شرح زاد
المستقنع للخليل كتاب الديات
الدرس: (1) من الديات
الديات: جمع دية ومعنى وداه يعني دفع ديته.
وأما في الشرع: هو المال المدفوع للمجني عليه أو لوليه مقابل الجناية.
للمجني عليه: في الأطراف والجروح , ولوليه: يعني في النفس والدية مشروعة
بالكتاب والسنة والإجماع. ولم يختلف الفقهاء في وجوب الديات لصراحة الأدلة
فيها كقوله {فدية مسلمة إلى أهله} [النساء/92] وكما سيأتينا في قصة
الهذليتين فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالدية على العاقلة.
وأما الإجماع فهو محكي من أكثر من واحد أنه أجمعوا على وجوب الديات إنما
الخلاف في التفاصيل.
قال - رحمه الله - (كل من أتلف إنسانا)
مقصود المؤلف بالإنسان هنا يعني معصوم الدم كالمسلم والذمي والمعاهد
والمستأمن. ولا يدخل فيه الحربي ومقصود المؤلف كل من أتلف نفسا يعني أو بعض
نفس ولو صرح به لكان أوضح يعني أو بعض نفس فإنّ الدية كما تجب في النفس تجب
في بعضها.
قال - رحمه الله - (بمباشرة أو سبب)
أفادنا المؤلف أنّ الجناية قد تكون بمباشرة وقد تكون بسبب فمن أمثلة
المباشرة أن يطعنه بسكين أو يقطع طرفه بسيف وأما السبب فكأن يحفر له حفرة
فيها حية أو فيها أسد. فالقتل إذا كان بمباشرة أو بتسبب فعلى القاتل
الضمان.
مسألة / فإذا اجتمع مباشر ومتسبب فالقاعدة
العامة ويستثنى منها صور ستأتينا [أنه إذا اجتمع مباشر ومتسبب فالضمان على
المباشر] فإذا حفر زيد حفرة ودفع عمرو خالدا فالضمان على عمرو لأنه
المباشر. إذا القاعدة العامة أنه إذا اجتمع مباشر ومتسبب فالضمان على من
على المباشر دون المتسبب ويستثنى من هذا صورة هي قاعدة [أنه إذا لم يمكن
تضمين المباشر] وقول بعض الفقهاء إذا لم يمكن تضمين المباشر خير من
التفصيلات التي تشتت الذهن وإذا تأملت في هذه التفصيلات تجد أنّ جميع هذه
التفصيلات ترجع إلى هذه القاعدة لا يمكن أن تخرج عن هذه القاعدة وهي أنه لا
يمكن تضمين المباشر. ذكر الشيخ الحافظ العلامة الفقيه الكبير ابن رجب. في
القواعد هذه القاعدة إذا اجتمع مباشر ومتسبب وذكر أيضا الاستثناء وهي الصور
التي لا نضمن فيها المباشر وذكر بحث طويل فيها خلاصة هذا البحث أنه لا يمكن
أنه يستثنى من هذه القاعدة الصور التي لا يمكن فيها تضمين المباشر. من
أمثلة عدم التضمين أن يدفع شخص شخصا في حفرة أسد فالمباشر للإهلاك هو الأسد
, لكن لا يمكن تضمين الأسد لأنه بهيمة وكأن يربط الإنسان شخصا ويلقيه في
البحر فالموت الآن كان بسبب الغرق ولا يمكن تضمينه من البحر لأنه جماد ,
وهكذا كل مسألة لا يمكن فيها تضمين المباشر فالضمان على ماذا؟ على المتسبب.
قال - رحمه الله - (لزمته ديته)
للأدلة السابقة فإنّ الأدلة السابقة دالة على وجوب الدية وهي عامة تشمل
المباشر والمتسبب.
قال - رحمه الله - (فإن كانت عمدا محضا)
إذا كانت الجناية عمدا محضاً يعني وعفا المجني عليه أو وليه فالواجب حينئذ
الدية.
يقول الشيخ - رحمه الله - (ففي مال الجاني)
إذا كانت الدية عن جناية عمد فهي في مال الجاني لأمرين: الأمر الأول: أنّ
الأصل في الإتلافات أنّ الضمان فيها على المباشر.
الثاني: أنّ الدية إنّما كانت على العاقلة في الخطأ وشبه العمد لمناسبة
التخفيف لعدم وجود القصد وهذا المعنى مفقود في العمد ولهذا صارت الدية في
مال الجاني.
يقول الشيخ - رحمه الله - (حالة)
الدية حالة في مال الجاني ولا تؤجل كما في
العمد فكما في الخطأ وشبه العمد وسيأتينا الكلام عنها. تكون حالة لما تقدم
أنّ التأجيل في الخطأ وشبه العمد كان لمعنى المراعاة للعاقلة حيث أنّ
العاقلة هذا إحسان منهم وصلة كما أنّ فيه مراعاة للجاني لأنه لا قصد له في
الجناية وهذان المعنيان مفقودان في العمد لأنّ الذي يدفع هو الجاني وليس
العاقلة ولأنه قصد إيقاع الجناية ولم تقع منه خطأ ولهذا تكون حالة.
قال - رحمه الله - (وشبه العمد)
شبه العمد تكون الدية على العاقلة وإلى هذا ذهب الحنابلة والمالكية
والشافعية. واختاره أيضا ابن المنذر وهو مذهب الجمهور واختيار بعض
المحققين. واستدلوا على هذا بأنّ في قصة الهذليتين أنّ إحداهما رمت بحجر
على بطن الأخرى فقتلت الأخرى وما في بطنها فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم
- بالدية على العاقلة وهذا الحديث صحيح وإشكال فيه. فالقتل الذي في هذا
الحديث هو من باب شبه العمد لماذا؟ لأنه لا قصد وأن يكون بآلة لا تقتل
غالباً , فالحجر هل يقتل غالبا؟ لا يقتل غالبا فإذا تبيّن أن الجناية في
الحديث شبه عمد ومع ذلك جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الدية على
العاقلة.
والقول الثاني: للأحناف ومال إليه ابن القيم أنّ الدية في مال الجاني في
شبه العمد واستدل على هذا بأنّ شبه العمد يشترك مع العمد في ماذا؟ في القصد
فناسب أن تكون الدية على الجاني لا على العاقلة, وكلامه وجيه لولا النص
الصحيح الذي جعل الدية على العاقلة ولهذا نقول الراجح إن شاء الله مذهب
الجمهور.
قال - رحمه الله - (والخطأ)
أيضا الدية فيه على العاقلة وهذا محل إجماع لم يختلفوا فيه ولله الحمد إنما
الاختلاف في شبه العمد.
يقول - رحمه الله - (على عاقلته)
سيخصص المؤلف باب كامل للعاقلة سيأتينا من هم العاقلة ولماذا سموا بهذا؟
وكيف تجعل عليهم الدية لكن الذي يعنينا الآن أنّ الدية على العاقلة مؤجلة
إجماعاً والتأجيل لمدة ثلاث سنوات , والدليل على هذا أنهم حكم به أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
وأيضا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فالدية مؤجلة بالنسبة للقتل الخطأ
وشبه العمد.
قال - رحمه الله - (فإن غصب حرا صغيرا)
قوله فإن غصب حرا صغيرا خرج به العبد والحر
الكبير , أما العبد فهو خارج لأنه مضمون على كل حال صغيرا كان أو كبيرا
لأنّ العبد هو مال والمال مضمون بالغصب مطلقا.
أما الكبير فإنه لا يضمن لأنّ الكبير يتمكن من تخليص نفسه ويتمكن من الفرار
ولهذا انحصر الحكم في الحر الصغير.
يقول - رحمه الله - (فإن غصب حرا صغيرا)
المقصود بالغصب هنا أن يأخذه إلى منزله ولو بغير قيد , فإذا أخذ صغيرا
ووضعه في غرفة فهو حينئذ غصبه يعني أخذه غصبا ولو تركه بغير قيد في البيت
فإذا هذا مقصود الحنابلة لأنه سيأتينا إذا قيّد الرِجل أو اليد له حكم آخر.
يقول الشيخ - رحمه الله - (فنهشته حية أو أصابته صاعقة)
إذا نهشته حية أو أصابته صاعقة فإنّ الضمان هنا على الغاصب لماذا؟ لأنّ
الوفاة كانت بسببه ونحن نقول أنّ الجناية إذا كانت بمباشرة أو تسبب فإنّ
الضمان يكون على المتسبب وهنا كان سببا لأنّ الصغير لا يتمكن من الفرار عن
الحية أو تفادي الصاعقة وحينئذ نقول الضمان على المتسبب. ووضع شيخ الإسلام
- رحمه الله - قاعدة وهي [أنه إذا مات الإنسان بسبب يتعلق بالبقعة فالضمان
على من حبسه فيها] فإذا حبسه في هذه البقعة وأصابه حية كما قال المؤلف -
رحمه الله - أو صاعقة أو كان هذا المكان معروفا بوباء فتاك يقتل بني آدم
وأصيب به فإنه يضمنه أيضا.
قال - رحمه الله - (أو مات بمرض)
يقول الشيخ إذا مات بمرض فهذه البقعة
المغصوب بها فإنّ الضمان على الغاصب وعللوا هذا بأنه مات تحت يده العادية
يعني مات بسببه فكان الضمان عليه والمؤلف خالف المذهب في هذه المسألة
فالمذهب أنه لا ضمان عليه لماذا؟ لأنّ الموت بسبب المرض لا يتعلق بالبقعة
فقد يموت في هذه البقعة أو في غيرها ويستثنى من هذا ما تقدم معنا وهو إذا
كان المرض خاص بهذه البقعة وهذا القول الثاني هو الراجح وبهذه المناسبة
المحقق وفقه الله استدرك على الشيخ علي الهندي والشيخ علي الهندي له نسخة
حقق فيها الزاد وذكر فيها أنّ هذه المسألة من المسائل التي خالف فيها
المؤلف المذهب وتعقبه المحقق وفقه الله بأنه لم يخالف والواقع أنّ الصواب
مع الشيخ علي الهندي فيما يظهر لي لأنّ الشيخ علي يقصد أنّ المؤلف خالف
المذهب في مسألة مات بمرض صحيح هذا خالف فيه المذهب وهذه المسألة خالف فيها
المذهب ولو رجع الإنسان إلى المنتهى والإقناع والإنصاف والمبدع وغيرها من
كتب الحنابلة لعلم أنّ الصواب مع الشيخ علي وهو أنّ المؤلف خالف المذهب ولا
يريد أنه خالف المذهب في مسألة (غلّ حرا مكلفا وقيّده) هذه ليست هي
المقصودة المقصود إذا مات بمرض وفعلا المؤلف خالف المذهب وهذا يؤيد أنّ
الشيخ المؤلف له اختيارات لكن هنا في الحقيقة لم يوفق فالمذهب في هذه
المسألة أصح وهي أنه إذا مات بمرض لا يختص بالبقعة فلا ضمان.
قال - رحمه الله - (أو غلّ حرا مكلفاً وقيّده)
القيد ما وضع في الرجِل , والغّل ما وضع في اليد. يقول الشيخ إذا غل حرا
مكلفا وقيّده فمات بالصاعقة أو الحية وجبت الدية فيهما.
فهم من كلام المؤلف أنه يجب ليكون الضمان على الجاني أن يربط يده ورجله فإن
ربط إحداهما فلا ضمان وهذا في مسألة الحية والصاعقة والتعليل أنه بربطه يدي
ورجلي المجني عليه صار سببا في موته لأنه مع الربط لن يتمكن من تفادي الحية
ولا الصاعقة وقول الشيخ - رحمه الله - فيهما أي دون المرض فالمرض لا يجب
ضمانه , لأنه إذا ربط يده ورجله وأصيب بمرض فإنه مات لا بسبب الربط ولو أنّ
الحنابلة ذكروا قاعدة أسهل من هذا فقالوا إذا مات بسببه فإنّ الضمان عليه
وهذا يتناول المرض والحية وغيرها مثال هذا.
من أصيب بربو مزمن والدواء على الطاولة وهو
مربوط إلى الجدار بيده ورجله ثم مات بسبب الأزمة فهل مات بحية أو صاعقة أو
مرض
مقتضى كلام الحنابلة لا ضمان والواقع أنّ الضمان واضح لأنّ الموت كان بسبب
الربط لا بسبب المرض مجردا.
أي قضية أنه يشترط ربط اليد والرجل أيضا منازعة فيها إذ قد يموت بسبب ربط
اليد فقط وقد يموت بسبب ربط الرجل فقط , فإذا جاءت الحية فتفادي الحية
باليد وبالرجل؟ باليد والرجل لكن الغالب في تفاديها يعتمد على الرجل لأنه
يهرب عنها أنت تهرب بأي وسيلة. الحريق إذا شبّ في الغرفة فتفادي الحريق
غالبا باليد أو بالرجل؟ باليد لأنه يستطيع أن يفتح الباب بينما لو ترك
رجليه بغير قيد
وقيّد يديه فإنه لا يستطيع أن يفتح الباب مهما كان حاذقا برجله. إذا لو قال
المؤلف قاعدة أنه إذا مات بسببه يعني بسبب حجزه في هذه البقعة صغيرا كان أو
كبيرا فعليه الضمان ولسنا بحاجة إلى هذا التفصيل أليس كذلك؟ وهذا ما جنح
إليه شيخ الإسلام في المسألة الأولى وهي أنه وضع ضابط [أنه الموت إذا كان
بسبب البقعة فالضمان على الحابس] الصور لا تنتهي.
فصل
هذا الفصل خصصه المؤلف للكلام عن مجموعة من المسائل الأخرى تتعلق غالبا
بأفعال مؤذون فيها. في بعضها تجب الدية وفي بعضها لا تجب الدية يعني الضمان
حسب ملابسات القضية.
قال - رحمه الله - (وإذا أدب الرجل ولده , أو سلطان رعيته أو معلم صبيَّه
ولم يسرف لم يضمن ما تلف به)
القاعدة أنه إذا مارس من له الحق في التأديب حقه في التأديب وترتب على هذا
التأديب تلف فإنّ المؤدب لا يضمن.
يقول المؤلف - رحمه الله - (ولم يسرف لم يضمن)
إذا لا يضمن لأنّ له الحق في ممارسة هذا التأديب إلاّ إذا أسرف والإسراف
يكون بأحد أمرين:
1 - إما أن يزيد عن الحد المعقول في طريقة التأديب من حيث العدد والآلة.
2 - أو أن يستمر في التأديب مع حصول
المطلوب بدونه. مثال هذا وهذا المثال للتوضيح , إذا كان هذا الصبي يحتاج في
التأديب إلاّ أن يضرب ثلاث مرات فالإسراف يكون بأحد أمور. إما أن يستخدم
آلة عنيفة في للضرب أو أن يضربه كم؟ أكثر من ثلاث أو أن يستخدم آلة مناسبة
إلاّ أنه يشدد في الضرب فالخلل يكون بأحد هذه الثلاثة أمور فإذا حصل منه
خلل فإنه يضمن لأنه جاوز حقه إلى ما لا يجوز له فيه فضمن وإنما الشارع أباح
له قدرا معينّا فقط.
قال - رحمه الله - (ولو كان التأديب لحامل فأسقطت جنينا ضمنه المؤدب)
إذا كان التأديب لحامل وأسقطت فإنّ المؤدب يضمن وظاهر كلام المؤلف يضمن
مطلقا ولو لم يتعدى لأنّ التأديب تجاوز الأم إلى الولد وهذا من الإسراف
ولأنّ عمر بن الخطاب دعا بامرأة فلما بلغها أنّه يريدها عمر بن الخطاب
أسقطت فاستشار عمر - رضي الله عنه - الصحابة فأفتوه بأنّ عليه الدية فدل
على وجوب الضمان في مسألة الحامل. الأثر والتعليل فالحقيقة لم أرى في هذه
المسألة خلاف لكن لو قيل أنه إذا أدبّها تأديبا يتناسب مع الحامل من غير
زيادة فإنه لا ضمان كان هذا القول هو المتناسب مع تقريرات الفقهاء الباقية
ونحن نشترط أن يكون التأديب يتناسب مع الحامل فإذا أدبّها مثله لا تسقط معه
الحامل فأي جناية من المؤدب لكن كأنّ الفقهاء يرون أنه إذا تجاوزت الجناية
إلى غير المؤدَب فهنا حصل إسراف هكذا يرون لكن إن قيل بهذا القول فهو القول
الراجح إن شاء الله.
الدرس: (2) من الديات
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المؤلف - رحمه الله - في مسائل الفصل الذي عقده في بعض التصرفات التي
تكون في بعض الصور المضمونة والتي في بعضها لا تضمن يقول (ولو كان التأديب
لحامل فأسقطت جنينا ضمنه المؤدب) هذه انتهينا منها.
ثم - قال رحمه الله - (وإن طلب السلطان امرأة لكشف حق الله)
أي فأسقطت فإنه يضمن إذا طلب السلطان المرأة لحق الله أو لحق آدمي ثم أسقطت
فإنه يضمن هذا الجنين وعلة التضمين الأثر المروي عن أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب - رضي الله عنه - أنه استدعى امرأة فأسقطت فسأل أصحاب النبي - صلى
الله عليه وسلم - واتفقوا على التضمين , فهذا الدليل يدل على تضمين السلطان
ويستوي في هذا ما إذا كانت المرأة ظالمة أو مظلومة.
ثم - قال رحمه الله - (أو استعدى عليها رجل
بالشُرط في دعوى له فأسقطت)
إذا استعدى رجل على امرأة ورفع عليها دعوى وطلبت في مجلس الحكم فإنها إذا
أسقطت بسبب هذه الدعوى فإنّ المدعي يضمن واشترط المؤلف شرطا وهو أن يصاحب
الدعوى من القرائن ما يدخل خوف على المرأة وهذا الذي عبر عنه بقوله
بالشُرط. وهذا القيد ذكره الشيخ المجد ابن تيمية وعنه نقل المؤلف وغيره من
الحنابلة لم يذكر هذا القيد بل بمجرد أن تدعى إلى مجلس الحكم بسبب دعوى
فإنّ مقيم الدعوى يضمن والذي يظهر أنّ ماذكره الشيخ المجد أولى لأنّ مجرد
الدعوى عادة لا تسبب الإسقاط. لكن إذا كان مع هذه الدعوى شُرط وهيئة تدخل
الخوف على نفس المرأة ثم أسقطت بسبب هذا فإنه يضمن.
يقول - رحمه الله - (ضمنه السلطان والمستعدي)
ضمنه السلطان يعني في الصورة الأولى والمستعدي يعني في الصورة الثانية هذا
هو الحكم وقد ذكرناه أنه عند الحنابلة يضمن لأنّ الإسقاط صار بسبب هذه
الدعوى.
ثم - قال رحمه الله - (ولو ماتت فزعا لم يضمنا)
لما بيّن المؤلف أنها إذا أسقطت فإن الجنين يضمن أراد أن يبّين أنها لو
ماتت هي بنفسها فإنها لا تضمن واستدل الحنابلة على هذا بأنّ مثل هذه الدعوى
لا تقتل عادة والمؤلف - رحمه الله - خالف المذهب في هذه المسألة والمذهب
وهو القول الثاني: أنها تضمن لأنها ماتت بسبب الدعوى فصار الداعي سواء كان
الحاكم أو المستعدي سببا في الموت فضمن.
والقول الثالث: أنّ هذه المرأة تضمن إذا كانت مظلومة إذا دعيت وهي مظلومة ,
ولا تضمن إذا دعيت وهي ظالمة. واستحسن هذا القول بعض محققي الحنابلة كالشيخ
ابن قدامة وهو قول قوي ووجيه تفريق بين أن تكون ظالمة أو مظلومة.
قال - رحمه الله - (ومن أمر مكلفا أن ينزل بئرا , أو يصعد شجرة فهلك به لم
يضمنه)
إذا أمر شخص آخر وكان المأمور مكلفا بأن
يصعد إلى الشجرة أو فوق الشجرة أو ينزل في البئر فإنه إذا صار الصعود أو
النزول سببا في هلاكه فإنّ الآمر لا يضمن والسبب في هذا من وجهين: الأول:
القياس على الاستئجار فإنه إذا استأجر شخص شخصا وهلك المستأجر فإنه لا ضمان
على المستأجِر.
الدليل الثاني: أنه ليس من الآمر جناية ولا تعدي غاية ما هنالك أنه أمره أن
يصعد الشجرة وهو مكلف بالغ عاقل يعرف ما يضره فيجتنبه فلم يحصل منه تعدي
فهم من كلام المؤلف انه لو كان المأمور غير مكلف صغير فإنّ الآمر يضمن لأنه
بأمره للصغير في صعود الشجرة عرضه للهلاك فصار سببا في الجناية. صحيح لأنّ
هذا نوع من التغرير بالصغير , ويستثنى من هذا الأوامر التي تعورف عليها
اعتاد الناس عليها عرفا فإنه إذا أمر الطفل بشيء جرى العرف بأمره به فإنه
إذا هلك الطفل فإنه لا يضمن أي الآمر. وإلاّ فالأصل الضمان.
قال - رحمه الله - (ولو أنّ الآمر سلطان)
حتى لو كان الآمر هو السلطان يعني الحاكم بسلطته فإنه لا يضمن والسبب في
هذا هو التعليل الأول: أنه ليس من السلطان جناية ولا تعدي وإنما أمره فأطاع
وهو كبير ومكلف.
والقول الثاني: أنه إذا كان الآمر هو السلطان أي الحاكم فإنّ المأمور إذا
أصيب بجناية فعلى الحاكم الضمان واختار هذا القول من الحنابلة الشيخ الكبير
الفقيه القاضي أبو يعلى وتعليل ذلك أنّ في أمر السلطان من حيث هو نوع من
الإجبار , إذ جرت العادة أنّ السلطان لا يخالف أمره هيبة أو رغبة فصار في
هذا الأمر نوع من الإجبار فضمن.
والقول الثالث: أنه يضمن أي الحاكم إن أجبره ولا يضمن إن لم يجبره , وفي
الحقيقة أقرب الأقوال والله أعلم اختيار القاضي أبي يعلى والسبب في هذا أنّ
الأصل في أمر الحاكم أنه غالبا ما يكون على سبيل الإلزام ويندر ويبعد ويكاد
لا يوجد أن يأمر السلطان أحدا ثم لا يستمع لهذا الأمر أو ينقاد فصار في هذا
نوع من الإجبار فيكون عليه الضمان , لكن هل الضمان في مال الحاكم أو في بيت
المال.
الصواب أنه إن كان الأمر لقضية تتعلق بمصالح المسلمين فالضمان في بيت المال
وإذا كان الأمر لشيء شخصي فالضمان في مال الحاكم
قال - رحمه الله - (كما لو استأجره سلطان
أو غيره)
هذا التعليل لعدم ضمان السلطان وهو القياس على ما لو استأجره السلطان فإنّ
السلطان لو استأجر شخصا لبناء أو ليصعد شجرة أو لينزل إلى بئر ثم مات فإنه
لا ضمان لأنّ الأصل كما تقدم معنا أنّ المستأجِر لا يضمن الجناية على
المستأجَر التي بسبب العمل التي استأجره من أجلها. فهذا هو دليل الحنابلة
وتقدم معنا أنّ هذا صحيح لولا شبهة الإلزام.
باب مقادير ديات النفس
قال رحمه الله باب مقادير ديات النفس يعني باب لبيان مقادير ديات النفس
وسيخصص المؤلف بابا آخر مستقل لديات ما دون النفس
وقوله باب مقادير / مقادير جمع مقدار والمقدار هو مبلغ الشيء وقدره مقدار
الشيء هو مبلغه وقدره
بدأ المؤلف كما هو المنطقي بدية الحر المسلم
فقال - رحمه الله - (دية الحر المسلم مائة بعير , أو ألف مثقال ذهبا أو
اثنا عشر ألف درهم أو مائتا بقرة أو ألفا شاة)
اعتبر المؤلف أنّ هذه الأجناس الخمس هي مقادير الديات هنا نحتاج الدليل على
كل واحد من هذه الأجناس فنبدأ بالإبل.
الإبل من أجناس الدية بالنص والإجماع لا إشكال فيها ولله الحمد. أما النص
ففي حديث عمرو بن حزم يقول - صلى الله عليه وسلم - ودية النفس المؤمنة مائة
من الإبل.
وفي حديث جابر قال قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الدية أنّ فيها مائة
من الإبل أو مائتي حلة أو مائتي من البقر أو ألفين من الغنم فهذا الحديث
ذكر البقر والغنم والحلل والإبل. لكن هذا الحديث فيه ضعف.
أما البقر والغنم فالدليل عليها حديث جابر هذا , لكن البقر والغنم من
مفردات الحنابلة لم يوافق الحنابلة أحد على إدخال البقر والغنم ضمن أجناس
الدية.
بقينا في الذهب. الذهب صحيح ثبت في حديث عمرو بن حزم أنه ذكر أنّ الدية من
الذهب ألف مثقال.
بقينا في الفضة. الفضة جاءت في حديث عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده وجاءت أيضا في رواية لحديث جابر. الآن اكتملت الخمس
أجناس في الديات سيذكر المؤلف مسألة مهمة جدا سنتحدث عنها وهي الأصل في
الدية هل الأصل الإبل أو الأصل الخمس لكن قبل أن ننتقل لهذا أحب أن نتدارس
في قضية أخرى وهي مسألة قيمة مائة من الإبل. مجلس القضاء الأعلى في
السعودية نظر مرتين في قيمة الإبل. المرة الثانية المعتمدة أنا سأذكر لكم
الآن ماذا خلص المجلس؟ المرة الثانية كانت في سنة 1401 هـ نحن الآن في صدد
بيان قيمة المائة من الإبل باعتبار أنه في وقتنا هذا الديات لا تدفع من
الإبل وإنما تدفع قيمة الإبل في سنة 1401هـ نظر مجلس القضاء الأعلى في دية
شبه العمد والعمد , وبعد المدارسة وسؤال أهل الخبرة قضى إلى أنّ دية شبه
العمد مائة وعشرة آلاف , ودية الخطأ مائة ألف وهذا التقدير مازال يعمل به
إلى وقتنا هذا لكن في الحقيقة لما قرأت بيان مجلس القضاء الأعلى الصادر في
هذه السنة 1401هـ أشكل عليّ جدا اختلاف الأسعار فلما سألت وجدت أنه هناك
فارق كبير نحن الآن سنذكر مقادير هي من باب المدارسة وأما في باب القضاء
فهم يحكمون بما يرون أنه مناسب لكن نحن الآن في باب المدارسة وتقرير الفقه
فقط. الناس الذين يتعاملون بالإبل أربعة أجناس
الجنس الأول: القصابين. الذين يبيعون اللحم. الثاني: قالوا الشريطية اللي
يبيعون ويشترون في الإبل. الجنس الثالث: الدلالين. الدلال هذا هو ما يملك
ولكنه يسعى في بيعها , الأخير جنس يسمونهم المربية. كم صار أجناس الناس
أربعة سألت أنا هؤلاء جميعا يعني نأخذ المتوسط من أسعار هؤلاء جميعا حتى
إذا قلت مثلا قيمة الواحدة من الإبل كذا ما تقول هي قيمته عند أصحاب اللحوم
ولا قيمته عند المربين الجواب أنه قيمته المتوسط هذا واحد.
اثنين: السؤال سألت بعد ارتفاع الأعلاف في سنة 1427هـ 1428هـ ارتفعت
الأعلاف بشكل ملحوظ وأنا سألت سنة 1428هـ بعد ارتفاع الأسعار. هذا اثنين.
ثلاثة: سألت عن قيم الإبل المتوسطة لا قيم
الإبل المرتفعة الثمن ولا الإبل منخفضة الثمن يعني تجنبنا تماما هذه اللي
يسمونه المزايين لأنّ هذا غير شيء آخر إنما أخذنا الذي يتعامل به الناس
والوسط من أيضا طيب النتيجة تبيّن لي أنه قيمة بنت المخاض ألفين ومائتين
وبنت اللبون ثلاثة آلاف وخمسمئة والحقة أربعة آلاف والجذعة أربعة آلاف
وخمسمائة. فإذا أردنا أن نأخذ قيمة المائة من كل واحد عشرين كما سيأتينا
الآن سيكون مبلغ كبير جدا , ثلاثمائة وثمان عشرين ألف هذا يقابل التقدير
المعمول به مائة ألف وهذا فارق كبير على أنه في الحقيقة أنا سعيت قدر
المستطاع أني آخذ الوسط وأتحرى قدر الإمكان وكانت النتيجة هو هذا ما سمعت
فأنا أرى أنه ينبغي إعادة النظر في القضية المائة ألف هذه فهي إجحاف
بالجاني ولا المجني عليه؟ المجني عليه فأنت تعطيه ثلث حقه في الواقع.
لاسيما على القول كما سيأتينا على قول بعض الفقهاء الذين يجعلون هي الأصل
في الديات على هذا القول يكون في إجحاف واضح جدا فأنتم الآن سمعتم كيفية
هذا التقدير والأجناس التي أخذت منها إلى آخره.
بنت المخاض ألفين ومائتين. وبنت لبون ثلاثة آلاف وخمسمائة. والحقة أربعة
آلاف والجذعة أربعة آلاف وخمسمائة. وهذه الأسعار يجزم كثير من أصحاب الصنعة
أنها أقل أيضا من الواقع يجزم بعضهم أنها أقل من الواقع فنحن أخذنا المتوسط
وعند بعض الناس نعتبر أخذنا أقل من المتوسط.
قال - رحمه الله - (هذه هي أصول الدية)
هذه مسألة مهمة. ما هو الأصل في الدية؟ فالحنابلة يرون أنّ الأصناف الخمسة
أصول في الدية. الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة.
استدلوا على هذه أصول بحديث جابر السابق فإنه ذكر هذه الأصناف واستدلوا
بحديث عمرو بن حزم فإنه ذكر نحوا مما ذكر في هذا الحديث.
والقول الثاني: أنّ أصول الديات الخمسة المذكورة عند الحنابلة مع إضافة
الحلل واستدلوا بحديث جابر ففيه ذكر الحلل واستدلوا بأن عمر بن الخطاب قضى
بالدية بالحلل هذا هو القول الثاني.
القول الثالث: أنّ الأصل في الدية الإبل والفضة والذهب فقط. لأنها المذكورة
في الأحاديث المشهورة ولأنّ حديث البقر والغنم والحلل ضعيف.
القول الرابع والأخير: أنّ الأصل في الدية
الإبل فقط. واستدل هؤلاء بدليلين: الدليل الأول: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوّم الديات على أهل البوادي
بالإبل. فإن غلت رفعها وإن رخصت نقصها. ففي الحديث الدلالة الصريحة على أنّ
القيمة تعرف بقيمة الإبل.
الدليل الثاني: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خطب في مكة ذكر أنّ
دية الخطأ مائة من الإبل.
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. حديث فيه اختلاف لكن يظهر لي الآن أنه
إسناده حسن والراجح القول الأخير وإن كنت أقول إنّ هذه المسألة فيها إشكال
وفي الأقوال قوة لاسيما القول قبل الأخير وهو اعتبار البقر والغنم والذهب
والفضة ففيه قوة واضحة جدا. أما الغنم والبقر والحلي ففي القول بها ضعف لكن
الخلاف في الحقيقة يدور بين الأصناف الثلاثة. فأقول مع كون الراجح القول
الأخير إلاّ أنّ المسألة قوية وفيها احتمال وليست من الوسائل التي يكون
فيها الراجح واضحا ظاهرا.
ثم - قال رحمه الله - (فأيها أحضر من تلزمه لزم الولي قبوله)
إذا أحضر الجاني الدية من أي صنف من الأصناف الخمس فإنه يلزم الولي أن يقبل
لأنها أصول وليس له أن يرفض ويشترط الإبل أو الغنم أو البقر ولو كان الجاني
من أهل صنف يختلف عن الصنف الذي أعطاه ولو كان المجني عليه من أهل صنف
يختلف عن الصنف الذي أخذه. يعني إذا كان الجاني رجل يملك الإبل ودفع الدية
من الفضة فيلزم ولي المجني عليه القبول أو لا يلزمه؟ يلزمه.
لو كان المجني عليه رجل راعي بقر يعني ماله
من البقر ودفع الجاني الدية من الإبل فإنه يلزمه أيضا أن يقبل لماذا؟ كل
هذا يعود إلى مسألة أنّ الأصول هي هذه الخمسة كلها. وعلى القول بأنّ الأصل
الإبل فإنه لا يلزمه أن يقبل وله أن يقول بل أريد مائة من الإبل لأنّ الإبل
هي الأصل في الدية وليس له أي للجاني أن يلزم الولي بأن يقبل بدل هذا الأصل
لأنّ هذا البدل يعتبر معاوضة ونحن قلنا أنّ المعاوضات لا تتم إلاّ بالرضا
وهنا لا رضا. إذا على القول الراجح إذا أحضر له مائة ألف ريال له أن يقول
أريد مائة من الإبل وإذا أحضر له من الفضة أو من الذهب أو من البقر أو من
الغنم فالأمر كذلك له أن يرفض وأن يقول لا أريد إلاّ مائة من الإبل.
قال - رحمه الله - (ففي قتل العمد وشبهه: خمس وعشرون بنت مخاض)
بدأ المؤلف ببيان أسنان الإبل في الديات. والدية تارة تكون مغلظة وتارة
تكون مخففة وبدأ الشيخ بالدية المغلظة وهي دية العمد وشبهه.
فقال أنّ دية العمد وشبهه مائة من الإبل هذا متفق عليه لكن كيف نقسم هذه
المائة يقول خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون ... الخ. أي أنها
تقسم أرباعا بهذه الأسنان. الدليل على هذا أنّ السائب بن يزيد حدّث أنّ
النبي - صلى الله عليه وسلم -
جعل الدية في العمد وشبهه على هذه الأصناف فذكر التربيع. - رضي الله عنه -
لكن هذا الحديث فيه ضعف.
القول الثاني: أنّ الدية المغلظة أثلاثا , ثلاثين حقة. وثلاثين جذعة.
وأربعون في بطونها أولادها. وهذا أغلظ بكثير من التقسيم الرباعي أليس كذلك؟
أولا جعل عدد الجذعة والحقة أكبر ثم ألزمه بأربعين في كل واحدة منها ولد.
الدليل على هذا أنه جاء في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده , وعمرو بن
حزم , وحديث ثالث , في ثلاثة أحاديث جاء التنصيص على أنها أثلاث وهذه
الأحاديث أصح بكثير من أدلة المذهب. ولهذا اختار هذا القول اثنان من محققي
الحنابلة الأول الزركشي. والثاني أبو الخطاب. وهذا القول الثاني
أصح إن شاء الله وهو التثليث لأنّ أحاديثه أصح وأثبت.
انتقل المؤلف إلى الدية المخففة وهي دية الخطأ. فذكر أنها تجب أخماسا.
قال - رحمه الله - (وفي الخطأ: تجب أخماسا,
ثمانون من الأربعة المذكورة , وعشرون من بني مخاض)
يعني تكون الدية عشرون بنت مخاض. وعشرين بنت لبون. وعشرين حقة. وعشرين
جذعة. وعشرين بني مخاض. من كل واحد عشرين. الدليل أولا إلى هذا ذهب الأئمة
الأربعة التخميس مذهب الأئمة الأربعة. واستدلوا على هذا بحديث ابن مسعود -
رضي الله عنه - مرفوعا أنه ذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا
التخميس. وحديث ابن مسعود روي أيضا موقوف والموقوف أصح.
القول الثاني: أنها أرباع كدية العمد وهو قول ضعيف يخالف النصوص. نحن قلنا
أنّ تقسيم دية الخطأ أخماس مذهب الأئمة الأربعة أليس كذلك؟ إلاّ أنّ
المالكية والشافعية. يجعلون بدل عشرين بني مخاض. عشرين بنت لبون. وهذا أصعب
كأن يرون أنه أصعب سبب الخلاف بين الحنابلة والحنفية , والمالكية
والشافعية. أنه في حديث ابن مسعود الموقوف في بعض ألفاظه عشرين بنت لبون.
وفي بعض ألفاظه عشرين بني مخاض. إذا الترجيح بين القولين سيعود إلى الترجيح
بين اللفظين. والناظر في اللفظين يرجح أنّ الثابت عن ابن مسعود عشرين بني
مخاض فالحنابلة والحنفية أصح إذا التقسيم الرباعي من حيث هو متفق عليه لكن
اختلفوا هل هي بني مخاض أو بنت لبون.
قال - رحمه الله - (ولا تعتبر القيمة في ذلك)
يعني لا تعتبر القيمة عند اختيار جنس من الأجناس الخمسة فمثلا إذا جاء
بمائة من الإبل لا يشترط فيها أن تكون أقيامها ألف مثقال من الذهب ولا اثني
عشر ألف من الفضة لا يشترط ولو كانت أقل أو أكثر لماذا؟ لأنهم يرون أنّ كل
جنس من هذه الأشياء هو أصل بنفسه فلا يشترط المساواة كذلك لو أتى بألف
مثقال من الذهب لا يشترط أن تساوي قيمة مائة من الإبل. وهذا صحيح إذا قررنا
أنّ الأصول الخمسة كل واحد منها أصل بنفسه. وعلى القول بأنّ الأصل الإبل
حينئذ يشترط إذا جاء بأي جنس من الأجناس أن تكون قيمته مساوية لمائة من
الإبل.
ثم - قال رحمه الله - (بل السلامة)
بل تشترط السلامة يعني من العيوب فلا نشترط
القيمة بل نشترط السلامة , والدليل على هذا أنّ الأصل في إطلاق النصوص
السلامة من العيوب فإذا أمر بإعتاق عبد أو دفع دية من الإبل فالأصل في هذه
الأشياء أن تكون سالمة من العيوب لأنه مقتضى الإطلاق.
قال - رحمه الله - (ودية الكتابي: نصف دية المسلم)
في المقنع بعد أن ذكر دية المسلم الحر ذكر بعده دية المرأة المسلمة. والشيخ
هنا في الحقيقة خالف ولم يحسن. كان ينبغي أن يبدأ بدية المسلمين ثم يتكلم
عن دية غير المسلمين لكنه خالف الأصل ولو لم يخالف الأصل لكان أحسن. دية
الكتابي على النصف من دية المسلم
عند الجماهير والدليل على هذا أنه في حديث عمرو بن حزم أنّ النبي صلى الله
عليه وسلم قال ودية الكتابي على النصف من دية المسلم
والقول الثاني: أنّ دية الكتابي الذمي أو المستأمن أو المعاهد كدية المسلم
لأنه معصوم الدم كالمسلم والراجح الأول لأنّ النص فيه ظاهر قبل أن ننتقل
استدل الذين قالوا أنّ دية الكتابي كدية المسلم بدليل أيضا آخر قد يكون
أقوى من الدليل الذي ذكرت وهو أن الله تعالى قال {فدية مسلمة إلى أهله}
[النساء/92] وأنه ذكر هذا الحكم حين ذكر المسلم وحين ذكر الكتابي فدل على
أنّ الدية فيهما واحد وهذا استدلال بالمفهوم ونحن أخذنا مرارا وأخذنا أنّ
القاعدة أنّ المنطوق مقدم على المفهوم. وحديث عمرو بن حزم نص في أنّ دية
الكتابي على النصف من دية المسلم فلا يمكن العدول عنه لظاهر نص ولو كان هذا
النص من الكتاب.
قال - رحمه الله - (ودية المجوسي والوثني: ثمان مائة درهم)
يعني دية غير الكتابي. يقول الشيخ ديتهما ثمان مائة درهم. يعني كم من الدية
يعني ثلثا عُشر الدية الدليل قالوا أنه روي عن الصحابة - رضي الله عنهم -
أنّ هذا هو دية المجوسي كما أنّ الإمام أحمد يقول لا يكاد أن يختلفون في
دية المجوسي.
القول الثاني: أنّ ديته كدية الكتابي سواء
لأنّ في حديث عمرو بن حزم لما قال ودية الكتابي على النصف من دية المسلم.
في لفظ آخر للحديث ودية الكافر على النصف من دية المسلم. فقالوا ودية
الكافر هذا عام يشمل الكتابي وغيره من أصناف الكفار. والراجح القول الأول
بل في القول الثاني نوع شذوذ لمخالفته المروي عن الصحابة فالصحابة بيّنوا
أنّ المقصود بالكافر في حديث عمروبن حزم هو الكتابي.
قال - رحمه الله - (ونساؤهم على النصف كالمسلمين)
الآن ذكر دية المرأة يقول ونساؤهم على النصف كالمسلمين. يقول أنّ نساء أهل
الكتاب على النصف كنساء المسلمين. نبدأ بالأصل المقيس عليه وهو دية الحرة
المسلمة. دية الحرة المسلمة على النصف من دية المسلم عند الجماهير بل حكي
إجماعا ولم يخالف إلاّ من شذ
واستدل الجماهير بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ودية المرأة على النصف
من دية الرجل.
القول الثاني: المنسوب إلى الشذوذ , أنها كدية المسلم لقول النبي - صلى
الله عليه وسلم - وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل والمرأة نفس مؤمنة.
والجواب عن هذا الدليل أنّ هذا اللفظ في حديث عمرو بن حزم وفي آخره ودية
المرأة على النصف من دية الرجل ففي حديث واحد جاء دية النفس المؤمنة مائة
من الإبل , ودية المرأة على النصف من دية الرجل , فدل هذا على أنّ المراد
بالنفس المؤمنة هنا الرجل كما أنّ القول الثاني شاذ والشذوذ من أدلة الضعف
ففي هذا علامة على ضعفه. فالراجح إذا إن شاء الله أنها على النصف. أما دية
المرأة الكافرة فهي على النصف بلا إشكال من أهل دينه. ولعله ليس في هذه
المسألة خلاف لأنّ الخلاف كان بسبب دية النفس المؤمنة وهذه ليست مؤمنة فهي
على النصف من دية الرجل من دينها إذا لا إشكال في المرأة الكافرة وإنما
الخلاف وإن كان خلافا شاذا إنما هو في دية المسلمة.
ثم - قال رحمه الله - (ودية الرقيق قيمته)
دية الرقيق قيمته ودية الرقيق تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: إما أن تكون
قيمته أقل من دية الحر. فإذا كانت قيمته أقل من دية الحر فديته قيمته
بالإجماع.
القسم الثاني: أن تكون قيمته أكثر من دية
الرجل الحر كأن يقتل عبد قيمته ألفي مثقال من الذهب أو عشرين ألف درهم ,
المهم أكثر من دية الرجل الحر المسلم فديته قيمته على المذهب ولو زادت عن
دية الحر. لأنّ النظر في العبد إلى قيمته كسائر الأموال.
والقول الثاني: أنه لا يزاد في ديته عن دية الحر لأنّ الحر أشرف فكيف تكون
دية العبد أكثر والراجح القول الأول بلا إشكال.
قال - رحمه الله - (وفي جراحه ما نقصه بعد البرء)
يعني إذا أصيب العبد بجراح فدية الجراح بحسب ما نقص من قيمته بعد البرء ,
فإذا كانت قيمته قبل الإصابة مائة ألف وقيمته بعد الإصابة والبرء خمسون ألف
فدية هذا الجرح خمسون ألف وهذا لا إشكال فيه إلاّ إذا كانت الجراح في جزء
له دية خاصة من الحر مثلا العين من الحر فيها نصف الدية أليس كذلك كما
سيأتينا. فإذا أصيب العبد بجزء له دية مقدرة من الحر ففيه خلاف. القول
الأول كالطريقة الأولى مهما أصيب بأي جزء.
والقول الثاني: أن نعطيه بمقداره من الدية
فإذا أصيب في جزء من الحر فيه نصف الدية أعطيناه القيمة نصف القيمة وإذا
أصيب في جزء فيه ربع الدية أعطيناه ربع القيمة. فإذا أصيب العبد في عينه
وقيمته مائة ألف كم دية الجرح؟ خمسون ألف. القول الأول اختيار عدد من
المحققين أنه ينظر إلى قيمته قبل وبعد البرء مطلقا اختيار شيخ الإسلام
وغيره من المحققين. وهو فيه عدل وإنصاف وقوة لكن يشكل عليه شيء لم أر هم
تطرقوا إليه في الحقيقة ولا أدري لماذا؟ هذا الإشكال هو أنّ العبد أحيانا
يصاب بجرح ويبرأ الجرح ثم نجد أنّ العبد بعد الجرح قيمته كقيمته قبلها أليس
كذلك؟ وهذا كثير جدا. مثلا إذا صار العبد إنما صار ثمينا لكونه كاتبا أصيب
بجرح في بطنه وبرء هل يؤثر هذا على صنعة الكتابة سيبقى سعره كما هو صحيح لو
أصيب في يده وهو حمال فسيؤثر هذا على سعره لكن أحيانا لا يؤثر هذه النقطة
لم أجد أحدا يعني أنّ الفقهاء تطرقوا إليها وهو في حال ما إذا كان سعره قبل
البرء وبعد البرء واحد. إذا كم سنعطيه هنا يكون التقدير الثاني ملجأ
الحقيقة للإنسان وينضبط ولا يختلف باختلاف ما إذا زادت أو نقصت قيمة
الجناية وفي الحقيقة الجناية أحيانا كثيرة ما تؤثر على السعر أليس كذلك؟ في
أحيان كثيرة ما تؤثر وإن أثرت فتأثيرها قليل لا يقاس بالجناية على الحر
والدية الواجبة بنفس الجرح لو كان حرا أليس كذلك؟ المهم لهذا كله القول
الثاني فيه وجاهة. إلاّ أن يأتي أحد يجيب عن هذا الإشكال فيكون نبقى مع
القول الأول ورجحانه. أما بدون إجابة القول الثاني لهذا السبب فيه وجاهة.
قال - رحمه الله - (ويجب في الجنين ذكرا كان أو أنثى عشر دية أمه غرة)
دية أمه إذا كانت حرة ومسلمة كم؟ خمسون من
الإبل. العشر؟ خمس من الإبل إذا دية الجنين إذا سقط هو خمس من الإبل تأتي
هنا عندنا الإشكال في التقدير السابق فمثلا إذا أردنا أن نأخذ التقدير الذي
عليه العمل الآن ستكون قيمة الجناية خمسة آلاف لأنّ خمس من الإبل قيمتها
كم؟ خمسة آلاف. بينما إذا أردنا أنّ نأخذ بالتقدير الذي ذكرت فيما إذا جنا
شخص على جنين وسقط ستكون المبلغ ستة عشر ألف وأربعمائة ريال. الفرق يأتي
دائما هنا أوهنا. متى قدرت سيكون هناك فرق.
والدليل على هذا أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما اقتلت الهذليتين
ورمت إحداهما الأخرى بحجر فسقط ما في بطنها حكم النبي - صلى الله عليه وسلم
- في الجنين بدية غرة عبد أو أمة إلى هنا انتهى الحديث من أتى الفقهاء
بقضية عشر أمه وجدوا أنّ العبد أو الأمة في العهد النبوي تقدر قيمتهما بخمس
من الإبل فعرفوا أنّ دية الجنين عشر دية أمه وأخذوا هذه قاعدة للتبسيط
وإلاّ الحديث فيه أنه غرة عبد أو أمة.
يقول الشيخ - رحمه الله - (وعشر قيمتها إن كان مملوكا)
إذا كان الطفل مملوك فإنّ الواجب في ديته عشر قيمة أمه فإن كانت أمه أمة
فالأمر واضح. وإن كانت حرة.
يقول الشيخ - رحمه الله - (وتقدر الحرة أمة)
فنقول أمه هذه وإن كانت حرة لو كانت أمة كم تساوي؟ ثم نخرج عشر القيمة وهي
دية هذا الجنين الذي سقط بالجناية إذا عرفنا الآن الدليل على اعتبار العشر
وماذا نصنع إذا كان الجنين عبدا , أما إذا كان حرا فكما قال المؤلف فيه عشر
دية أمه.
قال - رحمه الله - (وإن جنا رقيق خطأ أو عمدا لا قود فيه أو فيه قود واختير
فيه المال أو أتلف مالا بغير إذن سيده تعلق ذلك برقبته)
لو أنه ذكر ضابط وقال إذا جنا جناية توجب
المال لانتهينا من هذا التمثيل فالحكم أنه يتعلق هذا المال برقبته. فقوله
إذا جنا رقيق خطأ الخطأ يوجب القود أو الدية؟ الدية. إذا يوجب مالا. أو
عمدا لا قود فيه. كما تقدم معنا أنّ الجروح فيها ما فيه دية وفيه ما فيه
قصاص فالجروح التي ليس فيها قصاص كالمأمومة والجائفة وكسر الساق كما تقدم
معنا في الدرس السابق هذه فيها دية فإذا جنا جناية لا قود فيها فسيكون
الواجب في ذمته مال , أو فيها قود لكن اختار من له الصلاحية المال , أو
أتلف مالا بغير إذن سيده تعلق ذلك برقبته. الدليل قالوا أنه إذا جنا العبد
جناية توجب المال فإما أن يتعلق قيمة هذه الجناية بالسيد وهذا لا يمكن
لماذا؟ لأنّ السيد لم يجني أو أن تتعلق بذمة العبد وهذا لا يمكن لماذا؟
لأنّ هذا يؤدي إلى ضياع الحق أو أن تكون هدر ولا يأتي الشارع بالهدر في
الجنايات
لم يبقى إلاّ أن تتعلق برقبته وهذا صحيح لا مناص من تعلقها برقبته. فإذا
تعلقت برقبته سيبيّن المؤلف الحكم.
قال - رحمه الله - (فيخير سيده بين أن يفديه بأرش جنايته)
الأرش اسم للمال الواجب بسبب الجروح والجنايات هذا المال يسمى أرش. فيخير
سيده بين أن يفديه بأرش جنايته. السيد مخير بين أمرين إما أن يفديه بأرش
جنايته. ما معنى أن يفديه بأرش جنايته؟ أن يدفع. لأنه قلنا الأرش هي دية
الجناية على الأطراف وما دون النفس فنقول أنت مخير إما أن تدفع هذه الجناية
أو أن تبيع لكن الحنابلة يرون أنه لا يلزم السيد أن يدفع أرش الجناية إذا
كانت أكثر من ثمنه. لأنّ الجناية إنما تتعلق برقبة العبد فيكف نلزم السيد
أن يدفع أكثر من قيمته هذا هو المذهب.
والقول الثاني: الذي يشير إليه المؤلف أنه
يجب على السيد أن يدفع الأرش ولو كان أكثر من القيمة أو يبيع العبد فنلزم
السيد بأحد أمرين إما أن يبيع أو يدفع الأرش. على المذهب لا يلزمونه بالبيع
إذا أراد أن يدفع الأرش الذي هو يساوي قيمة البيع لا يلزمونه أن يبيع وعلى
هذا القول نقول إما أن تبيع أو أن تدفع الأرش ولو كان أكثر من القيمة قد
يظهر للإنسان أنّ الخلاف لا طائل تحته لأنه إذا ألزمناه وكان السعر بمقدار
الأرش أو أكثر فإنّ السيد سيبعه ولن يدفع الأكثر أليس كذلك؟ لكن في الحقيقة
الخلاف له أثر لأنّ السيد قد يرغب في ابقاء العبد أليس كذلك؟ وإن كانت
قيمته في السوق تساوي أو أكثر من الأرش فنحن نقول أنت مخير بين أمرين على
القول الراجح إما أن تبيع أو تدفع كامل الأرش ولو كان أكثر من قيمته وأنتم
تعلمون الآن أنه يوجد كثير من السلع هي في لواقع أنفع من سعرها أليس كذلك؟
لو أراد الإنسان أن يبيعها لن تأتي له في السوق بسعر لكن هي مفيدة أليس
كذلك؟ كذلك العبد ربما يكون مفيد لكن ليس له سعر في السوق. يبدوا لي أنّ ما
ذهب إليه المؤلف وهو أنّ السيد مخير بين البيع ودفع الأرش ولو كان أكثر من
القيمة هو القول الراجح. بخلاف المذهب.
يقول - رحمه الله - (أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه)
إذا سلمه إلى ولي الجناية يعني سلم العبد وملكه لولي الجناية فقد برئت ذمة
السيد لأنه أعطاه ما تعلق الحق برقبته فإن قال ولي الجناية لا أريد العبد
بل تولى بيعه وأعطني الثمن فإنه لا يلزم السيد أن يبيع ويعطيه الثمن بل له
أن يدفع العبد إلى ولي الجناية وتبرأ ذمته بذلك.
والقول الثاني: أنه ملزم أن يبيع ويعطيه الثمن. وهذا القول ضعيف في الحقيقة
لأنّ السيد لم يجني وليس منه خطأ فكيف نلزمه بأن يتولى البيع ومشقة ذلك
ليعطي ولي الجناية الثمن مع أنّ الحق متعلق برقبة العبد وهو دفع العبد
برمته. فالراجح أنه لا يلزمه.
قال - رحمه الله - (أو يبيعه ويدفع ثمنه)
إذا باعه ودفع الثمن فقد برئت ذمته لأنه
باع العين التي تعلق بها الحق فبرئت ذمته بذلك لأنه كما تقدم فعل ما عليه
ببيع العين التي تعلقت به الجناية. إذا السيد مخير بين ثلاثة أمور دفع
الأرش أو بعبارة أسهل دفع الدية. الثاني: تسليم العبد للمجني عليه. الثالث:
أن يبيع والخيار في ظاهر كلام المؤلف لمن للسيد فهو مخير بين أي من هذه
الأمور.
مسألة / لو سلم العبد وكانت قيمة العبد أكثر من الجناية كأن تكون الجناية
تقدر بألف ريال وقيمة العبد ألف وخمسمائة ريال فإنه لا يلزم ولي الجناية أن
يعطي السيد الفرق لماذا؟ لأنّ الجناية تعلقت بكامل الرقبة.
والقول الثاني: أنه يجب عليه أن يدفع الفرق لأنّ الجناية إنما تعلقت
بالرقبة لأداء الدية ليس إلاّ فإذا أمكن أداء الدية ببعض قيمة العبد وجب أن
يرد الباقي للسيد لأنه ملك للسيد. لكن في الحقيقة أنا أرى أنه لا يجب عليه
لأنه لو شاء السيد لتولى هو البيع فنقول تولى أنت البيع وخذ ما تشاء وادفع
قيمة الدية.
باب ديات الأعضاء ومنافعها
قال - رحمه الله - باب ديات الأعضاء ومنافعها لما ذكر دية النفس انتقل إلى
دية ما دون النفس.
يقول الشيخ - رحمه الله - (ومن أتلف ما في الإنسان: منه شيء واحد كالأنف
واللسان والذكر ففيه دية النفس)
الإنسان إما أن يتلف ما في الإنسان منه شيء
واحد أو ما في الإنسان منه شيئان أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة. بدأ المؤلف
بالأول فإذا أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد كالأنف واللسان والذكر ففيه
دية النفس وعلى هذا دل النص والإجماع. إذا ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه
الدية وهذا دل عليه النص والإجماع والمؤلف ذكر ثلاثة الأول الأنف واللسان
والذكر. والأنف واللسان والذكر مذكور في حديث عمرو بن حزم وأجمع عليه
الفقهاء وتعليله أنه أذهب منفعة الجنس. فإذا قطع لسانه فليس في البدن من
جنس اللسان عضو آخر يأتي بهذه المهمة أليس كذلك؟ فبقطعه أذهب منفعة الجنس
جملة وتفصيلا ولهذا جعل الشارع الحكيم فيه دية كاملة قياسا على النفس لأنه
أزهق النفس فقد أذهب كل النفس. وهذا كما قلت دل عليه النص والإجماع فلسنا
بحاجة إلى مزيد تأكيد عليه ومن هنا ممكن أن يدفع الإنسان في شخص ثلاث ديات
أليس كذلك؟ بأن يقطع لسانه وذكره وأنفه. فيدفع ثلاث ديات مع بقاء النفس.
ثم - قال رحمه الله - (وما فيه منه شيئان: كالعينين)
ما فيه منه شيئان كالعين هذا في الدية يعني إذا أذهب الشيئين ولا حظ معي
أنّ المؤلف سيقول بعد هذا البحث وفي أحدهما نصفها إذا في العينين الدية وفي
أحدهما نصفها وهذا أيضا دل عليه النص والإجماع فذكر دية العينين مذكور
موجود في حديث عمرو بن حزم وكذلك أجمع عليه الفقهاء وكذلك أجمعوا على أن في
النصف الدية كاملة. فدية العينين ودية النصف محل إجماع , لأنه سيأتينا في
بعض هذه الأشياء خلاف في النصف لكن في العينين لا يوجد خلاف لا فيهما ولا
في النصف منهما ويجب أن تستحضروا هذا لأنه إذا قال وفي أحدهما نصفها سنكون
شرحنا النصف عند كل واحدة منهما.
ثم - قال رحمه الله - (والأذنين)
الأذنان فيهما الدية كاملة والتعليل أنه بإذهاب الأذنين أذهب جنس المنفعة
ولأنه لا يوجد في البدن ما يقوم مقام الأذنين.
القول الثاني: أنّ في الأذنين حكومة ومعنى الحكومة سيأتينا سيصرح المؤلف
بتعريفها في آخر هذا الفصل واستدل الذين قالوا في الأذنين
حكومة أنه ليس فيها نص من الشارع ولا قياس
في الديات والراجح أنّ فيهما الدية ,لأنه لا فرق لأبدا بين العينين
والأذنين لا من حيث المنفعة ولكن من حيث إذهاب شيء ليس في البدن منه إلاّ
اثنين. نأتي إلى النصف. النصف يعني نصف الدية في الأذنين محل إجماع عند
الذين قالوا أنه في الأذنين الدية. النصف يعني إذهاب أذن واحدة فيها نصف
الدية بالإجماع لكن عند الذين قالوا أنّ في الأذنين الدية أما الذين قالوا
أنّ فيها حكومة فهذا لايوجد عندهم نصف أصلا لأنهم لا يوجبون الدية.
الدرس: (3) من الديات
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المصنف - رحمه الله -: (والشفتين)
الشفتين فيهما الدية وفي أحدهما نصفها. أما أنّ فيهما الدية فهذا دل عليه
النص والإجماع فإنّ الفقهاء أجمعوا على أنّّ في الشفتين الدية كاملة وهو أي
هذا الحكم مذكور في حديث عمرو بن حزم - رضي الله عنه -
المسألة أنّ في إحداهما نصف الدية إلى هذا ذهب الجمهور.
والقول الثاني: أنّ في السفلى الثلثين والعليا الثلث. لأنّ منفعة الشفة
السلفى أكبر من منفعة العليا والراجح القول الأول لأنّ النص جعل فيهما
الدية ففي أحدهما نصفها , وأيضا يعني في الجواب نحن نجعل في اليدين الدية
وفي إحداهما نصف الدية مع أنّ منفعة اليمنى أعظم من منفعة اليسرى مع ذلك لم
يراعي الشارع هذا الفرق فكذلك في الشفتين.
ثم - قال رحمه الله - (واللحيين)
اللحيين هما العظمان اللذان ينبت عليهما أو تنبت عليهما الأسنان السفلية.
ففيهما الدية لأنه ليس في البدن من جنسهما شيء يعني ليس في البدن إلاّ هذان
العظمان. وفي أحدهما نصف الدية إلى هذا ذهب الجمهور.
والقول الثاني: أنّ في اللحيين حكومة وكما قلت سيأتي معنى الحكومة مصرحا به
في كلام المصنف استدل أصحاب القول الثاني بأنه ليس في النصوص ما يدل على
أنّ اللحيين الدية والأصل في التقدير أن يأتي عن الشارع فلما لم يأتي عرفنا
أنّ فيهما حكومة.
ثم - قال رحمه الله - (وثديي المرأة)
ثدي المرأة فيه نصف الدية وفي الثديين
الدية كاملة , وهذا محل إجماع لأنّ في الثدي منفعة عظيمة جدا في إرضاع
الولد واستمتاع الزوج كما أنه ليس في البدن من جنسهما شيء آخر ولهذا أجمع
الفقهاء على أنّ فيهما الدية.
المسألة الثانية / في أحدهما نصف الدية وهو أيضا محل إجماع.
ثم - قال رحمه الله - (وثندؤتي الرجل)
ثندؤتي الرجل فيهما الدية عند الجمهور في أحدهما وفي إحداهما النصف والدليل
للجمهور أنه ليس في البدن منهما إلاّ اثنان وقد دلت النصوص على أنهما ليس
في البدن منه إلاّ واحد أو اثنان فيه الدية.
والقول الثاني: أنّ فيهما حكومة لأنهما لا نفع فيهما إنما فيهما جمال فقط
ففيهما حكومة. والمسألة محل تأمل وتردد ولكن مع ذلك الأقرب إن شاء الله
مذهب الجمهور لأنه يبدوا أنّ الشارع يجعل في كل ما ليس في البدن منه إلاّ
اثنان الدية.
ثم - قال رحمه الله - (واليدين والرجلين)
اليدان والرجلان فيهما الدية يعني في كل من اليدين والرجلين الدية كاملة
بالإجماع وهما من أنفع أعضاء الجسم وقد دل على وجوب الدية فيهما مع الإجماع
النص ففي حديث عمرو بن حزم أنه جعل في اليدين الدية وفي الرجلين الدية
وأمرهما واضح ولله الحمد أنّ فيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية يعني في كل
منهما ففي اليد والواحدة نصف الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية.
ثم - قال رحمه الله - (والإليتين)
ذهب الجماهير إلى أنّ في الإليتين الدية وفي إحداهما نصف الدية لأنّ فيهما
نفعا لا يقوم غيرهما فيه مقامهما. ولأنه ليس في البدن منهما إلاّ اثنان
وهذا القول هو الراجح بالنسبة للإليتين الأمر فيهما واضح إن شاء الله. وهو
رجحان مذهب الجمهور لعظم نفعهما.
ثم - قال رحمه الله - (والأنثيين)
الأنثيين يعني الخصيتين فيهما الدية وفي إحداهما نصف الدية وهذا أيضا دل
عليه النص والإجماع فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل
فيهما في حديث عمرو بن حزم الدية وقد أجمع على ذلك الفقهاء وأهمية الخصيتين
لا تخفى إذ منهما ينتج الحيوانات المنوية وهي سبب حصول على الذرية فلا شك
أنّ نفعهما جدير يإيجاب الدية في إتلافهما مع أنّ المسألة محل إجماع وفيها
نص.
ثم - قال رحمه الله - (وإسكتي المرأة)
إسكتي المراة هما اللحمان المحيطان بالفرج
إحاطة الشفتين بالفم. بالنسبة للمرأة وفيهما الدية وإلى هذا ذهب الأئمة
الأربعة لما فيهما من نفع ولما فيهما من جمال ولما فيهما من وقاية وما ذهب
إليه الأئمة الأربعة هو الراجح إن شاء الله والأمر فيهما واضح لنفعهما.
قال المؤلف - رحمه الله - (ففيهما الدية)
يعني في ما ليس في الإنسان منه إلاّ شيئان الدية. (وفي أحدهما نصفها) تقدم
معنا الحديث عن كل واحدة على حدة من جهة أنّ فيها النصف. ثم انتقل إلى قسم
آخر.
قال - رحمه الله - (وفي المنخرين ثلثا الدية وفي الحاجز بينهما ثلثها)
انتقل المؤلف إلى الكلام عن ما في البدن منه ثلاثة. وهو الأنف. فإنّ الأنف
يشتمل على ثلاثة أشياء على المنخرين والحاجز بينهما فإذا أتلف الأنف ففيه
الدية وهذا حكم إذا أتلف الأنف ما الحكم من أي قسم؟ ما فيه شيء واحد.
قال الفقهاء إذا كان الأنف فيه الدية كاملة وهو ينقسم إلى ثلاثة أشياء
علمنا أنّ كل واحد من هذه الثلاثة أشياء فيه ثلث الدية وقاسوا هذا على
الأصابع وعلى كل ما فيه تعدد في البدن كالعينين والشفتين وما تقدم معنا مما
فيه أكثر من واحد وهذا صحيح أنّ في كل من أجزاء الأنف الثلاثة ثلث الدية.
قال - رحمه الله - (وفي الأجفان الأربعة الدية)
في الأجفان الأربعة الدية عند الجماهير الأئمة الأربعة وغيرهم سواء كان
الذي جني عليه أعمى أو بصير. ففي الأجفان الأربعة الدية لأنه لا يوجد منها
في الجسم إلاّ أربعة وهذا هو القسم الرابع ما لا يوجد في الجسم منه إلاّ
أربعة وهي هذه الأجفان وإنما ذهب الجماهير إلاّ أنّ فيها الدية لنفعهما
العظيم في وقاية العين وتجميلها وهذا أمره واضح.
قال - رحمه الله - (وفي كل جفن ربعها)
الدليل على هذا هو الدليل السابق وهو أنه لما رأينا الشارع جعل فيها الدية
علمنا أنّ في كل واحد منها ربع الدية.
والقول الثاني: أنّ في الجفن الأعلى ثلثي
الدية والأسفل ثلث الدية لأنّ نفع الأعلى أعظم من نفع الأسفل عكس الشفتين
والراجح مذهب الجمهور والجواب على هذا الدليل هو الجواب على الدليل السابق
في الشفتين وهو أنّا نجد أنّ الشارع في اليدين لم يفرق بين اليمنى واليسرى
كذلك في القدمين لم يفرق بين اليمنى واليسرى.
قال - رحمه الله - (وفي أصابع اليدين الدية كأصابع الرجلين , وفي كل أصبع
عشر الدية)
انتقل المؤلف إلى ما في الجسم منه عشرة ولهذا يقول وفي أصابع اليدين الدية
كأصابع الرجلين في كل أصبع من أصابع اليدين والرجلين
عشر الدية ولهذا نجد في حديث عمرو بن حزم. وفي كل أصبع من الأصابع عشر من
الإبل وهذا ينسجم مع القاعدة العامة وهي أنّ الشارع إذا جعل على جزء دية
كاملة فإنّ هذه الدية تنقسم على أجزاء هذا العضو وهذا الذي ذهب إليه
الحنابلة وما ذهب إليه الحنابلة هو مذهب الجماهير والجم الغفير من أهل
العلم.
والقول الثاني: أنّ دية الأصابع ليست على حد سواء بل تتفاوت فدية الإبهام
أعظم مما يليه ودية السبابة أعظم من الوسطى وهكذا الخنصر والبنصر فتنقص
كلما ذهبنا إلى الأصغر لأنّ نفع الإبهام أعظم نفع مما يليه ونفع ما يليه
أعظم مما يليه وهكذا. وهذا القول قول ضعيف لأنه مصادم للنص فإنّ النبي -
صلى الله عليه وسلم - جعل في كل أصبع عشر الدية كما أنه تقدم معنا أنّ
الشارع لا ينظر دائما إلى المفاضلة بين منافع العضو الواحد بل تكاد تكون
القاعدة أنّ الشارع لا يفاضل بين منافع العضو الواحد وإنما يفاضل بين منافع
العضوين.
قال - رحمه الله - (وفي كل أنملة ثلث عشر الدية)
لما كان كل أصبع عدا الإبهام فيه ثلاث مفاصل قسمنا العشر من الإبل على كل
مفصل من مفاصل الأصبع فستكون دية المفصل الواحد ثلاث من الإبل وربع لكل
واحد يعني نقسم العشر من الإبل على مفاصل الأصبع باعتبار أنّ قاعدة الشرع
تقسيم دية العضو على أجزائه وهذا صحيح.
قال - رحمه الله - (والإبهام مفصلان , وفي كل مفصل نصف عشر الدية)
الفقهاء يرون أنّ الإبهام فيه مفصلان فقط.
ويجعلون الثالث في ما يبدوا للإنسان تابع للراحة وكف اليد إذا كان الإبهام
ليس فيه إلاّ مفصلان فستقسم العشر على قسمين لكل مفصل كم؟ خمس من الإبل
وهذا واضح وعند الذين يرون أنّ الإبهام ثلاث كباقي الأصابع
تقسم العشر على ثلاث ويكون لكل مفصل ثلاث من الإبل وربع. وكان ينبغي في
الحقيقة أن نسأل الأطباء هل يعتبر الإبهام فيه ثلاث مفاصل ولا فيه مفصلان
فقط مع أنّ الظاهر أنه فيه مفصلان فقط. ما في الوسط وما في الأسفل كما قال
الحنابلة.
يقول الشيخ - رحمه الله - (كدية السن)
الشارع جعل في السن نصف العشر لقوله في حديث عمرو بن حزم وفي السن خمس من
الإبل فالسن فيه نصف العشر كما أنّ المفصل الواحد من الإبهام فيه أيضا نصف
العشر وهي خمس من الإبل. بهذا نكون انتهينا من الباب الثاني وهو المتعلق
بديات الأعضاء ننتقل إلى الفصل الثاني منه وهي دية المنافع.
فصل
يقول المؤلف - رحمه الله - فصل (وفي كل حاسة دية كاملة: وهي السمع والبصر)
في كل حاسة في الجسم إذا أذهبها الجاني الدية كاملة لأنه ليس في الجسم منها
إلاّ شيء واحد وقد ذكر المؤلف الحواس جميعا فقال في السمع والبصر. السمع
والبصر يجب في كل واحد منهما الدية بالإجماع وفيه حديث أنّ النبي - صلى
الله عليه وسلم - جعل في السمع والبصر الدية لكنه ضعيف. لكن عندنا الإجماع
وأيضا روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنّ رجلا ضرب رجلا بحجر على
رأسه فذهب منه العقل والنكاح والبصر واللسان فأوجب عليه عمر بن الخطاب -
رضي الله عنه - أربعة ديات قال الراوي وما يزال الرجل حيا فأوجب فيه عمر
أربع ورأينا أنه أوجب هذه الأربع في البصر واللسان يعني الكلام فإذا السمع
والبصر محل إجماع.
مسألة / إذا ضربه ضربة واحدة ذهبت بالأذنين والسمع فعليه ديتان دية للأذنين
ودية لحاسة السمع.
قال - رحمه الله - (الشم)
الشم الدية كاملة وإلى هذا ذهب الجماهير بل حكي إجماعا وروي عن النبي - صلى
الله عليه وسلم - أنه قال وفي الشم الدية.
والقول الثاني: أنّ في الشم الحكومة وليس
فيها دية وعللوا هذا بأنّ منفعة الشم ضعيفة لأنه إنما تراد منفعة الشم ليشم
بها والأرواح الكريهة في بعض الأماكن قد تكون أكثر من الأرواح الزكية فإذا
قالوا بناء على هذا منفعة الشم ضعيفة. أليس كذلك؟ ماذا ترون بهذا الكلام
هذا ذكره فقهاء كبار وجه الضعف من حيث التعليل إذا كنا سنعلل بالحواس أنها
قد تلتقط ما يكره إذا قد يسمع ما يكره أليس كذلك؟ وقد يرى ما يكره من
الحوادث المؤلمة والمفجعة ومن المناظر التي لا يحب أن يراها إذا التعليل
بهذه العلة عليل في الواقع والشارع وهب الإنسان وأنعم عليه بالشم فإذا هو
يستحق مقابل هذه النعمة إذا فقدها أن يأخذ العوض وهي الدية كاملة فالتعليل
في الحقيقة ضعيف جدا.
ثم - قال رحمه الله - (والذوق)
الذوق الخلاف فيه كالخلاف في الشم فذهب الجماهير إلاّ أنّ فيه الدية
لمنفعته.
والقول الثاني: أنّ فيه حكومة لأنه لا دليل عليه ولأنّ منفعته أقل من منفعة
السمع والبصر والراجح والله أعلم أنّ فيه الدية لأنه حاسة قائمة بنفسها
كاملة ولهذا فيها الدية انسجاما مع تقرير الشارع الدية في الحواس الأخرى.
قال - رحمه الله - (وكذا في الكلام)
وقوله وكذا في الكلام يعني إذا جنا عليه جناية منعته من الكلام وأصبح لا
يستطيع أن ينطق ففيه الدية وهذا الحكم محل إجماع فإن تسببت الدية بذهاب بعض
النطق فإنّ الدية تقسم على الحروف الهجائية وما نقص أخذ ديته.
قال - رحمه الله - (والعقل)
إذا جنا عليه جناية ذهبت بالعقل فإنه يعطى الدية كاملة ودل على هذا النص
والإجماع ففي حديث عمرو بن حزم وفي العقل الدية وأيضا أجمع الفقهاء على هذا
والعقل لا شك من أهم ما منّ الله به على الإنسان بل به فضل على البهائم
فإذهابه فيه الدية كاملة بلا إشكال فإن صارت الجناية سببا في إذهاب بعض
العقل فما الحكم؟ يمكن هذا؟ ممكن إما بما ذكر أنه يفيق أحيانا أو يكون بعد
الحادث
تصوره للأشياء ضعيف وإدراكه للحقائق ضعيف
وهذا موجود كثير بعد الجناية يكون عقله وإدراكه وتصوره أضعف منه قبل
الجناية فالحكم أنه يعطى من الدية بقدر النقص فإن كان عقله من الأصل قليل
قبل الجناية ماذا نصنع؟ أو لا يوجد هذا إنسان يكون عقله ضعيف من الأصل فما
الحكم؟ كون المجني عليه من الأصل عقله ضعيف في باب الدية. وهذا من باب
التمرين ولا نسأل الله سبحانه وتعالى الشفاء وعدم إصابة أي إنسان , في باب
الدية هل هو أنفع له أو أضر له. لماذا؟ لأنه هو أصلا ناقص فالنقص لن يؤثر
عليه فسيأخذ الدية كاملة بينما عند التفاوت قد ينقص عنه من الدية إذا العقل
لا إشكال أنّ فيه الدية وفي نقصه مقداره من الدية لأنه من أهم ما منّ الله
به على بني آدم.
قال - رحمه الله - (ومنفعة المشي)
منفعة المشي فيها الدية كاملة لأنها منفعة مقصودة ولا يقوم غيرها مقامها
وبعد البحث لم أر فيه خلاف في أنّ فيه الدية ربما يوجد لكن بعد البحث لم أر
خلافا فيه ومع ذلك لم أر حكاية إجماع ولكن يتوجه أنّ فيه إجماع لأنّ منفعة
المشي منفعة عظيمة ومقصودة ومنفعة المشي أعظم أحيانا من بعض الأجزاء التي
فيها الدية كاملة.
قال - رحمه الله - (والأكل)
بأن تسبب الجناية بعدم مقدرته على الأكل أي أن يصبح بعد الجناية لا يستطيع
يأكل لماذا؟ لأي سبب إما بأن يفقد الشهوة أو أن لا يستطيع البلع المهم أن
لا يستطيع الأكل بعد الجناية فحينئذ فيه الدية لأنه أذهب عليه منفعة كاملة.
قال - رحمه الله - (والنكاح)
إذهاب النكاح المراد به إذهاب القدرة على الجماع وفيه الدية كاملة عند
الأئمة الأربعة أولا لأنها بمعنى إذهاب الخصيتين.
وثانياً: لأنه أتلف عليه منفعة لا يوجد لها نظير في الجسد.
وثالثا: لعظم منفعة القدرة على الإنجاب ويقاس على إذهاب القدرة على الجماع
ما لو سقاه دواء يجعله عقيما ففيه الدية ولو كان هذا الرجل يستطيع أن يجامع
ولهذا عبر الفقهاء بالنكاح تمشيا مع أثر عمر - رضي الله عنه - فإنّ الرجل
الذي رمى رجلا كما تقدم معنا قال وذهب نكاحه. فإذا إذا ذهب النكاح وذهب ما
يحصل به الإنجاب ولو بقي الجماع ففيه الدية.
قال - رحمه الله - (وعدم استمساك البول , أو الغائط)
عدم استمساك البول أو الغائط فيه الدية بلا
إشكال وهي محل إجماع والدليل على هذا المنفعة العظيمة في القدرة على التحكم
بخروج البول والغائط فإذا ضربه ضربة أفقدته التحكم فإنّ فيه الدية وهذا لا
إشكال فيه لعظم منفعة هذه الحاسة ولهذا صارت محل إجماع.
قال - رحمه الله - وفي كل واحد من الشعور الأربعة الدية وهي شعر الرأس ,
واللحية , والحاجبين , وأهداب العينين)
في كل واحد منها الدية لأنّ فيها جمالا مقصودا.
والقول الثاني: أنّ فيها حكومة لأنه لم يدل على وجوب الدية فيها نص وليس
فيها إلاّ جمال بلا منفعة. والراجح القول الأول لأمرين
الأمر الأول: أنّ الشارع يوجب الدية في إتلاف الأذنين من الأصم مع أنّ
الأذنين في الأصم ليست إلاّ زينة.
ثانياً: أنه قولهم ليس فيها نفعا بل هي للجمال ليس بصحيح بل جميع هذه
الشعور فيها نفع عظيم للعينين والرأس وجلدة الرأس بالحماية والوقاية من
الشوائب التي تدخل العين أو من البرد الذي يصيب الرأس صحيح أنّ نفعها قليل
ولا يقارن ببعض الأعضاء لكن نفي النفع منها جملة وتفصيلا ليس بصحيح.
قال - رحمه الله - (فإن عاد فنبت سقط موجبه)
دل كلام المؤلف على أنّه ينبغي إذا جني على الإنسان في شعره أن ننتظر ولا
نبادر بالدية ولا بالقصاص لأنه ربما عاد الشعر وقدر الفقهاء مدة الانتظار
بسنة وقالوا أنه إذا لم يخرج بعد السنة ففي الغالب لن يخرج فإن انتظرنا سنة
وخرج فسقطت الدية. والصحيح أنّ مدة الانتظار يرجع فيها إلى أهل الخبرة وفي
وقتنا هذا يرجع فيها إلى الطبيب فإن قال لا يمكن أن يخرج مرة أخرى فإناّ لا
ننتظر وإن قال يخرج أو يمكن أن يخرج فإناّ ننتظر.
قال - رحمه الله - (وفي عين الأعور الدية كاملة)
المقصود بهذه المسألة إذا جنا إنسان على عين أعور. والأعور هو الذي لا يبصر
إلاّ بعين واحدة فإذا جنا عليه جناية أذهبت هذه العين التي يبصر بها ففيه
الدية كاملة الدليل استدلوا بدليلين: الأول: أنّ هذا مروي عمر وعلي وعثمان
ولا يعلم لهم مخالف من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
الثاني: أنه بإذهاب العين والواحدة هو في الحقيقة أذهب حاسة كاملة وهي
البصر.
القول الثاني: أنّ في إذهاب عين الأعور نصف
الدية فقط. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي العين نصف الدية وهذه
عين وإن كانت في أعور وهذا القول الثاني هو نوع من الجمود على النص ولهذا
لم يرتضه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - واتفقوا على وجوب الدية كاملة
وهذا هو الراجح إن شاء الله.
قال - رحمه الله - (وإن قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة عمدا
فعليه دية كاملة ولا قصاص)
هذا هو الحكم إذا قلع الأعور عين الصحيح فلا قصاص وهذا هو الأهم وعليه
الدية كاملة يعني لا نصف الدية. الدليل قالوا أو لا قصاص لأنّ الصحابة
حكموا بهذا.
ثانياً: لأنّ لو حصل القصاص لأخذ المجني عليه أكثر من حقه فإنه أتلف حاسة
كاملة من الجاني بقي علينا دليل على مسألة وهي لماذا عليه الدية كاملة وهو
لم يتلف إلاّ عين واحدة أليس كذلك؟ قالوا عليه الدية كاملة لأنه أفتدى بذلك
من نفسه حاسة كاملة وهي الإبصار.
القول الثاني: أنّ المجني عليه مخير بين نصف الدية أو القصاص لقوله تعالى
{والعين بالعين} [المائدة/45]
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - وفي العين نصف الدية. فهؤلاء بقوا مع النصوص
على ظاهرها نقول للمجني عليه إما أن تقتص أو تأخذ نصف الدية كما في النصوص.
القول الثالث: انه ليس للمجني عليه إلاّ نصف الدية وتلاحظ أنّ الأقوال فيها
طرفا وسط وأنّ الوسط هو مذهب الحنابلة فلا نقتص ولا نكتفي بمجرد نصف الدية
وإنما نعفيه من القصاص لئلا تذهب حاسة البصر ومع ذلك نأخذ منه كامل الدية
في الحقيقة هذا قول فيه العدل للطرفين. كما أنه مقتضى فتاوى الصحابة. وقول
الشيخ - رحمه الله - وإن قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة.
أفادنا أنّ الأعور لو قلع عين الصحيح غير المماثلة لعينه بأن كانت عين
الصحيح أقل من عينه بأن تكون عين الصحيح مريضة أو معيبة وهو يبصر بها لكنها
معيبة وعين الأعور صحيحة وقوية حينئذ ليس بينهما مماثلة وحينئذ لا قصاص وله
نصف الدية.
يقول الشيخ - رحمه الله - (لعينه الصحيحة عمدا)
أفادنا أنه لو جنا الأعور على عين الصحيح
خطأ فإنّ الحكم أنه لا قصاص لأنه في الخطأ لا يوجد قصاص وليس له إلاّ نصف
الدية لأنه في الخطأ لا يملك الإنسان إلاّ نصف الدية وإنما أوجبنا عليه في
العمد الدية كاملة ليفتدي نفسه منها.
قال - رحمه الله - (وفي قطع يد الأقطع نصف الدية كغيره)
الأقطع هو من ليس له إلاّ يد واحدة فإذا جنا إنسان على أقطع وقطع يده فهو
بقطع اليد أذهب منفعة اليدين لأنّ الأولى مقطوعة وهو قطع الثانية. قال
المؤلف ليس فيها إلاّ نصف الدية يعني ولا تقاس على عين الأعور واستدلوا على
هذا بأنّ العين الواحدة من الأعور تقوم مقام العينين بينما اليد الواحدة من
الأقطع لا تقوم مقام اليدين فلا قياس.
القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد أنّ يد الإقطع الأولى إن كانت قطعت
في سبيل الله في الجهاد أو قطعت ظلما ففي الثانية الدية كاملة وإلاّ فلا
لأنّ فقده لليد إذا لم تكن في سبيل الله ولا ظلما بحق.
الرواية الثالثة عن الإمام أحمد أنّ في يد الأقطع الدية كاملة والمسألة
فيها احتمال والراجح القول الثالث لأنه في الحقيقة تقوم في كثير من الأمور
مقام اليدين بدليل الفارق العظيم بين أقطع اليدين وأقطع اليد الواحدة. أقطع
اليد الواحدة يكاد يكون كالأسوياء. يذهب ويأتي ويكتب ويقود السيارة وربما
دافع عن نفسه بخلاف مقطوع اليدين صحيح أنّ العين الواحدة تقوم مقام العينين
بالكامل أليس كذلك بخلاف يد الأقطع لا تقوم مقام اليدين بالكامل لكنها تقوم
قيام جزئي أو قيام كبير مقام اليدين , خلاصة أنه إذا اعتدى على يد
الأقطع ففيه الدية كاملة. لما بيّن الشيخ - رحمه الله - دية النفس ثم دية
الأعضاء ثم دية المنافع انتقل إلى آخر شيء في الباب وهو الشجاج وكسر
العظام.
باب الشجاج وكسر العظام
الشج في لغة العرب / القطع. وأما في الاصطلاح فبيّنها المؤلف بيانا واضحا
فقال - رحمه الله - (الشجة: الجرح في الرأس والوجه خاصة)
يعني وأما في باقي الجسم فتسمى جراح فإن
كان الجرح في الوجه والرأس فيسمى شجة , وإن كان في باقي الجسد جراح لكن
أشار بعض الفقهاء أنّ كثيرا من الفقهاء قد يسمي الجرح في غير الوجه والرأس
قد يسميه أيضا شجة لكن الغالب المصطلح عليه هو أنها خاصة بالوجه والرأس.
ثم - قال رحمه الله - (وهي عشر)
خمس لا تقدير فيها وخمس فيها تقدير. وبدأ بالتي ليس فيها تقدير لأنّ المؤلف
سينتقل من الأدنى إلى الأعلى.
قال - رحمه الله - (الحارصة التي تحرص الجلد أي تشقه ولا تدميه)
هي التي تشق الجسم ولا تدميه. فهي جرح سطحي بسيط إذا هي تشق الجلد لكنها لا
تدميه وأنت تلاحظ التدرج الدقيق بين الشجاج وهذه الأسماء نبه كثير من
الشراح إلاّ أنها مأخوذة عن العرب فقبل الإسلام كانت هذه الشجاج تسمى
بالاسم وتعرف بهذا الضابط إذا عرفنا الآن الحارصة.
قال - رحمه الله - (ثم البازلة الدامية الدامعة: وهي التي يسيل منها الدم)
أفادنا المؤلف أنّ البازلة تنقسم إلى قسمين: الدامية والدامعة.
فالدامية. هي الجناية التي تجرح الجلد وتظهر الدم لكن من غير سيلان.
والدامعة. هي التي تجرح الجلد تشقه ويظهر الدم ويسيل. فإذا الحارصة
والدامية والدامعة هي إما أن تكون تشق الجلد بلا دم أو معه بلا سيلان أو
معه مع السيلان.
قال - رحمه الله - (ثم الباضعة: وهي التي تبضع اللحم)
الباضعة هي التي تشق الجلد ثم تشق اللحم أيضا فهي تتجاوز الجلد. تجاوزنا
الثلاث الأولى ودخلنا في اللحم فإذا تجاوزت الجلد ووصلت إلى اللحم هل معها
سيلان؟ بالطبع إذا كانت الدامعة فيها سيلان فهذه تجاوزت الدامعة ووصلت إلى
اللحم.
قال - رحمه الله - (ثم المتلاحمة: وهي الغائصة في اللحم)
يعني هي التي دخلت في اللحم دخولا كثيرا لأنّ الباضعة دخلت في اللحم إلاّ
أنّ دخولها دخولا يسيرا وأما المتلاحمة فهي دخلت دخولا كثيرا فوق الباضعة
ودون السمحاق.
قال - رحمه الله - (ثم السمحاق: وهي ما بينها وبين العظم قشرة رقيقة)
يعني أنها الجرح الذي يشق الجلد واللحم ويصل إلى السمحاق وهو القشرة المغطي
للعظم إذا وقفنا على العظم ما باقي إلاّ العظم إذا السمحاق وصل إلى القشرة
التي تغطي العظام وتلاحظ أنّ التدرج دقيق جدا.
قال - رحمه الله - (فهذه الخمس لا مقدر
فيها بل حكومة)
هذه الخمس جراحات أو الشجاج ليس فيها دية وإنما فيها حكومة استدل الجماهير
على هذا بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل فيما دون الموضحة دية
واستدلوا بأنه ليس في النصوص ما يدل على وجوب الدية في هذه الشجاج وإذا لم
يجب فيها دية مقدرة انتقلنا إلى الحكومة.
والقول الثاني: أنّ فيها دية خاصة ففي الأولى: بعير وفي الثانية: بعيرين
والثالثة: ثلاثة. والرابعة: أربعة. ففي السمحاق كم وهي آخر المراحل أربع
لأنها آخر المراحل عرفنا من هذا أنّ الأولى وهي الحارصة ليس فيها شيء إنما
نبدأ من الثانية فإذا البازلة والباضعة والمتلاحمة والسمحاق هذه الأربع
فيها كل واحد في الأولى: بعير. وفي الثانية: اثنين. والثالثة: ثلاث.
والرابعة: أربع. والراجح الأول لأنه ليس على هذا التحديد دليل فالراجح مذهب
الجماهير.
قال - رحمه الله - (وفي الموضحة: وهي ما توضح العظم وتبرزه خمسة أبعرة)
الموضحة هي التي تبدي بياض العظم سواء بدا من هذا البياض قدر كبير أو قدر
يسير بالكاد يرى مادام رؤي بياض العظم فهي موضحة ديتها خمس من الإبل
بالإجماع لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الموضحة خمس من الإبل. إذا
الموضحة محل إجماع وليست محل إشكال وهذا في الحقيقة لو تأمل الإنسان وتأنى
لوجد في هذا من عظمة التشريع شيء عظيم يعني أن يصل الشرع إلى درجة بيان
مقدار الجرح كم دية الجرح الموضحة عبارة عن جرح كم دية هذا الجرح لا يوجد
هذا في أي تشريع لكن هذا من دقة الله سبحانه وتعالى وعدله.
قال - رحمه الله - (ثم الهاشمة: وهي التي توضح العظم وتهشمه وفيها عشرة
أبعرة)
فيها عشرة أبعرة قال وهي التي توضح العظم وتهشمه. الهشم هو الكسر فهي تصل
إلى العظم وتوضحه وتكسره فيها عشر من الإبل الدليل القياس على المنقلة فإنّ
المنقلة فيها عشر من الإبل بالنص فجعلوا الهاشمة مثلها.
والقول الثاني: أنّ فيها حكومة لعدم دليل خاص بها يدل على هذا التقدير وفي
الحقيقة الهاشمة فيها تردد لأنها ليست كالمنقلة. المنقلة أعظم فكيف نساويها
بها وهي أعظم من الموضحة فيعني الإنسان يتردد في الهاشمة وإن كان المذهب
كما ترى يرون أنّ فيها عشر من الإبل.
قال - رحمه الله - (ثم المنقلة: وهي ما
توضح العظم وتهشمه وتنقل عظامها وفيها خمس عشرة من الإبل)
المنقلة هي التي تتجاوز التكسير إلى النقل ,والنقل معناه نقل العظم من
مكانه إلى مكان آخر وفيه عشر من الإبل بالنص والإجماع وأمره واضح لقول
النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي المنقلة خمس عشر من الإبل وهذا أمر واضح.
قال - رحمه الله - (وفي كل واحدة من المأمومة والدامغة ثلث الدية)
يلاحظ أنّ المؤلف لم يبيّن تعريف المأمومة والدامغة مع أنه بيّن معاني
السابقات كلها.
فالمأمومة هي الجرح الذي يصل إلى أم الدماغ وهي الجلد الذي يغطي ويحوي
الدماغ.
وأما الدامغة فهي التي تصل إلى الدماغ.
فيقول الشيخ وفي كل واحدة من المأمومة والدامغة ثلث الدية. المأمومة فيها
ثلث الدية بالنص والإجماع لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي المأمومة
ثلث الدية.
والدامغة: فيها عند الجمهور ما في المأمومة قياسا عليها.
والقول الثاني: أنّ في الدامغة الثلث وحكومة فالثلث لمقدار المأمومة منها
والباقي لما زاد.
والقول الثالث: أنّ في الدامغة الدية كاملة واعلم أنّ كثير من الفقهاء لم
يذكر الدامغة أصلا لماذا؟ لأنه لن ينجوا غالبا من الهلاك فسيكون فيه الدية
كاملة لكن إن أصيب وصلت الجناية إلى الدماغ ولم يفقد العقل ولم يمت فالراجح
أنّ فيه الثلث وحكومة إذا افترضنا أن يقع مثل هذا ففيه الثلث وحكومة وهذا
أعدل الأقوال.
نريد أن نعيد الخلاف في الهاشمة. الهاشمة يقول المؤلف فيها عشر من الإبل
إلى هذا ذهب الجمهور واستدلوا على هذا بآثار عن أصحاب النبي - صلى الله
عليه وسلم - وهي ضعيفة نحن قبل قليل قلنا فيها عشر لكن الآن نعيد الخلاف
إذا القول الأول أنّ فيها عشر من الإبل اعتمادا على آثار الصحابة
القول الثاني: أنّ فيها خمس عشر من الإبل كالمنقلة قياسا عليها.
القول الثالث: أنه ليس فيها دية بل فيها حكومة لأنه ليس في النصوص ما يدل
على تقدير دية الهاشمة. والراجح بالنسبة للهاشمة في يظهر لي الآن أنّ فيها
حكومة وفي هذا مراعاة في الحقيقة للمجني عليه لأنه ربما يأخذ أكثر من
المنقلة. وأيضا أكثر من الموضحة.
قال - رحمه الله - (وفي الجائفة: ثلث الدية: وهي التي تصل إلى باطن الجوف)
الجائفة هي التي تصل إلى مجوف في البدن
وليس الجوف عند الفقهاء فقط البطن بل الجوف كل مجوف فيشمل الصدر والبطن
والحلق والمثانة وكل مجوف في البدن فإذا وصلت الجناية إلى هذا المجوف فيقول
المؤلف وفي الجائفة ثلث الدية هذا محل إجماع لم يخالف إلاّ واحد من السلف
وهو مكحول - رضي الله عنه - فقال إن كانت عمدا ففيها ثلثي الدية وإن كانت
خطأ ففيها الثلث. والراجح مع الجمهور
أنّ في الجائفة الثلث. ودليل الرجحان أنه مذكورة في حديث عمرو بن حزم أنه
قال في الجائفة الثلث وعلمنا من هذا أنّ الجائفة والمأمومة ديتهما واحدة.
قال - رحمه الله - (في الضلع وفي كل واحدة من الترقوتين بعير)
والترقوة العظم الفاصل بين المنكب والرقبة أو الواصل بينهما في كل واحد
منهما يقول الشيخ بعير. الدليل أنّ هذا روي عن اثنين من الصحابة عمر وزيد.
أما عمر فصح عنه. - رضي الله عنه - وأما زيد فلم أقف على إسناده.
والقول الثاني: أنّ في الترقوتين في كل واحد منهما والضلع حكومة لأنه ليس
في النصوص ما يدل على التقدير وحملوا فتوى عمر - رضي الله عنه - على أنها
حكومة والظاهر والله أعلم كما فهم الإمام أحمد وغيره أنها ليست حكومة وإنما
حكم ثابت ولهذا نقول الراجح إن شاء الله أنّ فيها بعير.
قال - رحمه الله - (وفي كسر الذراع وهو الساعد الجامع لعظمي الزند والعضد.
والفخذ والساق إذا جبر ذلك مستقيما بعيران)
ذكر الشيخ أربعة من العظام. العظم الأول" الذراع. يقول وهو الساعد الجمع
لعظمي الزند. والعظم الثاني العضد ولهذا فإنّ علامة الترقيم الذي ذكرها
المحقق ليست في مكانها بل يجب أن يجعل - شرطة - بعد كلمة الزند لأنّ الواو
عاطفة على الذراع. إذا الأول الذراع والثاني العضد والثالث الفخذ والرابع
الساق. ففي كل واحد من هذه العظام بعيران الدليل روي عن عمر - رضي الله عنه
-
أنه أفتى في الزند بهذا وقيس على الزند باقي العظام.
والقول الثاني: أنها فيها حكومة لعدم وجود
الدليل الدال على هذا التقدير الدقيق. وهذه المسألة ليست كالمسألة السابقة
لأنه لم يروى عن عمر إلاّ في الزند فإثبات باقي العظام إنما هو من باب
القياس لا من باب النص. والقياس على أثر قد لا يكون فيه قوة التنصيص ولهذا
الأقرب في العظام الأربع أنّ فيها حكومة.
قال - رحمه الله - (وما عدى ذلك من الجراح وكسر العظام ففيه حكومة)
ما عدى هذه الجراح العشر والعظام المذكورة وهي أربع مع الأول ست ما عدى كسر
هذه العظام والجروح فيها حكومة وهذا إجماع
فقد أجمع الفقهاء على أنّ ما عدى هذه الأمور فيها حكومة لعدم الدليل على
تقدير شيء معيّن فيها.
قال - رحمه الله - (والحكومة: أن يقوّم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به
ثم يقوّم وهي به قد
برئت فما نقص من القيمة فله مثل نسبته من الدية. كأن قيمته عبدا سليما ستون
وقيمته بالجناية خمسون ففيه سدس ديته الحكومة كما ذكر المؤلف فالحقيقة
عبارته جيدة وموضحة أنّ نقوم المجني عليه كعبد وننظر النقص في قيمته قبل
وبعد الجناية فبمقدار النقص نعطيه من الدية فإن نقصت نصف قيمته نعطيه نصف
الدية. وإن نقص الربع فالربع وهكذا. هذه هي الحكومة فإذا كانت قيمته كما
قال المؤلف عبدا سليما ستون وقيمته بالجناية خمسون ففيه السدس , وإذا كانت
قيمته مائة قبل الجناية وبعدها خمسين فله نصف بالنسبة لا بالقدر. وإذا كانت
قيمته مائة قبل وبعد ثلاثون. الثلث. وهكذا وأمرها ظاهر لكن في الحقيقة نحن
نحتاج الآن إلى أمر آخر حتى نقدر الحكومة وهو لم أر من تعرض إليه وهو أنه
ما نملك كم قيمة العبد أليس كذلك. فكيف سنحدد الحكومة لم أجدهم تطرقوا
إليها وينبغي في الحقيقة على المعاصرين من الفقهاء بحث مثل هذه المسألة
لأنه لا يمكن أن تقول كم قيمته ونقدره عبد لأنه لا نعرف كم قيمة العبد
فتحتاج إلى تأمل وهي خطرت في بالي الآن فلعلي أتأمل فيها لا حقا ونرى طريقة
للتقدير سوى أن ننظر إلى القيمة قبل وبعد بالنسبة للعبد.
قال - رحمه الله - (إلا أن تكون الحكومة في محل له مقدر فلا يبلغ بها
المقدر (
إذا كانت الحكومة له في محل له مقدر لا
نبلغ بها المقدر. فالسمحاق الآن فيها دية أو حكومة؟ حكومة لأنها من الخمس
التي ليس فيها دية فإذا جاء إنسان وقدر السمحاق بخمس من الإبل الآن بلغت
السمحاق دية الموضحة هو يقول أنه إذا بلغت دية إحدى الجراحات في جنسها فإنه
لا تبلغ ولا يعطى بقدرها إذا ماذا نصنع؟ قال الفقهاء ينظر الحاكم وينقص
منها بحسب رأيه ولا يوجد لهذا ضابط إنما نقول للحاكم نقصّ من هذا التقدير
عن الموضحة بما ترى أنت أنه مناسب للجرح. بهذا يكون انتهى الباب ونأخذ إن
شاء الله باب العاقلة.
باب العاقلة وما تحمل
قال - رحمه الله - (عاقلة الإنسان عصابته)
العاقلة مأخوذة في اللغة من العقل والعقل هو الدية سمي بذلك لأنه جرى العرف
أنّ أولياء القاتل عاقلته يأتون بالإبل ويعقلونها ويربطونها في فناء أولياء
المقتول. وبهذا سميت الدية وإن لم تكن من الإبل من العقل وسمي الذين
يدفعونها بناء على هذا عاقلة. هذا من جهة اللغة.
أما من جهة الشرع فبيّنها المؤلف
فقال - رحمه الله - (عاقلة الإنسان عصباته كلهم من النسب والولاء قريبهم
وبعيدهم حاضرهم وغائبهم حتى عمودي النسب)
قوله قريبهم وبعيدهم يعني وإن لم يرث بعضهم. ولم يبّن المؤلف كيف نقسم
الدية على هؤلاء العاقلة وذكر الفقهاء أنها تقسم بحسب رأي الحاكم فيفرض على
كل واحد من العاقلة القدر الذي يتناسب مع قربه وبعده ومع حاله المادية فهو
أمر يرجع إلى الحاكم. نأتي أخيرا إلى العاقلة وهو الموضوع المهم من هم
العاقلة؟
الحنابلة وغيرهم يرون أنّ العاقلة هم العصبة ويستدلون على هذا بقول النبي -
صلى الله عليه وسلم - في حديث الهذليتين في آخر قال وقضى بالدية على عصبتها
وهذا في الصحيحين.
القول الثاني: أنّ العاقلة هم العصبة سوى الأب والابن فليس على الأب والابن
أن يدفعا من الدية شيئا.
القول الثالث: أنّ العاقلة هم العصبة كلهم إلاّ الابن فقط واستدل أصحاب هذا
القول على قولهم بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حكم بالدية على
العاقلة برء زوجها وابنها وهذا الحديث الذي فيه التنصيص على التبريء فيه
ضعف.
واستدلوا بدليل ثاني. وهو ما أخرجه البخاري
في صحيحه أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ورّث ابنها يعني من الدية هذا
اللفظ صحيح وهو في البخاري لكن دلالته ليست صريحة وإنما يستشف منها أنّ
الابن ليس من العصبة ولا يلزمه أن يدفع لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم -
ورّثه. وهذا القول الثالث اختاره ابن القيم ونصره. أنّ العاقلة هم جميع
العصبة إلاّ الابن فقط. والإنسان يتردد بين القول الأول وهو مذهب الجمهور
والقول الأخير لأنّ دلالة لفظ البخاري ليس بصريح فالإنسان يتردد بينهما في
الحقيقة وإن كان مذهب الحنابلة فيه قوة لتنصيص النبي - صلى الله عليه وسلم
- على العصبة لكن يبقى أنّ الإنسان يتردد في أي القولين أما استثناء الأب
فقول ضعيف ودليل الذين استثنوا الأب القياس على الابن قالوا إذا كان الشارع
برأ الابن من دفع الدية فالأب من باب أولى وهذا القول ضعيف لأنّ القياس في
مثل هذه الأمور غير وارد والمقصود بالعصبة كما سيأتينا في كلام المؤلف أي
الذكور.
الدرس: (4) من الديات
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم معنا في درس الأمس الكلام على من هم العاقلة في الشرع وذكرنا الخلاف
على ثلاثة أقوال والراجح منها توقفنا على
قول المؤلف - رحمه الله - (ولا عقل على رقيق)
لما بيّن المؤلف أنّ العاقلة هم العصبات أراد أن يبّين من يخرج ولا يكون من
العاقلة فقال (لا عقل على رقيق) الرقيق لا عقل عليه يعني لا يتحمل من الدية
شيء لأنه لا يملك فهو أسوأ حالا من الفقير فإنّ الفقير لا يجد شيئا يدفعه
وأما العبد فهو لا يملك أصلا المال الذي بيديه ولهذا فهو لا يكلف بدفع
الدية وهذا لا إشكال فيه.
ثم - قال رحمه الله - (وغير مكلف)
كالصغير والمجنون لا يحمل من الدية والعقل شيء حكي إجماعا وعللوا هذا بأنّ
العاقلة تحمل نظرا لكونهم من أهل النصرة والتأييد , والمجنون والصغير ليس
من أهل النصرة فلا يدخل في تحمل العقل.
يقول - رحمه الله - (ولا فقير)
الفقير هو من لا يجد نصابا إذا حال الحول
زائد عن نفقته الأصلية , والفقير لا يتحمل من العقل شيء عند الجماهير وحكي
إجماعا واستدلوا على هذا بأمرين الأول" أنّ العاقلة يحملون من العقل
لأمرين: التناصر وهو موجود في الفقير. والثاني المواساة وهي مفقودة في
الفقير لأنه كيف يواسي غيره وهو لا يجد ما يكفيه هو بنفسه. هذا الدليل
الأول.
الدليل الثاني: القياس على الزكاة فإنها لا تجب على الفقير الذي لا يملك
نصابا كذلك لا تجب عليه الدية.
والقول الثاني: أنها تجب على الفقير للعمومات لكونه داخلا في العصبة ولأنه
من أهل النصرة والتأييد وهي المعنى الذي من أجله شرعت الدية على العاقلة.
والراجح المذهب إن شاء الله.
قال - رحمه الله - (ولا أنثى)
المرأة لا تدخل في تحمل العقل بالإجماع لأنها ليست من أهل التناصر فلا
علاقة لها بالدية.
ثم - قال رحمه الله - (ولا مخالف لدين الجاني)
إذا كان أحد من عصبات الجاني ليس على دينه فإنه لا يتحمل من العقل شيئا
لأنّ المخالف في الدين ليس من أهل النصرة وإذا كان السبب في إيجابها على
العاقلة هو التناصر فهذا السبب مفقود فيمن يختلف في الدين مع الجاني وهذا
صحيح.
قال - رحمه الله - (ولا تحمل العاقلة: عمدا محضا)
لعلكم تذكرون أنه في بداية كتاب الديات نص المؤلف على أنّ الدية إنما هي في
الخطأ وشبه العمد وأنها هي التي يتحملها العاقلة وأنّ القتل العمد في مال
الجاني وهذا تقدم معنا ولعل المؤلف أراد أن يؤكد هذا المعنى.
ثم - قال رحمه الله - (ولا عبدا)
المقصود هنا أنّ الجاني إذا قتل عبدا من العبيد فديته وهي قيمته كاملة في
مال الجاني ولا تتحمل العاقلة منها شيئا. إذن إذا قتل الجاني عبدا فديته
وديته تقدم معنا أنها قيمته في مال الجاني ولا تتحمل العاقلة شيئا واستدل
أصحاب هذا القول وهم الجمهور بأثر عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال
وهو صحيح إليه لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولأنّ قتل العبد هو من باب
إتلاف الأموال والقاعدة في إتلاف الأموال وجوبها في مال المتلف.
والقول الثاني: أنها تجب على العاقلة كقتل
غير العمد لأنه قتل يجب فيه القصاص وتجب فيه الكفارة فيقاس على قتل الحر.
والراجح الأول لاسيما وقد صح عن ابن عباس ولا يعلم له مخالف.
ثم - قال رحمه الله - (ولا صلحا)
قوله ولا صلحا يعني ولا تتحمل العاقلة الصلح. وصورة ذلك. ما إذا ادعي على
شخص أنه قتل خطأ أو شبه عمد وأنكر ثم إنّ هذا المنكر صالح أهل الدعوة
صالحهم على مال معيّن فإنّ هذا المال لا تحمله العاقلة. واستدلوا بدليلين:
الأول: الأثر السابق عن ابن عباس فيه أيضا ولا صلحا , لا تحمل عمدا ولا
عبدا ولا صلحا.
الدليل الثاني: أنّ هذا المال وجب عليه برضاه فإذا رضي هو به فيكون في ماله
ولا تتحمل العاقلة منه شيء وصحيح أنّ هذا برضاه لأنه لو شاء لا استمر في
الإنكار ولم يلزمه دية لكن لما صالحهم صار برضاه.
ثم - قال رحمه الله - (ولا اعترافا)
يعني أنّ العاقلة لا تحمل الدية إذا اعترف الجاني بأنه قتل شخصا خطأ أو شبه
عمد , والسبب في هذا من وجهين: الأول: أيضا أثر ابن عباس فيه. ولا اعتراف.
وهو كما تقدم صحيح.
الثاني: أنه لو ألزمنا العاقلة بتحمل الاعترافات لصار هذا بابا لفتح
المواطئة بأن يواطئ أناسا على الاعتراف بالقتل الخطأ ثم يحمل العاقلة
ويتقاسم بعد ذلك هو وأهل المجني عليه الدية.
الدليل الثالث: أنه حكي إجماعا وبهذا عرفنا أنّ قول المؤلف ولا تحمل عمدا
ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا. هو نص أثر عن ابن عباس بهذا الترتيب لا
تحمل عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا.
يقول - رحمه الله - (لم تصدقه به)
يعني أنه إذا اعترف وأقرّ بأنه قاتل خطأ أو شبه عمد وصدقته العاقلة بأنه
قتل فإنه تلزم العاقلة حينئذ بدفع الدية لأنّ الشبهة ارتفعت وكأنهم يرون
أنّ أثر ابن عباس ليس على إطلاقه وإنما يحمل على ما إذا لم توافق أو تقّر
العاقلة اعتراف الجاني. وهذا صحيح لأنها إذا أقرّت وصدقت انتفت الشبهة وصار
قتلا خطأ كسائر القتل الخطأ.
قال - رحمه الله - (ولا ما دن ثلث الدية التامة)
يعني أنّ العاقلة لا يحملون من الدية أقل
من الثلث وإنما يحملون الثلث فأكثر أما ما دون الثلث فإنهم لا يحملونه ,
الدليل استدل الحنابلة بدليلين: الأول: أنه جاء في الحديث ليس على العاقلة
ما دون الثلث
الثاني: أنّ تحميل العاقلة إنما كان مواساة للجاني لئلا تجحف الدية بماله
وما دون الثلث لا يجحف ولا يضر بناء على هذا القول دية كثير من الشجاج
ستخرج معنا أليس كذلك؟ لأنها ما يحمل إلاّ الثلث فأعلى إذن كل شجة ليس فيها
الثلث فإنها لا تحمل لأنهم ما يحملون إلاّ الثلث فأكثر فالموضحة وما بعدها
والجائفة وما تقدم معنا مما فيه دون الثلث كله لا تحمله العاقلة إنما تحمل
من الثلث أو الدية كاملة.
والقول الثاني: للإمام الشافعي أنّ العاقلة تحمل ما قلّ وكثر من الدية.
ودليله - رحمه الله - العموم فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حمل العصبة
الدية ولم يفرق ما بين دون الثلث والثلث فما فوق. والراجح المذهب إن شاء
الله.
فصل
قبل أن ننتقل لهذا الفصل قلنا أنّ الراجح لا تحمل إلاّ ما دون الثلث ومن
أوجه الترجيح حتى يتبيّن لماذا مذهب الجمهور أقوى من مذهب الشافعي أنّ هذا
قضى به عمر - رضي الله عنه - وهذا يؤيد قول الجمهور مادام قضى به عمر خليفة
وأقرّه الصحابة - رضي الله عنه وعنهم - فهذا يقوي مذهب الجمهور.
ثم قال - رحمه الله - فصل
هذا الفصل في الكفارة والمقصود بيان كفارة الخطأ وشبه العمد , والكفارة في
اللغة مأخوذة من الكَفَر وهي
الستر والتغطية لأنها تغطي أثر الذنب وتغطي الذنب نفسه.
وأما في الشرع / فالكفارة هي ما يجب في المال لقتل خطأ أو ظهار أو يمين أو
نحوها مما يوجب الكفارات. والكفارة من حيث هي كفارة القتل الخطأ وغيره
مشروعة بإجماع الفقهاء لم يخالف في هذا أحد فيه خلاف في بعض الأعمال هل
فيها كفارة أو لا كما سيأتينا الآن ولكن في الجملة مشروعية الكفارة مجمعة
عليها بين علماء المسلمين - رحمهم الله -
قال - رحمه الله - (من قتل نفسا محرمة)
قوله من قتل نفسا محرمة يشمل إذا كان
القاتل من المكلفين أو من غير المكلفين. كأن يكون صغيرا أو مجنونا وإيجاب
الكفارة على غير المكلف هو مذهب الحنابلة بل هو مذهب الجمهور من الفقهاء
فهم يرون وجوب الكفارة في مال الصغير واستدلوا على هذا بالقياس على الزكاة
فإنهم قالوا كما أنّ الزكاة واجبة في مال الصغير فكذلك تجب عليه الكفارة.
والقول الثاني: أنّ الكفارة لا تجب في مال الصغير وإلى هذا ذهب الإمام أبو
حنيفة - رحمه الله - واستدل على هذا بالقياس على كفارة اليمين فإنها لا تجب
على الصغير واستدل عليه أيضا بأنها عبادة والعبادات لا تطلب من الصغير وفي
هذه المسألة إشكال كبير بعد التأمل لم يظهر لي أي قول من القولين ولم يترجح
لاسيما رجحانا بيّنا.
ثم - قال رحمه الله - (من قتل نفسا محرمة)
النفس المحرمة إما أن تكون نفس المسلم أو نفس الذمي والمستأمن والمعاهد ,
أما نفس المسلم ففيها الكفارة بإجماع العلماء بلا مخالف وأما الذمي فذهب
الحنابلة إلى أنّ فيه الكفارة لأنّ الله تعالى لما ذكر من بيننا وبينهم
ميثاق جعل فيه كفارة.
والقول الثاني: أنه لا كفارة في قتل الذمي فإذا صدم الإنسان كافرا معاهدا
أو ذمياً من أي ديانة كانت فلا كفارة لقوله تعالى {ومن قتل مؤمنا}
[النساء/92] وهذا ليس بمؤمن. والراجح والله أعلم مذهب الجمهور وهو الأول
وجوب الكفارة لأنّ الله رتبّ الكفارة على قتل غير المسلم في الآية وهذا
القول أرجح كما أنه أحوط.
ثم - قال رحمه الله - (من قتل نفسا محرمة خطأ)
تقدم معنا أنّ القتل إما أن يكون عمدا أو خطأ أو شبه عمد. أما القتل الخطأ
ففيه الكفارة بالإجماع وهو المقصود الأصلي بالكفارة.
القسم الثاني: قتل شبه العمد فالقتل شبه العمد فيه خلاف فالحنابلة يرون
وجوب الكفارة فيها لأنّ شبه القتل شبه العمد بالقتل الخطأ أكبر من شبهه
بالعمد يدل على هذا أنه لا قصاص فيه والدية فيها على العاقلة أليس كذلك؟
فشابه بهذا القتل الخطأ.
والقول الثاني: أنّ القتل شبه العمد لا
كفارة فيه لأنه يشبه القتل العمد في أنّ في كل منهما القصد إلى الفعل.
والراجح أنّ فيه الكفارة لأنه تقدم معنا مرارا أنّ القتل شبه العمد يشبه
القتل الخطأ أكثر من شبهه بالقتل العمد في مواضع كثيرة تقدمت معنا وكذا في
هذا الموضع ففيه الكفارة.
القسم الأخير: القتل العمد فذهب الجماهير وحكي إجماعا أنه لا كفارة فيه
واستدلوا بدليلين: الأول: أنّ الآية نصت على أنّ الكفارة
خطأ {ومن قتل مؤمنا خطأ} [النساء /92]
الدليل الثاني: أنّ ذنب القتل العمد أعظم من أن تكفّره الكفارة.
والقول الثاني: أنّ فيه كفارة قياسا على القتل الخطأ وشبه العمد والراجح
الأول وهو كما قلت مذهب الجماهير.
ثم - قال رحمه الله - (مباشرة أو تسببا بغير حق)
يعني سواء كان القتل خطأ قتلا مباشرا كأن يريد أن يقتل صيدا فيقتل معصوم
الدم أو تسببا كأن يغرز سكينا يقع عليها مكلف أو يحفر بئرا يسقط فيه مكلف
ونحو هذه الأشياء التي تكون سببا في قتل المعصوم سواء كان القتل بالمباشرة
أو بالتسبب ففيه الكفارة.
ثم - قال رحمه الله - (فعليه الكفارة)
إذا قتل قتلا خطأ فعليه الكفارة والكفارة هي:
1 - عتق رقبة. فمن لم يجد
2 - فصيام شهرين متتابعين
ولو أنّ المؤلف - رحمه الله - نص على الكفارة لكان أولى في الحقيقة لأنّ
هذا الفصل موضوع لبيان الكفارة صحيح أنّ الكفارة مذكورة في كتاب الله بشكل
واضح ولكن مع ذلك لو نص عليها لكان أولى عرفنا الآن أنّ الكفارة هي عتق أو
صيام. تقدم معنا في كفارة الظهار بحوث كثيرة تتعلق بالعتق وشروط الرقبة
وبحوث كثيرة تتعلق بالصيام والمتابعة فيه وحكم الإخلال بالمتابعة فكل
البحوث التي تقدمت معنا في كفارة الظهار تنطبق في كفارة القتل الخطأ تماما
فهي هي أدلة وترجيح ومسائل فهي تتشابه تشابها تاما.
مسألة/ بقي معنا إطعام ستين مسكينا فالجمهور يرون أنه ليس في كفارة القتل
إطعام ستين مسكينا واستدلوا على هذا بأنّ الله ذكر عتق الرقبة فقال {ومن
قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة} [النساء/92] ثم قال {فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين} [النساء/92]
ولم يذكر إطعام ستين مسكينا ولو كان الإطعام واجبا لذكرته الآية مع خصال
الكفارة.
والقول الثاني: أنّ من لم يجد عتق الرقبة
ولم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين فإنه يطعم ستين مسكينا قياسا على
الكفارات الأخرى كالظهار والوطء في نهار رمضان والراجح والله أعلم أنه ليس
في خصال كفارة القتل الخطأ الإطعام لأنه لم يذكر في الآية وفي هذا شبه
دلالة على أنه ليس من الخصال.
باب القسامة
قوله باب القسامة القسامة مصدر أقسم ومعنى أقسم أي حلف والقسامة مشروعة
بالسنة فقط. فليس فيها إجماع ولم تذكر في القرآن
وأما دليلها من السنة فهو أنّ محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل خرجوا إلى
يهود خيبر فلما وصلوا إلى النخيل تفرقا فجاء محيصة بن مسعود ووجد عبد الله
بن سهل مقتول بين النخل فذهب عبد الرحمن بن سهل أخو عبد الله بن سهل وابنا
عمه محيصة وحويصة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - واتهموا يهود بأنهم
قتلوه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تقسمون خمسين يمينا على رجل منهم
فندفعه إليكم فقالوا يا رسول الله كيف نقسم ولم نشهد ولم نرى. فقال النبي -
صلى الله عليه وسلم - تقسم يهود لكم خمسين يمينا وليس لكم عليهم شيء فقالوا
يا رسول الله قوم كفار ضلال. يعني أنهم لن يتورعوا عن القسم فواده النبي -
صلى الله عليه وسلم -
من عنده من بيت المال. هذا الحديث جعله الجنابلة أصل في القسامة أما
مشروعية القسامة بين الفقهاء ففيه خلاف. القول الأول هو ما سمعتم أنه مشروع
وهذا دليله.
والقول الثاني: أنّ القسامة لا تشرع واستدلوا على هذا بأنّ القسامة على
خلاف قواعد الشرع فإنّ قواعد الشرع تدل على أنّ البيّنة على المدعي واليمين
على من أنكر وفي هذه الصورة وهي القسامة جعلت اليمين على المدعي وهذا خلاف
قاعدة الشرع. والراجح أنّ القسامة مشروعة بلا إشكال إن شاء الله وأنّ
القاعدة أنّ اليمين في حق أقوى المتداعيين وليست دائما في حق المدعى عليه
وإنما خرج الحديث مخرج الغالب لأنّ المنكر غالبا أقوى من المدعي فجعلت
اليمين في الحديث عليه وقد استوفى ابن القيم الكلام عن هذه المسألة وأطال
جدا وبيّن أنّ القسامة مشروعة وأنها لا تنافي أصول الشرع وأنها بالعكس من
هذا تؤدي مقاصد الشرع وذكر كلاما طويلا في ترجيح هذا القول وهو مشروعية
القسامة.
قال - رحمه الله - معرفا لها (وهي: أيمان
مكررة في دعوى قتل معصوم)
المؤلف يريد أن يعرف القسامة فقال هي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم في
الحقيقة المؤلف أغفل في التعريف أمرا ضروريا وجعله شرطا للقسامة وهو اللوث.
والواقع أنّ القسامة من حقيقتها الشرعية وجود اللوث ولهذا لو أخذنا هذا
التعريف أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم لم يتضح المراد لأنّ هذه الأيمان
المكررة في دعوى معصوم لا تقبل ولا ينظر إليها إلاّ مع وجود اللوث ولهذا
فإنّ الفقهاء - رحمهم الله - قالوا يشترط للقسامة ثلاثة شروط وذكروا تكرار
الأيمان والدعوى وقتل المعصوم واللوث. فجعلوا اللوث من حقيقة القسامة. نأتي
إلى كلام المؤلف وهي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم. بيّن المؤلف الشروط.
الشرط الأول والثاني.
الشرط الأول: أن تكون أيمان مكررة في دعوى فلا بد من تكرير الأيمان ولا بد
أن يكون هذا التكرير في سياق الدعوى أما إذا كرر بدون دعوى فليست من
القسامة إذا يجب أن يدعي أولا أنّ موليه قتل من الفئة الفلانية ثم إذا ادعى
أقسم أيمانا مكررة. هذا هو الشرط الأول.
الشرط الثاني: في قتل معصوم فإذا القسامة لا دخل لها في الشجاج والجروح
إنما هي في القتل فقط ولم يبيّن المؤلف هل قوله في قتل معصوم عمدا أو خطأ
أو شبه عمد وهذه المسألة فيها خلاف فمن الفقهاء من قال القسامة تختص بالقتل
العمد ففي شبه العمد والخطأ لا قسامة ومن الفقهاء من قال بل القسامة تشمل
جميع أنواع القتل وهي وإن جاءت في الحديث بسبب القتل العمد إلاّ أنّ هذا لا
يجعلها
تختص به فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. والراجح أنّ القسامة لا
تختص بالقتل العمد بل تشمل القتل العمد وأيضا شبه العمد والخطأ. ثم بدأ
المؤلف ببيان الشرط الثالث وهو في الحقيقة كما قلت عمدة من عمد فقه القسامة
وهي اللوث.
فقال - رحمه الله - (ومن شرطها اللوث)
اللوث هي القرينة الحالية أو القولية التي
توجب الظن وإن لم توجد بيّنة تامة , هذا التعريف بعد البحث وجدت أنه خير
التعريف في الحقيقة وأقربها لبيان حقيقة اللوث إذا هي قرينة وليست بيّنة
ولكن هذه القرينة توجب الظن ويجب أن لا يعتمد على هذه القرينة إلاّ عند عدم
وجود بيّنة تامة أما إذا وجدت البيّنة التامة فليس للوث أي قيمة لأنه يكتفى
بالبيّنة التامة إذا عرفنا الآن ما هو اللوث.
ثم - قال رحمه الله - (وهي: العداوة الظاهرة كالقبائل التي يطلب بعضها بعضا
بالثأر)
ذهب الحنابلة إلى أنّ اللوث هو العداوة أي يشترط لوجود اللوث وجود العداوة
واستدلوا على هذا بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم -
أثبتها في قصة الأنصاري لوجود العداوة بين الأنصار ويهود خيبر ولهذا فهم
يرون أنّ اللوث يكون بوجود العداوة فقط.
القول الثاني: أنّ اللوث أمر أعم من هذا فهو يشمل كل قرينة توجب التهمة
وتدل على وقوع الجناية سواء كانت عداوة أو سواها ومثلوا على هذا بأن يجتمع
النفر على شخص ويتفرقوا عنه وهو ميت أو أن نجد شخصا مقتولا وبجواره من يحمل
السيف وفيه الدم ومثال ثالث هو أوضح وأقوى الأمثلة في الحقيقة وهو أن يشهد
على أنّ فلان قتل فلان من لا تقبل شهادته في باب الجنايات كالمرأة والصبي
والعبد فهؤلاء إذا شهدوا شهادتهم لا تكفي لإقامة الحد والقصاص أليس كذلك؟
لكنها توجب قرينة وتهمة أنّ من شهد عليه قام بالقتل حقيقة. وهذا المثال في
الحقيقة يبيّن قوة القول الثاني وهذا القول الثاني اختيار شيخ الإسلام
وغيره من المحققين وهو الصواب أنه يقصد باللوث كل ما أوجب تهمة.
مسألة / مشروعية القسامة تكون عند وجود قتيل لا يعلم قاتله بشرطه , وهي
الشروط المذكورة في هذا الباب فإذا توفرت الشروط وهذا المعنى جاز حينئذ
القسامة.
قال - رحمه الله - (فمن ادعي عليه القتل من غير لوث حلف يمينا واحدة وبرىء)
إذا ادعي على شخص أنه قاتل ولم يستطع
المدعي أن يثبت وجود اللوث فليس على المدعى عليه إلاّ أن يقسم قسما واحدا
ويبرأ لأنّ هذا الحكم في سائر الدعاوى ولأنّ عدم وجود اللوث يرفع وجوب
تكرار الأيمان وهذا معلوم ولكن المؤلف أراد أن يقرر هذا الشيء ويبيّن أنّ
التكرار يتعلق بوجود اللوث.
قال - رحمه الله - (ويبدأ بأيمان الرجال من ورثة الدم , فيحلفون خمسين
يمينا فإن نكل الورثة أو كانوا نساء حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرىء)
ذكر المؤلف في هذين السطرين جملة من المسائل فقوله ويبدأ بأيمان الرجال.
المسألة الأولى: أنّ الذي يبدأ باليمين المدعي ثم ينقل إلى المدعى عليهم
واستدل الحنابلة على هذا بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - طلب من المدعين
بدم عبد الله بن سهل أن يحلفوا.
والقول الثاني: أنه يبدأ بالمدعى عليهم لأنه في هذا الحديث في لفظ منه أنّ
النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر اليهود أن يقسموا قبل أن يطلب من أهل
الميت. وهذا اللفظ ضعيف ولهذا الراجح كما ذهب الحنابلة أنّ الذين يبدؤون
باليمين هم أهل الميت الذين ادعوا.
قال - رحمه الله - (بأيمان الرجال)
في هذه العبارة دليل أو إشارة مسألة وهي أنّ الذي يحلف هم الرجال فقط لقول
النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم خمسون رجلا منكم فالنساء لا دخل لهم في
اليمين إذا يقسم خمسون رجلا منكم.
ثم - قال رحمه الله - (من ورثة الدم)
في هذا دليل على أنّ الذين يقسمون هم الورثة فقط. ومن لا يرث لا يقسم ولا
يطلب منه ولا ينفعه أن يقسم وتقسم الأيمان على الورثة بحسب ورثهم فمن يرث
النصف فعليه نصف الأيمان ومن يرث السدس فعليه سدس الأيمان ومن لا يرث إلاّ
هو فيقسم كل الخمسين إذا للورثة ويقسم حسب ميراثهم.
ثم - قال رحمه الله - (فيحلفون خمسين يمينا)
وفي هذا دلالة على أنّ عدد الأيمان خمسون وهذا محل إجماع أجمعوا على أنّ
عدد الأيمان خمسون يمينا لقول النبي يقسم خمسون رجلا فهذه المسألة لا إشكال
فيها.
قال - رحمه الله - (فإن نكل الورثة أو كانوا نساء حلف المدعى عليه خمسين
يمينا وبرىء)
في هذا ما تقدم أنّ اليمين لا تنصرف إلى
المدعى عليه إلاّ إذا نكل المدعي أما إذا أقسم فإنه لا يطلب من المدعى عليه
يمين بل يدفع إلى أهل القتيل من أقسموا عليه ليقتلوه لكن إنما ترد اليمين
إذا أبى أو نكل المدعون عن القسم وهذا صحيح وأفادنا المؤلف أنه إذا أقسم
المدعى عليهم فإنهم يبرأون ولا شيء عليهم لا كفارة ولا دية ولا قصاص لأنه
لم يثبت في حقهم أو لم تثبت الجناية من الأصل لعدم وجود الدليل الكافي
شرعاً فإذا أفادنا المؤلف أنها ترد إليهم وأنهم إذا حلفوا يبرأون والدليل
على هذا أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نكل أهل محيصة - رضي الله
عنه - رد اليمين إلى اليهود ولم يلزمهم بشيء.
بهذا انتهى كتاب الديات
|