شرح زاد المستقنع للخليل

كتاب الصيام
قال شيخنا حفظه الله:
• قال - رحمه الله -:
كتاب الصيام.
الصيام في لغة العرب: الكف والإمساك سواء كان عن الطعام أو عن الكلام أو عن العمل أو عن أي شيء.
وفي الاصطلاح: هو الإمساك بنية عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق - الثاني - إلى غروب الشمس.
وهذا التعريف ذكره بعض الفقهاء. وهو أوضح من أن يقال: إمساك مخصوص في زمن مخصوص عن أشياء مخصوصة. فإن هذا التعريف ما يفيد كثيراً لكن التعريف الذي ذكرت وذكره بعض الفقهاء أوضح في بيان المقصود.

• يقول - رحمه الله -:
يجب صوم رمضان.
صيام رمضان مفروض بالكتاب والسنة والإجماع. ولم يختلف أهل العلم في فرضيته.
وهو مما يعلم وجوبه من الدين بالضرورة.
فمن أدلة فرضيته:
- في الكتاب: قوله تعالى: - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) -[البقرة/183].
- وأما من السنة: فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (بني الإسلام على خمس) وذكر منها صيام رمضان.
- وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون علماء وعوام وكل من يعقل الأحكام من الإسلام أن صيام رمضان واجب متحتم.
ورمضان فرض في السنة الثانية.
وصام - صلى الله عليه وسلم -: تسع رمضانات بإجماع الفقهاء.

يقول - رحمه الله -:
يجب صوم رمضان برؤية هلاله.
يجب الصوم بثلاثة أسباب:
- السبب الأول: رؤية الهلال: فإذا رأى المسلمون الهلال وجب عليهم الصيام لدليلين:
- أولاً: الإجماع. فإنه لم يختلف المسلمون أنه إذا رؤي الهلال وجب الصوم.
- ثانياً: ما صح عن ابن عمر في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا).
- السبب الثاني: إتمام عدة شعبان ثلاثين يوماً. وهذا أيضاً مما أجمع عليه الفقهاء. أنه إذا أتم المسلمون شهر شعبان ثلاثون يوماً وجب عليهم الصيام.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً).


- السبب الثالث: إذا كانت ليلة الثلاثين فيها غيم أو قتر. فيجب الصيام حينئذ عند الحنابلة وسيأتينا الآن قريباً تفصيل هذه المسألة وذكر الخلاف والراجح فيها. لكن المقصود الآن أن يتصور الإنسان الأسباب الثلاثة عند الحنابلة التي توجب على المسلمين الصيام وأن السبب الأول والثاني محل إجماع وأن الثالث محل خلاف سيأتي الكلام عليه.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن لم ير مع صحوٍ ليلة الثلاثين: أصبحوا مفطرين.
وذلك لعدم استنادهم على ما يوجب الصيام شرعاً. لأنه إذا لم ير مع الصحو إذاً لم يهل ولا يجوز للإنسان أن يصوم إلا بموجب شرعي.
وإذا تأملت تجد هذه الصورة التي ذكرها المؤلف تخرج عن الأسباب الثلاثة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن حال دونه غيم أو قتر: فظاهر المذهب يجب صومه.
إذا حال بين الناس وبين رؤية القمر غيم أي: سحب أو قتر يعني: غبار وذلك ليلة الثلاثين من شعبان فإنه:
= يجب عند الحنابلة أن يصوم الناس.
واستدل الحنابلة لهذا الحكم بأدلة:
- الأول: أنه يجب الصيام احتياطاً.
- الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (فإن غم عليكم فاقدروا له). قالوا ومعنى (فاقدروا): يعني: ضيقوا وإذا ضيقنا شعبان صار تسعة وعشرين يوماً. فنصوم بناء على هذا من الغد.
- الثالث: أنه صح أن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يصوم في يوم الغيم.
إذاً استدل الحنابلة بثلاثة أدلة.
= القول الثاني: أنه لا يجب الصيام. بل إما أن يكون مباحاً أو مستحباً. لكنه لا يجب.
والقول: بأنه لا يجب. وهو إما مباح أو مستحب: كل هذه الأقوال نسبت لشيخ الإسلام أنه - رحمه الله - قال: مباح وأنه قال مستحب. فكأن له في هذه المسألة أكثر من قول.
واستدل:
- بأنه لم ينقل عن الصحابة أبداً الوجوب ولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
= القول الثالث: أن الصيام في هذا اليوم محرم. لدليلين:
- الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من صام يوم الشك فقد عصا أبا القاسم) ويوم الشك هو ليلة الثلاثين من إذا حال بين الناس وبين رؤية القمر سحاب أو قتر.
- الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين). ومن صام هذا اليوم فقد تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين حسب الواقع.


= القول الرابع - الأخير -: أنه لا يستحب. وهذا أيضاً نسب لشيخ الاسلام - رحمه الله -.
فصارت الأقول: يجب، يباح، يستحب، لا يستحب، يحرم.
والأقرب أنه يحرم مع قوة القول بالإستحباب.
وسبب قوة القول بالإستحباب: أنه مروي عن الصحابة.
وسبب ترجيح التحريم: وضوح النصوص لأن معصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بصوم يوم الشك تؤدي إلى التحريم.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن رؤي نهاراً: فهو لليلة المقبلة.
المقصود بهذا: أنه لا أثر لرؤية الخلال في النهار.
أما بالنسبة لليلة السابقة فلا إشكال في أنه لا أثر له.
وأما بالنسبة لليلة القادمة فكذلك لا أثر له. إلا إن رؤي بعد غروب الشمس.
الدليل على هذا:
- أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: إذا رأيتموه في النهار فلا تصوموا حتى تروه في العشية.

ثم قال - رحمه الله -:
وإذا رآه أهل بلد: لزم الناس كلهم الصوم.
هذه مسألة مهمة وهي من المسائل التي يكثر فيها الخلاف والأخذ والعطاء.
= ذهب الحنابلة والأحناف والمالكية. يعني: الأئمة الثلاثة. إلى أنه إذا رؤي القمر في بلد لزم جميع الناس الصوم.
واستدلوا على هذا بأدلة:
- الدليل الأول بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا. والخطاب في قوله: رأيتموه لجميع المسلمين.
- الدليل الثاني: قوله سبحانه وتعالى: - (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... ) -[البقرة/185] وشهادة الشهر لا يمكن أن تكون من جميع الناس بل يصدق عليها أنها شهادة ولو من بعض الناس.
= القول الثاني: وهو للشافعية واختيار شيخ الاسلام - رحمه الله -. أنه إذا رؤي الهلال في بلد وجب عليهم الصيام وعلى كل بلد يوافقهم في مطلع القمر.
واستدل هؤلاء:
- بأن مطالع القمر تختلف باتفاق أهل الفلك. وإذا كانت تختلف فقد يطلع على قوم دون آخرين.
- وبحديث كريب أنه قدم من معاوية من الشام إلى ابن عباس فقال: له ابن عباس متى رأيتم القمر قال ليلة الجمعة فقال: ابن عباس إنا لم نره إلا ليلة السبت فلا نزال صائمين حتى نراه أو نكمل العدة ثلاثين.
وجه الاستدلال: أن ابن عباس لم يعتد برؤية أهل الشام.


= القول الثالث: أنته لكل بلد رؤية خاصة به. فإذا رؤي في بلد لزم أهله الصيام دون سائر البلدان.
= القول الرابع - الأخير -: أنه يرجع إلى رأي الحاكم. فإذا أمر بالصيام وجب على من تحت ولايته أن يصوموا ولو كانوا في بلدان مختلفة المطالع.
والراجح والله أعلم القول الأول: أنه إذا رآه أحد من المسلمين وجب على الجميع الصيام.
- أولاً: لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رأيتموه فصوموا) هذا الحديث لا يوجد عنه جواب صحيح وهو عام: إذا رأيتموه فصوموا: للجميع.
- ثانياً: أن اختلاف المطالع الذي قال به شيخ الاسلام - رحمه الله - يشكل عليه أن كثيراً من الناس لا يحسن ولا يعرف مسألة اختلاف المطالع وتقدم معنا مراراً من القواعد التي قررها أهل العلم ومنهم شيخ الاسلام: ((أن الشارع لا يربط الحكام بما لا يحسنه كثير الناس وإنما يربطه بالأشياء الواضحة التي يشترك جميع الناس في معرفته)). كطلوع الشمس وغروبها والزوال فكل الناس يحسن هذه الأشياء.
- ثالثاً: لم يأت في النصوص أبداً الإشارة إلى اعتبار اختلاف المطالع.
- رابعاً - وأخيراً: أنا نجد نظير هذا في الأحكام الشرعية الأخرى ومنها: أن يوم الجمعة في الدنيا كلها يوم واحد يتقدم ويتأخر لكنه يوم واحد عند جميع الأمصار. مما يدل على أن قضية تأخر طلوع الشيء أو تقدمه وإنما يوم الجمعة بكل ما تترتب عليه من أحكام سواء كانت أحكام العبادات أو المعاملات يحل في الدنيا كلها بيوم واحد يتقدم ويتأخر لكنه هو يوم واحد في زمن واحد.
كذلك نقول رمضان في جميع البلدان والأمصار هو شهر واحد يبدأ بوقت واحد وينتهي بوقت واحد وإن تقدم وإن تأخر لكنه من حيث اليوم واحد.
المهم: أن الراجح إن شاء الله هذا القول الأول ومع ما ذكرت من أدلة وتعليلات يضاف إليه شيء يستأنس به وإن كان لا يعتمد عليه ما يحصل بسبب هذا القول من اتفاق الكلمة واتحادها والبعد عن الاختلاف لأنه بناء على هذا القول إذا رؤي في أي بلد من البلدان رؤية شرعية صحيحة مستوفية الشروط وجب على جميع المسلمين أن يصوموا.
وبهذا يتحدوا اتحاداً تاماً في مسألة دخول الشهر وخروجه.
• ثم قال - رحمه الله -: - مبيناً شروط الرؤية:


ويصام: برؤية عدل ولو أُنثى.
يعني: أن وجوب صيام شهر رمضان يكتفى به برؤية عدل واحد ولو أنثى ولا يشترط أن يشهد بذلك اثنان.
= وهو مذهب الحنابلة والشافعية.
واستدل هؤلاء بنصوص واضحة:
- أولاً: بحديث ابن عباس أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأي الهلال فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أتشهد أن لا إله إلا الله فقال: نعم. فأمر الناس بالصيام.
فهذا الأعرابي رجل واحد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادته.
وهذا الحديث يصححه بعض المتأخرين. والصواب أنه مرسل كما قال الإمام النسائي.
- ثانياً: ما صح عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس أن يتراؤوا الهلال قال: فرأيته وأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - فصامه وأمر الناس بصيامه. - أي: الشهر.
وهذا الحديث الصواب أنه ليس له علة وهو صحيح ثابت إن شاء الله وهو نص في قبول شهادة الرجل الواحد.
= القول الثاني: أنه تقبل شهادة الرجل الواحد إذا قدم من خارج البلد وترد إذا شهد وهو في البلد.
- لأنه إذا شهد قادماً من الخارج فيحتمل أن يرى ما لا يراه الناس لكونه في موقع يتمكن من الرؤية دون الناس. وأما إذا كان في وسط البلد مع الناس وزعم أنه رآه ولم يره الناس فترد شهادته لأنهم يتمكنون من رؤية ما يرى.
- ولأن الأعرابي الذي شهد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم من الخارج.
= والقول الأخير - وهو الثالث - أنه يشترط في ثبوت دخول الشهر شهادة اثنان.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فإذا شهدا شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا).
والصواب: القول الأول.
• قوله - رحمه الله -
: (ولو أنثى).
يعني خلافاً للشافعية الذين يشترطون أن يكون الرائي من الرجال.
والدليل على صحة مذهب الحنابلة:
- أن هذا خبر ديني يقبل به قول الرجل والمرأة كرواية الحديث وكالإخبار بمواقيت الصلاة فإن هذه الأخبار الدينية لا يشترط فيها أن يكون المخبر رجل بل تقبل من النساء.
وهذا هو الصواب بلا شك.
- - مسألة: خروج الشهر - بل نقول رؤية شهر شوال وغيره من الشهور فيما عدا رمضان لا يقبل في إثباتها إلا شهادة رجلين ولا يكتفى بالواحد.


وحكي على هذا الإجماع - حكاه أكير من واحد من أهل العلم ولم يخالف فيه إلا فقيه واحد وهو أبو ثور.
فمن الفقهاء من حكى الإجماع ولم يشر إلى خلاف أبي ثور ومنهم من حكى الإجماع وقال: خالف أبو ثور فقط.
وهذا هو الصواب لأنها محل إجماع أنه يشترط في إثبات دخول سائر الشهور عدا رمضان أن يشهد اثنان.

قوله - رحمه الله -
: (ويصام برؤية عدل).
اشتراط العدالة دل عليه الحديث السابق: وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإذا شهدا شاهدان ذوا عدل).
فيشترط لقبول الشهادة أن يكون الشاهد عدل مستقيم تارك للكبائر لقوله تعالى: - (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) -[الحجرات/6] فالفاسق لا يقبل قوله في الأخبار العادية فكيف بدخول شهر رمضان.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً فلم ير الهلال .... لم يفطروا.
قوله: (لم يفطروا): لأنه لا يمكن أن يخرج الشهر بشهادة واحد إذا تقدم معنا الآن أنه يشترط في إثبات خروج الشهر شهادة اثنان.
وإذا أخرجنا الشهر بتمام الثلاثين نكون اعتمدنا على شهادة رجل واحد وهو الذي شهد بإدخال الشهر. وذلك لا نقبل هذا ويشترط شهادة شاهدان.
= القول الثاني: أنه إذا تم ثلاثون يوماً أفطر الناس ولو كان الشهر دخل بشهادة رجل واحد.
- لأن الإفطار هنا إنما هو بإتمام الشهر ثلاثين لا بشهادة الرجل الأول. والقاعدة المتفق عليها: (يثبت تبعاً ما لايثبت استقلالاً). فإتمام الثلاثين تبع لشهادة الرجل ولكن يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
فنثبت الآن الفطر بثلاثين تبعاً لشهادة الرجل الواحد لا أصلاً.
وهذا القول لا شك أنه هو الراجح إن شاء الله: أنه إذا تم الشهر ثلاثون يوماً أفطر الناس ولو كان دخول الشهر بشهادة رجل واحد.
وعلى هذا عمل الناس.
• قال - رحمه الله -:
أو صاموا لأجل غيم: لم يفطروا.
تقدم معنا أن الحنابلة يرون أنه إذا كان ليلة الثلاثين من شعبان عليها غيم أو قتر وجب الصيام فإذا صام الناس بناء على هذا القول فإنهم لا يفطرون بإتمام الثلاثين يوماً لأن الصيام في أول الشهر إنما وجب احتياطاً والاحتياط في آخر الشهر أن الأصل بقاء رمضان.
وهذه المسألة مفروضة عند الحنابلة.


وعلى القول الراجح لا إشكال لأنه لا يجب أن يصام بل يحرم فلا ترد هذه المسألى على هذا القول.

ثم قال - رحمه الله -:
ومن رأى وحده هلال رمضان وردّ قوله ... صام.
إذا رأى الإنسان هلال رمضان وحده ولم يره الناس وجب عليه أن يصوم وحده باتفاق الأئمة الأربعة.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا رأيتموه فصوموا) وهذا رآه.
- وبقوله تعالى: - (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... ) -[البقرة/185] وهذا شهد الشهر.
- وبأن هذا الذي رأى الهلال يعلم قطعاً أن هذا اليوم من رمضان فلا يجوز له أن يفطر.
= القول الثاني ك رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الاسلام: أن من رأة هلال رمضان وحده فإنه لا يجب عليه أن يصوم.
واستدلوا بدليلين:
- الدليل الأول: أن هذا اليوم محكوم عليه شرعاً أنه من شعبان. لأنه عند الناس من شعبان فهو شرعاً من شعبان فكيف يصوم يوماً من شعبان.
- الدليل الثاني: - وهو الدليل القوي - قوله - صلى الله عليه وسلم - (فطركم يوم تفطرون وصومكم يوم تصومون) ومعنى الحديث أن الفطر المعتبر وكذلك الصيام المعتبر ما وافق فيه المسلم جماعة المسلمين.
واختيار شيخ الاسلام هو الاقرب. ومذهب الأئمة الأربعة لا يخفاكم أنه هو الأحوط لكن مع ذلك إذا صام الإنسان فينبغي أن يصوم سراً.
والسبب في ذلك: لأن لا يدخل بين الناس النزاع والخصومة بسبب أنه صائم فإنه مافي شك أنه إذا رؤي أنه صائم في يوم يعتبره من رمضان صار بينه وبين الذين لم يصوموا مخاصمة وهذا لاشك يقع كثيراً فإذا أراد أن يحتاط ويصوم يصوم سراً.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو رأى هلال شوال: صام.
يعني: أنه إذا رأى الإنسان هلال شوال وحده دون الناس فيجب عليه أن يصوم.
(= على المذهب: إذا رأى هلال شوال لا يجوز له أن يفطر وهومذهب الجمهور واختيار شيخ الاسلام.
واستدلوا:
- بالحديث السابق: (فطركم يوم تفطرون وصومكم يوم تصومون).
- ولأن - وهذا دليلهم الأقوى - خروج رمضان لا يثبت إلا بشهادة اثنان والذي رآه الآن واحد فهو شرعاً لم يخرج الشهر - وإن كان هو رآه.
إذاً ذهب الجمهور كلهم بمن فيهم شيخ الاسلام إلى أنه إذا رأى هلال شوال وحده لا يفطر.


= القول الثاني: وهو قول للشافعية: ونصره ابن حزم ومن المتأخرين الصنعاني أنه يجوز له أن يفطر.
واستدلوا:
- بالحديث (وإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا).
والصواب مع الجمهور أنه لا يجوز له أن يفطر بل يبقى إلى أن يفطر الناس.
- - مسألة: يستثنى من المسائل السابقة إذا رآه وحده سواء رأى هلال رمضان أو هلال شوال يستثنى إذا رآه منفرداً كأن يكون في البر فرأى الهلال أو كان محبوساً لا يتمكن من الكلام مع الناس ورأى الهلال من النافذة لو فرضنا وقوع مثل هذا الشيء فإنه حينئذ يجب عليه أن يعمل برؤيته.
وهذا اختيار شيخ الاسلام بن تيمية.
- لأن هذه الرؤية لا تتعارض مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صومكميوم تصومون وفطركم يوم تفطرون).
إذاً عرفنا الآن أن الإنسان إذا رأى الهلال وحده منفرداً عن الناس - أثناء سفر أو في أي ملابسات أخرى فيجب عليه أن يصوم ويعمل بقوله: (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطرو).
• ثم قال - رحمه الله -:
ويلزم الصوم: لكل مسلم مكلف قادر.
هذه شروط وجوب الصيام.
فيشترط لوجوب الصيام أن يكون مسلماً وبالغ وعاقل والشرط الرابع: قادر. لكن المؤلف جمع المسلم العاقل بقوله: مكلف.
اشتراط هذه الشروط محل إجماع في الجملة.
نأتي إلى التفصيل:
- الشرط الأول: أن يكون مسلماً. فيشترط في وجوب الصيام أن يكون مسلماً.
لأن الصيام عبادة والعبادة تحتاج إلى نية والنية لا تتأتى من الكافر.
وتقدم معنا في الزكاة أن معنى قول الفقهاء لا يجب عليه يعني: لا يطالب بها ولا بقضائها إذا أسلم وليس المراد أنه لا يعاقب على تركها.
- الشرط الثاني: أن يكون مكلفاً. يعني: بالغ وعاقل.
والدليل عليه: قوله - صلى الله عليه وسلم - (رفع القلم عن ثلاثة الصغير حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق).
فهؤلاء لا يجب عليهم الصيام وسيأتينا تفصيل أحوال الصبي والمجنون لكن من حيث الأصل لا يجب عليهم الصيام.
- الشرط الثالث - الأخير - أن يكون قادراً.
والدليل على اشتراط هذا الشرط: - أولاً: الإجماع. فإنه أجمع العلماء أنه لا يجب على من لا يستطيع الصيام أن يصوم.
- ثانياً: قوله تعالى: - (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) -[التغابن/16].


- ثالثاً: قوله تعالى: - (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ... ) -[البقرة/286].
- الرابع: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
وترك الصيام لغير القادر لمرض أو غيره ينقسم إلى قسمين:
- الأول: أن لا يستطيع في الوقت ويستطيع بعد الوقت كالمريض الذي يرجى برؤه فهذا يجوز له الفطر. وعليه القضاء فقط.
- الثاني: من لا يستطيع في الوقت ولا بعد الوقت. والمقصود بالوقت هنا: شسهر رمضان. فهذا يجوز له الفطر وعليه الإطعام. ومثاله: الشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه.
وسيأتي تفصيل أكثر لأحكام المريض الذي يرجى والذي لا يرجى برؤه.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإذا قامت البينة في أثناء النهار: وجب الإمساك والقضاء على كل من صار في أثنائه أهلاً لوجوبه.
في الواقع المؤلف - رحمه الله - في هذه العبارة كأنه خلط بين مسألتين ولذلك لو رجعت للمقنع أو لكشاف القناع أو لأي كتاب من كتب الحنابلة ستجد أنه فصل بين المسألتين:
- المسألة الأولى: إذا قامت البينة في أثناء النهار.
- والمسألة الثانية: من صار أهلاً للوجوب في أثناء النهار ..
نبدأ بالمسألة الأولى: إذا قامت البينة في أثناء النهار: وجب الإمساك والقضاء.
إذا قامت البينة في أثناء النهار: يعني عرف في وسط النهار أن هذا اليوم من رمضان فيترتب على هذا: وجوب أمرين:
- الأول: وجوب الإمساك. - والثاني: وجوب القضاء.
أما الأول: وهو وجوب الإمساك: فهومحل إجماع. فيجب على من علم بأن هذا اليوم من رمضان في أثناء النهار أن يمسك.

والدليل على هذا:
- أولاًِ: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فاتقوا الله ما استطعتم) وهذا يستطيع أن يتقي الله في باقي اليوم بامتثال الأمر.
- ثانياً: لحرمة اليوم فإن هذا اليوم من رمضان لا يجوز للإنسان أن يأكل فيه.
- ثالثاً: لما صح عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى قوم أكلوا أول اليوم من عاشوراء أن أمسكوا وأتموا الصيام. مع أنهم أكلوا أول اليوم بنص الحديث.
وكما قلت المسألة محل إجماع.
وأما الثاني: وهو وجوب القضاء. يجب على المسلمين إذا أمسكوا مع ذلك أن يقضوا هذا اليوم.
والدليل:


- أن هؤلاء الناس لم يصوموا يوماً شرعياً كاملاً ولم يأتوا بشروط الصيام الصحيحة.
إذاً اختل الصيام من جهتين: أنه لم يصوموا يوماً كاملاً وأنهم لم يأتوا بشروط الصيام: كالنية من الليل.
= وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم. أنه: يجب مع الإمساك القضاء.
= والقول الثاني: أنه يجب الإمساك دون القضاء. وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام بن تيمية.
واستدل بدليلين:
- الأول: أن الذين أكلوا أول اليوم في عاشوراء وأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإمساك لم يأمرهم بالقضاء مع أن صيام عاشوراء كان واجباً في صدر الإسلام.
- الثاني: أن الوجوب وجوب العبادة فرع العلم. فقبل العلم لم يجب أصلاً. فالإمساك على هؤلاء يجب من حين علموا إلى آخر اليوم دون صدر اليوم ولا يجب على الإنسان أن يقضي ما لا يجب عليه.
والراجح. القول الثاني. وهذه المسألة إن كانت تقع في القديم فإنها لا يتصور أن تقع في وقتنا هذا إذ لا يتصور أن يرىحد الهلال ثم لا يستطيع أن يخبر المختصين والمختصون بدورهم يخبرون الناس لكن في القديم يقع كثيراً أن يراه في مكان بعيد ثم لا يصل إلا في منتصف النهار ثم يشهد وتقبل شهادته ويؤمر الناس بالصيام فهذا كان يقع.
أما اليوم فهي ولله الحمد لا تقع أو يندر جداً أن تقع مثل هذه المسألة.

ثم قال - رحمه الله -:
على كل من صار في أثنائه أهلاً لوجوبه.
من صار أهلاً للوجوب في أثناء اليوم أيضاً يجب عليه أن يمسك وأن يقضي.
مثاله: أن يسلم الكافر. أو يبلغ الصبي. أو يفيق المجنون.
فإذا بلغ الصبي في أثناء اليوم أو أسلم الكافر ترتب على هذا:
- أنه يجب عليهم أن يمسكوا.
- وأيضاً يجب أن يقضوا.
وهذه المسألة فيها عن الإمام أحمد روايتان وقيل ثلاثة لكن تشككوا في إثبات الرواية الثالثة.
= فالرواية الأولى: وجوب الإمساك والقضاء. وهو المذهب. .
أما وجوب الإمساك فلما تقدم أنه احتراماً للزمن ولأنهم أفطروا لعذر فزال هذا العذر فوجب أن يمسكوا.
= القول الثاني: لا يجب لا الإمساك ولا القضاء وهو رواية عن الإمام أحمد وهي الثانية.
أما أنه لا يجب الإمساك: فاستدلوا بأن من أفطر في أول اليوم ظاهراً وباطناً جاز له أن يفطر في آخر اليوم.


والصبي قبل أن يبلغ يجوز له أن يفطر في صدر اليوم ظاهراً وباطناً.
بخلاف الذين لم يبلغهم الخبر إلا في أثناء اليوم فهؤلاء يجوز لهم أن يفطروا ظاهراً فقط.
أما هؤلاء فإنه يجوز لهم أن يفطروا ظاهراً وباطناً.
إذاً هذا الدليل على عدم الإمساك.
وأما الدليل على عدم القضاء فلأن هؤلاء حال التلبس بالعبادة ليسوا من أهل العبادة.
((الأذان))
(نتم هذه المسألة فقط).
= والقول الثالث: ما قال عنه الزركشي: أظنه رواية عن الإمام أحمد: أنه يجب الإمساك دون القضاء.
والزركشي يقول: أظن أن شيخ الاسلام جعله رواية.
يعني: في إثبات هذه الرواية عن الإمام أحمد شك.
وهذا القول الأخير هو الصواب أنه يجب الإمساك دون القضاء.
أما عدم وجوب القضاء فلما تقدم: من أنهم لم يدركوا وقتاً يتمكنوا فيه من العبادة. أي أنهم في صدر النهار لم يكونوا من أهل العبادة.
وأما وجوب الإمساك فلحديث عاشوراء حيث أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإمساك فكذا هؤلاء نأمرهم بالإمساك بقية النهار ولا يجب عليهم أن يقضوا.
انتهى الدرس


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• قال - رحمه الله -:
وكذا حائض ونفساءُ طهرتا، ومسافر قدم مفطراً.
هؤلاء ثلاثة:
1 - الحائض إذا طهرت.
2 - والنفساء إذا طهرت.
3 - والمسافر إذا قدم.
ويلحق بهم شخص رابع وهو: 4 - المريض إذا شفي.
فهؤلاء أيضاً يأخذون الحكم السابق وهو وجوب القضاء ووجوب الإمساك.
- فنبدأ بالأول:
وهو: وجوب القضاء بالنسبة لمن كان يمنعه مانع من الصيام كالحيض والنفاس أو كان يجوز له الفطر كالمريض والمسافر فهؤلاء يجب عليهم القضاء إجماعاً.
- لقوله تعالى: - (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) -[البقرة/184].
فمسألة القضاء لا إشكال فيها بنص الكتاب وإجماع أهل العلم.
- والمسألة الثانية:
الإمساك: فيجب على هؤلاء أن يمسكوا إذا زال العذر في أثناء النهار.
= واستدل الحنابلة على ذلك:


- بأن العذر المبيح للفطر زال فيجب أن يزول حكمه وهو الإفطار ويمسك هذا الشخص.
= والقول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد أنه لا يجب على هؤلاء الأربعة أن يمسكوا.
واستدلوا بأدلة:
- الأول: أن الله سبحانه وتعالى إنما فرض على المسلم صيام يوم ولا يجوز أن نلزمه بصيام يوم وصيام بعض يوم. لأنا نوجب عليه أن يقضي. فإذا أوجبنا عليه أيضاً أن يمسك صرنا أوجبنا عليه أن يصوم يوماً أو بعض يوم وهذا لا يدل عليه دليل من الشرع.
- الثاني: أنهم أفطروا في صدر النهار ظاهراً وباطناً بإذن الشارع الذي لا شك فيه فكذلك في آخر النهار. لأن الصوم الشرعي: الإمساك يوماً كاملاً.
وهذا القول الثاني هو الراجح إن شاء الله.

ثم قال - رحمه الله -:
ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤهُ: أطعما لكل يوم مسكيناً.
أي جاز له أن يفطر وعليه أن يطعم.
فالشيخ الكبير - الرجل الكبير السن - ومن كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه إذا لم يستطيعوا الصيام جاز لهم الفطر وعليهم فقط الإطعام.
= وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم: الشافعية والحنابلة والأحناف والجماهير.
واستدلوا:
- بما صح عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: الشيخ والشيخة الكبير يفطرون ويطعمون. واستدل بقوله تعالى: - (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) -[البقرة/184].
= القول الثاني: للإمام مالك وهو أنهم يفطرون ولا شيء عليهم.
واستدل:
- بأنهم أفطروا بعذر شرعي ومن أفطر بعذر شرعي فإنه لا يلزم بالفدية.
وقول الإمام مالك ضعيف والصواب مع الجمهور لما استدلوا به عن ابن عباس ولا يعلم له مخالف من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
• ثم قال - رحمه الله -:
أطعما لكل يوم مسكيناً.
لم يبين المؤلف - رحمه الله - المراد بالإطعام هنا ولا مقداره.
= ومقصود الحنابلة هنا هو ما يجزئ في الكفارات وهو مد بر أو نصف صاع من غيره من الأطعمة.
واستدلوا على ذلك:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب في فدية الحج بالحديث الصحيح - نصف صاع.
وأما أن البر مد: - فلأنه أغلى ثمناً وأنفس فهو يساوي مدين من غيره من الأطعمه من الشعير أو التمر.
= والقول الثاني: أن الواجب نصف صاع من أي طعام كان.


واستدلوا: - بنفس الدليل: قياساً على ما جاء في فدية الحج وقالوا: لا دليل على التفريق بين البر وغيره من الأطعمة.
= والقول الثالث: أنه مد من كل الأطعمة.
واستدلوا: - بأنه روي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

= والقول الرابع: أنه لاحد ولا قدر لما يطعمه الإنسان.
- لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالإطعام ولم يذكر حداً ولا مقداراً.
- وليس في السنة تحديد لمقدار ما يطعم.
فالواجب في الإطعام هنا كالواجب في كفارة اليمين (من أوسط ما تطعمون أهليكم). فيخرج الإنسان طعاماً يكفي شخصاً واحداً ويبرأ بذلك.
وعلى القول بالتقدير فالأقرب أن يكون نصف صاع كما جاء في فدية الحج. فإن فدية الحج تشابه هذه الفدية. والتقدير النبوي خير من التقدير بالرأي إذا أردنا أن نقدر.
ولكن الصواب أنه لا تقدير فيه.
بناء على هذا: إذا أراد الإنسان أن يطعم:
- فإما أن يصنع طعاناً يكفي لثلاثين شخص من الفقراء ويدعوهم ليأكلوا في منزله.
- أو يدفع من الطعام ما يكفي ثلاثين مسكيناً.
وبذلك تبرأ ذمته.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويسن لمريض يضره.
يعني: يسن له أن يفطر.
فإن صام مع حاجته للفطر فقد أتى مكروهاً.
ونحتاج في هذا الموضوع إلى عدة مسائل:
- المسألة الأولى: ما هو المرض؟
المرض هو: خروج البدن عن حد الصحة إلى الاعتلال. فإذا خرج البدن عن حد الصحة إلى الاعتلال فهو مريض.
- المسألة الثانية: ضابط المرض الذي يجوز أن يفطر من أصيب به:
هو: كل مرض يتسبب الصيام في تأخير شفائه أو زيادة المرض.
بناء على هذا: كل مرض لا يكون للضيام تأثير عليه فإنه لا يجوز لصاحبه أن يفطر. كما إذا أصيب الإنسان بألم في الضرس أو جرح في الإصبع ونحو هذه الأمور التي لا دخل للصيام بها لا زيادة ولا نقصاً.
فإن صاحب هذا المرض إن أفطر فقد ارتكب محرماً.
- المسألة الثالثة - الأخيرة -: يجوز للصحيح الذي لم يمرض أن يفطر إذا خشي أنه لو صام مرض. لأن هذا بمعنى زيادة المرض. بل هو أبلغ من زيادة المرض لأنه حدوث للمرض.


والفطر بالمرض محل إجماع في الجملة بين أهل العلم: للآية. - (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) -[البقرة/184] فهي نص في جواز فطر المريض.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولمسافر يقصر.
يعني: ويسن لمسافر يقصر أن يفطر. والفطر للمسافر جائز بإجماع أهل العلم.
ويجوز له أن يصوم على الصحيح:
- لما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس أنه قال: كنا في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر ولم يعب أحدنا على الآخر.
وينقسم الصيام في السفر إلى قسمين:
- القسم الأول: ما يترتب عليه مشقة.
فالسنة في السفر الشاق أن يفطر.
فإن صام فقد ارتكب مكروهاً أو محرماً بحسب الأذى الذي يلحق البدن من الصيام.
والدليل على هذا التفصيل:
- أولاً: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس من البر الصيام في السفر).
- وثانياً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر في سفر فقيل له إن قوماً ما زالوا صائمين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أولئك العصاة، أولئك العصاة).
- القسم الثاني: أن لا يترتب على الصيام في السفر مشقة.
فهذا فيه خلاف بين أهل العلم:
= فذهب الحنابلة: الإمام أحمد - المذهب الإصطلاحي والشخصي - إلى أنه يسن للمسافر أن يفطر ولو لم يجد مشقة.
واستدل - رحمه الله -:
- بالنصوص السابقة وبالآثار التي نقلت عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي تدل على كراهية الصيام في السفر ولو بلا مشقة.
= القول الثاني: للأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي أن الصيام أفضل في السفر إذا لم يترتب عليه مشقة.
واستدل الجمهور بدليلين:
- الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سافر في يوم حار فصام هو وابن رواحة. فدل صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنه إذا لم يجد مشقة فالأفضل الصيام لأنه لا يصنع إلا الأفضل.
- الثاني: أن في الصيام في السفر إسراع في إبراء الذمة.
والجواب على حديث: (أولئك العصاة):أنه ثبت في هذا الحديث أن الصيام شق على أصحابه.
ونحن نقول: أنه إذا شق الصيام فهو مكروه أو محرم. وإنما البحث مفروض فيما إذا لم يجد مشقة.
والذي يظهر والله أعلم أن مذهب الأئمة الثلاثة أحسن وأقوى وأقرب للجمع بين النصوص.


• ثم قال - رحمه الله -:
وإن نوى حاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه: فله الفطر.
يعني: إذا صام الإنسان في بلده ونوى الصيام وصام ثم سافر في أثناء اليوم وخرج عن البلد فإنه يجوز له عند الحنابلة أن يفطر. ولو كان في أول النهار مقيماً صائماً.
واستدلوا:
- بأنه ثبت عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يفطرون في أثناء اليوم في السفر.
= والقول الثاني: للأئمة الثلاثة أنه إذا أصبح صائماً في بلده ثم خرج مسافراً فإنه لا يجوز له أن يفطر.
- لأنه شرع في عبادة واجبة فوجب عليه أن يتمها.
ومذهب الأئمة الثلاثة في هذه المسألة ضعيف أو ضعيف جداً. لأنه مخالف للمنقول والمعقول.
فالمنقول عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم أفقه الناس أنهم كانوا يفطرون.
وأما المعقول: فلأن المعنى المناسب الذي أباح الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يفطر فيه وهو السفر موجود في هذه الصورة ولا يقدح في ذلك أنه كان في أول النهار مقيماً فإن هذا المعنى لا يقدح في وجود علة جواز الفطر وهي السفر.
فالراجح في هذه المسألة مذهب الحنابلة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن أفطرت حامل أو مرضع خوفاً على أنفسهما: قضتاه فقط.
الحامل والمرضع إذا أفطرتا فعليهما القضاء إذا كان الفطر بسبب الخوف على أنفسهما لا بسبب الخوف على الجنين.
فإن كان الفطر بسبب الخوف على الحنين فهي المسألة الثانية التي ستأتي الآن معنا.
وجواز الفطر وأنه لا يجب عليهما إلا القضاء كلاهما محل إجماع. حكى الإجماع ابن قدامة وابن مفلح وغيرهما وأشار إليه شيخ الإسلام بن تيمية.
إذاً إذا أفطرتا خوفاً على نفسيهما لا على الجنين فعليهما فقط القضاء دون الإطعام.

ثم قال - رحمه الله -: - مبيناً النوع الثاني:
وعلى ولديهما: قضتا وأطعمتا لكل يوم مسكيناً.
هذه المسألة وهي إذا أفطرت الحامل والمرضع خوفاً على الجنين محل إشكال بين أهل العلم واختلفوا فيها اختلافاً كثيراً ونحن إن شاء الله نلخص هذا فنقول:
= ذهب الحنابلة والشافعية إلى ما ذكره المؤلف - رحمه الله - أنه عليهما أن يقضيا وأن يطعما.
واستدلوا على ذلك:
- بما صح عن ابن عباس وابن عمر: أنهما أفتيا المرضع والحامل بذلك: بأن يطعما.


وأما القضاء: - فقياساً على المريض. لأن الحامل والمرضع تشبه من حيث الحقيقة المريض.
= القول الثاني: أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا بسبب الجنين لا يجب عليهما إلا الإطعام فقط.
واستدلوا:
- بأنه صح عن ابن عمر وابن عباس أنه ليس على المرأة المرضعة والحامل إذا أفطرت إلا الإطعام دون القضاء ونصوا رضي الله عنهم بالفتوى أن الواجب الإطعام دون القضاء.
وهذا صحيح وإسناداً ثابت صححه الدارقطني وغيره.
وأما مارواه البيهقي عن ابن عمر أنه قال لها: - أي المرأة السائلة - أطعمي واقضي فهو أثر منكر.
فالثابت عنهما الإفتاء بالإطعام دون القضاء.
= القول الثالث: أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا فإنه لا يجب عليهما لا إطعام ولا قضاء. وهذا مذهب ابن حزم - رحمه الله -.
واستدل على هذا:
- بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع عن المسافر والحامل والمرضع الصيام. قال ابن حزم فإذا أجاز الشارع لها أن تفطر فلا يترتب على هذا لا قضاء ولا إطعام.
= والقول الرابع - والأخير -: وهو مذهب الجمهور وأكثر أهل العلم وحوب القضاء دون الإطعام.
أما وجوب القضاء: - فقياساً على المريض.
وأما عدم وجوب الإطعام فلدليلين:
- الأول: أنه ليس في السنة الصحيحة ما يدل على وجوب الإطعام.
- الثاني: أنه في قول ابن عباس وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المسافر والمرضع والحامل الصوم لم يذكر وجوب الإطعام.
والراجح والله أعلم. وجوب القضاء والإطعام. قال شيخ الاسلام - رحمه الله -: صح الإطعام عن ثلاثة من الصحابة لا يعلم لهم مخالف وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس.
وإذا صح عن ثلاثة من فقهاء الصحابة إلزام المرأة بالإطعام فإنه يصعب الخروج عن هذا.
وهذا القول اختيار شيخ الاسلام في أكثر من كتاب من مصنفاته.
وهو مذهب الإمام أحمد الاصطلاحي والشخصي وهو مذهب الإمام الشافعي.
وهذا القول قوي بسبب الآثار الصحيحة الثابتة التي ليس لها مخالف ولا دافع سواء:
- قلنا أن هذه الفتوى مما لا مدخل للرأي فيها وهذا محتمل لأنه قد يقال أنه يبعد أن ابن عباس وابن عمر يلزمون المرأة بالإطعام بلا دليل ولا مستند عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.


- أو قلنا أنه فتوى صحابي ليس له مخالف فيشبه أن يكون إجماع ثلاثة من الصحابة يفتون بهذا الأمر فأيضاً هذا كافي في أن يذهب الإنسان إلى هذا المذهب.
فنقول: يجب على المرأة إذا أفطرت بسبب الجنين أن تقضي هذا اليوم وأن تطعم.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومن نوى الصوم ثم جن، أو أُغمي عليه جميع النهار ولم يفق جزءاً منه: لم يصح صومه.
أي أذا نوى الصوم من الليل ثم جن أو أغمي عليه في جميع النهار: يعني: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فإن الصيام باطل ولا يصح:
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -[أن الله تعالى يقول - في الحديث القدسي]: (كل عمل ابن له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي).
ومن أغمي عليه أو جن لا ينسب إليه أنه قصد ترك الطعام ولا الشراب. فلا يعتبر من الصائمين.
وفهم من عبارة المؤلف أن المغمى عليه لو استيقظ في أي جزء من النهار صح صومه وكذلك لو أفاق المجنون في أي جزء من النهار صح صومه سواء أفاق - المجنون أو المغمى عليه - من أول النهار أو من آخره.
- لأنه قصد الإمساك في جزء من وقت العبادة فصحت عبادته.

ثم قال - رحمه الله -:
لا إن نام جميع النهار.
أي فيصح صومه.
وصحت صوم النائم في جميع النهار محل إجماع لأمرين:
- الأول: أن النوم عادة فلا تبطل الصيام.
- والثاني: لأن النائم لا يفقد الإحساس بالكلية كما في الإغماء والجنون.
وللإجماع الذي ذكرته فلا إشكال إن شاء الله في مسألة النائم. فلو نام الإنسان من قبل أن يطلع الفجر الثاني إلى أن غابت الشمس ولم يستيقظ أبداً فصومه صحيح.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويلزم المغمى عليه: القضاءُ فقط.
فقط: أي دون المجنون.
فالمسألة الأولى: أن المغمى عليه يجب عليه أن يقضي الصيام: أي في الحال التي لا يصح فيها صومه كما إذا أغمي عليه جميع النهار.
- لأن زوال العقل بالنسبة له ليس زوالاً كلياً فلا يرفع التكليف.
- ولأنه لا يتأخر عادة أي لا يطول.
فإذاً المغمى عليه يجب عليه أن يقضي إذا استيقظ.
المسألة الثانية: المجنون. المجنون ينقسم إلى قسمين:


- الأول: أن يكون مجنوناً طول النهار: أي من أول اليوم إلى آخره: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فهذا لا يجب عليه أن يقضي هذا اليوم.
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (رفع القلم عن ثلاثة) قال: (والمجنون حتى يفيق).
والمرفوع عنه القلم ليس من المكلفين فلا يجب عليه أن يقضي لأنه لم يثبت في ذمته وجوب العبادة أصلاً.
- الثاني: أن يصحو في جزء من النهار ويجن في جزئه الآخر. فهذا يجب عليه عليه أن يقضي.
لأنه أدرك جزءاً من العبادة فوجبت في ذمته.
فإذاً المجنون فيهه هذا التفصيل الذي ذكرته.

ثم قال - رحمه الله -:
ويجب تعيين النية من الليل: لصوم كل يوم واجب لا نية الفريضة.
يعني: أنه يجب: = عند الحنابلة أن يعين الإنسان النية في الليل.
ومقصود الحنابلة بالتعيين: أن ينوي أنه يصوم من رمضان أو من قضائه أو من نذره وإنما الواجب أن يعين ما هو الصيام الذي سيصومه؟
وإذا نوى نية التعيين فلا يجب عليه أن ينوي نية الفريضة لقوله - رحمه الله -: (لا نية الفريضة).
والتعليل: - أن نية التعيين تغني عن نية الفريضة.
فلو نوى الإنسان أنه غداً سيصوم قضاء عليه أو من نذره أو من رمضان فلا يشترط مع ذلك أن ينوي أنه يصوم فريضة من فرائض الله. بل يكتفي بالتعيين.
- الدليل:
- الدليل على وجوب التعيين والنية - في الجملة:
- الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) أي: أن الأعمال إنما تعتبر وتصح وتقبل بالنية.
- الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل). وهذا الحديث فيه خلاف في إثباته وتعليله. ولعل الأقرب إن شاء الله أنه موقوف.
لكن كما هو ظاهر: أن مثل هذا الحكم يبعد جداً أن يقوله الصحابي من تلقاء نفسه بل يجزم الإنسان أن له حكم الرفع لأن فيه جزماً بإبطال عبادة مع تعيين وقت محدد لنية هذه العبادة وهو الليل فالغالب أنه مرفوع.
= القول الثاني: أن الصيام إذا كان متتابعاً سواء كان صيام رمضان أو كفارة الجماع في نهار رمضان أو كفارة قتل الخطأ أو أي صيام يشترط فيه التتابع أنه يكتفى فيه بالنية في أوله ولا يجب أن ينوي في كل يوم.
واستدل هؤلاء:


- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات) وهذا المسام نوى أن يصوم كل رمضان حين دخل الشهر.
والفقهاء متفقون على أن الواجب استمرار النية حكماً لا حقيقة. وهذا استمرت نيته حكماً وإن لم تستمر في بعض المواضع حقيقة فيما لو نسي أو نام.
ويشترط على هذا القول: أنه إذا جن أو أغمي عليه أو عرض له أي عارض أن يجدد النية.
وكذلك لو أفطر بسبب لا يقطع التتابع فيجب عليه أن يجدد النية لأن النية الحكمية انقطعت هنا.
وهذا القول الثاني: أقرب إن شاء الله.
وثمرة الخلاف تقريباً في مسألة واحدة: وهي: في الشخص الذي ينام من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. أي الذي ينام في كل الليل فإن هذا لم يبيت الصيام من الليل فهذا:
= عند الجمهور: صيامه باطل. لأنه لم ينو في الليل.
= وعلى القول الثاني: صيامه صحيح.
ومن هنا تعلم خطورة ما يصنعه بعض الشباب من النوم طيلة الليل فإن هذا يعرض صيامه للبطلان عند جماهير أهل العلم الذين يستندون على نص صحيح عند المتأخرين وحكم بعضهم عليه بالوقف وهو: (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل) ففي عمله هذا خطورة عظيمة جداً.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويصح النفل: بنية من النهار
هذه المسألة كالتقييد للمسألة السابقة: وهي:
أنه يجوز للإنسان أن يصوم ولو في أثناء النهار إذا كان الصيام نفل.
واستدل الحنابلة على هذا:
- بما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على عائشة فقال: (أعندك طعام قالت لا:. قال: إني إذاً صائم). فصام - صلى الله عليه وسلم - في أثناء النهار لما كان الصيام نفلاً.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز صيام النفل إلا بنية.
- لعموم حديث: ((لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل).
والراجح مع الحنابلة. لأن حديثهم مخصص لعموم هذا الحديث.
مسألة: = ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأجر يترتب من النية فقط. وما سبق من اليوم فإنه لا أجر له عليه.
واستدلوا على هذا:
- بأن الأجر يترتب على العبادة والعبادة لا يمكن أن تصح إل بنية والنية لم تأت إلا في أثناء اليوم.
= والقول الثاني: أنه إذا صام في أثناء النهار فإن له أجر يوم كامل.


- لأن الصيام في الشرع لا يكون في بعض النهار وإنما يكون في يوم كامل. فإذا صححنا صيامه فله الأجر كاملاً. والصواب مع القول الأول: وهو مذهب الإمام أحمد. لأنه لا يمكن أن يثاب الإنسان بلا نية.
مسألة: يشترط لصحة صيام التطوع في أثناء اليوم أن لا يأتي بمفسد للصيام في صدر النهار سواء كان أكل أو شرب أو جماع أو أي مفسد من مفسدات الصيام. فإن أتى به فلا صيام له ولو نواه في أثنائه.

ثم قال - رحمه الله -:
قبل الزوال وبعده.
يعني: أنه يصح أن يصوم في أثناء النهار سواء كانت النية جاءت بعد الزوال أو قبل الزوال.
واستدل الحنابلة على هذا:
- بعموم حدبث عائشة. فإنه لم يفصل بين أن تكون هذه النية بعد أو قبل الزوال.
= والقول الثاني: أنه إن كان بعد الزوال لم يصح صيامه.
واستدلوا على هذا:
- بأن غالب النهار ذهب. وإذا ذهب غالب العبادة لم تحتسب. بدليل أن الإنسان إذا أدرك ركعة من الصلاة حسبت له هذه الركعة وإذا أدرك ما بعد الركعة لم تحسب له هذه الركعة. فدل على هذا التفصيل.
وهذا القول الثاني ك مجرد رأي لا قيمة له - من وجهة نظري - في مقابلة النص الصريح الذي لم يفرق بين أن يكون بعد الزوال أو قبل الزوال. نعم. ليس في حديث عائشة ما يدل على أن دخوله - صلى الله عليه وسلم - كان قبل أو بعد لكن هذا لا يؤثر في قوة الاستدلال بعموم الحديث.
ثم أيضاً المعنى: إذا كان الشارع صحح الصيام في أثناء النهار وسيحسب له الأجر من حين النية فما الفرق بين أن يكون قبل أو بعد الزول؟ إلا تعليلات عقلية لا قيمة لها.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولو نوى إن كان غداً من رمضان فهو فرضي: لم يجزئه.
يعني: إذا قال الإنسان إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل ثم صار من رمضان فإنه لا يجزأه = عند الحنابلة.
ومعلوم أن هذا يتصور في اليوم الأول.
واستدل الحنابلة:
- بأنه في هذه الصورة فقد شرط التعيين الجازم لأن هذا الرجل متردد.
وتقدم أنه يشترط أن يعين جازماً.
= والقول الثاني: أن صيامه صحيح ويجزأه عن رمضان.
- لأن التردد في هذه الصورة ليس في النية وإنما في الواقع. يعني: أنه يتعلق بالواقع لا بالنية.
أما هو فهو جازم إن كان من رمضان فهو صائم.


وهذا القول الثاني هو الصواب إن شاء الله. فإذا فعله الإنسان فإنه يجزئ عنه من رمضان إن شاء الله.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومن نوى الإفطار: أفطر.
من نوى الإفطار أفطر ولو لم يأكل.
والدليل على هذا:
- أن استصحاب النية حقيقة أو حكماً شرط لصحة العبادة وهذا قطع النية فبطلت العبادة.
فإذا نوى الإنسان أنه أفطر فقد أفطر وبطل صيامه.
مسألة: ليس من ذلك أن ينوي أنه سيفطر. وهذه تقع كثيراً عند الناس ولا يفرقون بين نية الفطر ونية أنه سيفطر.
فإذا نوى أنه سيفطر فإن صيامه صحيح إلى أن يفطر لأنه لم ينوي الفطر وإنما نوى أنه سيفطر كما لو قال: سأفطر إذا جاء زيد. أو سأفطر بعد ساعة. فهذا صيامه صحيح لأنه لم يقطع النية.
وإذا قال: سأفطر بعد ساعة فإذا مضت الساعة فإن نوى الفطر أو أفطر حقيقة بطل صيامه وإلا فهو صحيح ويبقى على نيته الأولى ولا يؤثر أنه نوى أنه سيفطر.

باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة.
• ثم قال - رحمه الله -:
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة.
هذا الباب مخصص لمفسدات الصيام.
ومفسدات الصيام هي: كل ما ينافي الصيام ويبطله. فهو من المفسدات.
وما يفسد الصيام ينقسم إلى قسمين:
- الأول: ما يبطل الصيام مع كونه مجزأ وهو بهذا المعنى يذهب بالأجر علن الصائم.
ومثاله: من يتعاطى الشتم والسب ولا يتأدب بآداب الصيام وهوصائم.
فهذا صومه مجزيء لكن يصح أن نقول لاصيام لك يعني: لا أجر لك.
- الثاني: المفسد للصيام أي المبطل الذي يترتب عليه وجوب القضاء. وهو المقصود في هذا الباب.
• قال - رحمه الله -:
من أكل أو شرب ... إلى أن قال: فسد صومه.
الأكل والشرب مفسد للصيام إذا كان مغذياً بإجماع أهل العلم.
- أولاً: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (يدع طعامه وشرابه). فدل على أن من شأن الصائم أن يدع الطعام والشراب وإلا فليس بصائم.
- ثانياً: قوله تعالى: - (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) -[البقرة/187]
القسم الثاني: ما يؤكل مما لا يغذي فهذا يبطل الصيام: = عند الأئمة الأربعة وجماهير السلف والخلف.
كأن يبلع حصانة أو درهماً أو تراباً أو نجو ذلك مما لا يغذي.


= والقول الثاني: وهو مذهب لبعض المالكية والحسن بن صالح ونصره شيخ الاسلام: أن من أكل ما لا يغذي فإنه لا يفطر.
واستدلوا بدليلين:
- الأول: أن الأكل والشرب إذا أطلق في اللغة وفي العرف وفي الشرع ينصرف إلى الأكل المعروف الذي يتغذى به الجسد. ولا ينصرف إلى ما لا يؤكل عاجة ولا يغذي.
ولذلك: لما أراد الخليل بن أحمد أن يعرف الأكل قال: والأكل معروف.
يعني: الذي يطعم وينتفع الجسم منه.
- الثاني: أن علة التفطير التي تعقل من نصوص الشارع هي ما يتقوى به الجسد ويستمد منه الطاقة والنشاط دون ما ليس كذلك. فإن هذا هو المعى المعقول الذي يناسب أن يكون علة للنصوص.
وهذا القول الثاني من حيث الأدلة هو القول الصحيح. وهو قول قوي جداً ويتناسب مع نصوص الشرع.
بناء على هذا إذا بلع الإنسان حصاة فإن صيامه باطل عند الجماهير وصحيح عند من ذكرت.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو استعط.
السعوط هو ما يصل إلى الجوف من خلال الأنف فإذا وصل إلى الجوف ماء أو غيره مما يغذي من طريق الأنف بطل الصيام.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بالغ في الا ستنشاق إلا أن تكون صائماً). فدل الحديث على أن الأنف من المنافذ التي إذا وصل المعدة من خلالها ما يطعم أبطل الصيام.
وهذا لا إشكال فيه وهو واضح.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو احتقن.
الاحتقان لغة: هو الاحتباس.
واصطلاحاً: هو تعاطي الدواء في الدبر بالحقنة.
= وذهب الجماهير إلى أن الحقنة تفطر الصائم.
- لأنها إدخال مادة إلى الجوف.
= والقول الثاني: أن الاحتقان لا يفطر وإليه ذهب بعض أهل العلم ونصره شيخ الاسلام - رحمه الله -
واستدل بدليلين:
- الأول: أن ما يحصل بالحقنة الشرجية هو استفراغ ما في البدن لا إدخال القوة والنشاط إليه فكيف يفطر الصائم بذلك؟
وهذا عكس ما يقوله الجمهور الذين يقولون هو إدخال مادة إلى الجوف.
- الثاني: أن الاحتقان في الدبر لا يفيد الجسم وليس من الغذاء لا لغة ولا شرعاً. فلا يسمى المحتقن آكل ولا شارب لا عرفاً ولا شرعاً.

والصواب التفصيل وهو:


- أنه إذا احتقن الإنسان في الأمعاء الغليظة وانت المادة المحقونة فيها ماء أو مواد غذائية فإنه يفطر لأن الأمعاء الغليظة من الأماكن التي يمتص فيها الماء والغذاء.
فإذا امتصت الماء أو الغذاء تقوى الجسد وهذا سبب الفطر.
- وإن حقن في الدبر أدوية ليس فيها ماء ولا غذاء: إن تصور هذا - فإنها لا تسبب الفطر.
هذا القول هو الصواب وأظن أن شيخ الاسلام لو علم من خلال الطب الحديث أن الأمعاء الغليظة محل لامتصاص الماء لم يتوقف في التفطير - أظن هذا - وعاى كل حال سواء صار هذا أو لم يصر فالصواب أنه إذا دخل ماء أو مواد غذائية أن الإنسان يفطر.
وفي الغالب لن يخلو من ماء لأن المقصود من الحقنة الشرجية التنظيف أو خفض الحرارة أو غيره من الأغراض.
وفي الغالب مع ذلك إلى الماء فلابد من الماء.
فإذا حقن بماء فهو يفطر وعليه أن يقضي هذا اليوم لأن الأمعاء ستمتص هذا الماء.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو اكتحل بما يصل إلى حلقه.
إذا اكتحل بما يصل إلى حلقه يعني: بما يستطعم حلقه فإنه يفطر.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الإثمد للصائم.
وهذا الحديث ضعيف جداً.
= واالقول الثاني: أن الكحل لا يفطر ولو وجد الإنسان طعمه في حلقه.
- لأن الاكتحال ليس بأكل ولا شرب ولا يحصل للجسد منه أي نوع من أنواع النشاط والتقوية فلا سبب شرعي للتفطير به.
وهذا هو الصواب. أن الكحل لا يفطر. لعدم وجود المقتضي الدال على التفطير به.

ثم قال - رحمه الله -:
أو أدخل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان غير إحليله.
أراد المؤلف - رحمه الله - في نهاية المسائل التي يفطر بها الإنسان أن يقعد قاعدة وهي تتعلق بما يوجب الفطر من الأشياء التي تدخل البدن.
لو لاحظت معي: فإن المؤلف - رحمه الله - قسم المفطرات إلى قسمين:
- مفطرات تدخل البدن.
- ومفطرات تخرج من البدن.
فالقسم الأول: المفطرات التي تدخل البدن - لاحظ معي في المتن -: الأكل والشرب والاستعاط والاحتقان والاكتحال فهذه تدخل البدن.
والقسم الثاني: المفطرات التي تخرج من البدن وهي في قوله: استقاء استمنى باشر أنزل ... الخ.
فالمؤلف يريد الآن أن يقرر قاعدة للأشياء التي تفطر إذا دخلت:


• فقال - رحمه الله -:
أو أدخل إلى جوفه شيئاً.
إذاً قاعة المذهب: أن كل ما يدخل إلى الجسد إلى جوف فيه يصل إلى المعدة فإنه يفطر. سواء دخل من المدخل المعتاد كالفم أو من غير المعتاد كما ذكر الأنف والعين أو الجاحات والجروح الغائرة أو من أي منفذ.
وسواء كان هذا الداخل مما يتغذى به الجسم أو مما لا يتغذى به الجسم. ففي الجميع يجب على من دخل إلى جوفه مما يصل إلى المعدة شيء أن يقضي ذلك اليوم.
هذه هي قاعدة المذهب.
= والقول الثاني: - من حيث القاعدة - أنه لا يفطر شيء مما يدخل البدن إلا ما يدخل إلى المعدة أو إلى موضع يمكن أن تمتص منه المواد الغذائية والماء سواؤ كان من المدخل الطبيعي وهو الفم أو من غيره من المداخل بشرط أن يكون الداخل مغذياً.
((إذاً مرة أخرى كل ما يدخل إلى ما ينتفع به الجسم أو يمكن أن يمتص فيه مما يغذي)).
وفي الحقيقة ما يمكن أن ينتفع به الجسم هما موضعين فقط: المعدة والأمعاء الدقيقة والغليظة فقط. وباقي الأشياء التي في البدن مما يدخلها مواد لا يمكن أن ينتفع بها الإنسان من حيث القوة والنشاط.
يضاف إلى مسألة المعدة والأمعاء الغليظة والدقيقة فقط مسألة المغذيات التي تدخل للدم. فهذه تفطر لأنها في معنى الطعام والشراب وفيما عدا الإبر المغذية الضابط: ما يدخل إلى المعدة أو الإثنا عشر الغليظ أو الدقيق مما ينتفع به الجسم فهذا هو الضابط.

ثم قال - رحمه الله -:
غير إحليله.
= ذهب الجمهور. إلى أن ما يدخل الإحليل فإنه لا يسبب الفطر.
واستدلوا على هذا:
- بأنه ليس بين الإحليل والجوف منفذ.
وما ذهب إليه الجمهور هو الصواب لأنه أولاً ليس بين الإحليل والجوف منفذ.
ثانياً: أن ما يوضع في الإحليل لا يمكن أن يسبب نشاطاً ولا قوة للجسم.
- ثم هو ليس في معنى الطعام ولا في معنى الشراب.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو استقاء.
استقاء يعني: قاء عمداً.
فمن قاء عمداً وجب عليه أن يقضي هذا اليوم.
وحكى عدد من أهل العلم الإجماع على هذا الحكم منهم الخطابي وغيره - عدد من أهل العلم حكوا الإجماع.
واستدلوا على هذا الحكم:


- بحديث: أبي هريرة: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء) وهذا الحديث معلول والصواب أنه موقوف. ((الأذان)).
والصواب ما عليه الجماهير الذي حكي إجماعاً أن من استقاء عمداً فعليه القضاء:
- أولاً: للإجماع المحكي.
- وثانياً: للآثار الموقوفة عن أبي هريرة وابن عمر - رضي الله عنهما -.
ومن ذهب إلى أنه لا يفطر فقوله ضعيف بمقابل ما عليه جماهير أهل العلم أو حكي إجماعاً.
انتهى الدرس


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
مازال المؤلف - رحمه الله - في سياق الكلام عن الأشياء التي إذا خرجت من البدن سببت فساد الصوم فذكر منها من استقاء عمداً وتحدثنا عنها في الدرس السابق.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو استمنى.
الاستمناء هو: استدعاء المني باليد أوم بغيره مما يستدعى به المني.
فإذا استدعى المني بأي طريقة كانت فهو ينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: أن لا ينزل. فإن لم ينزل فعمله محرم وصيامه صحيح.
- القسم الثاني: أن ينزل. فإن أنزل فإن صومه يفسد.
واستدل العلماء على فساد الصوم بالإستمناء بدليلين:
- الأول: أنه إذا كان الصوم يفسد بالقبلة التي تؤدي إلى الإنزال فبالإستمناء من باب أولى.
- الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يدع شرابه وطعامه وشهوته) وهذا لم يدع شهوته.
= والقول الثاني: أن الصيام لا يفسد وإليه ذهب الظاهرية. وذكروا أنه لادليل على فساد الصوم.
والصواب أن الصوم يفسد وسيأتينا مزيد إيضاح في مسألة المباشرة. لأنهم قاسوا الإستمناء على المباشرة - كما سمعتم -.
• قال - رحمه الله -:
أو باشر فأمنى ... فسد.
المباشرة يقصد بها: أن يباشر امرأته بما دون الفرج.
فالمباشرة والتقبيل واللمس حكم هذه الثلاث مسائل واحد.
= فذهب الجماهير من السلف والخلف وحكي إجماعاً أن الإنسان إذا باشر أوقبل أو لمس فأنزل فإن صيامه يفسد.

واستدلوا على هذا بأدلة:
- الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يدع شرابه وطعامه وشهوته) فإنه لم يدع شهوته.


- الثاني: ما أخرجه البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه. يعني يملك نفسه وشهوته عن الإنزلاق إلى المحرم.
وجه الاستدلال: أن مفهوم حديث عائشة أن من لا يملك نفسه فإنه لا يجوز له أن يقبل أو يباشر لأن هذا يؤدي إلى الإنزال الذي يؤدي إلى فساد الصوم.
- الثالث: القياس على الجماع. ووجه القياس: أن غاية ما يطلب في الجماع الإنزال. وقد حصل له بالمباشرة أو التقبيل.
وقد حكى ابن قدامة الإجماع فيصلح أن نجعله أيضاً دليلاً.
ولم يخالف إلا الظاهرية وهم أصحاب:
= القول الثاني: فذهبوا إلى أنه لا يفسد الصيام إلا بالجماع لعدم الدليل. وقد سمعت الأدلة.
- - مسألة: فإن باشر أو قبل أو لمس ولم ينزل فالصواب أن هذا جائز إذا أمن نفسه.
وفي المسألة - مسألة مباشرة الصائم أقوال هذا القول هو الصواب الذي يدل عليه مفهوم حديث عائشة المتقدم.
واعلم أن هذه المسألة كالأصل لمسائل الإنزال والمباشرة. فأخذنا قبل قليل أن مسألة الاستمناء باليد أو بغيرها تقاس على مسلة التقبيل والآن هذه المسائل - المباشرة والتقبيل واللمس - وهذا الخلاف الذي حكيناه في المباشرة يعتبر كالقاعدة لمسائل التعامل مع الزوجة فيما يتعلق بالشهوة.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو أمذى.
إن باشر فأمذى ولم ينزل فسد صيامه أيضاً.
والدليل على ذلك:
- القياس على المني. ووجه القياس: أن في كل منهما خروج السائل بشهوة.
= والقول الثاني: أن المذي لا يوجب فساد الصوم.
- لأن المذي ليس كالمني , بدليل وجوب الغسل في المني دون المذي فلا يصح أن نلحق المذي به.
وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم. وهو الصواب إن شاء الله.
فإذا باشر الإنسان فأمذى فإن صومه صحيح. إلا عند الحنابلة فإن صومه فاسد على ما سمعت من الخلاف والترجيح.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو كرر النظر فأنزل.
= ذهب الحنابلة إلى أن الصائم إذا كرر النظر على سبيل الشهوة فأنزل فإن صيامه يبطل.
واستدلوا على هذا:
- بأن تكرير النظر يشبه المباشرة في استدعاء المني. فأفسد الصيام كالمباشرة. ولهذا قلت لكم أن المباشرة أصل في مسائل هذا الباب.


= القول الثاني: أن تكرير النظر وإن أدى الإنزل فإنه لا يفسد الصيام.
- لأنه ليس منه مباشرة فيقاس على من تفكر فأنزل.
والجواب: أن هناك فرق كبير بين من تفكر وبين من كرر النظر فإنه من كرر النظر قصد النظر إلى المحرم وكرر ذل على سبيل الشهوة حتى أنزل وأما من تفكر فإن التفكر يخرج عن إرادة الإنسان فهو شيء يخطر بالبال يصعب دفعه فاختلفا من هذه الجهة.
ولذلك الراجح إن شاء أن من كرر النظر وأنزل فإنه يفسد صيامه كما قلنا في المباشرة تماماً وفيمن استمنى.
وعلم من كلام المؤلف أن من نظر نظرة واحدة فأنزل: أن صيامه صحيح. لأنه قيد الذي يفسد بأن يكرر. والسبب في أن صيامه صحيح: أن النظرة الأولى: جائزة. ولا يترتب على المأذون محذور.
وتبين أيضاًَ من كلام المؤلف أن من كرر النظر فأمذى فإن صيامه صحيح حتى عند الحنابلة.
فتبين أن الحنابلة يفرقون بين المذي الذي يكون سببه المباشرة وبين المذي الذي يكون سببه تكرار النظر.
فالمذي الأول: يفسد الصيام. والمذي الثاني: لا يفسد الصيام وهذا مما يضعف القول بإفساده في مسألة المباشرة.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو حجم أو احتجم وظهر دم.
قال: أو حجم أو احتجم. وقيد ذلك بقوله: وظهر دم.
إذا حجم أو احتجم فإن الحجامة تفسد الصيام.
= وهذا مذهب الإمام أحمد. ونصره شيخ الاسلام بن تيمية بقوة.

واستدلوا:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أفطر الحاجم والمحجوم). وهو حديث صحيح فقد صححه عدد من الأئمة.
وهذا الحديث هو عمدة القائلين بإفساد الصيام بالحجامة.
وذهب إلى هذا الإمام أحمد وكثير من فقهاء أهل الحديث كإسحاق لابن راهويه - رحمه الله -.
= القول الثاني: وإليه ذهب جماهير العلماء من اليلف والخلف. أن الحجامة لا تفسد الصيام.
واستدلوا على هذا بأدلة:
- الدليل الأول: ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم.
وأجاب شيخ الاسلام - رحمه الله - عن هذا الحديث: بأنه منسوخ بحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم).
- الدليل الثاني: ما ثبت في حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحجامة. قال الداقطني: رجاله ثقات.


- الدليل الثالث: حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على جعفر بين أبي طالب وهو يحتج فقال: أفطر هذان يعني الحاجم والمحجوم. قال أنس: ثم رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجامة وكان أنس يحتجم.
قال الداقطني: لا أعلم له علة.
والراجح والله أعلم: أن الحجامة لا تفطر والسبب في ترجيح هذا القول: ما ذكره ابن حزم - رحمه الله - أن قول الصحابي رخص لا يكون إلا بعد منع.
فتبين من هذا أن آخر الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يفطر من احتجم. وكما قلت أن لفظ الترخيص الذي جاء في حديث أنس وفي حديث أبي سعيد الخدري صريح في أن آخر الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الحجامة لا تفطر.
أما حديث: أفطر الحاجم والمحجوم فهو صحيح لكنه يعتبر منسوخاً بهذه الأدلة.
لأنه لا نعقل من كلمة رخص إلا هذا وما ذكره ابن حزم صحيح وقوي. وهو أقوى مما ذكره شيخ الاسلام على قوة كلامه - رحمه الله - في العلة التي من أجلها يفطر الصائم إذا احتجم لكن مع وجود هذه الأحاديث الصحيحة فإنه لا مفر من القول بها ولعله بهذا ذهب إليه الجماهير من الصحابة فمن بعدهم فهم لا يرون التفطير بالحجامة.

ثم قال - رحمه الله -:
عامداً ذاكراً لصومه: فسد.
هذه الشروط ترجع إلى المفطرات السابقة جميعاً.
ولذلك لو أن المحقق وفقه الله جعل عامداً ذاكراً لصومه في سطر مستقل لتشمل جميع ما تقدم من المفسدات.
يشترط في الإفساد بهذه المفطرات:
1 - أن يكون الإنسان عالماً.
2 - وأن يكون ذاكراً.
3 - وأن يكون عامداً.
فإن اختل أحد هذه الشروط فإنه لا يبطل الصيام.
والدليل على هذا النصوص العامة والنصوص الخاصة.
- فالنصوص العامة:
كقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا} [البقرة/286]
وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: (عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
- والنصوص الخاصة:
كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من نسي فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه).


فإذاً دل على هذه القاعدة نصوص عامة ونصوص خاصة مما لا يدع مجالاً للشك أن من أكل أو شرب أو تعاطى أي مفطر من المفطرات المذكورة فإن صيامه صحيح إذا كان ذلك تم منه جهلاً أو نسياناً أو إكراهاً.
ثم بدأ المؤلف - رحمه الله - بتعداد الأشياء التي لا تفطر عند الحنابلة.

• فقال - رحمه الله -:
لا ناسياً أو مكرهاً.
تقدم معنا. فإن هذا كالتأكيد للشرط السابق. فإن الأدلة الدالة على اشتراط أن يكون عامداً ذاكراً هي الأدلة الدالة على أن الناسي والمكره لا يبطل صيامهما.


ثم قال - رحمه الله -:
أو طار إلى حلقه ذباب أو غبار.
هاتان مسألتان حكمهما واحد. إذا إلى حلقه غبار أو ذباب أو نحو هذه الأشياء فإن صيامه صحيح.
- لأنه فعل هذا من غير قصد. فإذا فعله من غير قصد بقي صيامه صحيحاً لما تقدم من اشتراط العمد في تناول هذه المفطرات.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو فكر فأنزل.
إذا فكر الإنسان فأنزل فإن صيامه = عند الحنابلة صحيح ولا يفسد ولو أنزل بالتفكر.
واستدلوا على هذا:
- بأن التفكر أمر خارج عن الإرادة لا يستطيع الإنسان أن يدفعه. وإذا كان كذلك لم يؤاخذ الإنسان بما يترتب عليه.
= والقول الثاني في هذه المسألة: أن الإنسان إذا فكر حتى أنزل فإن صيامه فاسد.
واستدلوا على هذا:
- بأن الله سبحانه وتعالى أثنى على الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ولا يثني الله على عمل إلا وهو داخل في الإرادة فدلت الآية على أن التفكر ممكن من بني آدم وأنه في مقدورهم أن يتفكروا أو أن لا يتفكروا.
= والقول الثالث: وهو مذهب الإمام مالك وهو جميل جداً: وهو الراجح: أنه إن تفكر فانساق وراء هذه الأفكار ولم يمنع نفسه أفطر وإن تفكر فمنع نفسه وصرفها واشتغل بغيرها ولم يستطع دفع هذه الأفكار فأنزل فإن صيامه لا يفسد.
فإنه في الحقيقة بهذا التفصيل تجتمع الأدلة وتنسجم وتتوافق. وأيضاً من جهة المعنى واالنظر فإنه تفصيل دقيق وجميل من الإمام مالك - رحمه الله -.
وهو كما قلت - إن شاء الله - الراجح.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو احتلم.
أي: فإنه لا يفسد صيامه إذا احتلم.
وتعليل ذلك: يشبه التعاليل السابقة وهو:


- أن الاحتلام أمر خارج عن الاختيار والإرادة ولا يملك الإنسان دفعه.
فإذا احتلم صح صيامه ولو كان في وسط النهار.
وأمر الاحتلام واضح وهو محل إجماع.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو أصبح في فيه طعام فلفظه.
إذا استيقظ الإنسان من النوم ووجد في فيه طعام فإنه ينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: الطعام اليسير المختلط بالريق. فإن هذا لا يفسد الصيام ولو ابتلعه. وقد حكي الإجماع على هذا الحكم.
- القسم الثاني: أن يكون الطعام كثيراً فإنه ينقسم إلى قسمين:
- إن أخرجه ولفظه صح صيامه. لأن الفم في حكم الظاهر لا في حكم الباطن.
- وإن ابتلعه بطل صيامه. وتعليل البطلان: أنه أكل طعاماً عامداً ففسد صيامه.
وبهذا التفصيل يكمل حكم هذه المسألة التي قد تكثر عند بعض الناس بسبب أنه يتسحر ثم ينام مباشرة فإذا استيقظ اكتشف أن في فمه بقايا طعام فحكمه على هذا التفصيل الذي ذكرت.
ثم قال - رحمه الله - في مسائل لها حكم واحد:
أو اغتسل أو تمضمض أو استنثر.
• قال رحمه الله:
أو اغتسل ... فدخل الماء حلقه.
أو تمضمض .. فدخل الماء حلقه.
أو استنثر .. فدخل الماء حلقه.
هذه المسائل حكمها واحد لكن من الظاهر أن المؤلف رحمه الله وهم بقوله: أو استنثر. وأن الصواب: أو استنشق.
ولذلك جاءت على الواب في المقنع الذي هو أصل هذا الكتاب وفي غيره من كتب الحنابلة جاءت على الصواب ولعل المؤلف - رحمه الله - جاء في ذهنه الاستنثار فكتبه والمعنى ولله الحمد واضح.
إذا اغتسل أو تمضمض أو استنشق فدخل إلى حلقه الماء وابتلعه فإن صيامه صحيح
- لأن هذا وقع منه بغير إرادة.
وتقدم معنا أن الإنسان إذا شرب أو أكل بغير إرادته فإن الصيام صحيح.

ثم قال - رحمه الله -:
أو زاد على الثلاث، أو بالغ ((يعني في الاستنشاق)) فدخل الماءُ حلقه: لم يفسد.
هاتان مسألتان لهما حكم واحد.
فالمسألة الأولى: زاد على الثلاث.
والمسألة الثانية: إذا بالغ في الاستنشاق.
فإذا زاد على الثلاث أو بالغ في الاستنشاق فإن صيامه:
= عند الحنابلة صحيح.
- لأن الماء ذهب إلى حلقه من غير إرادة ولا قصد فلم يؤاخذ عليه.


= والقول الثاني: أنه إذا زاد على الثلاث أو بالغ في الاستنشاق ثم دخل إلى حلقه الماء فسد صومه ولو كان بغير قصد منه.
وعللوا هذا:
- بأن دخول الماء كان بسبب تعد منه للأحكام الشرعية فضمن ما ترتب على ذلك.
فإن الإنسان منهي في الوضوء أن يزيد على ثلاث ومنهي في الوضوء إذا كان صائماً عن أن يبالغ. فهو خالف الأمر وأدت هذه المخالفة
إلى دخول الماء ففسد صومه.
والراجح والله أعلم الأول. لأن كون المتوضيء يخطيء ويزيد عن الحد الشرعي فهذه مسألة يحاسب عليها وعمله محرم أو مكروه لكن مسألة أخرى وهي صيامه يبقى صحيحاً لأنه دخل الماء بغير قصد والربط بين المسألتين ليس بصحيح فيما أرى.
فنقول: زيادتك وتعديك للحكم الشرعي تأثم عليها. ومسألة دخول الماء بغير قصد لا يترتب عليه حكم فيبقى صيامك صحيحاً.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومن أكل شاكاً في طلوع الفجر: صح صومه.
يعني: إذا شك الإنسان هل طلع الفجر أو ما زال في الليل ثم أكل فإن صيامه صحيح.
وتعليل ذلك: - أن الأصل بقاء الليل.
ومع ذلك لا يكره أن يأكل ويشرب ولا يفسد صومه. - لأن الأصل بقاء الليل وإذا كان الليل باقياً جاز للإنسان أن يأكل ويشرب بلا كراهة لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة/187] فأجاز الله سبحانه وتعالى إلى طلوع الفجر.
ولا دليل مع من قال بالكراهة إذا شك. وهذه المسألة - وهذا مما ينبغي أن تتنبه إليه - مفروضه فيما إذا لم يتبين له بعد ذلك أن الفجر طلع. فإن تبين له فهي المسألة بعد الثالية.
فنحن الآن نتكلم على شخص شك ولم يتبين له. فصيامه صحيح لأن الأصل بقاء الليل ولدلالة الآية.
• ثم قال - رحمه الله -:
لا إن أكل شاكاً في غروب الشمس.
إذا أكل وهو يشك بغروب الشمس فإن صيامه باطل عند جميع الأئمة.
- لأن الأصل بقاء النهار وعدم دخول الليل. فهو أفطر في حال لا يجوز له أن يفطر فيها.
- - فإن أكل شاكاً في غروب الشمس ثم تبين أنها قد غابت فعلاً.
فالحكم: أنه آثقم وعليه التوبة وصيامه صحيح. - لأنه حين أكل أكل متعدياً للأحكام الشرعية فهو آثم وصيامه صحيح لأنه تبين من الواقع أن عمله وافقه المشروع حيث لم يأكل إلا بعد غروب الشمس.


• ثم قال - رحمه الله -:
أو معتقداً أنه ليل فبان نهاراً.
هذه العبارة تشمل مسألتين:
- - المسألة الأولى: إذا أكل يظن غروب الشمس فبانت لم تغرب.
- - والمسألة الثانية: إذا أكل يظن عدم طلوع الفجر فبان طالعاً.
فعبارة المؤلف - رحمه الله - تشمل المسألتين.
= فعند الحنابلة: أن من صنع ذلك بطل صيامه.
واستدلوا على ذلك:
- أولاً: بأنه ثبت عن عمر أنه قضى. حيث أنه - رضي الله عنه - أفطر وكان يظن أنم الشمس قد غابت ثم تبين أنها لم تغب.
- وثانياً: قياساً على من أكل وهو شاك بغروب الشمس.
= والقول الثاني في هذه المسألة التي تكثر جداً بين الناس: أن صيامه صحيح في المسألتين.
واستدلوا بأدلة:
- أولاً: أنه جاء عن عمر - رضي الله عنه - أيضاً أنه فعل ذلك ولم يقض. فيكون المنقول عن عمر - رضي الله عنه - روايتين. ولا أعرف أيهما أصح لأني لم أنظر في أسانيد هذين الأثرين لأن في المسألة نصوص فلا نحتاج في الحقيقة إلى هذه الآثار.
- ثانياً: حديث أسماء - رضي الله عنها - أنهم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلبدت السماء بالغيوم فأفطروا ظانين أن الشمس غربت فلما انكشف الأمر خرجت الشمس. وليس في الحديث أنه أمرهم بالقضاء. فلو كان القضاء واجباً لبين لهم - صلى الله عليه وسلم - وجوبه.
- ثالثاً: حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أنه لما سمع الآية: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة/187] جعل تحت وسادة عقالاً أسود وأبيض ثم صار ينظر إليه ولا يمسك حتى يتبين له الأبيض من الأسود فلما ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: إن وسادك إذاً لعريض الأبيض والأسود بياض الليل وسواد النهار ولم يأمره بالقضاء.
وهذا القول: الثاني: هو الأقرب إن شاء الله والذي تدل عهليه النصوص.
فإذا أخطأ الإنسان فإن صيامه صحيح وعليه بعد أن يتبين له أن يمسك إلى أن تغرب الشمس.

فصل
[فيما يتعلق بالجماع في نهار رمضان]
• قال - رحمه الله -:
(فصل) ومن جامع.
خص المؤلف - رحمه الله - أحكام الجماع في نهار رمضان بفصل خاص لأمرين:
- الأول: كثرة الأحكام المتعلقة بهذا المفطر.


- الثاني: للدلالة على أنه من أعظم الذنوب التي يقترفها الصائم.
• قال - رحمه الله -:
من جامع في نهار رمضان في قبل أو دبر.
المقصود بقوله: في قبل أو دبر. أي لا بد أن يكون في فرج أصلي سواء كان من حي أو من ميت.
فإن لم يكن فرجاً أصلياً فإنه لا تترتب عليه الأحكام المذكوة في هذا الفصل.
فلو افترضنا أن خنثى أو لج في امرة أو رجل أولج في خنثى فإنمها لا تترتب أحكام الجماع في نهار رمضان لاحتمال أن يكون هذا العضو زائداً وليس بأصلي.
وإذا كان زائداً فإنها لا تترتب عليه الأحكام المذكورة في النمصوص.
إذاً عرفنا الآن أن قصده لافي قبل أو دبر يعني أن يكون أصلياً.
ومفهوم قوله: في قبل أو دبر: أي: سواء كالن هذا القبل أو الدبر محرم أو مباح أي من زوجة أو من أجنبي أو من رجل فإن هذه البارة عامة تشمل الجميع.
• ثم قال - رحمه الله -: مبيناً ما يترتب على الجماع في نهار رمضان:
فعليه القضاءُ.
إذا جامع الإنسان في نهار رمضان فعليه:
= عند الجماهير القضاء. يجب عليه مع الكفارة التي سيذكرها المؤلف أن يقضي ذلك اليومن.
واستدلوا بدليلين:
- الأول: أن الأمر العام بهذا اليوم ما زال قائماً وهو في ذمته لابد أن يؤديه.
- الثاني: أنه في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في حديث الأعرابي المجامع والذي سيأتينا في بعض ألفاظه: (وأمره أن يقضي يوماً مكانه). وهذه الفظة شاذة وإن حاول بعضهم تصحيحها فإنها في الحقيقة الصواب فيها أنها ضعيفة لأنها مخالفة لرواية الثقات.

= القول الثاني: وإليه ذهب الإمام الشافعي ونصره ابن حزم: أن المجامع في نهار رمضان عليه الكفارة دون القضاء.
واستدلوا على ذلك:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المجامع أن يقضي.
- وبأن المجامع أفطر عمداً وسيأتينا أن من أفطر عمداً لا يقبل منه القضاء وعليه بالتوبة والاستغفار والإكثار من العمل الصالح.
وهذا القول الثاني هو الأقرب إن شاء الله.
• ثم قال - رحمه الله -:
والكفارة.
دلت عبارة المؤلف على أن من جامع في نهار رمضان فعليه الكفارة أنزل أو لم ينزل. فبمجرد أن يجامع تجب عليه الكفارة والقضاء على المذهب.


والدليل على ذلك: ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد أن رجلاً دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسزول الله هلكت فقال وما أهلكك قال وقعت على امرأتي في رمضان فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - هل تجد رقبة قال لا قال هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال هل تجد ما تطعم به ستين مسكيناً قال لا.
فجلس ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذهاب ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - مكتلاً فيه تمر فقال خذه وتصدق به فقال على أفقر مني يا رسول الله فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أطعمه أهلك.
وقوله: أطعمه أهلك أيضاً في الصحيحين.
فدل هذ الحديث على وجوب الكفارة وهو نص في وجوبها. وستأتينا إن شاء الله في كلام المؤلف - رحمه الله - أحكام الكفارة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن جامع دون الفرج فأنزل. .. أفطر ولا كفارة.
المجامعة دون الفرج هي المباشرة. وتقدم معنا أن المباشرة فيها القضاء فقط.
فإذا جامع الإنسان بما دون الفرج كأن يكون بين الفخذين أو أن يستمتع بأي جزء من أجزاء زوجته فإن الواجب عليه أن يقضي هذا اليوم فقط دون الكفارة ولو أنزل.
والدليل على هذا:
- أن النص إنما جاء بكفارة في الجماع فقط وهذا لا يسمى جماعاً في الشرع إنما الجماع ما يصير فيه إيلاج أما المباشرة فيما دون الفرج فإنها لا تسمى جماعاً في الشرع فلا يجب بناء على ذلك كفارة.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو كانت المرأة معذورة.
يعني إذا كانت المرأة معذورة بجهل أو نسيان فإنه لا يجب عليها الكفارة = عند الحنابلة ويجب عليها القضاء.
= والقول الثاني: أنه لا قضاء ولا كفارة ما دامت معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب لأنه تقدم معنا أنه يشترط للمفطر أن يتم مع الذكر والعمد وهذه نفترض أنها معذورة بجهل أو نسيام أو إكراه.
وفهم من كلام المؤلف - رحمه الله - أن المرأة إذا لم تكن معذورة فيجب عليها هي أيضاً كفارة.
واستدلوا على ذلك:
- بحديث أبي هريرة فإنه دل على أن من جامع في نهار رمضان فعليه الكفارة ما دام عمداً قصداً.


= والقول الثاني: أن المرأة ليس عليها كفارة. أو أن كفارة الرجل عنه وعنها ومؤدى القولين واحد أنه ليس على المرأو كفارة.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المرأة أن تكفر ولم يرشد السائل لذلك.
والجواب عليه من وجهين:
- الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما سأله الرجل دون المرأة. فأفتى من سأل وسكت عمن لم يسأل.
- الثاني: أن الظاهر في قصة الرجل - من بعض الألفاظ - أنها مكرهة يدل عليه أمران:
- الأمر الأول: ما رواه الداقطني أنه قال: يارسول الله هلكت وأهلكت. فقوله: أهلكت دليل على أنها مكرهة.
- الأمر الثانمي: أن الرجل لما طلب منه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصيام قالا لا أستطيع وفي لفظ وهل أوتيت إلا من الصيام فيدل هذا اللفظ على أن الرجل لا يصبر عن الجماع وأن هذا ربما كالن مسوغاً لإجبار الزوجة على الجماع.
فدل هذا اللفظان على أن ظاهر الحال أن المرأة مكرهة. ونحن لا نجزم بهذا لكن كما قال بعض الفقهاء: ظاهر الحال أن المرأة كانت مكرهة فلم يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكفارة.

وبكل حال عدم ذكر الكفارة بالنسبة للمرأة لا يدل على عدم الوجوب. وهذا هو القول الراجح إن شاء الله.
= ومفهوم عبارة المؤلف أن الرجل لو طكان ناسياً فإنه يجب عليه أيضاً الكفارة.
- لأنه نص على عذر المرأة دون الرجل.
= والقول الثاني: أن الرجل إذا كان ناسياً أو مكرهاً فإنه أيضاً لا كفارة ولا قضاء عليه.
- لما تقدم في حق الزوجة. فما ذكرناه من تعليل في عدم وجوب الكفارة والقضاء بالنسبة للزوجة المكرهة أو المعذورة هو نفس التعليل بالنسبة للرجل.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو جامع من نوى الصوم في سفره: أفطر ولا كفارة.
إذا نوى المسافر الصوم أو نوى المريض الذي يجوز له الفطر الصوم ثم جامع فلا كفارة.
والدليل على هذا:
- أن إتمام الصوم بالنسبة لهؤلاء لا يجب. وإذا لم يجب الإتمام لم يجب في إفساده كفارة.
فمعلوم أن المسافر لا يجب عليه أن يتم الصيام وكذا المريض الذي يجوز له أن يفطر.
وعليه القاء: فتقدم معنا أن المسافر والمريض يجب القضاء عليهما بالإجماع.


= والقول الثاني: أنه لا يجوز له أن يجامع - المسافر والمريض -.
- لأنه شرع في صوم واجب.
والأقرب كما هو ظاهر القول الأول وهو مذهب الحنابلة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن جامع في يومين .... فعليه كفارتان.
يعني إذا جامع الإنسان في اليوم الأول من رمضان ثم جامع في اليوم الثاني من رمضان فإنه يجب عليه كفارتان.
وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: أن يجامع في اليوم الأول ويكفر. ثم يجامع في اليوم الثاني فهذا بالإجماع عليه كفارتان ولا إشكال وأمره واضح.
لكن الإشكال والذي يريده المؤلف:
-[في القسم الثاني] إذا جامع فيب اليوم الأول ولم يكفر ثم جامع في اليوم الثاني فيجب عليه كفارتان = عند الحنابلة.
الدليل: قالوا: الدليل على هذا:
- الأول: أن كل يوم من أيام رمضان يعتبر يوماً مستقلاً. وهو عبادة مفردة تترتب عليها الأحكام فإذا جامع في يومين وجبت عليه كفارتان.
- الثاني: وهو قوي إذا تأملت قياساً على ما إذى جامع في يومين من رمضانين ولم يكفر. فمثلاً لو أن أحدهم جامع في رمضان سنة 1400 ولم يكفر ثم جامع في رمضان من سنة 1401 فإنه يجب عليه كفارتين.
= القول الثاني: في هذه المسألة بعد أن حكينا الإجماع في القسم الأول ونحن نتكلم في القسم الثاني.
أنه تجب عليه كفارة واحدة.
- لأنهما كفارتان من جنس واحد فاكتفي بأحدهما.
وهذا القول الثاني: - الاكتفار بكفارة واحدة - فيما أرى ضعيف جداً ليس له حظ من النظر ولذلك نجد أن الشيخ الفقيه المجد بن تيمية رجح القول الأول ونصره مما يدل على أنه قوي عنده وهو كذلك في الحقيقة فإني لا أعلم وجهاً مقنعاً للاكتفاء بكفارة واحدة مع كونه انتهك حرمة يومين من رمضان. هذا فضلاً عن أن المناسب في حق مثل هذا الشخص أن يؤدب بإيجاب كفارتين ونحن لا نقول بوجوب كفارتين من باب التأديب فإن الأحكام الشرعية لا تنبني فقط على مسألة التأديب بل الأدلة تدل أن عليه كفارتان ومع ذلك هو من باب التأديب.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو كرره في يوم ولم يكفر: فكفارة واحدة في الثانية وفي الأُولى اثنتان.
لو أن المؤلف - رحمه الله - جعل حكم كل مسألة بجوارها.


وإن جامع في يومين فعليه كفارتان أو كرره في يوم واحد فكفارة واحدة.
لكنه فصل بينهما وليس له مبرر من وجهة نظري.
المهم: إذا كرره في يوم ولم يكفر فكفارة واحدة في الثانية. يعني: لو جامع في أول النهار في رمضان ثم جامع في آخر النهار في رمضان قبل أن يكفر فعليه كفارة واحدة.
- لأنه انتهك حرمة يوم واحد. فعليه كفارة واحدة.

ثم قال - رحمه الله -:
وإن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه: فكفارة ثانية.
هذا القسم الثاني: للمسألة السابقة.
رجل جامع في يوم الأول من رمضان مثلاً ثم كفر ثم جامع فهذا الرجل اختلف فيه الفقهاء:
= فمنهم من يقول: عليه كفارتان. وإلى هذا ذهب الإمام أحمد في رواية. قال: لأنه انتهك المحرم مرتين فوجبت عليه كفارتان.
= والقول الثاني: وهو للجماهير بل حكاه ابن عبد البر إجماعاً أنه إذا جامع ثم كفر ثم جامع فلا تجب عليه كفارة أخرى.
واستدلوا:
- بأن هذا الذي جامع وكفر فسد صومه وأصبح من المفطرين فلا تجب عليه كفارة أخرى فإنه الآن مفطر. ولا يوجد دليل على إيجاب كفارة أخرى عليه.
وربما نستدل بالإجماع الذي حكاه ابن عبد البر.
وهذه الإجماعات كما أشرت مراراً يستأنس بها ويستدل بها فإن كانت محكمة فهي دليل مستقل وإن كانت غير محكمة بأن يوجد مخالف فلا أقل من أن يستأنس بها ويقوى القول التي هي معه.
لأنه لا شك أنه يحكى إجماع في قول فإن هذا يقويه.
• ثم قال - رحمه الله -:
وكذلك من لزمه الإمساك إذا جامع.
من يلزمه الإمساك في رمضان ينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: من يلزمه الإمساك لكون البينة جاءت في وسط النهار أو لكونه صار أهلاً في وسط النهار.
- والقسم الثاني: من يلزمه الإمساك من نحوحائض طهرت ومريض صح ومسافر قدم.
ففي القسم الأول: إن جامع وجبت عليه الكفارة ولا إشكال إن شاء الله. - لأنه انتهك حرمة اليوم. وهويجب عليه الإمساك.
والقسم الثاني: تقدم معنا ذكر الخلاف في أنه: هل الحائض إذا طهرت والمريض إذا صح والمسافر إذا قدم وما أشبه هؤلاء هل يجب عليهم أن يمسكوا أو لا يجب؟
فإن قيل بوجوب الإمساك فعليهم كفارة.
وإن قيل أن الإمساك لا يجب غلا كفارة عليهم.


وتقدم معنا أن الراجح أنه لا يجب عليهم أن يمسكوا وبناء على هذا فالراجح أنه لا كفارة عليهم.
إذاً الخلاف في وجوب الكفارة يرجع إلى الخلاف في وجوب الإمساك.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومن جامع وهو معافى، ثم مرض أو جن أو سافر: لم تسقط.
يعني: رجل مقيم مكلف يجب عليه الصيام جامع ثم لما جامع زال عنه التكليف. بأن سافر لا حيلة أو جن أو بأي سبب يزول معه التكليف.
= فقال الحنابلة: تجب عليه الكفارة ولو ارتفع عليه التكليف في أثناء اليوم.
واستدلوا على هذا:
- بأن وجوب الكفارة سابق لزوال التكليف.
= والقول الثاني: أن مثل هؤلاء لا تجب عليهم الكفارة.
- لأنه تبين أنهم ليسوا من أهل الصيام في ذلك اليوم.
فأي القولين أرجح؟
الجواب: أن هذا يرجع إلى مسألة متى تجب الكفارة في الذمة؟ هل يشترط مضي وقت أو بمجرد الجماع؟
الجواب: بمجرد الجماع.
ولذلك لو جامع. ومات أخرجنا الكفارة من تركته.
فالأقرب والله أعلم الوجوب.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا تجب الكفارة: بغير الجماع في صيام رمضان.
الكفارة الكبرى لا تجب إلا بشرطين:
- أن يكون الفطر بالجماع.
- وأن يكون هذا الجماع في نهار رمضان.
فإن تخلف أي شرط من هذه الشروط لمتجب الكفارة.
والدليل على هذا:
- أن حديث أبي هريرة الذي فيه ذكر المجامع نص على وجوب الكفارة فيمن أفطر في نهار رمضان وما عدا هذه الصورة لا نص فيها ولا إجماع.
= والقول الثاني: أنها تجب الكفارة فيمن جامع في قضاء رمضان.
= والقول الثالث أنها تجب الكفارة بأي مفطر من المفطرات ولو بغير الجماع.
فالقول الثاني: أخل بشرط نهار رمضان.
والقول الثالث: أخل بشرط أن يكون الفطر بالجماع.
والصواب القول الأول وعليه الجماهير وعليه تدل النصوص أنه لا يجب عليه الكفارة إلا بهذين الشرطين.

ثم قال - رحمه الله -:
وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت
دل كلام المؤلف - رحمه الله - على أن الكفارة تجب على الترتيب لا على التخيير.
= وإلى هذا ذهب الجماهير والجم الغفير ورأوا أنه لا ينتقل من خصلة إلى أخرى إلا إذا يستطع الأولى.
واستدلوا:


- بأنه في حديث أبي هريرة رتب الكفارات بقوله: فإن لم تجد أو أتجد ولم ينتقل عن واحدة إلى أخرى إلا إذا قال لا أستطيع.
= والقول الثاني: وهو مذهب لبعض الفقهاء أن الكفارة على التخيير.
- لما جاء في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث أبي هريرة عليك عتق رقبة أو صيام أو إطعام. وأو تأتي بلغة العرب للتخيير ولا تدل على الترتيب.
الصواب أن الترتيب واجب وأن الرواية الصحيحة فيها الترتيب ولذلك نقل بعض الحفاظ أن الزهري روى عن ثلا ثين راوياً أنهم نقلوا الترتيب فالترتيب المذكور في االصحيحين هو اللفظ الصحيح وهو يدل على وجوب عدم الانتقال من واحدة إلى أخرى إلا عند العجز.
المسألة الثانية: قوله: وهي عتق رقبة فإن لم يجد:
• قوله
: فإن لم يجد:
أي فإن لم يجد الرقبة ولا ثمن الرقبة فإنه حينئذ ينتقل إلى النوع الثاني من الكفارة.
• قال:
فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
المرتبة الثانية في الكفارة أن يصوم شهرين.
ويشترط في هذين الشهرين أن يكونا متتابعين.
وإذا شرع في الصيام ثم وجد الرقبة فإنه لا يجب عليه أن ينتقل إلى الصيام نص عليه الإمام أحمد - رحمه الله -.
والدليل على ذلك:
- أنهى شرع في الكفارة المجزأة فلا يجب عليه أن ينتقل إلى غيرها. فإن انتقل فهو الأولى. وقد أحسن وأجاد.

ثم قال - رحمه الله -:
فإن يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
إطعام ستين مسكيناً. الخلاف الذي ذكرناه في السابق حول الإطعام لمن أفطر من حيث المقدارهو نفسه الخلاف هنا فيكرر كما تقدم تماماً هل هو نصف صاع أو مد وهل هو من البر أو من غيره وهل يقدر أو لايقدر؟ على الأقوال الثلاثة. التي ذكرتها في الدرس قبل السابق.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن لم يجد سقطت.
= ذهب الحنابلة إلى أنه إذا لم يجد جمبع أنواع الكفارات فإنها تسقط.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه المكتل من التمر أعطاه للرجل وأمره أن يتصدق فلما قال على أفقر مني قال خذه وأطعمه أهلك وإطعام هذا الرجل التمر لأهله عند الحنابلة ليس على سبيل الكفارة ونصر هذا من العلماء المحققين اثنان: ابن دقيق العيد والصنعاني.


أي أن هذا الأعرابي أخذ الطعام لا على أنه كفارة وإنما على أنه صدقة لأهله.
وإذا كان الرجل أخذ هذا الطعام لا على أساس أنه كفارة ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكفر لا حقاً دل هذا على سقوط الكفارة.
والحنابلة يرون والإمام أحمد أن الكفارة التي تسقط هي فقط كفارة الجماع في نهار رمضان دون الكفارات الأخرى - ككفارة القتل وكفارة الحج - فهذه الكفارات وغيرها لا تسقط عند العجز إنما الذي يسقط فقط هذه الكفارة لأنها التي دل النص فيها على السقوط.
= والقول الثاني: أن الكفارة تبقى في ذمته وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل له كفر فقد اكتفى بكونه قال له في صدر الحديث أعتق رقبة صم شهرين أطعم ستين مسكيناً فهذا الأمر يكفي في بقاء الكفارة في ذمته وكونه أعطاه هذا التمر صدقة لأهله لحاجته لا يعني أنه لا تجب عليه الكفارة.
- - مسألة: قوله: فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
كيف يكون هذا الأعرابي لا يستطيع وهويصوم رمضان؟
الجواب على هذا: أن هذا الأعرابي قال كما تقدم: وهل وقعت فيما وقعت فيه إلا من الصيام وهل أوتيت إلا منه - الالفاظ مختلفة.
فدل على أن هذا الرجل لا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين بدون أن يقع في الجماع فاعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا عذراً.
فنقول لمن لا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين خشية الوقوع في الجماع أن هذا عذر كما عذر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الأعرابي ويجوز له بناء على هذا أن ينتقل إلى الخصلة الثانية وهي الإطعام.
وفي مثل هذه الأمور يدين الإنسان فلو قال لا أستطيع أن أصوم لمرض أو لشدة الرغبة في الجماع فهذا شيء بينه وبين الله سبحانه وتعالى يدين فإن كان صادقاً سلم وإن كان كاذباً أثم.

انتهى الدرس


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
انتهينا من الفصل السابق ما عدا مسألة بقيت في من أراد أن يكفر بالصوم فسيصوم شهرين متتابعين.
والمسألة التي بقيت هي: كيفية هذا الصيام:
نقول: كيفية هذا الصيام تنقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: إذا بدأ الصيام من أول الشهر فإنه يصوم شهرين كاملين سواء تم الشهران ثلاثين يوماً أو نقص. وسواء نقص أحدهما أو نقص كلاهما فإنه إذا انتهى الشهر الثاني فإنه يعتبر قد أدى ما عليه من الكفارة ما دام أنه بدأ من أول الشهر.
وهذا واضح ولا إشكال في لأن الشهر في الشرع تارة يكون ثلاثين يوماً وتارة يكون تسعة وعشرين يوماً.
- القسم الثاني: أن يبدأ من وسط الشهر فسيصوم بعض الشهر الأول وكل الشهر الثاني وبعض الشهر الثالث.


وسيصوم من الشهر الثالث ما يكمل به عدد الأيام التي صامها من الشهر الأول.
فالشهر الثاني لا إشكال فيه أنه هلالي. لأنه سيبدأ من الأول فيصوم حسب عدد أيام ذلك الشهر سواء تم أو نقص.
بقينا إذا أراد أن يكمل من الشهر الثالث فإنه الفقهاء - رحمهم الله - قد اختلفوا في هذه المسألة على قولين:
= القول الأول: أنه يتم ثلاثين يوماً فإذا كان صام من الشهر الأول عشرة أيام فسيصوم من الشهر الثالث عشرين يوماً. لأنهم قالوا: لا يمكن اعتبار هذين شهرين بالأهلة لأنهما مفترقان فوجب الرجوع إلى العدد. والأحوط فيه ثلاثين يوماً.
= القول الثاني: أن يصوم بحسب الشهر الأول:
- فإن كان الشهر الأول تاماً أكمل من الشهر الثالث ثلاثين يوماً.
- وإن كان الشهر الأول ناقصاً أكمل من الشهر الثالث تسعة وعشرين يوماً.
والراجح والله أعلم:
- أنه إن كان الشهر الأول والثالث كلاهما ناقص صام تسعة وعشرين يوماً.
- وإن كان أحدهما تاماً أكمل ثلاثين يوماً احتياطاً.
وبهذا القول إن شاء الله تجتمع الأقوال ويحصل الاحتياط في مسألة أداء الكفارة.

باب ما يكره ويستحب وحكم القضاء
• ثم قال - رحمه الله -:
باب ما يكره ويستحب وحكم القضاء
خصص المؤلف - رحمه الله - هذا الباب كما قال لبيان:
- الأشياء التي يكره للصام أن يأتيها.
- والأشياء التي تستحب.
- وكيفية القضاء.

• وقوله - رحمه الله -:
باب ما يكره.
إنما ذكره تغليباً وإلا فإنه - رحمه الله - سيذكر أشياء محرمة.

• قال - رحمه الله -:
يكره: جمع ريقه فيبتلعه.
قوله: فيبتلِعُهُ. شيخنا - رحمه الله - ضبط هذه الكلمة بالفتح والمحقق هنا ضبطها بالضم ولعل الأقرب ما ذكره شيخنا - رحمه الله -.


= على المذهب: يكره بلا نزاع عند الحنابلة أن يجمع ريقه ويبتلعه. فإذا فعل هذا الأمر فقد فعل شيئاً مكروهاً.
= والقول الثاني: أن جمع الريق ثم ابتلاعه لا يكره بل هو جائز مباح بلا كراهة لأمرين:
- الأمر الأول: أن هذا مما يعتاد ويفعله الصائمون ولم يأت شيء في الشرع يدل على النهي عنه.
- والأمر الثاني: أن الكراهة حكم شرعي تحتاج إلى دليل.
وإذا تأملت فستجد كل واحد من الأمرين يكمل الآخر.
والأقرب والله أعلم القول الثاني. لكن الاحتياط في عدم فعل ذلك جيد بسبب أن هذه المسألة عند الحنابلة لا خلاف فيها كأن دليلها واضح عندهم.
وفهم من قول المؤلف - رحمه الله -: (يره جمع ريقه) أنه إذا ابتلع الريق بلا جمع فإنه جائز بلا كراهة ولا يفطر وهذا مما أجمع عليه الفقهاء.
فإذا بلغ ريقه بلا جمع فلا حرج عليه ولا كراهة ولا إفطار بإجماع أهل العلم لعدم وجود مقتضي الكراهة أو التحريم.

قال - رحمه الله -:
ويحرم: بلع النخامة.
النخامة. وأحياناً تسمى النخاعة: هي ما يخرجه الإنسان من حلقه من مخرج الخاء سواء كانت هذه النخامة أو النخاعة نازلة من الأعلى أو صاعدة من الجوف.
فبلعها لا يجوز عند المؤلف - رحمه الله - لأنه مستقذر والأشياء المستقذرة لا يجوز للإنسان أن يبتلعها.
وظاهر عبارة المؤلف: أن بلع النخامة أو النخاعة محرم على الصائم وعلى المفطر. لأنه لم يقيد بل قال: (ويحرم بلع النخامة).
وهذا هو الصواب أنه يحرم بلع النخامة لا ستقذارها سواء كان الإنسان صائم أو مفطر.
= والقول الثاني: أن بلعها مكروه.
والذي يتوافق مع قواعد الشرع التحريم. فإذا استطاع الإنسان أن يخرج هذه النخامة وأن يلفظها فهو الواجب وإذا غلبه الأمر فإن شاء الله لا حرج عليه لأنه في هذه الحالة أن يخرجها.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويفطر بها فقط إن وصلت إلى فمه.
يعني: أنه يفطر ببلع النخامة دون بلع الريق ولو جمعه وهذا معنى قوله فقط: يعني لإخراج الريق.
فدل كلام المؤلف - رحمه الله - على أن الإنسان إذا بلع النخامة فإنه آثم وقد أفطر.
والدليل على أنه أفطر:
- أنه بلع شيئاً من خارج الفم يمكنه التحرز منه فأشبه الأكل.
= والقول الثاني: أن بلع النخامة لا يفطر.


- أولاً: لأنه مما يعتاد فأشبه بذلك الريق. ووجه الشبه أن كلاً منهما معتاد.
- وثانياً: أن هذا مما تمس حاجة الناس إليه ويكثر فيهم ولو كان من الفطرات لبينه الشارع.
والقول الثاني أقرب.: أنه لا يفطر إن شاء الله.

ثم قال - رحمه الله -:
ويكره: ذوق طعام بلا حاجة.
ظهر من كلام المؤل - رحمه الله - أن ذوق الطعام ينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: أن يكون بلا حاجة:
= فحكمه عند الحنابلة مكروه. وليس بمحرم.
ودليل الكراهة: - أنه بذلك يعرض صومه للفساد. إذ ربما ذهب شيء إلى جوفه.
- القسم الثاني: أن يكون لحاجة. فحينئذ يجوز بلا كراهة.
والدليل على هذا: - أن الإمام أحمد والبخاري ذكروا أن ابن عباس أفتى بذلك. فدل على أنه يجوز بلا كراهة.
وهذا التفصيل هو الراجح. التفريق بين أن يكون بحاجة وبغير حاجة وأن الذي ليس بحاجة لا يصل إلى أن يكون محرماً بل هو مكروه.

• ثم قال - رحمه الله -:
(ويكره) مضغ علك قوي.
العلك القوي: هو العلك الذي إذا مضغ لا يتفتت إلى أجزاء وإنما يزيده المضغ صلابة.
فهذا النوع من العلك يكره.
ودليل الكراهة تعليلان:
- الأول: أن مضغ هذا العلك يؤدي إلى العطش وإلى تجمع الريق. وتقدم معنا: أن تجميع الريق ثم بلعه حكمه: مكروه.
- الثاني: أنه يؤدي إلى اتهام الماضغ لأن من رآه ظن أنه مفطر.
= القول الثاني: أن مضغ هذا العلك إذا أمن بلع أي جزء منه فجائز بلا كراهة.
- لأن الفم في حكم الظاهر فما وصله لا يعتبر من المفطرات.
فإذا أمنا عدم نزول شيء إلى الجوف لم يبق دليل على الكراهة.
والراجح أنه مكروه. لأدلة الحنابلة. وأدلتهم وجيهه لا سيما وأنه يؤدي في الغالب إلى الاستهانة بالصيام وذهاب حرمة اليوم فلا شك أنه ليس من صفات الصائم الجاد.

ثم قال - رحمه الله -:
وإن وجد طعمهما في حلقه: أفطر.
= يعني: إن وجد طعم العلك أو وجد طعم الطعام الذي ذاقه في حلقه فإنه يفطر.
- لأنه أوصل إلى جوفه شيئاً فأفطر كما لو أكل.
= والقول الثاني: أن مجرد وجود الطعم في الحلق لا يؤدي إلى الفطر.


- لأن وجود الطعام في الحلق لا يستلزم نزول الشيء إلى المعدة. بدليل: أن الإنسان لو وطئ حنظلة برجله لوجد كعمها في حلقه مع أنه قطعاً لا يوجد في الحلق شيء نزل إلى المعدة.
وهذا القول الثاني هو الراجح إذا لم يعلم قطعاً أنه وصل إلى معدته شيء.
وإنما كان هذا القول راجح لما ذكرت من الأدلة ولأنه غالباً نزول الطعان الذي ذاقه بغير إرادة ونحن أخذنا أن أي شيء يصل إلى المعدة بغير قصد لا يكون من المفطرات.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويحرم: العلك المتحلل إن بلع ريقه.
العلك المتحلل هو: عكس العلك القوي وهو الذي يزيده المضغ تفتتاً.
فهذا النوع من العلك يحرم إجماعاً.
- لأنه يؤدي إلى إفساد الصيام. إذ الإنسان إذا علك ما يتفتت فإن هذه الأجزاء المتفتتة من العلك ستنزل إلى المعدة وهو يعلم بذلك فصار مفسداً لصومه عمداً فهو محرم.
ويستثنى من هذا إذا علك العلك ولم يبلعه بل لفظه.
استثنى هذه الصورة عدد من أهل العلم من الحنابلة ومن غيرهم.
والصواب والله أعلم أن هذه الصورة لا تستثنى لأن الإنسان لا يمكن أن يلفظ جميع أجزاء العلك المتفتت بل سيبقى بغير إرادته شيء في الفم.
فالأقرب والله أعلم أن العلك المتفتت غير القوي لا يجوز أن يعلك في نهار رمضان وهو محرم.
فإن ذهب شيء إلى حلقه: أفطر.
وإلا فلا.
فالتحريم شيء والفطر شيء آخر.

ثم قال - رحمه الله -:
وتكره: القُبلة لمن تحرك شهوته.
القبلة بالنسبة للشخص الذي تحرك القبلة شهوته: = تكره عند الحنابلة فقط.
وتعليل الكراهة:
- أن هذا العمل ربما أدى إلى فساد الصوم بخروج المني.
وهذه المسألة فيها خلاف. فمع وجود النصوص فيها إلا أن أهل العلم اختلفوا فيها اختلافاً كثيراً جداً.
= فالقول الأول: للحنابلة: أنها تكره لمن خشي على نفسه وتباح لغيره.
= القول الثاني: أنها تكره مطلقاً.
= القول الثالث: أنها تحرم.
= القول الرابع: أنها مستحبة. وهذا مذهب ابن حزم - رحمه الله -.
= القول الخامس: أنها مباحة. وتحرم إن علم من نفسه الإنزلاق في شهوته. وتكره إن ظن ذلك.
إذاً هي إما أن تكون مباحة أو مكروهه أو محرمة.
وهذا القول الخامس هو القول الصواب إن شاء الله.


وأما القول بالتفريق بين الشيخ والشاب فهو أضعف الأقوال.
والدليل على رجحان القول الخامس:
- حديث عائشة الذي تقدم معنا في البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل ويباشر وهو صائم قالت: ولكنه كان أملككم لإربه.
فعللت عائشة - رضي الله عنها - فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان من الذين يملكون أنفسهم.
- الدليل الثاني: ما ثبت في الصحيح أن رجلاً قبل امرأته ثم قال: اسألي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أفعله أنا وهذه). فلما رجعت إلى زوجها. قال زوجها: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رجل غفر له ذنبه. فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضباً شديداً وقال: (إني لأخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي).
فدل هذا الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يبين أن التقبيل جائز ما دام أن الإنسان يملك نفسه.
وإذا جمعت بين حديث عائشة وحديث الرجل الذي قَبَّل خرج معك التفصيل المذكور في القول الخامس.

ثم قال - رحمه الله -:
ويجب: اجتناب كذب وغيبة وشتم.
قوله: (ويجب) مراده ويتأكد الوجوب. لأن اجتناب هذه الأشياء واجب للصائم ولغير الصائم.
الكذب هو: الإخبار بخلاف الواقع. سواء كان عن أمر سلف أو سيأتي.
والغيبة: ذكرك أخاك بما يكره. وقول العلماء: ذكرك: لا يعني تقييد الغيبة بالذكر فقد تكون الغيبة بالإشارة أو بالغمز أو بأي وسيلة تؤدي إلى ذكر أخاك بما يكره.
فهذه الأشياء محرمة على غير الصائم ويتأكد التحريم في حق الصائم.
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه).
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفض ولا يفسق وإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم).
فدل الحديثان صراحة على أنه يتأكد في حق الصائم أن يدع هذه الأشياء وما هو من جنسها.
• ثم قال - رحمه الله -:
وسن لمن شتم قوله: ((إِنِّي صَائِمٌ)).
يسن لمن شتم أن يقول للشاتم: إني صائم.
والدليل على هذا:
- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق حيث نص على أنه إذا سبه أحد أو قاتله يقول: إني صائم.


ولم يبين المؤلف - رحمه الله -: هل يقول هذا الشيء جهراً أو سراًَ؟ وهل يفرق بين صوم الفرض أو النفل؟
وهذا التقسيم هو خلاف بين أهل العلم على ثلاثة أقوال:
= القول الأول: أنه يقول هذا القول - إني صائم - جهراً في صوم رمضان وفي غيره يعني في الفرض والنفل. وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله -.
واستدل على هذا القول:
- بأن القول في الشرع في اللغة لا يصدق إلا على المنطوق المسموع ولا يصدق على ما إذا تحدث به الإنسان في نفسه. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (عفي لأمتي عن ما حدثت به أنفسها) فسمى حديث النفس حديثاً فهو مقيد بحديث النفس. يعني: لا يمكن أن يأتي الحديث والقول الذي لا يراد به النطق إلا مقيداً كما في حديث عفي عن أمتي.
= القول الثاني: أنه يقوله جهراً في رمضان وسراً في النفل. وإلى هذا ذهب المجد وذلك: - بعداً عن الرياء.
إذاً يجهر فيه في رمضان لأنه لا رياء لأن الجميع صائم. وسراً في النفل خشية الوقوع في الرياء. وكما قلت لك إلى هذا ذهب المجد جد شيخ الإسلام.
= والقول الثالث: يقوله سراً في النفل والفرض.
واستدلوا:
- بأن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث أن يقول الصائم ذلك وعظاً لنفسه وتذكيراً لها لا للآخرين. فوعظ النفس وتذكيرها يحصل بحديث النفس.
والأقوال مرتبة حسب القوة فأقواها الأول ثم الثاني وأضعفها الثالث.
والراجح من حيث الدليل كما قلت الأول أن الإنسان يقول ذلك القول سواء كان في رمضان يعني في الفرض أو في غيره يعني في النفل.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتأخير سحور.
السُحور: بالضم. يعني: نفس فعل الأكل.
والسَّحور هو نفس الأكل.
فبالضم الفعل وبالفتح ما يؤكل.
والسَّحُور هي أكلة آخر الليل.
وفي السَّحور مسألتان:
- الأولى: حكمه: هو مستحب بإجماع أهل العلم.
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تَسَحَّرُوا فإن في السَّحُوْرِ بركة).
- الثانية: أنه يستحب تأخيره إلى قبيل الأذان.
لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتَسَحَّرُ ثم يقوم للصلاة. قيل للصحابي: كم كان بينهما؟ قال: قدر خمسين آية.


وقراءة خمسين آية من الآيات المتوسطة لا يأخذ وقتاً طويلاً مما يدل على قرب الأكل من الأذان.
وتأخير السحور محل إجماع.

ثم قال - رحمه الله -:
وتعجيل فطر.
يعني: ويستحب أن يعجل الفطر إذا تيقن أو غلب على ظنه غروب الشمس.
والدليل على استحباب ذلك:
- قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر).
- ولأن مسروق - رحمه الله - جاء إلى عائشة - رضي الله عنها - وقال: رجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدهما يعجل الفطر والصلاة والآخر يؤخر الفطر والصلاة.
قالت: أيهما الذي يعجل. قال: عبد الله. يعني: ابن مسعود. قالت - رضي الله عنها -: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولم تسأل عن الآخر وهذا من الأدب أدب عائشة - رضي الله عنها - ولم يذكر اسمه مسروق وأيضاً هذا من أدبه - رحمه الله -.
إذاً التعجيل ثابت بالنص: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) , وبالإجماع. فدل عليه النصوص والإجماع.
ثم بين ما يفطر عليه الصائم:
• فقال - رحمه الله -:
على رطب فإن عدم فتمر فإن عدم فماء.
السنة: أن يفطر الإنسان إذا كان يجد ويتيسر له: على رطب.
فإن لم يجد فعلى تمر. وهو اليابس من ثمر النخيل.
فإن لم يجد فعلى ماء.
والدليل على هذا التفصيل:
- حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليفطر أحدكم على رطب فإن لم يجد فعلى تمر فإن لم يجد حسا حسوات من ماء). وهذا الحديث صحيح إن شاء الله وممن صححه الإمام الكبير الدارقطني. فهو حديث ثابت وهو نص في سنية هذا الترتيب:
أن يكون أولاً على رطب.
ثم على تمر.
ثم على ماء.

(((وهل تتحقق السنية بإخراج الرطب من الثلاجة؟ أو لابد من أن يكون مجتنى حديثاً من النخلة؟
هذه المسألة ترجع لأي شيء؟ يعني: كيف نرجح بناء على ماذا نرجح؟
ننظر في اللغة. يعني: هل التمر الذي يخرج من الثلاجة رطب أو تمر؟
الجواب: رطب لأن الرطب هو التمر اللين من ثمرة النخيل. إذاً تتحقق به السنة.
ولعل بعض الناس يذهب ذهنه إلى أن الرطب هو الذي يجنى حديثاً من النخلة. ولا يظهر ذلك بل متى أخرجه من الثلاجة وصدق عليه أنه رطب فهو رطب وتتحقق به السنة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وقول ماورد.


يعني: ويشرع له أن يقول ماورد في السنة مما يشرع للصائم عند فطره أن يقوله:
- كقوله: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت).
- وكقوله: (ابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله). وله ألفاظ.
والأحاديث التي رويت في دعاء الإفطار كلها ضعيفة لا يثبت منها حديث.
لكن بعض العلماء يرى أن هذه الأحاديث بمجموعها تصبح صحيحة.
وبعضهم يقول: لم يثبت في دعاء الفطر حديث.
ومما يشكل في الحقيقة على ثبوت هذه الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان يقول هذا الذكر في كل يوم من رمضان لمدة تسع رمضانات لنقل. ولنقل بإسناد صحيح.
والسبب في أنه يفترض في مثل هذا أن ينقل بإسناد صحيح كثرة وقوعه وحاجة الناس إليه لأنه يومياً يفطر - صلى الله عليه وسلم - هذا عدا أنه - صلى الله عليه وسلم - ثبت في الأحاديث الصحيحة كما سيأتينا أنه يصوم ثلاثة أيام ويصوم الإثنين والخميس وعاشوراء وعرفة إذا لم يحج وأشياء كثيرة مما يصومه - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقل بإسناد صحيح أنه قال هذه الأذكار. مما يرجح عدم ثبوتها.
وبعض العلماء يقول: أنها أذكار أسانيدها ليست ضعيفة ضعفاً شديداً فتقبل ويقوي بعضها بعضاً.
0 وفيها تردد.
ومما يلحق بهذا مسألة إجابة الدعاء فإنه جاء في الحديث أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن دعوة الصائم عند فطره مجابة.
وهذا الحديث أيضاً ضعيف والأحاديث التي فيها إجابة الدعاء عند الفطر أيضاً ضعيفة وما قيل في أذكار الافطار يقال تماماً في أن دعوة الصائم مجابة عند الفطر.

قال - رحمه الله -:
ويستحب: القضاء متتابعاً.
يعني: ويستحب أن يقضي ما عليه من أيام متتابعة. أي: ولا يجب.
= وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة: أن قضاء مافات الإنسان ما أفطره في رمضان متتابعاً سنة وليس بواجب.
واستدلوا:
- بقوله تعالى {فعدة من أيام أخر} [البقرة/184] وليس في الآية ما يدل على تقييد ذلك بأن تكون متتابعة.
وأما الدليل على أنه يستحب أن تكون متتابعة:
- فالقاعدة المتفق عليها: (أن القضاء يحكي الأداء).
ولولا الآية لكان الأصل وجوب قضاء هذه الأيام متتابعة.
ثانياً: دلت الآية وفتاوى الصحابة على أن القضاء يجوز ولو لم يكن متتابعاً.


= وذهب ابن حزم إلى أنه يجب أن نقضي ما علينا من أيام رمضان متتابعة.
واستدل:
- بقوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ... } [آل عمران/133] وفي قضائها متتابعة مسارعة في تحصيل الرحمة والمغفرة.
والصواب مع الجماهير الذين معهم ظاهر القرآن وفتاوى الصحابة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا يجوز إلى رمضان آخر من غير عذر.
يجوز للإنسان أن يؤخر القضاء. بشرط: أن لا يدركه رمضان الثاني قبل أن يقضي ما عليه من رمضان الأول.
فإن أَخَّر فهو آثم ويجب عليه أن يتوب وسياتينا هل يلزمه شيء آخر أو لا؟
والدليل على أنه يحرم تأخيره إلى بعد رمضان الآخر:
- حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: كان يكون عليَّ القضاء من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان وذلك لمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني.
فدل أثر عائشة على أنها كانت تقول أنه كان يكون عليَّ من رمضان وأؤخر رمضان إلى درجة أن أقضي في آخر الوقت الممكن وهو شعبان.
هذا الذي يفهم من الأثر وهذا الفهم الذي يفهم من هذا الأثر فهمه جمهور الأئمة: فقد فهموا من الحديث عدم جواز تأخير رمضان إلى ما بعد رمضان التالي.
= وذهب بعض المحدثين إلى أن الحديث لا يدل على التحريم وهو قول ضعيف جداً ودلالة حديث عائشة على التحريم واضح جداً.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن فعل: فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم.
فإن فعل: أي أَخَّرَ بلا عذر فعليه مع القضاء أن يطعم عن كل يوم أَخَّرَهُ مسكيناً.
= وإلى هذا ذهب الأئمة الثلاثة: أحمد والشافعي ومالك.
واستدلوا على هذا:
- بالآثار الصحيحة الثابتة عن ثلاثة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم:
1 - ابن عباس.
2 - وابن عمر.
3 - وأبو هريرة. رضي الله عنهم أجمعين وهم من علماء الصحابة ولا يعلم لهؤلاء مخالف لا من الصحابة ولا فيما أعلم من التابعين.
أما من الصحابة فلا شك. وأما من التابعين فهذا الذي يظهر لي الآن أنه ليس لهم منهم مخالف فتلاميذ هؤلاء الأئمة أخذوا بفتاويهم.
= والقول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة واختاره عدد من المحققين أنه لا يجب على الإنسان إلا أن يقضي.
واستدلوا على هذا:


- بأنه ليس في السنة الصحيحة المرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على الوجوب والأصل براءة الذمة وحرمة مال المسلم.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن مات ولو بعد رمضان آخر.
قوله: (وإن مات). أي: إذا مات وقد ترك صيام رمضان فليس عليه إلا الإطعام.
وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين:
ــ القسم الأول: أن يترك الإنسان القضاء بعذر ويستمر هذا العذر إلى الموت فهذا: لا يجب عليه شيء لا إطعام ولا غيره.
والدليل على ذلك:
- أن الصيام من الواجبات التي تجب لله فإذا عجز عنها ثم مات سقطت كالحج.
وهذا لا إشكال فيه: أن من ترك القضاء لعذر ثم مات فإنه لا شيء عليه ولا يجب على الورثة أن يخرجوا من التركة ما يطعمون به إطعام مساكين عن هذا الميت.
ــ القسم الثاني: أن يترك الصيام بلا عذر ثم يموت. فهذا على الورثة أن يطعموا.
ومقصود المؤلف - رحمه الله - بقوله: (وإن مات) يعني: أنه يجب أن يطعموا ولا يشرع أن يصوم الأولياء.
ففهم من كلام المؤلف أنه لا يشرع أن يصوم أحد عن أحد فرض الصيام إذا مات وعليه صيام.

= وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة وعامة أهل العلم.
واستدلوا:
- بأن هذا مذهب عائشة وابن عباس الصحيح الثابت عنهما - رضي الله عنهما - مع أن عائشة - رضي الله عنها - وابن عباس - رضي الله عنه - هما اللذان رويا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه).
فدل على أنهما فهما أن هذا الحديث في صوم النذر دون صوم الواجب.
- الدليل الثاني: أن حديث ابن عباس - رضي الله عنه - في صحيح البخاري فُسِّرَ في رواية: بأنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رجل نذر أن يصوم ثم مات. فقال: صُمْ عنه.
فدلت هذه الرواية على أن الصيام الذي يقوم به الولي عن الميت صيام النذر دون الواجب بأصل الإسلام.
- الثالث: قول ابن عباس - رضي الله عنه - لا أحد يصوم عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: وقد ضَعَّفَ بعض الناس هذا القول ولم يعرف غوره وهو قول الصحابة.
= والقول الثاني: أنه إذا مات الإنسان وعليه صيام صام عنه وليه ولو كان من رمضان. وإلى هذا ذهب بعض الشافعية وأبو ثور وكثير من المتأخرين.
واستدلوا:


- بعموم حديث عائشة - رضي الله عنها -: (من مات وعليه صيام صام عنه وَلِيَّه). والحديث عام ليس فيه تخصيص صيام دون صيام.
واستدلوا:
- بحديث ابن عباس. وهو كحديث عائشة في اللفظ الأول في الرواية الأولى أنه أمره بأن يصوم عنه ولم يقيد ذلك بالنذر.
والأقرب والله أعلم قول الأئمة الأربعة.
وليس من المناسب في مثل هذه المسألة فيما أرى - ليس من المناسب أن نقول العبرة بما روى لا بما رأى.
وجه ذلك: أن عائشة وابن عباس من أكابر الصحابة وأكثرهم علماً وفقهاً بالذات عائشة وابن عباس فيبعد جداً أن يخالفا الحديث بمجرد الرأي بل الأقرب أنهم فهموا أن هذا مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من دلالة الحال. وليس لعائشة ولا لابن عباس أن يخصصوا هذا الحديث برأيهم المجرد فإن هذا يبعد جداً.
ولهذا: لعل هذا الذي أقول - لعله - هو الذي يشير إليه شيخ الإسلام - رحمه الله -.
وكذلك هكذا فهم الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين - فهموا أن هذا الحديث يحمل على النذر دون ما وجب بأصل الإسلام وهو صيام رمضان.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولو بعد رمضان آخر.
يعني أنه لا يجب عليه إذا ترك القضاء إلى الرمضان التالي ثم تركه أيضاً إلى الثاني أو إلى الثالث أو إلى الرابع أو إلى أكثر لا يجب عليه إلا إطعام مسكين واحد عن كل يوم.
واستدلوا على هذا:
- بأن ما وجب بسبب التأخير لا يزيد مع زيادة التأخير. كما إذا أَخَّرَ الحج سنين فليس عليه إلا أن يحج مع أنه آثم في كل سنة يؤخر فيها الحج إذا كان مستطيعاً.
كذلك هنا نقول: الواجب عليك إطعام مسكين ولا يزيد هذا الواجب ولو أَخَرْتَهُ إلى أكثر من رمضان.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن مات وعليه صوم ... استحب لوليه قضاؤه.
إن مات وعليه صوم يعني: منذور. فإن مات وعليه صوم منذور فصام عنه وليه.
= وإلى هذا ذهب الإمام أحمد وكثير من فقهاء الحديث.
واستدلوا:
- بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من مات وعليه صيام صان عنه وليه). وإذا لم نحمل هذا الحديث على صيام النذر ولا على صيام الفريضة بقي لا معنى له. ولا يمكن أن يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام لا معنى له فوجب حمله على النذر.


- الدليل الثاني: أنه صح عن عائشة وابن عباس أنه إذا نذر الإنسان ومات قبل أن يفي بلا عذر صام عنه وليه.
قالوا: والفرق بين: الصيام الواجب بالنذر والصيام الواجب بأصل الإسلام أن الأصل في الصيام الواجب بالنذر أنه لا يجب وإنما أوجبه المكلف على نفسه وبهذا أشبه الدين فصار مما تدخله النيابة.
وهذا كلام جيد وصحيح: أن الصيام الواجب بالنذر الأصل عدم وجوبه إنما وجب بإيجاب الإنسان له على نفسه فأشبه بذلك الدين وإذا أشبه الدين صارت النيابة تدخله.
بالإضافة إلى تفريق الصحابة وهو في الحقيقة العمدة. فالعمدة أن الصحابة فرقوا بين النذر وغير النذر.
وهذا القول الأول: من مفردات الحنابلة.

= القول الثاني: وهو مذهب الأئمة الثلاثة أنه لا يقضي أحد عن أحد صيام النذر وإنما يطعم فقط.
- لعموم قوله تعالى: { ... ولا تزر وازرة وزر أخرى ... } [الأنعام/164].
- وعموم قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النازعات/35].
- ولعموم أثر ابن عباس: (لا يصم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد) وهذا يشمل الواجب بالنذر وبغيره.
والراجح مذهب الإمام أحمد لصحة حديث عائشة - رضي الله عنها -.
ومن العجائب أن الأئمة الثلاثة - رحمهم الله - لم يأخذوا بحديث عائشة لا بالنذر ولا بما وجب بأصل الشرع أما الإمام أحمد - رحمه الله - فعمله ليس بعجيب لأنه وافق الصحابة فأخذ بأقوالهم وفهم النصوص كما فهموها.
بينما الإمام مالك والشافعي وأبو حنيفة لم يأخذوا بحديث عائشة وابن عباس جملة وتفصيلاً لا في النذر ولا فيما وجب بأصل الإسلام وهو رمضان وهو غريب وأنا أتعجب من أنه الأئمة الثلاثة لم يأخذوا بهذا الحديث مع صحته ووضوحه فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه). فهو نص صريح في المسألة.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو حج.
يعني: إذا نذر الإنسان أن يحج ثم مات حج عنه وليه.
- لما ثبت في الصحيح: أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت إن أمي نذرت أن تحج وماتت ولم تحج أفأحج عنها فقال - صلى الله عليه وسلم -: (حجي عن أمك).
وبالنسبة للحج يجوز للإنسان أن يحج عن غيره سواء كان الحج واجباً بالنذر أو كان حجة الإسلام.


- لأن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (حج عن أبيك).
فدل الحديثان على أن النيابة تدخل الحج فيما كان منذوراً وما كان واجباً وهو حجة الإسلام.

ثم قال - رحمه الله -:
أو اعتكاف.
يعني: يجوز للإنسان أن يعتكف عن غيره إذا نذر هذا الغير أن يعتكف ثم مات قبل أن يعتكف.
والدليل على ذلك:
- القياس على الصيام. فقط هذا هو الدليل: كما أنه يجوز ذلك في الصيام كذلك يجوز في الاعتكاف.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو صلاة نذر.
فإذا نذر اإنسان وقال: لله عَلَيَّ نذر أن أصلي ثم مات ولم يصلي:
= فعند الحنابلة وهو الرواية الأول عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه يصلي عنه.
واستدلوا:
- أيضاً: بالقياس على الصيام.
والجامع بينهما أن كلاً منهما عبادة.
= والقول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه لا يشرع أن يصلي أحد عن أحد ولو نذر الصلاة ومات ولا نقول: ولو فنحن نتكلم الآن عن الصلاة المنذورة أصلاً.
إذاً القول الثاني وهو رواية عن الإمام أحمد أنه لا يصلي أحد عن أحد الصلاة التي نذرها.
واستدلوا على ذلك:
- بأنه يوجد فرق بين الصلاة والصيام وهذا الفرق هو أن الصلاة عبادة بدنية محضة لا يدخلها المال بخلاف الصوم فإنه عبادة بدنية قد يدخلها المال فيما إذا لم يستطع أن يصوم فإنه يمكنه أن يطعم.
فافترقا من هذه الجهة.
والفرق الثاني: بين الصلاة والصيام: أن الصلاة أجمع الفقهاء على أن الصلاة المفروضة لا يصليها أحد عن أحد بينما الصيام تقدم معنا أن الصيام المفروض فيه خلاف فدل على أن بينهما فرقاً.
وفي الحقيقة فيها إشكال: مسألة الصلاة: يعني لو أن إنساناً قال لله عليَّ نذر أن أصلي ثم مات فيها إشكال فالأقوال فيها متقاربة.
والأقرب والله أعلم: أنه لا يصلي لأنه لم يعهد من الشارع أبداً النيابة في الصلاة بينما تنجد الحج فيه نصوص والصيام فيه نصوص واضحة أما الزكاة فأمرها أوضح من هذا بكثير.


فإذا وجدنا النصوص في الصيام وفي الحج ولك نجد في الصلاة أي دليل يدل على عدم النيابة مع وجود أثر ابن عباس: (لا يصلي أحد عن أحد) يجعل الإنسان يميل إلى أنه لا يصلي أحد عن أحد لا النذر ولا الفريضة.

باب صوم التطوع.
• ثم قال - رحمه الله -:
باب صوم التطوع.

• قال بعده - رحمه الله -:
يسن صيام أيام البيض.

أيام البيض ... (((الأذان))) ...

بعد الأذان))).

قال الشارح حفظه الله:

• قال المؤلف - رحمه الله -
باب صوم التطوع.
أراد المؤلف - رحمه الله - أن يبين أحكام صيام التطوع بهذا الباب وما يتعلق بأيهم أفضل؟ وما يكره من الصيام. وما يتعلق بهذه الأحكام.
يقول - رحمه الله -
يسن صيام أيام البيض.
صيام أيام البيض سنة = عند الجمهور.
والأيام البيض هي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
وسميت بهذا الاسم لشدة ضوء القمر.
وصيام أيام البيض نتكلم عنه في مسألتين:
ــ المسألة الأولى: صيام ثلاثة أيام بغض النظر عن أن تكون في البيض أو في غيرها.
فهذا سنة بالإجماع والنصوص المستفيضة تدل على أنه ثابت:
- كحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: (أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - أن أوتر قبل أن أنام وأن أصلي سبحة الضحى وأن أصوم من كل شهر ثلاثة أيام).
- وأيضاً ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام.

- وأيضاً ثبت في الصحيح من حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام قيل لها - رضي الله عنها - في أي الأيام يصوم؟ قالت كان - صلى الله عليه وسلم - لا يبالي أي الأيام صام.
فهذه الأحاديث تدل دلالة صريحة على أنه يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
ــ المسألة الثانية: أن يجعل الإنسان هذه الأيام الثلاثة توافق البيض وهي اليوم: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
وجاء في هذا الباب وهو استحباب صيام البيض أحاديث كثيرة نحو أربعة أحاديث منها:
- حديث أنس - رضي الله عنه -.
- ومنها حديث جرير - رضي الله عنه -.
وكل الأحاديث المروية في صيام الأيام البيض - كلها ضعيفة.
لكن ضعف هذه الأحاديث ضعف يسير وليس بالضعف الشديد:


= فمن العلماء من يصححها وهم عامة المتأخرين بمجموع الطرق والألفاظ والشواهد يصححون مشروعية صيام ثلاثة أيام.
ومنهم من يرى أن هذا الباب لا يثبت فيه حديث لضعف الأحاديث.
وفي الحقيقة صيام ثلاثة أيام - صيام البيض أحاديث البيض تقبل التقوية إلا أنه يشكل عليها حديث عائشة - رضي الله عنها - وهي أنها ذكرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يبالي أي الأيام يصوم. يعني: لم يكن يحرص على موافقة البيض.
فهذا الحديث يشكل على الأحاديث التي في الباب.
فإما أن يقال أنها لم تقف - رضي الله عنها - على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحب أن يوافق الأيام البيض أو أن مشروعية صيام الأيام البيض جاء متأخراًَ أو أي جواب ممكن أن يجاب به عن حديث عائشة متى أردنا أن نصحح أحاديث الأيام البيض.
والأمر في هذا يسير لأنه ما دام ثابتاً فإنه - صلى الله عليه وسلم - يصوم ثلاثة أيام فكون الإنسان يجعل هذه الثلاثة أيام توافق الأيام البيض لا يضر ويحصل على فضيلة موافقة هذه السنة من غير ضرر.


ثم قال - رحمه الله -:
والاثنين والخميس.
أولاً: الاثنين: صيام يوم الاثنين ثابت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم يوم الاثنين ويقول: هو يوم ولدت فيه.
وأشار الإمام مسلم في صحيحه إلى أن رواية كان يصوم الاثنين والخميس في هذا الحديث ضعيفة.
ثانياً: صيام يوم الخميس: يوم الخميس جاء فيه أحاديث كثيرة منها: حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم يوم الاثنين والخميس ويقول هما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم.
وهذا الحديث يقبل أنه حديث حسن إن شاء الله بمجموع طرقه وبشواهده الكثيرة يقبل التحسين.
لكن يجب أن تعلم أن حديث الاثنين في مسلم بينما حديث الخميس في السنن وهو صحيح بشواهده وطرقه.
فثبت بهذا أن صيام يوم الاثنين والخميس مشروع إن شاء الله.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...
انتهى الدرس،،،


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• قال المؤلف - رحمه الله -:
وست من شوال.
صيام الست من شوال سنة استحبها جماهير أهل العلم.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر).
وفضيلة صيام الست تحصل سوتء صامها متتابعة أو متفرقة في أول الشهر أو في آخره لإطلاق الحديث إلا أن عدداً من السلف استحب أن يبادر بها لأن لا يشتغل عنها فتفوته.
- - مسألة: اختلف أهل العلم هل يشترط في صيام الست أن يكون أتم صيام رمضان؟
اختلفوا فيها على قولين:
= القول الأول: أنه لا يصوم الست إلا إذا أتم رمضان.
- لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من صام رمضان) , ومن أفطر بعض رمضان لا يصدق عليه أنه صام رمضان بل صام بعض رمضان.
= والقول الثاني: أنه لا يشترط بل إذا صام الإنسان رمضان جملة وإن أفطر بعضه جاز له أن يؤخر القضاء وأن يبدأ بصيام الست.
واستدلوا على ذلك:
- بأن من صام رمضان وأفطر منه يوماً أو يومين فإنه يصدق عليه بأنه صام رمضان.
- وبحديث عائشة الذي تقدم معنا وهو قولها - رضي الله عنها - كان يكون علي قضاء من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان. ووجه الاستدلال أنه يبعد أن عائشة - رضي الله عنها - لم تكن تصوم الست من شوال فإذا كانت تصوم الست من شوال فهي تصوم قبل القضاء.
والأقرب لظاهر الحديث أن الإنسان لا يصوم إلا بعد القضاء.

ثم قال - رحمه الله -:
وشهر المحرم.
يعني: ويسن أن يصوم الإنسان شهر الله المحرم.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم).
فدل هذا الحديث على أن صيامه مندوب إليه مستحب.

• ثم قال - رحمه الله -:
وآكده العاشر.
أي آكد أيام الشهر المحرم اليوم العاشر وهو يوم عاشوراء.
فتعريف عاشوراء أنه اليوم العاشر من الشهر المحرم.
ودليل (الاستحباب):
- قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) وهو حديث صحيح.
والسنة أن يصوم الإنسان اليوم العاشر ويوماً قبله ويوماً بعده وإلا يصوم العاشر ويوماً قبله أو بعده ويجوز أن يفرد العاشر بالصيام.


وجواز إفراد العاشر بالصيام = مذهب الحنابلة فيجوز بلا كراهة واختاره شيخ الاسلام وابن القيم - رحمهما الله -.
- لعموم الحديث حيث فيه أن من صام العاشر فإنه يغفر له السنة التي قبله.
• ثم قال - رحمه الله -:
ثم التاسع.
صيام اليوم التاسع من شهر المحرم متأكد يأتي في المرتبة الثانية بعد العاشر.
بناء على هذا من أراد أن يصوم العاشر ويوماً فقط فالأحسن أن يصوم التاسع بدل أن يصوم الحادي عشر لأن اليوم التاسع يأتي في الأفضلية والآكدية بعد اليوم العاشر.
والدليل على استحباب اليوم التاسع:
- ما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صام عاشوراء قالوا له: إنه يوم تعظمه اليهود فقال: لأن عشت إلى قابل لأصومن التاسع. يعني مع العاشر.
فهذا دليل على أنه يستحب للإنسان إذا أراد أن يصوم العاشر أن يجمع إليه التاسع.
فإن جمع معهما الحادي عشر فهو أطيب وأكمل.

ثم قال - رحمه الله -:
وتسع ذي الحجة.
يعني: ويسن أن يصوم الإنسان تسع ذي الحجة أي من اليوم الأول إلى اليوم التاسع من شهر ذي الحجة.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من العشر قالوا: يا رسول الله ولا المجاهد في سبيل الله قال ولا المجاهد في سبيل الله إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشء).
فقوله: (ما من أيام العمل الصالح) دليل على أفضلية الصيان في هذه الأيام لأن الصيام من جملة العمل الصالح.
= وإلى مشروعية الصيام ذهب الجماهير.
فإن قيل: أنه ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت ما صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر قط.
فالجواب: أن الإمام أحمد - رحمه الله - سلك مسلكين في الجواب عن هذا الحديث:
- الأول: قال - رحمه الله -:أن حديث عائشة هذا فيه اختلاف ورواه بعضهم مرسلاً وروي عن حفصة إثبات الصيام.
فكأن الوجه الأول يشير فيه الإمام أحمد إلى نوع ضعف ولا يظهر من عبارة الإمام أحمد أبداً أنه يضعف الحديث لكن يشير إلى أنه فيه ضعف.


- الثاني: قال الإمام أحمد - رحمه الله - أن المراد في حديث عائشة نفي استغراق العشر في الصيام: يعني: أنه لم يصم جميع العشر - صلى الله عليه وسلم - فأرادت نفي جميع العشر. والمثبت في حديث حفصة صيام بعض العشر.
وبهذا يكون - رحمه الله - جمع بين حديث حفصة وبين حديث عائشة.
بناء على هذا - على الجمع الأخير: نقول لا ينبغي استغراق العشر صياماً. فلا ينبغي أن يستغرق الإنسان جميع أيام العشر بالصيام.
هذا إذا أردنا أن نجمع بالجمع الثاني وأنا أرى أنه وجيه وجيد وهو أقوى من الوجه الأول الذي ذكره الإمام أحمد - رحمه الله -.

ثم قال - رحمه الله -:
ويوم عرفة لغير حاج بها.
يشرع للإنسان الذي لم يحج أن يصوم يوم عرفة.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم عرفة: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده).
فدل الحديث على مشروعية الصيام بالنسبة لغير الحاج وأنه يوم أحب الشارع فيه أن يصبح الإنسان صائماً.
• ثم قال - رحمه الله -:
لغير حاج بها.
أي: لا يشرع أن يصوم الإنسان في يوم عرفة.
والدليل على هذا:
- ما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوتي بقدح من لبن في يوم عرفة فشربه والناس ينظرون.
- - مسألة: الحكمة من النهي عن صيام يوم عرفة للحاج: اختلفوا فيها:
- الأول: ذهب شيخ الإسلام - رحمه الله - إلى أن الحكمة أن يوم عرفة عيد وكل عيد لا يصام.
- الثاني: أن العلة في النهي عن صيام يوم عرفة ليتقوى الحاج على عبادة الله والدعاء والابتهال والتضرع.
والأقرب والله أعلم أن الحكمة مركبة من الأمرين ولا مانع. فهو لا يصام لأنه عيد وليتقوى فيه الحاج.
- - مسألة: حكم الصيام: اختلفوا في حكم الصيام - بعد أن عرفنا أنه ليس بمشروع اختلفوا فيه:
= [القول الأول]: فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يستحب أن يصوم الإنسان يوم عرفة.
= والقول الثاني: أنه جائز بلا كراهة.
= والقول الثالث:
أنه مستحب ما لم يضعف الحاج.
= والقول الرابع: أنه مكروه.
والقول بالكراهة قريب من القول من أنه لا يستحب وهو مذهب الحنابلة - مسألة: أنه لا يستحب هو مذهب الحنابلة.


عرفنا من الخلاف أن الجماهير لا يرون أن الصيام محرم فليس في الأقوال أنه محرم فلم يذهب إلى التحريم إلا عالم واحد من السلف وهو يحيى بن سعيد الأنصاري فقال: لا يجوز أن يصوم الإنسان يوم عرفة ,
أما عامة علماء الأمة فأقوالهم تدور بين الكراهة والإباحة.
والراجح والله أعلم. أنه يدور بين الكراهة والتحريم.
• ثم قال - رحمه الله -:
وأفضله: صوم يوم وفطر يوم.
أفضله: الضمير يعود إلى: صوم التطوع.
فأفضل الصوم الذي للتطوع أن يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً.
والدليل على هذا:
- ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً).
وصيام يوم وإفطار يوم هو أفضل أنواع صيام التطوع من حيث الأصل وقد تصبح مفضولة عند بعض الناس كمن يعوقه الصيام عن أداء الواجبات أو عن أداء عبادة هي أفضل من الصيام يوماً والإفطار يوماً.
كأن تتعلق به مصالح عامة أو يتعلق به بيان الناس وإرشادهم ووعظهم.
ولعله لهذا الأمر لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم يوماً ويفطر يوماً.
أي لأنه يقوم بما هو أفضل وأعظم من صيام يوم وإفطار يوم.
وربما أن السبب في عدم صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم وإفطار يوم لكي لا يدخل المشقة على الناس لأنه لو كان يفعل ذلك لحرص كثير من الناس على الاقتداء به فدخل عليه المشقة.
لأن الناس يحبون الاقتداء بما فعله - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما قاله ولم يفعله.
وبعد أن بين الأيام التي يسن ويحب الشارع أن تصام انتقل إلى المكروهات وبعدها سيذكر المحرمات.
• فقال - رحمه الله -:
ويكره: إفراد رجب ... بصوم.
يكره للإنسان أن يفرد شهر رجب بالصوم لأمرين:
- الأول: أن في هذا تشبهاً بالجاهليين لأنهم كانوا يعظمون هذا الشهر.
- والثاني: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان ينهى عن ذلك.
- والثالث: أنه لم يثبت في حديث صحيح ولا حسن أن الشارع حث على صومه وجميع الأحاديث التي في الباب ضعيفة جداً أو موضوعة.
- - مسألة: وتزول الكراهة بأحد أمرين:
- الأول: أن لا يستكمل شهر رجب بالصيام. يعني: أن يصوم بعض الأيام ويفطر بعض الأيام فتزول الكراهة.


- الثاني: أن يصوم مع شهر رجب شهراً آخر سواء كان هذا الشهر الثاني يلي رجب أو هو شهر بعيد عن رجب فلا يشترط فالمهم أن لا يفرد شهر رجب من بين شهور السنة بالصيام.
إذاً تلخص عندنا أن الكراهة تزول بأن يصوم ويفطر في شهر رجب أو أن يصوم رجب كاملاً ويصوم معه شهراً آخر.
- - مسألة: لم يتطرق المؤلف إلى غير شهر رجب هل يكره أن يصوم الإنسان جميع الشهر في غير شهر رجب؟
اتفق الفقهاء أنه لا يكره إلا في شهر رجب. أما ما عداه من الشهور فإنه يستحب ولا يكره أن يصوم الإنسان جميع الشهر لأن هذا الصيام يدخل في العمومات التي تحث المسلم على الصيام مالم يعتقد أن للشهر الفلاني الذي صامه مزية معينة شرعية فحينئذ يحرم الصيام لأنه يكون بدعة.
وعرفنا من هذا التفصيل أن الإنسان يحرم عليه أو يكره له أن يصوم جميع شهر رجب ولو بدون اعتقاد فهذا الشهر لايستكمل صياماً لما فيه من التشبه.
• ثم قال - رحمه الله -:
والجمعة.
يعني: ويكره أن يفرد الإنسان الجمعة بالصيام.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده).
- وقوله في صحيح مسلم: (إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم). يعني: إذا وافق الجمعة صيام أيام اعتاد الإنسان أن يصومها فلا بأس أن يصومها.
وتزول الكراهة بأن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.
- - مسألة: فهم من الأحاديث أن المنهي عنه هو تقصد الجمعة بالصيام. فإن صام الجمعة لا قصداً وإنما لأنه هو المتيسر فقد أفتى الإمام أحمد أن من صام الجمعة بلا قصد فلا بأس.
وفي الحقيقة أن هذا يفهم من الأحاديث لأن الشارع الكريم أجاز أن يصوم الإنسان الجمعو مفرداً إذا كان في صوم يصومه الإنسان مما يدل على أن الإنسان إذا صامه لا قصداً له وإنما لكونه صادف وقتاً متيسراً له أو صادف صوماً هو اعتاد أن يصومه فلا بأس بذلك.
بناء عليه: الذين يشتغلون طيلة أيام الأسبوع في دوام لا يتمكنون معه من الصيام لمشقة العمل أو لأي أمر آخر فإنه لا حرج عليهم فيما أرى أن يصوموا يوم الجمعة لكونه هو المتيسر لا لأنه يوم الجمعة.

بدليل: - أن إجازة هذا الموظف لو وافقت غير الجمعة لصامه أيضاً مما يدل على أنه لم يتقصد يوم الجمعة.


ففي هذه الصورة لا بأس إن شاء الله أن يصوم ولا حرج عليه.
= القول الثاني: أن صيام يوم الجمعة محرم.
- لقوله: (لا تصوموا). والأصل في النهي التحريم.
وإلى هذا ذهب شيخ الاسلام - رحمه الله - أخذاً بظاهر الحديث. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على بعض أزواجه وهي صائمة في يوم الجمعة فقال أصمت بالأمس قالت لا ثم قال أتصومين غداً قالت لا قال إذاً أفطري.
فأمرها بالفطر وقطع العبادة.
وهذا هو الراجح: أنه لا يجوز أن يتقصد الجمعة لأن هذا فيه محادة للشارع. فإن الشارع ينهى عن تقصد صيام يوم الجمعة وهو يتقصد صيام يوم الجمعة فالأقرب ما قاله شيخ الاسلام - رحمه الله - أنه محرم.
• ثم قال - رحمه الله -:
والسبت.
يعني: ويكره إفراد السبت بالصيام.
والدليل على كرهية إفراد السبت بالصيام:
- ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم).
وتزول الكراهة بأن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.
بدليل: - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نهى عن صيام يوم الجمعة أمر بأن يصام معه يوم قبله أو يوم بعده واليوم الذي بعده هو السبت.
= والقول الثاني: وإليه ذهب جماهير علماء المسلمين: أن صيام السبت على سبيل الإفراد أو التبع جائز ولا حرج فيه.
وإلى هذا ذهب عدد من المحققين الأفذاذ منهم شيخ الاسلام بن تيمية - رحمه الله -.
وأجابوا عن الحديث الذي فيه: لا تصوموا يوم السبت. بأنه حديث شاذ منكر ولا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن ثبت فهو منسوخ.
لكن الجواب الصحيح عندي أنه حديث ضعيف ضعفه عدد كبير من الحفاظ منهم: الإمام أحمد والإمام مالك والإمام النسائي وغيرهم من الحفاظ.
وقد أبعد جداً من صحح هذا الحديث من المعاصرين وخالف ما عليه جمهور الأئمة من تضعيف هذا الحديث.
فالراجح بناء على التقرير جواز إفراد السبت بالصيام.
فلو أراد الإنسان أن يصوم السبت فقط تطوعاً لله وتقرباً فلا حرج عليه.
• ثم قال - رحمه الله -:
والشك.
يعني: يكره أن يفرد الإنسان صيام يوم الشك.
ونحتاج إلى مسألتين: الأولى: ما هو يوم الشك؟. والثانية: الدليل.


- فالمسألة الأولى: ما هو يوم الشك: = عند الحنابلة هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء صحو ولم ير الهلال.
فحكم صيامه: أنه مكروه.
= القول الثاني: أن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كان على السماء غيم أو قتر أو غبار.
والراجح هو القول الثاني: - لأن يوم الثلاثين إذا كانت السماء صحواً ولم ير الهلال فلا يوجد شك بل الأمر متضح أن شهر رمضان لم يدخل.
- والمسألة الثانية: الدليل على الكراهة.
- الأول: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين).
ومن صام يوم الشك فقد تقدم رمضان إما بيوم أو بيومين.
- والثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -:من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصا أبا القاسم.
وصيام يوم الشك مكروه عند الحنابلة.
= والقول الثاني: أنه محرم.
- لأن المعصية في لفظ الشارع لا تكون على المكروه بل على المحرم.
ويقصد بالنهي عن صيام يو م الشك إذا صامه الإنسان احتياطاً لرمضان.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويحرم: صوم العيدين ولو في فرض.
يعني: ويكره إفراد العيد للكفار بصوم.
يكره للإنسان أن يفرد يوماً من أيام السنة يوافق عيداً من أعياد الكفار بالصيام.
والدليل على الكراهة:
- الأول: أن في إفراد هذا اليوم تعظيماً لشعائر المشركين والكفار ولا يجوز للمسلم أن يعظم شعائر الكفار.
- والثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من تشبه بقوم فهو منهم). وهذا قد تشبه بهم بتعظيم يوم يعظمونه.
والذي يظهر من الأدلة أن إفراد يوم من أيام الكفار بالصيام محرم وليس بمكروه فقط لأن مقتضى الأدلة التي استدلوا بها أن هذا العمل محرم وليس بمكروه.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى الأيام التي يحرم على الإنسان أن يصومها:
• فقال - رحمه الله -:
ويحرم صوم العيدين ولو في فرض.
المقصود بالعيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى.
فلا يجوز للإنسان أن يصوم عيد الفطر ولا عيد الأضحى.
- لأنه ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيان يوم الفطر ويوم الأضحى.
فإن صام: فإن صيامه باطل. - لأنه منهي عن الصيام في هذين اليومين فصيامه فيها محادة للشارع.
قوله: ولو في فرض.


لأن الحديث عام لم يستثن أن يكون هذا الصيام قضاء لفرض معين أو لنذر معين أونفل أو أي نوع من أنواع الصيام.
• ثم قال - رحمه الله -:
وصيام أيام التشريق.
صيام أيام التشريق محرم.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله.
بناء على هذا:
من وجبت في ذمته كفارة صيام شهرين متتابعين فإنه يجب أن يفطر في أيام التشريق وهذا الفطجر لا يقطع التتابع لأنه لعذر شرعي.
كما أنه أيضاً يفطر في يوم العيد تماماً لأن صيام هذه الأيام محرم بنص الحديث. فقد جعلها الشارع من أيام الأكل والشرب فكيف يجعلها الإنسان من أيام الإمساك عن الأكل والشرب.
إذاً يحرم على الإنسان أن يصوم أيام التشريق.
يستثنى من هذا ما ذكره المؤلف - رحمه الله -:
• بقوله:
إلاّ عن دم متعة وقران.
إذا وجب على الإنسان في الحج دم متعة أو قران. يعني: من تمتع بالحج أو حج قارناً ووجبت عليه ذبيحة - دم - ولم يجد فإنه يجب أن يصوم فإذا وجب عليه الصيام جاز له أن يصوم في أيام التشريق.
- لقول عائشة رضي الله عنها لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي.
فهذا الحديث هودليل على تحريم صيامها وجوازه لمن لم يجد الهدي لأنها قالت لم يرخص. وتقدم معنا أن الرخصة تأتي في الأمر المحرم.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومن دخل في فرض موسع: حرم قطعه.
الفرض الموسع يقصد: بالموسع: يعني ك من جهة الوقت.
كالصلوات المفروضة في أول أوقاتها أو قضاء رمضان قبل أن يتضايق الوقت أو النذر المطلق فكل هذه الأشياء واجبة وجوباً موسعاً.
فإذا دخل الإنسان في هذا الواجب الموسع حرم عليه أن يقطعه.
والدليل على هذا:
- أنه شرع في الواجب فلا يجوز له أن يقطعه.
- ولقوله تعالى: - (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) -[محمد/33].
فإذا بدأ الإنسان بالصيام حرم عليه أن يقطعه إذا كان قضاء أو نذر وإذا بدأ الإنسان بالصلاة وشرع فيها وكبر تكبيرة الإحرام فإنه يحرم عليه أن ينفتل من صلاته بل يجب عليه وجوباً أن يتم هذه الصلاة فإن قطعها فهو آثم لأن قطع العبادة الواجبة إذا شرع فيها الإنسان محرم ومن فعل محرما أثم.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا لايلزم: في النفل.


أي ولا يلزم الإنسان إذا شرع في النفل أن يتمه.
فقوله: (ولا يلزم) يعني: الإتمام.
سواء كان هذا النفل صلاة أوصيام أو صدقة أو ذكر أن تسبيح أو أي نوع من أنواع العبادات.
والدليل على ذلك:
- ما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على عائشة فقالت أهدي لنا حيس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أرنينيه فقلد أصبحت صائماً.
ففي هذا الحديث دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عزم على صيام النفل ومع ذلك أفطر وأكل من هذا الطعام الذي أهدي لهم - صلى الله عليه وسلم - فدل هذا الحديث على أن الإنسان إذا بدأ بالنفل لا يجب عليه أن يقطعه.
وهذا الحديث وإنكان في الصيام إلا أنه يقاس عليه كل العبادات.
لكن ذهب الحنابلة إلى أن من شرع في نفل فيستحب له أن لا يقطعه مع الجواز.

ثم قال - رحمه الله -:
ولا قضاءُ فاسده.
أي لا يجب قضاء فاسد العبادة التي دخل فيها الإنسان على سبيل التنفل.
فلا يجب أن يتمها زلا يجب أن يقضيها إذا فسدت.
والدليل على هذا:
- أن ما كان أصله ليس واجباً فلا يجب قضاء فاسده.

• ويستثنى من هذا الحج كما قال المؤلف - رحمه الله -:
إلاّ الحج.
ويستثنى الحج في المسألتين:
فيجب إتمام نفله.
ويجب قضاء فاسده.
إذاً الاستثناء بالنسبة للحج يرجع إلى المسألتين: الإمام والقضاء.
وسيأتي مفصلاً في الحج إن شاء الله.

ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى الكلام عن ليلة القدر:
• فقال - رحمه الله -:
وترجى ليلة القدر: في العشر الأواخر.
ترجى ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان لما
- صح في البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تحروا ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان).
- ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم العشر الأول ثم الوسطى ثم في سنة لما صام الوسطى وكان في معتكفه رفع الستر عن خباءه وتحدث مع الناس حتى اجتمعوا ثم قال: إنه قد أوحي إليًّ أن أتحراها في العشر الأخير فمن اعتكف في الوسطى فليعتكف معنا إن شاء في الأخيرة).
فهذا الحديث نص مع الأحاديث السابقة على أن ليلة القدر يتحراها الإنسان في العشر الأخيرة من رمضان.

ثم قال - رحمه الله -:
وأوتاره آكد.


الأوتار من العشر الأخيرة: هي خمس ليال: وهي اللبالي الأوتار: ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين.
هذه الليالي أرجاها: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - تحروا ليلة القدر في الأوتار من العشر.
وهذا أيضاً حديث صحيح ثابت.
وعلى هذا جماهير الأمة أن ليلة القدر أرجى في الآحاد منها في غيرها من الليالي في الأشفاع من ليالي العشر.
ثم بعد أن خصص من رمضان العشر وخصص من العشر الأوتار خصص أيضاً أكثر من ذلك:
• فقال - رحمه الله -:
وليلة سبع وعشرين أبلغ.
قوله هنا: أبلغ: يعني: أرجى ولو أنه - رحمه الله - عبر كما عبر هو نفسه في الإقناع بقوله: أرجى فلو عبر بنفس تعبيره الآخر لكان أوضح وأسهل من قوله: أبلغ.
وعلى كل المعنى واضح: أن ليلة سبع وعشرين أبلغ.
والدليل على هذا:
- أنها أرجى ما ثبت في الحديث الصحيح أن أبي بن كعب - رضي الله عنه - كان يحلف ولا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين قيل له: ما علامة ذلك؟ قال: علامة ذلك: ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها تطلع الشمس صبيحة ليلة القدر بلا شعاع.
- وأيضاً ثبت عن ابن عباس أنها ليلة سبع وعشرين.
- وعن غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
= والقول الثاني: أنها ليلة إحدى وعشرين.
- لما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أريت أني أسجد في ماء وطين صبيحة ليلة القدر فلما أصبح من ليلة إحدى وعشرين سجد بعد أن أمطرت السماء فصار في جبهته وأنفه ماء وطين.
= والقول الثالث: أنها في ليلة ثلاث وعشرين.
- لما ثبت في الصحيح أيضاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أريت أني أسجد في صبحها بماء وطين فلما أصبح ليلة ثلاث وعشرين أمطرت السماء فسجد في الماء والطين - صلى الله عليه وسلم - فخرج وأثرهما على جبهته.
هذه الأقوال الثلاثة.
وفي تحديد ليلة القدر أقوال كثيرة جداً اكتفيت بثلاثة لوضوح الأحاديث فيها.
والصواب من هذه الأقوال أنها: تتنقل. فليست في ليلة واحدة دائماً بل كل سنة تكون في ليلة مختلفة.
والدليل على هذا:


- أنه لا يمكن الجمع بين النصوص الصحيحة الثابتة التي تعين ليلة القدر في أكثر من ليلة - دع عنك الضعيفة - إلا بهذا القول. فهي إذاً تتنقل.
وهذا القول من محاسنه أن الإنسان لا يجتهد في ليلة واحدة معينة بل يجتهد في جميع الليالي.
- - مسألة مهمة: يتحتم على الإنسان وينبغي ويتأكد أن يجتهد في كل العشر.
والسبب في ذلك: أن الليالي الآحاد أو الأفراد - الأوتار - تختلف بتمام الشهر ونقصانه.
فإذا تم صارت ليلة إحدى وعشرين هي ليلة إحدى وعشرين.
وإن نقص تغيرت فصارت الشفع هي ليلة الآحاد.
إذاً يختلف الأمر بين أن يتم الشهر وبين أن ينقص.
ولذلك قال شيخ الاسلام - رحمه الله -: ينبغي أن يجتهد الإنسان في جميع الليالي.
إذاً تبين من مسألتين: أن الإنسان ينبغي أن يجتهد جداً في جميع ليالي رمضان:
- الأولى: أنها تتنقل.
- والثانية: أن الآحاد تختلف بتمام أو نقصان الشهر.
فعلى الإنسان أن يجتهد في كل ليلة اجتهاده كأنها هي ليلة القدر.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويدعو فيها بما ورد.
مما ورد:
- ما جاء في حديث عائشة رضي اللهى عنها أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أقول إن وافقت ليلة القدر؟ فقال لها: قولي: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني). فهذا الدعاء مما ينبغي أن يتحراه الإنسان في ليلة القدر.
وبهذا الكلام انتهلا الكلام عن ليلة القدر.
وتبين من خلال النصوص كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ذنبه). تبين من هذه النصوص أن المندوب في ليلة القدر الصلاة والدعاء والاستغفار.
وأنه لم يأت نص صحيح ولا ضعيف يدل على استحباب العمرة في ليلة القدر بالذات سواء قلنا أنها ليلة سبع وعشرين أو غيرها من الليالي.
وقد نبه شيخنا - رحمه الله - هذا التنبيه المهم جداً وهو أن تحري ليلة القدر بالعمرة قد يكون بدعة. لأنه تخصيص بما لم يأت دليل من الشارع يدل على تخصيصه.
العمرة خصت في شهر رمضان. (عمرة في رمضان تعدل حجة معي) ىما في ليلة القدر فليس في النصوص ما يدل على أنها مستحبة أو مندوبة فإذا رأى الإنسان أنه يستحب تخصيص هذه الليلة بالعمرة فقد ابتدع.


فهذه من المسائل المهمة في الحقيقة لا سيما في وقتنا هذا مع تيسر الوصول إلى الحرم والتي ينبغي على طالب العلم أن ينبه الناس إليها.