وجوباً لدليلين:
- الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا إن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة). وهذا لم يؤت الزكاة.
- الثاني: لأنه مرتد والمرتد حكمه القتل.
ولكن الفقهاء - رحمهم الله - قالوا: أنه يستتاب ثلاثة أيام قبل أن يقتل. وهذا الحكم لا يختص بجاحد الزكاة بل بكل مرتد. لأنه نقل عن بعض الصحابة أنهم أمهلوه ثلاثة أيام وسيأتينا إن شاء الله في باب حكم المرتد الكلام حول هذه المسألة.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو بخلاً. أُخذت منه وعزر
هذا هو السبب الثاني لمنع الزكاة وهو: البخل.
ومقصود المؤلف - رحمه الله - بقوله: أو بخلاً. يعني: مع الإقرار بالوجوب.
فإذا كان مقراً بالوجوب ومنعها بخلاً ترتب على ذلك الأحكام التي ذكرها المؤلف - رحمه الله -.
• أولاً: قال - رحمه الله -:
أخذت منه.


أجمع الفقهاء على أن الإمام يأخذ الزكاة قهراً من منعها بخلاً.
والحكم الثاني: ما أشار إليه بقوله - رحمه الله -:
وعزر.
وفهم من قوله: وعزر: أنه لا يكفر وهذا هو الصحيح من قولي أهل العلم أنه لا يكفر إذا كان السبب في منعه إخراج الزكاة هو البخل لا إنكار الوجوب.
إلى هذا ذهب الجماهير والجم الغفير وهو المنقول عن الصحابة أن من منع إخراج الزكاة بخلاً لا يكفر.
إذاً قال: وعزر: فهو لا يكفر ولا يقتل وإنما يعزر.
- لأن القاعدة عند أهل العلم أن كل ذنب لم يرتب الشارع عليه حداً ولا كفارة ففيه التعزير.
والمقصود بقوله: التعزير. هنا أي: يعزره حسب ما يراه الإمام كافياً في ردعه وردع أمثاله الذين يمتنعون عن إخراج الزكاة.
= وذهب بعض أهل العلم إلى أن التعزير هنا يكون بأخذ شطر ماله.
- لأن رجلاً امتنع عن إخراج الزكاة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنا آخذوها وشطر مالك). وهذا الحديث اختلفوا في تصحيحه وتضعيفه.
والصحيح إن شاء الله أنه صحيح. وممن صححه الإمام أحمد - رحمه الله - ولكن مع ذلك الجماهير وأكثر أهل العلم لم يأخذوا بهذا الحديث.
وممن لم يأخذ بهذا الحديث الإمام أحمد - رحمه الله - مع أنه صححه لكنه - رحمه الله - صححه وقال: لا أدري ما وجهه.
والسبب الذي جعلهم لا يعملون بهذا الحديث:
- أن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يأخذوا ممن منع الزكاة شطر ماله هذا أولاً.
- ثانياً: ما حكاه بعض الفقهاء بقوله: انعقد الإجماع على عدم العمل بهذا الحديث.
فلهذين السببين لم يأخذ الجمهور بهذا الحديث.
= والقول الثاني: العمل بمقتضى هذا الحديث.
واختلف الذين رأوا أن يعملوا بهذا الحديث: هل مقصود النبي - صلى الله عليه وسلم -: (شطر ماله) يعني شطر ماله الزكوي أو شطر ماله كله؟ فإذا كان عنده مائة من الإبل ولم يخرج زكاتها نأخذ الزكاة ونصف المائة أو المقصود أن تؤخذ الزكاة وشطر كل ماله فلو كان عنده مائة من الإبل ومائة من الغنم ومائة من البقر وما يقدر بمائة ألف من عروض التجارة ... إلخ. ومنع الزكاة في شيء واحد - في الإبل مثلاً - فنأخذ زكاة الإبل ونصف جميع هذه الأموال.؟
= الذي عليه الجمهور أن المقصود: شطر ماله الزكوي.


- قال الصنعاني: قوله: (وشطر ماله) يعني: بعض ماله. وهذا يشعر أنه يميل إلى قول الجمهور.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتجب: في مال صبي ومجنون، فيخرجها وليهما.
تقدم معنا في أول الباب الكلام عن حكم زكاة مال الصبي وحكم زكاة مال المجنون وأن الجماهير من أهل العلم رأوا وجوب إخراج الزكاة من مال الصبي وأن من عليه أن يخرج هو: الولي. وأن هذا مذهب أكثر الصحابة.
وتقدم معنا الكلام عن هذه المسألة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا يجوز إخراجها إلاّ بنية.
المقصود بالنية هنا: أن ينوي أن هذا المال زكاة.
والدليل على وجوب النية في إخراج الزكاة:
- قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات).
- والدليل الثاني: أن الزكاة عبادة بل من أعظم العبادات فهي ركن من أركان الإسلام وأي عبادة لا تصح إلا بنية.
يستثنى من هذه المسألة - وجوب النية -: مسألة واحدة وهي: إذا أخرج الإمام الزكاة قهراً لمن ترك الإخراج سواء كان جحداً أو بخلاً. فهنا يكتفي بنية الإمام عن نية المزكي.
وتجزيء مانع الزكاة وليس له الأجر.
- ومعنى قول الفقهاء: تجزئ: يعني لا يجوز أن يطالب بها مرة أخرى.
- ومعنى: أنه ليس له أجر: أي لا يؤجر عليها وإنما تبرأ ذمته فقط مع الإثم.
فهو - نسأل الله العافية والسلامة - يخرج الزكاة ولا أجر له وعليه الإثم.

ثم قال - رحمه الله -:
والأفضل: أن يفرقها بنفسه.
الأفضل في الزكاة سواء كانت زكاة مال أو زكاة الفطر فالأفضل أن يخرجها بنفسه.
وسواء كانت الزكاة من الأموال الظاهرة أو من الأموال الباطنة.
وسواء كان المزكي صغيراً أو كبيراً بشرط أن يتمكن من الإخراج إذا كان صغيراً.
الدليل على أن هذا هو الأفضل من وجهين:
- الأول: ليباشر أداء العبادة. فإن مباشرة أداء العبادة فضل في حد ذاتها.
- الثاني: ليستيقن من وصول الزكاة لمستحقيها على الوجه المطلوب ليحصل له اليقين من وصول الزكاة إلى مستحقيها على الوجه المطلوب.
فإن الإخلال يقع أحياناً في إعطاء الزكاة لغير مستحقها ويقع أحياناً في أعطاء الزكاة لمستحقها لكن يكون الخلل في كيفية الإعطاء.
مثال ذلك: تقدم معنا أن الفقراء والمساكين يجب أن يملكوا الزكاة ولا يجوز أن يعطوا عروضاً.


فمن الخطأ أن نشتري بالزكاة مؤونة للفقير فهذا خطأ في كيفية الإخراج وإن كان صواباً من حيث المستحق للزكاة.
الخلاصة: أنه ينبغي أن يفرق الإنسان بنفسه ليأمن من الخطأ فيها - في الكيفية وفي المستحق.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويقول عند دفعها هو وآخذها ما ورد.
يعني ويستحب أن يقول الدافع ماورد والآخذ ما ورد.
فالدافع: يستحب أن يقول: اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً. وهذا الحديث ضعيف.
والصواب أنه لا يوجد دعاء فيما أعلم خاص نصت عليه السنة يقوله من أراد أن يخرج الزكاة.
أما الآخذ: فثبت في صحيح البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان إذا أخذ الزكاة من أربابها صلى عليهم.
ولما جاء بزكاة آل أبي أوفى قال: اللهم صل على آل أبي أوفى.

- مسألة: هل يختص هذا الدعاء بما إذا أخذ الإمام الزكاة أو يقوله من أخذها ولو كان هو الفقير مباشرة؟
الأقرب والله أعلم - كما هو ظاهر كلام المؤلف أنه يشمل الفقير والإمام فكل من أخذ الزكاة يشرع له أن يدعو لمن أعطاه بهذا الدعاء وهو أن يصلي عليه.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى مسألة أخرى:
• فقال - رحمه الله -:
والأفضل إخراج زكاة كل مال: في فقراء بلده.
مقصود بقوله: بلده يعني: بلد المال لا بلد الرجل أي في فقراء بلد المال.
وقوله: الأفضل: يعني ويجوز أن يخرج الزكاة في غير بلده بشرط: أن يكون بين بلده والبلد الذي أخرج فيه الزكاة دون مسافة القصر.
والدليل:
- أن البلد الذي لا يبعد مسافة قصر حكمه حكم بلد المال.
إذاً فقول المؤلف: الأفضل يتعلف بالبلد الذي لا يبعد مسافة قصر ولا يريد المؤلف مطلقاً أن توزيع المال في البلد أفضل ويجوز في غيره. إنما هو أفضل ويجوز في غيره فقط إذا كان دون مسافة القصر.
أما إذا كان مسافة قصر فبين المؤلف حكمها:
• فقال - رحمه الله -:
ولا يجوز: نقلها إلى ما تقصر فيه الصلاة.
نقل الزكاة إلى خارج بلد المال الذي يبعد مسافة قصر محل خلاف لكن قبل أن نذكر الخلاف نذكر محل الوفاق:


- اتفق أهل العلم كلهم على أنه يجوز إخراج الزكاة من بلد المال إذا استغنى كل الفقراء فيها وفاض منها فائض جاز أن نخرجها إلى البلدان الأخرى وسيأتينا في كلام المؤلف أنه يخرجها حسب الأقرب فالأقرب.
إذا بقي في البلد فقراء فهذا محل خلاف بين أهل العلم:
= فذهب الأئمة الثلاثة والجماهير إلى أنه لا يجوز للإنسان أن يخرج الزكاة من بلده إلى بلد آخر ذهب إلى هذا: مالك والشافعي وأحمد.
واستدلوا:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) فأمر برد الزكاة في فقراء البلد.
- والدليل الثاني: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنكر على معاذ لما أرسل له زكاة اليمن فبين له معاذ - رضي الله عنه - أنه لم يرسلها إلا بعد أن استغنى الفقراء.
= القول الثاني: للأحناف. أن إخراج الزكاة عن بلد المال مكروه فقط وترتفع الكراهة إذا أخرج المال لقريب أو لأشد حاجة أو لأكثر ورعاً. ففي هذه الثلاثة أحوال يجوز بلا كراهة وفي غير هذه الثلاثة أحوال يجوز لكن مع الكراهة.
= القول الثالث: أنه يجوز إخراج الزكاة إذا كان الإخراج لمصلحة شرعية معتبرة وهو قول لبعض الفقهاء اختاره شيخ الاسلام - رحمه الله -.
= القول الرابع: أنه يجوز إخراج الزكاة مطلقاً. وإلى هذا ذهب الإمام البخاري - رحمه الله -.
واستدل بدليلين:
- الأول: قوله تعالى: - (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ... ) -[التوبة/60] يعني: في أي بلد. فالآية مطلقة عامة.
- والثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) يعني: في فقراء المسلمين كما قال - رحمه الله - لا في فقراء البلد.
والراجح: القول الثالث فإنه وسط بين الأقوال وبه تجتمع الأدلة وتدل عليه آثار الصحابة.
وفهم من هذا: أنه من الخطأ أن يتساهل الإنسان بإخراج الزكاة عن بلده بلا مبرر شرعي فإن هذا أقل ما يقال فيه أنه مكروه.


إن لم نجزم كما هو مذهب الجمهور بالتحريم بسبب إنكار عمر على معاذ مع العلم أن أهل المدينة كانوا فقراء بل قد يكونوا أشد حاجة من أهل اليمن باعتبار أن أهل اليمن كانوا يأتيهم مدد من جهتين: بلد تجارة وبلد زراعة فكانوا أحسن حالاً من أهل المدينة ومع ذلك أنكر عمر - رضي الله عنه - على معاذ لما أرسل له زكاة اليمن.
الخلاصة: أنه ينبغي على الإنسان إذا لم يكن هناك مبرر شرعي واضح وحاجة ظاهرة يقدرها أهل العلم ينبغي أن لا يخرج الزكاة عن بلده.
ومن أشهر المبررات: شدة الحاجة فشدة الحاجة لا شك ولا ريب أنها مبرر فإذا كان بلد آخر يكاد أهله أن يموتوا من الجوع فليس من المنطق ولا من الأخوة أن نحصر الزكاة في بلد غني ونترك ذلك البلد الفقير لا سيما إذا كانت الزكاة تصرف فيما هو محل ضرورة كالأكل واللباس والسكن والعلاج فهذه الأمور الأربعة من أهم ما يدعم به الفقير.

ثم قال - رحمه الله -:
فإن فعل أجزأت.
يعني: إذا تقرر أن الإخراج محرم وأن المخرج آثم لكن إن فعل فهل تجزئ أو لا تجزئ.
= ذهب الجماهير وأكثر أهل العلم إلى أنه إن فعل أثم وأجزأت.
واستدلوا على ذلك:
- بأن هذا الرجل أخرج الزكاة لمستحقها فلا يوجد ما يدل على بطلانها.
= والقول الثاني: أنه آثم والزكاة باطلة ولا تجزئ.
واستدلوا:
- بأن هذا الرجل أخرج الزكاة في غير أهلها لأن أهلها شرعاً هم فقراء البلد.
وهذا القول - الثاني - ضعيف بل الصواب أنها تجزئ إن شاء الله لأنه لا يوجد دليل شرعي واضح يدل على البطلان إنما غاية ما تدل عليه النصوص تحريم النقل أما البطلان فلا دليل عليه ويصدق عليه أن أخرج الزكاة في أحد الأصناف الثمانية.
• ثم قال - رحمه الله -:
إلاّ أن يكون في بلد لا فقراء فيه: فيفرقها في أقرب البلاد إليه.
إذا لم يكن في البلد فقراء: تقدم معنا حكاية الإجماع على جواز إخراجها.
وقولهم: أنها في أقرب البلدان. لأنها الأولى. ولأن البلدان التي دون مسافى القصر لا يحرم إخراج الزكاة إليها عند الحنابلة.


والإخراج إذا اغتنى البلد عمل به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - فإن النصوص والآثار التي فيها أنه جيء إلى المدينة بالزكاة والصدقات تحمل على أن أهل البلد الذي أخرجت منه الزكاة اكتفوا.
وهذا الحمل صحيح. توفيقاً بين النصوص ولأثر معاذ السابق لما أنكر عليه عمر قال: لم أرسل لك منها شيئاً حتى اكتفى أهل البلد.
فإذاً يحمل ما نراه من النصوص التي تفيد إحضار الزكوات إلى المدينة على هذا المحمل: أن أهل البلد الذي أخرجت منه اكتفوا.
وفي هذه الحالة: في حال النقل: تكون أجرة النقل على المزكي = عند الحنابلة.
- لأنه الذي يجب عليه أن يخرج الزكاة ومن وجب عليه شيء وجب عليه مؤونته.
= والقول الثاني: أنها إذا أخرجت فمؤونة النقل على بيت المال.
والراجح: الأول. وهو: أنه يجب على المزكي أن يدفع من غير الزكاة أجور نقلها لأنه يجب عليه أن يخرج الزكاة لمستحقها وهي لا تصل إلى مستحقها إلا بذلك وهذه الأجور - أجور نقل الزكاة - تشبه ما إذا ذهب هو داخل البلد وتكلف مالاً ليصل إلى الفقير فهنا نفس الشيء. إلا أن هذا قريب وذاك بعيد فالأجرة على المزكي.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن كان في بلد وماله في آخر: أخرج زكاة المال في بلده.
يعني: في بلد المال: إذا كان الشخص في بلد وماله في بلد وهذا يقع كثيراً فإن الزكاة تخرج في البلد الذي فيه المال وهذا يتعلق بزكاة المال دون زكاة الفطر كما سيأتينا.
والدليل على هذا:
- أن البلد الذي فيه المال تتعلق أنظار الفقراء فيه بهذا المال. فناسب أن تخرج فيه.
- ثانياً: أن سبب وجوب الزكاة: المال. فوجب أن تخرج الزكاة حيث وجد سبب الوجوب.
وإذا كان الإنسان في بلد وأمواله متفرقة بين البلدان كما يحصل الآن عندنا كثير أن يكون الإنسان يملك محلات معروفة فله في كل بلد فرع فيجب أن يخرج زكاة كل فرع في بلده.
لما تقدم: من تعلق أنظار الفقراء بها وأن سبب الوجوب وجد في هذا البلد.
• ثم قال - رحمه الله -:
وفطرته في بلد هو فيه.
يعني: ويجب أن يخرج زكاة الفطر في البلد الذي هو فيه سواء كان هذا البلد بلد إقامة أو بلد سفر فحيث ما كان الإنسان يخرج زكاة الفطر.
والدليل على هذا:


- أن زكاة الفطر تتعلق بالبدن لا بالمال فحيثما وجد سبب الوجوب وهو البدن وجب إخراج الزكاة.
والأظهر والله أعلم: أن إخراج زكاة المال في بلد المال وزكاة الفطر في بلد البدن على سبيل الندب لا على سبيل الوجوب.
فإن أخرج وخالف فلا يأثم وزكاته مجزأة إلا أن الأولى أن لا يفعل.
• قال - رحمه الله -:
ويجوز تعجيل الزكاة لحولين فأقل.
يجوز أن يعجل الإنسان زكاة ماله لحولين فأقل. ولكن بشرط أن يكتمل النصاب حال التعجيل. لأنه يجوز إنفاذ الحكم بعد وجود السبب ولو قبل وجود الشرط.
فاكتمال النصاب سبب في الوجوب والحول شرط للوجوب.
بناء عليه: لا يجوز أن يعجل الإنسان زكاته قبل وجود النصاب.

المسألة الثانية: = ذهب الجمهور إلى أنه يجوز تعجيل الزكاة لحولين فقط.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعجل الزكاة من العباس لحولين.
وهذا الحديث فيه ضعف لكن مال الحافظ ابن حجر إلى تقوية متنه بمجموع الطرق والشواهد.
وهذا صحيح إن شاء الله.
= والقول الثاني: أنه يجوز تعجيل الزكاة مطلقاً. وهو مذهب الأحناف. يعني: لسنتين وثلاث وأربع ... .
والصواب: مع الجمهور لأن النص ورد بسنتين فقط والأصل أن لا تخرج الزكاة إلا بعد الحول. فمذهب الجمهور هو الصواب.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا يستحب.
يعني: مع جواز التقديم إلا أنه لا يستحب ولا ينبغي أن يقدم.
دليل عدم الاستحباب:
- أن الأصل في الزكاة أنها عبادة مؤقتة بالحول والخروج عن هذا الأصل لا يستحب.
= والقول الثاني: أن مسألة التقديم - تقديم الزكاة - ترجع إلى المصلحة فإذا اقتضت المصلحة التقديم قدم وإلا فلا.
وإلى هذا مال ابن مفلح والمرداوي وهو لا شك قول صحيح. ولا يحسن بالإنسان أن يطلق عدم الا ستحباب على عمل قام به النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإنه - صلى الله عليه وسلم - تعجل الزكاة.
لكن الجمع. هو ما ذكره ابن مفلح: أن نقول: إذا اقتضت المصلحة فالأحسن التقديم وإلا فلا.


وبهذا تجتمع النصوص: لأن الأصل في عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يأخذ الزكاة إلا عن كل حول بحوله ولكن وجدناه مرة أخذ واستسلف حولين فدل على أنه يرجع للمصلحة ولا نقول أنه كطلقاً لا يستحب فكأنا نحكم على عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يستحب.

باب أهل الزكاة
• ثم قال - رحمه الله -:
باب أهل الزكاة.
مقصود المؤلف - رحمه الله - بهذا الباب بيان من يجوز أن تصرف لهم الزكاة وما يتعلق بهذا من تفصيلات.
• قال - رحمه الله -:
ثمانية.
مقصود المؤلف - رحمه الله - بقوله: ثمانية. أي: ولا يجوز أن تصرف لغيرهم مهما بلغت الجهة المصروف إليها من الفضل والإغراق في العبادة.
فلا يجوز في بناء المساجد ولا في طباعة المصاحف ولا في شق الطرق ولا في إقامة الجسور ولا في أي عمل مهما بلغ من الفضل إلا في هؤلاء الثمانية.
الدليل على ذلك:
- أن الله سبحانه وتعالى قال: {إنما الصدقات للفقراء ... }. وإنما: عند الأصوليين جميعاً تقتضي الحصر. ومعنى الحصر عند الأصوليين: إثبات الحكم فيمن ذكر ونفيه عما عداه.
فالآية أثبتت الحكم وهو جواز دفع الزكاة في الأصناف الثمانية ونفته عما عداهم.
وحصر الزكاة في الأصناف الثمانية محل إجماع فلم يخالف فيه إلا الحسن - رحمه الله - فجوز إعطاء الزكاة في الطرق والجسور. ولكن لم يوافقه - رحمه الله - العلماء على هذا ورأوا انحصار الزكاة في الأصناف الثمانية.
لكن هذه الفتوى عن الحسن تفيد طالب العلم مقدار فضل بناء الجسور أو تعبيد الطرق وأنه من العبادات المهمة في الإسلام مما جعل الحسن يدخل هذه العبادة في أصناف الزكاة.
والصحيح والراجح خلاف قوله - رحمه الله - لكن مع ذلك يدل على أن هذا من أعظم الطاعات.

ثم قال - رحمه الله -:
(1) الفقراء: وهم من لا يجدون شيئاً أو يجدون بعض الكفاية (2) والمساكين: يجدون أكثرها أو نصفها.
في مسألة الفقراء والمساكين عدة مسائل:
- المسألة الأولى: أن الفقراء والمساكين صنفان في باب الزكاة وصنف واحد في غيره من الأبواب.
- المسألة االثانية: أن الفقير على الصحيح أشد حاجة من المسكين. لأن الله بدأ به ولا يبدأ سبحانه وتعالى إلا بالأهم.


- المسألة الثالثة: الفرق بين المسكين والفقير هو ما ذكره المؤلف.
فالفقراء عند المؤلف هم: هم من لا يجدون شيئاً أو يجدون بعض الكفاية.
وقوله: (أو يجدون بعض الكفاية.) ينبغي أن يقيد بما دون النصف.
والمساكين هم: (يجدون أكثرها أو نصفها.).
فالفقير من يجد من الكفاية دون النصف.
والمسكين من يجد الأكثر أو النصف فأكثر.
وبعبارة أدق: النصف فأكثر يعتبر مسكين. وأقل: يعتبر فقير. والنصف بالذات: مسكين.
وبهذا يصح ما تقدم من أن الفقير أشد حاجة من المسكين.
عرفنا الآن من هو الفقير؟ هو: من لا يجد كفايته أكثر السنة.
وأن المسكين: هو من لا يجد كفايته النصف فأكثر.
فأي إنسان ما يجد كفايته من الأشياء المهمة والضرورية هذا المقدار فهو إما مسكين أو فقير وكلاهما من أصناف الزكاة.
- المسألة الرابعة: يرتفع اسم الفقر والمسكنة بأحد ثلاثة أمور:
= الأمر الأول: أن يجد مالاً يكفيه مهما كان نوع المال. سواء كان من الأثمان أو من المتاع.
فإذا وجد الإنسان مبلغاً من المال يكفي مؤونته وحاجاته فإنه ليس بفقير ولا يجوز له أن يأخذ من الزكاة.
وإن وجد من الأعيان ما يكفيه لو باعه وجب عليه أن يبيع هذا الشيء وينفق من ثمنه على نفسه. إلا أن يكون هذا الشيء من الحاجات الأصلية له كمسكنه ووسيلة التنقل التي لا يستغني عنها.
أما ما زاد عن حاجاته الأصلية فيجب عليه وجوباً أن يبيعه وينفق على نفسه منه ولا يجوز أن يأخذ من الزكاة.
فإن كان الفقير يسكن في بيت تقدر قيمته بخمسمائة ألف ويستطيع أن يسكن في بيت تبلغ قيمته ثلاثمائة ألف وجب عليه أن يصنع ذلك: أي أن يبيع ويشنري ما يناسبه من المنازل وينفق الباقي على نفسه ومن تجب عليه نفقتهم.
إلا أن يكون البيت الذي يبلغ قيمته خمسمائة ألف لا يعتبر من يسكنه مسرفاً أو مبالغاً بل يتناسب مع وضع عامة الناس فإنه يجوز له أن يسكن فيه.
وكذلك لو كان بيع هذا البيت يسبب ضرراً كبيراً عليه بحيث لو باع هذا البيت لم يتمكن من إيجاد مسكن بنصف قيمته مناسب لمثله أن يسكن فيه.
الأمر الثاني: - الرافع لاسم الفقر والمسكنة -: أن يوجد من يجب عليه أن ينفق على الفقير ويستطيع. كالأب بالنسبة للإبن والزوج بالنسبة للزوجة.


فإذا كان الإنسان فقير لكن يوجد من يجب عليه أن ينفق عليه فلا نعطيه من الزكاة بل نقول: يجب على وليك أن ينفق عليك.
مسألة: فإذا امتنع ولي الأمر من النفقة فهو آثم لأنه ترك ما وجب عليه لكن يجوز أن نعطي الفقير من الزكاة لأنه يصدق عليه حينئذ أنه لا يجد كفايته.
الأمر الثالث: - الذي يرفع اسم الفقر والمسكنة - أن يوجد للإنسان مرتب يكفيه أو صنعة يتكسب منها. ولو لم يكن هو مالكاً للمال الآن وإنما يأتيه تباعاً فإنه لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة.
مسألة: لا يجوز أن نعطي من الزكاة من كان قادراً على التكسب ولو ترك التكسب تفرغاً للعبادة بل يقال له إعمل واكسب وأنفق على نفسك.
ويجوز أن نعطي الزكاة من ترك التكسب تفرغاً للعلم ولا ينبغي له أن يصنع ذلك. لا ينبغي له أن يترك التكسب ويبقى على زكوات الناس لكن إن صنع فيجوز أن نعطيه. لأنه يعمل في مصلحة المسلمين فإن العلم نوعى من الجهاد.
• ثم قال - رحمه الله -:
(3) والعاملون عليها: وهم جباتها وحفاظها.
العمال على الصدقة هم الذين يبعثهم الإمام ولي الأمر - لجمع وتحصيل الزكوات والقدوم بها عليه.
مسألة: ويدخل فيهم كل من لا يتم العمل إلا به كالرعاة والذين يحسبون والذين يكتبون وكل من لا يقوم العمل إلا به يدخل في العاملين عليها.
مسألة: ما يعطى هذا العامل من الأجر من المال يعتبر أجرة مقابل عمله تصرف من الزكاة.
بناء على تقرير هذا المبدأ: يعطى أجرة نظيره - أجرة المثل.
فإذا قررنا أن ما يعطى هذا العامل هو أجره فيرجع في تقدير هذه الأجرة إلى نظيره ومثيله فيرجع إلى أهل العرف من عمل نظير هذا العمل فكم يعطى؟ فيعطى من الزكاة بهذا المقدار.
وعرف مما تقدم - من التعريف - أن الذين يجتهدون في جمع الزكاة ممن لم يرسلهم ولي الأمر لا يعتبرون في عرف الفقهاء من العاملين عليها وإنما يختص هذا بمن يرسله الإمام.
وسهم العاملين عليها محل إجماع. ودل عليه: الإجماع والكتاب والسنة.
- فالإجماع: حكاه غير واحد من أهل العلم.
- والكتاب: الآية.


- والسنة: ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرسل العمال لإحضار الصدقة ويعطيهم وممن أرسل - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأرسل غيره أيضاً.
• ثم قال - رحمه الله -
(4) الرابع: المؤلفة قلوبهم ممن يرجى إسلامه أو كف شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه ,
المؤلفة ينقسمون إلى قسمين:
- من المسلمين.
- ومن الكفار.
والمؤلفة من الكفار ينقسمون إلى قسمين:
- القسم الأول: من يعطى رجاء إسلامه.
- والقسم الثاني: من يعطى لكف شره ولو لم يرجا أن يسلم.
- القسم الثاني: المؤلفة من المسلمين وهم أنواع:
- النوع الأول: من يعطى ليسلم نظرائه. ولو كان هذا الشخص الذي يعطى ممن أسلم وحسن إسلامه. فإنه يعطى ليسلم نظرائه.
بدليل: أن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أسلم وحسن إسلامه ومع ذلك أعطي من هذا السهم ليتألف من هم على شاكلته.
- النوع الثاني: من يعطى ليزداد إيمانه وليثبت في الإسلام.
بدليل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الأقرع بن حابس وأعطى مسلمة الفتح تقوية لإيمانهم.
- النوع الثالث: من يكون من المسلمين في أطراف البلاد فيعطون ليكفوا الشر عمن دونهم.

- النوع الرابع والأخير: من إذا أعطي سعى بجمع الزكاة ممن حوله وتحصيلها للإمام.
مسألة: نص الحنابلة في أكثر الكتب أن سهم المؤلفة يتعلق بمن كان رئيساً في قومه وسيداً مطاعاً. أما غير الرئيس والسيد فإنه لا يعطى فإذا رجي إسلام شخص من عامة الكفار فإنه لا يعطى.
= والقول الثاني: أنه يعطى.
وهذه المسألة: نريد أحد الإخوة يتبرع ببحثها وهي مسألة مهمة وفيها أقوال وأدلة ونحن لن نعين شخصاً لكن نقول إذا أحد نشط لبحثها فهي مسألة مهمة لا سيما من الإخوة الذين ليس عندهم اختبارات في الوقت القريب.
• ثم قال - رحمه الله -:
(5) الخامس: الرقاب وهم المكاتبون، ويفك منها الأسير المسلم.
في الرقاب: يتناول صنفين: وعلى ما ذكر المؤلف ثلاثة:


- الصنف الأول: المكاتبون. فيجوز أن نعطي المكاتب ليكمل المكاتبة ويتحرر. لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. ولا يجوز أن نعطي المكاتنب القادر على تسديد ما عليه من الأقساط ولا يجوز أن نعطيه أكثر مما يحتاج إليه في تسديد دين المكاتبة إنما يقتصر على ما يحتاج إليه بشرط أن لا يتمكن هو من تسديد ماعليه.
- الصنف الثاني: أن نشتري عبداً من مال الزكاة ثم نعتقه. = وذهب إلى جواز ذلك الجمهور. وذهب إليه الإمام أحمد ثم صار في آخر أمره يتردد في جواز ذلك. وسبب التردد عن الإمام أحمد أنه إذا جاء زيد ممن يخرج الزكاة واشترى العبد وأعتقه صار الولاء لمخرج الزكاة فصارت الزكاة تجر على المخرج نفعاً فلهذا تردد فيها الإمام أحمد - رحمه الله -.
والأقرب والله أعلم ما ذهب إليه الجمهور من جواز إعتاق العبيد من الزكاة لأن الآية عامة بل المتبادر إلى الذهن في قوله: (وفي الرقاب) هم الذين يشترون ويعتقون.
فالأقرب والله أعلم الجواز لا سيما إذا كان العبد له غناء في الإسلام كأن يكون من العلماء أو من المجاهدين أو يحسن صنعه لا يحسنها غيره فالمهم أن يكون فيه صفة مرغوب فيها فينبغي أن يتبارى الناس في إعتاق مثل هذا الشخص وفي المقابل إذا كان العبد ممن يحسن صنعة محرمة كأن يكون مغنياً فإنه لا ينبغي أولا يجوز أن يعتق من مال الزكاة فاحتمال أنه لا ينبغي أو أنه لا يجوز. لأن اعتاق مثل هذا الشخص مفسدة في الحقيقة.
الصنق الثالث: هم من أشار إليهم المؤلف - رحمه الله -: (ويفك منها الأسير المسلم).
= ذهب الإمام أحمد في رواية اختارها المجد وحفيده أنه يجوز أن نعتق الأسير.
- أولاً: لأن هذا فك رقبة الأسير من الأسر.
- ثانياً: لأنه أولى من المؤلف فهو مسلم مأسور فيكون أولى من المؤلفة.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز أن نفك الأسير بمال الزكاة وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد لأنه لا يدخل في عموم: (وفي الرقاب).
والصواب الأول إن شاء الله - وهو جواز فك الاسير من الزكاة.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ....
مسألة: تلحق في الكلام عن المؤلفة قلوبهم.
سؤال: ألم يسقط سهم المؤلفة قلوبهم؟


الجواب: = من الفقهاء من ذهب إلى أن سهم المؤلف سقط ولا يشرع الآن أن نعطي أحداً من المؤلفة.
- لقوة الإسلام واستقراره.
- ولأن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يعطوا هذا السهم في خلافتهم.
= والقول الثاني وهو الذي عليه الجماهير أن هذا السهم باق كما هو.
- لأن آية حصر الزكاة في الأصناف الثمانية من آخر القرآن نزولاً ولم يثبت لها ناسخ لا في السنة ولا في صريح فتاوى الصحابة.
وهذا القول الثاني - هو الصواب.
والجواب عن أن الصحابة - الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - لم يعطوا هذا السهم لأصحابه: أنهم لم يحتاجوا إلى ذلك لقوة الإسلام.
فنحن نقول إذا لم يحتنج ولي الأمر إلى هذا السهم فإنه لا يخرجه. وإذا احتاج إليه يخرجه.
أما أنه ينسخ ونقول لا يجوز فهذا قول مرجوح.
انتهى الدرس


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
انتهى المؤلف رحمه الله من الكلام عن خمسة من الذين يستحقون الزكاة بنص كتاب الله وانتقل إلى السادس:
• فقال - رحمه الله -:
باب أهل الزكاة
(6) السادس: الغارم لإصلاح ذات البين.
قوله: (الغارم). الغارم يقصد به هنا المدين.
والغارم الذي يستحق الزكاة ينقسم إلى قسمين - ذكرهما المؤلف:
- - القسم الأول: هو الغارم لإصلاح ذات البين.
وتعريفه هو: من يتحمل في ذمته مالاً لإصلاح الخصومة التي تقع بين فئتين في مال أو دم.
فهذا الرجل الذي يتحمل هذا المال في ذمته للإصلاح بين المتخاصمين يستحق أن يعطى من الزكاة.
والدليل على هذا من وجهين:
- الوجه الأول: عموم الآية فإن هذا الرجل يصدق عليه أنه غارم.
- الوجه الثاني: ما ثبت في الصحيح أن فبيصة - رضي الله عنه - تحمل حمالة بين فئتين متخاصمتين ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلب أن يساعده فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمكث عندنا فإن الصدقة تأتي ونعطيك). ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة:) ثم قال في تعريف الأول: (إلا لثلاثة: من تحمل حمالة فيسأل حتى يقضيها).


فهذا الحديث نص لقوله: (من تحمل حمالة فيسأل حتى يقضيها).
فإذاً: أخذ الغارم دل عليه في الحقيقة الكتاب والسنة وعرفنا من هو الغارم لإصلاح ذات البين؟

ثم قال - رحمه الله -:
ولو مع غنى.
يعني يجوز لمن تحمل حمالة للإصلاح أن يأخذ من الزكاة ولو كان غنياً.
الدليل على هذا أيضاً من وجهين:
- الوجه الأول: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة) وذكر منهم الغارم.
- الوجه الثاني: - أو الدليل الثاني لجواز أخذه مع غناه - أنه إنما يأخذ لمصلحة المسلمين لا لمصلحة نفسه فجاز أن يأخذ ولو كان غنياً. كالعامل والمؤلفة قلوبهم.
مسألة: فهم مما تقدم أن المصلح لو تحمل مالاً بين الناس ودفعه نقداً ولم يلتزمه في ذمته فإنه لا يجوز له أن يأخذ من الصدقات.
التعليل:
- أنه بعد أن دفعه نقداً لا يسمى مديناً والغارم هو المدين. والله سبحانه وتعالى إنما أجاز للمدين أن يأخذ دون من دفع نقداً.
= والقول الثاني: أنه يجوز له أن يأخذ ولو دفع نقداً.
- لأن لا ينسد باب الإصلاح.
- ولأن لا يدخل الضرر على المصلحين.
ويشترط لأخذه على هذا القول أن: - ينوي الرجوع: أي حال الدفع نقداً.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - للقسم الثاني: وهو الغارم لنفسه مع الفقر.
• فقال - رحمه الله -:
أو لنفسه مع الفقر.
- - فالقسم الثاني - من الغارمين -: الغارم لإصلاح نفسه.
وتعريفه هو: الفقير الذي يستدين لينفق على نفسه ومن يعول أو ليعالج نفسه أو نحو هذا من المهمات.
فهذا يجوز له أن يأخذ من الزكاة ويقضي الدين الذي عليه بإجماع العلماء. فلم يخالف فيه أخد.
ودل على مشروعية أخذه: - عموم الآية.
ويشترط ليأخذ شرطان:
- الشرط الأول: أن لا يكون اقترض الدين لمعصية فإن كان اقترض الدين ليعصي الله فإنه لا يجوز أن يسدد عنه من الزكاة إلا إذا تاب.

- الشرط الثاني: أن لا يوجد عنده من المال ما يتمكن به من السداد مهما كان نوع المال سواء كان هذا المال أثمان كالذهب والفضة أو عروض منقولة أو ثابتة. المهم أنه يشترط أن لا يكون عنده أي مال يستطيع أن يسدد به هذا الدين سواء كانت التسديد مباشرة أو بأن يبيع العرض ويسدد دينه.


فإن أخذ مع وجود ما يمكن أن يسدد به الدين فقد أخذ مالاً محرماً عليه.
• ثم قال - رحمه الله -:
(7) السابع: في سبيل اللَّه.
السابع من مصارف الزكاة: في سبيل الله.
ويقصد به: المجاهد. وهذا عند الحنابلة.
فإن المجاهد في سبيل الله يجوز له أن يأخذ من الزكاة.
واختلف العلماء في تحديده:
= فذهب الجماهير من الأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف وعامة العلماء إلى أن المقصود بسبيل الله هو: المجاهد في سبيل الله فقط.
واستدلوا على هذا بأدلة:
- الدليل الأول: أن مصطلح في سبيل الله يراد به في الشرع المجاهد. فإن كلمة في سبيل الله جاءت في كتاب الله في جميع المواضع - إلا شيئاً يسيراً -: يقصد بها المجاهد.
وإذا كان يقصد بها المجاهد فإن العلماء قرروا قاعدة وهي: ((أن حمل اللفظ على معناه المتبادر المعروف المنتشر أولى من حمله على غيره من المعاني)).
- الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لاتحل الصدقة لغني إلا لخمسة: ثم قال: (لغاز في سبيل الله). فنص على الغازي. والغازي هو: المجاهد.
- الدليل الثالث: أن القول بأن مصرف في سبيل الله يقصد به: جميع أوجه البر والخير يؤدي إلى إلغاء الحصر الموجود في الآية فيصبح كأنه لا معنى له.
= القول الثاني: وهو قول لبعض الأحناف وقول لبعض المعاصرين أن فس سبيل الله يقصد به جدميع أوجه البر.
واستدلوا بدليلين:
- الأول: أن سبيل الله لفظ عام يقصد به جميع أنواع رالطاعات والبر والخير. فحصر مدلول اللفظ على شيء واحد - وهو الغازي - بلا دليل لا يجوز.
والجواب: نقول: تقدمت الأدلة الواضحة على هذا الحصر.

- الثاني: قالوا: أنه روي عن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهما - أنهما قالا: الحج من سبيل الله. والحج نوع من الطاعات يختلف كما هو معلوم عن الجهاد.
والجواب: أن الحج من سبيل هذا صحيح. لكن لا يقصد به السبيل الذي ذكر في الآية بل يقصد به السبيل العام.
وبهذا أجاب الجمهور. وبكل حال لا يمكن لفتوى ابن عباس وابن عمر أن يعارض بها النص الصريح وأنا أعتبر أن الآية صريحة بأن المقصود المجاهد لأنه لا معنى للحصر لو جعلنا المقصود بها جميع أنواع الطاعات.


ثم يكون التنصيص على الفقير والمسكين والعامل والمؤلفة والغارم لا معنى له مطلقاً لأن هذه جميعاً تدخل في سبيل الله وغيرها من بناء الجسور وتمهيد الطرق والحج وغيره فصارت الآية لا معنى لها ولا مفهوم ولذلك لم يذهب إلى هذا القول أحد من الأئمة المتقدمين سوى بعض الأحناف وأولع به بعض المعاصرين وصار يتبناه وهو قول فيما أرى ضعيف بل ضعيف جداً.
• ثم قال - رحمه الله -:
وهم الغزاة المتطوعة الذين لا ديوان لهم.
قوله: (وهم الغزاة) يدل على أنه يجب أن نعطي المجاهد في سبيل الله المال مباشرة ولا يجوز أن نشتري له فرساً أو آلة حرب.
الدليل:
- أنا إذا أعطيناه الفرس فقد أعطيناه فرساً ولم نعطه الزكاة. قال الإمام أحمد: آتاه فرساً ولم يؤته الزكاة. والواجب أن يؤتيه الزكاة.
= القول الثاني: أنه يجوز للإنسان أن يشتري بماله الزكوي ما يتعلق من آلاته ووسائل النقل الخاصة به التي تستعمل فيه أي في الحرب ثم يعطيها المجاهدين أو يرسلها للثغور.
واستدلوا على هذا:
- بأن من اشترى بزكاته آلة الحرب فقد صرف الزكاة في سبيل الله أي في الجهاد.
وهذا القول الثاني إن شاء الله هو الأقرب وإن كان القول الأول أحوط. لكن القول الثاني هو الراجح.
ومن أسباب ترجيحه أن الله تعالى قال: - (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ).
فعبر بفي ولم يعبر باللام.
واللام: هي التي تقتضي التمليك.
وفي: تقتضي أن يبذل مال الزكاة في هذه الجهة.
ومن اشترى آلة حرب وأرسلها للمجاهدين فقد بذل هذا المال في هذه الجهة.
ولهذا نقول أن الثاني إن شاء الله أرجح لكن الأول أحوط باعتبار أنه إذا أعطى المجاهد المال مباشرة فقد أخرج الزماة في مصرفه بإجماع أهل العلم.
وقوله: (وهم الغزاة المتطوعة) قوله وهم الغزاة لم يقيد هذا بأن يكونوا فقراء فيجوز أن تعطي المجاهد ولو كان غنياً ولو كان يستطيع أن يجهز نفسه.
= وإلى هذا ذهب الجماهير: أنه يجوز أن نعطي المجاهد ولو كان غنياً.
واستدلوا على هذا:
- بأن الآية عامة: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ومن أعطاها مجاهداً غنياً فقد بذلها في سبيل الله.


- واستدلوا بدليل آخر: وهو: أن المجاهد إنما يأخذ الزكاة لمصلحة المسلمين لا لمصلحة نفسه وكل من أخذ الزكاة لمصلحة المسلمين جاز أن يأخذ مع غناه كالعامل كما تقدم.
= وذهب الأحناف إلى أنه لا يجوز أن نعطي المجاهد زكاة إلا إذا كان فقيراً.
- لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم.
والصواب اتلقول الأول: - لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - فترد في فقرائهم مخصوص بالنصوص العامة. هذا أولاً.
- وثانياً: لأن اشتراط الفقر في المجاهد يلغي مصرف في سبيل الله مستقلاً يعني: يصبح مصرف في سبيل الله غير مستقل فيصير تبعاً للفقير فيكون لا حاجة لذكره.
والقول الذي يؤدي إلى إلغاء مصرف من المصارف الثمانية دليل على ضعفه ولذلك لم يذهب إليه أحد من الأئمة الأربعة إلا أبو حنيفة فقط وأما الجماهير من الأئمة الثلاثة وغيرهم من السلف فيرون جواز إعطاء المجاهد ولو كان غنياً.
• ثم قال - رحمه الله -:
المتطوعة أي - وفي نسخة - (الذين) لا ديوان لهم.
ونسخة الذين أوضح.
وقوله: (الذين لا ديوان لهم) أي: فإن كان لهم مرتب من الديوان فإنه لا يجوز أن نعطيهم من الزكاة لاستغنائهم بما يأخذون من بيت المال عن الزكاة.
إلا في حالة واحدة: إذا كان الذي يأخذون من بيت المال لا يكفي فيجوز أن نعطيهم كمال الكفاية من الزكاة.

ثم قال - رحمه الله -:
(8) الثامن: ابن السبيل.
وعرف ابن السبيل بقوله:
المسافر المنقطع به.
ابن السبيل: تعرفه: هو المسافر الذي ليس له ما يرجع به إلى بلده.
فإذا وجدنا رجلاً فقيراً انقطع ولم يستطع الرجوع إلى بلده جاز أن نعطيه من الزكاة ولو كان غنياً في بلده كما سيأتينا في كلام المؤلف - رحمه الله -.
مسألة: تبين من هذا التعريف أنه لا يعتبر داخل في مفهوم ابن السبيل من أراد أن يسافر من بلده إلى بلد آخر ولو كان فقيراً.
ويجب أن تفهموا أنه إذا قيل المسافر إذا أراد أن يسافر من موطنه لا نعطيه من الزكاة ولو كان فقيراً أنا لا نعطيه بسبب ابن السبيل لكن إذا أردنا أن نعطيه لكونه فقير فهذا باب آخر وإنما البحث الآن في مصرف ابن السبيل.


فالإنسان الذي في بلده يريد أن يسافر ولو كان فقيراً ولو كان سيسافر لحاجة مهمة فإنه لا يجوز أن عطيه.
الدليل: الدليل: - أن المتبادر من إطلاق ابن السبيل: الغريب. ومن كان في وطنه فهو في وطنه وليس غريباً.
- ثانياً: أن قوله: (ابن السبيل) تعني: من يلازم السبيل أي الطريق ومن كان في بلده فليس كذلك.
مسألة: علم من التعريف أن من كان مسافراً ويريد أن يسافر إلى بلد غير بلده ثم يرجع إلى بلده فإنه لا يعطى من الزكاة إنما الذي يعطى من أراد أن يرجع إلى بلده.
فإن كان يريد أن يذهب من البلد التي هو فيها إلى بلد آخر ثم يرجع إلى بلده فإنه لا يعطى.
= وإلى هذا ذهب بن قدامة ونصره.
واستدل على هذا:
- بأن النص إنما جاء بإعطاء من يريد أن يرجع إلى بلده لحاجته أما من يريد أن يذهب إلى بلد آخر ثم يرجع إلى بلده فلا يدخل في هذا المصرف.
= القول الثاني: - وهو وجه للحنابلة - أنه يجوز أن نعطي من كان هذا شأنه ليذهب إلى البلد التي يريد ثم يرجع إلى بلده إلا إذا كان ذهابه لتلك البلد على سبيل النزهة.

الدليل:
- لأن هذا الرجل يصدق عليه أنه ابن السبيل وكونه سيذهب إلى بلده أو سيذهب إلى بلد آخر ثم يرجع إلى بلده لا يرفع عنه أنه ابن سبيل لا سيما وأن سفره سيكون لحاجة لأنه اشترطنا أن لايكون سفره سفر نزهة.
ويبدو لي والله أعلم أن هذا القول - الثاني - أقرب لمقصود الشارع وهذا فيما يبدو لي مع العلم أن المسألة تحتمل البحث وما ذكره ابن قدامة قوي.
لأنا نقول: إذا كنت فقير إذهب إلى بلدك مباشرة وخذ من الزكاة لكن الذي يجعل الإنسان يرجح القول الثاني أنه قد يحتاج الإنسان إلى الذهاب إلى بلد آخر قبل أن يذهب إلى بلده إما لحاجة العلاج أو لأي حاجة لابد له منها فيعطى وحتى لا تكون المسألة شكلية لأنه إذا ذهب إلى البلد الآخر ثم أراد أن يرجع إلى بلده فسنعطيه عند جميع المذاهب.
فبقينا فقط في ذهابه من البلد الآخر إلى البلد الذي سيذهب منه إلى بلده فما دام أنه محتاج وفقير ولا يستطيع أن يسافر وهو منقطع الآن ولن يصل إلى بلده ويريد أن يذهب إلى بلد آخر ثم بلده فالأقرب والله أعلم أنه يعطى.
• ثم قال - رحمه الله -:
فيعطى قدر ما يوصله إلى بلده.


يعني: ولو كان غنياً فيه.
- لأن المال الذي في بلده لا قدرة له عليه فوجوده كعدمه.
وفهم من هذا - بطبيعة الحال - أنه إذا كان له مال في بلده وهو بلد آخر لكن يتمكن من الحصول على هذا المال كما في وقتنا هذا ببساطة وسهولة فإنه يحرم عليه أن يأخذ من الزكاة وليس مصرفاً من مصارف الزكاة.
فإن أخذه فقد أخذ مالاً محرماً.
• ثم قال - رحمه الله -:
دون المنشئ للسفر من بلده.
هذه تحدثنا عنها ...
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - للكلام عن قدر ما يعطى الفقير.

فقال - رحمه الله -:
ومن كان ذا عيال: أَخَذَ ما يكفيهم.
يعني أن الفقير يجوز له أن يأخذ ما يكفيه ويكفي من يعول سواء كان من يعول من عياله أو من أقاربه الذين يجب عليه أن ينفق عليهم.
التعليل:
- لأن مقصد دفع الزكاة كفايته وكفاية من يعول.
فإذا كان مع الرجل في منزله عشرة أنفس فإنه يعطى من الزكاة قدر ما يكفي عشرة ولا يعطى قدر ما يكفيه هو فقط.
عرفنا الآن أنه يجوز أن نعطي الفقير كفايته وكفاية من يعول.
ننتقل إلى مسألة أخرى وهي: كم يعطى؟ وما هي الكفاية؟
اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافاً طويلاً:
= فالجمهور ومنهم الحنابلة: أنه يعطى ما يكفيه لسنة واحدة فقط.
واستدلوا:
- بأن الله سبحانه وتعالى شرع الزكاة حوليه فيأخذ ما يكفيه لسنة فإن استغنى فبها ونعمت وإلا أخذ من الزكاة للسنة القادمة.
= القول الثاني: أنه يأخذ ما يغنيه لفتح متجر أو لشراء آلة عمل. يعني: يعطى من المال ما يكون سبباً في غناه عن طريق فتح متجر أو اشتراء آلة عمل.
وإلى هذا ذهب الشيخ ابن قاضي الجبل - وقد تقدم معنا أن له اختيارات قوية.
= القول الثالث: أنه يعطى من المال دفعة واحدة ما يكون به غنياً ولو كثر.
وهذا قول لبعض الحنابلة ونسب إلى شيخ الاسلام اختياراً.
= القول الرابع: أنه يعطى مقدار النصاب فقط. يعني يعطى مقدار مائتي درهم فقط فاضلاً عن مسكنه وفرشه وخادمه.
يعني: يعطى ما يتمكن به من السكن واللباس والأكل والخادم ثم يعطى فوق ذلك النصاب مائتي درهم.
استدلوا:
- بأن من ملك نصاباً فهو غني لقوله: (تؤخذ من أغنيائهم). ومن ملك نصاباً فعليه زكاة.


= [القول الخامس] وقيل: يعطى من المال ما يكفيه العمر كله حسب الغالب في سنه.

= [والقول السادس] وقيل: أنه لاحد لذلك. فليس لما يعطى حد معروف بل يرجع فيه إلى رأي ولي الأمر حسب ما تقتضيه الحال.
وإلى هذا ذهب ابن حزم - رحمه الله -. لأنه ليس في الباب أدلة.
وذكرنا ستة أقوال في المسألة.
والأقرب والله أعلم القول الأول وهو رأي الجمهور إلا في حالة واحدة إذا كثرت الزكاة واتسع الأمر فإنه يعطى ما يصير به غنياً مما يتمكن به من التجارة. يعني القول الثاني.
يعني ما نعطيه نقداً ما يكون به غنياً كما هو القول الثالث ولكن نعطيه ما يتمكن به من الشراء شراء ما يتاجر به ويصبح غنياً وينتفع المجتمع به.
فالحقيقة هذا القول جيد جداً ويكاد يكون هو الراجح.
لكن لابد من تقييده أنه في حال السعة فليس من المعقول ولا من المقبول أن يبقى رجل فقير لا يجد ما يأكل ونعطي الفقير الآخر ما يشتري به حانوتاً أو يشتري به آلة ليتاجر بها.
لكن في حال السعة إخراج هذا الفقير من فقره إلى حد الغنى عن طريق التجارة ونفع المسلمين أمر مقصود للشارع بهذا القيد.
ولعل هذا القول الأخير يكون جامعاً بين القول الأول والثاني وهو الأقرب.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويجوز صرفها إلى صنف واحد.
إذا أراد الإنسان أن يخرج الزكاة فإما أن يخرج الزكاة إلى جميع الأصناف أو إلى صنف واحد.
فإن أخرج الزكاة إلى جميع الأصناف فهو المستحب ويجزيء بالإجماع. فهو خارج محل النزاع.
وإن أخرجها - وهو القسم الثاني - إلى بعض الأصناف ففيه خلاف:
= القول الأول وهو مذهب الحنابلة والجمهور: أنه يجوز أن تدفع الزكاة إلى صنف واحد بل إلى رجل واحد من صنف واحد.
أي فلا يجب أن نقسم الزكاة بين المستحقين من صنف واحد.
واستدل هؤلاء:
- بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم). فنص على صنف واحد.

- وقوله: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} [البقرة/271]. ونص على صنف واحد.
= القول الثاني: وهو للإمام مالك أنها تصرف حسب الحاجة الأولى فالأولى مهما كان الصنف.
= القول الثالث: وهو للشافعية: أنه يجب أن نقسم الصدقة على الأصناف الثمانية وجوباً.


- لأن الله سبحانه وتعالى عطف الأصناف بالواو مما يدل على التشريك بينهم حال التوزيع.
والراجح والله أعلم: أنه يجوز أن تصرف لصنف واحد وتعطى الأولى فالأولى على سبيل الاستحباب لا الوجوب.
- لأن من أعطى الزكاة صنفاً ولم يعطه آخر أو أعطى شخصاً مع وجود من هو أولى منه يصدق عليه أنه أخرج الزكاة لمستحقها.
والقول بأنه يجب استيعاب الأصناف الثمانية بل والقول بأنه يتحتم إعطاء الأولى فالأولى يتعذر العمل به ولا تكاد تجد أحداً يعمل بهذا القول: - أولاً: لصعوبة التقصي ومعرفة حال الناس.
- وثانياً: لتوزع الأصناف واختلافها ووجود بعضها في منطقة دون بعض فلا شك أن هذا متعذر العمل به.
فنقول: نجمع بين القول الأول والثاني. أنه يجوز صنف ويستحب فقط أن نعطيها الأولى فالأولى.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويسن إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم.
يعني: يسن أن يقدم الإنسان من هذه الأصناف قريبه. يسن وليس ذلك من المحابات في شيء
بشرط: أن لا يلزم المخرج نفقة الفقير.
والدليل على استحباب هذا الأمر من وجهين:
- الأول: الإجماع. وحكاه المجد. وقال - رحمه الله -:إجماعاً.
- الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الصدقة على القريب صدقة وصلة).
فلاشك أنه ينبغي للإنسان أن يعطي قريبه ويقدم هذا القريب على غيره من الناس مادام من أهل الزكاة.

فصل
• ثم قال - رحمه الله -:
(فصل).
المقصود بهذا الفصل:
- بيان الأصناف الذين لا يجوز أن نعطيهم من الزكاة ولو كانوا في الجملة من الأصناف الثمانية.
- وليبين مسألة صدقة التطوع وما يتعلق بها من أحكام.
• قال - رحمه الله -:
ولا يدفع: إلى هاشمي.
الهاشمي هو من كان من سلالة: هاشم جد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فلا يجوز لمن كان هاشمياً أن يأخذ من الصدقة. ولا يجوز لمن أراد أن يدفع الصدقة أن يعطيها من يعلم أنه من بني هاشم.
والدليل على هذا أيضاً من وجهين:
- الأول: الإجماع. فقد أجمعوا - في الجملة - على أن الهاشمي لا يأخذ من الصدقات. أجمعوا - في الجملة - ففي بعض المسائل فيها خلاف لكن في الجملة أن الهاشمي لا يجوز أن يأخذ من الزكاة.


- الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس).
- الثالث: ما صح أن الحسن - رضي الله عنه - أراد أن يأخذ تمرة من الصدقة فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (أما علمت أن الصدقة لا تحل لآل محمد).
فلم يبق شك ولا إشكال بعد هذه النصوص والإجماع أن الصدقة أي الزكاة لا تحل لآل النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومطلبي.
= يعني أيضاً: لا يجوز أن نعطي المطلبي من الزكاة.
واستدلوا على هذا بدليلين:
- الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بنو المطلب بنو هشام شيء واحد).
- الثاني: أنه ثبت في السنة أن المطلبي له حق في الخمس كما للهاشمي فاستووا في استحقاق الخمس فيستوون في منع الزكاة.

= والقول الثاني: أنه يجوز دفع الزكاة للمطلبي.
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على المنع في آل محمد وليسوا من آله.
وأما أن الخمس يستحقه المطلبي فلأن هذا مرجعه إلى النصرة لا إلى القرب بدليل: أن الذين يساوونهم في القرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - كبني عبد شمس ليس لهم من الخمس شيء فدل على أنهم استحقوا الخمس بالنصرة والوقوف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بالقرابة.
وهذا القول الثاني هو الصواب.
بناء على هذا: يحصر المنع في الهاشمي فقط.
مسألة/ هل يجوز أن يأخذوا من الصدقة التي ليست واجبة؟
فيه خلاف:
= القول الأول: أنه لا يجوز.
- لأنها تسمى صدقة.
= القول الثاني: أنه يجوز.
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علل بأنها أوساخ الناس وصدقة التطوع ليست من أوساخ الناس بل من فضائل الناس.
مسألة / هل يجوز للهاشمي أن يأخذ من زكاة الهاشمي؟
فيه خلاف:
والأقرب والله أعلم في مسألة هل يجوز للهاشمي أن يأخذ من زكاة الهاشمي؟ - أنه لا يجوز.:
- لأن النص عام.
- ولأن الزكاة سواء كانت من بني هاشم أو من غيرهم إنما هي أوساخ الناس. مهما كان المخرج.
ففي المسألة الثانية وهي: صدقة الهاشمي: لا يجوز أن يأخذ.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومواليهما.
يعني مولى الهاشمي ومولى المطلبي.
مولى الهاشمي ومولى المطلبي: لا يجوز له أيضاً أن يأخذ.


- أما مولى الهاشمي: فلا يجوز له أن يأخذ. ولا إشكال: لأن أبا رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يخرج مع عامل الصدقة ليأخذ معه فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (إن مولى القوم من أنفسهم).
فحكم مولى بني هاشم حكم بني هاشم.
- وأما مولى المطلبي فإذا كان الراجح في المطلبي أنه يأخذ فمولاه من باب أولى.
ولو رجحنا أن المطلبي لا يأخذ لكان المولى أيضاً لا يأخذ.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا إلى فقيرة تحت غني منفق.
لا يجوز للفقيرة أن تأخذ إذا كانت تحت غني منفق سواء كان هذا الغني المنفق زوج أو أب أو أي قريب ممن يجب عليه أن ينفق عليها.
والتعليل:
- أنها مستغنية بهذه النفقة. والمستغني بالنفقة لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة. وهذا الحكم معلوم مما تقدم معنا حين بحثنا مسألة: متى يرتفع اسم الفقر؟ وأخذنا أنه يرتفه بثىثة أمور منها: وجود المنفق.
فتلك المسألة توضح هذه ولكن نص المؤلف - رحمه الله - عليها لكزيد الإيضاح.
فنقول: من وجد من ينفق عليه فإنه لا يجوز أن يأخذ من الزكاة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا إلى فرعه وأصله.
لا يجوز للانسان أن يدفعه الزكاة إلى فرعه ولا يجوز أن يدفع الزكاة إلى أصله.
والمقصود بالأصل: الوالد وإن علا.
وبالفرع: الولد وإن نزل.
والكلام حول هذا الموضوع ينقسم إلى قسمين:
ــ القسم الأول: من تجب عليه نفقتهم: سواء كان والد أو ولد.
= فهذا لا يجوز أن يدفع الزكاة لهم بالإجماع.:
- لأن دفعه الزكاة فيه وقاية لماله.
- ولأن حقيقة هذه الزكاة تعود إليه. ولأن فائدة هذه الزكاة تعود إليه لأنه يوفر على نفسه في النفقة.
ــ القسم الثاني: من لا تلزمه نفقته: - إما أنه لا يرثه كابن البنت. - أو لأن ماله لا يتسع له. فهذا فيه خلاف.
= القول الأول: للحنابلة أن أيضاً هذا لا يجوز أن ندفع الزكاة له.
- لدخوله في عموم مسمى الابن ولو لم يرث.
= والقول الثاني: أنه يجوز أن نعطي من كان هذه حاله من الزكاة.
- لوجود المقتضي السالم من المعارض.
المقتضي للزكاة: هو أنه فقير. وهذا المقتضي لا يجوز له معارض أو دافع لأنه ليس هو الذي ينفق عليه.


بناء على هذا: إذا كان شخص عنده عائلة ويخرج الزكاة ولا يستطيع أن ينفق إلا على من في بيته وله ابن بنت فقير:
= فعند الحنابلة: لا يجوز له أن يعطيه من الزكاة.
= وعلى القول الصواب يجوز أن يعطيه من الزكاة.
وهذا القول الأخير اختيار شيخ الإسلام - رحمه الله - وهو اختيار قوي ومسدد لأن لا يدفع الإنسان زكاته للغريب مع حاجة القريب لأن هذا الابن بكل حال لن ينفق عليه فدفع الزكاة للبعيد مع بقاء حاجة القريب.
مسألة / يجوز أن يدفع الزكا للوالد وإن علا والولد وإن نزل إذا كانت الزكاة تعطى لمصلحة المسلمين لا لمصلحته الخاصة: كأن يكون مجاهداً أو عامل أو من المؤلفة أو كل من يعطى الزكاة لمصلة المسلمين. أو أن يكون غارماً لإصلاح ذات البين.
فإذاً إذا كان الإنسان ابن مجاهد أو ابن لأحد العاملين عليها أو من المؤلفة قلوبهم أو غارم لإصلاح ذات البين فيجوز أن يعطيه من الزكاة ولو كثرت.
حتى لو كان هو الذي ينفق عليه.
مسألة / يجوز للوالد أن يعطي ابنه وللابن أن يعطي أباه من الزكاة في كل ما لا يجب عليه أن يقضيه عنه.
مثاله: الدين.
فإذا كان الأب مديناً فإنه لا يجب على الابن أن يقضي دين أبيه.
كذلك العكس: لو كان الابن مديناً فإنه لا يجب على الأب أن يقضي دين الإبن.
بل يجب عليه فقط أن ينفق أما قضاء الديون فليس بواجب.
فإذا كان لا يجب عليه جاز أن يعطيه من الزكاة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا إلى عبد.
- لأن العبد مستغني بنفقة سيده.
- ولأن حقيقة الأمر أن المال سيذهب إلى السيد فسيكون ملكاً للسيد.
بناء على هذا التعليل: يجوز أن نعطي العبد إذا كان السيد يستحق الزكاة. لأن إعطاء العبد هو بمثابة إعطاء السيد.

ثم قال - رحمه الله -:
وزوج.
لا يجوز للمرأة أن تعطي زوجها: = عند الحنابلة.
وعللوا ذلك:
- بأنها تنتفع من الزكاة. لأن الزوج سينفق على الزوجة.
= والقثول الثاني: أنه يجوز للزوجة أن يعطي الزوج.
واستدلوا:
- بحديث ابن مسعود لما ذهبت زوجه زينب تستفتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان تعطيه من الصدقة أولا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (زوجك وولدك أحق من تصدقت عليه).


فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يجوز بل هم أحق من غيرهم.
وهذا القول هو الصحيح لأن الحديث فيه نص.
مسألة / هل يجوز أن تعطي زوجها ولو كان لها أولاد منه وهو وهم فقراء؟
فيه خلاف قوب:
= اقول الأول: أنه لا يجوز.
- لأنه سينفق المال على الأولاد الفقراء. وهؤلاء الأولاد الفقراء إذا كانوا لا يجدون كفايتهم يجب على الأم أن تنفق عليهم.
= والقول الثاني: أنه يجوز أن تعطي زوجها ولو كان لها منه أولاد فقراء.
لدليلين:
- الأول: أنه لا يجب على الأم أن تنفق على الأبناء بوجود الأب. كما قال الحافظ بن حجر - رحمه الله -.
- الثاني: - وهو الدليل الأقوى - أن حديث ابن مسعود عام ولم يستفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل لك منه أولاد أو لا؟ وإنما أمرها بدفع الصدقة له بلا تفصيل.
فإن قيل: الصدقة في حديث ابن مسعود هي صدقة التطوع لا الواجبة.
فالجواب: من وجهين:
- الأول: أنه لا دليل على تخصيص الصدقة للتطوع بل الحديث شامل التطوع والواجبة لأنه لا يوجد ما يدل على التخصيص وتخصيص اللفظ بلا دليل لا يجوز.
- والثاني: أنه في صدقة التطوع أيضاً لا يجوز أن ترجع المصلحة للمتصدق أو المتطوع ولو كانت صدقة تطوع. وذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يشتري الإنسان ما تصدق به مع أنه سيأخذه بالثمن ومع ذلك نهاه.
فالأقرب والله أعلم أنه يجوز للزوجه أن تعطي زكاتها للزوج مطلقاً بلا تفصيل كما جاء في الحديث فتعطيه ولو كان لها منه أولاد.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن أعطاها لمن ظنه غير أهل فبان أهلاً ... لم يجزئه.
يعني لم تجزئ عنه.
لماذا؟
لأنه أعطى وهو شاك. والعبادة يجب أن يؤديها الإنسان وهو جازم على يقين. هذا شيء.
الشيء الثاني: ان من أعطى زكاته لرجل يظن أنه ليس أهلاً للصدقة فهو إما متساهل أو متلاعب.
ولا نقول دائماً أنه متلاعب. بل الغالب أنه متساهل. ولا يجوزأن يتساهل الإنسان في إبراء ذمته حين إخراج الزكاة.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو بالعكس. لم يجزئه. إلاّ لغني ظنه فقيراً.
يعني: لايجوز ولا تجزئ الزكاة إذا أعطاها لمن يظن أنه أهل ثم بان أنه ليس من أهل الزكاة إلا الغني إذا ظنه فقيراً.


إذاً: = عند الحنابلة إذا أعطى الزكاة لمن يظنه أهلاً للزكاة ثم تبين أنه ليس من أهل الصدقات فإنه لا يجزئه إلا في صورة واحدة إذا أعطاها غنياً يظنه فقيراً.
الدليل على أنها لا تجزئه:
- أن بالإمكان لنخرج الزكاة أن يتثبت بالعلامات الظاهرة من حال الفقير أو من حال المستحق. فإذا لم يفعل لم يجزئه لأنه ترك ما يستطيع فعله أثناء أداء الواجب.
وأما استثناء الغني:
- فلما ثبت في الصحيح أن رجلاً قال: لأتصدقن وفي رواية الليلة ثم خرج ووضع الصدقة في يد فقير ثم لما أصبحوا تحدثوا أنه تصدق البارحه على غني فقال على غني: الحمد لله ثم أتي أي في المنام وقيل له قد قبل الله صدقتك.
فاستدلوا بهذا الدليل على استثناء الغني فقط من بين أصناف أهل الزكاة.
= والقول الثاني: أن من دفع إلى من يظن أنه من أهل الزكاة فبان من غيرهم أجزأته مهما كان الصنف سواء كان غنياً أو غير هذا الصنف.
- قياساً على الغني: لأنه لا يوجد ما يدل على تخصيصه بالحكم وإنما هذه حادثة عين.
- والدليل الثاني: أن معن بن يزيد - رضي الله عنه - أخذ صدقة والده ظاناً أنه يريده هو بالصدقة فقال والده: والله ما أردتك. فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لك ما أخذت يا معن ولك ما نويت يا يزيد).
فصحح الصدقة مع العلم أن الأب ما كان ناوياً الابن فدل على أن الإنسان إذا وضع الزكاة في غير محلها أو أخطأ في مراده فإن صدقته تجزئ وتجوز.
وهذا القول هو الصواب أنه مادام اجتهد ثم وضعها في غير أهلها تجزئ عنه.
فائدة:/ ظاهر مذهب الحنفية: التفصيل التالي:
- أنه إن اجتهد وبذل الوسع أجزأت عنه.
- وأن لم يجتهد وفرط لم تجزئ عنه.
وقالوا: الاجتهاد يكون بالنظر إلى المظاهر الخارجية للفقير ومعرفة أحواله التي يمكن للإنسان أن يعرفها من مظهره فهذا هو الاجتهاد.
فإن اجتهد أجزأت وإن لم يجتهد لم تجزئ.
هذا تفصيل عند الأحناف.
والقول الثاني: الذي ذكرت أنه هو الراجح هو الأقرب.


أما مسألة: اجتهد أو لم يجتهد إذا لم يجتهد وفرط فهو آثم بكل حال وفي كل مناسبة فلا نحتاج أن نقيد في مثل هذا السياق مسألة أنه اجتهد أو لم يجتهد لكن الأصل أن من أراد أن يخرج الزكاة أن يجتهد في وضعها في أهلها فإن لم يجتهد فهو آثم بل ربما نقول: لو أن الإنسان لم يجتهد ووضعها في أهلها فإنه لا يسلم من الإثم مع أنها تجزئ عنه لأنه فرط لأن الواجب على من أراد أن يخرج أن يجتهد في إيقاعها في الأصناف التي نص الله عليها في كتابه.
والله أعلم.


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(نقص من التسجيل)
وإلا فقد يعرض لصدقة العلانية ما تكون به أفضل من صدقة السر. لكن الأصل أن صدقة السر أفضل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... وذكر منهم رجل تصدق بصدقة قال في الحديث فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) ففي قوله: أخفاها وفي قوله: حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. تأكيد على أن السر أفضل من العلانية.
وصدقة التطوع: مستحبة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وفي رمضان. يعني: أفضل.
أي أن هذا الوقت المحدد وهو شهر رمضان الصدقة فيه أفضل من الصدقة في سائر الشهور.
ويدل على هذا عدة أمور:
- الأول: أن الحسنات تضاعف في هذا الشهر الكريم.
- الثاني: أنه يستعان بالصدقة في هذا الشهر بالذات على أعمال البر والخيرات. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من فطر صائماً فله مثل أجره).
- الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أجود ما يكون في رمضان. وكونه - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في إخراج الصدقة في رمضان ما لا يجتهده في سائر الشهور دليل على فضل هذا الشهر.
• ثم قال - رحمه الله -:
وأوقات الحاجات: أفضل.
أوقات الحاجات الإطعام فيها أفضل من غيرها من أوقات السعة. فإذا تصدق الإنسان على الناس الفقراء في أوقات الحاجة فهو أفضل.


وكذلك يقال: أن الصدقة على الأشد حاجة أفضل من الأقل حاجة ولو كانت الحاجة ليست عامة لقوله تعالى: - (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) -[البلد/14] فنص على أن الإطعام في اليوم الشديد أحب إلى الله ولأن حاجة المسكين أشد في هذه الأحوال سواء كان حاجة خاصة كما قلت أو حاجة عامة كأن تنزل بالمسلمين نازلة عامة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتسن: بالفاضل عن كفايته ومن يمونه.
يعني أن الصدقة تكون سنة ومحبوبة إلى الله إذا تصدق الإنسان بما يزيد عن نفقته ونفقة من يمونهم. فحينئذ تكون مستحبة.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنىً وابدأ بمن تعول).
ففي هذا الحديث دليل على أن الصدقة المستحبة إنما تكون بما زاد عن نفقته ونفقة من يمونهم ولا يريد المؤلف في هذه العبارة أن يبين حكم النقص من النفقة للصدقة فإن هذا سيذكره بالعبارة التالية لكنه يريد أن يبين أن الصدقة إنما تستحب في هذه الحال بأن تكون بالزائد عن حاجته ونفقته.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويأثم بما ينقصها.
يُنَقِّصُهَا أو: ولعله الأقرب: يُنْقِصُهَا كما ضبطها شيخنا - رحمه الله -.
والمعنى قريب إن شاء الله.
إن تصدق بصدقة أدت إلى النقص في نفقته أو نفقة من يمونهم فهو آثم.
- لأنه قدم المستحب على الواجب. فإن نفقة الإنسان على نفسه وعلى من يجب عليه أن ينفق عليهم واجبة ولا يجوز للإنسان أن يقدم المستحب على الواجب.
- ويستدل لهذا أيضاً بما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول).
فهذا الحديث دليل على أنه لايجوز للإنسان أن يضيع من يعول بأن ينفق نفقة تنقص من الواجب لهم.
- ويدل على ذلك أيضاً أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عنده دينار يريد أن يتصدق به فقال: (تصدق به على نفسك) فقال عندي آخر فقال: (على ولدك) فقال عندي آخر فقال: (على زوجك) فقال عندي آخر فقال: (على خادمك) فقال عندي آخر فقال: (أنت أبصر). يعني ضعه حيث تشاء. فجعل الصدقة في المرتبة الرابعة أو الخامسة مما يدل على وجوب تقديم النفقات المذكورة في الحديث على صدقة التطوع.

- - مسألة: هل يجوز للإنسان أن يتصدق بكل ماله؟


الجواب: أن هذا فيه تفصيل:
- فإن كان يصبر على شظف العيش وقلة المؤونة هو وأهله ولا يترتب على هذا مفاسد فإنه يجوز له أن يتصدق بكل ماله وقد صنعه أبو بكر الصديق أكثر من مرة.
- وإن كان لا يتحمل شظف العيش ولا نقص المؤونة فإنه يحرم عليه أن يتصدق بكل ماله لما يترتب على هذا من الضرر عليه وعلى من يعول.
وفي الحقيقة حال غالب الناس هو هذا: أنهم لا يتمكنون من الصبر على شظف العيش.
فإذا كان الإنسان يعلن من نفسه هذا فإنه لا يجوز له أن يتصدق بكل ماله.
وبهذا انتهى ولله الحمد الكلام على كتاب الزكاة.

وقبل أن ننتقل إلى كتاب الصوم أريد أن أتكلم عن مسألة الهاشمي والمطلبي لأني لا حظت أن بعض الإخوان لم تتضح لهم من حيث النسب تماماً.
فسأذكر ما يتعلق بالشجرة الشريفة من كان منهم من المسلمين ويلحق ما سأذكره الآن (بالنسبة لأخينا الذي يكتب) بالكلام عن الهاشمي.
نقول: جد النبي - صلى الله عليه وسلم - الثالث هو عبد مناف بن قصي بن كلاب.
عبد مناف هذا ولد له أربعة:
1 - هاشم.
2 - والمطلب.
3 - وعبد شمس.
4 - ونوفل.
هؤلاء أربعة.
1 - هاشم - والذي هو جد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد له عبد المطلب.
وعبد المطلب ولد له أولاد هم:
1 - أبو طالب. وهو والد: علي، وجعفر. كما هو معلوم.
2 - وعبد الله: والد نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
3 - والعباس: كما هو معروف.
4 - وحمزة.
5 - والحارث بن عبد المطلب.
تقدم معنا عند قول المؤلف: (ولا يدفع إلى هاشمي ومطلبي).
وذكرنا الآن أن عبد مناف له من الولد: هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل.
- فالمقصود بقوله: (مطلبي). هو هذا: المطلب بن عبد مناف أخو هاشم وهو يختلط بعبد المطلب عند كثير من الطلاب يخلطون بين عبد المطلب والمطلب.
فعبد المطلب ابن لهاشم وأما المطلب فعمه.
وهاشم هذا اسمه: عمرو. وهو أول من سافر إلى الشام واليمن - رحلة المشرق والمغرب وهذا الرجل - هاشم - تزوج من بني النجار ولهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتبرهم أخواله.
هذا بالنسبة لهاشم.


بالنسبة لعبد المطلب فإن هاشم لما تزوج من بني النجار اشترطوا عليه أن تبقى زوجته في المدينة فبقيت في المدينة وولدت له عبد المطلب وهو جد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعبد المطلب اسمه شيبة الحمد كما هو معروف وسمي بعبد المطلب لأن هاشم لما تزوج ودخل بزوجته سافر إلى الشام وتوفي فالمطلب صار هو الذي يرعى عبد المطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم - فظنه الناس عبد للمطلب فسموه عبد المطلب وإلا فاسمه شيبة الحمد وهو أول من خضب بالسواد.
المهم عبد المطلب كما تقدم أتى له من الأبناء أبو طالب وعبد الله والعباس ... إلخ.
فالمطلب الآن وهاشم أخوين والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنما بنوا هاشم وبنوا المطلب شيء واحد) وبني المطلب لهم الخمس كما أن لهاشم خمس.
بينما عبد شمس ونوفل وهم في درجة واحدة ليس لهم شيء.
وعبد شمس من أحفاده أمير المؤمنين عثمان بن عفان.
ونوفل من أحفاده جبير بن مطعم.
فعثمان بن عفان وجبير بن مطعم أتوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قالوا: أنت تعطي بني المطلب من الخمس ولا تعطينا ونحن وهم سواء - يعني من حيث النسب.
فبين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن بني هاشم والمطلب شيء واحد.
الخلاصة: الذين لهم ذرية من بني هاشم من الذين لا تجوز لهم الصدقة هم هؤلاء الذين سأذكرهم فقط وأما الباقي فليس لهم ذرية.
: - آل علي بن أبي طالب. - وآل جعفر. - وآل عقيل. كلهم أبناء أبي طالب.
: - وآل العباس. - وآل أبي لهب. - وآل الحارث بن عبد المطلب.
هؤلاء هم الذين لهم نسل ويوجد إلى الآن وهم الذين لا يجوز لهم أن يأخذوا الصدقة. فكل إنسان من قريش عدا هؤلاء الذين ذكرت تجوز له الصدقة.
إنما الذي تحرم عليه الصدقة هؤلاء الذين بقي لهم ذرية توجد إلى عصرنا هذا.