شرح زاد
المستقنع للخليل كتاب الأيمان
الدرس (1) من الأيمان
الأيمان جمع يمين وهي في اللغة تطلق على عدة معان منها اليد اليمنى ومنها
العهد ومنها القوة ومنها وهو المراد الحلف والقسم وكأنهم يفهم من عبارات
أهل اللغة أنها تطلق على هذه الأشياء وليس لها أصل ترجع إليه هكذا يفهم من
عباراتهم وإن كان لو قيل أنّ أصلها أي هذه المعاني أصلح؟ القوة لماذا؟ لأنك
تستطيع أن تبرر التسمية الأخرى يد اليمنى لأنها أقوى من اليسرى واليمين
لأنّك تقوي كلامك والعهد لأنك تقوي ما بذلته أليس كذلك؟ لو قيل بهذا كان
متوجه.
وأما شرعا فهو توكيد الحكم بذكر معظم على وجه مخصوص.
يقول - رحمه الله - (واليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث هي اليمين بالله
.... الخ)
اليمين مشروعة يعني من حيث الأصل مشروعة
بالكتاب والسنة والإجماع. وسيأتينا الأدلة التفصيلية في مباحث الكتاب وكان
أكثر قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومقلب القلوب ومصرف القلوب. ومصرف
هو الذي في الصحيح ومقلب أيضا صحيح كان هذا غالب قسمه وكونه هذا غالب القسم
دليل على مشروعية القسم من حيث الأصل.
قال - رحمه الله - (هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته)
أجمع الفقهاء على أنّ من حلف بالله أو باسم من أسماء الله أو بصفة من صفات
الله فهو يمين شرعية منعقدة بلا خلاف.
ثم - قال رحمه الله - (أو بالقرآن أو بالمصحف)
ذهب الجماهير الأئمة الثلاثة مالك وأحمد والشافعي. إلى أنّ اليمين بالقرآن
أو بالمصحف يمين شرعية منعقدة بشرط أن لا ينوي المداد والورق واستدلوا على
هذا بأنّ القرآن والمصحف هو كلام الله وكلام الله صفة من صفاته وهم أجمعوا
على أنّ اليمين بصفة من صفات الله أنه يمين شرعية.
القول الثاني: أنّ الحلف بالمصحف والقرآن لا يجوز ولا ينعقد واستدلوا على
هذا بأمرين: الأمر الأول" أنّ القرآن مخلوق.
والدليل الثاني: لهم أنه لم يعهد الحلف بالمصحف والقرآن ولم يقولوا لم يعهد
عند من؟ لكن من الواضح أنّ مقصودهم عند السلف وهذا القول الثاني مذهب
الحنفية أو لبعض الحنفية وهو ضعيف جدا وأدلته أضعف منه , أما الدليل الأول
أنه مخلوق فهو قول باطل والقرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود وليس بمخلوق
بل صفة من صفات الله. وأما أنه ليس بمعهود فلا يشترط في اليمين لتكون شرعية
أن تكون معهودة فالراجح أنه قسم مشروع ومنعقد ويحنث إذا خالفه.
ثم - قال رحمه الله - (والحلف بغير الله محرم)
الحلف بغير الله هو توكيد الأمر بذكر مخلوق معظم. يقول - رحمه الله - وهو
محرم الحلف بغير الله محرم عند الجماهير واستدلوا على هذا بنصوص صريحة ,
الأول قوله - صلى الله عليه وسلم - ألا لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفا
فليحلف بالله أو ليصمت.
الثاني قوله - صلى الله عليه وسلم - من حلف بغير الله فقد أشرك. وهي نصوص
واضحة.
القول الثاني: أنّ الحلف بغير الله مكروه
وليس بمحرم واستدلوا على هذا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي
سأله عن شرائع الإسلام فلما خرج قال أفلح وأبيه إن صدق. فقال هذا فهذا
النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف بأبي الرجل مما يدل دلالة واضحة على أنه
ليس بشرك ولا بمحرم.
والجواب على هذا الحديث. الحديث صحيح والجواب عليه بأحد جوابين أجابوا عليه
بسبعة أوجه فيها ضعف وأحسن الأجوبة أن يجاب بأحد أمرين: الأول" أنّ هذا مما
يجري على الألسن وما يجري على الألسن فهو من اللغو واللغو ليست من الأيمان
المنعقدة. يعني من لغو اليمين.
الثاني: أنه منسوخ وأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا في أول
التشريع ثم نسخ بالأحاديث الدالة على تحريم الحلف بغير الله.
والثالث: الجواب الثالث وهو كالسابقين في القوة محكم وترك المتشابهه وتلك
النصوص محكمة جدا فالنهي عن الحلف بغير الله وهذا متشابهه فاحتمل أنه قبل
المنع ويحتمل أنه من لغو اليمين ويحتمل أنه أمر جاء على لسان النبي - صلى
الله عليه وسلم - وورود مثل هذه الاحتمالات تضعف الاستدلال به وبكل حال
الحلف بغير الله محرم بل نوع من الشرك وقد يكون شرك أكبر وقد يكون شرك أصغر
بحسب ما يقوم بقلب الحالف.
ثم - قال رحمه الله - (ولا يجب به كفارة)
لا يجب بالحلف بغير الله كفارة لأنّ هذا الحلف لم ينعقد والحلف الذي يوجب
الكفارة هو المنعقد وهذا بطبيعة الحال مذهب الجماهير الذين يرون أنه محرم ,
أما من يرى أنه منعقد فاليمين عند كل العلماء إذا انعقدت فيها كفارة.
قال - رحمه الله - (ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط: الأول" أن تكون
اليمين منعقدة)
الأيمان إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: اليمين المنعقدة. والقسم الثاني:
اليمين الغموس. والقسم الثالث: لغو اليمين.
وسيتحدث المؤلف - رحمه الله - عن كل واحدة على حدة من حيث الانعقاد ومن حيث
الكفارة.
يقول - رحمه الله - (ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط أن تكون اليمين
منعقدة وهي التي قصد عقدها مستقبل ممكن).
ذهب الجمهور إلى أنّ اليمين لا تنعقد إلاّ
إذا اتصفت بصفتين. الأول أن يقصد عقد اليمين. الثاني: أن تكون على مستقبل.
واستدلوا على الشرط الأول بقوله تعالى {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}
[المائدة/89] وفي الآية الأخرى {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن
يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم} [البقرة/74] ومفهوم الآيتين. أنّ
اليمين لا ينعقد إلاّ إذا قصد عقد قلبه عليه.
أما الشرط الثاني فهو أن يكون على مستقبل واستدلوا على قوله تعالى {ذلك
كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة/89] وجه الاستدلال أنه قوله إذا حلفتم
يعني إذا حلفتم فحنثتم في المستقبل واليمين المنعقدة فيها الكفارة بالإجماع
ولهذا سيخصص المؤلف لكفارة اليمين المنعقدة كلاما مستقلا.
ثم - قال رحمه الله - (على مستقبل ممكن)
اشترط المؤلف أن يكون على مستقبل ممكن. وقوله ممكن يخرج المستحيل والمستحيل
ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يحلف على ترك على المستحيل كقوله والله
لا أصعد السماء , حلف على فعل أو ترك المستحيل؟ على ترك المستحيل فإذا حلف
على ترك المستحيل فإنّ اليمين لا تنعقد ولا كفارة فيها بالإجماع لأنّ هذا
اليمين عبث وعدم حصول مقتضى اليمين معلوم.
القسم الثاني: أن يحلف على فعل المستحيل ليس على ترك المستحيل كأن يقول
والله لأصعدن السماء , وفي الأول قلنا والله لا أصعد إلى السماء فهذا
الثاني ذهب الجماهير إلى أنه منعقد وفيه الكفارة واستدلوا على هذا بأنّ
الحلف على مستحيل يدخل في عموم الأدلة فهو حلف على أمر مستقبل.
والقول الثاني: أنه لا ينعقد لأنه حلف على أمر يتعذر البر به وقياسا ما لو
حلف على ترك المستحيل والأقرب مذهب الجمهور وإن كانت المسألة تحتاج إلى
مزيد تأمل.
ثم - قال رحمه الله - (فإن حلف على أمر ماض كاذبا عالما فهي الغموس)
اليمين الغموس هي أن يحلف على أمر في
الماضي كاذبا. فهم من كلام المؤلف أنه لا يشترط أن يكون الحلف يقتطع مال
أمر مسلم بل يشمل ما لو أراد ذلك وغيره وهو كذلك وهو الراجح أنه لا يشترط
أن يكون المقصود من اليمين الغموس أن يقتطع مال امرئ مسلم واليمين الغموس
من الكبائر التي تحتاج إلى توبة والدليل على هذا أنّ النبي - صلى الله عليه
وسلم - جعلها كما في صحيح البخاري من الكبائر والدليل الثاني: أنّ النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال من حلف ليقتطع مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه
عضبان فدلت النصوص على أنه من الكبائر وهو محرم.
مسألة / بعد التقرر أنه محرم هل فيه كفارة اختلف الفقهاء , فذهب الجمهور
إلى أنه لا كفارة فيه واستدلوا على هذا بأمرين: الأمر الأول أنّ الأحاديث
التي فيها تحريم اليمين الغموس لم يأتي فيها ذكر الكفارة.
الدليل الثاني: أنّ الأدلة الدالة على اشتراط الاستقبال دالة على عدم وجود
الكفارة في اليمين الغموس لأنّها تتعلق بالأمر الماضي وهذا القول هو الراجح
واليمين الغموس أعظم من أن تكفرها كفارة اليمين.
القول الثاني: أنها فيها كفارة واستدلوا بالعمومات وعلمنا أنّ هذه العمومات
مخصوصة بأدلة اشتراط الاستقبال.
ثم - قال رحمه الله - (ولغو اليمين الذي يجري على لسانه بغير قصد كقوله لا
والله وبلى والله وكذا يمين عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه)
القسم الثاني لغو اليمين وهي تصدق على أمرين: عند الحنابلة الأمر الأول: ما
يجري على لسانه من غير قصد.
الثاني: إذا حلف يظن صدق نفسه فهذا يعتبر من لغو اليمين فإذا تصدق على
صورتين: أما الدليل على الصورة الأولى فمن وجهين الوجه الأول: أنه تقدم
معنا أنه يشترط في اليمين المنعقدة أن تكون مقصودة من كسب القلب وعقده وما
يجري على اللسان ليس كذلك.
الدليل الثاني: ما جاء في حديث عائشة أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
قول الرجل لا والله وبلى والله من لغو اليمين وكفارة فيه وهذا الحديث منهم
من جعله مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهم من أوقفه على عائشة
والمتأخرون يرفعونه كما هي عادة كثير من المتأخرين يرفعون الموقوفات.
والقول الثاني: للدار قطني وهو يرى أنه
حديث موقوف وهذا هو الصحيح أنه موقوف على عائشة ولكن وإن كان موقوفا على
عائشة فيصلح الاستدلال به لأنه يتوافق مع النصوص العامة.
القسم الثاني: إذا حلف يظن صدق نفسه والدليل على أنّ هذا من لغو اليمين
أيضا من وجهين الوجه الأول: أنّ الرجل الذي طلب منه النبي - صلى الله عليه
وسلم - كفارة الجماع في نهار رمضان قال في آخر الحديث فلا والله ليس بين
لابتيها أفقر مني! وهذا ظن لأنه لم يقف على كل بيت حتى يعلم من هو أفقر منه
أو لا مع ذلك أقسم وأقّره النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلب من أولياء المقتول في
حديث القسامة التي تقدم معنا أن يحلفوا وهو حلف على الظن وذهب الجماهير إلى
أنّ لغو اليمين لا كفارة فيه واستدلوا على هذا بأنه يمين ليس بمنعقدة لعدم
وجود القصد واليمين المكفرة هي اليمين المنعقدة فقط.
الدرس: (2) من الأيمان
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كنا تحدثنا عن قول المؤلف - رحمه الله - (ولغو اليمين الذي يجري على لسانه
بغير قصد كقوله: لا والله , وبلى بالله وكذا يمين عقدها يظن صدق نفسه فبان
بخلافه) وذكرت حد لغو اليمين وحكمه من حيث الكفارة وأحب أن أنبه أنّ قوله
تعالى {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [البقرة/225] يفيد عدم الكفارة
لكن لا دخل له في تحديد اللغو فإنّ الآية أثبتت عدم المؤاخذة ولكنها لم
تبيّن ما هو لغو اليمين فهو يكتسب من أدلة أخرى وهو ما شرحناه في الدرس
السابق. ثم قال مبيّنا الشرط الثالث. من شروط وجوب الكفارة
قال - رحمه الله - (الثاني: أن يحلف مختارا فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه)
الشرط الثاني لوجوب الكفارة أن يحلف مختارا
فإن حلف مكرها لم تنعقد اليمين وإلى هذا ذهب الجمهور عدم انعقاد اليمين إذا
أكره عليها وعدم وجوب الكفارة تبعا لذلك إذا حنث فيها واستدلوا بالأدلة
العامة الدالة على رفع المؤاخذة إذا تم العمل إكراها. تقدمت معنا مرارا من
الكتاب والسنة.
والقول الثاني: أنها تنعقد ويؤاخذ بها نظرا لأنه أتى باليمين فتترتب على
اللفظ أحكامه والراجح إن شاء الله أنها لا تنعقد.
بيّن المؤلف ما هو الحنث أو كيف يحصل الحنث قبل هذا أريد أن أنبه إلى أنّ
بعض الذين ذهبوا إلى انعقاد اليمين كرها استدلوا بحديث من باب التنبيه وهو
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد. اليمين
والطلاق والنكاح. فوضعوا اليمين في هذا الحديث وهذا الحديث لا أصل له ولذلك
أعرضنا عنه لأنه لا أصل له أصلا وليس بحديث ضعيف لكن أحببت أن أنبه إلى أنّ
بعضهم استدل به وأنه ليس له أصل نرجع إلى الشرط الثالث. الشرط الثالث شرحه
المؤلف
ثم - قال رحمه الله - (الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما
حلف على فعله مختارا ذاكرا)
بيّن المؤلف كيف يحصل الحنث. الحنث يحصل بمخالفة مقتضى اليمين فإن حلف أن
لا يفعل ففعل أو أن يفعل فلم يفعل فقد حنث أي فقد خالف ما عقد اليمين عليه
والحنث من شروط وجوب الكفارة لأنه إذا لم يحنث فإنه لم يهتك حرمة اليمين
وإذا لم يهتك حرمة اليمين فلا كفارة وهذا مجمع عليه.
ثم - قال رحمه الله - (فإن فعل مكرها أو ناسيا فلا كفارة)
الإكراه في الشرط الثاني إكراه على. ما
الفرق بين هذا وبين الشرط الثاني.؟ الشرط الثاني إكراه على نفس اليمين.
وهذا الشرط إكراه على الحنث في اليمين. إذا أكره على الحنث في اليمين فإنه
لا يعتبر حنث ولا تعتبر يمينه انتهكت والإكراه على اليمين ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول" أن يلجأ إلى مخالفة اليمين إلجأً كأن يحلف أن لا يدخل البيت
فيحمل ويدخل به البيت فهذا لا حنث عليه بلا إشكال. القسم الثاني: أن يكره
إكراها على فعل اليمين بلا إلجاء يعني أن يكره بالضرب والتهديد والإيذاء
فهذا ذهب الأئمة الثلاثة وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهم إلى أنه
لا يحنث. واستدلوا بالعمومات.
والقول الثاني: أنه يحنث واستدلوا بعموم قوله تعالى {ولكن يؤاخذكم بما
عقدتم الأيمان} [البقرة/225] وهذه الأيمان معقودة وقد خالفها والراجح مع
الجمهور وهو انه لا يحنث.
ثم - قال رحمه الله - (أو ناسيا)
الخلاف في الناسي كالخلاف في المكره تماما من حيث القائلين والأدلة.
مسألة / الجاهل ما حلف على تركه جهلا أو ترك ما حلف على فعله جهلا فالخلاف
فيه كالخلاف في السابق تماما أيضا والراجح فيه هو الراجح فيه فإذا الآن
عرفنا حكم من فعلها مكرها أو ناسيا أو جاهلا.
ثم - قال رحمه الله - (ومن قال في يمين مكفرة إن شاء الله لم يحنث)
إذا حلف الإنسان واستثنى بقوله إن شاء الله فإنه إذا خالف ما حلف عليه لم
يحنث والدليل على هذا من ثلاثة أوجه:
الأول: ما جاء عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم
- قال من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث وهذا الحديث اختلفوا في
رفعه ووقفه فذهب الأئمة إلى وقفه وذهب كثير من المعاصرين إلى رفعه والصواب
إن شاء الله أنه موقوف لكن مثله يصلح للاستدلال.
الدليل الثاني: قصة سليمان وفيها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في
آخرها ولو قال إن شاء الله لم يحنث وهو نص في رفع الحنث والمؤاخذة إذا
اقترن اليمين بأن شاء الله.
الدليل الثالث: الإجماع فإنهم أجمعوا على أنّ الاستثناء من حيث الجملة يرفع
الحنث ووجوب الكفارة.
مسألة / وقول إن شاء الله مع اليمين لا
يشترط له أي شرط فلا يشترط الاتصال ولا أن ينوي أن يقولها قبل أن يبدأ
باليمين ولا يشترط له أي شرط فإذا حلف وقال إن شاء الله فإنه لا يحنث
مطلقا.
ثم - قال رحمه الله - (ويسن الحنث في اليمين إذا كان خيرا)
إذا حلف الإنسان على شيء وكان ترك الحلف خير من الالتزام به فإنه يسن ولا
يجب أن يحنث في يمينه والدليل على هذا من وجهين:
الأول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إني إن شاء الله لا أحلف على
يمين فأجد غيرها خيرا منها إلاّ أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني. وهو نص
في المطلوب.
الدليل الثاني: أنهم لم يختلفوا في أنّ هذا مستحب وهو أولى وأفضل من
الاستمرار في اليمين.
ثم - قال رحمه الله - (ومن حرم حلالا سوى زوجته أو أمة أو طعام , أو لباس
أو غيره لم يحرم)
إذا حرم الإنسان على نفسه شيئا مباحا فإنّ الجماهير من الأئمة الثلاثة
ذهبوا إلى أنه لا يحرم مطلقا كفر أو لم يكفر واستدلوا على هذا بقوله تعالى
{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله
الكذب} [النساء/171] واستدلوا أيضا بدليل آخر وهو أنّ التحليل والتحريم إلى
الله.
والقول الثاني: أنه يحرم إلى أن يكفر فإذا حرم على نفسه شيئا فإنه يحرم إلى
أن يكفر وهذا مذهب الأحناف واستدلوا بقصة تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم
- العسل وأنّ الله تعالى قال {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي
مرضات أزواجك والله غفور رحيم} [التحريم/1] {قد فرض الله لكم تحلت أيمانكم}
[التحريم/1] فهم فهموا من قد فرض الله لكم تحلت أيمانكم يعني إحلال
أيمانكم.
والجواب على الاستدلال بهذا الآية. أنّ المقصود بالآية بتحلت هنا ليس
التحليل وإنما إحلال اليمين يعني فك اليمين وحلها فهو من الحَلْ وليس من
الحِل [يعني من فك العقدة وليس من الحِل الذي هو ضد التحريم] والراجح مذهب
الأئمة الثلاثة إن شاء الله.
ثم - قال رحمه الله - (وتلزمه كفارة يمين إن فعله)
لإشكال في وجوب كفارة اليمين فإن النبي -
صلى الله عليه وسلم - لما حرم على نفسه كفّر كفارة يمين ونحن حملنا الآية
على حلها وحل اليمين يكون بالكفارة فلا إشكال في وجوب الكفارة إذا حرم على
نفسه شيئا.
فصل
هذا الفصل في كفارة اليمين وكفارة اليمين فيها تخيير وترتيب وبدأ المؤلف
بالتخيير فهو
يقول - رحمه الله - (يخير من لزمته كفارة يمين بين إطعام عشرة مساكين أو
كسوتهم أو عتق رقبة)
فالتخيير بين الإطعام والكسوة والعتق , فإن شاء أطعم وإن شاء كسا وإن شاء
أعتق والتخيير تخيير تشهي وليس تخيير مصلحي فيختر ما يناسبه ويكون أسهل
عليه. وهل ينبغي للمفتي أن يبيّن أو أن يرشد السائل إلى الأسهل أو يخيره
فقط يظهر لي بعد التأمل ينبغي للمفتي أن يبيّن للسائل الأسهل السبب في هذا
أنه يظهر والله أعلم من تخيير الله في هذه الأجناس أنه أراد التوسعة على
المكفر ولهذا خيره بين عدة أشياء وتعلمون أنّ هذه الأصناف أحيانا ترتفع
وأحيانا تنخفض فقد يكون الشيء بعضه أغلى من بعض ففي الحج مثلا الإطعام أرخص
بكثير من الذبيحة مهما رخصت الذبيحة فكون المفتي يبيّن للسائل أنه مخير في
كفارة الأذى وأنّ الإطعام هو أسهل الخصال الثلاث هذا جيد هنا في اليمين
غالبا الأسهل من الخصال الثلاث هو كذلك الإطعام.
يقول المؤلف - رحمه الله - (إطعام عشرة مساكين)
لم يبيّن المؤلف الجنس ولا المقدار والسبب في هذا أنّ الجنس والمقدار تقدم
معنا في ثلاثة أبواب في كتاب الصيام وفي كتاب الحج وفي كتاب الظهار وهو
أنهم يرون أنه مد من بر أو نصف صاع من غيره من الأطعمة. والمد تقريبا 600
غرام فنصف الصاع ألف ومائتين غرام من الحبوب من الأرز أو القمح وما شاكلها
مما يطعم الناس فإذا عرفنا الآن المقدار والنوع حسب المذهب.
القول الثاني: أنه لا حد لمقداره ولا نوعه وأنه من أوسط ما تطعمون أهليكم
فالإنسان يطعم بحسب الطعام الموجود والذي يأكل من أهله ثمينا كان أو رخيصا
أو وسطا وهذا الثاني هو المتوافق مع ظاهر الآية والأول هو الأسهل تطبيقا
والأضبط بين الناس فلا شك أنّ صدقة من أوسط ما تطعمون أهليكم يستمر في
السؤال ماذا يعني هذا؟ وكيف أطعم أوسط أهلي ومرة نأكل كذا ومرة نأكل كذا
فتدخل أنت وأياهم في برنامجهم العائلي
وتكون مشكلة يعني بينما على المذهب نصف صاع وانتهت المشكلة وهو في الحقيقة
أضبط للمفتي وأضبط المستفتي.
مسألة / هل يجب إذا أخرج مد من البر أو نصف صاع من غيره أن يخرج معه الإدام
في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يجب وجوبا أن يخرج مع ما يخرجه في كفارة اليمين إداما.
واستدلوا على هذا بأنّ العادة جرت بأنّ الطعام لا يخلو من الإدام.
القول الثاني: أنه لا يجب وهو ظاهر المذهب واستدلوا على هذا بأنّ من أطعم
نصف صاع أو مد بر فإنه يسمى مطعم ولو لم يخرج إدام.
والقول الثالث: التفصيل إن كان يطعم أهله مع الإدام فيكفر مع الإدام ,
وإلاّ فلا. وهذا اختيار شيخ الإسلام - رحمه الله - والإدام يطلق على كل ما
اعتاد الناس أكله مع الخبز تناولا أو تغميسا وعلى رأسه اللحمة فاللحمة من
أشرف أنواع الإدامات في عرف اللغة والشرع فإذا كان يطعم أهله مثل هذا الشيء
فإنهم ينبغي إذا أراد أن يخرج مثلا ستمائة غرام من الأرز أن يجعل معه ماذا؟
لحم سواء كان لحم حيوان أو من الدجاج.
ثم - قال رحمه الله - (أو كسوتهم)
كذلك لم يبيّن المؤلف قدر الكسوة والمذهب أنّ قدر الكسوة هو ما يجزئ في
الصلاة بحسب المعطى فقد يكون امرأة وقد يكون رجلا.
القول الثاني: أنه يكسى ما يصدق عليه اسم الكسوة ولو كانت أقل مما يلبسه
المسلم في الصلاة وإلى هذا ذهب ابن حزم.
والقول الثالث: أنّ الكسوة يرجع في تحديدها إلى العرف فما اعتبر عرفا كسوة
فهو الواجب ولو لم يجزئ في الصلاة وهذا القول الثالث هو المتوافق مع ظاهر
الآية.
ثم - قال رحمه الله - (أو عتق رقبة)
تقدمت معنا في كتاب الظهار مباحث كثيرة في عتق الرقبة فجميع المباحث بدون
استثناء التي تقدمت في عتق الرقبة في الظهار تأتي معنا هنا في عتق الرقبة
في كفارة اليمين وعلى رأس هذه المسائل قضية هل يشترط أن يكون مؤمنا أو لا
تقدم معنا أنّ الجماهير والجم الغفير يرون اشتراط هذا الشرط وأنه هو
الأقرب.
وأنّ القول الثاني أنه لا يشترط وهو مرجوح.
ثم - قال رحمه الله - (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة)
انتقل من التخيير إلى الترتيب فإذا لم
يتمكن من الإطعام والكسوة وعتق الرقبة حينئذ ينتقل إذا لم يستطع إلى الصيام
ويشترط في الصيام أن يكون متتابعا واستدلوا على هذا بقراءة ابن مسعود فصيام
ثلاثة أيام متتابعة وهو بإسناد صحيح واستدلوا أيضا بأنّ أبي بن كعب قرء مثل
قراءة ابن مسعود تماما.
والقول الثاني: أنه لا يشترط التتابع فإنّ الله أمر بالصيام فأطلق ولا يمكن
أن نقيّد بغير القرآن والراجح إن شاء الله وجوب التتابع في صيام كفارة
اليمين فإنّ قراءة ابن مسعود إما أن تكون قراءة من القرآن فهي حجة وإلاّ
فلا تنزل عن أن تكون خبر آحاد وخبر الآحاد حجة ولو فرضنا وليس كذلك أنه
موقوف على حكمه حكم الموقوف على ابن مسعود فكذلك له حكم الرفع لأنه مما لا
مجال للرأي فيه لكنه ليس بموقوف لأنّ ابن مسعود ذكره كقراءة فلا ينزل عن
مرتبة المنسوب للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثم - قال رحمه الله - (ومن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد فعليه
كفارة واحدة)
من حلف على أكثر من يمين لكن موجبها والمقصود بموجبها يعني ما توجبه يعني
الكفارة فإذا حلف على أيمان كفارتها واحدة هذا معنى كلام المؤلف ولم يكفر
فتجزؤه كفارة واحدة. مثاله كأن يقول والله لا أكلم عمروا والله لا آكل خبزا
فهاتان يمينان كفارتهما واحدة لأنها يمين كفارة اليمين واحدة. أفادنا
المؤلف أنه يكفر كفارة واحدة إذا لم يكفر فالمسألة الأولى أنه إذا كفر فإنه
يلزمه كفارة أخرى بلا خلاف فإذا قال والله لا أكلم زيدا والله لا أكلم
عمروا ثم كلم زيدا وكفر ثم كلم عمروا فإنه يجب أن يكفر كفارة أخرى بلا خلاف
نأتي إلى مسألة ما إذا لم يكفر فالمذهب على أنه كفارة واحدة. لأنها أيمان
لها كفارة من جنس واحد فتتداخل قياسا على الحدود. فلو زنا ثم زنا فإنه يقام
عليه حد واحد.
والقول الثاني: أنه يجب عليه كفارة لكل يمين كفر عن التي قبلها أو لم يكفر
واستدل هؤلاء بأنّ هذه أيمان مختلفة مخرجها مختلف والآية أو جبت في كل عقد
يمين كفارة والراجح بوضوح القول الثاني. فيجب عليه كفارات لأنّ هذه أيمان
مختلفة.
ثم - قال رحمه الله - (وإن اختلف موجبها كظهار ويمين بالله لزماه ولم
يتداخلا)
إذا كان موجب هذه الأيمان مختلف كفارات
مختلفة كأن يظاهر من زوجته ويقتل خطأ ويحلف يمينا فكل واحد من هذه الأمور
أوجبت كفارة مختلفة فلا تتداخل. قال الشيخ المرداوي بلا نزاع لأنها أجناس
مختلفة فلم تتداخل وهذا صحيح ولا أظن أنّه هناك خلافا خارج المذهب. بهذا
انتهى هذا الفصل. ولله الحمد.
باب جامع الأيمان
هذا الباب باب مهم جدا لأنه يعين المحلوف عليه والترتيب عند الحنابلة ترتيب
رباعي نرجع إلى النية ثم إلى السبب ثم إلى التعيين ثم إلى الاسم سيأتينا
خلاف في هذا الترتيب لكن الحنابلة هكذا يرتبون الأولويات في حمل اليمين على
المقصود ولما كانت النية هي الأولى وهي مجمع على البدء بها بدأ بها المؤلف.
يقول - رحمه الله - (يرجع في الأيمان إلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ)
يرجع في الأيمان إلى نية الحالف بشرطين: الشرط الأول" أن يحتملها اللفظ
فإذا قال والله لا آكل لحما ثم رأيناه يأكل فقال نويت أي خبزا لفظ اللحم
يتحمل الخبز؟ لا يحتمل. فإذا نقول هذا لا يحتمل وأنت حانث. إذا يجب أن
يحتمل اللفظ فأخذنا مثال عدم الاحتمال أما أمثلة الاحتمال فكثيرة مثل أن
يقول والله لا آكل لحما ونراه يأكل دجاجا يحتمل أو لا يحتمل؟ ومثل أن يقول
والله لا آكل لحما ونراه يأكل من أجزاء الذبيحة الأخرى من الكبد أو من
الرئة فهذا يحتمل أو لا يحتمل؟ يحتمل.
الشرط الثاني: أن يكون محقا لا ظالما فإن كان ظالما فإنه يأخذ بلفظه ولا
تعتبر نيته فإذا اكتملت الشروط فإناّ نبدأ ونأخذ بالنية لقول النبي - صلى
الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنيات. وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل
العلم أنّ المعتبر والضابط الأول في معرفة مقصود الحالف النية إذا وجدت
لهذا الحديث.
والقول الثاني: أنا لا ننظر إلى النية لأنّ اليمين مرتبطة باللفظ فنآخذه
بلفظه. وهذا القول فيه بعد وضعف ظاهر جدا وقاعدة الشرع انه إنما الأعمال
بالنيات.
ثم - قال رحمه الله - (فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها)
المرتبة الثانية السبب وغالبا ما يكون
السبب مخصص لا معمم فإذا عرفنا من السبب أنّ مقصوده أخص من لفظه حملنا
اليمين على هذا الخاص فإذا قال والله لا أدخل دار فلان وعلمنا قطعا أنّ ما
سبب اليمين وهيجها أنّ في الدار منكرات فإنّ الدار إذا خليت من المنكرات
ودخلها فإنه لا يحنث. بالنظر إلى أي شيء إلى سبب اليمين وفي الحقيقة السبب
إذا تأملت تجده يرجع إلى النية فإنه نوى لما حلف أن لا يدخل الدار نوى أي
لوجود المنكرات على كل حال المرتبة الثانية هي السبب وقد تكون من حيث
التقسيم أوضح.
والخلاف في السبب كالخلاف في النية.
ثم - قال رحمه الله - (فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين)
إذا لم تكن هناك نية ولا سبب فإنّا نرجع إلى التعيين والتعيين أن يعين
ويستخدم لفظ الإشارة هذا كأن يقول والله لا آكل هذا الجدية والله لا آكل
هذه الجبنة , فإنّ اليمين تتعين إذا لم توجد نية ولا سبب.
مسألة / فإن تغيرت صفة المعين واسمه كأن حلف على بيضة فصارت دجاجة فالمذهب
أنه يحنث إذا أكل الدجاجة لأنه أكل ما عينه واختار ابن قدامة أنه لا يحنث
لأنّ اسم المعين وصفته اختلفتا.
القسم الثاني: أن تختلف صفة المعين واسمه وتذهب أجزاءه كأن يحلف أن يكلم
صبيا فيصبح الصبي شيخا أو أن لا يأكل تمرا فيصبح دبسا فالمذهب وابن قدامة
يرون أنه يحنث لأنه لما عدمنا النية والسبب رجعنا إلى التعين والمعين موجود
وإن اختلفت صفته.
والقول الثاني: أنه لا يحنث فإذا حلف أن لا يكلم صبيا فصار شيخا وكلمه فإنه
لا يحنث لأنّ صفة المحلوف عليه واسمه وحقيقته اختلفت والراجح؟ أيهم أقرب؟
لا يحنث لأنه المحلوف عليه اختلف واختلاف الصفات نحن وجدنا من خلال دراسة
الفقه أنّ اختلاف الصفات يؤثر أو لا يؤثر على الأحكام؟ يؤثر تأثيرا بيّنا
فالخل إذا انقلب خمرا والخمر إذا انقلب خلا بغير قصد ولا فعل أبيح والذي
تغير أجزاء الشيء أو صفته؟ صفته أما أجزاءه موجودة نفس الأجزاء موجودة لكن
صفته تغيرت فلما وجدنا الشرع دائما تختلف الأحكام عنده إذا اختلفت الصفات
والأسماء عرفنا أنه أيضا في هذا الباب يجب أن نأتي بالقاعدة فلا يحنث بذلك.
ثم - قال رحمه الله - ممثلا على التعين الأمثلة القادمة كلها على التعين.
قال - رحمه الله - (فإذا حلف لا لبست هذا
القميص فجعله سراويل , أو رداء أو عمامة , ولبسه)
فإنه يحنث إذا حلف لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه
فإنه يحنث لماذا؟ لأنّ الحنابلة يقدمون التعين على الاسم والقميص إذا صار
سراويل إنما اختلف فيه اسمه ووجه تقديم التعين على الاسم عند الحنابلة أنّ
التعين أبلغ في ذهاب الإبهام ورفع الإبهام يعني أنه إذا عينت لم يعد هناك
إشكال أنّ المقصود هذا الشيء لكن إذا سميت هل يحتمل أن تقصد شيئا آخرا؟ نعم
فرأوا أنّ التعين من هذا الوجه أقوى من الاسم. مثال الثاني:
قال - رحمه الله - (أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو زوجة فلان هذه أو
صديقه فلانا أو مملوكه سعيدا فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم) إذا
قال والله لا كلمت صديق فلان أو زوجة فلان أو هذا الصبي فصار شيخا فالذي
زال الآن ثم صار ليس بصديق وطلقت الزوجة وصار الصبي شيخا فالذي زال هو
الإضافة والقاعدة عند الفقهاء أنّ الإضافة أضعف من الاسم فإذا كنا نقدم
التعين على الاسم فتقديمه على الإضافة من باب أولى وكل هذا يرجع إلى نفس
القاعدة وهي أنّ التعين مقدم على الاسم.
قال - رحمه الله - (أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا ......... )
المجموعة الثالثة. لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا وهذا الرطب فصار تمرا
أو دبسا أو خلا وهذا اللبن فصار جبنا أو كشكا ونحوه ثم أكل المجموعة
الثالثة هي ما تحدثنا عنه وهي إذا اختلفت اسمه وصفته.
أما المجموعة الثانية فاختلفت الإضافة. وأما المجموعة الأولى فاختلف الاسم
فقط. فإنّ القماش إذا فصلته قميصا أو فصلته سراويل أو رداء إنما اختلف
الاسم أما حقيقة القماش موجودة ويجمع الأمثلة أو المجموعات الثلاثة أنّ
التعين مقدم على الاسم ففي الأمثلة الأخيرة اختلف الاسم لاختلاف الحقيقة
فإنّ الحمل إذا صار كبشا فقد اختلفت حقيقته وانتقل إلى سن آخر وكذا التمر
واللبن وما مثل به.
قال - رحمه الله - (إلاّ أن ينوي ما دام على تلك الصفة)
لأنه تقدم معنا أنه إذا وجد في الحلف نية
فالنية مقدمة على التعين فإذا قال قصدت ما دامت هذه الصفة موجودة قدمت
النية طبعا هذه المباحث قد تكون قليلة النفع في أحيان كثيرة لأنه يندر أن
تخلوا اليمين من النية لأنّ اليمين إنما تخرج من الإنسان بناء على معطيات
في الواقع توجب عنده نية وعزم على اليمين فإذا لا بد من وجود نية تحدد لكن
لو افترضنا وجود يمين بدون نية فعلى هذا الترتيب.
فصل
قال - رحمه الله - (فإن عدم ذلك رجع إلى ما يتناوله الاسم)
قوله فإن عدم ذلك يعني عدمت النية والسبب والتعين حينئذ نرجع إلى الاسم وهو
آخر المراحل عند الحنابلة فهو أضعف المدلولات.
والقول الثاني: أنّ الاسم يقدم على التعين لأنّ العرف غالبا ما يتطابق مع
الاسم لا مع التعين.
قال - رحمه الله - (وهو ثلاثة: شرعي وحقيقي وعرفي)
سيبيّن المؤلف تعريف كل واحد من هذه الثلاثة وهي أقسام للاسم لكن يؤخذ على
المؤلف أنه - رحمه الله - لم يرتب الحقائق الثلاثة للاسم شرعي وعرفي
وحقيقي. لم يرتب بشكل واضح بماذا نبدأ وماذا نؤخر؟ وخالف بهذا لا أقول
الأصل حتى الأصل عنده نوع من عدم الوضوح في الترتيب وهو خلل من وجهة نظري
غير مقبول ولهذا لو رجعت إلى المنتهى وإلى الإقناع وإلى غيرهما من كتب
الحنابلة ستجد أنهم أول ما يبدءون يبيّنون الترتيب وأناّ نأخذ بهذا أولا ثم
يليه كذا ثم يليه كذا لأنّ هذا الباب معقود لهذه القضية بماذا نبدأ ولهذا
لما جاء في الفصل السابق باب جامع الأيمان مباشرة بدأ بالترتيب فقال يرجع
إلى كذا فإن لم يمكن فإلى كذا فإن لم يمكن فإلى كذا هنا لو قرأت أنت هذا
الفصل كاملا ربما لا يتبيّن لك كيف ترتب الحقائق وأيها أولى بالتقديم بينما
في المنتهى في الحقيقة كانت عبارته محررة
جدا وقال يبدأ بكذا ثم بكذا ثم بكذا وكذلك في الإقناع. بدأ المؤلف بالشرعي:
فقال - رحمه الله - (فالشرعي ماله موضوع في الشرع وموضوع في اللغة)
اللفظ أو الاسم الشرعي هو كل اسم له معنى
في الشرع ومعنى في اللغة فإذا كان له معنى في الشرع ومعنى في اللغة فهو اسم
شرعي ويقصد بهذا بطبيعة الحال وله معنى في اللغة يختلف عن معناه في الشرع
مثل الصلاة والزكاة والحج والصيام , فالصلاة في اللغة الدعاء وفي الشرع
أقوال وأفعال مبتدأه بالتكبير مختتمة بالتسليم. الصيام هو الإمساك وعرفتم
معناه في الشرع الحج في اللغة هو القصد وعرفتم معناه في الشرع وهكذا إذن
هذه الألفاظ أو هذه بعبارة أدق هذه الأسماء لها معنى شرعي ولها معنى لغوي
فكل اسم له معنى شرعي ولغوي فهو من الأسماء الشرعية.
قال - رحمه الله - (فالمطلق ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح)
الاسم إذا أطلق فإنه ينصرف إلى الموضوع الشرعي , والدليل على هذا من وجهين:
الأول: أنّ تقديم المعنى الشرعي محل إجماع فقد أجمعوا على أنه إذا كان
للاسم معنى شرعي فإناّ نبدأ به.
الثاني: أنّ الأصل في إطلاق الأسماء بين المسلمين إرادة المعنى الشرعي فإذا
قال والله لا أصومن يوم الخميس هل يمكن أن نحمل هذا على الإمساك عن الكلام؟
وإذا نوى ويقول والله لا أصومن يوم الخميس قلنا الصيام هو الصيام الإمساك
عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فقال أنا أريد الإمساك عن
الطعام؟ يقبل منه أو لا يقبل؟ ينبغي أن تقولوا يقبل ألم نجعل النية هو رقم
واحد أليس كذلك؟ ثم في المرتبة الأخيرة الاسم فإذا قال أنا أريد أن أمسك عن
الكلام ما أردت الصيام ولا نويت الصيام نقول إنك لا تحنث إذا تركت الصيام
وتحنث إذا تكلمت.
ثم - قال رحمه الله - (فالمطلق ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح)
يشترط أن نحمله على المعنى الشرعي أيضا الصحيح فإذا قال والله لا أبيعن هذه
السيارة ثم باعها بيعا فاسدا فإنه لا يحنث والدليل على هذا أنّ الله تعالى
قال {وأحل الله البيع} [البقرة/275] وجه الاستدلال؟ أنّ الآية سمت البيع
الصحيح فقط هو البيع فإذا باع بيعا فاسدا فإنه لا يحنث.
والقول الثاني: أنه يحنث لأنه أتى بصورة المحلوف عليه والصواب الأول لأنّ
مادمنا نحمله على المسمى الشرعي فأيضاً لا بد أن نحمله على التصحيح الشرعي.
ثم - قال رحمه الله - (فإذا حلف لا يبيع أو
لا ينكح فعقد عقدا فاسدا لم يحنث)
تقدم معنا أنه إذا عقد عقدا فاسدا لم يحنث إلاّ أنّ بعض الفقهاء فرق بين
البيع والنكاح فقال إنه يحنث في البيع ولا يحنث في النكاح فإذا نكح نكاحا
فاسدا بعد أن أقسم أن لا يفعل فإنه لا يحنث وإن باع بيعا فاسدا بعد أن أقسم
أن لا يفعل فإنه يحنث يعني فرقوا بين البيع والنكاح والصواب أنه لا تفريق
بين العقود الشرعية. وأنّ الجميع لا يحصل به الحنث.
ثم - قال رحمه الله - (وإن قيّد يمينه بما يمنع الصحة كأن حلف لا يبيع
الخمر أو الحرحنث بصورة العقد)
إذا أنشأ اليمين على عقد فاسد فإنه إذا خالف يمينه فإنه يحنث وعللوا هذا
بأنه لا يتصور البر بهذه اليمين إلاّ بذلك ولا يتصور الحنث بها إلاّ
بمخالفته.
والقول الثاني: أنه لا يحنث حتى في هذه الصورة لأنّ أيمان المسلمين تحمل
على العقود الصحيحة ولو حلف على عقد فاسد بناء على هذا إذا قال والله لا
أبيعن هذه الجارية والجارية أم ولد فهو حلف على بيع فاسد او صحيح؟ بيع فاسد
على القول بتحريم بيع أمهات الأولاد فحينئذ عند الحنابلة يحنث إذا باعها
وعلى القول الثاني متى يحنث؟ لا يحنث لأنه لا يمكن أن يبيعها بيعا صحيحا
أليس كذلك؟
يمكن للإنسان أن يبيع البيع الفاسد بيعا صحيحا لا يمكن لو قال والله لا
أبيعن الخمر كيف يحنث على القول الثاني؟ لا يحنث لأنهم يقولون انه لا يحنث
لأنّ هذه اليمين لا يمكن أن يحنث بها إلاّ ببيع صحيح ولا يمكن البيع الصحيح
والراجح المذهب وأنه لو باع فإنه آثم والبيع باطل ولكن عليه كفارة يمين.
وانتقل إلى الحقيقي.
قال - رحمه الله - (والحقيقي: هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته كاللحم)
هنا ننبه لشيء أولا الحقيقي يعني اللغوي والتعبير باللغوي أوضح. ثانيا صنيع
المؤلف يوهم أنّ الحقيقي يأتي في المرتبة الثانية بعد الشرعي أليس كذلك؟
والواقع أنّ الحنابلة يرون أنّ العرفي مقدم على الحقيقي وهذا مما أشرت إليه
آنفا أنّ الشيخ في الحقيقة المؤلف - رحمه الله - لم يرتبها على المطلوب.
اللفظ الحقيقي هو اللفظ المستعمل في حقيقته
اللغوية المؤلف يقول كاللحم. فاللحم إذا قال والله لا آكل لحما فقد حلف على
مسمى لغوي صحيح فإنّ اللحم ليس له مجاز فإذا أكل شحما فإنه لا يحنث لأنه
حلف على أكل اللحم وهو لم يأكل الآن لحما وإنما أكل شحما
والقول الثاني: أنه إذا حلف على ترك اللحم وأكل شحما يحنث. وقالوا لأنّ
الشحم مع بقية أجزاء الجسد تسمى لحما والصحيح المذهب وهذه الأجزاء وإن سميت
لحما فإنما تسمى على سبيل الإجمال لا التفصيل.
قال - رحمه الله - (فإن حلف لا يأكل اللحم فأكل شحما أو مخا أو كبدا ونحوه
لم يحنث, وإن حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والتمر والملح والزيتون
ونحوه)
إن حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والتمر والملح والزيتون قلنا أنّ
الإدام في العرف وفي مقاصد الشرع هو كل ما يأكل بالخبز وما يأكل بالخبز على
نوعين: إما أن يأخذ به أخذا. أو أن يغمس فيه غمسا. هو بدأ بالقسم الأول وهو
ما يأخذ فيقول حنث بأكل البيض والتمر والملح والزيتون ونحوه. إذ هذه
الأشياء تأكل عادة بالخبز ومثلها اللحم وفي الحديث سيد الأدم اللحم؟ وفي
الحديث الآخر نعم الإدام الخل إذا هذه الأشياء ونحوها تأكل بالخبز فتعتبر
إدام فإذا على أن لا يأكل أدما وأكلها حنث.
القسم الثاني: ما يصطبغ به.
قال - رحمه الله - (وكل ما يصطبغ به)
يعني ما يغمس مثل ماذا؟ مثل العسل وزيت الزيتون والسمن فإنه هذه تأكل
بالخبز عن طريق الغمس الذي هو الاصطباغ فأيضاً يحنث.
قال - رحمه الله - (ولا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا أو نعلا حنث)
إذا حلف أن لا يلبس شيئا وأطلق فإنه يتناول كل ما يلبس في اليد والرجل
والبدن والرأس لأنّ ما يوضع على هذه الأجزاء يسمى لبسا في الشرع وفي اللغة
وفي العرف فإذا إذا لبس أي شيء فإنه يعتبر حانثا فإذا لبس ما يلبس على
الرأس في قدمه أو لبس ما يلبس في اليد في قدمه فإنه لا يحنث لماذا؟ لأنّ
هذا لا يسمى في العرف ولا في اللغة لبسا ولو لبسه إلاّ أنه لا يسمى لبسا.
قال - رحمه الله - (وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان)
إذا حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام أي إنسان
لماذا؟ لأنه فعل ما حلف على تركه وإذا فعل ما حلف على تركه فهو حانث.
قال - رحمه الله - (ولا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث)
إذا حلف أن لا يفعل شيء فوكل شخصا آخر ليفعله حنث والسبب في هذا أنّ
حقيقة الفعل تنسب للموكِل لا للموكَل ولهذا في الآية
{يا هامان ابن لي صرحا} [طه/92] اعتبرت دليل على أنّ الفعل ينسب
الموكِل لا الموكَل وجه الاستدلال؟ لأنه اعتبر البناء بأمره
أيضا وجه آخر اللي بيبني هو هامان من؟ وهو نسب البناء لمن؟ لهامان مع
أنه لن يبني إذا ممكن نقول وجه الاستدلال فيها من جهة هامان ومن جهة
فرعون. فإذا قال والله لا أبني بيتا وبنا أو وكل أحدا فهو حانث.
قال - رحمه الله - (إلاّ أن ينوي مباشرته بنفسه)
إذا نوى بقوله والله لا أفعل كذا يعني أن لا أباشره ثم وكل غيره فإنه
لا يحنث وهذا معلوم من اشتراط أن لا توجد في القضية نية.
مسألة / إذا حلف أن لا يفعل شيئا فوكل في فعله. يعني قال والله لا أقود
السيارة فوكل في قيادتها أو قال والله لا أبني فوكل في بناءه أو قال
والله لا أبيع فوكل في البيع؟ لأنه كما نقول في العكس أنّ الفعل بنسب
للآمر به كذلك إذا وكل فالفعل هذا ينسب للموكِل لا لمن حلف فإذن لا
يحنث.
قال - رحمه الله - (والعرفي: ما اشتهر مجازه فغلب على الحقيقة)
العرفي ما غلب مجازه على حقيقته كما أنّ الحقيقي ما غلبت حقيقته على
مجازه. إذن العرفي هو ما اشتهر مجازه يعني ما غلب على حقيقته.
يقول - رحمه الله - (كالراوية والغائط)
الراوية في لغة العرب / يطلق على الجمل لكن بشكل خاص وهو الذي يستسقى
عليه وفي العرف يطلق على المزادة.
يقول - رحمه الله - (والغائط)
فالغائط في لغة العرب / هو المنخض من الأرض وفي العرف يطلق على ماذا؟
على الفضلات الخارجة من الإنسان.
من أمثلته أيضا. العيش. فالعيش في اللغة يطلق على الحياة الهنيئة أو
الحياة الدنيا. وفي العرف يطلق على ما يأكل من خبز ونحوه إذن يوجد كثير
من الألفاظ لها معنى في العرف ولها معنى في اللغة العربية , أحيانا
يغلب المعنى العربي وأحيانا يغلب المعنى العرفي.
قال - رحمه الله - (فتتعلق اليمين بالعرف)
اليمين تقدم في العرف على اللغة واستدلوا
على هذا بأنّ مقاصد عامة الناس في حديثهم إرادة المعنى العرفي لا
اللغوي. وإلى هذا تقديم العرفي على اللغوي ذهب الأئمة الثلاثة
والجماهير.
والقول الثاني: أنّ المعنى الحقيقي يعني اللغوي يقدم على العرفي
واستدلوا على هذا بأنّ المعنى الحقيقي هو الأصل واعتبار الأصل أولى من
اعتبار الفرع والراجح القول الأول وهو المذهب لأنّ القاعدة في الأيمان
الرجوع لمقصود الحالف وإذا كان غالبا سيقصد المعنى العرفي فاعتباره
أولى.
قال - رحمه الله - (فإذا حلف على وطء زوجته)
فقوله والله لا أطأن زوجتي له معنى لغوي وله معنى عرفي فالمعنى اللغوي
هو أن يطأ عليها بقدمه هذا الوطء في اللغة والمعنى العرفي هو أن
يجامعها فإن جامعها حنث لأنّ المعنى العرفي مقدم على المعنى اللغوي.
المثال الثاني
يقول - رحمه الله - (أو وطء دار تعلقت يمينه بجماعها وبدخول الدار)
فقال إذا قال والله لا وطئت هذه الدار فالمعنى اللغوي أن يطأ الدار
بقدمه والمعنى العرفي أن يمتنع عن دخول الدار بأي شكل من الأشكال ولو
محمولا ولو راكبا ولو على يديه ولو على أربع أليس كذلك؟ فإذا حملنا
لفظه على المعنى اللغوي نقول إذا حمل ثم دخل به الدار لم يحنث لأنه حلف
أن لا يطأ وهو لم يطأ وعلى المعنى العرفي إذا دخل الدار بأي طريقة فإنه
يحنث ومن المعلوم أنّ الإنسان إذا قال والله لا أطأ دار فلان فهو يريد
الامتناع عن أصل الدخول لا عن صفته.
قال - رحمه الله - (وإن حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره) لم
يحنث
إذا حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا المؤلف يشير إلى قاعدة [وهي أنّ م
حلف على ترك أكل شيء فإنه إذا استهلك في غيره بحيث لم يبقى له طعم ولا
رائحة ولا لون فإنه لا يحنث بأكل هذا الغير] واستدل الحنابلة على هذه
القاعدة بأنّ المستهلك في غيره كالمعدوم.
والدليل الثاني: أنه إذا أكل المستهلك فهو لم يأكل المحلوف على تركه
وهذه المسألة تقترب من مسائل التعيين إلى حد كبير.
يقول الشيخ - رحمه الله - (كمن حلف لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن)
الخبيص هو عبارة عن حلوى تصنع من التمر
والسمن واشتهر أنّ أول من صنع هذه الحلوى هو عثمان بن عفان - رضي الله
عنه - لقصد إكرام النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا حلف لا يأكل سمنا
فأكل خبيصا فيه سمن بشرط لا يظهر فيه طعمه فإنه لا يحنث لأنه أكل السمن
مستهلكا في الخبيص إذن المثال واضح لكن أنا أقول أني أستغرب أن يوجد
خبيص لا يظهر فيه أثر السمن أليس كذلك؟
هم تواترت عباراتهم على التمثيل بهذا فلا أدري هل يوجد مثلا أكلة عندهم
يوضع فيها مواد تذهب بطعم السمن لأنّ السمن أقوى من التمر فأين يذهب
أليس كذلك؟ لكن المثال واضح من حيث هو واضح.
يقول - رحمه الله - (أو لا يأكل بيضا فأكل ناطفا لم يحنث)
الناطف: أيضا حلوى يصنع من البيض فإذا صنع البيض ناطفا فإنّ طعمه
ورائحته ولونه يذهب , أما الناطف فلا أعرفه. أماالخبيص موجود عندنا
خلطة سمن بالتمر موجود معروف لكن الناطف لا أعرفه لا أتصوره حتى أتمكن
من تبيّين كيف ذهب طعم ولون ورائحة البيض لكن المثال واضح إذا ذهب لونه
وطعمه ورائحة البيض فقد استهلك في هذه الحلوى فإذا أكلها لا يعتبر آكلا
للبيض فلا يحنث.
قال - رحمه الله - (وإن ظهر طعم شيء من المحلوف عليه حنث)
أيضا يشير إلى قاعدة أخرى جميلة جدا [وهي أنّ أكل المحلوف عليه يحصل به
الحنث مستقلا أو تبعا] لأنه إذا أكل المحلوف على تركه مع غيره فهو كما
لو أكله منفردا وأي فرق بين أن يأكل المحلوف عليه مع غيره أو أن يأكله
منفردا لا فرق أبدا ولذلك فإنه يحنث.
فصل
يقول المؤلف - رحمه الله - (وإن حلف لا يفعل شيئا ككلام زيد ودخول دار
ونحوه ففعله مكرها لم يحنث)
تقدمت هذه المسألة معنا وذكرنا الخلاف فيها وتعليل الحنابلة.
قال - رحمه الله - (وإن حلف على نفسه أو غيره ممن يقصد منعه كالزوجة
والولد ألاّ يفعل شيئا ففعله ناسيا أو جاهلا حنث في الطلاق والعتاق
فقط)
يقول إذا حلف على نفسه أو على غيره يقول
ممن يقصد منعه ويشترط في هذا الغير أن يكون ممن يمتنع بيمينه كالزوجة
والولد فالحكم كالتالي إذا حلف على نفسه أو على غيره ممن يمتنع بيمينه
أنه إن فعله ناسيا أو جاهلا فلا حنث عليه ولا إثم ولا كفارة إلاّ في
الطلاق والعتاق فإذا حلف بالله أو نذر نذرا أخرجه مخرج اليمين فإنه إذا
حنث ناسيا أو جاهلا فلا كفارة. الدليل أنّ الكفارة إنما يراد منها رفع
الإثم ومع النسيان والجهل لا إثم.
ثم - قال رحمه الله - (حنث في الطلاق والعتاق فقط)
أفادنا المؤلف أنه في اليمين والنذر كما تقدم معنا أنه لا يحنث لكنه
يحنث في الطلاق والعتاق فإذا حلف بالطلاق والعتاق على نفسه أو على غيره
ثم وقع المحلوف عليه فإنه يقع الحنث استدلوا بدليلين:
الدليل الأول: أنّ الحلف بالطلاق كالتعليق والتعليق لا يشترط فيه القصد
بدليل لو قال أنت طالق إذا قدم فلان فإنه إذا قدم فلان لا قصد من
المعلق ومع ذلك تطلق المرأة إذا الدليل الأول أنّ الحلف بالطلاق إنما
هو تعليق والتعليق لا يحتاج إلى قصد.
الدليل الثاني: أنه إذا حلف بالطلاق والعتاق فإنه اشتمل على حق غيره
وهو المعتق والمطلق فنفذ الحكم كالإتلافات فإنه إذا أتلف مال غيره فإنه
يضمن ولو جاهلا أو ناسيا لماذا يضمن؟ لأنه يتعلق به حق للغير كذلك هنا
يحنث لأنه يتعلق به حق للغير.
والقول الثاني: أنه لا يحنث في كل الأنواع بلا فرق لأنّ النصوص
المستثنية للجاهل والناسي عامة تشمل أن يحلف بالطلاق أو العتاق أو
بغيرهما وهذا هو الصحيح. ثم المسألة الأخيرة
قال - رحمه الله - (أو على من لا يمتنع بيمنه من سلطان وغيره ففعله حنث
مطلقا)
إذا حلف على من لا يمتنع بيمينه ففعله هذا الذي لا يمتنع بيمينه فإنه
يحنث مطلقا وقوله مطلقا يعني ولو ناسيا أو جاهلا لأنه حلف على من لا
يمتنع بيمينه.
ثم - قال رحمه الله - (وإن فعل هو أو غيره ممن قصد منعه بعض ما حلف على
كله لم يحنث , ما لم تكن له نية)
إذا فعل بعض المحلوف على تركه لم يحنث لأمرين: الأول" أنه في حقيقة
الأمر لم يفعل المحلوف عليه وإنما فعل بعضه.
الدليل الثاني: أنّ النبي - صلى الله عليه
وسلم - كان وهو معتكف يخرج رأسه إلى عائشة فدل هذا على أنّ إخراج البعض
ليس كإخراج الكل.
والقول الثاني: أنه إذا فعل بعض المحلوف على تركه فإنه يحنث لأنّ مقصود
الحالف الامتناع عن أصل هذا الفعل بجزئه وكله فإذا قال والله لا أخرج
من البيت وأخرج رجله فعلى المذهب لا يحنث وعلى القول الثاني يحنث.
والراجح المذهب.
ثم - قال رحمه الله - (ما لم تكن له نية)
إذا كان ينوي أثناء الحلف ألاّ يفعل كل المحلوف على تركه وبعضه فإنه
إذا فعل البعض حنث ويضاف مسألة أخرى تستثنى وهي إذا ما دلت القرائن على
أنه أراد البعض كما إذا قال والله لا أشرب هذا النهر فمن المعلوم أنّ
القرينة دلت على أنه أراد من هذا النهر لأنه لا يمكن أن يشرب كل النهر
فبمجرد ما يشرب أي جزء من هذا النهر فإنه يحنث لدلالة القرينة لا
النية.
الدرس: (3) من الأيمان
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك
على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
باب النذر
النذر هو إلزام النفس نفسه عبادة لله.
قال المؤلف - رحمه الله - (لا يصح إلاّ من بالغ عاقل ولو كافر)
قوله لا يصح بيان للحكم الوضعي ولم يتطرق المؤلف للحكم التكليفي وغيره
من الحنابلة تطرقوا وكان ينبغي أن يتطرق لأنّ بيان حكم التكليفي أهم من
بيان الحكم الوضعي واختلف الفقهاء في حكم النذر على أقوال:
الأول" وهو المذهب وإليه ذهب الجماهير أنه مكروه وصحيح واستدل الجمهور
بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى النذر وقال إنه لا يأتي بخير
وإنما يستخرج به من البخيل. وجه الاستدلال من وجهين: الأول: أنه نهى
والأصل في النهي التحريم.
الثاني: أنه إذا كان لا يأتي بخير فبذل المال ففيه من بذله في غير
فائدة شرعية فهو إسراف وتبذير والإسراف والتبذير محرم.
القول الثاني: وهو مذهب بعض السلف واختاره
الصنعاني ومال إليه شيخ الإسلام أنه محرم وإن كان صحيحا لكن يحرم على
الإنسان أن يعقد النذر واستدل بالدليل السابق وقال دلالته على التحريم
لأنّ النهي الأصل فيه التحريم والأصل في الإسراف والتبذير أيضا
التحريم.
القول الثالث: أنه يستحب لأنّ الله تعالى مدح الذين يوفون بالنذر وجه
الاستدلال أنّ الإيفاء بالنذر ممدوح ولو كان النذر محرما لم يمدح لأنّ
سيئة التحريم تفوق الوفاء بالنذر. وأجابوا عن الأحاديث الناهية عن
النذر أنّ المقصود بها تأكيد الوفاء بالنذر وليس النهي عنه.
والقول الرابع: أنه مباح جمعا بين النصوص. والراجح أنه مكروه لصريح
النهي عنه.
ثم - قال رحمه الله - (لا يصح إلاّ من بالغ عاقل)
قوله لا يصح إلاّ من بالغ عاقل يعني لا يصح إلاّ من المكلف وفهم من
كلام المؤلف أنه لا يجب على المميز ولا على المراهق وإنما يجب على
المكلف فقط وهذا صحيح وهو محل وفاق بين الفقهاء لقول النبي - صلى الله
عليه وسلم - رفع القلم عن ثلاثة. والإنسان قبل التكليف لا يجب عليه شيء
من الواجبات في أصل الشرع ولا بفرعه.
ثم - قال رحمه الله - (ولو كافرا)
يعني ويصح ويلزم ولو من كافر لأنّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
استفتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه نذر أن يعتكف يوما
في المسجد الحرام فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أوف بنذرك.
والمقصود بقوله بنذرك يعني الذي كان حال الكفر. فدل هذا الحديث على أنه
يصح من الكافر.
ثم - قال رحمه الله - (والصحيح منه خمسة أقسام)
النذر لا ينعقد بمجرد النية بل يحتاج إلى قول فلا يصح إلاّ بقول وإلى
هذا ذهب الجماهير وإذا ثبت أنه لا يصح إلاّ بقول فهل له ألفاظ مخصوصة
أو يصح بكل قول فيه خلاف فمن الفقهاء من قال له ألفاظ مخصوصة أو له لفظ
مخصوص وهو أن يقول لله علي كذا وكذا.
أو يقول علي كذا وكذا. ولو بلا لله وإذا لم يستخدم هذا اللفظ فإنه لا
يصح.
القول الثاني: أنه ليس لفظ محدد بل ينعقد بكل ما دل عليه.
والقول الثالث: أنه لا ينعقد إلاّ بلفظه
الخاص إلاّ إذا دل عليه قرينة أو حال المتكلم فإنه ينعقد بكل لفظ.
والراجح القول الثالث إن شاء الله ويختص بلفظ معين ما لم تدل القرائن
على أنه ينعقد بكل لفظ وهذا القول الثالث الخلاف أو الفرق بينه وبين
القول الثاني محدود
جدا في مسائل قليلة.
قال - رحمه الله - (المطلق: مثل أن يقول لله علي نذر , ولم يسم شيئا
فليزمه كفارة يمين)
المطلق يعني القسم الأول النذر المطلق هو كما قال المؤلف أن يقول لله
علي نذر ولم يقيد هذا النذر بعمل معين فحكمه على كلام المؤلف أنه صحيح
وفيه كفارة وإلى هذا ذهب الجمهور جماهير العلماء على هذا واستدلوا
بأمرين: الأول: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كفارة النذر إذا لم
يسم كفارة اليمين وهذا الحديث فيه ضعف.
الثاني: أنه صح عن ابن عباس وغيره من الصحابة أنهم أفتوا بذلك.
والقول الثاني: أنه يعني النذر الذي لم يسم لا ينعقد وليس فيه كفارة
واستدلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما النذر ما ابتغي به
وجه الله. وهذا لم يقيد الفعل أصلا والراجح الأول لأنه مروي عن الصحابة
وليس في الباب ما يدفعه بل فيه حديث ضعفه يسير.
قال - رحمه الله - (الثاني: نذر اللجاج والغضب وهو تعليق نذره بشرط
يقصد المنع منه أو الحمل عليه أو التصديق أو التكذيب)
المقصود بنذر اللجاج والغضب هو النذر الذي خرج مخرج اليمين ولم يقصد
صاحبه الطاعة والتبرك وإنما قصد أمرا من أربعة إما الحث أو المنع أو
التصديق أو التكذيب. فإذا خرج هذا المخرج فهو نذر لجاج وغضب وحكمه قال
فيه المؤلف حكمه أنه يخير بين أن يفعل النذر أو يكفر كفارة يمين وإلى
هذا ذهب الجمهور ومقصودهم إذا حصل الشرط فإذا قال لله علي نذر أن أصوم
إن خرجت أو إن دخلت ثم خرجت أو دخلت فإنه مخير بين أن يصوم وبين أن
يكفر كفارة يمين واستدل الجمهور بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا
نذر في غضب وكفارته كفارة يمين. وهذا الحديث أيضا في البخاري.
الدليل الثاني: أنّ هذا مروي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
الدليل الثالث: أنّ نذر اللجاج والغضب فيه معنى النذر وفيه معنى اليمين
فيبرأ من العهدة بأداء أي منهما.
القول الثاني: أنّ فيه كفارة يمين فقط يعني
تلزمه كفارة اليمين ولو أدى المنذور ولو صام في المثال السابق واستدلوا
بأنّ الحديث يقول لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين.
والقول الثالث: أنه لا يبرأ إلاّ بالوفاء بالنذر للعمومات الآمرة
بالوفاء بالنذر ولا يخفاكم أنّ الراجح المذهب إن شاء الله. لقوة أدلتهم
ولأنّ معهم الآثار.
قال - رحمه الله - (الثالث: نذر المباح كلبس ثوبه , وركوب دابته)
معنى النذر المباح أي التزام المكلف فعلا مباحا فإذا التزم فعلا مباحا
لا يوصف بأنه معصية ولا بأنه طاعة فهو من هذا القسم الثالث وهو النذر
المباح.
يقول - رحمه الله - (فحكمه كالثاني)
يعني حكمه حكم نذر اللجاج فيكون مخير بين أن يفعل وبين أن يكفر ولا يجب
عليه أن يفعل واستدلوا بأدلة الدليل الأول: أنّ جارية نذرت إن قدم
النبي - صلى الله عليه وسلم - سالما أن تضرب على رأسه بالدف فقال النبي
- صلى الله عليه وسلم - أوف بنذرك.
الثاني: القياس على القسم السابق.
القول الثاني: أنّ النذر المباح لا ينعقد وليس فيه كفارة يمين واستدلوا
هؤلاء بدليلين: الأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما النذر ما
ابتغي به وجه الله , هذا الحديث صححه ابن الملقن وتقريبا جميع
المعاصرين.
والدليل الثاني: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد على المنبر
ليخطب فرأى رجلا واقفا فقال ما بال هذا فقالوا إنه نذر أن يقوم فلا
يقعد ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه.
وجه الاستدلال أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بكفارة مع
أنه نذر أن يقوم , هذا القول الثاني مال إليه ابن عبدوس وهو قول في
الحقيقة يعني الآثار تقويه لكن يشكل عليه ما سيأتينا بعد قليل في مسألة
نذر المعصية. والقول اللي هو المذهب رجحه شيخ الإسلام - رحمه الله -
وقال [من نذر أن يفعل مباحا فقد حلف على فعله أو كأنه حلف على فعله]
ثم - قال رحمه الله - (وإن نذر مكروها من طلاق أو غيره استحب أن يكفر
ولا يفعله)
قوله نذر مكروها إن نذر فعلا مباحا لكنه
مكروه ففي هذه الحال أيضا يخير لكن يستحب أن لا يفعل المكروه. والدليل
على هذا القياس على اليمين وتقدمت معنا قياس على لو حلف على أمر غير
مستحب.
والثاني: أنّ فعل المكروه لا يستحب ولذلك استحببنا له أن يكفر وأن لا
يفعل.
قال - رحمه الله - (الرابع: نذر المعصية كشرب خمر , وصوم يوم الحيض ,
والنحر)
نذر المعصية أن يلتزم بالنذر فعل محرما كأن يقول لله علي نذر أن أشرب
الخمر وأن أصوم يوم الحيض أو النحر. وهذه المسائل التي ذكرها المؤلف
نادرا أو لا تكاد تقع لكن من أشهر صور نذر المعصية أن ينذر نذرا يشتمل
على قطيعة الرحم المحرمة هذا موجود كثير.
يقول الشيخ - رحمه الله - (فلا يجوز الوفاء به)
نذر المعصية لا يجوز الوفاء به إجماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم من
نذر أن يعصي الله فلا يعصه. فلا إشكال في أنه لا يجوز الوفاء به
ثم - قال رحمه الله - (ويكفر)
إذا نذر نذر المعصية صار ملزما بكفارة اليمين بخلاف الأنواع السابقة
التي يخير فيها هنا لا تخيير بل هو ملزم بالكفارة واستدلوا بأدلة
الدليل الأول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا نذر في معصية
وكفارته كفارة يمين. هذا صححه المتأخرون وضعفه جمهور الأئمة والراجح
أنه لا يصح لكن مع ذلك الإمام أحمد احتج به وتقدم معنا أنّ احتجاج
الإمام أحمد بنص لا يلزم منه التصحيح.
الدليل الثاني: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال النذر يمين
وكفارته كفارة اليمين.
الدليل الثالث: أنه صح عن ابن عباس أنه قال من نذر نذر معصية فعليه
كفارة اليمين.
والقول الثاني: أنّ من نذر نذر معصية فإنه لا شيء عليه وهو لغو باطل
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نذر إلاّ فيما ابتغي به وجه
الله. ولعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - لا نذر في معصية. والأصل في
النفي أنه نفي للحقيقة الشرعية. يعني أنه لم ينعقد وإذا لم ينعقد فهو
عبث ولغو. مسألة نذر المعصية ونذر المباح يعني مسألتان قريبتان من بعض.
الراجح فيهما اعتمادا على الآثار وجوب الكفارة وإلاّ في الحقيقة من حيث
النظر القول بأنه لا ينعقد وجيه جدا لولا الآثار ومال إليه أي إلى هذا
الأمر كثير من المحققين
وهو مذهب الشافعي الذي نصره ونصره تبعا
لنصره البيهقي فهو مذهب قوي وحديث الجارية التي نذرت أن تضرب على رأسه
- صلى الله عليه وسلم - لا يدل على تصحيح نذر المباح لأنّ الضرب على
رأس النبي فرحا بقدومه نوع من العبادة فلا يصدق عليه أنه نذر مباح صحيح
الأصل في ضرب الدف أنه مباح في الأحوال التي يجوز فيها لكن في هذه
الصورة هو يعتبر طاعة وقربة مقصودي أنه لا يوجد دليل واضح على تصحيح
نذر المباح ونذر المعصية وإيجاب الكفارة سوى الآثار. الآثار هي التي
جعلت الإنسان يتوقف ويرجح مذهب الجمهور الذين قالوا بوجوب الكفارة.
ثم - قال رحمه الله - (الخامس: نذر التبرر)
نذر التبرر هو كل نذر قصد به الإنسان التقرب إلى الله بعبادة مشروعة
فإذا قصد بالنذر التقرب إلى الله فهو نذر تبرر.
ثم - قال رحمه الله - (مطلقا أو معلقا)
يعني سواء كان النذر نذر الطاعة طاعة مطلقا أو معلقا , فالمطلق وهو
أفضل النوعين أن يبتدئ النذر من غير مقابلة نعمة كأن يقول ابتداء لله
علي نذر أن أصوم يوما في سبيل الله. والنذر المعلق هو كل نذر نذره
الإنسان في مقابل نعمة أو اندفاع نقمة , كأن يقول لله علي نذر إن حفظت
بلوغ المرام أن أصوم لله أو أن أتصدق أو أن أذبح وكان يقول هذا بالنسبة
للنعمة , وكأن يقول بالنسبة للنقمة لله علي نذر إن شفيت أو إن شفي
مريضي أن أفعل كذا وكذا من العبادات فالنذر بنوعيه صحيح ومنعقد. ثم
بيّن حكمه ومثّل
فقال - رحمه الله - (كفعل الصلاة والصيام والحج ونحوه)
نذر الطاعة ينقسم إلى قسمين: القسم الأول أن ينذر واجبا له نظير في أصل
الشرع يعني من حيث الوجوب.
القسم الثاني: أن ينذر نذرا ليس له نظير في أصل الوجوب من حيث الشرع
فإذا قال لله على نذر أن أصلي فالصلاة تجب بأصل الشرع وإذا قال لله علي
نذر أن أزور المريض أو أن أعتكف فقد نذر نذرا ليس له أصل في الوجوب
شرعا. المؤلف مثل على القسم الأول ولم يمثل على القسم الثاني ولو أنه
شكل ونوّع على كل قسم لكان أوفى.
يقول - رحمه الله - (كقوله إن شفى الله مريضي أو سلم مالي الغائب فلله
علي كذا)
كذلك مثّل دفع نقمة ولم يمثلّ على جلب نعمة
, ولو أنه مثلّ على النوعين لكان أوفى فقوله إن شفى الله مريضي هذا نذر
تبرر مطلق ولا معلق؟ معلق. وكذلك إن سلم مالي الغائب فلله علي كذا نفس
الشيء.
يقول المؤلف - رحمه الله - في بيان الحكم (فوجد الشرط لزمه الوفاء به)
عرفنا من هذا أنّ بعض أنواع النذر يخير وبعض أنواع النذر يلزم بالكفارة
وبعض أنواع النذر يلزم بالوفاء ولزوم الوفاء بنذر التبرر ينقسم إلى
قسمين: إن كان في طاعة أصلها واجب في الشرع فهو واجب إجماعا لقول النبي
- صلى الله عليه وسلم - من نذر أن يطيع فليطعه. وإن كان التزاما لأمر
لم يجب لأصل الشرع كالاعتكاف وزيارة المريض والصدقة ونحوها فإنه
والحالة هذه يجب عند الجماهير لكن ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يجب لأنه
لم يجب بأصل الشرع فلا يجب بالنذر وهذا القول الثاني ضعيف جدا لأنه
مخالف لنص الحديث بلا مبرر فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول من
نذر أن يطيع الله فليطعه. ولم يفرق بين أنواع النذر والوجوب في النذر
مستفاد من النذر لا من الأدلة الدالة على وجوب العبادات في أصل الشرع.
ثم - قال رحمه الله - (إلا إذا نذر الصدقة بماله كله)
لما قرر وجوب الوفاء بالنذر أراد أن يبيّن المستثنيات , المستثنى
الأول: أن ينذر التبرع بماله كله هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على
نحو عشرة مذاهب: يعني الإنسان لا يتصور أن يكون في هذه المسألة هذه
المذاهب. لكنهم اختلفوا على القدر نحن نذكر الأقوال القوية من هذه
العشر:
القول الأول: أنه لا يجب عليه أن يوفي بنذره , وإنما يحب عليه أن يخرج
الثلث واستدلوا بأنّ أبا لبابة - رضي الله عنه - نذر أن يتصدق بماله
كله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يجزيك الثلث.
الدليل الثاني: أنّ كعب - رضي الله عنه - لما جاءت توبته قال لله علي
نذر أن أتصدق بمالي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أبق عليك بعض
مالك. وهذا في الصحيحين والأول ضعيف.
القول الثاني: أنه يجب عليه أن يوفي بما نذر وأن يتصدق بجميع ماله
لعموم من نذر أن يطيع الله فليطعه. وعلى هذا يتصدق بالنقد والأعيان
والبيوت وجميع أنواع الأموال.
القول الثالث: أنه يتصدق بكل المال ويبقي
عليه ما يكفيه وولده بالمعروف بلا تحديد قدر معين من المبقى وإلى هذا
ذهب عدد من السلف من المتقدمين واختاره ابن حزم واختاره ابن القيم
واستدل هؤلاء بالحديث حديث كعب فإنه أمره بأن يبقي بعض المال وهذا
القول الأخير وجيه وفيه جمع بين الأدلة إلاّ أنه يشكل عليه شيء واحد
وهو أنّ حديث كعب ليس فيه لفظ النذر مطلقا وإنما فيه الصدقة فالاستدلال
له قاصر نوعا ما لكن مع ذلك الاستئناس به إلى أنه يجب أن يخرج جميع
المال ويبقي ما يكفيه وولده جيد وفيه نوع من الجمع بين الأدلة. يليه في
القوة القول أنه يجب أن يخرج جميع ماله لأنه لا يوجد مقيد للحديث من
نذر أن يطيع الله فليطعه. فبأي شيء نخرج عن هذا الحديث إذا كان حديث
أبي لبابة ضعيف والحديث الآخر ليس في النذر بأي نخرج عن هذا الحديث.
هناك قول رابع جيد ما أقول راجح لكن فيه وجهة نظر. أنه عليه أن يخرج
جميع ماله النقدي دون ما سواه من الأعيان ودليل هؤلاء أنّ أبا بكر
الصديق - رضي الله عنه - لما أخرج ماله سمي بأنه تبرع بكل ماله مع أنّ
بيته الذي يسكن فيه بقي له وهذا القول أيضا جيد المهم الراجح القول
الثالث يليه القول الثاني.
ثم - قال رحمه الله - (أو بمسمى منه يزيد على ثلث الكل)
يعني كذلك إذا نذر أن يتبرع بقدر من المال يزيد هذا القدر على ثلث
المال فكذلك لا يجب عليه إلاّ الثلث قياسا على المسألة السابقة فقاسوا
ما إذا زاد القدر المتبرع به على أكثر المال ما إذا تبرع بكل المال
والراجح أنه يجب عليه أن يتبرع بكل ما نذره إذا كان أقل من كل المال
يعني إذا لم يكن من كل المال يعني إذا لم يكن كل المال والمؤلف خالف
المذهب في هذه المسألة إذا هو يقول أو بمسمى منه يزيد على ثلث الكل
ويجعل ما زاد على الثلث حكمه حكم الكل مع العلم إنما زاد على الثلث قد
يكون زيادة قليلة وحينئذ يكون الباقي أكثر من أيش؟ يبقى الثلثان إلاّ
قليلا. ففي هذا القول ضعف ظاهر جدا لو كان القول أنه إذا زاد على
الثلثين يعني إذا نذر أن يتبرع بثلثي ماله لكان هذا القول وجيه لكن هم
يقولون منه ما يزيد على ثلث الكل فقط. ثلث الكل يسير ولا يوجد أي مبرر
للخروج عن الحديث.
ثم - قال رحمه الله - (فإنه يجزيه قدر
الثلث)
يعني في المسألة الأولى وفي المسألة الثانية. ومفهوم عبارة المؤلف أنه
يجزيه قدر الثلث بلا كفارة وهو كذلك لأنه إنما نقص عن كل المال بالأدلة
الشرعية فلا يجب عليه مع ذلك أن يكفر.
ثم - قال رحمه الله - (وفيما عداها يلزمه المسمى)
فإذا تصدق بالثلث فأقل فليزمه أن يخرج ما سمى بلا نزاع لعموم من نذر أن
يطيع الله فليطعه فهذا القدر لا إشكال في وجوبه فيجب عليه أن يخرجه
طاعة لله.
ثم - قال رحمه الله - (ومن نذر صوم شهر لزمه التتابع)
إذا قال الإنسان لله علي نذر أن أصوم شهرا فيجب عليه بمجرد اللفظ أن
يصومه متتابعا واستدلوا على هذا بأنّ المتبادر لإطلاق كلمة الشهر
التتابع فليزمه أن يصومه متتابعا.
والقول الثاني: أنّ له أن يصومه ولو بغير تتابع واستدلوا على هذا بأنّ
الشهر يطلق على معنيين في الشرع على ما بين الهلالين وعلى الثلاثين
يوما ولو نذر أن يصوم ثلاثين يوما فإنه لا يلزمه التتابع فكذلك إن نذر
شهرا لأنه أحد معنييه وهذا صحيح وعرفنا الآن الفرق بين أن يقول الإنسان
لله علي نذر أن أصوم ثلاثين يوما وبين أن يقول لله علي نذر أن أصوم
شهرا بينهما فرق لأنه بالعبارة الثانية يلزمه على المذهب التتابع.
ثم - قال رحمه الله - (وإن نذر أياما معدودة لم يلزمه إلاّ بشرط ونية)
إذا نذر أياما معدودة يعني سواء كانت أقل من الشهر أو أكثر من الشهر أو
بعدد أيام الشهر فإنه لا يلزمه إلاّ أن يصومها ولو بغير تتابع
كأن يقول لله علي نذر أن أصوم ستة أيام فله أن يصوم متتابعة وله أن
يصومها متقطعة والدليل على هذا أنّ هذه الصيغة لا توجب التتابع فإنه
نذر صيام أيام فلا يلزمه التتابع. واستدلوا أيضا بقوله تعالى فعدة من
أيام أخر وقضاء صوم رمضان لا يجب فيه التتابع بالإجماع فكذلك الأيام
المنذورة لأنها أيام هنا وأيام هناك.
قال - رحمه الله - (إلاّ بشرط أو نية)
قوله إلاّ بشرط أو نية يعني إلاّ أن ينوي
التتابع في الأيام أو يشرط على نفسه التتابع في الصيام , والفرق بين
الشرط والنية أنّ النية بلا نطق والشرط بالنطق فإذا شرط أو نوى لزمه
التتابع. وقبل أن نختم من خلال النظر في أحوال الناس تجد أنّ كثير من
الناس يسارع في النذر وغالبا ما يجعل على نفسه نذرا صعبا جدا لأنه
يتحمس عند النذر طالبا تحقيق مراد أو دفع فساد فيذكر نذرا فيه تصعيب
سواء كان في العبادات او في التبرعات والواجب على الإنسان أن يتأنى كما
أنّ الواجب على طالب العلم أن ينبه الناس على أنّ النذر مكروه ولا يحبه
الله وأنه إذا أراد الإنسان أن ينذر فينبغي أن يقصد النذر المطلق لا
المعلق. الثاني أن يتأنى وأن لا يلزم نفسه بشيء يشق عليه في الحال أو
المآل. توجد امرأة نذرت أن تصوم يوما وتفطر يوما وحال النذر كانت امرأة
قد جاوزت الخمسين سنة لماذا؟ لأنّ ابنها كان مريضا مرضا شديدا وكانت
نفسها رقيقة ومتعلقة به فنذرت أن تصوم يوم وتفطر يوم فلما شفي وقعت في
إشكال عظيم والإشكال بالنسبة للناذر لاسيما إذا كان شخصا صالحا وتقيا
أنه حتى إذا أفتي بالكفارة لعجزه تبقى القضية في نفسه حرجة ويستمر
متردد وحرج من هذا الأمر وتعلمون أنّ حتى عائشة - رضي الله عنها - دخلت
في إشكال بسبب النذر أليس كذلك لأنها نذرت أن تكلم عبد الله بن الزبير
- رضي الله عنه - فلما دخل عليها وقبلها يدها ورجلها. وقالت إنما النذر
أمر شديد يعني كأنها تقول إشكال ولكن النذر أمره شديد فما زالوا بها
حتى كلمته فصارت تعتق تقريبا إلى أن توفيت وهي تعتق عن هذا النذر لأنها
دخلت في حرج شرعي بسبب النذر.
|