شرح زاد
المستقنع للخليل كتاب الأطعمة
الدرس: (1) من الأطعمة
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الأطعمة جمع طعام وطعام اسم لكل ما يأكل ويشرب , أما أنه اسم لكل ما يأكل
فهو أمر ظاهر لا يحتاج إلى استدلال وفيه قوله تعالى {وطعام الذين أوتوا
الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} [المائدة/5] أي ذبائحهم
وأما أنّ الشراب يطلق عليه طعام فأيضاً جاء في الكتاب والسنة ففي قوله {فمن
شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقرة/249] فعبر عن الشرب
بالطعام.
ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - عن ماء زمزم إنها طعام طعم وشفاء
سقم. فعبر عن الماء بأنه طعام طعم وقد يعبر الفقهاء أحيانا بقولهم الأطعمة
والأشربة فإذا عبروا بهذا فمن الظاهر أنّ مقصودهم بالأطعمة. أي ما يأكل
وبالأشربة أي ما يشرب.
يقول الشيخ - رحمه الله - (الأصل فيها الحل , فيباح كل طاهر , لا مضرة فيه
, من حب وثمر وغيرهما)
الأصل العام في المطعومات الحل لقوله تعالى {هو الذي خلق لكم ما في الأرض
جميعا} [البقرة/29] ولقوله تعالى {ويحل لهم الطيبات} [الأعراف/157] ويستدل
أيضا على أنّ الأصل في المطعومات الحل أنّ النصوص الخاصة جاءت بمنع أشياء
معينة فدل على أنّ ما عداها فهو حلال وكون المطعومات الأصل فيها الحل كما
دل عليه الكتاب فهو أيضا محل إجماع من الفقهاء وذهب شيخ الإسلام - رحمه
الله - إلى أنها حلال خالصة للمؤمنين فقط {قل هي للذين آمنوا في الحياة
الدنيا خالصة يوم القيامة} [الأعراف/32] فدلت الآية على أنها حل للمؤمنين
فقط دون الكافرين وفي الواقع أنّ هذا الخلاف لا يترتب عليه أثر من حيث
الأحكام الفقهية التفريعية.
والفقهاء - رحمهم الله - انقسموا في الأطعمة والأشربة إلى ثلاثة أقسام أو
ثلاث مذاهب عموما:
المذهب الأول: مذهب أهل الكوفة وعندهم اتساق مع النصوص في المطعومات
ومخالفة للنصوص في المشروبات.
المذهب الثاني: مذهب أهل المدينة والحجاز وعندهم اتفاق وانسجام مع النصوص
في المشروبات واختلاف معها في الجملة في المطعومات
المذهب الثالث: مذهب أهل الحديث الذين
أخذوا بالآثار وجمعوا بينها وعلى رأسهم الإمام الكبير الإمام أحمد بن حنبل
- رحمه الله - فهو أخذ بالنصوص في المطعومات والمشروبات. وشيخ الإسلام -
رحمه الله - في الفتاوى الكبرى وفي مجموع الفتاوى تكلم عن هذه الاتجاهات
بكلام كثير مفيد لطالب العلم.
يقول - رحمه الله - (ولا يحل نجس كالميتة والدم)
لما بيّن أنّ الأصل في المطعومات الحل انتقل إلى بيان ما يحرم من المطعومات
والآية تقول {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} [لأعراف/157] فالأصل
أنّ كل طيب حلال وكل خبيث حرام هذا هو الأصل العام والخبائث تنقسم إلى
قسمين:
القسم الأول: الخبائث العينية يعني ما خبث بعينه كالدم والميتة والخنزير.
القسم الثاني: ما خبث لكسبه , كالربا والميسر والمكاسب المحرمة. وهذا الباب
كما هو معلوم يتحدث عن القسم الأول.
يقول - رحمه الله - (ولا يحل نجس كالميتة والدم)
أشار المؤلف إلى ضابطين من ضوابط التحريم في جملة واحدة. الضابط الأول" أنّ
كل ما نص عليه الشارع أنه محرم فهو محرم يعني الأعيان المنصوصة عليها. وهذا
يتناول الميتة والدم والخنزير , ولهذا كان يحسن بالمؤلف جدا أن يضيف إلى
الميتة والدم هنا الخنزير لكنه أخره أن ذكره مع محرمات أخرى فخالف الصواب
في موضعان كان ينبغي أن يذكره هنا وكان ينبغي أن لا يذكره كما سيأتينا مع
القسم الثالث من المحرمات فالميتة والدم محرم بالنص والإجماع كما قال تعالى
{قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما
مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} [الأنعام/145]
وقوله في الآية فإنه رجس الأقرب إن شاء الله أنّ الضمير يعود إلى الثلاثة
فصارت الآية دلت على الحكم وعلى التعليل فالحكم أنها محرمة والعلة أو السبب
أنها نجسة. وبهذا نكون عرفنا أنّ الضابط الأول من المحرمات الأشياء التي نص
الشارع على تحريمها بأسمائها وأعيانها والأصل الثاني أو الضابط الثاني في
المحرمات الأعيان النجسة فكل الأعيان النجسة محرمة لهذه الآية فإنه يقول
فإنها رجس ويلحق بالأعيان النجسة الأعيان المتنجسة.
والأعيان المتنجسة هي الأعيان التي في
أصلها حلال طاهرة ثم طرأت عليها النجاسة لاختلاط أو غيره والدليل على تحريم
الأعيان المتنجسة من وجهين:
الوجه الأول: أنّ الشارع حرم الجلالة وسيأتينا أنها التي تأكل النجاسات.
الثاني: أنّ الأعيان المتنجسة فيها نجاسة وإذا كانت النجسات محرمة للنجاسة
فالمعنى الموجود في النجسات موجود في المتنجسات.
ثم - قال رحمه الله - (ولا ما فيه مضرة كالسم ونحوه)
الثالث مما يحرم على الإنسان كل ما فيه مضرة فجميع الأطعمة والأشربة التي
فيها مضرة فهي محرمة ومثل عليه بالسم والدليل على تحريمها قوله تعالى {ولا
تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة/195] والقاعدة العامة أنّ بدن الإنسان
أمانة عنده لا يجوز له أن يتصرف فيه بما يضره. وقول الشيخ (كالسم) يشير
المؤلف إلى أنّ تحريم السم سببه أنه مضر وهو على المذهب محرم لأمرين لأنه
مضر ولأنه عندهم نجس , والصواب أنّ السم ليس بنجس وإنما طاهر وحرم لمضرته.
والمضرات تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما الأصل فيها الضرر في أي حال أخذت. فهذه محرمة وهي كالسم
والمخدرات وكل المواد الضارة.
القسم الثاني: ما هو مضر ضرر عارض كأن يكون هذا الطعام لا يناسب الإنسان من
أمثلته المشهورة المعاصرة والأمثلة التي تتنافى الأطعمة التي تتنافى مع مرض
الحساسية فهذه دلت النصوص على أنّها محرمة فإذا كان الإنسان إذا تناول
طعاما معينا سبب له حساسية ضارة فإنه محرم لا من حيث أصل الطعام ولكن من
حيث أنه مضر ببدنه هذا الضرر العارض. وكذلك من ابتلوا بمرض السكري أو
الكولسترول أو الضغط أو جميع الأمراض المعروفة التي غالبا ما تكون بأسباب
الأطعمة.
ثم - قال رحمه الله - (وحيوانات البر مباحة إلاّ)
قوله وحيوانات البر مباحة إنما ذكره ليعطف
عليه بما بعده وإلاّ فإنّ قوله في أول الكتاب أنّ الأصل الحل يشمل
الحيوانات والمطعومات إلاّ أنّ تصرف المؤلف كأنه يشعر وإن كان ليس بذاك
الوضوح كأنه يشعر أنه في المقدمة الأولى يتحدث عن غير الحيوانات يعني عن
الحبوب والثمار. ثم الآن انتقل إلى ما يأكل من اللحوم وهذا منسجم تماما مع
تصرف المؤلف إلاّ أنه يشكل عليه شيء واحد أنه تطرق لتحريم الميتة والدم.
وإلاّ لكان القسم الأول عن الحبوب والثمار ثم الآن ينتقل إلى الكلام عن
الحيوانات البرية. بيّن المؤلف أنّ الأصل فيها الحل وكما قلت دلت عليها
النصوص السابقة.
ثم - قال رحمه الله - (إلاّ الحمر الإنسية)
الحمر الإنسية محرمة عند الجماهير من السلف والخلف. واستدلوا على هذا بآثار
واضحة وصريحة فاستدلوا بحديث ابن عمر في الصحيحين أنّ النبي - صلى الله
عليه وسلم - نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. واستدلوا أيضا بحديث أنس
وهو أيضا في الصحيح قريب من حديث ابن عمر وفيه أنّ الله ورسوله ينهيانكم عن
لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس. وهذه النصوص صريحة جدا.
القول الثاني: وهو إحدى الروايات عن الإمام مالك ومذهب ابن عباس أنها حلال
واستدلوا على هذا بالآية فإنّ الآية لم تذكر الحمر مع أنّ فيها نفيا
وإثباتا {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة
أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به}
[الأنعام/145] ففيها النفي والإثبات والنفي والإثبات علامة الحصر وأشرت في
أول الباب إلى أنّ المالكية عندهم إشكال في الأطعمة وهذا من شواهد هذا
الإشكال فإنه يستكثر على إمام مثل الإمام مالك أن يذهب إلى مثل هذا القول
وإن كان إحدى الروايات عنه.
أما ابن عباس فروي أنّ علي بن أبي طالب ناظره وذكر له الأحاديث فلما بلغته
رجع. ولهذا ذهب كثير من الأئمة إلى أنّ عذر الإمام مالك وعذر ابن عباس -
رضي الله عنهما - عدم بلوغهما الخبر والراجح كما هو ظاهر إن شاء الله أنّ
الحمر محرمة.
وقوله (الحمر الإنسية) أخرج الحمر الوحشية وسيأتي نصوصا عليها في كلام
الماتن - رحمه الله -.
ثم - قال رحمه الله - (وما له ناب يفترس به)
الناب هو السن الذي يقع خلف الرباعية
ومقصود الفقهاء بما له ناب يفترس به بتحريم كل ذي ناب مقصود الفقهاء كل
حيوان اتصف بصفتين. الصفة الأولى أنّ له نابا , والصفة الثانية أنه يفترس
بهذا الناب. والدليل على هذا أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كل
ذي ناب من السباع وأخذنا الضوابط من الحديث. أما الضابط الأول فمن قوله كل
ذي ناب , فإذن لابد أن يكون له ناب.
وأما أنه يفترس به فلقوله من السباع فإنّ طبع السباع الإفتراس فكل حيوان له
ناب يفترس به فإنه محرم بنص هذا الحديث الصحيح.
ثم ذكر الشيخ - رحمه الله - أمثلته:
فقال - رحمه الله - (وما له ناب يفترس به غير الضبع)
قبل أن يذكر الأمثلة ذكر المستثنيات والضبع محل خلاف بين الفقهاء فذهب
الحنابلة إلى أنه حلال واستدلوا على هذا بما صح عن جابر بن عبد الله - رضي
الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الضبع صيدا. وكون الضبع
صيد هذا القدر من الحديث صححه البخاري وإطلاق وصف الصيد يدل على أنه مأكول.
القول الثاني: أنه محرم لأنه يدخل في عموم حديث النهي.
والقول الثالث: أنه مكروه لما فيه من خبث والراجح القول الأول وهذا مثال
يضاف إلى الأمثلة السابقة أنّ أهل الحديث وسط والوسطية تعني إتباع الآثار.
ثم - قال رحمه الله - (كالأسد , والنمر , والذئب , والفيل , والفهد ,
والكلب , والخنزير , وابن آوى , وابن عرس , والسنور , والنمس , والقرد ,
والدب) هذه الحيوانات معروفة.
وابن عرس نوع من الفأر , والسنور هو القط بريا كان أو أهليا. والنمس نوع من
القطط لكنه كبير. وباقي المذكورات معروفة هذه الأمثلة أمرها ظاهر لأنها من
السباع التي لها ناب فهي محرمة لكن في بعضها خلاف قوي نعرض للحيوانات التي
فيها خلاف والباقي فأمرها ظاهر واندراجها تحت الحديث واضح:
الأول قال ـرحمه الله -:"والفيل "
الفيل اختلف فيه الفقهاء فذهب الحنابلة إلى أنه محرم لأنّ له ناب بل ناب
كبير.
والقول الثاني: أنه مباح لأنّ له نابا لكنه لا يفترس به.
والقول الثالث: أنه مكروه لإستقذاره وكراهيته ومن حيث القواعد لا يوجد دليل
على التحريم ما دام الأصل الحل ولا يوجد دليل واضح ناقل فإنّ الأصل الحل.
قال - رحمه الله - (والخنزير)
ذكر الخنزير مع ما له ناب يفرس به خطأ , لأنّ الخنزير ليس له ناب يفرس به
وإنما الخنزير حرم لقاعدة أخرى يندرج تحت قاعدتين أنه منصوص عليه وأنه رجس.
إذن إيراده هنا أقرب ما يكون وهم.
ثم - قال رحمه الله - (والدب)
الدب أيضا فيه خلاف فالحنابلة يرون أنه محرم لأنّ له نابا يفترس به.
والقول الثاني: أنّ الدب ينقسم إلى قسمين: القسم الأول ما له ناب. فهذا
محرم.
والقسم الثاني: ما ليس له ناب ويقصدون بما ليس له ناب يعني من أصل الخلقة
ولا يقصدون بطبيعة الحال الصغير فهذا مباح. وهذا التفصيل روي عن الإمام
أحمد نصا - رحمه الله - ولا يظهر لي أنّ هذا التفصيل صحيح والسبب أنه لا
أعلم أنه يوجد دب لا يفترس فيما أعلم أنّ جميع الدببة تفترس فإن وجد دب لا
يأكل إلاّ العشب فالخلاف في هذا النوع من الدب كالخلاف تماما في الفيل إذا
وجد ويبدوا أنه يوجد لكنه غير معروف نوع نادر جدا من أنواع الدببة التي أو
شكت على الانقراض هي التي توصف بأنها لا تأكل اللحوم
وإلاّ الأصل في الدب أنه يأكل اللحم إذن هذا هو الخلاف والراجح أنّ الدب له
ناب يفترس به فهو محرم إلاّ إن وجد نوع لا يأكل إلاّ العشب فالخلاف فيه
كالخلاف في الفيل.
ثم - قال رحمه الله - (وماله مخلب من الطير يصيد به)
ماله مخلب من الطير محرم ويشترط فيه أن يكون له مخلب وأن يكون يصيد به. أما
اشتراط أنه أن يكون له مخلب فلقوله نهى عن كل ذي مخلب من الطير , وأما أنه
يصيد فمن أين؟ لأنه يقول من الطير. أخذنا هذا القيد من فائدة جميلة جدا
لابن حزم وهو أنه يقول [العرب لا تسمي الطير بذي مخلب إلاّ وهو يصيد] ما
تسمي باقي الطيور أنها ذي مخلب وإن كان لها مخلب لكن العرب لا تطلق هذا
الاسم إلاّ على ما يصيد من الطيور وهذه فائدة جليلة فيها الدليل على الشرط
الثاني , فكل ذي مخلب من الطيور فإنه لا يحل أكله.
ثم - قال رحمه الله - (كالعقاب , والبازي , والصقر , والشاهين , والباشق ,
والحدأة , والبومة)
هذه الحيوانات لها مخالب تصيد بها وهي محرمة بنص الحديث ولا أعلم في
الأمثلة الأولى خلاف فهي محرمة بنص الحديث.
ثم - قال رحمه الله - (وما يأكل الجيف)
ذكرت في أول الكتاب أنّ قاعدة المحرمات
أنها {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} [الأعراف/157] فكل خبيث في
الشرع فهو محرم ويبقى علينا أن نثبت أنه خبيث فما يأكل الجيف اعتبره
الفقهاء يأكل الخبائث وإذا كان يأكل الخبائث فهو محرم بالإضافة إلى أنّ هذه
الطيور لها مخالب تصيد بها وقد ذكر الشيخ الأمثلة.
فقال - رحمه الله - (كالنسر , والرخم , واللقلق ,والعقعق , والغراب الأبقع
, والغداف - وهو أسود صغير أغبر - والغراب الأسود الكبير)
النسر والرخم واللقلق والعقعق. هذه أمرها واضح وهي تأكل الجيف فهي أولى
بالتحريم من الجلالة كما أنّ لها مخالب تصيد بها , أما الغراب فقسم المؤلف
الغراب إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الغراب الأبقع وهو الذي يسمى غراب البين فهذا محرم بالإجماع.
الثاني: الغداف وهو أسود صغير أغبر , الغراب الأسود الصغير هو الذي يسمى
غراب الزرع فالحنابلة يرون أنه محرم لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر
بقتل الغراب وما أمر بقتله كما سيأتينا فهو محرم فأخذوا منه العموم.
والقول الثاني: أنّ الغراب الصغير غراب الزرع جائز لأنه يأكل ما تأكل
الحمامة ولا يأكل من الجيف والراجح إن شاء الله أنّ الصغير جائز وحلال ليس
بحرام.
الثالث: الغراب الأسود الكبير هذا محرم وهو مقيس على غراب البين ويأكل
الجيف ولا إشكال في تحريمه إذا صارت الأنواع ثلاثة للغراب وعرفنا حكم كل
واحد منها.
ثم - قال رحمه الله - (وما يستخبث كالقنفذ , والنيص , والفأرة , والحية ,
والحشرات كلها , والوطواط)
من القواعد المتقررة عند الحنابلة أنّ كل ما يستخبث فهو حرام وضبطوا ما
يستخبث بأهل الغنى والمروءة من أهل الأمصار دون الفقراء من أهل القرى.
وعللوا هذا بأنّ الفقراء من أهل القرى لا يستخبثون إلاّ الأشياء القليلة
لفقرهم.
والقول الثاني: أنّ الضابط في ما يستخبث ما تستخبثه العرب من قريش ,
واستدلوا على هذا بأنّ قريش نزل عليها الوحي ونزل القرآن بلسانها وهم أولى
الناس بضبط الخبائث على أعرافهم لأنه لو لم تضبط بذلك لصار الحلال والحرام
يتفاوت من بلد لآخر.
والقول الثالث: أنّ هذا الضابط وهو ما
يستخبث ليس بصحيح وأنّ الشارع لا يحرم ما يستخبثه أحد وإنما يحرم ما دل
النص على تحريمه صراحة فقط واستدل أصحاب هذا القول بأنّ قريش وهم أرفع من
قيل يرجع إلى طبائعهم في استخباث الأطعمة كانوا يستطيبون الخبائث فهم
يأكلون الميتة والدم , ويستخبثون الطيبات فهم لا يأكلون الضب فدل هذا على
أنّ الشرع لم يجعل استخباثهم معتبرا.
وهذا القول الأخير هو الراجح بلا شك إن شاء الله , وأنه لا يحرم شيء من
الأطعمة بناء على مجرد الاستخباث الذي لا يسنده دليل من النص.
قال - رحمه الله - (كالقنفذ)
القنفذ محرم وهو من أمثلة ما يستخبث عند الحنابلة ودليل التحريم عندهم أنه
يستخبث.
والقول الثاني: للجمهور أنّ القنفذ حلال ولا بأس بأكله واستدل الجمهور
بالعمومات والراجح مذهب الجمهور إلاّ إن صح ما ذكره بعض الفقهاء أنّ القنفذ
يأكل الخبائث إن صح أنه يأكل الحشرات الخبائث وما يستقذره الناس مما في
الشوارع فيلحق بما يأكل الخبائث
وهو القسم السابق كالنسر إن صح هذا لأنه لم يذكره إلاّ عدد قليل من الفقهاء
إن صح هذا فهو محرم لكونه يأكل الخبائث.
ثم - قال رحمه الله - (والنيص)
النيص هو القنفذ إلاّ أنه كبير ويدافع عن نفسه بإطلاق الشوك بخلاف القنفذ
فهو يدافع عن نفسه بالتكور على نفسه.
ثم - قال رحمه الله - (والفأرة والحية)
الفأرة والحية محرمات , أما الفأرة فلأنها نجسة ولأنّ النبي - صلى الله
عليه وسلم - أمر بقتلها. وكل ما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله
فهو ليس مطعوما لأنّ في الحديث قتلها في الحل والحرم ولو كانت صيدا لم يجز
أن تقتل في الحرم.
وأما الحية فكذلك لما تقدم من أنها تستخبث وأمر بقتلها إلاّ أنه في الحية
يوجد خلاف فذهب بعض الفقهاء وهو القول الثاني: في المسألة إلى أنّ الحية
يجوز أن تأكل لأنه لا دليل على تحريمها والأمر بقتلها لا يمنع من أكلها
والراجح بلا إشكال أنها تحرم إن شاء الله أولاً لأنه أمر بقتلها وقاعدة أنّ
كل ما أمر بقتله فهو حرام صحيحة.
ثانيا: أنها تأكل كما تأكل السباع فهي تصيد
الحيوانات الصغيرة كالأرنب الصغير والفأر واليربوع ونحوها وتأكله كما تأكل
السباع الحيوانات الكبيرة فشأنها شأن السباع ليست من السباع لكنها تقاس على
السباع فإن شاء الله لا إشكال عندي في أنها محرمة.
ثم - قال رحمه الله - (والحشرات كلها)
الحشرات محرمة عند الجمهور لاستخباثها وقذارتها ولأنها تأكل الخبائث ومن
أمثلتها الجعل والخنافس والصراصير ونحوها.
القول الثاني: أنها جائزة وهو مذهب منسوب للمالكية لأنه لا دليل على
التحريم والراجح التحريم والمنع فهي أولى بالمنع من بعض ما يأكل الخبائث
فهي أخبث منه أخبث من القنفذ لو افترضنا أنه يأكل الخبائث.
ثم - قال رحمه الله - (والوطواط)
الوطواط سئل عنه الإمام أحمد فقال ومن يأكل الخفاش والوطواط محرم لأمرين:
الأمر الأول" أنه مستخبث.
الأمر الثاني: أنه جاء في الحديث النهي عن قتله وروي ذلك مرفوعا وموقوفا.
والصحيح الموقوف وهو جاء عن أكثر من صاحبي موقوفا النهي عن قتله وإذا كان
منهيا عن قتله فكل ما نُهي عن قتله أيضا فهو لا يجوز أكله والسبب في ذلك
أنّ الحيوان لا يأكل إلاّ بعد القتل فإذا نهي عن قتله صار هذا إشارة إلى
أنه لا يأكل إذ كيف يجمع الشارع بين إجازة أكله والمنع من قتله فإذا هذه
القاعدة الخامسة وهي [أنّ كل ما نهي عن قتله فإنه لا يجوز أن يأكل] ويظهر
علة ثالثة في المنع من الخفاش الوطواط وهو أنه يأكل أو يشرب الدماء فهو
معروف بمص الدماء من الحيوانات فهو يأكل الخبائث وإن كانت هذه العلة لم أر
أحدا من الفقهاء ذكرها لكن لعلهم استغنوا عنها بأنه من الخبائث فإنه جعلوه
من قسم الخبائث.
ثم - قال رحمه الله - (وما تولد من مأكول وغيره كالبغل)
ما تولد من المأكول وغير المأكول فإنه يحرم وعلة ذلك أنّ كل عين اجتمع فيها
مبيح وحاضر فإنه يغلب الحاضر والمقصود بالبغل هنا المتولد من الخيل والحمار
الأهلي , أما البغل المتولد من الخيل والحمار الوحشي فهو جائز لكن غالب
البغال من القسم الأول.
فصل
لما بيّن المحرمات أراد أن يبّين الأشياء المباحة أو الحلال:
فقال - رحمه الله - (وما عدا ذلك فحلال)
أشار المؤلف بهذا إلى أنّ المحصورات هي
المحرمات وما عداها فهو حلال وعلى هذا دلت النصوص المتقدمة أنّ الأصل في
الأعيان الحل.
يقول - رحمه الله - (كالخيل)
الخيل اسم جنس لا واحد له من لفظه ويقصد بالخيل جماعة الأفراس , والخيل
مباح عند الجمهور واستدلوا على هذا بأدلة صحيحة
الدليل الأول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحمر الأهلية يوم
خيبر وأباح الخيل. وهذا في الصحيح
والدليل الثاني: أنهم نحروا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسا
فأكلوه وهذا في الصحيح.
والقول الثاني: الخيل يكره أن تأكل وعللوا في هذا بأنّ في أكلها إضرار
بالجهاد فإنها وسيلة الجهاد الأعظم تأثيرا فلم يجعلوها محرمة للنصوص وإنما
اكتفوا بالكراهة للتعليل.
والقول الثالث: أنها محرمة وهذا من الغرائب مذهب الإمام مالك فهو يمنع
الحلال ويجيز الحرام. ما أقول يجيز الحرام أقصد أنّ الإمام مالك في
الحيوانات التي النصوص فيها دالة على الجواز بوضوح يخالف وفي الحيوانات
التي النصوص دالة على المنع يخالف. استدل الإمام مالك بقوله تعالى {والخيل
والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون} [آل عمران/14] فقال
امتن الله علينا بالخيل بأنها للركوب والزينة ولو كانت ينتفع بها في الأكل
لذكر في الآية لأنها في مساق الامتنان وهذا القول ضعيف جدا وأخذنا قاعدة
مرارا وتكرارا أنه لا يمكن أن نقابل المنطوق بالمفهوم لاسيما إذا كان
المنطوق مباشر في القضية وهي جواز الأكل كيف نقدم عليه مفهوم آية أخرى ولكن
كما سبق لعل الإمام الكبير مالك بن أنس - رضي الله عنه - وجعل مثواه الجنة
لعله لم تبلغه النصوص.
ثم - قال رحمه الله - (وبهيمة الأنعام)
البقر والإبل والغنم. حلال بالإجماع بلا مخالف من أمة محمد وتحليلها يكاد
يكون من المعلوم من الدين بالضرورة.
ثم - قال رحمه الله - (والدجاج)
الدجاج مباح وقد ثبت في الحديث الصحيح أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم -
أكل الدجاج كما أنّ النصوص العامة دالة على حلها.
ثم - قال رحمه الله - (والوحشي من الحمر)
الوحشي من الحمر جائز لأمرين: الأمر الأول
أنّ النص جاء بتحريم الحمر الأهلية بالنص على كلمة الأهلية فدل على أنّ ما
عداها ليس بمحرم. الثاني: أنّ الصحابة أكلوا لحوم الحمر الوحشية. والشيء
الثالث" أنّ الأحاديث دلت على أنها صيد يعني في باب الإحرام فهي حلال بلا
إشكال إن شاء الله.
ثم - قال رحمه الله - (والبقر والظباء والنعامة)
هذه مباحات وحلال من النصوص العامة وبخصوص النعامة جعل النبي - صلى الله
عليه وسلم فيها بعير فدل على أنها صيد حلال أكلها
ثم - قال رحمه الله - (والأرنب)
الأرنب مباح بالإجماع وجاء فيما أخرجه البخاري ومسلم أنّ النبي - صلى الله
عليه وسلم - تناول الأرنب وأكلها ويوجد خلاف قديم بين الصحابة فروي عن عمرو
بن العاص أنه منعها لكن هذا الخلاف انتهى واستقر الأمر على الجواز وكأنه -
رضي الله عنه لم يبلغه النص.
ثم - قال رحمه الله - (وسائر الوحش)
جميع الوحوش التي لا تندرج تحت القواعد والضوابط المذكورة في الفصل الأول
فالأصل فيها أنها حلال ويجوز أن تأكل وقوله سائر الوحوش استغنى بهذا عن
السرد والتعداد لأنّ الحيوانات البرية المأكولة الخارجة عن الضوابط الخمس
السابقة كثيرة جدا. ثم انتقل المؤلف إلى البحر.
قال - رحمه الله - (ويباح حيوان البحر كله)
الأصل في حيوان البحر أنه مباح كله سواء منه الجميع حلال وسيذكر المؤلف
الميت إلاّ أنه استثنى أشياء سيأتينا الكلام عنها.
يقول - رحمه الله - (ويباح حيوان البحر كله إلاّ الضفدع , والتمساح والحية)
حيوان البحر الأصل فيه الحلال بدليل أنّ المؤلف استثنى حيوانات ثلاثة والله
تعالى يقول {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة} [المائدة/96]
ولهذا لما صار الأصل في البحر أنه حلال استثنى أشياء منه وترك أشياء أيضا
محل خلاف لكن نبقى مع ما ذكره المؤلف - رحمه الله - يقول الضفدع. لا يجوز
لأنه نهي عن قتله وتقدم معنا أنّ كل ما نهي عن قتله فإنه لا يجوز أن يأكل
للتعارض بين إباحة أكله والنهي عن قتله وأمر الضفدع واضح.
ثم - قال رحمه الله - (والتمساح)
لا يجوز أن يأكل وعللوا ذلك بأنّ له نابا
يفترس به فيقاس على السباع ولا يمكن أن نسميه سباع لأنّ السباع تختص
بحيوانات البر لكنه يقاس على السباع فهو محرم.
والقول الثاني: أنّ التمساح من حيوانات البحر التي تعيش فيه والأصل في كل
حيوانات البحر الإباحة والراجح إن شاء الله أنه محرم بل هو أخبث وأشنع من
بعض حيوانات البر المحرمة فإنه يفترس بطريقة وحشية ويبتلع الحيوان كاملا
فطبائعه خبيثة فهو أولى بالتحريم من بعض سباع البر.
ثم - قال رحمه الله - (والحية)
المقصود بالحية هنا حية البحر فإنّ حية البر تقدم الكلام عنها حية البحر
محرمة واستدلوا على تحريمها بأنها خبيثة.
والقول الثاني: أنها حلال لأنّ جميع حيوانات البحر حلال. والأقرب أنّ حية
البحر التي لا تخرج إلى البر مطلقا حلال والذي يظهر لي أنّ حية البحر لا
تدخل في الحديث الآمر بقتل الحيات لأنّ الحديث يتناول حيات البر دون حيات
البحر هكذا يبدوا لي وهي مسألة محل خلاف. مسألة / علم من عموم كلام المؤلف
أنّ ماله اسم نظير في البر أنه أيضا مباح مثل كلب البحر وخنزير البحر
وإنسان البحر
فهذه الأصل فيها الإباحة لأنها من حيوانات البحر.
والقول الثاني: أنها محرمة لأنّ خنزير البحر خنزير وكلب البحر كلب والنص
جاء بتحريم الخنزير والكلب فتخص من عمومات جواز أكل حيوانات البحر والراجح؟
أنّ هذه الأسماء ما هي إلاّ أسماء أحدثوها فليس بكلب وليس بخنزير وإنما لما
رأوا الشبه ألحقوه والقاعدة أنّ مجرد التسمية التي ليست شرعية ولا من لغة
العرب لا توجب التحريم وهذا صحيح بناء على هذا يكون كلب البحر وخنزير البحر
جائز لأنه من حيوانات البحر.
قال - رحمه الله - (ومن اضطر إلى محرم - غير السم - حل له منه ما يسد رمقه)
أما استثناء السم فلئن تناول المضطر له لا
ينفعه شيء بل يزيده عطبا وهلاكا , وأما إباحة المحرمات عند الضرورة فللنصوص
المتكاثرة الدالة على جواز الأكل من المحرمات عند الضرورة كقوله {فمن اضطر
غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} [البقرة/173] وكقوله {إلا ما اضطررتم إليه}
[الأنعام/119] لكن المؤلف قيد هذا بأن لا يشبع منه وإنما يأكل ما يسد الرمق
فقط وهذه المسألة محل خلاف أما أكل ما يسد الرمق فهو مباح بالإجماع فهو
خارج محل الإجماع. وأما أكل أكثر من هذا وهو إلى الشبع فهو محل الخلاف.
فالحنابلة يرون انه لا يجوز أن يأكل أكثر مما يسد الرمق واستدلوا على هذا
بأنّ هذه الأعيان إنما جازت للضرورة والضرورة تقدر بقدرها والضرورة تندفع
بأكل ما يسد الرمق.
والقول الثاني: أنه يجوز أن يأكل إلى أن يشبع واستدلوا على هذا بأنّ رجلا
من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - نفق فرسه فاستفتى النبي - صلى الله
عليه وسلم - فقال كل حتى تشبع.
والقول الثالث: أنّ الأكل من الميتة ينقسم إلى قسمين: -
القسم الأول: إن ظن أنّ ضرورته ستستمر فله أن يأكل إلى أن يشبع. وإن ظن أنّ
ضرورته تنجلي وتنكشف عن قرب فلا يجوز له أن يأكل إلاّ ما يسد الضرورة وإلى
هذا القول مال الشيخ الفقيه ابن قدامة وهو قول محرر وصحيح.
ثم - قال رحمه الله - (ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه لدفع برد
أو استسقاء ماء ونحوه , وجب بذله له مجانا)
إذا اضطر الإنسان إلى مال غيره لينتفع به مع بقاء عينه كأن يأخذ ثوبا عن
البرد أو حبلا ودلوا ليستسقي أو ليسقي به الماء فإنه إذا كان مضطرا وجب على
المالك وجوبا أن يبذله ويجب أن يبذله مجانا. والدليل على هذا أنّ الله
سبحانه وتعالى ذم الذين يمنعون الماعون وإذا ذم الشارع على منع شيء دل على
أنه يجب أن يبذل مجانا.
والقول الثاني: أنه يجب أن يبذل لكن ليس
مجانا لأنّ المنافع كالأعيان متقومة فيجب أن يبذل ثمنا لهذه المنفعة
والراجح فيما يبدوا لي القول الثاني إذ لا معنى لإخراج المال من صاحبه من
غير رضاه لأنّ الضرورة تندفع بالشراء ولهذا نقول فإن كان مضطرا لهذه العين
ولا يملك ثمنها وجب بذلها مجانا. المؤلف - رحمه الله - يقول (ومن اضطر إلى
نفع مال الغير مع بقاء عينه) ولم يبيّن الحكم فيما إذا اضطر إلى
مال الغير الذي لا تبقى عينه مع الانتفاع كالطعام والشراب مع أنه أولى
بالبيان من هذه المسألة لأنّ الضرورة إلى الأعيان غالبا ما تكون أعظم من
الضرورة إلى المنافع فالحنابلة يرون أنه إذا اضطر الإنسان إلى طعام الغير
اضطرارا وكان هذا الغير لا يحتاج إليه فإنه يجب وجوبا أن يبذله فإن منعه
المالك منع المضطر فللمضطر أن يقاتله مقاتلة دفع الصائل لكن ليأخذ قدر ما
يسد الرمق فقط وهذا صحيح بدليل أنّ الفقهاء أوجبوا على الإنسان المستطيع أن
ينقذ الغريق وهذا أولى من إنقاذ الغريق وبذله أسهل من بذل المنفعة الحاصلة
بإنقاذ الغريق.
ثم - قال رحمه الله - (ومن مر بثمر بستان في شجرة أو متساقط عنه ولا حائط
عليه ولا ناظر فله الأكل منه مجانا من غير حمل)
المؤلف - رحمه الله - يقول من مر بثمر بستان. أفادنا المؤلف أنه يجوز
للإنسان أن يأخذ من الثمار التي يمر عليها لكن بهذه الشروط التي ذكرها
المؤلف. الشرط الأول" يقول في شجرة أو متساقط عنه. يعني يأخذ من الشجر أو
من المتساقط دون الذي جمعه صاحب البستان أو حازه إلى مخزنه فإنّ هذا لا
يجوز.
الشرط الثاني: ولا حائط عليه يشترط أن لا يكون على البستان حائط فإن كان
عليه حائط فلا يجوز أن يأخذ.
الثالث: لا ناظر عليه يشترط أن لا يوجد ناظر يقف للحماية.
الشرط الرابع: أن يأكل منه من غير حمل. الدليل استدلوا على هذا بقول النبي
- صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر من مر على حائط فلا حرج أن يأكل
غير متخذ لخبنة. وهذا الحديث إسناده ضعيف.
الدليل الثاني: أنّ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا مروا
بالبساتين أكلوا بأفواههم ومعلوم أنهم يأكلون بأفواههم ولكن معنى الحديث
أنهم لا يأخذون شيئا.
القول الثاني: أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ
شيئا من البستان لا قليل ولا كثير لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إنّ
دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم.
والقول الثالث: الجواز مطلقا ولا يشترط أن يكون حائط ولا يشترط أن لا يوجد
ناظر الجواز بالأكل أن يأكل منه بدون أخذ فصارت الأقوال ثلاثة. الجواز
بشروط. المنع مطلقا. الجواز مطلقا بالنسبة للأكل دون الحمل. والراجح القول
الأخير إن صحت الآثار فإنّ هذه الآثار من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم
- مع ما عرف عنهم من ورع وتقوى وزهد واحتياط دليل على أنّ الأكل من البستان
مستثنى من النصوص العامة فإن لم تصح الأحاديث ولا الآثار فلا إشكال بالقول
بأنه يحرم ولا يجوز أن يأكل لأنّ النصوص العامة واضحة.
ثم - قال رحمه الله - (وتجب ضيافة المسلم المجتاز به في القرى يوما وليلة)
يجب على الإنسان أن يضيف الضيف بشروط:
الشرط الأول: أن يكون مسافرا.
الشرط الثاني: مدة يوم وليلة.
الشرط الثالث: في القرى دون الأمصار. وعللوا هذا أنه في القرى لا يكاد يجد
المسافر ما يأكل منه أو يبيت فيه بخلاف الأمصار فإنّ المطاعم والفنادق فيها
كثيرة فيستطيع أن يجد ما يسكن فيه أو يبيت فيه واستدل الحنابلة على هذا
بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم
ضيفه. ثم قال في الحديث الآخر فليكرم ضيفه جائزته ثلاثة أيام ولا يحل له أن
يبقى بعد الثلاثة حتى يؤثم أخيه. وفي لفظ ذكره الحنابلة انه قال بعد
الثلاثة قال وما بعده فهو بالخيار أو وما بعده فهو سنة. الحنابلة يرون أنّ
الوجوب هو اليوم الأول وما عداه من أيام ليس بواجب وعللوا هذا بأنّ الإمام
أحمد قال معنى قوله جائزته يعني كالمؤكد لهذا اليوم بالنسبة للأيام الأخرى.
والقول الثاني: أنه يجب عليه أن يضيفه ثلاثة أيام لأنه في الحديث على
المسلم أن يضيف ضيفه ثلاثة أيام.
والقول الثالث: أنه لا يجب إضافة الضيف
مطلقا وإنما يستحب وفي الحقيقة الحديث الصحيح يدل على الوجوب ثلاثة أيام
وليس للحنابلة دليل على التفريق بين اليوم والليلة والثلاثة أيام فإنّ
النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على الثلاثة أيام ثم أمره أن يغادر حتى لا
يؤثم صاحبه بعد الثلاثة أيام فإذا قلنا بوجوب الضيافة فالقول بأنه لمدة
ثلاثة أيام هو الأقرب المتوافق مع ظاهر الحديث.
باب الذكاة
الذكاة من التذكية والتذكية هي الذبح فإذا قالوا ذكاه أي ذبحه.
يقول - رحمه الله - (لا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة)
أجمع الفقهاء أنّ الحيوان المقدور عليه لا يباح إلاّ بالتذكية لقوله تعالى
{إلا ما ذكيتم} [المائدة/3] وأجمعوا على أنّ مكان الذبح هو الحلق أو النحر
بالنسبة للإبل هذا محل إجماع إنما اختلفوا فيما يجب أن يقطع لتحل الذبيحة
وهذه مسألة أخرى بناء على هذا الإجماع لو طعن الإنسان الذبيحة مع فخذها أو
مع معدتها أو مع الرأس في غير الحلق فإنها ميتة ولا تحل.
يقول المؤلف - رحمه الله - (إلاّ الجراد والسمك)
الجراد والسمك تحل ميتتهما بإجماع العلماء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم
- أحلت لنا ميتتان السمك والجراد ولأنّ أصحاب أبي عبيدة رضي الله عنه ورضي
الله عنهم أكلوا من الحوت الذي لقوه على ساحل البحر وهو ميت فميتة السمك
والجراد مباحة بالإجماع.
ثم - قال رحمه الله - (وكل ما لا يعيش إلاّ في الماء)
كل ما لا يعيش إلاّ في الماء يعني ولو لم يكن من السمك فإنه مباح ولا يشترط
له التذكية واستدلوا على هذا بالقياس على السمك وبالآية {أحل لكم صيد
البحر} [المائدة/96]
والقول الثاني: أنّ ما يعيش تارة في الماء وتارة في البر كالسلحفاة لا تحل
إلاّ بالتذكية لأنها ليست من صيد البحر فهي تعيش تارة في البحر وتارة في
البر والراجح أنّ ما يعيش تارة هنا وتارة هنا يشترط له التذكية كالسلحفاة
ثم - قال رحمه الله - (ويشترط للذكاة أربعة شروط: الأول أهلية المذكي بأن
يكون عاقلا مسلما أو كتابيا , ولو مراهقا , أو امرأة أو أقلف أو أعمى)
بدأ بالشروط الخاصة بالمذكي. فالشرط الأول
أن يكون أهلا للذكاة وذكر الشروط التي يكون بها الإنسان أهلا للذكاة. الشرط
الأول أن يكون عاقلا فلا تصح ذبيحة المجنون ولا الصغير دون التمييز ولا
السكران وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم واستدلوا على هذا بقوله تعالى
{إلا ما ذكيتم} [المائدة/3] فدلت الآية أنه يشترط للذكاة وجود القصد والقصد
معدوم في هؤلاء.
والقول الثاني: أنّ تذكية السكران والمجنون صحيحة لأنّ لهم قصدا في الجملة
وهذا المذهب ضعيف جدا الصحيح أنّ ذبيحتهم لا تحل لأنه ليس لهم قصد ولا نية.
الشرط الثاني: (مسلما أو كتابيا)
ذبيحة المسلم والكتابي تحل بالإجماع لقوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب
حل لكم وطعامكم حل لهم} [المائدة/5] وهي نص في جواز أو حل ذبيحة الكتابي.
والكتابي هو من يتدين بدين اليهود أو النصارى واشترط الحنابلة أن يكون من
أبوين ذميين فإن كانت أمه ذمية وأبوه مجوسي فإنّ ذبيحته لا تحل ولو كان هو
كتابي واستدلوا على هذا بأنه اجتمع فيه مبيح وحاضر فأمه كتابية وأبوه مجوسي
مثلا فاجتمع فيه مبيح وحاضر.
والقول الثاني: أنّ الكتابي تحل ذبيحته ولا ينظر لأبيه ولأمه لأنّ الشارع
الحكيم أجاز ذبيحة الكتابي مطلقا ولم يشترط لها النظر إلى أبويه.
قال - رحمه الله - (ولو مراهقا)
المراهق هو من قارب البلوغ مفهوم عبارة المؤلف أنّ المميز لا تحل ذبيحته
وخالف المؤلف بهذا المذهب فإنّ الحنابلة يرون صحة ذبيحة المميز ولو قال ولو
مميزا لدخل المراهق فيه واستغنينا عن عبارة ولو مراهقا فالمميز تصح ذبيحته
واستدلوا على هذا بأمرين:
الأول: أنّ المميز له قصد معلوم وتصح منه العبادات الصلاة والصيام والحج
والعبادات يشترط لها قصد فدل هذا على صحة قصده.
الدليل الثاني: أنه جاء في مجموعة من الآثار أنّ النبي - صلى الله عليه
وسلم - أجاز ذبيحة الغلام.
ثم - قال رحمه الله - (أو امرأة)
ذبيحة المرأة جائزة بالاتفاق ولو كانت حائض
والدليل على هذا من وجهين الأول للعموم فإنّ المرأة مسلمة والشارع أجاز
ذبيحة كل مسلمة. الثاني: أنّ جارية كانت ترعى فعدى الذئب على الشاة فلما
قاربت الموت أخذت حجرا حادا وذبحتها فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم -
فأمر بأكلها وهو نص في المسألة.
ثم - قال رحمه الله - (أو أقلف أو أعمى)
الأقلف هو من لم يختن. وذبيحة الأقلف والأعمى جائزة بلا إشكال لدخولهما في
عمومات النصوص.
ثم - قال رحمه الله - (ولا تباح ذكاة سكران ومجنون ووثني ومجوسي , ومرتد)
السكران والمجنون والوثني والمجوسي. تقدم الكلام عليهم. أما السكران
والمجنون فتقدم.
وأما الوثني والمجوسي فلا تجوز ذبيحتهما بالإجماع بلا خلاف لأنه ليس بمسلم
ولا كتابي.
ثم - قال رحمه الله - (ومرتد)
المرتد ينقسم إلى قسمين: أن يخرج من دين الإسلام إلى غير اليهودية
والنصرانية. فهذا لا تباح ذبيحته بالإجماع. إذا خرج من الإسلام إلى غير دين
اليهودية والنصرانية فلا تباح ذبيحته بالإجماع لفقد شرط الإسلام وكونه ليس
من أهل الكتاب.
القسم الثاني: أن ينتقل من الإسلام إلى اليهودية أو النصرانية فهذا فيه
خلاف:
القول الأول: أنّ ذبيحته ميتة ولا تحل لأنه انتقل إلى دين لا يقر عليه فهو
يجب أن يقتل يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل ولا تقبل منه الجزية فدل على أن
أحكام أهل الكتاب لا تنطبق عليه.
القول الثاني: انه إذا انتقل إلى دين أهل الكتاب جازت ذبيحته لقوله تعالى
{ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة/51] فقوله فإنه منهم يدخل في هذا من
جملته أحكام الذبح. والراجح بلا إشكال أنّ ذبيحته ميتة وأما الآية فإنه
منهم أي في الولاء والبراء والنصرة والكفر لا في الأحكام المتعلقة بحل
الذبائح وكيف نقبل ذبيحته ولا نأخذ منه جزية لا إشكال إن شاء الله أنّ
ذبيحته ميتة.
ثم - قال رحمه الله - (الثاني: الآلة: فتباح الذكاة بكل محدد)
الشرط الثاني لحل الذبيحة الآلة يشترط وجود
الآلة بصفات مخصوصة سيذكرها المؤلف ومقصود المؤلف بقوله محدد أنه لا تحل
الذبائح إلاّ إذا استخدمت الآلات التي من شأنها إنهار الدم فإن استخدم آلة
لقرض ودق العروق وماتت بسبب ذلك فلا تباح فإذا يشترط في الآلة أن تكون
محددة تقتل بالقطع وإنهار الدم فهذا مقصود المؤلف - رحمه الله - بقوله
تعالى فتباح الذكاة بكل محدد. والدليل على هذا النص الذي هو في الحقيقة
عمدة في هذا الباب وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - ما أنهر الدم وذكر فيه
اسم الله فكل ليس السن والظفر فهذا الحديث سيأتينا أنه مدار مباحث هذا
الباب عليه فقوله ما أنهر الدم دليل على أنّ الآلة يجب أن تنهر الدم وإلاّ
فإنه لا يجوز أن نأكل الذبيحة التي ذبحت بها.
ثم - قال رحمه الله - (ولو مغصوبا)
يجوز أن نأكل الذبيحة المذبوحة بآلة مغصوبة لأنها تدخل تحت قول النبي - صلى
الله عليه وسلم - ما أنهر الدم وقياسا على ما لو ذبح الذبيحة الحلال في أرض
مغصوبة وقياسا على ما لو ذبح الذبيحة المغصوبة.
والقول الثاني: أنّ ما ذبح بآلة مغصوبة فهو ميتة لقول النبي - صلى الله
عليه وسلم - من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وذبحه بهذه الآلة ليس عليه
أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحيح أنّ ذبيحته حلال لأنّ الذي ليس
عليه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -
هو استخدام هذه الآلة الغير المملوكة أما أنها قطعت وأنهرت الدم فهذا عليه
أمر الله وأمر رسوله.
الدرس: (2) من الأطعمة
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: (من حديد وحجر وقصب .. )
مقصود المؤلف أنّ الشرط في الآلة أن تنهر الدم من أي مادة كانت وأنه لا
يشترط أن تكون من الحديد لا من الألمنيوم بل من أي مادة كانت واستدل
الحنابلة على هذا بدليلين: الأول" قوله - صلى الله عليه وسلم - ما أنهر
الدم وذكر اسم الله فكل. وإنهار الدم يحصل بأي مادة
الدليل الثاني: أنه في حديث الجارية التي تقدمت معنا لما عدا الذئب على
الشاة فأدركتها وبها الحياة فذبحتها بحجر حاد. فدل على أنه يجوز أن يذبح
الإنسان بالمحدد الذي ينهر الدم من أي مادة كانت.
ثم - قال رحمه الله - (إلاّ السن والظفر)
لا يجوز للإنسان أن يذبح بالسن ولا بالظفر
ولو أنهر الدم فإنه في الحديث ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن
والظفر. والحديث نص على السن والظفر فدل على أنه لا يجزئ أن يذبح بهما وعلل
النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله , أما السن فهو عظم وأما الظفر
فمدى أهل الحبشة. وإلى هذا ذهب الجماهير أنه لا يجوز الذبح بالسن والظفر
مطلقا واستدلوا بما سمعت.
والقول الثاني: أنّ السن والظفر إذا كانا منفصلين جاز الذبح بهما وأنّ
الممنوع منه هو المتصل فقط واستدلوا على هذا بأنّ الظفر والسن المنفصل ينهر
الدم كما تنهره الآلات الأخرى والحديث عام ما أنهر الدم فيتناولهما إذا
كانا منفصلين وهذا القول ضعيف جدا مخالف للنص وليس في النص ما يفرق بين
اتصال وانفصال السن والظفر.
مسألة/ ما حكم الذبح بالعظام سوى السن؟ فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال أما السن فعظم , اختلف الفقهاء في هذا فذهب الجمهور إلى أنه يجوز
للإنسان أن يذبح بكل عظم إلاّ الظفر واستدلوا على هذا بأنّ النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال ما أنهر الدم وهذا الحديث منطوقه يدل على جواز الذبح
بكل آلة إلاّ السن فقط وأما حديث ليس السن فمفهومه لأنه علل المنع من السن
بأنه عظم مفهومه أنه لا يجوز الذبح بكل عظم والمنطوق مقدم على المفهوم.
القول الثاني: أنه لا يجوز الذبح بأي عظم
واستدلوا على هذا بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أما السن فعظم
فعلل المنع من الذبح بالسن بأنه عظم يتناول هذا كل عظم ومال إلى الحافظ ابن
القيم وأيضا رجحه ابن عبدوس من كبار الحنابلة والراجح إن شاء الله المذهب
الأول وهو جواز الذبح بأي عظم ووجه الترجيح أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم
- كما قال أنّ السن عظم قال أيضا أنّ الظفر مدى الحبشة. ومن المعلوم أنّ لو
أهل الحبشة لو اتخذوا سكاكين خاصة بهم وأصبحت مدى خاصة بهم لم يدل هذا على
المنع من الذبح بها مما يدل أنّ الحديث خرج مخرج الخصوص وهو أنه لا يجوز
الذبح بخصوص هذين الآلتين وهو السن والظفر كما أنّ القاعدة التي تقدمت معنا
مرارا وهي تقديم المنطوق على المفهوم تأتي معنا في هذه المسألة وتدل على
رجحان قول الجمهور ولو أراد الإنسان أن يحتاط بأن لا يذبح بالعظم فباب
الاحتياط واسع وهو أمر آخر يختلف عن مناقشة المسائل والترجيح والمدارسة فلو
احتاط فالاحتياط في هذه المسألة متوجه ولكن الراجح إن شاء الله الجواز.
ثم - قال رحمه الله -: (الثالث قطع الحلقوم والمريء).
أي الشرط الثالث من شروط جواز الذبيحة قطع الحلقوم والمريء وتفصيل هذا
الشرط كما يلي:
الذبيحة تحل بأحد ثلاثة أمور إما ذبح أو
نحر أو عقر , فأما الذبح فهو ما يكون في الحلق وأما النحر فهو ما يكون في
الوهدة التي في أصل العنق بين العنق والصدر وهي تكون في الإبل , وأما العقر
فهو يتناول ما لا يمكن ذبحه من الحيوانات البرية إذا توحشت أو من الحيوانات
المتوحشة أصلا وسيأتينا الحديث عن هذه الأمور. وتقدم معنا أنّ الفقهاء
أجمعوا على أنّ الذبح لا يحل إلاّ في هذا الموضع وهو الحلق أو الوهدة وأنه
لو ذبح من البطن والرأس والفخذ فإنّ الذبيحة ميتة ولا تحل وإنما اختلف
الفقهاء في أمر آخر وهو القدر الذي يجب قطعه لتحل الذبيحة فذهب الحنابلة
كما ترون إلى أنه قطع الحلقوم والمريء فالحلقوم مجرى النفس والمريء مجرى
الطعام والشراب ذهب الحنابلة إلى أنه لا تحل الذبيحة إلاّ بقطع الحلقوم
والمريء فإذا قطعهما فإنّ الذبيحة حلال ولو لم يقطع الودجين. والودجان
عرقان غليظان محيطان بالحلقوم واستدلوا على هذا بأنه إذا قطع المريء
والحلقوم فقد قطع من الذبيحة ما لا تبقى معه الحياة
فأجزأ.
والقول الثاني: أنه يشترط أن يقطع الحلقوم والمريء والودجين.
والقول الثالث: أنه يجزء إذا قطع الودجين ولو لم يقطع الحلقوم والمريء.
والقول الرابع: أنّّ المجزئ قطع الحلقوم والمريء مع أحد الودجين. وهو رواية
عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واستدل أصحاب هذا القول بأنّ
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ما أنهر الدم فاشترط إنهار الدم وهذا لا
يكون بالقطع المريء فقط ولا الحلقوم فقط بل لا بد من قطع أحد الودجين أو
قطع الودجين جميعا لكي ينهر الدم من هذا العرق المحيط بالحلقوم وهذا القول
الرابع الذي هو قطع الحلقوم والمريء مع أحد الودجين هو الراجح إن شاء الله
فإذا قطع الحلقوم فقط ولم يقطع أيا منهما فهي ميتة وإن كان تصور هذا في
الذبح بعيد جدا لأنه إذا قطع الحلقوم فبمجرد ما يجري السكين إجراء بسيطا
سيأتي على العرقان المحيطان بالحلقوم المقطوع
لكن لو فرضنا أنه تعنت وتنطع وقطع الحلقوم بلا قطع الودجين فإنّ ذبيحته
ميتة فلا بد من قطع أحدهما.
ثم - قال رحمه الله - (فإن أبان الرأس بالذبح لم يحرم المذبوح)
مقصود الشيخ إذا أبان الرأس جملة واحدة
سواء أبانه من الأمام أو أبانه من الخلف , فإنّ الذبيحة حلال واستدلوا على
هذا بأمرين:
الأمر الأول: هو أنه إذا قطع الرأس فقد قطع ما يجب أن يقطع وزيادة.
الثاني: أنّ الجواز مروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
لكن ينبغي أن يتنبه الذابح من الخلف إلى قيد أشار إليه الفقهاء وهو أنه إذا
ذبحت الذبيحة من القفا فالذبيحة حلال بشرط أن لا تموت قبل أن تصل إلى
الودجين فإن ماتت قبل أن تصل إلى الودجين فهي ميتة لأنها ماتت قبل أن تقطع
ما يجب أن يقطع شرعا وهذا قد يتصور متى؟ إذا تأخر في القطع أو تلاعب أو عبث
فإنها قد تزهق روحها بسبب قطع أعلى الرقبة قبل أن يصل إلى الودجين المهم
هذا القيد ينتبه إليه ومن الخطأ الفادح أن يقطع الإنسان من مخالفة السنة
وتعريض الذبيحة للفساد أن يقطعها من الخلف لكن الحكم الشرعي هو ما سمعت.
ثم - قال رحمه الله - (وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة ,
والواقعة في بئر ونحوها , بجرحه في أي موضع كان من بدنه)
القاعدة أنّ أي حيوان يتوحش وينفر من الناس فإنّ حكمه حكم الصيد أيّ أنه
يجوز أن يذبح في أي موضع من جسده واستدلوا على هذا بأنّ أصحاب النبي - صلى
الله عليه وسلم - هموا بناقة ليذبحوها فهربت وأعيتهم وكانت الأفراس معهم
قليلة فعمد إليها أحدهم فحبسها بسهم - رضي الله عنه - فقال النبي - صلى
الله عليه وسلم - إنّ لهذه الأنعام أوابد كأوابد الوحوش فإذا أعجزتكم
فاصنعوا هكذا وفي هذا دليل على أنه إذا هرب وتوحش ولم يمكن منه فإنه يقتل
في أي موضع لأنّ حكمه صار كحكم الهارب. وفي هذه المسألة عن الإمام مالك
الإمام مالك في هذا الباب كأنه لم تبلغه النصوص فإنه قال إذا هربت الذبيحة
المستأنسة فإنه لا يجوز أن تذبح إلاّ كما تذبح باقي البهائم. فإن قتلت كما
يقتل الصيد فهي ميتة وهو غريب جدا لأنّ الحديث الذي معنا حديث أبي واقد
صريح في المسألة ولهذا احتاج الإمام أحمد أن يعتذر عن الإمام مالك فقال لعل
مالكا لم يبلغه حديث أبي واقد وهذا أحسن ما يحمل عليه قوله لأنه فيه مخالفة
صريحة للنص الصحيح
ثم قال - رحمه الله - (إلاّ أن يكون رأسه في الماء ونحوه فلا يباح)
أي إذا كان هذا الحيوان الهارب رأسه في
الماء فإنه لا يباح واستدل الحنابلة على هذا بدليلين: الأول: أنه إذا هرب
وكان رأسه أثناء الهرب في الماء كما إذا سقط في البئر فإنه يكون مات بسببين
بسبب الطعن وبسبب الماء ونحن نقول أنه في كتاب الأطعمة إذا اجتمع مبيح
وحاضر فإناّ نغلب الحاضر.
الدليل الثاني: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا وجدت صيدك في
الماء فلا تأكل فإنك لا تدري اسهمك قتله أو الماء. فهذان دليلان صريحان
فإنه إذا هربت ووجدنا رأسها في الماء بعد الطعن فإنها لا تأكل.
والقول الثاني: أنه إذا كان الجرح موحيا قاتلا مميتا فإنها تجوز ولو كان
رأسها في الماء لأناّ علمنا حينئذ أنّ الذي قتلها هو الجرح لا الماء وربما
يستأنس بهذا القول بأنّ بعيرا ند عن أهله وسقط في البئر وطعنوه في فخذه
وقتلوه واستخرجوه فأكلوا وأكل ابن عمر معهم وجه الإستئناس بهذا الحديث أنه
في الغالب الحديث ليس فيه أنّ البعير لما سقط في الماء كان رأسه في الماء
هذا لم أجده في رواية لكن يستأنس أنه ربما لما سقط لكان رأسه في الماء لأنّ
غالبا سيسقط على رأسه فيكون رأسه هو الذي في الماء فربما يستأنس بهذا الأثر
والراجح إن شاء الله هو هذا القول الثاني. متى علمنا أنّ الجرح قاتل وموحي
فإنه حلال إن شاء الله لأنه الآن تبيّن لنا أنّ الذي قتله الجرح وليس
الماء.
ثم - قال رحمه الله - (الرابع: أن يقول عند الذبح بسم الله)
ذهب الجماهير الأئمة الثلاثة مالك وأحمد وأبو حنيفة. إلى أنه لا يجوز أكل
الذبيحة إلاّ إذا سمي عليها واستدلوا على هذا بقوله تعالى {ولا تأكلوا مما
لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} [النساء/2] واستدلوا بقول النبي - صلى
الله عليه وسلم - ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل. وهي أدلة صريحة جدا
في اشتراط التسمية على الذبيحة لتكون حلالا.
القول الثاني: للإمام الشافعي فالإمام الشافعي يرى أنّ التسمية سنة واستدل
على هذا بدليلين: الأول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذبيحة
المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد. وهذا الحديث الصواب فيه أنه مرسل.
الدليل الثاني: استدل بحديث عائشة - رضي
الله عنها - أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله يأتينا
اللحم من قوم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أو لا فقال النبي - صلى الله
عليه وسلم - سموا أنتم وكلوا وهو حديث صحيح فأجاز النبي - صلى الله عليه
وسلم - الأكل من الذبيحة مع عدم العلم بالتسمية.
والجواب عن هذا الحديث الثاني أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبر ما
ذكرته عائشة مجرد شك والأصل في ذبيحة المسلم أنها حلال بدليل قوله سموا
أنتم وكلوا ولو كانت الذبيحة لم يسم عليها لم يحل أن تُأكل , وإن كان هذا
عكس استدلال الشافعي لكن نقول أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر
بذلك لأنّ الأصل في ذبيحة المسلم أنها حلال وانه سمى , الدليل على حمل
الحديث هذا المحمل هو النصوص المحكمة الأخرى ولهذا يعتبر هذا القول للإمام
الشافعي ضعيف جدا في الحقيقة مخالف للنصوص والراجح أنّ الذبيحة إذا تركت
التسمية عليها فإنها ميتة.
ثم - قال رحمه الله - (لا يجزيه غيرها)
يعني أنه لا جزء فالتسمية إلاّ أن يقول بسم الله فإن قال الله أكبر أو
سبحان الله فهي ميتة واستدلوا على هذا بأنّ التسمية عند الإطلاق تنصرف إلى
بسم الله.
والقول الثاني: أنه إذا ذكر الله على الذبيحة بأي اسم من أسمائه فهي حلال
واستدلوا على هذا بالنصوص فإنّ فيها إذا ذكرت اسم الله {ولا تأكلوا مما لم
يذكر اسم الله} [النساء/2] ومن قال الله أكبر أو سبحان الله فقد ذكر اسم
الله والراجح هو القول الثاني والمذهب هنا في هذه المسألة ليس بقوي وإن كان
الاحتياط في مثل هذه المسائل متوجه جدا.
ثم - قال رحمه الله - (فإن تركها سهوا أبيحت لا عمدا)
إذا ترك الذابح التسمية على الذبيحة سهوا فإنها تحل وإذا تركها عمدا فهي
ميتة.
بقي قسم ثالث لم يتطرق إليه المؤلف وهو إذا
تركها جهلا فالحنابلة يعذرونه في صورة واحدة وهو إذا تركها سهوا فإن تركها
عمدا أو جهلا فإنهم لا يعذرونه وفي هذا يفرقون بين مسائل النسيان ومسائل
الجهل وهي من المواضع القليلة جدا في الفقه الذي يفرق فيها بين الجهل
والنسيان لأنّ النصوص لم تفرق بينهما , ووجه التفريق عند الحنابلة أنّ
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله
إذا لم يتعمد والجاهل تعمد لكنه جاهل بخلاف الناسي فإنه لم يتعمد والصواب
إن شاء الله أنّ الجهل والنسيان حكمهما واحد نأتي إلى النسيان وهو مسألة
الباب إذا نسي أن يبسمل فذهب الأئمة الأربعة أنه ذبيحته حلال ونحن نقول
الأئمة الأربعة لأنّ الشافعي يرى أنها أصلا سنة , واستدلوا على هذا بالنصوص
العامة فإنّ الله سبحانه وتعالى رفع المؤاخذة عنه {ربنا لا تؤاخذنا إن
نسينا أو أخطأنا} [البقرة/286] عفي عن أمتي الخطأ والنسيان. واستدلوا
بالنصوص العامة هذا الدليل الأول.
الدليل الثاني: صح عن ابن عباس أنه أجاز ذبيحة المسلم إذا نسي بسم الله هذا
بإسناد صحيح.
الثالث: الحديث السابق ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله إذا لم
يتعمد قلنا أنه حديث ماذا؟ مرسل. والحديث المرسل يستأنس به بقوة ولاسيما
إذا دعمته وقَوَتهُ آثار الصحابة وقد صح عن ابن عباس ما يوافقه.
القول الثاني: وهو مذهب الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ
الإسلام أنه إذا نسي فهي ميتة واستدل على هذا بدليلين:
الدليل الأول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ما أنهر الدم وذكر اسم
الله فجعل لجواز الذبيحة شرطين. إنهار الدم وذكر اسم الله ولو نسي أن ينهر
الدم لكانت ميتة فكذلك البسملة.
الثاني: القياس فقالوا البسملة هي من شروط
صحة الذبح وجواز أكل الذبيحة والشروط في الفقه لا تسقط بالنسيان كما لو صلى
بلا وضوء وهذه المسألة تحتاج في الحقيقة إلى استقصاء للآثار فإن وجدنا أنّ
أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعذرون بالبسملة فالقول قولهم يعني ولا
نكتفي بأثر ابن عباس لأنّ النصوص واضحة في اشتراط البسملة واختيار شيخ
الإسلام في هذه المسألة قوي فنحتاج أن يكون هذا يصل إلى مستوى أن يكون عمل
عند الصحابة أو عرف عند الصحابة بأن نجد أكثر من أثر أثرين ثلاثة أو نجد
وهو يفيد جدا تعبير عام عن واحد من كبار التابعين مثل الزهري وسعيد بن
المسيب أنّ عمل الصحابة على الجواز , إن وجدنا مثل هذا مع الحديث المرسل
فلا شك أنه هو الراجح وإن لم يوجد فاختيار شيخ الإسلام وجيه ولا يمكن
الحقيقة عن أدلته بسهولة فيبقى أنّ قوله أرجح من قول الأئمة الأربعة في مثل
هذه المسألة ولكن طالب العلم إذا عرف أنّ جماهير أهل العلم الأئمة الأربعة
أئمة المسلمين يرون أنّ ترك التسمية لا يفسد الذبيحة لا ينبغي عليه الإنكار
في هذه المسائل إنما يكتفي بالبيان وأنه يرى أنّ الراجح أنّ هذه الذبيحة
ميتة
لكن بعض الناس ينطلق من المسائل الخلافية ليجعلها مسائل إنكار فيقول للذابح
أنت تأكل ميتة وتطعم أهلك ميتة وهي مسألة خلافية والأئمة الأربعة فإذا كان
هو استفتى من يرى أنّ البسملة تسقط نسيانا فيكتفى بمثل هذا وليست المسائل
على درجة واحدة حتى الإنسان ينكر على المخالف فيها المسألة تحتمل وفيها
آثار عن الصحابة بخلاف مثلا مسألة تارك الصلاة فإنّ الآثار متفقة على أنه
كافر فمثل هذه المسألة ينبغي تبيينها بخلاف مثل ما قلت مثل هذه المسألة
التي فيها الآثار متعارضة.
ثم - قال رحمه الله - (ويكره أن يذبح بآلة كالة)
يكره للإنسان أن يذبح بآلة كالة لأمرين الأمر الأول: أنه جاء عن عمر - رضي
الله عنه - النهي عن الذبح بآلة كالة.
الأمر الثاني: أنّ الذبح بها تعذيب للبهيمة ولهذا جعلها الحنابلة مكروهة.
والقول الثاني: أنّ الذبح بآلة كالة محرم
والذبيحة حلال أما أنه محرم فلأنّ فيه تعذيبا للذبيحة بلا حاجة وأما أنّ
الذبيحة حلال فلوجود الشروط فإنه أنهر بها الدم وهذا القول الثاني هو
الصحيح أنه آثم إن ذبح بآلة كالة.
ثم - قال رحمه الله - (وأن يحدها والحيوان يبصره)
وعللوا هذا بأمرين: الأول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أميطوا أو
أخفوا شفاركم عن الذبائح. وهذا حديث ضعيف.
الثاني: أنّ في هذا تعذيبا للبهيمة ووجد في الواقع العملي أنّ الحيوانات
إذا رأت الدماء وإذا رأت الذابح يسن السكاكين فإنها تثور بقوة لاسيما الإبل
ما يعني أنها تأثرت وأنها تألمت في هذا المرأى ولهذا نقول أنه إن قيل بأنه
أيضا محرم لكني لم أجد أحدا أو لا أذكر أنّ أحدا قال أنه محرم فإن قيل به
فهو تماما يشبه الذبح بآلة كالة وقد يكون أحيانا أشد إيلاما للذبيحة.
ثم - قال رحمه الله - (وأن يوجهه إلى غير القبلة)
يسن للإنسان إذا أراد أن يذبح أن يذبح إلى القبلة واستدلوا على هذا بأمرين
الأول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يضحي وجهها إلى
القبلة.
الثاني: أنه صح عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يوجهون
الذبائح إلى القبلة. فهذا دليل على أنه سنة وهذا صحيح. الأمر الآخر يكره.
واستدلوا على أنّه يكره أنّ التوجيه إلى القبلة سنة وتقدم معنا مرارا أنّ
الاستدلال على الكراهة بمخالفة السنة ليس بصحيح لأنّ مخالف السنة لا يزيد
على أنه ترك السنة وترك السنة شيء والوقوع في المكروه شيء آخر ولهذا نقول
أنه ليس بمكروه.
ثم - قال رحمه الله - (وأن يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن يبرد)
مقصود المؤلف بقوله قبل أن يبرد يعني قبل
أن تزهق روحه تماما والسلخ وكسر العنق قبل أن تخرج الروح تماما فيه تعذيب
للبهيمة فعليه أن ينتظر إلى أن تخرج الروح ثم إن شاء سلخ وكسر الرقبة ومن
هنا نعلم أنّ كسر الرقبة بالتعجيل بموت الذبيحة أيضا مكروه فإنّ كسر الرقبة
مكروه لأي غرض سواء كان للاستعجال أو لغيره وهو مكروه لأنّ فيه تعذيبا
للبهيمة وقول الفقهاء كسر الرقبة معلوم أنّ مقصودهم كسر الرقبة وهي حية أما
كسر الرقبة بعد الموت لا إشكال فيه لكنهم يقولون كسر الرقبة ويقصدون يعني
قبل أن تموت.
باب الصيد
الصيد في اللغة /يأتي على معنيين:
المعنى الأول: نفس المصيد يعني الحيوان
والمعنى الثاني: الفعل يعني الإصطياد
فهذه الكلمة تطلق على المعنيين في آن واحد.
وأما تعريف الصيد في الاصطلاح / فهو جرح حيوان مباح غير مقدور عليه.
هذا التعريف جيد في الحقيقة وشامل جرح حيوان مباح غير مقدور عليه هذا تعريف
للمالكية من وجهة نظري أنه من أسلم التعاريف وأوضحها وأدلها على المقصود
وأشملها للحيوان المتوحش والحيوان الأهلي إذا ند وتوحش.
ثم - قال رحمه الله - (لايحل الصيد المقتول في الاصطياد إلى بأربعة شروط:
أحدها: أن يكون الصائد من أهل الذكاة)
الشرط الأول أن يكون الصائد الذي صاد هذا الحيوان من أهل الذكاة وتقدم معنا
في الباب السابق من هم أهل الذكاة فمن يجوز له ومن تحل ذبيحته هو الذي يحل
منه الصيد ولهذا لو جاء المجوسي وصاد أو الوثني وصاد فإنه صيده ميتة وإن
جاء الكتابي فصاد أو جاء المسلم فصاد فصيده حلال إذا من تحل ذبيحته هو من
تقدم في باب الذكاة.
ثم - قال رحمه الله - (الثاني: الآلة: وهي نوعان محدد:)
الشرط الثاني أن يستعمل في الصيد آلة وآلة الصيد في الشرع تنقسم إلى قسمين:
المحدد والجوارح. بدأ الشيخ بالمحدد. الصيد بمحدد جائز بإجماع الفقهاء
واستدلوا على هذا بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من
الصيد تناله أيديكم ورماحكم} المائدة/94] فدل هذا على أنّ قتل الصيد بالرمح
صيد يعني اصطياد فدل عليه النص والإجماع لكن هذا المحدد له شروط.
يقول المؤلف - رحمه الله - (يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح)
وخلاصة ما يشترط في آلة الذبح أمران:
الأول" أن ينهر الدم بالقطع لا بثقله. والثاني: أن لا يكون بالسن ولا
بالظفر. هذا خلاصة شروط الآلة السابقة هذه الشروط تشترط أيضا في آلة الصيد
فيجب أن يقتل بجرحه وقطعه وإسالته للدماء لا بثقله وسيؤكد المؤلف الشرط
الثاني ولهذا هو يقول وأن يجرح يعني ويشترط في الآلة أن يجرح وفي الحقيقة
هذا الشرط مستفاد من الشرط السابق لأنه من شروط الآلة السابقة أن تجرح
وبيّنها المؤلف تماما وهي أن تنهر الدم وألاّ تقتل بدق العروق وإن خرج بعد
ذلك الدم بل يجب أن يخرج الدم نتيجة الجرح لا نتيجة الثقل والدق.
ثم - قال رحمه الله - (فإن قتله بثقله لم يبح وما ليس بمحدد .... الخ)
قوله فإن قتله بثقله لم يبح وما ليس بمحدد مسألة واحدة هاتان المسألتان
مسألة واحدة لأنّ الذي يقتل بثقله هو ما ليس بمحدد وإذا أردنا أن نقول
العلة في ما ليس بمحدد البندق والشبكة والعصا أيضا سنعلل هذا أنه يقتل
بثقله إذن نقول فإن قتله بثقله لم يبح وما ليس بمحدد كالبندق والعصا
والشبكة والفخ لا يحل ما قتل به وهذا شيء واحد وهو أنّ الصائد إذا قتل بآلة
تقتل بثقلها فإنّ الصيد لا يجوز والدليل على هذا أنّ النبي - صلى الله عليه
وسلم - سئل عن المعراض فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن قتل بجرحه فكل
وإن قتل بعرضه فلا تأكل. وهو حديث صريح بأنه إذا قتل المعراض بعرضه يعني
بثقله فإنّ الصيد لا يجوز وهو نص يؤيد ما ذهب إليه الحنابلة من أنّ القتل
بآلة الصيد يشترط فيه القطع والخزق.
والقول الثاني: أنه لا يشترط وأنّ الإنسان إذا رمى صيدا بأي آلة ولو لم
تجرح فإنه يجوز أن يأكل واستدلوا على هذا بالعمومات. وأنها لم تذكر الخزق
والراجح الأول لأنّ الحديث صريح في اشتراط القطع ومما يؤكد صراحة الحديث
أنه قسم القتل إلى قسمين شيء بعرضه وشيء بجرحه وهذا يؤكد أنّ القتل بالثقل
لا يبيح الصيد. ولهذا نقول إن شاء الله الراجح هو مذهب الجمهور وهو القول
الأول.
قوله - رحمه الله - (كالبندق)
البندق طينة مدورة إذا يبست استعملوها في الرمي فهذه تقتل بالثقل ولا تخرق
جسم الطائر وإنما تضربه مع الرأس أو مع الجسد ضربة قوية فيسقط بدون أن تسيل
منه الدماء.
ثم - قال رحمه الله - (والنوع الثاني
الجارحة , فيباح ما قتله إذا كانت معلمة)
النوع الثاني من آلات القتل الجارحة والجوارح تنقسم إلى قسمين: ما يصيد
بنابه وما يصيد بمخلبه.
والجوارح يجوز الصيد بها بالإجماع واستدلوا على هذا بقول النبي - صلى الله
عليه وسلم - إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل. وبقوله تعالى {وما
علمتم من الجوارح مكلبين} [المائدة/4] ومعنى مكلبين يعني مغرين , والجارحة
في لغة العرب أو الجارح هو الكاسب فهل الأصل أنّ الجارح هو الحيوان واشتق
منه إلى كل كاسب , أو الأصل أنه الكاسب واشتق منه للجارح؟ الجواب يحتاج إلى
بحث قرأت في كتب اللغة لكن ما ظهر لي من عبارتهم أيهما الأصل أيهما
الاشتقاق فتحتاج توسع في البحث اشترط الفقهاء لصحة الصيد بالجوارح ثلاث
شروط: الشرط الأول" أنه إذا أرسله ذهب. الثاني" أنه إذا زجره وقف. الثالث"
أنه إذا صاد لم يأكل.
واستدلوا على هذه الشروط بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أرسلت كلبك
المعلم. وإذا كان الكلب إذا أرسل لم يذهب فليس بمعلم واستدلوا على هذا بأنّ
الحديث والآية نصت على اشتراط التعليم والتعليم يكون عند أهل الصنعة بذلك.
القول الثاني: أنه يرجع في حد التعليم وضبطه إلى العرف فما اعتبروه معلما
من الجوارح فهو معلم وما لا فلا ولا نتقيد بالإرسال والزجر والأكل فالفهد
مثلا إذا زجر لم يزجر عنيد لكنه يعلم على أن لا يأكل فلا يأكل فدل هذا على
أنه ينبغي الرجوع بحسب كل حيوان إلى أهل الخبرة والمعرفة وهذه الشروط التي
ذكرت هي الشروط التي تتعلق بما يصيد بنابه.
القسم الثاني: ما يصيد بمخلبه والشروط هي هي تماما والبحث هو هو تماما إلاّ
أنه يستثنى أنه لا يشترط أن تأكل وهذا خاص بالطيور.
وعللوا هذا بأنّ الطير يصعب تعليمه على ترك الأكل ولا يمكن أن يضرب كما
تضرب السباع معلوم أنه لن يضرب أليس كذلك؟ يمكن أن تضرب الصقر؟ لا يمكن ليس
فيه مكان للضرب بخلاف الكلب والفهد والنمر فإنها تضرب وتتعلم بالضرب وهذا
صحيح أنه لا يشترط في الطير أن لا يأكل فتحصل معنا الآن أنه يشترط هذه
الشروط وهي أن يكون معلم وأنّ التعليم يحصل بما ذكرت.
مسألة / ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يشترط
في جميع الجوارح أن لا تأكل وأنها إذا أكلت جاز واستدلوا على هذا بالعمومات
فإنه كلب معلم صاد فيدخل في العمومات.
والقول الثاني: أنّ هذا الشرط صحيح وأنه يشترط أن لا يأكل واستدلوا على هذا
بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل كلبك فلا تأكل فإنك لا تدري
أمسك عليك أو عليه لأنّ أكل الكلب يجعل الأمر مختلط هل الكلب أمسك لك أو
أمسك لنفسه وهذا القول الثاني مهما يكن من أمر هو الراجح لوجود الدليل
الصريح ويجب المصير إلى مثله.
ثم - قال رحمه الله - (الثالث: إرسال الآلة قاصدا)
الشرط الثالث أن يكون إرسال الآلة أيّا كانت قصدا يعني بقصد من المرسل فإن
ذهب الكلب وانطلق بغير إرسال من الصائد فإنه لا يحل يعني ما يصيد وإن أطلق
النار على هدف لا على صيد فأصاب صيدا فإنه لا يحل واستدلوا على اشتراط
القصد بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أرسلت كلبك المعلم. فاشترط
الإرسال واستدلوا بدليل ثاني وهو أنّ إرسال الآلة يقوم مقام الذبح بالسكين
والذبح بالسكين يشترط له القصد قصد التذكية.
مسألة / فإن انطلق الكلب ثم سميت عليه فإنه على الصحيح لا يجوز يعني ما
يصيد به لأنّ شرط التسمية وجد ولكن شرط القصد مفقود. يشترط من هذا المسألة
التي ذكرها المؤلف
يقول الشيخ - رحمه الله - (فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح إلاّ أن
يزجره فيزيد في عدوه في طلبه فيحل)
إذا انطلق الكلب بغير أمر السيد ثم زجره فزاد في عدوه فإنّ الصيد حينئذ
حلال واستدلوا على هذا بأنّ الكلب لما زاد عدوه بسبب الزجر الجديد تبيّن
أنه يصيد على صاحبه وهذا صحيح.
يقول المؤلف - رحمه الله - (فإن استرسل الكلب أو غيره)
أشار المؤلف بقوله أو غيره إلى أنّ الفقهاء - رحمهم الله - اختلفوا في
الطائر هل يشترط فيه القصد أيضا كالكلب أو لا يشترط ولو انطلق الطائر بغير
إرسال صاحبه لجاز فمن الفقهاء من قال هذا شرط في السباع دون الطيور والصحيح
أنه شرط في الطيور والسباع لأنّ الدليل والتعليل يعم الجميع.
ثم - قال رحمه الله - (الرابع: التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة)
يشرط عند إرسال السهم أو الجارحة مثلا أن
يسمي واستدلوا على هذا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أرسلت كلبك
المعلم وذكرت اسم الله فكل. وإذا صاد كلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته
فكل. والاستدلال بالشطر الأول فا شترط التسمية وهذا أمر واضح. قول المؤلف
(عند إرسال) لا يقصد أنه يشترط في ذات اللحظة فلو تقدمت التسمية قليلا أو
تأخرت قليلا جاز أما إن تقدمت كثيرا أو تأخرت كثيرا فإنه لا يجوز.
مسألة / فإن أرسل كلبه ونسي التسمية ثم سمى والكلب يجري ففيه خلاف والصحيح
أنه صيد علمنا من هنا أنّ شرط قصد الإرسال أهم أو أدق من شرط؟ لأنه يمكن أن
تدرك التسمية ولا يمكن أن تدرك قصد الإرسال إلاّ بالزجر وهذا ممكن في
الآلات القديمة أما في الآلات الحديثة فإنه لا أظن هل يتصور أنه يسمي بعد
أن يرمي ممكن؟ من وجهة نظري لا يوجد وقت فبمجرد ما يضغط على الزناد وهو لم
يسم يعتبر الأمر انتهى هل يمكن أن يقول مباشرة بسم الله , أيهم أسرع قوله
بسم الله أو وصول؟ يبدوا أنّ وصول الرصاصة أسرع المهم أنه في الحقيقة
بالنسبة للآلات الحديثة إذا لم يسم قبل أن يطلق فهي ليست ذبيحة فهي ليست
صيد. أما في الآلات القديمة ومن يستخدم الآن الطيور والجوارح فهذا ممكن.
ثم - قال رحمه الله - (فإن تركها عمدا أو سهوا لم يبح)
إذا ترك التسمية في الصيد عمدا أو سهوا لم يبح وبهذا اختلف قول الحنابلة
بين الذبح والصيد ففي الذبح يعذرون بالبسملة أي يعذرون بنسيانها وفي الصيد
لا يعذرون وفرقوا أو ذكروا وجه التفريق بقولهم أنه في الذبح وقع الذبح في
مكانه الذي حدده الشارع فتسوهل في التسمية وأما في الصيد فإنه خرج عن
القياس وجاز الذبح في غير المنحر ولهذا تشددنا في التسمية هذا دليلهم -
رحمهم الله -
القول الثاني: وهو للجمهور يجوز الصيد وهو صيد حلال إذا نسي التسمية.
والقول الثالث: التفريق بين أن يصيد
بالجوارح أو أن يصيد بالمحدد أيهما الذي يعفى فيه؟ في وجه فقهي لو
تأملتموه. قالوا أنّ الكلب له قصد بخلاف الآلة فليس لها قصد مطلقا وإذا كان
الكلب له قصد فيشترط التسمية بخلاف الآلة فهي آلة فيعفى عن نسيان التسمية
والخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة , إما أن نقول يعفى أو
لا يعفى والتفريق ليس له وجه التفريق ضعيف لأنّ الكلب وإن كان له نوع قصد
إلاّ أنه يبقى كالآلة والقصد الذي عنده غير معتبر مطلقا فنبقى أنه إذا
عذرنا في الذبيحة فمن باب أولى في الصيد
لأنّ النسيان فيه والسرعة توجب العذر وإن لم نعذر هناك لم نعذر هنا من هذا
الخلاف عرفنا أنه لا يوجد من الفقهاء من عكس مذهب الحنابلة أليس كذلك لا
يوجد من قال يعفى حسب ما أوقفت عليه في الصيد ولا في الذبح مع أنّ هذا هو
المتبادر للذهن لمشقة تذكر البسملة أو التسمية عند إرسال الصيد وسهولته عند
الذبح لكن مع ذلك لم نجد من عكس مع أنّ الحنابلة عكسوا هذا المتصور
والمتبادر للذهن.
ثم - قال رحمه الله - (ويسن أن يقول معها: الله أكبر كالذكاة)
يسن ذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث أنس أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم -
لما أراد أن يضحي قال بسم الله والله أكبر وذبح بيده فيسن أن يجمع بين
البسملة والتكبير.
|